البغدادي الغريق

في كتاب نور العيون تأليف الفاضل الخبير الألمعي السيد محمّد شريف الحسيني الاصبهاني عن استاذه العالم الصالح الزاهد الورع الآميرزا محمّد تقي بن الآميرزا محمّد كاظم بن الآميرزا عزيز الله ابن المولى محمّد تقي المجلسي الملقب بالألماسي وهو  من العلماء الزاهدين وكان بصيرا في الفقه والحديث والرجال، وقد ذكرنا شرح حاله في رسالة الفيض القدسي في ذكر أحوال العلامة المجلسي رضوان الله عليه.

قال في رسالة له في ذكر من رآه عليه السلام في الغيبة الكبرى: حدثني بعض أصحابنا عن رجل صالح من أهل بغداد وهو حي إلى هذا الوقت أي سنة ست وثلاثين بعد المائة والألف، قال: إني كنت قد سافرت في بعض السنين مع جماعة، فركبنا السفينة وسرنا في البحر، فاتفق أنه انكسرت سفينتنا، وغرق جميع من فيها وتعلقت أنا بلوح مكسور فألقاني البحر بعد مدة إلى جزيرة، فسرت في أطراف الجزيرة، فوصلت بعد اليأس من الحياة بصحراء فيها جبل عظيم.

فلما وصلت إليه رأيته محيطا بالبحر إلا طرفا منه يتصل بالصحراء واستشممت منه رائحة الفواكه، ففرحت وزاد شوقي، وصعدت قدرا من الجبل حتّى إذا بلغت إلى وسطه في موضع أملس مقدار عشرين ذراعا.

لا يمكن الاجتياز منه أبدا، فتحيرت في أمري فصرت أتفكر في أمري فإذا أنا بحية عظيمة كالأشجار العظيمة تستقبلني في غاية السرعة، ففررت منها منهزما مستغيثا بالله تبارك وتعالى في النجاة من شرها كما نجاني من الغرق.

فإذا أنا بحيوان شبه الأرنب قصد الحية مسرعا من أعلى الجبل حتّى وصل إلى ذنبها فصعد منه حتّى إذا وصل رأس الحية إلى ذلك الحجر الأملس وبقي ذنبه فوق الحجر، وصل الحيوان إلى رأسها وأخرج من فمه حمة(1) مقدار أصبع فأدخلها في رأسها ثمّ نزعها وأدخلها في موضع آخر منها وولى مدبرا فماتت الحية في مكانها من وقتها، وحدث فيها عفونة كادت نفسي أن تطلع من رائحتها الكريهة فما كان بأسرع من أن ذاب لحمها، وسال في البحر، وبقي عظامها كسلم ثابت في الأرض يمكن الصعود منه.

فتفكرت في نفسي، وقلت: إن بقيت هنا أموت من الجوع فتوكلت على الله في ذلك، وصعدت منها حتّى علوت الجبل، وسرت من طرف قبلة الجبل فإذا أنا بحديقة بالغة حد الغاية في الغضارة والنضارة والطراوة والعمارة فسرت حتّى دخلتها وإذا فيها أشجار مثمرة كثيرة، وبناء عال مشتمل على بيوتات، وغرف كثيرة في وسطها.

فأكلت من تلك الفواكه، واختفيت في بعض الغرف وأنا أتفرج الحديقة وأطرافها فإذا أنا بفوارس قد ظهروا من جانب البر قاصدي الحديقة، يقدمهم رجل ذو بهاء وجمال وجلال، وغاية من المهابة، يعلم من ذلك أنه سيدهم، فدخلوا الحديقة، ونزلوا من خيولهم وخلوا سبيلها، وتوسطوا القصر فتصدر السيد وجلس الباقون متأدبين حوله.

ثمّ أحضروا الطعام، فقال لهم ذلك السيد: إن لنا في هذا اليوم ضيفا في الغرفة الفلانية ولابد من دعوته إلى الطعام.

فجاء بعضهم في طلبي فخفت وقلت: اعفني من ذلك، فأخبر السيد بذلك.

فقال: اذهبوا بطعامه إليه في مكانه ليأكله، فلما فرغنا من الطعام، أمر باحضاري وسألني عن قصتي، فحكيت له القصة، فقال: أتحب أن ترجع إلى أهلك؟

قلت: نعم.

فأقبل على واحد منهم، وأمره بايصالي إلى أهلي، فخرجت أنا وذلك الرجل من عنده.

فلما سرنا قليلا قال لي الرجل: انظر فهذا سور بغداد ! فنظرت إذا أنا بسوره وغاب عني الرجل، فتفطنت من ساعتي هذه، وعلمت أني لقيت سيدي ومولاي عليه السلام ، ومن سوء حظي حرمت من هذا الفيض العظيم، فدخلت بلدي وبيتي في غاية من الحسرة والندامة.

قلت: وحدثني العالم الفقيه النبيه الصفي الحاج المولى الهادي الطهراني قدس سره أنه رأى هذه الحكاية في الرسالة المذكورة، والظاهر أن اسمها بهجة الأولياء

 

 

 

 

 

 

(1) الحمة - وزان ثبة - الابرة يضرب بها الزنبور والحية ونحو ذلك أو يلدغ بها وتاؤها عوض عن اللام المحذوفة لان أصلها حمو، أو حمى.