الشبهة الثانية حول الإعجاز القرآني

إن القرآن قد تحدث عن قصص الأنبياء كما تحدثت الكتب الدينية الأخرى كالتوراة والإنجيل عنها وعند المقارنة بين ما ذكره القرآن وما ورد في التوراة والإنجيل نجد القرآن يخالف تلك الكتب في حوادث كثيرة ينسبها إلى الأنبياء وأممهم الأمر الذي يجعلنا نشك في أن يكون

 

مصدر القرآن الوحي الإلهي لسببين:

الأول: إن هذه الكتب من الوحي الإلهي الذي اعترف به القرآن وإذا كان القرآن وحياً إلهيا أيضاً فلا يمكن أن يناقض الوحي نفسه في الأخبار عن حوادث تاريخية واقعية.

 

الثاني: إن هذه الكتب لازالت تتداولها أمم هؤلاء الأنبياء وهم بطبيعة ارتباطهم الديني والاجتماعي بأنبيائهم لابد وان يكونوا أدق اطلاعاً على أحوالهم من القرآن الذي جاء في امة ومجتمع منفصل عن تاريخ هؤلاء الأنبياء.

 

وهذه الشبهة - كسابقتها - لا يمكن أن تصمد للمناقشة إذا عرفنا أن هذه الكتب الدينية قد تعرضت للتحريف والتزوير - كما سوف نتعرض إلى ذلك في بحث مستقل - وكان أحد أسباب التحريف هو الانفصال التأريخي الذي وقع بين الأنبياء وأممهم الأمر الذي جعلهم غير قادرين على الاحتفاظ الديني. وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة عند حديثه عن أمم هؤلاء الأنبياء والجماعات التي نزلت فيهم هذه الكتب.

 

بالإضافة إلى أن ملاحظة محتوى الخلاف بين القرآن الكريم والكتب الدينية الأخرى يدعونا بنفسه للإيمان بصدق القرآن الكريم، بعد أن نجد التوراة والإنجيل يذكران في قصص هؤلاء الأنبياء مجموعة من الخرافات والأوهام يتجاوزها القرآن الكريم، وينسبان إلى الأنبياء أعمالا ومواقف لا يصح نسبتها إليهم ولا تليق برسل اللّه والقوّام على شريعته ودينه بل لا تليق بمصلحين عاديين من عامة البشر كما يتبين ذلك بوضوح عند المقارنة بين القرآن والكتب الدينية الأخرى(1).

 

وقد عرفنا في بحث إعجاز القرآن أن إحدى النقاط المهمة التي يظهر فيها أعجاز القرآن الكريم عرضه لقصص الأنبياء وحوادثهم بشكل يبعث اليقين في نفوسنا إن مصادر هذا العرض ليست هي الكتب الدينية، ثم يأتي هذا العرض منسجماً ومؤتلفاً مع النظرة الواقعية للأنبياء والرسل الأمر الذي يدلل على أنّ مصدره هو الوحي الإلهي.

 

المصدر

كتاب علوم القرآن للسيد محمد باقر الحكيم

 

 1- يمكن مراجعة كتاب الهدى الى دين المصطفى للبلاغي ج 2 في هذه المقارنة.