سورة آل عمران الآية 101-120

وَ كَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ: إنكار وتعجيب لكفرهم، في حال اجتمع لهم الأسباب الدّاعية إلى الإيمان، الصّادفة عن الكفر.

وَ مَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ: ومن يستمسك بدينه، أو يلتجئ إليه في مجامع أموره.

في كتاب الخصال : عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال: قال إبليس: خمسة أشياء ليس لي فيهنّ حيلة وسائر النّاس في قبضتي [...] ومن اعتصم باللّه عن نيّة صادقة، واتّكل عليه في جميع أموره كلّها ...

  (الحديث) فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ : فقد اهتدى لا محالة.

و في كتاب معاني الأخبار : بإسناده إلى حسين الأشقر قال: قلت لهشام بن الحكم: ما معنى قولكم: إنّ الإمام لا يكون الّا معصوما؟

فقال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن ذلك.

فقال: المعصوم، هو الممتنع باللّه من جميع محارم اللّه، وقال اللّه- تبارك وتعالى-: وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ .

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن‏

 محبوب، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-  قال: أيّما عبد أقبل قبل ما يحبّ اللّه- عزّ وجلّ- أقبل اللّه قبل ما يحبّ، ومن اعتصم باللّه عصمه اللّه، ومن أقبل اللّه قبله وعصمه لم يبال لو سقطت السّماء على الأرض، ولو  كانت نازلة نزلت على أهل الأرض فشملتهم بليّة كان في حرز  اللّه بالتّقوى من كلّ بليّة، أليس اللّه- عزّ وجلّ- يقول: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ؟

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ: حق تقواه وما يجب منها، وهو استفراغ الوسع في القيام بالواجب والاجتناب عن المحارم.

أصله: وقية فقلبت واوها المضمومة تاء، كما في تؤدة وتخمة، والياء ألفا.

و في مجمع البيان : وذكر في قوله: حَقَّ تُقاتِهِ وجوه: ثالثها ، أنّه المجاهدة في اللّه وأن لا تأخذه [فيه‏]  لومة لائم، وأن يقام له بالقسط في الخوف والأمن، عن مجاهد. ثمّ اختلف فيه أيضا على قولين: أحدهما أنّه منسوخ بقوله: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وهو المرويّ عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه- عليهما السّلام -.

 

و في كتاب معاني الأخبار : بإسناده إلى أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ قال: يطاع ولا يعصى ، ويذكر ولا ينسى ، ويشكر ولا يكفر .

وَ لا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ، أي: ولا تكوننّ على حال، سوى حال الإسلام إذا أدرككم الموت. فإنّ النّهي عن المقيّد بحال وغيرها، قد يتوجّه بالذّات نحو الفعل تارة والقيد أخرى، وقد يتوجّه نحو المجموع، وكذلك النّفي.

و في مجمع البيان : وروي عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-: وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ‏

 

بالتّشديد، ومعناه: مستسلمون لما أتى [به‏]  النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- ومنقادون له.

و في تفسير العيّاشيّ : عن الحسين بن خالد قال: قال أبو الحسن الأوّل- عليه السّلام- لبعض أصحابه : كيف تقرأ هذه الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ما ذا؟

قلت: مسلمون.

فقال: سبحان اللّه، يوقع  عليهم الإيمان فيسمّيهم  مؤمنين، ثمّ يسألهم الإسلام، والإيمان فوق الإسلام.

قلت: هكذا يقرأ في قراءة زيد.

قال: إنّما هي في قراءة عليّ- عليه السّلام- وهو التّنزيل الّذي نزل به جبرئيل على محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-: وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ثمّ الإمام من بعده.

و في كتاب المناقب  لابن شهر آشوب: عن الباقر- عليه السّلام- في قراءة عليّ- عليه السّلام- وهو التّنزيل الّذي نزل به جبرئيل على محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-:

وَ لا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- والإمام بعده.

و في عيون الأخبار : بإسناده إلى داود بن سليمان القارئ ، عن أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين- عليهم السّلام- أنّه قال:

الدّنيا كلّها جهل إلّا مواضع العلم، والعلم كلّه حجّة إلّا ما عمل به، والعمل كلّه رياء إلّا ما كان مخلصا، والإخلاص على خطر حتّى ينظر العبد بما يختم له.

و في نهج البلاغة : قال- عليه السّلام-: فبادروا العمل وخافوا بغتة الأجل. فأنّه‏لا يرجى من رجعة العمر ما يرجى من رجعة الرّزق، ما فات اليوم من الرّزق رجي غدا زيادته، وما فات أمس  من العمر لم ترج  اليوم رجعته، الرّجاء مع الجائي واليأس مع الماضي. ف اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.

 

وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ: بدينه الإسلام، الّذي ملاكه الولاية، والكتاب استعارة تبعيّة، ووجه الشّبه التّمسّك به، فإنّ التّمسّك به سبب النّجاة عن الرّدى، كما أنّ التّمسّك بالحبل سبب السّلامة عن التّردّي، والاعتصام ترشيح للاستعارة.

جَمِيعاً: مجتمعين عليه.

في أمالي شيخ الطّائفة- قدّس سرّه -: بإسناده إلى عمر بن راشد، عن جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- في قوله: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً، قال [نحن الحبل.

و في تفسير العيّاشيّ : عن ابن يزيد قال: سألت أبا الحسن- عليه السّلام- عن قوله: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً.

قال:]  عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- حبل اللّه المتين.

و عن جابر  عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: آل محمّد- عليهم السّلام- هم حبل اللّه الّذي أمر  بالاعتصام به، فقال: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا.

 

و في كتاب معاني الأخبار : بإسناده إلى موسى بن جعفر- عليهما السّلام- عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحسين - عليهم السّلام- قال: الإمام منّا لا يكون إلّا معصوما، وليست العصمة في ظاهر الخلقة فيعرف بها، ولذلك لا يكون إلّا منصوصا.

فقيل له: يا بن رسول اللّه، فما معنى المعصوم؟

فقال: هو المعتصم بحبل اللّه، وحبل اللّه هو القرآن، لا يفترقان إلى يوم القيامة،و الإمام يهدي إلى القرآن، والقرآن يهدي إلى الإمام، وذلك قول اللّه- عزّ وجلّ - إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ.

و في مجمع البيان : روى أبو سعيد الخدريّ عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه قال: أيّها النّاس، إنّي قد تركت فيكم حبلين إن أخذتم بهما لن تضلّوا من  بعدهما، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب اللّه حبل ممدود من السّماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي.

 [ألا]  وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض.

 [و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً، قال: التّوحيد والولاية.]

وَ لا تَفَرَّقُوا: أي: لا تتفرّقوا عن الحقّ، بوقوع الاختلاف بينكم، كأهل الكتاب. أو لا تتفرّقوا تفرّقكم الجاهليّ، يحارب بعضكم بعضا. أو لا تذكروا ما يوجب التّفرّق، ويزيل الألفة.

 [و في تفسير عليّ بن إبراهيم :]  وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله تعالى: وَلا تَفَرَّقُوا، قال: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- علم أنّهم سيفترقون بعد نبيّهم ويختلفون، فنهاهم عن التّفرق كما نهى من [كان‏]  قبلهم، فأمرهم أن يجتمعوا على ولاية آل محمّد- صلّى اللّه عليهم- ولا يتفرّقوا.

 [و في شرح الآيات الباهرة :]  وروى الشّيخ المفيد- رحمه اللّه- في [كتاب الغيبة]  تأويل هذه الآية وهو من محاسن التّأويل، عن محمّد بن الحسن، عن أبيه، عن جدّه قال: قال عليّ بن الحسين- صلوات اللّه عليهما-: كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ذات يوم جالسا في المسجد، وأصحابه حوله، فقال لهم: يطلع عليكم رجل من أهل الجنّة يسأل عمّا يعنيه.قال: فطلع علينا رجل شبيه برجال مصر، فتقدّم وسلّم على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وجلس، وقال: يا رسول اللّه، إنّي سمعت اللّه يقول: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا فما هذا الحبل الّذي أمر اللّه بالاعتصام ولا نتفرّق عنه؟

قال: فأطرق ساعة، ثمّ رفع رأسه وأشار إلى عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- وقال: هذا حبل اللّه الّذي من تمسّك به عصم في دنياه ولم يضلّ في أخراه.

قال: فوثب الرّجل إلى عليّ بن أبي طالب واحتضنه  من وراء ظهره، وهو يقول:

اعتصمت بحبل اللّه وحبل رسوله، ثمّ قام فولّى وخرج. فقام  رجل من النّاس فقال: يا رسول اللّه- صلّى اللّه عليك وأهلك»

- ألحقه وأسأله أن يستغفر لي؟

فقال: رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إذا تجده مرفقا.

قال: فلحقه الرّجل وسأله أن يستغفر له.

فقال له: هل فهمت ما قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وما قلت له؟

قال الرّجل: نعم.

فقال له: إن كنت متمسّكا بذلك الحبل فغفر اللّه لك، وإلّا فلا غفر اللّه لك وتركه، ومضى.

 [و في تفسير فرات بن إبراهيم الكوفيّ : قال: حدّثني الحسين بن محمد قال: حدّثنا محمّد بن مروان قال: حدّثنا أبو حفص الأعمش ، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر، عن أبيه، عن جدّه- عليهم السّلام- قال: جاء رجل في صورة  أعرابيّ إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فقال: يا رسول اللّه، بأبي أنت وأمّي، ما معنى وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا؟

فقال له النّبيّ: أنا نبيّ اللّه، وعليّ بن أبي طالب حبله. فخرج الأعرابي وهويقول: آمنت باللّه وبرسوله و[اعتصمت‏]  وبحبله.

و قال : حدّثني محمّد بن الحسن بن إبراهيم معنعنا، عن ابن عبّاس- رضي اللّه عنه- قال: كنت عند النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فأقبل أعرابيّ فقال: يا رسول اللّه، قول اللّه  في كتابه: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا فما حبل اللّه؟

 

فقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله -: يا أعرابيّ، أنا نبيّه وعليّ بن أبي طالب حبله. فخرج الأعرابيّ وهو يقول: آمنت باللّه وبرسوله واعتصمت بحبله.

و قال : حدّثني جعفر بن محمّد الفزاريّ معنعنا، عن جعفر بن محمّد- عليه السّلام- قال: بينا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- جالس في جماعة من أصحابه، إذ ورد عليه أعرابيّ فبرك  بين يديه، فقال: يا رسول اللّه، إنّي سمعت اللّه يقول في كتابه: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا فهذا  الحبل الّذي أمرنا اللّه بالاعتصام به ما هو؟

قال: فضرب النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- يده على كتف عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- فقال: ولاية هذا .

قال: فقال الأعرابيّ - وضبط بكفّيه وإصبعه  جميعا ثمّ قال-: أشهد أن لا إله إلّا اللّه وأشهد أنّ محمّدا رسول اللّه وأعتصم بحبل اللّه.

قال: وشدّ أصابعه.

و قال . حدّثني جعفر بن محمّد بن سعيد الاحمسىّ معنعنا، عن جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- قال: نحن حبل اللّه الّذي: قال : وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا، [و]  ولاية عليّ- عليه السّلام- من  استمسك به  كان مؤمنا ومن تركها خرج من الإيمان‏]

 

وَ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً: في الجاهليّة متقابلين.

فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ بالإسلام، فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً: متحابّين مجتمعين على الأخوّة في اللّه.

في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة : بإسناده إلى عبد الرّحمن بن سليمان، عن أبيه، عن أبي جعفر- عليه السّلام- عن الحارث بن نوفل قال: قال عليّ- عليه السّلام- لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: [يا رسول اللّه،]  أمنّا الهداة أم غيرنا؟

قال: بل منّا الهداة إلى اللّه إلى يوم القيامة، بنا استنقذهم اللّه- عزّ وجلّ- من ضلالة الشّرك وبنا استنقذهم اللّه من ضلالة الفتنة، وبنا يصبحون إخوانا بعد ضلالة [الفتنة كما بنا أصبحوا إخوانا بعد ضلالة]  الشّرك، وبنا يختم اللّه، وبنا يفتح.

و قيل : كان الأوس والخزرج أخوين لأبوين، فوقع بين أولادهما  العداوة، وتطاولت الحروب مائة وعشرين سنة، حتّى اطفأها اللّه- تعالى- بالإسلام، وألّف بينهم برسوله- صلّى اللّه عليه وآله-.

وَ كُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ، أي: مشفين على الوقوع في نار جهنم، إذ لو أدرككم الموت في تلك الحالة لوقعتم فيها.

فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها: بالإسلام.

و الضّمير للحفرة، أو للنّار، أو للشّفا. وتأنيثه لتأنيث ما أضيف إليه، أو لأنّه بمعنى: الشّفة، فإنّ شفاء البئر وشفتها طرفها، كالجانب والجانبة.

و أصله، شفو. فقلبت الواو في المذكّر، وحذف في المؤنّث.و في روضة الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله- تعالى-: وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها بمحمّد هكذا واللّه نزل بها جبرئيل على محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-.

و بإسناده إلى أبي هارون المكفوف ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: كان أبو عبد اللّه- عليه السّلام- إذا ذكر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قال: بأبي وأمّي وقومي وعترتي وعشيرتي، عجب للعرب كيف لا تحملنا على رؤوسها، واللّه- عزّ وجلّ- يقول في كتابه: وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ. فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها، فبرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أنقذوا.

و في تفسير العيّاشيّ : عن أبي الحسن عليّ بن محمّد بن ميثم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: أبشروا بأعظم المنن عليكم، قول اللّه تعالى: وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها فالإنقاذ من اللّه هبة، واللّه لا يرجع في هبته.

و عن محمّد بن سليمان البصريّ الدّيلميّ ، عن أبيه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- [في قوله:]  وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها- صلّى اللّه عليه وآله-.

كَذلِكَ: مثل ذلك التبيين.

يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ : إرادة ثباتكم على الهدى وازديادكم فيه.

وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ:

 «من» للتّبعيض، و«اللّام» للاستغراق، أي: وليكن بعضكم يدعون بكلّ خير، ويأمرون بكلّ معروف، وينهون عن كلّ منكر.

وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ : المخصوصون بكمال الفلاح، لا حاجة لهم إلى داع يدعوهم إلى الخير وآمر يأمرهم بالمعروف وناه ينهاهم عن المنكرو في لفظ «منكم» إشعار بأنّه غير النّبيّ، فيجب من دلالة الآية أن يكون أمّة غير النبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- يكون نفسه معصوما ويعلم كلّ خير وكلّ معروف وكلّ منكر، يدعو ويأمر وينهى.

و في الكافي : علىّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن بريد ، عن أبي عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قلت أخبرني عن الدّعاء الى اللّه والجهاد في سبيله، أهو لقوم لا يحلّ إلّا لهم ولا يقوم به إلّا من كان منهم، أم هو مباح لكلّ من وحّد اللّه- عزّ وجلّ- وآمن برسوله- صلّى اللّه عليه وآله- ومن كان كذا فله أن يدعو إلى اللّه- عزّ وجلّ- وإلى طاعته وأن يجاهد في سبيله؟

فقال: ذلك لقوم لا يحلّ إلّا لهم، ولا يقوم بذلك إلّا من كان منهم.

قلت: من أولئك؟

قال: من قام بشرائط اللّه في القتال والجهاد على المجاهدين، فهو المأذون له في الدّعاء إلى اللّه تعالى ومن لم يكن قائما بشرائط اللّه في الجهاد على المجاهدين، فليس بمأذون له في الجهاد ولا الدّعاء إلى اللّه، حتّى يحكم في نفسه ما أخذ اللّه عليه من شرائط الجهاد»- إلى أن قال- عليه السّلام-: ومن كان على خلاف ذلك، فهو ظالم وليس من المظلومين وليس بمأذون له في القتال ولا بالنّهي عن المنكر والأمر بالمعروف، لأنّه ليس من أهل ذلك ولا مأذون له في الدّعاء إلى اللّه- تعالى- لأنّه ليس يجاهد مثله وأمر بدعائه إلى اللّه، ولا يكون مجاهدا من قد أمر المؤمنين بجهاده وحظر الجهاد عليه ومنعه منه، ولا يكون داعيا إلى اللّه- تعالى- من أمر بدعاء مثله إلى التّوبة والحقّ والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ولا يأمر بالمعروف من قد أمر أن يؤمر به ولا ينهى عن المنكر من قد أمر أن ينهى عنه .

و في هذا الحديث يقول- عليه السّلام-: ثمّ ذكر من أذن له في الدّعاء إليه بعده وبعد رسوله في كتابه فقال: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. ثمّ أخبر عن هذه الأمّة [و ممّن‏]  هي، وإنّها من ذرّيّة

إبراهيم- عليه السّلام- [و من ذرّيّة إسماعيل،]  من سكّان الحرم، ممّن لم يعبدوا غير اللّه قطّ، الّذين وجبت لهم الدّعوة دعوة إبراهيم وإسماعيل، من أهل المسجد الّذين أخبر عنهم في كتابه، أنّه أذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيرا، الّذين وصفناهم قبل هذا في صفة أمّة محمّد - صلّى اللّه عليه وآله- الّذين عناهم اللّه في قوله  أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي، يعني: من اتّبعه على الإيمان به والتّصديق له و بما جاء به من عند اللّه تعالى من الأمّة الّتي بعث فيها ومنها وإليها قبل الخلق، ممّن لم يشرك باللّه قطّ ولم يلبس إيمانه بظلم، وهو الشّرك .

عليّ بن إبراهيم ، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول، وسئل عن الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر: أ واجب هو على الأمّة جميعا؟

فقال: لا.

فقيل [له:]  ولم؟

قال: إنّما هو على القويّ المطاع، العالم بالمعروف من المنكر، لا على الضّعيف الّذي لا يهتدي  سبيلا إلى أيّ من أي، يقول من الحقّ إلى الباطل ، والدّليل على ذلك كتاب اللّه تعالى قوله: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، فهذا خاصّ غير عامّ، كما قال اللّه تعالى : وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ.

 

و لم يقل على أمّة موسى ولا على [كلّ‏]  قومه، وهم يومئذ أمم مختلفة والأمّة واحد  فصاعدا، كما قال اللّه تعالى : إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ يقول: مطيعا للّه.

و الحديث طويل،أخذت منه موضع الحاجة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ فهذه لآل محمّد ومن تابعهم، يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.

و في كتاب الخصال : عن يعقوب بن يزيد، بإسناده رفعه إلى أبي جعفر- عليه السّلام- قال: الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، خلقان من خلق اللّه تعالى فمن نصرهما أعزّه اللّه، ومن خذلهما خذله اللّه تعالى.

و في نهج البلاغة : قال- عليه السّلام-: انهوا عن المنكر وتناهوا عنه، فإنّما أمرتم بالنّهي بعد التّناهي.

و فيه

: لعن اللّه الآمرين بالمعروف التّاركين له، والنّاهين عن المنكر العاملين به.

 [و في تفسير العيّاشيّ : عن أبي عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: في قوله تعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ.

 

قال: في هذه الآية تكفير أهل القبلة بالمعاصي، لأنّه من لم يكن يدعو إلى الخيرات ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر من المسلمين فليس من الأمة الّتي وصفها اللّه، لأنّكم تزعمون أنّ جميع المسلمين من أمّة محمّد، وقد بدت هذه الآية وقد وصفت أمّة محمّد بالدّعاء إلى الخيرات  والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، ومن لم يوجد فيه الصّفة الّتي وصفت بها فكيف يكون من الأمّة، وهو على خلاف ما شرطه اللّه على الأمّة ووصفها به؟] واعلم، أنّ الدّاعي إلى كلّ خير، والآمر بكلّ معروف، والنّاهي عن كلّ منكر، لا يكون إلّا معصوما وعالما بكلّ خير ومعروف ومنكر، ويجب وجوده ونصبه في كلّ زمان على اللّه تعالى إذ لا يمكن لأحد العلم بعصمة أحد إلّا من طريق النّصّ، وأمّا الأمر بمعروف علم من الشّرع كونه معروفا، والنّهي عن منكر علم من الشّرع كونه منكرا، فيجب على كلّ من يقدر عليه كفاية.

و في بعض الأخبار السّابقة دلالة عليه.و في التّهذيب : عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه قال: لا يزال النّاس بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البرّ [و التّقوى‏] ، فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات، وسلّط بعضهم على بعض، ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السّماء.

و في الكافي والتّهذيب : عن الباقر- عليه السّلام- قال: يكون في آخر الزّمان قوم يتبع فيهم قوم مراؤون يتقرّءون ويتنسّكون، حدثاء سفهاء لا يوجبون أمرا بمعروف ولا نهيا عن منكر، إلّا إذا أمنوا الضّرر يطلبون لأنفسهم الرّخص والمعاذير، يتّبعون زلّات العلماء وفساد علمهم ، يقبلون على الصّلاة والصّيام وما لا يكلمهم في نفس ولا مال، ولو أخّرت الصلاة بسائر ما يعملون بأموالهم وأبدانهم لرفضوها كما رفضوا أسمى  الفرائض وأشرفها.

إنّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر فريضة عظيمة، بها تقام الفرائض. هنالك يتمّ غضب اللّه عليهم فيعمّهم  بعقابه، فيهلك الأبرار في دار الفجّار، والصّغار في دار الكبار. إنّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر سبيل الأنبياء ومنهاج الصّالحين ، فريضة عظيمة، بها تقام الفرائض وتأمن المذاهب وتحلّ المكاسب وتردّ المظالم وتعمر الأرض وينتصف من الأعداء ويستقيم الأمر.

فأنكروا بقلوبكم وألفظوا بألسنتكم وصكّوا بها جباههم ولا تخافوا في اللّه لومة لائم، فإن اتّعظوا وإلى الحقّ رجعوا فلا سبيل عليهم، إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ، هنالك فجاهدوهم بأبدانكم وأبغضوهم بقلوبكم، غير طالبين سلطانا ولا باغين مالا ولا مريدين بظلم  ظفرا، حتّى يفيئوا إلى أمر اللّه ويمضوا على طاعته.

قال أبو جعفر- عليه السّلام -: وأوحى اللّه إلى شعيب النّبيّ: إنّي معذّب من‏قومك مائة ألف، أربعين ألفا من شرارهم، وستّين ألفا من خيارهم.

فقال: يا ربّ، هؤلاء الأشرار، فما بال الأخيار؟

فأوحى اللّه- عزّ وجلّ- إليه: إنّهم  داهنوا أهل المعاصي، ولم يغضبوا لغضبي.

 [و في شرح الآيات الباهرة»: روي عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال:

و لتكن منكم أئمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون. صدق اللّه ورسوله، لأنّ هذه الصّفات من صفات الأئمّة- صلوات اللّه عليهم- لأنّهم معصومون، والمعصوم لا يأمر بطاعة إلّا وقد ائتمر بها ولا ينهى عن معصية إلّا وقد انتهى عنها، كما قال أمير المؤمنين- صلوات اللّه عليه وآله-: واللّه ما أمرتكم بطاعة إلّا وقد ائتمرت بها، ولا نهيتكم عن معصية إلّا وقد انتهيت عنها.]

 

وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا: كاليهود والنّصارى اختلفوا في التّوحيد والتّنزيه وأحوال الآخرة.

مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ: في موضع الحال، من فاعل الفعل السّابق، وهي الآيات والحجج المبيّنة للحقّ الموجبة للاتّفاق عليه.

و في الآية دلالة على كفر من اختلف وتفرّق عن الحقّ بعد مجي‏ء البيّنة.

و في عطف «اختلفوا» على «تفرّقوا» دلالة على أنّ الاختلاف إذا كان بحيث يوجب التّفرّق، يوجب ذلك لا مطلقا، كاختلاف الشيعة في بعض الفروع.

وَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ : وعيد للّذين تفرّقوا، وتهديد على التّشبّه بهم.

يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ: نصب بما في «لهم» من معنى الفعل، أو بإضمار «اذكر.»

و بياض الوجه وسواده كنايتان عن ظهور بهجة السّرور وكآبة الخوف.

و قيل : يوسم أهل الحقّ ببياض الوجه والصحيفة وإشراق البشرة وسعي النّور بين يديه وبيمينه، وأهل الباطل بأضداد ذلك. وفي الأخبار دلالة على ذلك.فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ، أي: فيقال لهم: أكفرتم.

و الهمزة، للتّوبيخ والتّعجّب من حالهم.

في مجمع البيان : عن أمير المؤمنين- عليه السّلام-: أنّهم أهل البدع والأهواء والآراء الباطلة من هذه الأمّة».

و عن الثّعلبيّ في تفسيره ، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: والّذي نفسي بيده، ليرد  عليّ الحوض ممّن صحبني أقوام، حتّى إذا رأيتهم اختلجوا دوني، فلأقولنّ:

أصحابي أصحابي .

فيقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، إنّهم ارتدّوا على أعقابهم القهقرى.

فَذُوقُوا الْعَذابَ: أمر إهانة.

بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ : بسبب كفرهم.

وَ أَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ، يعني: الجنّة والثّواب المخلّد.

عبّر عن ذلك بالرّحمة، تنبيها على أنّ المؤمن وإن استغرق عمره في طاعة اللّه لا يدخل الجنّة إلّا برحمته وفضله.

قيل : كان حقّ التّرتيب أن يقدّم ذكرهم، ولكن قصد أن يكون مطلع الكلام ومقطعه حلية المؤمنين وثوابهم.

هُمْ فِيها خالِدُونَ : أخرجه مخرج الاستئناف للتّأكيد، كأنّه قيل:

كيف يكونون فيها؟

فقال: هم فيها خالدون.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن صفوان بن يحيى، عن أبي الجارود، عن عمران بن هيثم، عن مالك بن ضمرة ، عن أبي ذرّ- رحمه اللّه- قال: لمّا نزلت هذه‏الآية: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: يرد عليّ أمّتي يوم القيامة على خمس رايات:

فراية مع عجل هذه الأمّة فأسألهم: ما فعلتم بالثّقلين من بعدي؟ فيقولون: أمّا الأكبر فحرّفناه ونبذناه وراء ظهورنا، وأمّا الأصغر فعاديناه وأبغضناه وظلمناه. فأقول:

ردوا النّار ظلماء مظمئين مسودّة وجوهكم.

ثمّ ترد عليّ راية مع فرعون هذه الأمّة فأقول لهم: ما فعلتم بالثّقلين من بعدي؟

فيقولون: أمّا الأكبر فحرّفناه ومزّقناه وخالفناه، وأمّا الأصغر فعاديناه وقاتلناه. فأقول:

ردوا النّار ظماء مظمئين مسودة وجوهكم.

ثمّ ترد عليّ راية مع سامريّ هذه الأمّة، فأقول لهم: ما فعلتم بالثّقلين من بعدي؟

فيقولون: أمّا الأكبر فعصينا  وتركناه ، وأمّا الأصغر فخذلناه وضيّعناه  [و صنعنا به كلّ قبيح.]  فأقول: ردوا النّار ظماء مظمئين مسودّة وجوهكم.

ثمّ ترد عليّ راية ذي الثّدية مع أوّل الخوارج وآخرهم، فأسألهم، ما فعلتم بالثّقلين من بعدي؟ فيقولون أمّا الأكبر فمزّقناه  وبرئنا منه، وأمّا الأصغر فقاتلناه وقتلناه . فأقول:

ردوا النّار ظماء مظمئين مسودّة وجوهكم.

ثمّ ترد عليّ راية مع إمام المتّقين وسيدّ الوصيّين  وقائد الغرّ المحجّلين ووصيّ رسول ربّ العالمين، فأقول لهم: ما فعلتم بالثّقلين من بعدي؟ فيقولون: أمّا الأكبر فاتّبعناه وأطعناه ، وأمّا الأصغر فأحببناه وواليناه ووازرناه ونصرناه حتّى أهرقت فيهم  دماؤنا.فأقول: ردوا الجنّة رواء  مرويّين مبيضّة وجوهكم. ثمّ تلا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ- إلى قوله - خالِدُونَ.

 

و في روضة الكافي : خطبة لأمير المؤمنين- عليه السّلام- وهي خطبة الوسيلة، يقول فيها- عليه السّلام-: وعن يسار الوسيلة عن يسار رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ظلّة يأتي منها النّداء: يا أهل الموقف، طوبى لمن أحبّ الوصيّ وآمن بالنّبيّ الأمّيّ، والّذي له الملك الأعلى لا فاز أحد ولا نال الرّوح والجنّة إلّا من لقي خالقه بالإخلاص لهما والاقتداء بنجومهما، فأيقنوا يا أهل ولاية اللّه ببياض وجوهكم وشرف مقعدكم وكرم مآبكم وبفوزكم اليوم على سرر متقابلين، ويا أهل الانحراف والصّدود عن اللّه- عزّ ذكره- ورسوله وصراطه وأعلام الأزمنة أيقنوا بسواد وجوهكم وغضب ربّكم جزاء بما كنتم تعلمون.

و في كتاب علل الشّرائع : بإسناده إلى أبي سعيد الخدريّ، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- في حديث طويل، يذكر فيه الوسيلة ومنزلة عليّ- عليه السّلام- يقول فيه- صلّى اللّه عليه وآله- فيأتي النّداء من عند اللّه- عزّ وجلّ- يسمع النّبيّين وجميع الخلق: هذا حبيبي محمّد وهذا وليّي عليّ، طوبى لمن أحبّه وويل لمن أبغضه وكذّب عليه.

قال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- لعليّ- عليه السّلام-: يا عليّ فلا يبقى يومئذ في مشهد القيامة أحد يحبّك إلّا استروح إلى هذا الكلام وابيضّ وجهه وفرح قلبه، ولا يبقى أحد ممّن عاداك أو نصب لك حربا أو جحد لك حقّا إلّا اسودّ وجهه واضطربت قدماه.

تِلْكَ آياتُ اللَّهِ: الواردة في وعده ووعيده.

نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ: متلبّسة بالحقّ، لا شبهة فيها.

وَ مَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ : إذ يستحيل منه الظّلم، إذ فاعل الظّلم إمّا جاهل بقبحه أو محتاج إلى فعله، وتعالى اللّه عن الجهل والحاجة.

وَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ: ملكا وملكا وخلقا.وَ إِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ : فيجازي كلا بما وعده وأوعده.

كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ «كان» مجرّدة عن الزّمان، وتعمّ الأزمنة غير متخصّص بالماضي، كقوله تعالى :

وَ كانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً.

و قيل : كنتم في علم اللّه، أو في اللّوح المحفوظ، أو فيما بين الأمم المتقدّمين.

أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ: أظهرت لهم، أي: لإشفاعهم. والمراد الأئمّة- عليهم السّلام-.

تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ: استئناف، بيّن به كونهم خبر أمّة. أو خبر ثان «لكنتم» أو حال.

وَ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ: يتضمّن الإيمان بكلّ ما يجب أن يؤمن به، لأنّ الإيمان به إنّما يحقّ ويعتدّ به إذا حصل الإيمان بكلّ ما أمر أن يؤمن به. وإنّما أخره وحقّه أن يقدّم، لأنّه قصد بذكره الدّلالة على أنّهم أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، إيمانا باللّه، وتصديقا به، وإظهارا لدينه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن ابن سنان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام - قال: قرأت على  أبي عبد اللّه- عليه السّلام-: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ [أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ‏]  فقال: أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: خير أمّة يقتلون أمير المؤمنين والحسن والحسين ابني عليّ - عليهم السّلام-؟

فقال القارئ: جعلت فداك، كيف نزلت؟

فقال: نزلت خير أئمّة أخرجت للنّاس [ألا ترى مدح اللّه لهم‏]

 

تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ؟

و روى العيّاشيّ  عنه- عليه السّلام- قال: في قراءة عليّ- عليه السّلام-:

كنتم خير أئمّة أخرجت للنّاس.

قال: هم آل محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-.

و في تفسير العيّاشيّ : أبو بصير عنه- عليه السّلام- قال: قال: إنّما نزلت هذه الآية على محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- فيه وفي الأوصياء خاصّة، فقال: «كنتم خير أئمّة  أخرجت للنّاس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر» هكذا واللّه نزل بها جبرئيل، وما عنى بها إلّا محمّدا وأوصياءه- عليهم السّلام-.

و عن أبي عمرو الزّبيريّ ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه تعالى:

كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ.

قال: يعني الأمّة الّتي وجبت لها دعوة إبراهيم- عليه السّلام- فهم الأمّة الّتي بعث اللّه فيها ومنها وإليها، وهم الأمّة الوسطى، وهم خير أمّة أخرجت للنّاس.

و في كتاب المناقب لابن شهر آشوب

: وقرأ الباقر- عليه السّلام-: أنتم خير أمّة أخرجت للنّاس «بالألف» إلى آخر الآية، نزل بها جبرئيل وما عنى بها إلّا محمّدا وعليّا والأوصياء من ولده- عليهم السّلام-.

و الجمع بين الأخبار، بأنّ المراد بأنّ «أئمّة» نزلت، أي: بهذا المعنى نزلت.

قال البيضاويّ : واستدلّ بهذه الآية على أنّ الإجماع حجّة، لأنّها تقتضي كونهم آمرين بكلّ معروف وناهين عن كلّ منكر، إذ «اللّام» فيهما للاستغراق، فلو أجمعوا على باطل كان أمرهم على خلاف ذلك.

و فيه: أنّه إن أراد أنّ إجماع كلّ الأمّة بحيث لا يشذّ عنه أحد حجّة، فهذا ممّا لا نزاع لأحد فيه، وحجّيّته حينئذ باعتبار دخول المعصوم فيه، إذ لا يخلو كلّ الأمّة عن المعصوم. وإن أراد أنّ إجماع جماعة من الأمّة على شي‏ء حجّة، فإن خصّصهم بمن يكون‏المعصوم داخلا فيهم فلا نزاع أيضا فيه. وإن أراد إجماع جماعة أيّ جماعة كانوا فلا دلالة في الآية عليه، إذ لا دلالة فيها على أنّ كلّ جماعة من الأمّة كلّ ما يأمرون به معروف، إذ كون «اللّام» للاستغراق لا يفيد إلّا أن يأمر به الكلّ معروف وأنّ ما ينهى عنه الكلّ منكر، ولا يفيد أنّ ما يؤمر به كلّ أحد أو كلّ جماعة معروف وأنّ كلّ ما ينهى عنه كلّ أحد أو كلّ جماعة منكر.

وَ لَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ: بمحمّد- صلّى اللّه عليه وآله- وما جاء به.

لَكانَ خَيْراً لَهُمْ: ممّا هم عليه.

مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ: كعبد اللّه بن سلام وأصحابه.

وَ أَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ : المتمرّدون في الكفر. وهذه الجملة معترضة، ولذا لم تعطف على الشّرطيّة قبلها.

لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً: أي: ضررا يسيرا، كطعن وتهديد. وهذه أيضا معترضة أخرى، ولم تعطف على الأولى لبعد بينهما، وكون كلّ منهما نوعا آخر من الكلام.

وَ إِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ: ينهزموا ولا يضرّوكم بقتل وأسر، ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ : ثمّ لا يكون أحد ينصرهم عليكم، أو يدفع بأسكم عنهم.

و قرئ «لا ينصروا» عطف على «يولّوا» على أنّ «ثمّ» للتّراخي في المرتبة، فيكون عدم النّصر مقيّدا بقتالهم . وكان الأمر كذلك، إذ كان كذلك حال قريظة والنّضير وبني قينقاع ويهود خيبر.

ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ: تمثيل، أي: أحاطت بهم إحاطة البيت المضروب على أهله.

و الذّلّة، هدر النّفس والمال والأهل، أو ذلّة التّمسّك بالباطل والجزية أو كليهما.

أَيْنَما ثُقِفُوا: وجدوا.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا قال: إنّها نزلت في الّذين غصبوا حقوق آل محمّد- عليهم السّلام-.

إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ: استثناء من أعمّ عامّ الأحوال، أي:ضربت عليهم الذّلّة في عامّة الأحوال، إلّا في حال اعتصامهم أو تلبّسهم بحبل اللّه وحبل من النّاس.

و في تفسير العيّاشيّ : عن يونس بن عبد الرّحمن، عن عدّة من أصحابنا رفعوه إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله: إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ.

قال: الحبل من اللّه كتاب اللّه، والحبل من النّاس [هو]  عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.

و في كتاب نهج الإمامة : روى أبو عبد اللّه الحسين بن جبير- صاحب كتاب النّخب - حديثا مسندا إلى أبي جعفر الباقر- عليه السّلام- في قوله: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ.

 

قال: حبل من اللّه كتاب اللّه، وحبل من النّاس عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.

وَ باؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ: رجعوا به، مستوجبين له.

وَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ: واليهود في غالب الأمر مساكين فقراء.

ذلِكَ، أي: عدم إيمانهم المشار إليه بقوله: وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ، العلّة لضرب الذّلّة والمسكنة عليهم.

و قيل : إشارة إلى ما ذكر من ضرب الذّلّة والمسكنة والبوء بالغضب.بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ، أي: اعتياد سابقهم صار سببا لذلك الآن.

وَ يَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ: والتّقيّد به، مع أنّه لا يكون إلّا كذلك، للدّلالة على أنّه لم يكن حقّا بحسب اعتقادهم أيضا. أو للدّلالة على أنّ القتل إنّما يكون قبيحا إذا كان بغير حقّ، ولو كان بالحقّ وعلى الحقّ فليس بقبيح، ولو فرض قتل النّبيّ بهذه الصّفة لإزالة ما يختلج في صدورهم من قتل النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- النّاس على اتباع الحقّ.

ذلِكَ: أي: الكفر والقتل، بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ : بسبب عصيانهم واعتدائهم حدود اللّه. فإنّ الإصرار على الصّغائر يقضي إلى الكبائر، والاستمرار عليها يؤدّي إلى الكفر.

و قيل : إنّ معناه: أنّ ضرب الذّلّة في الدّنيا واستيجاب العذاب  في الآخرة كما هو مسبب  بكفرهم وقتلهم، فهو مسبّب عن عصيانهم واعتدائهم، من حيث أنّهم مخاطبون بالفروع، أيضا.

و في أصول الكافي : يونس، عن ابن سنان، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- وتلا هذه الآية: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ (الآية ).

قال: واللّه ما قتلوهم بأيديهم ولا ضربوهم بأسيافهم، ولكنّهم سمعوا أحاديثهم فأذاعوها، فأخذوا عليها فقتلوا، فصار [قتلا و]  اعتداء ومعصية.

لَيْسُوا سَواءً: في المساءة والحسنة. والضمير لأهل الكتاب مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ: استئناف لبيان نفي الاستواء.

و القائمة: المستقيمة العادلة. من أقمت العود، فقام. وهم الّذين أسلموا منهم، ووضع المظهر موضع المضمر تنبيها على أنّ كونهم من أهل الكتاب لا يصير سبب ما صيّروه سببا له، بل سبب الانقياد والإسلام كما فعله أضرابهم.

يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ : يتلون القرآن في تهجّدهم، عبّر عنه بالتّلاوة في ساعات اللّيل مع السّجود ليكون أبين وأبلغ في المدح.

و قيل : المراد صلاة العشاء، لأنّ أهل الكتاب لا يصلّونها.و في كتاب الخصال : عن سالم، عن أبيه قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: لا حسد إلّا في اثنين: رجل أتاه اللّه مالا فهو ينفق منه آناء اللّيل وأطراف  النّهار، ورجل أتاه اللّه القرآن فهو يقوم [به‏]  آناء اللّيل وآناء النّهار.

يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ: صفات أخر «لأمّة» وصفهم بصفات ليست في اليهود. فإنهم منحرفون عن الحقّ، غير متعبّدين باللّيل، مشركون باللّه، ملحدون في صفاته، واصفون اليوم الآخر بخلاف صفته، مداهنون في الاحتساب، متباطئون في الخيرات.

وَ أُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ، أي: الموصوفون بتلك الصّفات ممّن صلحت أحوالهم عند اللّه، واستحقّوا رضاه وثناءه.

وَ ما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ: فلن يضيع، ولا ينقص ثوابه. سمّي ذلك كفرانا، كما سمّي توفية الثّواب شكرا. وتعديته إلى المفعولين لتضمّنه معنى الحرمان.

و قرأ حفص وحمزة والكسائيّ وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ بالياء، والباقون بالتّاء .

و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى أحمد بن أبي عبد اللّه البرقيّ، بإسناده يرفعه إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال: إنّ المؤمن مكفر، وذلك أنّ معروفه يصعد إلى اللّه فلا ينتشر في النّاس، والكافر مشهور وذلك أنّ معروفه للنّاس ينتشر في النّاس ولا يصعد إلى السّماء.

و بإسناده إلى السّكونيّ ، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه- عليهم السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: يد اللّه- عزّ وجلّ- فوق رؤوس المكفرين ترفرف بالرّحمة.

أخبرني عليّ بن حاتم  قال: حدّثنا أحمد بن محمّد قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل قال: حدّثني الحسين بن موسى، عن أبيه، عن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن جدّه عن‏

 عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن على بن أبي طالب- عليهم السّلام- قال: كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- مكفرا لا يشكر معروفه ، ولقد كان معروفه على القرشيّ والعربىّ والعجميّ، ومن كان أعظم معروفا من رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- على هذا الخلق، وكذلك نحن أهل [البيت‏]  مكفرون لا يشكر معروفنا ، وخيار المؤمنين مكفرون لا يشكر معروفهم.

فما في الآية من أنّ ما تفعلوا من خير فلن تكفروه، بمعنى، ترك الجزاء على الخير كما بيّن، وإلّا فالخير من المؤمنين مكفر كما في الخبر.

وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ : بشارة لهم، وإشعار بأنّ التّقوى مبدأ الخير وحسن العمل.

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً: من النّفع، أو شيئا من الغناء. وهو بالفتح، بمعنى: النّفع. فيكون مصدرا.

و قيل : من العذاب، وهو يصحّ بتضمين معنى الإبعاد.

وَ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ: ملازموها.

هُمْ فِيها خالِدُونَ : وعيد لهم.

َلُ ما يُنْفِقُونَ‏

: ما ينفق الكفرة قربة، أو مفاخرة وسمعة. والمنافقون رياء، وخوفا.

 هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا

، أي: لأجلها،مَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ

: برد شديد والشّائع إطلاقه للرّيح الباردة كالصّرصر. فهو في الأصل مصدر نعت به، أو نعت وصف به البرد للمبالغة، كقولك: برد بارد.

ابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ‏

: بالكفر والمعاصي.

َهْلَكَتْهُ‏

: عقوبة لهم، لأنّ إهلاك من سخط أشدّ. والمراد تشبيه ما أنفقوا في ضياعه، بحرث كفّار ضربته صرّ فاستأصلته، ولم يبق لهم منفعة في الدّنيا والآخرة. وهو من التّشبيه المركّب، ولذلك لم يبال بإيلاء كلمة التّشبيه بالرّيح دون الحرث. ويجوز أن يقدّر، كمثل مهلك ريح، وهو الحرث.ما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلكِنْ‏

، كانوا،نْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ‏

 ، أي: ما ظلم المنفقين بضياع نفقاتهم، ولكنّهم ظلموا [أنفسهم لمّا لم ينفقوها بحيث يعتدّ بها. أو ما ظلم أصحاب الحرث بإهلاكه، ولكنّهم ظلموا]  أنفسهم بارتكاب ما استحقّوا به العقوبة. أو ما ظلم المنفقين وأصحاب الحرث كليهما، ولكنّهم ظلموا أنفسهم.

و قرئ: ولكنّ، أي: ولكنّ أنفسهم يظلمونها. ولا يجوز أن يقدّر ضمير الشّأن، لأنّه لا يحذف إلّا في الشّعر، كقوله:

         ولكنّ من يبصر جفونك يعشق

 

 يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً: وليجة، وهو الّذي يعرّفه الرّجل أسراره ثقة به. شبّه ببطانة الثّوب، كما شبّه بالشّعار

في قوله- عليه السّلام-: الأنصار والنّاس دثار.

مِنْ دُونِكُمْ: من دون المسلمين. وهو متعلّق «بلا تتّخذوا» أو بمحذوف هو صفة بطانة: أي: بطانة كائنة من دونكم. أو حالا عن بطانة إن جوّز تنكير ذي الحال.

لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا، أي: لا يقصّرون لكم في الفساد.

و الألو، التّقصير. وأصله أن يعدّى بالحرف، ثمّ عدّي إلى مفعولين، كقوله: لا آلوك نصحا. على تضمين معنى المنع، أو النّقص.

وَدُّوا ما عَنِتُّمْ: تمنّوا عنتكم، وهو شدّة الضّرّ والمشقّة. و«ما» مصدريّة.

قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ، أي: في كلامهم، لأنّهم لا يتمالكون أنفسهم لفرط بعضهم.

وَ ما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ مما بدا لأنّ بدوه ليس عن رؤية واختيار قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ الدّالّة على وجوب الإخلاص وهو موالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين.

إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ : ما بيّن لكم، أو كنتم من أهل العقل والفهم.

و الجمل الأربع مستأنفات على التّعليل، ويجوز أن يكون الثّلاث الأوّل صفات «لبطانة». وحينئذ فالأنسب أن تكون الرّابعة حالا من الضّمير المضاف إليه «للأفواه ».ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ، أي: أنتم أولاء الخاطئون  في موالاة الكفّار، وتحبّونهم ولا يحبّونكم. بيان لخطأهم في موالاتهم، أو هو خبر ثان، أو خبر «لأولاء» والجملة خبر «أنتم» كقولك: أنت زيد تحبّه. أو صلته، أو حال والعامل فيها معنى الإشارة.

و يجوز أن ينتصب بفعل يفسّره ما بعده، وتكون الجملة خبرا.

وَ تُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ: بجنس الكتاب، كُلِّهِ: كتابكم وكتابهم، معطوف على ما قبله.

و قيل : حال من «لا يحبّونكم» والمعنى: أنّهم لا يحبّونكم والحال أنّكم تؤمنون ، بكتابهم أيضا [فما بالكم تحبّونهم وهم لا يؤمنون بكتابكم؟ وفيه توبيخ، بأنّهم في باطلهم أصلب منكم في حقّكم. ويحتمل أن يكون المعنى- واللّه أعلم- أنّكم تؤمنون بالكتاب كلّه، وهم ليسوا بمؤمنين بكتابهم أيضا]  فضلا عن كتابكم، فهذا منشأ العداوة في الدّين لا المحبّة، فلم تحبّونهم؟

وَ إِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا: نفاقا وتغريرا.

وَ إِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ: من أجل الغيظ، تأسفا وتحسّرا، حيث رأوا ائتلافكم واجتماع كلمتكم، ولم يجدوا إلى التّشفّي سبيلا.

 [و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله: عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ.

قال: أطراف الأصابع.]

قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ: دعاء عليهم بدوام الغيظ وزيادته بتضاعف قوّة الإسلام وأهله، حتّى يهلكوا به.

إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ : من خير أو شرّ، فيعلم ما في صدورهم من البغضاء والحنق. وهو يحتمل أن يكون من المقول، أي، وقل لهم: إنّ اللّه عليم بما هو أخفى ممّا تخفونه من عضّ الأنامل غيظا. وأن يكون خارجا عنه، بمعنى: قل لهم ذلك،و لا تتعجّب من اطلاعي إيّاك على أسرارهم، فإنّي عليم بالأخفى من ضمائرهم.

و ذات الصّدور، الصّور العلميّة المتمكّنة في الصّدور. والمراد بالصّدور، محلّ العلوم.

إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ: نعمة، من إلفة أو ظفر على الأعداء، تَسُؤْهُمْ:

و المسّ، مستعار للإصابة.

وَ إِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ: محنة، من فرقة أو إصابة عدو منكم، يَفْرَحُوا بِها: لتناهي عداوتهم.

وَ إِنْ تَصْبِرُوا: على عداوتهم، أو على مشاقّ التّكاليف، وَتَتَّقُوا: موالاتهم، أو ما حرّم اللّه عليكم، لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً: لما وعد اللّه الصّابرين والمتّقين الصّبر. وضمة الرّاء، للاتّباع.

و قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب «لا يضركم» من ضاره يضيره  إِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ: من الصّبر والتّقوى، وغيرها.

مُحِيطٌ : بعلمه وقدرته، فمجازيكم بما أنتم أهله.

و قرئ بالياء، أي: بما يعملون في عداوتكم عالم فيعاقبهم عليه .