المتوكل بن عمير ورؤيته للإمام عليه السلام

قال العالم النحرير، النقاد البصير، المولى أبو الحسن الشريف العاملي الغروي تلميذ العلامة المجلسي وهو جد شيخ الفقهاء في عصره صاحب جواهر الكلام، من طرف امه، وينقل عنه في الجواهر كثيرا، صاحب التفسير الحسن الذي لم يؤلف مثله وإن لم يبرز منه إلا قليل إلا أن في مقدماته من الفوائد ما يشفي العليل، ويروي الغليل، وغيره، قال في كتاب ضياء العالمين، وهو كتاب كبير منيف على ستين ألف بيت كثير الفوائد، قليل النظير، قال في أواخر المجلد الأول منه في ضمن أحوال الحجة عليه السلام بعد ذكر قصة الجزيرة الخضراء، مختصرا ما لفظه:

ثمّ إن المنقولات المعتبرة في رؤية صاحب الأمر عليه السلام سوى ما ذكرنا كثيرة جدا حتّى في هذه الأزمنة القريبة، فقد سمعت أنا من ثقات أن مولانا أحمد الأردبيلي رآه عليه السلام في جامع الكوفة، وسأل منه مسائل، وأن مولانا محمّد تقي والد شيخنا رآه في الجامع العتيق باصبهان، والحكاية الاولى موجودة في البحار وأما الثانية فهي غير معروفة، ولم نعثر عليها إلا ما ذكره المولى المذكور رحمه الله في شرح مشيخة الفقيه في ترجمة المتوكل بن عمير راوي الصحيفة.

قال رحمه الله: إني كنت في أوائل البلوغ طالبا لمرضاة الله، ساعيا في طلب رضاه، ولم يكن لي قرار بذكره إلى أن رأيت بين النوم واليقظة أن صاحب الزمان صلوات الله عليه كان واقفا في الجامع القديم باصبهان قريبا من باب الطنبى الذي الآن مدرسي، فسلمت عليه وأردت أن أقبل رجله، فلم يدعني وأخذني، فقبلت يده، وسألته عن(1) مسائل قد أشكلت عليّ.

منها أني كنت أوسوس في صلاتي، وكنت أقول إنها ليست كما طلبت مني وأنا مشتغل بالقضاء، ولا يمكنني صلاة الليل، وسألت عنه شيخنا البهائي رحمه الله فقال: صل صلاة الظهر والعصر والمغرب بقصد صلاة الليل، وكنت أفعل هكذا فسألت من(2) الحجة عليه السلام اُصلي صلاة الليل؟

فقال: صلها، ولا تفعل كالمصنوع الذي كنت تفعل، إلى غير ذلك من المسائل التي لم يبق في بالي.

ثمّ قلت: يا مولاي لا يتيسر لي أن أصل إلى خدمتك كل وقت فأعطني كتابا أعمل عليه دائما.

فقال عليه السلام: أعطيت لأجلك كتابا إلى مولانا محمّد التاج، وكنت أعرفه في النوم.

فقال عليه السلام: رح وخذ منه.

فخرجت من باب المسجد الذي كان مقابلا لوجهه إلى جانب دار البطيخ محلة من إصبهان، فلما وصلت إلى ذلك الشخص فلما رآني قال لي: بعثك الصاحب عليه السلام إلي؟

قلت: نعم.

فأخرج من جيبه كتابا قديما فلما فتحته ظهر لي أنه كتاب الدعاء فقبلته ووضعته على عيني وانصرفت عنه متوجها إلى الصاحب عليه السلام فانتبهت ولم يكن معي ذلك الكتاب.

فشرعت في التضرع والبكاء والحوار لفوت ذلك الكتاب إلى أن طلع الفجر فلما فرغت من الصلاة والتعقيب، وكان في بالي أن مولانا محمّد(3) هو الشيخ وتسميته بالتاج لاشتهاره من بين العلماء.

فلما جئت إلى مدرسته وكان في جوار المسجد الجامع فرأيته مشتغلا بمقابلة الصحيفة، وكان القاري السيد صالح أمير ذو الفقار الجرفادقاني فجلست ساعة حتّى فرغ منه والظاهر أنه كان في سند الصحيفة لكن للغم الذي كان لي لم أعرف كلامه ولا كلامهم، وكنت أبكي فذهبت إلى الشيخ وقلت له رؤياي وكنت أبكي لفوات الكتاب، فقال الشيخ: أبشر بالعلوم الالهية، والمعارف اليقينية وجميع ما كنت تطلب دائما.

وكان أكثر صحبتي مع الشيخ في التصوف وكان مائلا إليه، فلم يسكن قلبي وخرجت باكيا متفكرا إلى أن القي في روعي أن أذهب إلى الجانب الذي ذهبت إليه في النوم، فلما وصلت إلى دار البطيخ رأيت رجلا صالحا اسمه آغا حسن، وكان يلقب بتاجا، فلما وصلت إليه وسلمت عليه قال: يا فلان الكتب الوقفية التي عندي كل من يأخذه من الطلبة لا يعمل بشروط الوقف وأنت تعمل به. وقال: وانظر إلى هذه الكتب وكلما تحتاج إليه خذه.

 فذهبت معه إلى بيت كتبه فأعطاني أول ما أعطاني الكتاب الذي رأيته في النوم، فشرعت في البكاء والنحيب، وقلت: يكفيني وليس في بالي أني ذكرت له النوم أم لا.

وجئت عند الشيخ وشرعت في المقابلة مع نسخته التي كتبها جد أبيه مع نسخة الشهيد وكتب الشهيد نسخته مع نسخة عميد الرؤساء وابن السكون، وقابلها مع نسخة ابن إدريس بواسطة أو بدونها وكانت النسخة التي أعطانيها الصاحب مكتوبة من خط الشهيد، وكانت موافقة غاية الموافقة حتّى في النسخ التي كانت مكتوبة على هامشها، وبعد أن فرغت من المقابلة شرع الناس في المقابلة عندي، وببركة إعطاء الحجة عليه السلام صارت الصحيفة الكاملة في جميع البلاد كالشمس طالعة في كل بيت، وسيما في إصبهان فان أكثر الناس لهم الصحيفة المتعددة وصار أكثرهم صلحاء وأهل الدعاء، وكثير منهم مستجابو الدعوة، وهذه الآثار معجزة لصاحب الأمر عليه السلام والذي أعطاني الله من العلوم بسبب الصحيفة لا أحصيها.

وذكرها العلامة المجلسي رضوان الله عليه في إجازات البحار مختصرا.

 

 

 

 

 

(1) في النسخة (وسألت عنه) ومقتضى السياق ما أثبتناه.

(2) في النسخة (عن) ومقتضى السياق ما أثبتناه.

(3) يعني الشيخ البهائي رحمه الله.