أسبابُ نُزُول القُرْآن _ أهميّتُها _ طُرُقُ إثباتِها _ حجيّتها _ مصادرها

السّيد محمّد رضا الحسينى الجلالى

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

(1) أهميّتُها

 

اهتمّ المفسّرون بذكر أسباب النزول، فجعلوا معرفتها من الضروريّات لمن يريد فهم القرآن والوقوف على أسراره، وأكّد الأئمّة على هذا الإهتمام، فجعله الإمام أبو عبداللَّه جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام من الاُمور التي لم لم يعرفها المتصدّي لمعرفة القرآن لم يكن عالماً بالقرآن، فقال عليه السلام: إعلموا رحمكم اللَّه أنّه مَن لم يعرف من كتاب اللَّه: الناسخ والمنسوخ، والخاصّ والعامّ، والمُحكم والمُتشابه، والرُخَصَ من العزائم، والمكّيّ من المدنيّ، وأسباب التنزيل ...، فليس بعالم القرآن، ولا هو من أهله(1). ومن هُنا نعرف سِرَّ عناية الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام بأمر نزول القرآن ومعرفة أسبابه ومواقعه، فقد كان يُعلن دائماً عن علمه بذلك، ويُصرّح باطّلاعه الكامل على هذا القبيل من المعارف الإسلاميّة: ففي رواية رواها أبو نعيم الإصبهاني في «حِلْية الأولياء» عن الإمام

 

الهامش :

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

(1) بحار الأنوار للمجلسي (ج‏93 ص‏9) نقلاً عن تفسير النعماني.

 

علي عليه السلام أنّه قال: واللَّه ما نزلت آية إلّا وقد علمت فيما اُنزلت! وأين اُنزلت! إنّ ربّي وهب لي قلباً عقولاً ولساناً سؤولاً(1). وقال عليه السلام: واللَّه ما نزلت آية في ليل أو نهار، ولا سهل ولا جبل ولا برٍّ ولا بحرٍ، إلّا وقد عرفت أي ساعةٍ نزلت! وفي مَن نزلت!(2). وإذا كان أمر نزول القرآن - ومنه أسبابه - بهذه المثابة من الالاهميّة عند الإمام علي عليه السلام، وهو القمّة الشمّاء بين العارفين بالقرآن وعلومه، بل هو مُعَلِّمُ القرآن بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كما في الحديث عن أنس بن مالك، قال النبي: علي يُعَلِّمُ الناس بعدي من تأويل القرآن ما يعلمون يخبرهم. [شواهد التنزيل ج‏1 ص‏29]. وقال المفسّر ابن عطيّة: «فأمّا صدر المفسّرين والمؤيّد فيهم فعلي بن أبي طالب»(3). فإنّ أهميّة أسباب النزول ومعرفتها تكون واضحة، حيث تُعدُّ من الشروط الأساسيّة لمن يريد التعرّف على القرآن. وقد أفصح عن ذلك الأعلام والمؤلّفون أيضاً: قال الواحدي: إذ هي [يعني الأسباب‏] أولى ما يجب الوقوف عليها،

 

الهامش :

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

(1) تأسيس الشيعة (ص‏318)، وسيأتي في نهاية هذا البحث ذكر أحاديث اُخرى بهذا المضمون.

 

(2) تفسير الحِبَرِيّ، الحديث (36)، شواهد التنزيل للحسكاني (ج‏1 ص‏280)، وسنتحدّث في خاتمة هذا البحث عن ارتباط الإمام بالقرآن.

 

(3) المحرّر الوجيز (ج‏1 ص‏8 - 9) من مخطوطة دار الكتب المصريّة رقم (168) تفسير، بواسطة البرهان للزركشي (ج‏1 ص‏8) بتحقيق أبو الفضل إبراهيم.

 

فأولى أن تُصرف العناية إليها، لامتناع معرفة تفسير الآية وقصد سبيلها دون الوقوف على قصّتها وبيان نزولها(1). وقال السيّد العلّامة الفاني: وأمّا وجه الحاجة إلى شأن نزول الآيات، فلأنّ الخطأ في ذلك يُفضي إلى اتّهام البري‏ء وتبرئة الخائن، كما نرى أنّ بعض الكُتّاب القاصرين عن درك الحقائق، يذكُرون أنّ شأن نزول آية تحريم الخمر إنّما هو اجتماع علي عليه السلام مع جماعة في مجلس شرب الخمر، مع أنّ التاريخ يشهد بكذب ذلك، ونرى بعضهم يقول: إنّ قوله تعالى: (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ) إنّما نزلت في شأن ابن مُلْجَم(2).

 

وقال الدكتور البوطي: لمعرفة أسباب نزول الآيات أهميّة كبرى في تجلية معانيها، والوقوف على حقيقة تفسيرها. إذ رُبَّ آية من القرآن يعطي ظاهرها دلالاتٍ غير مقصودة منها، فإذا وقفت على مناسبتها وسبب نزولها انحسر عنها سبب اللّبس وظهرت فيها حقيقة المعنى ومدى شموله واتّساعه(3). وقال الدكتور شوّاخ: نزل القرآن منجّماً على النبي صلى الله عليه وآله وسلم حسب مقتضيات الاُمور والحوادث، وهذا يعني أنّ فهم كثير من الآيات القرآنيّة متوقّف على معرفة أسباب النزول، وهي لا تخرج عن كونها مجرّد قرائن حول النصّ، وقد حرّم العلماء المحقّقون الإقدام على تفسير كتاب اللَّه لمن جَهِلَ أسباب النزول.

 

الهامش :

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

(1) أسباب النزول للواحدي (ص‏4).

 

(2) آراء سماحة السيّد العلّامة الفاني (حول القرآن) (ص‏29).

 

(3) من روائع القرآن (ص‏40).

 

ولذا كان الإقدام على تفسير كتاب اللَّه تعالى محرّماً على اُولئك الذين يجهلُون أسباب النزول ويحاولون معرفة معنى الآية، أو الآيات دون الوقوف على أسباب نزولها وقصّتها(1). وبلغ اهتمام علماء القرآن بأسباب النزول إلى حدّ عدّه من أهم أنواع علوم القرآن. فجعله برهان الدين الزركشي أوّل الأنواع في كتابه القيّم «البرهان في علوم القرآن». وأفرد له السيوطي «النوع التاسع» من كتابه القيّم «الإتقان في علوم القرآن» بعنوان «معرفة أسباب النزول». وسنأتي في الفقرة التالية من هذا البحث على ذكر المصادر العامّة والخاصّة لهذا الموضوع. وبالرغم من الأهميّة البالغة لأسباب النزول، فقد عارض بعض هذا الاهتمام، مستنداً إلى اُمور من الضروري عرضها ثمّ تقييمها:

 

الأمر الأوّل: إنّه لا أثر لهذا العلم في التفسير: قال السيوطي: زعم زاعم أنّه لا طائل تحت هذا الفنّ [أي فنّ أسباب النزول‏] لجريانه مجرى التاريخ(2). ومع مخالفة هذا الإدّعاء لما ذكره الأئمّة والعلماء كما عرفنا تصريحهم بأنّ معرفة أسباب النزول ممّا يلزم للمفسّر حيث لا يمكن الوقوف على التفسير.

 

الهامش :

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

(1) معجم مصنفات القرآن الكريم (ج‏1 ص‏6 - 127).

 

(2) الإتقان (ج‏1 ص‏107).

 

بدونه، بل يَحْرُم كما قيل. فقد ردّ السيوطي على هذا الزعم بقوله: وقد أخطأ في ذلك، بل له فوائد: منها: معرفة وجه الحكمة الباعثة على تشريع الحكم. ومنها: تخصيص الحكم به عند من يرى أنّ العبرة بخصوص السبب. ومنها: أنّ اللفظ قد يكون عامّاً، ويقوم الدليل على تخصيصه، فإذا عُرِفَ السبب قَصُر التخصيص على ما عدا صورته، فإنّ دخول صورة السبب قطعيّ. ومنها: دفع توهّم الحصر(1).

 

الأمر الثاني: إنّ المورد لا يُخصّص: واعتُرِضَ أيضاً: بأنّ ما يُستفاد من أسباب النزول هو تعيين موارد أحكام الآيات وأسبابها الخاصّة، ومن المعلوم أنّ ذلك لا يمكن أن يحدّد مداليل الآيات ولا يُخصّص عموم الأحكام، وقد عنون علماء اُصول الفقه لهذا البحث بعنوان: «إنّ المورد لا يُخصّص الحُكم». قال الاُصولي المقدس: إذا ورد لفظ العموم على سبب خاص لم يسقط عمومه، وكيف يُنْكَر هذا، وأكثر أحكام الشرع نزلت على أسباب كنزول آية الظهار في أوس بن الصامت، وآية اللِّعان في هلال بن اُميّة. وهكذا(2).

 

الهامش :

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

(1) المصدر السابق (ج‏1 ص‏7 - 109).

 

(2) روضة الناظر وجنّة المناظر لابن قدامة المقدسي (ص‏5 - 206)، وانظر الإتقان للسيوطي (ج‏1 ص‏110).

 

والجواب عنه:

 

أوّلاً: إنّ البحث الاُصولي المذكور لا يمسُّ المهمّ من بحث أسباب النزول، لأنّ البحث الاُصولي يتوجّه إلى شمول الأحكام المطروحة في الآيات لغير مواردها، وعدم شمولها، فالبحث يعود إلى أنّ الآية هل تدلُّ على الحكم في غير موردها أيضاً كما تشمل موردها، أو لا تشمل إلّا موردها دون غيره؟ ففي صورة الشمول لغير موردها أيضاً، يمكن الإستدلال بظاهرها الدال بالعموم اللفظي على الحكم في غير المورد. وأمّا بالنسبة إلى نفس المورد فلا بحث في شمول الآية له، فإنّ شمول الآية له مقطوع به ومجزوم بإرادته، بدلالة نصِّ الآية، وهي قطعيّة لا ظنيّة؛ حيث أنّ المورد لا يكون خارجاً عن الحكم قطعاً، لأنّ إخراجه يستلزم تخصيص المورد، وهو من أقبح أشكال التخصيص وفاسد بإجماع الاُصوليّين. قال المقدسي في ذيل كلامه السابق، في حديث له عن الآيات النازلة للأحكام في الموارد الخاصّة، ما نصّه: فاللفظ يتناولها [أي الموارد الخاصّة] يقيناً، ويتناول غيرها ظنّاً، إذ لا يُسأل عن شي‏ء فيُعدلُ عن بيانه إلى غيره ... فنقل الراوي للسبب مفيد ليُبيّن به تناول اللفظ له يقيناً، فيُمتنع من تخصيصه(1). وقال السيوطي: إذا عُرف السبب قُصِرَ التخصيص على ما عدا صورته، فإنّ دخول صورة السبب قطعي وإخراجها بالإجتهاد ممنوع كما حكى الإجماع عليه القاضي أبو بكر في «التقريب» ولا التفات إلى من شذّ فجوّز

 

الهامش :

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

(1) روضة الناظر (ص‏206).

 

ذلك(1). إذن، لا تسقط فائدة معرفة أسباب النزول من خلال البحث الاُصولي المذكور، بل تتأكّد.

 

وثانياً: إنّ الرجوع إلى أسباب النزول قد لا يرتبط ببحث العموم والخصوص في الحكم، وإنّما يتعلّق بفهم معنى الآية وتشخيص حدود موردها وتحديد الحكم نفسه من حيث المفهوم العرفيّ، لا السعة والضيق في موضوعه كما اُشير إليه سابقاً، ولنذكر لذلك مثالاً: قال اللَّه تبارك وتعالى: «إنّ الصفا والمروة من شعائر اللَّه، فمن حجّ البيت أو اعتمر، فلا جناح عليه أن يطوّف بهما، ومن تطوّع خيراً فإنّ اللَّه شاكر عليم» سورة البقرة (2) الآية (158). قال السيوطي: إنّ ظاهر لفظها لا يقتضي أنّ السعي فرض، وقد ذهب بعضهم إلى عدم فرضيّته، تمسّكاً بذلك(2). ووجه ذلك أنّ قوله تعالى: «لا جُناح» يدلُّ على نفي البأس والحرج فقط، ولا يدلُّ على الإلزام والوجوب، فإنّ رفع الجُناح لا يستلزم الوجوب لكونه أعمّ منه، فكلّ مباح لا جُناح فيه، والواجب - أيضاً - لا جُناح فيه، لكنّ فيه إلزام زيادةً على المباح، ومن الواضح أنّ العامّ لا يستلزم الخاصّ. لكنّ هذا الإستدلال بظاهر الآية مردود، بأنّ ملاحظة سبب نزولها يكشف عن سرّ التعبير ب««لا جُناح» فيها، وذلك: لأنّ أهل الجاهليّة كانوا

 

الهامش  :

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

(1) الإتقان (ج‏1 ص‏107).

 

(2) المصدر السابق (ج‏1 ص‏109).

 

يضعون صنمين على الصفا والمروة، ويتمسّحون بهما لذلك، ويعظّمونهما، وكان المسلمون بعد كسر الأصنام يتحرّجون من الإقتراب من مواضع تلك الأصنام توهّماً للحرمة، فنزلت الآية لتقول للمسلمين: إنّ المواضع المذكورة هي من المشاعر التي على المسلمين أن يسعوا فيها فإنّها من واجبات الحجّ، وأمّا قوله تعالى: «لا جُناح» فهو لدفع ذلك التحرّج المتوهّم. فهذا الجواب يبتني على بيان سبب النزول كما أوضحنا ولا يمسُّ البحث الاُصولي المذكور بشي‏ء. وقد أورد السيوطي في «الإتقان» أمثلةً اُخرى، ممّا يعتمد فهم الآيات فيها على أسباب النزول(1). وثالثاً: إنّ هذا البحث الاُصولي إنّما يجري في آيات الأحكام كما يظهر من عنوانهم له، دون غيرها، وسيأتي مزيد توضيحٍ لهذا الجواب فيما يلي. وقد أثار ابن تيميّة شبهةً حول أهميّة أسباب النزول تعتمد على أساس هذا الإعتراض، ملخّصها: أنّ نزول الآية في حقّ شخص - مثلاً - لا يدلُّ على اختصاص ذلك الشخص بالحكم المذكور في الآية، يقول: قد يجي‏ء - كثيراً في هذا الباب - قولهم: «هذه الآية نزلت في كذا» لا سيّما إذا كان المذكور شخصاً كقولهم: إنّ آية الظهار نزلت في امرأة ثابت بن القيس، وإنّ آية الكلالة نزلت في جابر بن عبداللَّه. قال: فالذين قالوا ذلك، لم يقصدوا أنّ حكم الآية يختصُّ باُولئك الأعيان دون غيرهم، فإنّ هذا لا يقوله مسلم ولا عاقل على الإطلاق،

 

الهامش :

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

(1) المصدر نفسه (ج‏1 ص‏8 - 109).

 

والناس - وإن تنازعوا في اللفظ العامّ الوارد على سبب، هل يختصّ بسببه؟ - فلم يَقُل أحد: إنّ عمومات الكتاب والسنّة تختصّ بالشخص المعيّن، وإنّما غاية ما يقال إنّها تختصّ بنوع ذلك الشخص، فتعمّ ما يشبهه. والآية التي لها سبب معيّن، إن كانت أمراً أو نهياً، فهي متناولة لذلك الشخص ولغيره ممّن كان بمنزلته، وإن كانت خبراً بمدح أو ذمٍّ، فهي متناولة لذلك الشخص ولمن كان بمنزلته(1). والجواب عن هذه الشبهة:

 

أوّلاً: إنّ ما ذكره من «لزوم تعميم الحكم، وعدم قابليّة الآية للتخصيص بشخص معيّن» إنّما يبتني على فرضين: 1 - أن يكون الحكم الوارد في الآية شرعيّاً فقهيّاً. 2 - أن يكون لفظ الموضوع فيها عامّاً. وهذان الأمران متوفّران في الأمثلة التي أوردها، كما هو واضح. أمّا إذا كانت الآية تدلُّ على حكمٍ غير الأحكام الشرعيّة التكليفيّة أو الوضعيّة، أو كان الموضوع فيها بلفظ خاصّ لا عموم فيه، فإنّ ما ذكره من لزوم التعميم وامتناع التخصيص، باطل. توضيح ذلك: إنّ البحث عن أسباب النزول ليس خاصّاً بآيات الأحكام - وهي الآيات الخمسمائة المعروفة - بل يعمّ كلّ الآيات بما فيها آيات العقائد والقصص والأخلاق وغيرها، ومن الواضح أنّ من غير المعقول

 

الهامش :

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

(1) المصدر نفسه (ج‏1 ص‏112).

 

الالتزام بعموم الأحكام الواردة فيها كلّها. مثلاً قصّة موسى وفرعون وبني إسرائيل، بما لها من الخصوصيات المتكرّرة في القرآن، لا معنى للإشتراك فيها، فهي قضيّة في واقعة إنّما ذُكِرت للإعتبار بها، ويستفاد منها في مجالاتها الخاصّة. وكذلك إذا كان الموضوع خاصّاً لا عموم فيه، فإنّ القول بإشتراك حكم الآية بينه وبين من يشبهه، شطط من القول. قال السيوطي في آية نزلت في معيّن ولا عموم للفظها: إنّها تُقْصَرُ عليه قطعاً - وذكر مثالاً لذلك، ثمّ قال -: ووهِمَ من ظنّ أنّ الآية عامّة في كلّ من عَمِلَ عمله، إجراءً له على القاعدة، وهذا غلط، فإنّ هذه الآية ليس فيها صيغة عموم(1). وقوله تعالى: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ) سورة الكوثر (108) الآية (3)، فإنّها نزلت في العاص الذي كان يُعَيِّرُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بعدم النسل والذرّيّة، فعبّرت عن ذمّه وحكمت عليه بأنّه هو الأبتر، وباعتبار كون الموضوع «شانى‏ء النبي صلى الله عليه وآله وسلم» فهو خاصّ معيّن، وهذا يُعرف من خلال المراجعة إلى سبب النزول، فهل القول باختصاص الحكم في الآية بذلك الشخص فيه مخالفة للكتاب أو السنّة، حتّى لا يقول به مسلم أو عاقل! كما يدّعيه ابن تيميّة. لكنّه خَلَطَ بين هذه الموارد، وبين ما مثّل به من موارد الحكم الشرعي بلفظ عامّ، فاستشهد بتلك على هذه، وهذا من المغالطة الواضحة. ونُجيب عن الشبهة،

 

ثانياً: بأنّ الآية لو كانت تدلُّ على حكمٍ شرعي،

 

الهامش :

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

(1) المصدر نفسه (ج‏1 ص‏12 - 113).

 

وكان لفظ الموضوع فيها عامّاً إلّا أنّا عرفنا من سبب النزول كون موردها شخصاً معيّناً باعتباره الوحيد الذي صدق عليه الموضوع العامّ، أو كان الظرف غير قابل للتكرار، فإنّ من الواضح أنّ حكم الآية يكون مختصاً بذلك الشخص وفي ذلك الظرف، ولا يمكن القول باشتراك غيره معه. مثال ذلك، قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمْ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ..) سورة المجادلة (58) الآية (12). فإنّ موضوع الآية عامّ، نُودي بها كلّ المؤمنين، والحكم فيها شرعي وهو وجوب التصدّق عند مناجاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لكنّ هذا لا يمنع من اختصاص الآية بشخص واحد، فعند المراجعة إلى أسباب النزول نجد أنّ الإمام عليّاً عليه السلام كان هو العامل الوحيد بهذه الآية، حيث كان الوحيد الذي تصدّق وناجى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ونُسِخَت الآية قبل أن يعمل بها غيره من المسلمين. فهل يصحُّ القول بأنّ الآية عامّة، وما معنى الإشتراك في الحكم لو كانت الآية منسوخة؟ وهل في الإلتزام باختصاص الآية مخالفة للكتاب والسنّة؟. وإذا سأل سائل عن الحكمة في تعميم الموضوع في الآية، مع أنّ الفرد العامل منحصر؟. فمن الجائز أن تكون الحكمة في ذلك بيان أنّ بلوغ الإمام عليه السلام إلى هذه المقامات الشريفة كان بمحض اختياره وإرادته، من دون أن يكون هناك جبرٌ يستدعيه أو أمرٌ خاصٌ به، وإنّما كان الأمر والحكم عامّاً، لكنّه‏أقدم على الإطاعة رغبةً فيها وحبّاً للرسول ومناجاته، وأحجم غيره عنها، مع أنّ المجال كان مفسوحاً للجميع قبل أن تُنسخ الآية، فبالرغم من ذلك لم يعمل بها غيره. ولا يمكن أن يفسّر إقدامه وتقاعسهم إلّا على أساس أفضليّته عليهم في العلم والعمل، وتأخّرهم عنه في الرتبة والكمال. وبمثل هذه الحكمة يمكننا أن نوجّه افتخار الإمام عليه السلام بكونه العامل الوحيد بهذه الآية. فقد روى الحِبَرِيّ في تفسيره(1) بسنده، قال: قال علي: آية من القرآن لم يعمل بها أحد قبلي، ولا يعمل بها أحد بعدي، اُنزلت آية النجوى [الآية (12) من سورة المجادلة (58) ]فكان عندي دينار فبعته بعشرة دراهم، فكنت إذا أردت اُناجي النبي صلى الله عليه وآله وسلم تصدّقت بدرهم حتّى فَنِيَت ثمّ نسختها الآية التي بعدها: (فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(2).

 

الهامش :

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

(1) تفسير الحِبَرِيّ - بتحقيقنا - الحديث (65) (ص‏314) من الطبعة الثانية هذه.

 

(2) ذُكِرَ هذا الحديث مرفوعاً عن علي عليه السلام في عدّة من التفاسير والمصادر الحديثيّة مثل: تفسير القرطبي (17/302)، وابن جرير (28/15)، وابن كثير (4/327)، ومثل: كنز العمال (3/155)، ومناقب ابن المغازلي (ص‏14 وص‏325)، وكفاية الطالب للكنجي (ص‏135)، وأحكام القرآن للجصّاص (ج‏3 ص‏526)، والدرّ المنثور (6/185). ورواه في الرياض النضرة للطبري (2/265) عن ابن الجوزي في أسباب النزول، وذكره الواحدي في أسباب النزول (ص‏276)، وانظر: جامع الاُصول للجزري (2/2 - 453)، وفتح القدير (5/186). نقلنا هذه التخريجات عن تفسير الحِبَرِيّ، تخريج الحديث (65).

 

ولابدّ من الوقوف عند اعتراض ابن تيميّة على أهميّة أسباب النزول، لنذكّر بأنّه إنّما أثار هذه الشبهة محاولة منه لتقويض ما استدلّ به معارضوه، حيث استدلّوا بنزول الآيات في أهل البيت عليهم السلام بدلالالتها الواضحة الناصّة على فضلهم وأحقيّتهم لمقام الولاية على الاُمّة، والخلافة عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في قيادة المسلمين. وحيث لم يكن لابن تيميّة طريق للتشكيك في أسانيد الروايات الدالّة على نزولها في فضل أهل البيت عليهم السلام ولا سبيل للنِقاش في دلالتها على المطلوب، عمد إلى إثارة مثل هذه الشبهة بإنكار أهميّة أسباب النزول عموماً، والتشكيك في إمكان الإستفادة منها في خصوص الآيات النازلة بحقّهم عليهم السلام، متّبعاً هواه، وراكباً حقده الطائفيّ ضدّ أهل البيت عليهم السلام. ولكنّ الحقّ أحقّ أن يُتّبع.

 

الأمر الثالث: وحاول بعض العلماء التقليل من أهميّة أسباب النزول، استناداً إلى حديث رُوِيَ عن الإمام الصادق عليه السلام، إليك نصّه: روى الكليني بإسناده عن عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام: (الَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ)[الآية21 من سورة الرعد13]. قال: نزلت في رَحِم آل محمّد عليه وآله السلام، وقد تكون في قرابتك، ثمّ قال: فلا تكوننّ ممّن يقول للشي‏ء إنّه في شي‏ء واحد(1).

 

الهامش :

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

(1) الكافي، كتاب الإيمان والكفر، باب صلة الرحم، الحديث (28) ونقله في مرآة الأنوار (ص‏3)، لكنّ الشيخ حسن بن الشيخ علي بن عبدالعالي الكَرَكيّ العاملي في (أطائب‏ )

 

فقد احتمل الشيخ حسن الكركيُّ العاملي فيه أن يكون الامام عليه السلام أشار بذلك إلى (أنّه لا عبرة بخصوص سبب النزول، وإنّما العبرة بعموم اللفظ)(1). توضيح كلامه: أنّ مراد الإمام عليه السلام بالشي‏ء في قوله «لا تكونن ممّن يقول للشي‏ء ...» هو لفظ العامّ الدالّ بعمومه على جميع الأفراد، فالإمام عليه السلام يقول لا يجوز حمل العام على شي‏ءٍ خاص واحد، لأنّ الأصل الظاهر من اللفظ هو العموم، ولا يُحمل على إرادة الخاصّ إلّا بدليل وقرينة واضحة. وأمّا المورد الخاصّ الذي وردت الآية فيه فلا يوجب خصوصيّة، في العام، ولا يستدعي حصر مدلول الآية به، فالآية وإن نزلت في رحم آل محمّد صلّى اللَّه عليه وعليهم، إلّا أنّها تشمل كلّ الأرحام والقرابات فتجب صلتها، ولا تختصّ بهم. لكن هذا الاحتمال مرفوض، لوجوه:

 

الأوّل: إنّ ما ذكر لو تمّ كان منافياً للالتزام بأهميّة أسباب النزول، التي مرّ التأكيد عليها، وقد عرفنا اهتمام الأئمّة عليهم السلام بها، إذ معه لا يبقى مجال للاستفادة من تعيين أسباب النزول.

 

الهامش الكلِم في بيان صلة الرحم (ص‏20 - 21) نقله عن الكليني، بإسناده عن ابن أبي عمير، وقال بعد إيراد الحديث: روى - أيضاً - باسناده عن أبي بصير عن أبي عبداللَّه عليه السلام، وبإسناده عن محمّد بن فضيل الصيرفي عن الرضا عليه السلام مثله أيضاً.

 

(1) أطائب الكلم (ص‏20).

 

الثاني: إنّ الآية المذكورة لم تنزل في خصوص رحم آل محمّد صلّى اللَّه عليه وعليهم، وإنّما طُبِّقت عليهم باعتبارهم قرابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي له حقّ الاُبوّة على الاُمّة، وقد جعل المودّة في قرباه أجراً لرسالته في قوله تعالى: (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى). فلا تكون نقضاً على الموارد التي صُرّح فيها بنزول الآيات على أسباب خاصّة. والظاهر أنّ الذي دعا الشيخ الكركيّ إلى تصوّر ارتباط هذا الخبر بموضوع سبب النزول، هو قول الإمام عليه السلام: (نزلت في رحم آل محمّد). فإنّ استعمال الحرف (في) ظاهر في سبب النزول كما سيأتي ولكن من الواضح أنّه لم يُستعمل هنا في ذلك، وإنّما يراد به دخول المورد في حكم الآية، بقرينة عدم دلالة شي‏ءٍ من الأخبار على أنّ ذلك هو سبب لنزولها بالمعنى المصطلح. الثالث: إنّ اللفظ إذا كان عامّاً، ولكن عُلِمَ إرادة الخاصّ منه سواءً من جهة التصريح بإرادة خصوصه، أو لانحصاره به - فلابدّ من الاعراض عن العموم وإرادة الخصوص، فقد يكون التصريح بسبب النزول قرينةً على نفي العموم، فيكون الحكم في هذا الخبر على إطلاقه غير صحيح. والحقُّ أنّ مراد الإمام عليه السلام في هذا الخبر ليس ما ذكر. بل مراد الإمام عليه السلام من (الشي‏ء) هو الحكم الإلهي الوارد في الآية، سواءً كان حكماً شرعياً - وضعياً أو تكليفيّاً - أم كان عقائديّاً أو أخلاقيّاً، فإن جميع الأحكام - بموجب حكمة وضعها وعللها الواقعيّة - لايمكن أن تكون خاصّة بمورد واحد، بل إذا وردت في مورد فلابدّ أن تكون سائر الموارد المشابهة لها، مشاركةً لها في الحكم، كما هو واضح. وهذا هو المراد من الأخبار الاُخرى التي تؤكّد على أنّ القرآن حيّ لم يَمُت، وإليك بعض نصوصها:

 

1 - عن أبي بصير، عن الصادق عليه السلام قال: (... ولو كانت إذا نزلت آية على رجل، ثمّ مات ماتت الآية، لمات الكتاب، ولكنّه حيّ يجري فيمن بقي كما جرى فيمن مضى).

 

2 - وعن عبدالرحيم القصير، عن أبي جعفر عليه السلام، أنّه قال في قوله تعالى: (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) علي الهادي، ومنّا الهادي. فقلت: فأنت - جعلت فداك - الهادي؟ قال: صدقت، القرآن حيّ لا يموت، والآية حيّة لا تموت، فلو كانت الآية إذا نزلت في الأقوام وماتوا ماتت الآية، لمات القرآن، ولكن هي جارية في الباقين، كما جرت في الماضين. 3 - وقال عبدالرحيم، قال أبو عبداللَّه عليه السلام: إنّ القرآن حيّ لم يمت، وإنّه يجري كما يجري الليل والنهار، وكما تجري الشمس والقمر، ويجري على آخرنا كما يجري على أوّلنا(1). إنّ هذه الأخبار تحتوي على أمرين يمكن على أساسهما الوصول إلى المعنى الصحيح المراد بها:

 

الهامش :

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

(1) مرآة الأنوار (ص‏5).

 

1 - أنّ القرآن حيّ لا يموت. 2 - أنّ القرآن يجري في الباقين كما جرى في الماضين. والمراد أنّ أحكام القرآن، سواء الأحكام الشرعيّة - وضعيّة أو تكليفيّة - أم الأحكام الاعتقاديّة والأخلاقيّة، مستمرّة في النفوذ، ولا تتعطّل، مهما تغيّرت الظروف والموارد، وهذا معنى حياتها، ولو تقيّدت بالموارد التي نزلت فيها لتعطّل القرآن ومات. وكذلك يكون القرآن جارياً على كلّ الموارد الاُخرى وقابلاً للتطبيق كما جرى على المورد الأوّل وطُبّق عليه. والسرُّ في ذلك أنّ الموارد الخاصّة للأحكام إنّما هي ظروف ومناسبات لورود الحكم فقط، وأمّا الحكمة في تشريعها والعلّة لوضعها فإنّما هي المفاسد والمصالح الباعثة على تشريعها ووضعها، ومن الواضح أنّها تدور مدار عللها لا مواردها، فلابدّ من تعميمها لجميع ما يصلح للانطباق عليها، دائماً وأبداً، وهذا هو معنى حياة القرآن وجريانه. وإن جعلت هذه الأخبار دليلاً على شي‏ء، فلابدّ أن تكون دليلاً تامّاً على اشتراك الباقين مع الماضين من المكلّفين في الأحكام الشرعيّة الإلهيّة. وأمّا دلالتها على عدم الإلتزام بخصوص أسباب نزول الآيات، فلا نلتزم به أصلاً، حيث أنّا ذكرنا: أنّ تخصيص الأسباب للآيات إنّما هو في غير موارد الأحكام. وقد ظهر بما ذكرنا عدم ارتباط هذه الأخبار ببحث (البطون المتعدّدة للقرآن).

 

سواءً جعلنا (البطون) على أساس تعدّد التطبيقات المختلفة كما يظهر من العلّامة المفسّر السّيد أبي الحسن العاملي الفُتونيّ، حيث قال في توجيه هذه الأخبار: صراحة هذه العبارة في انطباق مفاد القرآن على أهل كلّ زمانٍ واضحة، إذ حاصل المعنى أنّ ما يعلمه الراسخون في العلم من بطون القرآن وتأويلاته لابدّ من وقوع كلّ منها في وقت وجريانه في أوانه تدريجاً(1). وذلك: لأنّ المراد بجريانه، إنّما هو جريانه وتطبيقه المفهوم للناس، كما كان في أوّل أمره على الموارد التي نزل فيها، فلابدّ أن تكون تطبيقاته المستقبليّة بنفس المستوى الذي كانت عليه تطبيقاته الماضية. وأمّا التطبيقات الخاصّة بأهل الرسوخ في العلم فهي خارجة عن مداليل هذه الأخبار، لأنّها غير مقدورة للعرف. كما أنّ المراد بحياة القرآن هي حياته الملموسة وذلك بالتعامل مع آياته والأخذ منها، وذلك لا يتحقّق في مثل المفروض من التطبيقات الخفيّة الخاصّة بالراسخين في العلم، حيث أنّ ذلك لا يُسمّى عند العرف (إحياءً للقرآن). أم جعلنا (البطون) على أساس التفسيرات المختلفة، كما ذهب السيّد الخُوئي دام ظلّه إلى حمل الأخبار على أنّ الآية من القرآن إذا فُسّرت في شي‏ء، فلا تنحصر الآية به، وهو كلام متّصل ينصرف على وجوه... فالقرآن ذلول ذو وجوه، وهذا معنى أنّ للقرآن بطوناً لن تصل إليها أفهامنا القاصرة إلّا بتوجيه من أهل البيت عليهم السلام(1).

 

الهامش :

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

(1) مرآة الأنوار (ص‏5).

 

(2) محاضرات في اُصول الفقه (ج‏1 ص‏214).

 

وذلك لأنّ إتّحاد نسق الأحاديث المذكورة دالٌّ على أنّ جريان القرآن على الباقين هو كجريانه على الماضين، وحث أنّ جريانه على الماضين لم يكن بالشكل المخفيّ الغامض، فكذلك على الباقين. فالوجوه الاُخرى إن كانت في الجريان - لدى العرف - كالوجه الأوّل، لم تكن (بطوناً) وتفسيرات خاصّة بالراسخين في العلم، وإلّا، لم تكن (جاريةً) كما كانت. ثمّ إنّ وجود تفسيرات سريّةٍ خاصّة بالراسخين في العلم لا يلائم (حياة القرآن) بالمعنى العرفي، فإنّ حياتها في مواردها هو الإستفادة منها وتطبيقها، بينما (البطون) لا يمكن الاستفادة منها إلّا للراسخين في العلم، لفرض أنّ أفهام الآخرين قاصرة عنها. مضافاً إلى أنّا نرى بالوجدان عدم تعطُّل القرآن لو التزمنا بالمعنى الذي فسّرنا به هذه الأخبار، وهو عموم أحكام القرآن واشتراك المكلّفين كلّهم فيها الباقين مع الماضين، وإن لم نلتزم بأمر (البطون) سواءً فسِّر على أساس التطبيقات المختلفة أم التفسيرات المتعدّدة. ويكفي هذا دليلاً على عدم ارتباط الأحاديث بأمر (البطون). وحاصل البحث أن الاعتراضات المفروضة على الالتزام بأسباب النزول كواحد من أهمّ طرق معرفة تفسير القرآن، غير واردة مطلقاً، بل هي مرفوضة، لتعارضها مع مقتضى الوجدان وصريح كلمات الأئمّة عليهم السلام والتزام العلماء المتصدّين لتفسير القرآن، كما أثبتنا ذلك في صدر البحث. فمعرفة أسباب النزول أمر مهمّ وضروري بلا ريب.

 

2 - طُرُقُ إثباتِها

 

لا ريب أنّ تعيين أسباب النزول وتمييز الصحيح منها عن ماليس بسبب، عند الإختلاف، يحتاج إلى طرق مشخّصة، سنستعرضها فيما يلي: ولكنّي أرى أنّ أهمّ شي‏ءٍ يجب تحصيله في هذا المجال هو تحديد المقصود لكلمة «أسباب النزول» لكي نعتمد خلال البحث والمناقشة معنىً واحداً، فلا تختلط موارد النفي والإثبات، ولا تتداخل الأدلّة والردود. نقول: إنّ الظاهر من كلمة «سبب» هو العلّة الموجبة لوجود الشي‏ء. ولو التزمنا بهذا المعنى فإنّ ذلك يقتضي حصر موضوع «أسباب النزول» بما كان علّة لنزول الآية، وأنّ الآية نزلت من أجله، وعليه فإنّ أسباب النزول هي القضايا والحوادث التي وردت الآيات من أجلها وفي شأنها، أو نزلت مبيِّنةً لحكم ورد فيها، أو نزلت جواباً عن سؤال مطروح. لكن لابدّ من الإعراض عن هذا الظاهر، لأنّ الإلتزام بهذا المعنى غير صحيح لوجهين: الأوّل: إنّ هذا المعنى بعيدٌ أن يقصده علماء الإسلام وخاصّةً في مجال علوم القرآن، لأنّ السبب بهذا المعنى إصطلاح فلسفي لم يتداوله المسلمون إلّا في القرون المتأخّرة، وعلى ذلك: فلابدّ من حمل كلمة «سبب» على معناها اللغوي، وهو «ما يتوصّل به إلى أمرٍ»، وهذا يعمّ ما فيه سببيّة بالمصطلح الفلسفي، أو يكون مرتبطاً به بشكل من الأشكال، فسبب النزول هو «كلُّ ما يتّصل بالآية من القضايا والحوادث والشؤون»، سواءٌ كانت علّةً نزلت الآية من أجلها، أو لم تكن كذلك، بل ارتبطت بالنزول ولم بنحو الظرفيّة المكانيّة أو الزمانيّة أو الإقتران، وما شابه ذلك.

 

الوجه الثاني: إنّ ملاحظة ما ذكره المفسّرون وعلماء القرآن من أسباب نزول الآيات تدلّنا بوضوح على أنّ مرادهم به ليس هو خصوص ما كان سبباً بالمصطلح الفلسفي، بأن يكون علّة نزلت الآية من أجله، وإنّما يذكرون تحت عنوان «سبب النزول» كلّ القضايا التي كان النزول في إطارها، وما يرتبط بنزول الآيات بنحو مؤثّر في دلالتها ومعناها، بما في ذلك الزمان والمكان، وإن لم يتقيّد ذلك حتّى بالزمان والمكان، ولذلك فإنّ سبب النزول يصدق على ما يخالف زمان النزول بالمضيّ والإستقبال. وقد لا تكون أسباب النزول إلّا خصوصيات في موارد التطبيق تعتبر فريدة، فهي تُذكر مع الآية لمقارنة حصولها عند نزولها، ككون العاملين بالآية متّصفين ببعض الصفات، أو تعتبر مقارنات نزول الآية لعمل شخص ميّزةً له وفضيلة. إلى غير ذلك ممّا يضيق المجال عن إيراد أمثلته وتفصيله، فإنّ جميع هذه الموارد يسمّونها في كتبهم ب«أسباب النزول» بينما ليس في بعضها سببيّة للنزول بالمصطلح الأوّل. فالمصطلح القرآني لكلمة «أسباب النزول» نحدّده بقولنا: «كلّ ما له صلة بنزول الآيات القرآنيّة». فيشمل كلّ شي‏ء يرتبط بنزولها، سواءٌ كان علّة وسبباً أو كان بياناً وإخباراً عن واقع، أو تطبيقاً نموذجيّاً فريداً، أو ورد الحكم فيه لأوّل مرّة، أو كان في مورده جهة غريبة تجلب الإنتباه أو نحو ذلك. وأمّا الطرق التي ذكروها لتعيين أسباب النزول فهي:

 

1 - ما ذكره السيوطي بقوله: والذي يتحرّر في سبب النزول أنّه ما نزلت‏الآية أيّام وقوعه(1). وهذا فيه تضييق، لأنّه أخصّ ممّا يطلق عليه اسم سبب النزول عندهم، لعدم انحصاره بما كان في وقت النزول، بل الضروري هو ارتباط السبب بالآية سواءٌ كان مقارناً لنزولها أو لا، ويُعْلَمُ الربط بالقرائن مع أنّا لا نُنْكِرُ مقارنة كثيرٍ من الأسباب لنزول آياتها، مع أنّ الإلتجاء إلى معرفة سبب النزول بما ذكره من النزول أيّام وقوعه يؤدّي إلى انحصار معرفة سبب النزول بطريق المشاهدة بالحاضرين، فلابدّ من الإعتماد على الروايات لإثباتها إلّا أن يكون مراده تعريف سبب النزول وهو الأظهر، لكنّه أيضاً تضييق كما عرفت.

 

2 - قال الواحدي: لا يحلُّ القول في أسباب نزول الكتاب، إلّا بالرواية والسماع ممّن شاهدوا التنزيل، ووقفوا على الأسباب، أو بحثوا عن علمها وجدّوا في الطلاب، وقد ورد الشرع بالوعيد للجاهل ذي العثار في هذا العلم بالنار. أخبرنا أبو إبراهيم، إسماعيل بن إبراهيم الواعظ، قال: أخبرنا أبو الحسين، محمّد بن أحمد بن حامد العطّار، قال: حدّثنا أحمد بن الحسن ابن عبدالجبّار، قال: حدّثنا ليث، عن حمّاد، قال: حدّثنا أبو عوانة، عن عبدالأعلى، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: اتّقوا الحديث إلّا ما علمتم، فإنّه من كذب عليّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار، ومن كَذِبَ على القرآن من غير علم فليتبوّأ مقعده من النار.

 

الهامش :

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

(1) الإتقان (ج‏1 ص‏116).

 

والسلف الماضون رحمهم الله كانوا من أبعد الغاية احترازاً عن القول في نزول الآية(1). وقال آخر: معرفة سبب النزول أمر يحصل للصحابة بقرائن تحتفُّ بالقضايا(2).

 

3 - قولهم نزل الآية في كذا. إنّ المراجع لكُتب التفاسير، وخاصّةً الكتب الجامعة لأسباب النزول، يجد أنّهم إذا أرادوا ذكر سبب نزول آية قالوا: نزلت في كذا، والظاهر أنّ استعمال الصحابة والتابعين لهذا التغيير، وكون المفهوم من هذا التعبير ما يُفْهَمُ من قولهم «السبب في نزول الآية كذا» دفعهم على المحافظة على هذه العبارة عند بيان أسباب النزول. ويؤيّده أنّ الحرف «في» يُستعمل فيما يناسب السببيّة والربط، كما في قولك: لامَهُ في أمر كذا، أي من أجله وعلى فعله(3). لكن قال الزركشي: عادة الصحابة والتابعين أنّ أحدهم إذا قال: «نزلت هذه الآية في كذا» فإنّه يريد أنّها تتضمّن هذا الحكم، لا أنّ هذا كان السبب في نزولها، فهو من جنس الإستدلال على الحكم بالآية، لا من جنس النقل لما وقع(4). أقول: لم تثبت هذه العادة، بل المستفاد من عمل علماء القرآن هو الإلتزام بالعكس، ولابدّ أنّهم لم يفهموا الخلاف من الصحابة أو التابعين،

 

الهامش :

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

(1) أسباب النزول للواحدي (ص‏4).

 

(2) الإتقان (ج‏1 ص‏115).

 

(3) لاحظ: مغني اللبيب لابن هشام (ص‏224).

 

(4) الإتقان (ج‏1 ص‏116).

 

بل الأغلب في موارد قول الصحابة والتابعين: «نزلت في كذا» إنّما هو القضايا الواقعة والوقائع الحادثة ممّا لا معنى له إلّا الرواية والنقل، ولا مجال لحمله على الإستدلال. ولو تنزّلنا، فإنّ احتمال كون قولهم: «نزلت في كذا» للإستدلال مساوٍ لاحتمال كونه لبيان سبب النزول، ولا موجب لكونه أظهر في الإستدلال. ويقرّب ما ذكرنا أنّ ابن تيميّة احتمل في الكلام المذكور كلا الأمرين: الاستدلال وسبب النزول، فقال: قولهم: «نزلت هذه الآية في كذا ...» يُراد به تارةً سبب النزول، ويراد به تارةً أنّ ذلك داخل في الآية، وإن لم يكن السبب، كما نقول عنى بهذه الآية كذا(1).

 

4 - والتزم الفخر الرازي طريقاً آخر لمعرفة سبب النزول ذكره في تفسير آية النبأ، قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) [الآية6 من سورة الحجرات‏49]. قال: سبب نزول هذه الآية، هو أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث الوليد بن عُقبة، وهو أخو عثمان لاُمّه، إلى بني المصطلق والياً ومصّدّقاً، فالتقوه، فظنّهم مقاتلين فرجع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقال: «إنّهم امتنعوا ومنعوا» فهمّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالإيقاع بهم، فنزلت هذه الآية، واُخْبِر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنّهم لم يفعلوا شيئاً من ذلك. قال الرازي: وهذا جيّد، إن قالوا بأنّ الآية نزلت في ذلك الوقت،

 

الهامش :

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

(1) المصدر السابق (ج‏1 ص‏5 - 116).

 

وأمّا إن قالوا بأنّها نزلت لذلك مقتصراً عليها ومتعدّياً إلى غيره، فلا، بل نقول: هو نزل عامّاً لبيان التثبُّت وترك الإعتماد على قول الفاسق. ثمّ قال: ويدلُّ على ضعف قول من يقول أنّها نزلت لكذا، أنّ اللَّه تعالى لم يقل: «إنّي أنزلتُها لكذا»، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يُنقَل منه أنّه بيّن أنّ الآية نزلت لبيان ذلك فحسب. وقال أخيراً: فغاية ما في الباب أنّها نزلت في مثل ذلك الوقت، وهو مثل التاريخ لنزول الآية، ونحن نصدّق ذلك(1). ويرد عليه: إنّ الظاهر منه أنّه يحصر سبب النزول في أن يقول اللَّه: «أنزلت الآية لكذا» أو يصرّح الرسول بنزولها كذلك، وكذلك يبدو منه أنّه يعتبر في كون الشي‏ء سبباً للنزول أن يكون مدلول الآية خاصّاً به لا عموم فيه. وكلا هذين الأمرين غير تامّين: أمّا الأوّل، فلأنّ كون أمرٍ مّا سبباً لمجي‏ء الوحي ونزوله هو بمعنى أنّ اللَّه أوحى إلى نبيّه من أجل ذلك، فلا حاجة إلى تصريح اللَّه بأنّه أنزل الآية لكذا. وأيضاً فإنّا لم نجد ولا مورداً واحداً، كان تعيين سبب النزول على أساس تصريح الباري بقوله: أنزلتُ الآية لكذا. أفهل ينكر الفخر الرازي وجود أسباب النزول مطلقاً؟

 

الهامش :

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

(1) التفسير الكبير ج‏28 ص‏119).

 

وأورد عليه المحقّق الطهراني بقوله: وأطرف شي‏ء استدلاله على ضعف قول من يقول «إنّها نزلت في كذا» أنّ اللَّه تعالى لم يَقُل «إنّي أنزلتها لكذا» والنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يُنْقَل عنه أنّه بيّن ذلك. فإنّ فهم هذا المعنى لا ينحصر في ما ذكره، بل مجرّد نزول الآية عند الواقعة مع انطباقها عليها يكفي في استفادة هذا المعنى(1). أمّا الثاني: فلأنّ عموم الآية لغير الواقعة، لا يُنافي كون تلك الواقعة هي السبب لنزولها، فإنّ المراد بسبب النزول ليس هو المورد الخاصّ المنفرد الذي لا يتكرّر، بل قد يكون كذلك، وقد يكون هو أوّل الموارد الكثيرة باعتبار عموم موضوع الآية. بل - كما ذكر المحقّق الطهراني -: إنّ الوقائع في زمان نزول الآية كثيرة، مع أنّ ذكر المقارنات لنزول الآيات لا معنى له، بل نزول الآية في الواقعة لا معنى له، إلّا أنّها المعنيّة بها، ولو على وجه العموم(2). والمتحصّل من البحث: أنّ الطرق المثبتة لنزول الآيات تنحصر في أخبار وروايات الصحابة الذين شاهدوا الوحي وعاصروا نزوله، وعاشوا الوقائع والحوادث وظروفها، والتابعين والآخذين منهم، والعلماء المتخصّصين الخبراء، وسيأتي البحث عن مدى اعتبار هذه الروايات في الفقرة التالية من البحث. 3 - حجّيّة رواياتها إنّ الباحث عن أسباب النزول يلاحظ بوضوح اتّسام رواياتها بالضعف أو عدم القوّة، عند العلماء حسب ما تُقرّره قواعد علم الرجال، بل يجد صعوبةً في العثور على ما يخلو سنده من مناقشة رجاليّة في روايات الباب، وكذا تكون النتيجة الحاصلة من الجهد المبذول حول أسباب النزول معرضاً للشكّ من قبل علماء مصطلح الحديث باعتبار أنّ رواياتها غير معتمدة حسب اُصول هذا العلم أيضاً. ونحن نستعرض هنا ما قيل أو يمكن أن يُقال من وجوه الإعتراض على روايات أسباب النزول، ونحاول الإجابة عنها بما يزيل الشكّ عن حجّيتها حسب ما يوصلنا الدليل، ووجوه الإعتراض إجمالاً هي: الأوّل: إنّ روايات الباب (موقوفة). الثاني: إنّ روايات الباب (مرسلة). الثالث: إنّ روايات الباب (ضعيفة). قالوا: ولا حجّية لشي‏ء من هذه الثلاثة. ومع هذه المفارقات كيف يمكن الإعتماد على روايات الباب؟ وبدونها كيف لنا أن نقف على معرفة الأسباب؟ فلنذكر كلّاً منها مع الإجابة عليه:

 

الوجه الأوّل: الاعتراض بالإرسال والوقف على الصحابة:

 

إنّ الحديث إذا اتّصل سنده إلى الصحابيّ، ولم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم سمّي «موقوفاً»، وهو مرسل الصحابيّ، وبما أنّ الحديث إنّما يكون حجّة باعتبار اتّصاله بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكونه كلامه وكاشفاً عن مراده، فلا يكون الموقوف كاشفاً كذلك، بل لا يعدو من أن يكون رأياً للصحابيّ، ومن المعلوم أنّه لا حجيّة فيه لنفسه.

 

والجواب عن ذلك:

 

أوّلاً: إنّ الصحابي إنّما يذكر من أسباب النزول ما حضره وشهده أو نقله عمّن كان كذلك، فيكون كلامه شهادةً عن علم حسّي وقضيّة مشاهدة، وواقعة نزلت فيها الآية وهذا هو القدر المتيقّن من الروايات المقبولة في أسباب النزول، قال الواحدي: لا يحلُّ القول في أسباب النزول إلّا بالرواية والسماع ممّن شاهدوا التنزيل ووقفوا على الأسباب وبحثوا عن علمها(1). وقال آخر: معرفة سبب النزول أمر يحصل للصحابة بقرائن تحتفُّ بالقضايا(2). وقد عرفنا في الفقرة السابقة من هذا البحث أنّ من طرق معرفة أسباب النزول هي روايات الصحابة. إذن، فما يذكره الصحابة في باب النزول إنّما يكون عن علم وجداني حصل عندهم بمشاهدة القضايا، ووقوفهم على الأسباب، فيكون إخبارهم عنها من باب الشهادة، لا من باب الرواية والحديث. فلابدّ أن يكون حجّةً عند من يقول بعدالة الصحابة بقول مطلق، أو خصوص بعضهم، من دون حاجة إلى رفعها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فهي من قبيل رواية الصحابة لأفعال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم التي شاهدوها، وحضروا صدورها منه، فنقلوها بخصوصياتها، فهي حجّة بالإجتماع من دون حاجة إلى رفعها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فكلام الصحابة في هذا الباب ليس حديثاً نبويّاً كي يُبحث فيه عن كون مرسلاً أو لا؟.

 

الهامش :

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

(1) أسباب النزول (ص‏4).

 

(2) الإتقان (ج‏1 ص‏114).

 

وقد قيّد السيوطي مرسل الصحابي المختلف فيه بكونه «ممّا عُلِمَ أنّه لم يحضره»(1)، ومعنى ذلك أنّ ما لم يحضره ونقله، فلو كان فعلاً من أفعال النبي صلى الله عليه وآله وسلم سمّي مرسلاً، وإلّا فلا وجه لتسميته «حديثاً» فضلاً عن وصفه بالإرسال، توضيح ذلك: إنّ نزاعهم في مرسل الصحابيّ إنّما هو في ما ذكره الصحابي من الحوادث التي لم يشهدها ولم يحضرها، وأمّا ما حضرها من الوقائع وشَهِدَها من الحوادث، فإنّها لا تكون داخلة في النزاع المذكور، فإنّ ذلك ليس حديثاً مرسلاً، لأنّ الصحابي لا يروي ولا ينقُلُ شيئاً، وإنّما يشهد بما حضره ورآه، وهو نزول الوحي، في تلك الواقعة وغيره ممّا يرتبط بالنزول، فلا يصحُّ أن يقال أنّه حدّث وروى أو نقل شيئاً عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حتّى يقال أنّه أرسله ولم يرفعه. ثانياً: وعلى فرض كون كلام الصحابيّ في أسباب النزول حديثاً مرويّاً، نقول: إنّ حديث الصحابي - في خوص باب أسباب النزول - ليس موقوفاً ولا مُرسلاً بل هو مسند مرفوع. قال الحاكم النيسابوري: ليعلم طالب الحديث أنّ تفسير الصحابيّ الذي شَهِدَ الوحي والتنزيل، عند الشيخين، حديث مسند. قال: ومشى على هذا أبو الصلاح وغيره(2).

 

الهامش :

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

(1) تدريب الراوي (ص‏115) عن المستدرك للحاكم، ونقله في (ص‏116) عن معرفة علوم الحديث للحاكم.

 

(2) تدريب الراوي ص‏115).

 

ومراده بالشيخين: البخاري ومسلم. وقال النووي - معلّقاً على كلام الحاكم -: ذاك في تفسير ما يتعلّق بسبب نزول الآية(1). ونقل الخطيب البغدادي تفسيراً عن جابر لآية من القرآن، ثمّ قال: وهذا يتوهّم موقوفاً، لأنّه لا ذكر فيه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وليس بموقوف، وإنّما هو مسند، لأنّ الصحابي الذي شاهد الوحي إذا أخبر عن آية أنّها نزلت في كذا وكذا كان ذلك مسنداً(2). وقال الشيخ حسين بن عبدالصمد الحارثي - معلّقاً على قول بعض المحدّثين: (تفسير الصحابيّ مرفوع) ما نصّه: هو قريب إذا كان ممّا لا دخل للإجتهاد فيه، كشأن النزول ونحوه(3). أقول: صريح كلماتهم أنّ حديث الصحابي في مجال أسباب النزول يُعدّ - حسب مصطلح الحديث - «مسنداً» والمراد به: ما رُفع واتّصل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ونُسِبَ إليه، وإن لم يُصرّح الصحابي بأنّه أخذه منه صلى الله عليه وآله وسلم. قال النووي: وأكثر ما يُستعمل [أي المسند] فيما جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، دون غيره(4). وقال الحاكم النيسابوري وغيره: لا يُستعمل «المسند» إلّا في المرفوع المتّصل(5). وقال السيوطي - معلّقاً على كلام الحاكم هذا -: حكاه ابن عبدالبر عن قومٍ من أهل الحديث، وهو الأصحّ، وليس ببعيدٍ من كلام الخطيب، وبه جزم شيخ الإسلام [يعني ابن حجر] في النُخبة(6).

 

الهامش :

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

(1) تقريب النواوي متن تدريب الراوي (ص‏107).

 

(2) الجامع لأخلاق الراوي (2/445).

 

(3) وصول الأخيار إلى اُصول الأخبار (ص‏105).

 

(4) تدريب الراوي (ص‏107).

 

(5) المصدر (ص‏108).

 

(6) المصدر والموضع.

 

وعلى هذا، فتفسير الصحابيّ خاصّةً في موضوع أسباب النزول، هو من الحديث المسند، بمعنى أنّه محكوم بالإتّصال بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فيكون مثله في الحجّيّة والإعتبار. وثالثاً: لو فرضنا كون كلام الصحابي في هذا الباب حديثاً مرسلاً، لكن ليس مرسل الصحابي كلّه مردوداً وغير حجّة. قال المقدسي: مراسيل أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، مقبولة عند الجمهور، والاُمّة اتّفقت على قبول رواية ابن عبّاس ونُظرائه من أصاغر الصحابة مع إكثارهم، وأكثروا روايتهم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مراسيل(1). وقال النووي: - بعد أن تعرّض لحكم الحديث المرسل بالتفصيل -: هذا كلّه في غير مرسل الصحابيّ، أمّا مرسله فمحكوم بصحّته، على المذهب الصحيح. وقال السيوطي في شرحه لهذا الكلام: «أمّا مرسله» كإخباره عن شي‏ء فعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو نحوه، ممّا يُعْلَمُ أنّه لم يحضره لصغر سنّه أو تأخّر إسلامه «فمحكوم بصحّته على المذهب الصحيح» الذي قطع به الجمهور من أصحابنا وغيرهم، وأطبق عليه المحدّثون المشترطون للصحيح، القائلون بضعف المرسل» وفي الصحيحين من ذلك ما لا يُحصى(2). ثمّ، على فرض صدق «المرسل» على كلام الصحابي إصطلاحاً،

 

الهامش :

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

(1) روضة الناظر (ص‏112).

 

(2) تدريب الراوي شرح تقريب النواوي (ص‏126).

 

وقلنا باعتبار مرسلات الصحابة تلك التي لم يحضروها، كان القول باعتبار مرسلاتهم التي حضروها - لو سمّيت بالمرسل - أولى، كما لا يخفى. ورابعاً: إنّ الذي عرفناه في الفقرة السابقة هو انحصار طريق معرفة أسباب النزول بالأخذ من الصحابة، لأنّ أكثر الأسباب المعروفة للنزول إنّما هو مذكور عن طريقهم ومأخوذ من تفاسيرهم، لأنّهم وحدهم الحاضرون في الحوادث والمشاهدون للوحي ونزوله، فلو شدّدنا التمسّك بقواعد علم الرجال ومصطلح الحديث وطبّقناها على روايات أسباب النزول، لأدّى ذلك إلى سدّ باب هذا العلم. وبما أنّا أكّدنا في صدر هذا البحث على أهميّة المعرفة بأسباب النزول فإنّ من الواضح عدم صحّة هذا التشدّد، وفساد ما ذُكِرَ من عدم حجّية روايات الباب، ولا يكون ما ذكر في علمي الرجال والمصطلح مانعاً من الأخذ بأقوال الصحابة في الباب.

 

الوجه الثاني: الاعتراض بالإرسال والوقف على التابعين:

 

لا شكّ أنّ ما يرويه التابعي من دون رفع إلى من فوقه من الصحابة أو وصله إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يكون «رأياً» خاصّاً له، فلا يكون حجّة من باب كونه حديثاً نبويّاً، لأنّه لا يدخل تحت عنوان «السنّة» ويسمّى في مصطلح دراية الحديث «بالموقوف» هذا ما لا بحث فيه. وإنّما وقع البحث فيما يذكره التابعي ناقلاً له عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، من دون توسيط الصحابيّ، فقال قوم بحجّيته بعد أن اعتبروه من «السنّة» وسمّوه «مرسلاً» أيضاً(1)

 

الهامش :

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

(1) تقريب النواوي المطبوع مع التدريب (ص‏118).

 

والوجه في التسمية هو أنّ التابعي - والمراد به من تأخّر عصره عن عصر صحبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يرو عنه إلّا مع الواسطة - إذا روى شيئاً عنه صلى الله عليه وآله وسلم ورفعه إليه، فحديثه مرفوع، إلّا أنّه ليس متّصلاً، بل هو مرسل، والواسطة محذوفة، وهي الصحابيّ بالفرض، فيكون حديثه غير مسند، وقد وقع الخلاف في حجيّة مرسلات التابعي مطلقاً غير ما يختصّ منها بأسباب النزول. أمّا في خصوص هذا الباب فإنّهم اعتبروا الموقوف على التابعيّ من روايات النزول مرفوعاً حكماً، وقالوا: إنّ ما لم يرفعه - في هذا الباب - هو بحكم المرفوع من التابعي، وإن كان مرسلاً. قال السيوطي - بعد أن حكم بأنّ الموقوف على الصحابيّ في باب أسباب النزول بمنزلة المسند المرفوع منه - ما نصّه: ما تقدّم أنّه من قبيل المسند من الصحابي، إذا وقع من تابعيّ فهو مرفوع أيضاً، لكنّه مرسل، فقد يُقبل إذا صحّ المسند إليه، وكان من أئمّة التفسير والآخذين من الصحابة كمجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير، أو اعتضد بمرسل آخر، ونحو ذلك(1). إذن، ما ورد في باب أسباب النزول عن التابعين، يُعدُّ حديثاً مرفوعاً منسوباً إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولو لم يرفعه التابعي إليه، ولا إلى أحدٍ من الصحابة، فيدخل في البحث عن حجّيّة، مرسل التابعي ثمّ أنّ مرسل التابعيّ ليس بإطلاقه مرفوضاً. قال الزركشي: في الرجوع إلى قول التابعي، روايتان لأحمد.

 

الهامش:

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

(1) الإتقان (ج‏1 ص‏117).

 

واختار ابن عقيل المنع، وحكوه عن شعبة، لكن عمل المفسّرين على خلافه، وقد حكوا في كتبهم أقوالهم(1). أقول: بل في غير المفسّرين من يلتزم بحجيّة مراسيل التابعين. قال الطبري: أجمع التابعون بأسرهم على قبول المرسل ولم يأت عنهم إنكاره، ولا من أحدٍ من الأئمّة بعدهم إلى رأس المائتين(2). وبين القائلين بحجّية المرسل، ثلاثة من أئمّة الفقهاء، وهم أبو حنيفة ومالك وأحمد، أي خلا الشافعي. قال النووي والسيوطي: «المرسل: حديث ضعيف، وقال مالك في المشهور عنه، وأبو حنيفة في طائفة منهم أحمد في المشهور عنه: صحيح(3). أقول: حتّى الشافعي - القائل بضعف المرسل - يقول باعتباره في بعض الظروف، كما سيأتي. ثمّ أنّ المرسل لو كان ضعيفاً، فإنّ ذلك لا يعني تركه وعدم الأخذ به مطلقاً، بل هناك طرق مؤدّية إلى تقويته إلى حدّ الإعتبار. قال النووي: فإن صحّ مخرج المرسل بمجيئه من وجهٍ آخر، مسنداً أو مرسلاً، أرسله من أخذ من غير رجال الأوّل، كان صحيحاً. وأضاف السيوطي عليه: هكذا نصّ عليه الشافعي في الرسالة(4).

 

الهامش :

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

(1) البرهان في علوم القرآن للزركشي (ج‏2 ص‏158).

 

(2) تدريب الراوي (ص‏120).

 

(3) المصدر والموضع.

 

(4) المصدر والموضع.

 

أقول: وهذه طريقة متداولة لتقوية الحديث الضعيف بواسطة الشواهد والمتابعات، كما سنذكر ذلك في جواب الوجه الثالث التالي.

 

الوجه الثالث: الاعتراض بضعف روايات الباب.

 

إنّ الكثير من رواة أخبار الباب ضعفاء من الناحية الرجاليّة، وموهونون في نقل الحديث، فكثيراً ما نرى هذا السند في روايات النزول: «... الكلبي عن أبي صالح ...» وقد نقل السيوطي عن الحاكم النيسابوري في هذا السند أنّه «أوهى أسانيد ابن عبّاس، مطلقاً» ويقول فيه ابن حجر «هذه سلسلة الكذب»(1). والجواب: إنّ ما ذُكِرَ صحيح في الجملة، إلّا أنّ ضعف سند حديث ما لا يعني - إطلاقاً - ضعف متنه، فإنّ من الممكن أن لا يكون المتن ضعيفاً بل يكون صحيحاً بسندٍ آخر، غير هذا السند الضعيف، توضيح ذلك: قال المحقّق الدربندي: إعلم أنّك إذا وجدت حديثاً بإسناد ضعيف فلا يسوغ لك أن تقول (إنّه ضعيف المتن) بالتصريح، ولا أن تقول: (هذا الحديث ضعيف) بقول: مطلق وتعني بالإطلاق ضعف الإسناد والمتن جميعاً، بل إنّما لك أن تصرّح بأنّه ضعيف الإسناد، أو تطلق القول وتعني بالإطلاق ضعف الإسناد فقط، إذ ربما يكون ذلك المتن قد ورد بسندٍ آخر يَثْبُتُ به الحديث وأنت لم تظفر به(2). قال للكهنوي: قولهم: «هذا حديث ضعيف» فمرادهم أنّه لم تظهر لنا فيه شروط الصحّة، لا أنّه كذب في نفس الأمر، لجواز صدق الكاذب،

 

الهامش :

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

(1) المصدر (ص‏106).

 

(2) القواميس (الورقة94 - 95).

 

وإصابة مَن هو كثير الخطأ، هذا هو القول الصحيح الذي عليه أكثر أهل العلم، كذا في شرح الألفيّة للعراقيّ، وغيره(1). وقال أيضاً: كثيراً ما يقولون «لا يصحّ» و «لا يَثْبُتُ هذا الحديث» ويظنّ منه من لا علم له: أنّه موضوع أو ضعيف، وهو مبنيّ على جهله بمصطلحاتهم، وعدم وقوفه على مصرّحاتهم، فقد قال عليّ القارى‏ءُ: لا يلزم من عدم الثبوت وجود الوضع(2). وقال الدكتور عِتر: قد يضعُفُ السند ويصحّ المتن، لوروده من طريقٍ آخر ... إذا رأيت حديثاً بإسناد ضعيف، فلك أن تقول: «ضعيف بهذا الإسناد» وليس لك أن تقول: «هذا ضعيف» كما يفعله بعض المتمجهدين في هذا العلم الشريف، فتعيّن به ضعف متن الحديث، بناءً على مجرّد ضعف ذلك الإسناد!؟ فقد يكون مرويّاً بإسناد آخر صحيح، يثبُتُ بمثله الحديث(3).

 

إذن، فليس كلّ حديث ضعيف السند باطلاً، موضوعاً، ضعيف المتن، بل هناك فرق بين ما يكون إسناده ضعيفاً وبين ما يكون متنه ضعيفاً، وبين الحديث المتروك والحديث الموضوع، ومحلّ التفصيل هو علم المصطلح أو «دراية الحديث». وقد قرّر علماء الدراية والمصطلح طرقاً يُعرف بها أي الأحاديث الضعيفة السند لا يمكن الأخذ بها؟ وأيّها يؤخذ بها من وجوه اُخر؟

 

الهامش :

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

(1) الرفع والتكميل في الجرح والتعديل (ص‏136).

 

(2) المصدر السابق (ص‏137).

 

(3) منهج النقد في علوم الحديث (ص‏290).

 

قال النووي والسيوطي - وقد جمعنا بين كلامهما متناً بين الأقواس وشرحاً خارجها -: إذا ورد الحديث من وجوه ضعيفة، لا يلزم أن يحصل من مجموعها حسن. [والمراد من قوله: (لا يلزم ...) أنّه ليس ضروريّاً لصيرورة الحديث الضعيف حديثاً حسناً أن يلتزم بأنّ الأسانيد تقوّي بعضها بعضاً، وليس بحاجة إلى كثرة فيها، حتّى تصل إلى درجة الحسن، بل يكفي الأقلُّ من ذلك، كطريق واحد آخر، كما يشرحه في الفقرات التالية]. قالا: بل:

 

1 - ما كان ضعفه لضعف راويه الصدوق الأمين، زال بمجيئه من وجه آخر، وصار حسناً.

 

2 - (وكذا إذا كان ضعفها لإرسال) أو تدليس، أو جهالة رجال، كما زاده شيخ الإسلام [ابن حجر] (زال بمجيئه من وجه آخر) وكان دون الحسن لذاته.

 

3 - (وأمّا الضعف لفسق الراوي) أو كذبه (فلا يؤثّر فيه موافقة غيره) له إذا كان الآخر مثله، نعم، يرتقي بمجموع طرقه من كونه منكراً لا أصل له، صرّح به شيخ الإسلام، قال:

 

4 - بل ربّما كَثُرت الطرق، حتّى أوصلته إلى درجة المستور السيّ‏ء الحفظ بحيث إذا وجد له طريق آخر فيه ضعف قريب محتمل، ارتقى بمجموع ذلك إلى درجة الحسن(1).

 

الهامش :

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

(1) تدريب الراوي بشرح تقريب النواوي (ص‏104).

 

أقول: ومن هذا الباب تقوية الحديث بالشواهد والمتابعات، فقد يُردَفُ الحديث بما يسمّى (شاهداً) فيقال: يشهد له حديث كذا، أو بما يسمّى (متابعة) فيقال: (تابعه على حديث فلان) وتوضيحه: إنّ الشاهد هو حديث مروي عن صحابي آخر يشبه الحديث الذي يظنّ تفرّد الصحابي الأوّل به، سواء شابهه في اللفظ والمعنى أو في المعنى فقط(1). والمتابعة: أن يوافق راوي الحديث على ما رواه من قبل راوٍ آخر، فيرويه الثاني عن شيخ الأوّل أو عن من فوقه من الشيوخ(2). والمقصود بالشواهد والمتابعات، كما أسلفنا، هو تقوية الحديث ورفع درجته من الضعف إلى الحسن، أو من الحسن إلى الصحّة. مثاله ما ذكره السيوطي، بعد أن روى حديثاً في شأن نزول آيةٍ، سنده هكذا: «ابن مردويه، عن طريق ابن إسحاق، عن محمّد بن أبي محمّد، عن عكرمة أو سعيد، عن ابن عبّاس» قال السيوطي: إسناده حسن، ولن شاهد عند أبي الشيخ، عن سعيد بن جبير، يرتقي به إلى درجة الصحيح(3). ثمّ لا يخفى أنّ بعضهم اعتبر عدم المتابعة للحديث طعناً في الراوي.

 

الهامش :

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

(1) منهج النقد (ص‏418).

 

(2) المصدر والموضع السابقان.

 

(3) الإتقان (ج‏1 ص‏120).

 

قال البخاري في ترجمة «أسماء بن الحكم الفزاري»: لم يرو عنه إلّاهذا الحديث، وحديث آخر لم يُتابع عليه(1). لكن لا يصحّ هذا الطعن: قال المزِّيُّ: هذا [أي عدم وجود المتابعة] لا يقدح في صحّة الحديث، لأنّ وجود المتابعة ليس شرطاً في صحّة كلّ حديث صحيح(2). وقال الذهبي: بل الثقة الحافظ إذا انفرد بأحاديث كان أرفع وأكمل رتبةً، وأدلّ على اعتنائه بعلم الأثر وضبطه - دون أقرانه - لأشياء ما عرفوها. وإن تفرّد الثقة المتقن، يُعدّ صحيحاً غريباً(3). وقال اللكهنوي: ربّما يطعن العقيلي أحداً ويجرحه بقوله: «فلان لا يتابع على حديثه» فهذا ليس من الجرح في شي‏ء، وقد ردّ عليه العلماء في كثير من المواضع بجرحه الثقات بذلك(4). وأمّا ما نُقِل عن الحاكم وابن حجر حول «أوهى أسانيد ابن عبّاس» فنجيب عنه:

 

أوّلاً: إنّ التمثيل لأوهى أسانيد ابن عبّاس بهذا السند لم يرد في كتاب الحاكم النيسابوري أصلاً، فقد ذكر أمثلة لأوهى الأسانيد في كتابه «معرفة علوم الحديث» ولم يرد فيها هذا السند.

 

الهامش :

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

(1) تهذيب التهذيب (ج‏1 ص‏267).

 

(2) نقله في هامش الرفع والتكميل (ص‏122).

 

(3) ميزان الإعتدال (ج‏2 ص‏231).

 

(4) الرفع والتكميل (ص‏122 - 123).

 

وقد تنبّه الشيخ الدكتور نور الدين عِتر إلى هذا، وأشار في هامش كتابه القيّم «منهج النقد في علوم الحديث» إلى كتاب الحاكم «معرفة علوم الحديث: ص‏56 - 58» وقال: إلّا المثال الأخير، فليُتَنَبّه(1). أقول: وهذا تنبيه جليل إلى وقوع التصحيف في النقل عن الحاكم، حيث زيد في المنقول عنه التمثيل لأوهى الأسانيد بهذا السند «الكلبي عن أبي صالح، عن ابن عبّاس». وقد وردت هذه الزيادة في كتاب السيوطي نقلاً عن الحاكم(2). لكن السيوطي المعروف بكثرة النقل عن من سبقه في التأليف من دأبه الإشارة إلى انتهاء النقل قبل أن يُضيف عليه شيئاً ويُصرّح بأنّ الزيادة من عند نفسه، وهذا يؤيّد أن تكون زيادة هذا السند من عبث بعض المحرّفين.

 

وثانياً: إنّ الكلبي ليس بتلك المثابة من الضعف والوهن، وخاصّة إذا كان راوياً عن أبي صالح عن ابن عبّاس، وبالأخصّ في مجال «تفسير القرآن». قال الحافظ الرجاليّ الناقد، أبو أحمد ابن عديّ في كتابه «الكامل» المعدّ لذكر الضعفاء ما نصّه: للكلبي أحاديث صالحة وخاصّة عن أبي صالح وهو معروف بالتفسير، وليس لأحد تفسير أطول منه ولا أشبع فيه، وبعده مقاتل بن سليمان إلّا أنّ الكلبي يفضل على مقاتل، لما في مقاتل من المذاهب الرديئة(3). وقد ذكره ابن حبان في «الثقات»(4).

 

الهامش :

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

(1) منهج النقد (ص‏288)

 

(2) تدريب الراوي (ص‏106).

 

(3) البرهان للزركشي (ج‏2 ص‏159).

 

(4) لسان الميزان (ج‏7 ص‏359).

 

وقال ابن حجر في ترجمته: قال ابن عَدِيّ: «رضوه في التفسير»(1). وعلى هذا، فهل يصحّ أن يُقال في حديث الكلبي، وخاصّة في التفسير وأسباب النزول أنّ سنده «أوهى الأسانيد» أو «سلسلة الكذب»؟ أليس هذا من التناقض الواضح؟! ولقد وضعنا هذه الناحية في اهتماماتنا بهذا الكتاب، وأخذنا بنظر الإعتبار لزوم ذكر الشواهد والمتابعات لكلّ حديث ورد في المتن، تقويةً لسنده، ورفعه من مرتبة الضعف - الذي ربّما يرد عليه - إلى الحسن والصحّة، وأوضحنا منهجنا في ذلك في فضل: العمل في الكتاب ومنهج تحقيقه، من هذه المقدّمة.

 

4 - مصادرها

 

ويدلّ على مدى اهتمامهم بموضوع «أسباب النزول» كثرةُ الجهود المبذولة في سبيلها، فالتفسير بالمنهج التاريخي المُتَمَثِّل في أحاديث أسباب النزول والعناية بها، منتشر في بطون التفاسير الموسّعة الجامعة، أمّا الصغيرة - وخاصّةً القديمة تلك كانت طلائع فنّ التفسير - فهي منحصرة بهذا المنهج. وبعد هذا فإنّ كثيراً من العلماء بذلوا جهوداً في سبيل جمع أسباب النزول في مؤلّفات خاصّة، ويمكن من ناحية فنّية تقسيم هذه المؤلّفات إلى قسمين:

 

الهامش :

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

(1) المصدر السابق، نفس الموضع.

 

الأوّل: الباحثة عن أسباب نزول القرآن، بصورة عامّة وشاملة لجميع الآيات، وذكر أسبابها، من دون تخصيص بجانب معيّن. الثاني: الباحثة عن أسباب نزول بعض الآيات في موضوع معيّن أو في أشخاص معيّنين. فلنذكر المؤلّفات تحت هذين العنوانين. القِسْمُ الأوّلُ: المُؤلَّفاتُ الشامِلَةُ قال السيوطي: أفرده بالتصنيف جماعة [الإتقان ج‏1 ص‏107]، ثمّ ذكر عدّة منهم. ونحن نورد ما وقفنا عليه أو على اسمه منها، مرتّبة حسب أوائل أسمائها.

 

1 - أحاديث النزول: للدارقطني.

 

* جزء صغير مخطوط في مكتبة طبقبوسراي - استانبول.

 

2 - إرشاد الرحمن لأسباب النزول، والنسخ والمتشابه، وتجويد القرآن: تأليف: عطية اللَّه ابن البرهان الشافعي الأجهوري، المتوفّى (1190).

 

* ايضاح المكنون (1/60) معجم مصنّفات القرآن الكريم، لشوّاخ (ج‏1 ص‏127 رقم‏204). ويوجد في المكتبة الظاهرية برقم (5814) فهرس الظاهرية (علوم القرآن) (2/30).

 

3 - أسماء من نزل فيهم القرآن. تأليف الشيخ إسماعيل المديني الضرير.

 

* كشف الظنون (1/89).

 

3 - أسبابُ النزول: تأليف: علي بن هبة بن جعفر، أبي الحسن المدينيّ، السعدي‏ المتوفّى (234).

 

* إيضاح المكنون (3/69). وذكره السيوطي قائلاً: أقدمهم علي بن المدينيّ شيخ البخاري [الإتقان ج‏1 ص‏107] وفيمن يأتي ذكره بعض من هو أقدم منه وفاةً.

 

4 - أسباب النزول: تأليف: محمّد بن أسعد، القرافي.

 

* كشف الظنون (ج‏1 ص‏76).

 

5 - أسباب نزول القرآن، المطبوع باسم «أسباب النزول»: تأليف: علي بن أحمد، أبي الحسن الواحدي، النيسابوري، المتوفّى (468)، ولدينا منه مصوّرة عن نسخة قديمة مصحّحة. قال السيوطي: من أشهرها كتاب الواحدي، على ما فيه من إعواز.

 

* الإتقان (ج‏1 ص‏107)، وكشف الظنون (1/76)، والنابس في أعلام القرن الخامس (ص‏118).

 

6 - أسباب النزول: تأليف: الشخى سعيد بن هبة اللَّه بن الحسن، قطب الدين الراوندي، المفسّر، المتوفّى (573). قال: شيخنا آقا بزرك الطهراني: هو من مآخذ كتاب «بحار الأنوار» صرّح به في أوّله، وينقل عنه فيه.

 

* الذريعة إلى تصانيف الشيعة (ج‏2 ص‏12).

 

7 - أسباب النزول: تأليف: عبدالرحمن بن محمّد، أبي المُطرف، المعروف بابن فطيس‏الأندلسي، المتوفّى (402)، في أجزاء عديدة.

 

* سِيَر أعلام النبلاء (11/ق‏46)، وكشف الظنون (1/76) وسمّاه في معجم مصنّفات القرآن (ج‏1/ص‏123) بالقصص والأسباب التي نزل من أجلها الكتاب.

 

8 - أسباب النزول: تأليف: عبدالرحمن بن علي، أبي الفرج، ابن الجوزي البغدادي، المتوفّى (597).

 

* كشف الظنون (1/76).

 

9 - الأسباب والنزول على مذهب آل الرسول: تأليف الشيخ محمّد بن علي، ابن شهر آشوب، السَرَوِيّ، الحافظ، المتوفّى (588).

 

* معالم العلماء (ص‏119)، وانظر: تأسيس الشيعة (ص‏337)، والذريعة (1/12)، وكشف الظنون (1/77).

 

10 - الإعجاب ببيان الأسباب: تأليف: أحمد بن علي، شهاب الدين ابن حجر العسقلاني، المتوفّى (852)، مجلّد ضخم.

 

* كشف الظنون (1/120). أقول: ولعلّه ما ذكره السيوطي في الإتقان (1/107) بقوله: وألّف فيه شيخ الإسلام أبو الفضل ابن حجر كتاباً مات عنه مسودّة، فلم نقف عليه كاملاً.

 

11 - البيان في نزول القرآن: تأليف: محمّد بن علي النسويّ، وهو في أسباب نزول القرآن.

 

* معجم مصنّفات القرآن الكريم، رقم (2608).

 

12 - تسمية المنافقين ومن نزل فيهم القرآن منهم ومن غيرهم. لأبي الحسن المدائني، علي بن محمّد بن عبداللَّه (135 - 225). ذكره ابن الكوفي، لفهرست لابن النديم (ص‏113). 13 - التنزيل من القرآن والتحريف: تأليف: المحدّث علي بن الحسن بن فضّال الكوفي، المتوفّى (224). كذا سمّاه السيّد الصدر.

 

* تأسيس الشيعة (ص‏335)، وانظر (ص‏330)، والذريعة (ج‏4 ص‏454)، وذكره في إيضاح المكنون (4/283) باسم: «التنزيل في القرآن».

 

14 - التنزيل والتعبير: تأليف: محمّد بن خالد البرقي (أواخر المائة الثانية). ذكره النجاشي. أعيان الشيعة للأمين (ج‏1 ص‏128).

 

15 - التنزيل: من مصادر «المصباح» للكفعمي.

 

* الذريعة (ج‏4 ص‏454).

 

16 - التنزيل: تأليف: محمّد بن مسعود بن محمّد بن عياش، السلمي، السمرقندي، صاحب تفسير العياشي.

 

* الذريعة (ج‏4 ص‏454).

 

17 - التنزيل عن ابن عبّاس: تأليف: عبدالعزيز بن يحيى الجلودي، أبي أحمد البصري، المتوفّى (332).

 

* الذريعة (ج‏4 ص‏454) عن رجال النجاشي.

 

18 - الصحيح المسند في أسباب النزول: تأليف: مقبل الوادي. طبع بمكتبة المعارف، الرياض، بلا تاريخ.

 

19 - لبابُ النقول في أسباب النزول، وهو مطبوع متداول. تأليف: عبدالرحمان بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي، المتوفّى (911)، قال في الإتقان: وقد ألّفت فيه كتاباً حافلاً موجزاً لم يؤلّف مثله في هذا النوع.

 

* الإتقان (1/107).

 

20 - لُبُّ التفاسير في معرفة أسباب النزول والتفسير: تأليف: محمّد بن عبداللَّه، القاضي الروميّ الحنفيّ، الشهير ب«لُبي حافظ» المتوفّى (1195).

 

* إيضاح المكنون (4/400).

 

21 - مختصر أسباب النزول: تأليف: إبراهيم بن عمر بن إبراهيم، برهان الدين الجعبري، المتوفّى (732). قال السيوطي: قد اختصره [يعني كتاب الواحدي ]الجعبري، فحذف أسانيده، ولم يزد عليه شيئاً.

 

* الإتقان (1/107)، وكشف الظنون (1/72).

 

22 - مددُ الرحمان في أسباب نزول القرآن: تأليف: عبدالرحمن بن علاء الدين بن علي بن إسحاق القاضي، زين الدين التميميّ، الخليلي، المقدسي، الشافعي، المتوفّى (876).

 

* إيضاح المكنون (4/455)، والاُنس الجليل بتاريخ القدس والخليل (ج‏2 ص‏133) وقال: نظمه نظماً جيداً، وعدّه في قضاة مدينة الخليل ونابلس.

 

23 - مقامات التنزيل. لأبي العبّاس الضرير.

 

* ذكره ابن حجر ونقل عنه نزول آية في بعض الصحابة، الإصابة (3/630).

 

24 - نزول القرآن: تأليف: الحسن بن سيّار البصري، أبي سعيد، المتوفّى (110). قال شوّاخ: كان راويته عمرو بن عبيد المعتزلي، المتوفّى سنة (144).

 

* معجم مصنّفات القرآن الكريم (ج‏1 ص‏137) رقم (223).

 

25 - نزول القرآن: تأليف: الضحّاك بن مزاحم، الهلالي، اللّخْميّ، الخراساني، المتوفّى (105).

 

* تاريخ التراث العربي (ج‏1 ق‏1 ص‏187).

 

26 - نزول القرآن: تأليف: محمّد بن إسحاق بن خزيمة، أبي بكر النيسابوري. ينقل عنه في كتابه «قوارع القرآن»

 

* معجم المؤلّفات القرآنيّة للسيّد الحسيني، مخطوط قيد التأليف.

 

27 - نزول القرآن: تأليف: الحسن بن أبي الحسن البصري.

 

* الفهرست للنديم (ص‏40).

 

28 - نزول القرآن: تأليف: عكرمة عن ابن عبّاس.

 

* الفهرست للنديم (ص‏40).

 

29 - يتيمة الدرر في النزول وآيات السور: تأليف: أبي عبداللَّه، محمّد بن أحمد بن محمّد بن أحمد بن الحسين الموصلي الحنبلي المتوفّي (656). محفوظ بمكتبة جستربتي برمق (2/3961).

 

القسم الثاني المؤلّفات المُخْتَصَّة وبذل ثلّة من الأعلام جهوداً في تأليف أسباب نزول آيات معيّنة، نزلت في شؤون خاصّة، أو بشأن أشخاص معيّنين، وقد ألّف على هذه الطريقة جمع من القدماء والمتأخّرين، ولعلّ الأصل في ذلك ما عنونه السيوطي ب«النوع الحادي والسبعين» في أسماء من نزل فيهم القرآن، قال: رأيت فيهم تأليفاً مفرداً لبعض القدماء، لكنّه غير محرّر.

 

وأضاف: وكُتُب «أسباب النزول» و «المبهمات» يُغنيان عن ذلك [الإتقان ج‏4 ص‏119]. وبما أنّ الأغراض تختلف في جمع الآيات وذكر أسبابها حسب اختلاف المواضيع المقصودة بالبحث والتأليف، فإنّ الوقوف على جميع ما اُلّف على هذا النمط متعذّر، ولم أتفرّغ أنا للتبُّع الكامل، كي أستقصي جميع المؤلّفات المختصة كذلك، وإنّما جمعت أسماء ما توفّر لديّ أثناء إعداد هذا البحث، بالإضافة إلى ما استفدته من الفهارس والفوائد المتناثرة التي أمكنني الوقوف عليها، ونُرتِّبها هنا حسب أوائل أسمائها:

 

1 - الآيات النازلة في أهل البيت عليهم السلام: للسيّد محمّد بن أبي زيد بن عَرَبْشاه الوارميني (القرن‏8) وهو صاحب كتاب «أحسن الكبار في معرفة الأئمّة الأطهار».

 

* فهرست مكتة السيّد المرعشي (رقم‏749 - 750).

 

2 - الآيات النازلة في أهل البيت عليهم السلام: لابن الفحّام، الحسن بن محمّد بن يحيى، أبي محمّد المقرى‏ء النيسابوري، المتوفّى (458).

 

* لسان الميزان، لابن حجر (ج‏2 ص‏251).

 

3 - الآيات النازلة في ذمّ الجائرين على أهل البيت عليهم السلام: لحيدر علي بن محمّد بن الحسن الشيرواني.

 

* الذريعة للطهراني (ج‏1 ص‏48).

 

4 - الآيات النازلة في فضائل العترة الطاهرة: للشيخ عبداللَّه، تقيّ الدين الحلبي.

 

* الذريعة (ج‏1 ص‏49).

 

5 - آية التطهير في الخمسة أهل الكساء: للسيّد محيي الدين الموسوي الغريفي، طبع بالمطبعة العلميّة - النجف‏1377.

 

6 - آية التطهير: للسيّد محمّد باقر الخِرْسان الموسوي، لا يزال مخطوطاً عند المؤلّف.

 

7 - آية التطهير: للسيّد محمّد جواد الحسيني الجلاليّ لا يزال مخطوطاً عند المؤلّف.

 

8 - إبانة ما في التنزيل من مناقب آل الرسول: تأليف: أحمد بن الحسن بن علي أبي العبّاس الطوسي، الفلكي، المفسّر ويسمّى أيضاً «مثارُ الحقّ».

 

* معالم العلماء (ص‏23).

 

9 - أربعون آية في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام: لمؤلّف مجهول.

 

* الذريعة (11/49 - 50) وانظر (17/264). 10 أسماء أمير المؤمنين عليه السلام في كتب اللَّه عزّوجلّ: لابن أبي الثلج، محمّد بن أحمد بن عبداللَّه أبي بكر البغدادي، المتوفّى (325).

 

* الذريعة (11/75) وقال: ذكره الشيخ في الفهرست.

 

11 - أسماء أمير المؤمنين عليه السلام من القرآن: تأليف: الحسن بن القاسم بن محمّد بن أيّوب بن شمّون، أبي عبداللَّه الكاتب (القرن‏4).

 

* رجال النجاشي (ص‏52)، والذريعة (2/65).

 

12 - أسماء من نزل فيهم القرآن: تأليف إسماعيل الضرير المدينيّ.

 

* كشف الظنون (1/89).

 

13 - أعظم المطالب في أيات المناقب: للسيّد أحمد حسين الأمروهري، المتوفّى (1338).

 

* الذريعة (11/95).

 

14 - أوضح دليل فيما جاء في علي وآله من التنزيل: للشيخ علي بن الشيخ جعفر بن أبي المكارم العواميّ القطيفي. ذكر السيّد أحمد الحسيني أنّه موجود عنده في آخر كتاب «الهداية إلى حبوة الميراث».

 

15 - تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة: للسيّد علي شَرَف الدين، الحسيني، الإِسْترآبادي، النجفي، تلميذ المحقّق الكركي، الذي توفّي سنة (940)، وقد يسمّى «تأويل الآيات الباهرة».

 

* الذريعة (3/304). منه نسخة في مكتبة السيّد الحكيم العامّة بالنجف برقم (639)، ونُسَخ في مكتبة السيّد المرعشي النجفي، بقمّ، بالأرقام (259 و290 و359 و438 وغيرها)، ونُسَخ في مكتبة الإمام الرضا عليه السلام بمشهد، ونُسخة في مكتبة المتحف العراقي ببغداد.

 

16 - تأويل الآيات النازلة في فضل أهل البيت عليهم السلام: لبعض الأصحاب.

 

* الذريعة (ج‏3 ص‏306).

 

17 - تنزيل الآيات الباهرة في فضل العترة الطاهرة: للسيّد عبدالحسين شَرَف الدين الموسوي العاملي الصُوري (ت‏1377) صاحب «المُراجعات».

 

* الذريعة (ج‏4 ص‏455).

 

18 - تُحْفةُ الإخوان في تقوية الإيمان: للشيخ فخر الدين الطريحي صاحب «مجمع البحرين».

 

* الذريعة (3/414)، وفهرس مكتبة المشكاة (ج‏1 ص‏30).

 

19 - تفسير الآيات المنزلة في أمير المؤمنين عليه السلام: للشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان، التلّعُكبري البغدادي، المتوفّى (413).

 

* الذريعة (12/183) ذكر أنّه من مصادر «سعد السعود» لابن طاوُس.

 

20 - تفسير الكوفيّ: تأليف: فرات بن إبراهيم أبو القاسم الكوفيّ «من أعلام القرن الرابع». مطبوع ونسخة المخطوطة كثيرة.

 

21 - تَنْبيهُ الغافِلين عن فضائل الطالبِيّين: تأليف: محسن بن محمّد بن كَرامة الجشُميّ الحاكم البيهقي، المتوفّى (494). منه نُسخة مصوّرة بدار الكتب المصريّة بالقاهرة برقم (27622ب).

 

* ذكره شيخنا في الذريعة (ج‏4 ص‏446) ناسباً له إلى بعض قدماء الأصحاب وقال: «وقد يُنْسَبُ إلى الشريف المرتضى علم الهدى». وانظر: أهل البيت في المكتبة العربية (رقم‏117).

 

22 - جامع الفوائد ودافع المعاند: للشيخ عَلَم بن سيف بن منصور النجفيّ الحلّيّ.

 

* الذريعة (5/66) وهو مختصر «تأويل الآيات» لشرف الدين.

 

23 - الحجّة البالغة: للسيّد خلف الحويزي الموسوي، المتوفّى (1074).

 

* الذريعة (ج‏6 ص‏258).

 

24 - حدائق اليقين في فضائل إمام المتّقين والآيات النازلة في شأن أمير المؤمنين عليه السلام: للمولى أبي طالب الإسترآباديّ.

 

* الذريعة (6/292).

 

25 - حقائق التفصيل في تأويل التنزيل.

 

تأليف: جعفر بن ورقاء بن محمّد بن جبلة، أبي محمّد، أمير بني شيبان بالعراق.

 

* رجال النجاشي (ص‏96).

 

26 - خصائص أمير المؤمنين في القرآن: للحاكم الحسكاني، عبيداللَّه بن عبداللَّه، أبي القاسم (القرن الخامس).

 

* معالم العلماء (78).

 

27 - خصائص أمير المؤمنين عليه السلام من القرآن: تأليف: الحسن بن أحمد بن القاسم بن محمّد بن علي بن أبي طالب، أبي محمّد الشريف، النقيب، شيخ النجاشيّ.

 

* رجال النجاشي (ص‏51)، والذريعة (7/165).

 

28 - خصائص الوحي المُبين في مناقب أمير المؤمنين عليه السلام: للشيخ يحيى بن علي بن الحسن بن البطريق الحلّي (ت‏600).

 

* الذريعة (7/175) وقال: طبع بطهران سنة (1311). وطبع بتحقيق الشيخ محمّد باقر المحمودي في وزارة الإرشاد الإسلامي - طهران‏1406ه.

 

29 - الخيرات الحِسانُ في ما ورد من آي القرآن في فضل سادَة بني عَدْنان: للشيخ محمّد رضا الغرّاويّ النجفي.

 

* ذكر السيّد أحمد الحسيني: إنّه رآه عند ابن المؤلِّف في العراق.

 

30 - الدُرّ الثَمين في ذِكْر خمسمائة آية نزلت من كلام ربِّ العالَمين في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام: للحافظ الشيخ رجب بن محمّد البُرْسيّ، الحِلّيّ (كان حيّاً813).

 

* الذريعة (8/64 - 65).

 

31 - الدُرُّ الثمين في أسرار الأنْزَع البَطين: للشيخ تقيّ الدين عبداللَّه الحلبيّ، وقد مرّ له «الآيات النازلةُ» برقم (4).

 

* الذريعة (8/65) وهو مختصر من «الدُرِّ الثمين» للشيخ البُرْسيّ السابق الذكر.

 

32 - ذكر الآيات النازلة في أمير المؤمنين عليه السلام: لمؤلِّف مجهول.

 

* ذكره السيّد ابن طاوُس في «سعد السُعود» كما في الذريعة (10/33). ذكر ما أنزل اللَّه من القرآن في أمير المؤمنين عليه السلام. كتاب جمعه أحمد بن محمّد بن أحمد بن ميمون بن عون أبو الحسين. ذكره الرافعي في التدوين (2/227).

 

33 - ذِكْرُ ما نزل من القرآن في رسول اللَّه وأهل البيت عليهم السلام: لمؤلّف مجهول.

 

* الذريعة (10/36).

 

34 - رجالٌ أنزل اللَّه فيهم قرآناً: تأليف: عبدالرحمن بن عميرة الرياحي.

 

* معجم مصنّفات القرآن الكريم (1/131) وقال: طبع دار اللواء.

 

35 - روائحُ القرآن في فضائل اُمناء الرحمان: للسيّد مير محمّد عباس بن علي أكبر الهِنْدي التُسْتَريّ، المتوفّي (1306).

 

* الذريعة (11/255) وقال طبع بلكهنو الهند سنة1278.

 

36 - زُبَدُ الكشف والكرامة في معرفة الإمامة: للسيّد محمّد مؤمن بن محمّد تقي الموسوي الهندي.

 

* فهرس مكتبة المرعشي النجفي.

 

37 - شواهد التنزيل لقواعد التفضيل: للحاكم الحسكاني عبيداللَّه بن عبداللَّه، أبي القاسم (القرن‏5).

 

* طُبع بتحقيق الشيخ محمّد باقر المحمودي، في بيروت، ومرّ للمؤلّف كتاب «خصائص أمير المؤمنين» برقم (26).

 

38 - العِتْرةُ الطاهرة في الكتاب العزيز: للشيخ عبدالحسين بن أحمد الأمينيّ النجفي صاحب «الغدير».

 

* الغدير (ج‏2 ص‏55).

 

39 - عين العبرة في غبن العترة: للسيّد ابن طاوُس ، أحمد بن موسى الحلّي (ت‏673). وهو مطبوع بالنجف.

 

40 - اللّوامع النورانيّة في أسماء أمير المؤمنين عليه السلام القرآنيّة: للسيّد هاشم بن سليمان التوبليّ، المحدّث البحرانيّ (ت‏1107). طبع في قم سنة (1394).

 

41 - ما نزل في الخمسة [أصحاب الكساء]: تأليف عبدالعزيز بن يحيى، أبي أحمد الجَلُوديّ البصري، المتوفّى (332).

 

* رجال النجاشي (ص‏180) والذريعة (19/30).

 

42 - ما نزل من القرآن في أعداء أل محمّد صلّى اللَّه عليه وعليهم. لمؤلّف مجهول.

 

* الذريعة (19/28) عن ابن شهر آشوب. - ما نزل من القرآن في أمير المؤمنين علي عليه السلام وولده. لأحمد بن محمّد بن المظفر بن المختار الرازي مخطوط في مكتبة لاله‏لي برقم (3739).

 

43 - ما نزل من القرآن في أهل البيت عليهم السلام: لابن الجُحّام، محمّد بن العبّاس، بن علي بن مروان، أبي عبداللَّه البزّاز. قال النجاشيّ: قال جماعة من أصحابنا: «إنّه لم يُصنّف في معناه مثلُه، وقيل إنّه ألف ورقة».

 

* الذريعة (3/306) و (19/29) وقد نقل عنه السيد ابن طاوُس في «سَعْد السُعود» وكتاب اليقين (ص‏79) باب (98)، ووصف النُسخة التي كانت عنده من هذا الكتاب، ونقل عنه السّيد شَرَفُ الدين في «تأويل الآيات» كثيراً.

 

44 - ما نزل من القرآن في أعداء أهل البيت عليهم السلام:

 

45 - ما نزل من القرآن في شيعة أهل البيت عليهم السلام: لابن الجُحّام المذكور.

 

* ذكرهما في الذريعة (3/306).

 

46 - ما نزل من القرآن في أمير المؤمنين عليه السلام: تأليف: إبراهيم بن محمّد بن سعيد بن هلال، أبي إسحاق الثقفيّ الكوفيّ، المتوفّى (283).

 

* رجال النجاشي (ص‏12)، والذريعة (19/28).

 

47 - ما نزل من القرآن في أمير المؤمنين عليه السلام: تأليف: أحمد بن عبداللَّه الحافظ، أبي نُعَيْم الإصفهاني، المتوفّى (430).

 

* معالم العلماء (ص‏25)، والذريعة (19/28). روى عنه ابن البطريق في كتابه و (العمدة) روايات عديدة، وألّف الشيخ محمّد باقر المحمودي كتاب «النور المُشْتَعل المُقْتَبَس من كتاب ما نزل» جَمَعَ فيه ما وجده من روايات «ما نزل ...» لأبي نعيم هذا، وطبعته وزارة الإرشاد الإسلامي في طهران‏1406.

 

48 - ما نزل من القرآن في أمير المؤمنين عليه السلام: تأليف: علي بن الحسين، أبي الفرج الإصفهاني، صاحب الأغاني، المتوفّى (356).

 

* معالم العلماء (ص‏141)، والذريعة (19/28).

 

49 - ما نزل من القرآن في أمير المؤمنين عليه السلام. تأليف: محمّد بن أحمد بن عبداللَّه بن إسماعيل، أبي بكر الكاتب البغدادي، المعروف ب(ابن أبي الثلج) المتوفّى (325)، ويُسمّى ب«التنزيل».

 

* الذريعة (19/28) وانظر 4/454)، ومرّ له كتاب «أسماء أمير المؤمنين في القرآن» برقم (10).

 

50 - ما نزل من القرآن في أمير المؤمنين عليه السلام: تأليف: محمّد بن أورمة، أبي جعفر القُمّيّ.

 

* رجال النجاشي (ص‏253)، والذريعة (19/29).

 

51 - ما نزل من القرآن في أمير المؤمنين عليه السلام: تأليف: محمّد بن عِمْران، أبي عبيداللَّه، المرزباني، الخُراساني، البغدادي، المتوفّى‏378.

 

* معالم العلماء، (ص‏118)، والذريعة (19/29).

 

52 - ما نزل من القرآن في الحسين بن علي عليهما السلام: تأليف: محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري، أبو جعفر صاحب النوادر. رواه أبو علي ابن همام الاسكافي، الفهرست لابن النديم (ص‏77).

 

53 - ما نزل من القرآن في صاحب الزمان عليه السلام: تأليف: أحمد بن محمّد بن عبيداللَّه، أبي عبداللَّه الجَوْهَريّ، المتوفّى (401). سمّاه ابن شهر آشوب ب«مختصر ما نزل من القرآن في صاحب الزمان».

 

* رجال النجاشي (ص‏67)، ومعالم العلماء (ص‏20)، والذريعة (19/30)، وإيضاح المكنون (4/421).

 

54 - ما نزل من القرآن في علي عليه السلام: تأليف: الحسين بن الحكم بن مسلم الحِبَرِيّ، أبي عبداللَّه الكوفي، المتوفّى (286). وهو هذا الكتاب الذي نُقدّم له في طبعته الثانية، وطبع باسم «تفسير الحِبَرِيّ» في بغداد، مطبعة أسعد (1398) طبعةً اُولى.

 

55 - ما نزل في علي من القرآن: تأليف: عبدالعزيز بن يحيى الجَلُودي، أبي أحمد البصري، المتوفّى‏332.

 

* رجال النجاشي (ص‏180)، والذريعة (19/28)، ومرّ له «ما نزل في الخمسة» برقم (41).

 

56 - ما نزل من القرآن في علي عليه السلام: تأليف: هارون بن عمر بن عبدالعزيز، أبي موسى المُجاشعي

 

* رجال النجاشي (ص‏342)، والذريعة (19/29).

 

57 - مَجْمَعُ الأنوار - أو - آية التطهير وحديث الكساء. تأليف: السيّد حسين الموسوي الكرماني.

 

* طبع بالمطبعة العلمية - في قم (1391).

 

58 - المحجّة في ما نزل في الحجّة: تأليف: السيّد هاشم بن سليمان التوبليّ، المحدّث البحراني (ت‏1107).

 

* طبع بتحقيق السيّد مُنير الميلانيّ في بيروت. 59 - مختصر شواهد التنزيل: اختصره القاضي إسماعيل بن الحسين جغمان الخولانيّ الصنعانيّ، المتوفّى (1256). نُسخة ضمن مجموعة من مؤلّفاته في المتحف البريطاني، رقم (3898Or).

 

60 - المصابيح في ذِكْر ما نزل من القرآن في أهل البيت عليهم السلام: تأليف: أحمد بن الحسن، أبي العبّاس الإسْفرايِينيّ، المفسّر الضرير. قال النجاشي: كتاب حسن كثير الفوائد.

 

* رجال النجاشي (ص‏73).

 

61 - المصابيح في ما نزل من القرآن في أهل البيت عليهم السلام: تأليف أحمد بن جعفر بن محمّد بن إبراهيم العلوي الخيبري، المتوفّى‏376.

 

* إتقان المقال، للشيخ محمّد طه نجف (ص‏159).

 

62 - المهديُّ الموعُود في القرأن الكريم: تأليف: السيّد محمّد حسين الرضَوِيّ بن السيّد علي بن العَلَم الحُجّة السيد مُرْتَضى الكِشْميري النجفي. طبع في طهران سنة ().

 

63 - نصائحُ أهل العُدْوان: للسيّد محمّد مرتضى الحسيني الجنفوريّ، المتوفّى (1333).

 

* الذريعة (24/168).

 

64 - النصّ الجليّ في أربعين آية في شأن علي عليه السلام: تأليف: المُلّا حسين بن باقر البُروجردي، فرغ منه (1273).

 

* الذريعة (24/172)، طبع سنة (1320).

 

65 - نزول القرآن في شأن أمير المؤمنين عليه السلام: تأليف: محمّد بن مؤمن أبو بكر الشيرازي.

 

* معالم العلماء (ص‏118)، فهرست منتجب الدين (ص‏165). هذا ما وقفنا عليه - ونحن لم نقصد للإستيعاب - ومن المؤكّد فوات أسماء كثيرة. هذا في مجال المؤلّفات المنفردة، أما ما ذُكر ضمن الكتب ممّا يرتبط بالآيات النازلة، وبالخصوص تلك التي شملت فصولاً مطوّلة جدّاً، ممّا يُعدّ كتاباً ضخماً لو انفرد، فكثير، مثل ما جاء في كتاب «غاية المرام» للسيّد هاشم بن سليمان البحراني، و «إحقاق الحقّ» للقاضي نور اللَّه المرعشيّ، و «التعليقات» الضافية التي خرّجها سماحة السيّد المرعشي في ملحقات إحقاق الحقّ، وغير ذلك من الكُتُب والمؤلّفات، وإنّما لم نذكرها لخروجها عن هدفنا، وهو جمع أسماء المؤلّفات المستقلة. وكذلك لم نذكر بعض المطبوعات الحديثة التي اقتبست من هذه المؤلّفات نقلاً حرفيّاً محرّفاً، ولم تُضِف إليها فائدة، ولم تُضف عليها غير الأخطاء الشنيعة، التي لا يعود على الفكر والتراث منها إلّا العار والضرر. ويؤسفنا أن تجد أمثال تلك التصحيفات طريقها إلى المطابع بينما عيون التراث مخبوءة في زوايا الإهمال(1).

 

الهامش :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) طبع مقال (أسباب النزول) بهذا العنوان في مجلّة تراثنا، ثمّ أعدنا النظر فيه، ونشر في مقدّمة كتاب «تفسير الحِبَريّ» المطبوع في بيروت.