ظاهرة الوحي

الوحي في اللغة: إعلام سريع خفيّ، سواء أكان بايماءة أو همسة أو كتابة في سرّ، وكل ما القيته إلى غيرك في سرعة خاطفة حتى فهمه فهو وحي، قال الشاعر:

 

نظرت إليـها نـظرة فـتـحيّرت       دقائق فكري في بديع صفاتها

فأوحي إليها الطـرف أنّي أحبّهـا        فأثّر ذاك الوحي في وجـناتها

 

وقال تعالى عن زكريا (ع): ﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ (1) أي أشار إليهم على سبيل الرمز والإيماء.

 

قال الراغب: اصل الوحي، الإشارة السريعة، ولتضمّن السرعة قيل: أمر وحيّ أي سريع. وذلك يكون بالكلام على سبيل الرمز والتعريض، وقد يكون بصوت مجرّد عن التركيب، وبإشارة ببعض الجوارح، وبالكتابة(2).

 

وقال ابن فارس: (و، ح، ي) أصل يدلّ على إلقاء علم في إخفاء أو غيره، والوحي: الإشارة. والوحي: الكتاب والرسالة. وكلّ ما ألقيته إلى غيرك حتى علمه فهو وحي، كيف كان(3).

 

ولعل هذا التعميم في مفهوم الوحي عند ابن فارس كان في أصل وضعه، غير أنّ الاستعمال جاء فيما كان خفيّا: قال أبو إسحاق: أصل الوحي في اللغة كّلها: إعلام في خفاء، ولذلك سمي الإلهام وحياً.

 

وقال ابن بري: وحى إليه واُوحى: كلّمه بكلام يخفيه من غيره. ووحي وأوحى: أومأ. قال الشاعر:

فأوحت إلينا والأنامل رسلها(4). أي أشارت بأناملها.

 

ولعلّ الخفاء في مفهوم الوحي جاء من قبل اعتبار السرعة فيه، فالإيماءة السريعة تخفى طبعاً على غير المومى إليه. يقال: موت وحيّ أي سريع. ومنه (الوحا الوحا) أي البدار البدار، يقال ذلك عند الاستعجال ومنه الحديث: (وإن كانت خيراً فتوحه) أي إسرع إليه. قال ابن الأثير: والهاء للسكت(5).

 

قال الزمخشري: أوحى إليه وأومى بمعنى. ووحيت إليه وأوحيت: إذا كلّمته بما تخفيه عن غيره. وتوحّى أي أسرع، قال الأعشى:

 

مثل ريح المسك ذاك ريحها صبّها الساقي إذا قيل: توح(6)

 

المصدر:

كتاب التمهيد في علوم القرآن، لسماحة العلامة الشيخ محمد هادي معرفة

 

 

1- مريم:11.

2- المفردات: ص515.

3- معجم مقاييس اللغة: ج6 ص93.

4- لسان العرب: ج15 ص 380.

5- النهاية: ج5 ص163.

6- أساس البلاغة: ج2 ص496.