النسخ في الشريعة الاسلامية

وأما النسخ في الشريعة الاسلامية فهو أمر ثابت لا يكاد يشك فيه أحد من علماء المسلمين سواء في ذلك ما كان نسخًا لاحكام الشرائع السابقة أو ما كان نسخًا لبعض أحكام الشريعة الاسلامية نفسها. ومن هذه النسخ ما صرح به القرآن الكريم حيث نسخ حكم التوجه في الصلاة الى القبلة الاولى وأمر بالتوجه شطر المسجد الحرام. ولكن مع ذلك نجد النسخ مثارًا للخلاف في علوم القرآن حيث وقع الجدال في ان شيئًا من الاحكام الثابتة في القرآن الكريم منسوخ بالقرآن الكريم نفسه أو بالسنة النبوية المتواترة.

 

وهذا الخلاف جاء على صياغتين الاولى: الخلاف الذي أثاره أبو مسلم الاصفهاني المتوفى سنة 322 هجري حيث ذهب على أحسن الاحتمالات في كلامه الى عدم جواز وقوع النسخ في القرآن الكريم مستدلاً على ذلك بقوله تعالى في وصف القرآن ﴿لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد﴾.

 

فهذه الآية تقول ان القرآن لا يعتريه البطلان ولما كان النسخ ابطالاً لما في الآية من حكم فهو لا يرد على القرآن الكريم. ولكن هذه الآية الكريمة لا يمكن ان تكون دليلاً لمذهب ابي مسلم لان النسخ ليس باطلاً حتى يكون وروده على القرآن الكريم خلافًا لمنطوق الآية وانما هو محض حق وموافق لواقع الحكمة والمصلحة على اساس ما ذكرناه عن حقيقته. واذا كان النسخ باطلاً فلا نحتاج في رفضه الى الاستعانة بالآية الكريمة بل يكفي بطلانه سببًا لذلك.

 

ففكرة ابن مسلم هذه تقدم في الحقيقة على اساس من المغالطة والايهام حيث يقصد من الباطل هنا ما يكون في قبال الحق سواء في العقيدة أم النظام أم الاسلوب البياني والقرآن الكريم لا يأتيه شيء من الباطل في كل هذه الجوانب ولا يقصد منه الابطال والازالة التي هي معنى النسخ والثانية: الخلاف الذي اثاره بعض علماء القرآن حيث ذهبوا الى عدم وقوع النسخ في القرآن الكريم خارجًا وان كان لا يوجد مانع عقلي أو شرعي عنه.

 

ويكاد ان يقولآية اللّه السيد الخوئي في كتابه البيان في تفسير القرآن بهذا الرأي حيث عقد لذلك مناقشة واسعة اشار فيها الى الآيات التي يحتمل فيها النسخ ونقد مبدأ النسخ فيها على ضوء دراسة علمية دقيقة - عدا آية النجوى - وخلص الى الرأي الآنف الذكر.

 

 

المصدر:

كتاب علوم القرآن للسيد محمد باقر الحكيم.