اقسام النسخ

ويجدر بنا أن نتعرف على أقسام النسخ التي ذكرها الباحثون في علوم القرآن قبل أن ندخل في البحث التفصيلي حول الآيات المنسوخة وذلك من أجل أن نعرف أي قسم منها هو الهدف الرئيسي من هذا البحث. فقد قسموا النسخ إلى أقسام ثلاثة نوجزها بالتالي:

 

الأول: نسخ التلاوة دون الحكم ويقصد بهذا النسخ أن تكون هناك آية قرآنية نزلت على الرسول (ص) ثم نسخت تلاوتها ونصها اللفظي مع الاحتفاظ بما تتضمنه من أحكام. وقد مثلوا لهذا القسم بآية الرجم التي روي عن عمر بن الخطاب نصها: (اذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة نكالاً من اللّه واللّه عزيز حكيم) حيث قيل انها كانت آية في القرآن الكريم نسخت تلاوتها مع الاحتفاظ بحكمها.

 

وهذا القسم وان كاد أن يعترف به أكثر الباحثين في علوم القرآن الا انه لا يكاد يعترينا الشك ببطلانه وعدم ثبوته في القرآن الكريم عندما ندرسه بشكل موضوعي.

 

فأولاً: نجد ان الاعتراف بهذا اللون من النصوص والروايات التي أوردتها بعض الكتب الصحيحة السنية يؤدي بنا الى الالتزام بالتحريف لان منطوق هذه الروايات يصر على ثبوت هذه الآية وغيرها في القرآن الكريم حتى وفاة رسول اللّه «ص» وانها سقطت منه في الفترة المتأخرة من حياته. وسوف ندرس هذا الجانب عند البحث عن اثبات النص القرآني.

 

وثانيًا: ان هذه الروايات لم تصل الينا الا بطريق الآحاد ولا يجوز لنا أن نلتزم بالنسخ على أساس رواية الآحاد لاجماع المسلمين على ذلك مضافًا الى طبيعة الاشياء التي تحكم بضرورة شيوع الامور الهامة بين الناس ومن هذه الامور الهامة نسخ آية من القرآن الكريم. فكيف يقتصر النقل فيه على خبر الآحاد.

 

الثاني: نسخ التلاوة والحكم معًا ويقصد بهذا القسم أن تكون آية قرآنية ثابتة لفظًا ومعنى في وقت من ايام الشريعة ثم تنسخ تلاوتها ومضمونها.

 

وقد مثلوا لهذا القسم بآية الرضاعة المروية عن عائشة بهذا النص (وكان فيما انزل من القرآن «وعشر رضعات يحرمن» ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي رسول اللّه (ص) وهن فيما يقرأ من القرآن)(1).

ويناقش هذا القسم بنفس المناقشتين اللتين ذكرناهما في القسم الاول من النسخ.

 

الثالث: نسخ الحكم دون التلاوة ويقصد به النسخ الذي ينصب على جانب المضمون في الآية القرآنية مع الاحتفاظ بصياغتها وطريقة التعبير فيها. وهذا القسم هو ما اشتهر بين العلماء والمؤلفين في البحث والكتابة عنه حتى الفوا كتبًا مستقلة فيه.

 

والنسخ في هذا القسم يمكن ان نتصوره على انحاء ثلاثة:

 

أ. ان ينسخ الحكم الثابت في القرآن الكريم بالسنة المتواترة أو بالاجماع القطعي الذي يكشف عن صدور النسخ من المعصوم.

 

ب. ان ينسخ الحكم الثابت في القرآن الكريم بآية اخرى من القرآن ناظرة في طريقة عرضها وبيانها الى الحكم المنسوخ. وهذان النحوان لا إشكال فيهما من ناحية واقعية وان كان الشك في وقوعهما بحسب الخارج.

 

ج. أن ينسخ الحكم الثابت بالقرآن الكريم بآية اخرى غير ناظرة الى الحكم المنسوخ ولا مبينة لرفعه وانما يلتزم بالنسخ على اساس التعارض بين الاثنين فيلتزم بنسخ الآية المتقدمة زمانًا بالآية المتأخرة.

 

وقد ناقش السيد الخوئي في جواز هذا النحو من النسخ على اساس انه يتنافى ومنطوق الآية القرآنية التي تقول: ﴿أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا﴾ وحين يقع التنافي بين الآيتين يتحقق هذا الاختلاف الذي نفاه اللّه سبحانه عن القرآن ولا ينفع معه دعوى النسخ لان مثل هذه الدعوى يمكن أن تقال في كل اختلاف يقع في كلام غير اللّه سبحانه وبالإضافة إلى هذه المناقشة نجد السيد الخوئي يكاد أن يذهب إلى انه ليس هناك حكم ثابت في القرآن الكريم منسوخًا بشيء من القرآن ولا بغيره.

 

ونحن وان كنا نختلف مع أستاذنا السيد الخوئي في بعض الجوانب التي جاءت في مناقشته هذه وقد نختلف معه بالتالي في شمول مبدئه للآيات القرآنية كلها ولكننا سوف نقتصر في دراستنا هذه على مناقشة بعض الآيات بالطريقة التي سار عليها تقريبًا.

 

المصدر:

كتاب علوم القرآن للسيد محمد باقر الحكيم.

 

1- صحيح مسلم 3/167.