الشبهة الرابعة حول الإعجاز القرآني

لا شك أن ذوي القدرة والمعرفة باللغة العربية يتمكنون من الإتيان بمثل بعض الكلمات القرآنية. وحين تتوفر هذه القدرة في بعض الكلمات فمن المعقول أن تتوفر أيضاً في كلمات أخرى. وهذا ينتهي بنا إلى أن نجزم بوجود القدرة على الإتيان بسورة أو أكثر من القرآن الكريم لدى أمثال هؤلاء لان من يقدر على بعض القرآن يمكن أن نتصور فيه القدرة على الباقي بشكل معقول.

 

والمناقشة في هذه الشبهة واضحة:

لان الإعجاز القرآني يتمثل في جانبين رئيسين - كما اشرنا سابقاً - جانب الأسلوب والتركيب البياني وجانب المضمون والمحتوى والأفكار. وفي كل من الجانبين لا مجال لهذا الوهم والخيال.

 

أما في جانب المضمون فمن الواضح أن القدرة على أعطاء فكرة أو فكرتين لا يعني القدرة على إعطاء هذا المقدار الكبير المنسجم من الأفكار والمفاهيم وفي نفس الظروف الموضوعية والذاتية التي جاء فيها القرآن الكريم. والتحدي الذي شرحناه في بعض أبحاثنا السابقة كان ضمن الظروف الخاصة التي عاشها النبي محمد (ص) وجاء فيها القرآن الكريم.

 

وأما في جانب الأسلوب فان القدرة على جملة أو مقدار من الكلمات لا يعني القدرة على تمام التركيب بعناصره المتعددة التي لا يمكن أن توجد أو تتوفر إلا ضمن التركيب بكامله. وهذا شيء واضح لا يحتاج إلى برهان، فإننا ندرك بوجداننا الحياتي انّ كثيراً من الناس يملكون قدرة النطق ببعض الكلمات العربية ولكن ذلك لا يعني أنهم قادرون على أن يكونوا خطباء أو أدباء أو شعراء ويتمتعون بالبلاغة والفصاحة. كما انّ كثيراً من الناس يتمكّنون من القيام ببعض الأعمال البسيطة ولكنّهم غير قادرين على القيام بالمشاريع الضخمة التي تتركب من تلك الأعمال البسيطة كمشاريع البناء والصناعة والفن.

 

الصرفة في الإعجاز القرآني:

ولعلّ هذه الشبهة أو الوهم هو الذي أدّى بجماعة من متكلمي المسلمين - كالنظام ومدرسته - إلى أن يفسروا ظاهرة الإعجاز القرآني بأنها نحو من الصرفة. حيث يمكن أن يكون قد وجدوا - نتيجة الانطلاق من هذا الوهم - إنَّ القدرة على الإتيان بمثل القرآن الكريم متوفرة ولكن عدم توفر أشخاص يأتون بمثل القرآن كانت نتيجة لتدخل اِلهي مباشر (صرفهم) عن المعارضة والمباراة.

 

ولكن هذا التفسير لظاهرة الإعجاز واضح البطلان إذا كان يريدون من توفر القدرة عند بعض الناس وجودها فعلاً لديهم ولكن اللّه صرف أذهانهم عن ممارستها. وذلك:

 

1 - لان محاولة المعارضة قد وقعت من بعض الناس وانتهت إلى الفشل والخيبة كما تحدثنا بذلك كثير من النصوص التاريخية وتدل عليه بعض الوقائع في العصر القريب من قبل بعض المبشرين.

 

2 - إن صرف الأذهان إنما يفترض بعد نزول القرآن الكريم ومن اجل التأكد من الإعجاز القرآني ليس علينا إلا مقارنة القرآن بالنصوص العربية السابقة على وجوده وملاحظة مدى الامتيازات المتوفرة فيه دونها.

 

نعم إذا كان يريد القائلون بالصرفة إن اللّه سبحانه له القدرة على أن يهب أنسانا ما قدرة على الإتيان بمثل القرآن ولكنه لم يفعل.. فهذا لا يعني أن القرآن الكريم ليس بمعجزة لانّ الهدف الرئيسي من المعجزة دلالتها على ارتباط صاحبها باللّه وما دامت القدرة عليها مرتهنة بالتدخل الإلهي فلابد أن تكون لها هذه الدلالة. وعنصر التحدي في مثل هذه المعجزة يكون موجوداً مادامت ليست تحت قدرة الإنسان الاعتيادي بالفعل. وهذا الشيء من الممكن أن يدعى في كل معجزات الأنبياء أو المعجزات التي يمكن أن نتصورها.

 

المصدر:

كتاب علوم القرآن للسيد محمد باقر الحكيم