منشأه ورضاعه صلى الله عليه واله وسلم

   لما ولد النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم قدمت حليمة السعدية مع نسوة من بني سعد يطلبن الرضعاء بمكة ، فلما قدمنا مكة لم تبق منا امرأة الا عرض عليها محمد صلى الله عليه واله وسلم فلم تقبله لانه كن يتيما بلا اب ، وبعد ذلك حصلن النسوة على رضيع ولم تحصل حليمة على رضيع فاضطرت ان ترجع الى محمد صلى الله عليه واله وسلم وتاخذه حتى لا ترجع الى بيتها من دون رضيع ، فاخذته واتت الى منزلها ، وعندما وصلت ارضعته وارضعت ولدها.     وكان لهذا الرضيع المبارك كرامات ومعاجز من اول يوم دخول القرية ، وكان غلاما مباركا ، وكان الله يزيد اهالي القرية « وبالاخص دار حليمة » كل يوم وليلة خيرا كثيرا.     قال الراوي : ان اول يوم نزل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بحي بني سعد اخضرت ارضهم ، واثمرت اشجارهم ، وكانو في قحط عظيم ، وكانوا اذا مرض منهم مريض ياتون به فيشفى من ساعته ، وكثرت معجزاته ، فكان بنو سعد يقولون لحليمة : يا حليمة لقد اسعدنا الله بولدك هذا.     فلما كبر وترعرع كان يقول : الحمد لله الذي اخرجني من افضل نبات ، من الشجرة التي خلق منها الانبياء ، وكان يزيد في اليوم مثلما يزيد غيره في الشهر ، ويزيد في الشهر مثلما يزيد غيره في السنة ، حتى كبر ونشا ، ولم يكن في زمانه احسن منه خلقا وامانة ، وكنا نجعل القليل من الطعام قدامنا ونجتمع عليه وناخذ يده ونضعها فيه فناكل ويبقى اكثر الطعام.     وقال الواقدي : فلما اتى على النبي صلى الله عليه واله وسلم خمسة عشر شهرا كان اذا نظر اليه الناظر يتوهم انه من ابناء خمس سنين لاتمام وقارة جسمه وملاحة بدنه.     وقال صلى الله عليه واله وسلم في احد الايام لامه حليمة : يا امي اين اخوتي ؟ قالت : يا بني انهم يرعون الغنم التي رزقنا الله اياها ببركتك ، قال : يا اماه ما انصفتي ؟ قالت : كيف يا ولدي ؟ قال : اكون انا في الظل واخوتي في الشمس والحر الشديد ، وانا اشرب منها اللبن ، قالت : يابني اخشى عليك من الحساد واخاف ان يطرقك طارق ، قال لها : لا تخشي علي يا اماه من شيء .. فخرج في اليوم الثاني مع اخوته يرعى الغنم معهم ، وقالت حليمة : كان في الغنم شاة قد ضربها ولدي فكسر رجلها فجاءت الشاة الى ولدي محمد صلى الله عليه واله وسلم تلوذ به كانها تشكوا اليه ، فمسح عليها بيده ، وجعل يتكلم عليها حتى انطلقت مع الاغنام كانها غزال لم يصبها شيء ، وكان كل يوم يظهر منه صلى الله عليه واله وسلم ايات ومعجزات ، وكان اذا قال للغنم قفي تقف ، سيري تسير ، وهي مطيعة له ...     فلما بلغ صلى الله عليه واله وسلم من العمر خمس او سبع سنين واشتد ساعده خلال هذه الفترة القليلة ارجعته حليمة الى جده عبد المطلب.     كبر وترعرع في دار جده عبد المطلب وبعد ذلك كفله عمه ابو طالب رضوان الله تعالى عليهما ، وكان يخرج ابو طالب للتجارة وهو ابن اثنتي عشر سنة او اقل ، وخرج الى الشام في تجارة لخديجة وله من العمر خمس وعشرون سنة ، وكان يلقب بـ « محمد الامين » وعندما رات خديجة منه الامانة والكرامات والمعاجز والبركات ، طلبت منه الزواج ، فتزوجها النبي صلى الله عليه واله وسلم فولدت له فاطمة الزهراء سلام الله عليها وعلى ابيها وامها وابنائها ...     وكان اول من امن برسول الله صلى الله عليه واله وسلم عندما بعث للنبوة من النساء خديجة ومن الرجال علي بن ابي طالب عليهما السلام ، وكان اول من صليا خلف النبي صلى الله عليه واله وسلم ، وكما روي عن النبي صلى الله عليه واله وسلم انه قال : « ما قام الاسلام الا بسيف علي واموال خديجة » حيث بذلت سلام الله عليها كل اموالها في سبيل نشر الرسالة وتثبيت دعائم الاسلام ...