قصص آدم وحواء عليهما السلام في القرآن

قال الله عزوجل : « واذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الارض خليفة. قالوا اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك. قال : اني اعلم مالا تعلمون. وعلم آدم الاسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة. فقال : انبئوني باسماء هؤلاء ان كنتم صادقين. قالوا : سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا انك انت العليم الحكيم. قال : يا آدم انبئهم باسمائهم ، فلما انباهم باسمائهم. قال : الم اقل لكم اني اعلم غيب السموات والارض ، واعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون. واذ قلنا للملائكة : اسجدوا لآدم فسجدوا الا ابليس ابى واستكبر وكان من الكافرين. وقلنا : يا آدم اسكن انت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين. فازلهما الشيطان عنها فاخرجهما مما كانا فيه. وقلنا : اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الارض مستقر ومتاع الى حين. فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه انه هو التواب الرحيم. قلنا اهبطوا منها جميعا فأما ياتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. والذين كفروا وكذبوا بآياتنا اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون » (1). في هذه الآيات المباركة عرض متكامل لخلقة آدم ابو البشر عليه السلام وخلافة الانسان وقيادته ، كما توضح لنا ثلاث مسائل اساسية ومطالب مهمة هي : 1 ـ اخبار الملائكة بشان خلافة الانسان في الارض ، وما دار في المشهد من حوار. 2 ـ الطلب من الملائكة ان يكرموا ويعظموا الانسان الاول ، وهذا ما نجده في مواضع عديدة من القرآن. وبمناسبات مختلفة. 3 ـ شرح وضع آدم عليه السلام وحياته في الجنة والحوادث التي ادت الى خروجه من الفردوس ، ثم توبة آدم ، وحياته هو وذريته في الارض. عندما خلق الله عزوجل الدنيا ومافيها من كائنات ، اراد ان يجعل لها من يديرها ويدبر شؤنها ويكون خليفته عليها. وهذا الخليفة يجب ان تسمو مكانته على مكانة الملائكة وان يكون له قسط وافر من العقل والشعور والادارة والكفائة الخاصة حتى يستطيع ان يقود هذه الموجودات الارضية بما فيها من نِعَمها وكنوزها ومعادنها وبحورها وانهارها .... والخليفة ، هو النائب عن الغير ، وعليه ان يحمل صفات او بعض صفات المنوب عنه ، وان يلتزم باوامره وارشاداته حتى يتمكن ان يدير الامور على احسن وجه. والانسان هو خليفة الله في الارض ونائبه ، واول خليفة على ظهر الارض هو : آدم ابو البشر عليه السلام.
قول الملائكة :
عندما خلق الله آدم عليه السلام قالت الملائكة : « اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ... » لم يكن قول الملائكة هذا اعتراض كما يتصور البعض ، بل كان سؤال واستفسار ، لانه كان في علم الملائكة ان هذا الانسان يُخلق من تراب ويصبح مركزا للتنافس والنزاع. او كان للملائكة تجربة سابقة مع مخلوقات سبقت آدم ، وهذه المخلوقات تنازعت وسفكت الدماء فاصبح عند الملائكة انطباعا مرّا عن موجودات الارض. وقيل ان الله سبحانه اوضح للملائكة من قبل ان يخلق آدم على وجه الاجمال مستقبل الانسان وما يجري في الارض ....
تعليم الاسماء :
وبعد هذه المحاورة بين الملائكة وبين الله تعالى ، تأتي المرحلة الثانية وهي : « وعلم آدم الاسماء كلها ». ما هي الاسماء التي علمها الله تعالى لآدم وطلب من الملائكة ان يذكروها له ولم يتمكنوا واعتذروا ؟ اختلف المفسرون في ـ تعليم الاسماء ـ وما هي ، ومن المؤكد لم يكن تعليم مفردات الاسماء ودون المعاني لان هذا ليس مهم ، بل المقصود هو الاسماء ومعانيها والمفاهيم والمسميات .. عن ابي العباس قال : سألت الامام الصادق عليه السلام عن قول الله : « وعلم آدم الاسماء كلها » ماذا علمه ؟ قال : « الارضين والجبال والشعاب والاودية ثم نظر الى بساط تحته فقال : وهذا البساط مما علمه » (2). علمه الاسماء واسرارها وكيفياتها وخواصها ، والله سبحانه منح آدم هذا العلم ليستطيع ان يستثمر المواهب المادية والمعنوية في الكون. وهناك من يقول ان الاسماء التي تعلمها آدم عليه السلام هي اسماء افضل مخلوقات الله وهم : محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، وآدم توسل بهذه الاسماء وطلب العفوا من الله تعالى وعفى عنه. وكذلك قيل الكلمات التي تلقاها آدم عليه السلام فتاب الله عليه هي ايضا نفس الكلمات والاسماء التي تعلمها ورآها على العرش مكتوبة. ولا تعارض ولا اختلاف في الامر. وتصح كل الاقوال والتفاسير في الكلمات والاسماء التي تلقاها وتعلمها آدم عليه السلام من الله تعالى .... هنا يطرح سؤال : كيف تعلم آدم عليه السلام الاسماء كلها في فترة قصيرة ؟ الجواب : كان التعلم من قِبل الله عزوجل لآدم تكوينا ، اي « تعلم تكويني » اي : ان الله تعالى اودع هذا العلم في وجود آدم عليه السلام بالقوة ، ودفعه خلال فترة قصيرة الى المرحلة الفعلية ...
________________________________________
1 ـ البقرة : 30 ـ 39. 
2 ـ الميزان : ج 1 ص 119 ، عنه الامثل : ج 1 ص 139.