سورة آل عمران الآية 121-140

وَ إِذْ غَدَوْتَ، أي: واذكر إذ غدوت. من غدا عليه، بكر.

مِنْ أَهْلِكَ قيل : من حجرة عائشة.

تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ: تنزلهم، أو تسوّي وتهيّئ لهم. ويؤيّده القراءة «بالّلام».

مَقاعِدَ لِلْقِتالِ: مواقف وأماكن له. وقد يستعمل المقعد والمقام بمعنى، المكان على الاتّساع. وإذا استعمل في أماكن الحرب، أريد به الإشارة إلى وجوب الثّبات فيها.

وَ اللَّهُ سَمِيعٌ: لأقوالكم، عَلِيمٌ : بنيّاتكم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: حدّثني أبي، عن صفوان، عن ابن مسكان، عن‏

 أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سبب نزول هذه الآية، أن قريشا خرجت من مكّة تريد  حرب رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فخرج يبغي  موضعا للقتال.

و في مجمع البيان : [عن عليّ بن إبراهيم‏]  عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- [أنّه‏]  قال: كان سبب غزاة  أحد، أنّ قريشا لمّا رجعت من بدر إلى مكّة، وقد أصابهم ما أصابهم من القتل والأسر، لأنّه قتل منهم سبعون وأسر منهم  سبعون، قال أبو سفيان: يا معشر قريش لا تدعوا نساءكم يبكين  على قتلاكم، فإنّ الدّمعة إذا خرجت أذهبت الحزن والحرقة  والعداوة لمحمّد [و يشمت بنا محمّد وأصحابه.]

 

فلمّا غزوا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يوم أحد، أذنوا لنسائهم بالبكاء والنّوح . وخرجوا من مكّة في ثلاثة آلاف فارس وألفي راجل، وأخرجوا معهم النّساء [يذكرنهم ويحثثنهم على حرب رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وأخرج أبو سفيان هند بنت عتبة، وخرجت معهم عمرة بنت علقمة الحارثيّة]  فلمّا بلغ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ذلك جمع أصحابه وحثّهم على الجهاد.

فقال: عبد اللّه بن  أبيّ وقومه: يا رسول اللّه، لا نخرج من المدينة حتّى نقاتل في أزقّتها، فيقاتل  الرّجل الضّعيف والمرأة والعبد والأمة على أفواه السّكك وعلى السّطوح، فما أرادنا  قوم قطّ فظفروا بنا ونحن في حصوننا ودروبنا ، وما خرجنا على عدونا  قطّ إلّا

كان الظّفر لهم علينا.

فقام سعد بن معاذ  وغيره من الأوس فقالوا: يا رسول اللّه، ما طمع فينا أحد من العرب ونحن مشركون نعبد الأصنام، فكيف يطمعون  فينا وأنت فينا؟! لا حتّى نخرج إليهم ونقاتلهم، فمن قتل منّا كان شهيدا، ومن نجا منّا كان مجاهدا  في سبيل اللّه. فقبل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- رأيه، وخرج مع نفر من أصحابه يتبوّؤن موضع القتال كما قال سبحانه: وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ (الآية) وقعد عنه عبد اللّه بن  أبيّ وجماعة من الخزرج اتّبعوا  رأيه.

و وافت قريش إلى أحد، وكان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- عبّا أصحابه، وكانوا سبعمائة رجل، فوضع عبد اللّه بن جبير في خمسين من الرّماة على باب الشّعب، وأشفق أن يأتيهم  كمينهم من ذلك المكان، فقال- صلّى اللّه عليه وآله- لعبد اللّه بن جبير وأصحابه: إن رأيتمونا قد هزمنا هم حتّى أدخلناهم مكّة فلا تبرحوا من هذا المكان، وإن رأيتموهم قد هزمونا حتّى أدخلونا المدينة فلا تبرجوا والزموا مراكزكم.

و وضع أبو سفيان خالد بن الوليد في مأتي فارس كمينا، وقال [له‏]  إذا رأيتمونا قد اختلطنا [بهم‏]  فاخرجوا عليهم من هذا الشّعب حتّى تكونوا وراءهم .

و عبّأ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أصحابه، ودفع الرّاية إلى أمير المؤمنين- عليه السّلام- فحمل الأنصار على مشركي قريش فانهزموا هزيمة قبيحة، ووقع  اصحاب رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- في سوادهم، وانحطّ خالد بن الوليد في مأتى فارس على عبد اللّه بن جبير، فاستقبلوهم بالسّهام فرجع.

و نظر أصحاب عبد اللّه بن جبير إلى أصحاب رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ينتهبون  سواد القوم، فقالوا لعبد اللّه بن جبير: قد غنم أصحابنا ونبقى نحن بلا غنيمة؟فقال عبد اللّه: اتقوا اللّه، فإنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قد تقدّم إلينا ألّا نبرح، فلم يقبلوا منه، وأقبلوا ينسلّ رجل فرجل حتّى أخلوا مراكزهم، وبقي عبد اللّه بن جبير في اثني عشر رجلا.

و كانت راية قريش مع طلحة بن أبي طلحة العبديّ من بني عبد الدّار، فقتله عليّ- عليه السّلام- فأخذ الرّاية أبو سعيد بن أبي طلحه، فقتله علي- عليه السّلام- وسقطت الرّاية، فأخذها مشافع بن [أبي‏]  طلحة، فقتله، حتّى قتل تسعة [نفر]  من بني عبد الدّار، حتّى صار لواؤهم إلى عبد لهم أسود يقال له: صواب ، فانتهى إليه عليّ- عليه السّلام- فقطع يده [اليمنى،]  فأخذ اللّواء  باليسرى، فضرب يسراه فقطعها، فاعتنقها بالجذماوين إلى صدره، ثمّ التفت إلى أبي سفيان فقال: هل أعذرت  في بني عبد الدّار؟ فضربه عليّ- عليه السّلام- على رأسه فقتله، فسقط اللّواء، فأخذتها عمرة  بنت علقمة الكنانيّة  فرفعتها.

و انحطّ خالد بن الوليد على عبد اللّه بن جبير، وقد فرّ  أصحابه وبقي في نفر قليل، فقتلهم على باب الشّعب، ثمّ أتى المسلمين من أدبارهم، ونظرت قريش في هزيمتها إلى الرّاية قد رفعت، فلاذوا بها، وانهزم أصحاب رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- هزيمة عظيمة ، وأقبلوا يصعدون في الجبال وفي كلّ وجه. فلمّا رأى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- الهزيمة كشف البيضة عن رأسه، وقال: إليّ، أنا رسول اللّه، إلى أين تفرّون عن اللّه وعن رسوله؟

قال: وكانت هند بنت عتبة في وسط العسكر، فكلّما انهزم رجل من قريش دفعت إليه ميلا ومكحلة، وقالت: إنّما أنت امرأة فاكتحل بهذا.

و كان حمزة بن عبد المطلب يحمل على القوم، فإذا رأوه انهزموا ولم يثبت له أحد،و كانت هند قد أعطت وحشيّا عهدا، لئن قتلت محمّدا أو عليّا أو حمزة لأعطينّك كذا وكذا، وكان وحشيّ عبدا لجبير بن مطعم حبشيّا، فقال وحشيّ: أمّا محمّد فلا أقدر عليه، وأمّا عليّ فرأيته حذرا كثيرا لالتفات فلا مطمع فيه، فكمنت لحمزة.

قال: فرأيته يهذّ النّاس هذّا، فمرّبي فوطئ على جرف نهر فسقط، فأخذت حربتي فهززتها ورميته بها، فوقعت في خاصرته وخرجت من ثنّته، فسقط فأتيته فشققت بطنه، فأخذت كبده وجئت به إلى هند، فقلت: هذا كبد حمزة، فأخذتها [في فمها]  فلاكتها، فجعلها  اللّه في فمها مثل الدّاغصة- وهي عظم رأس الرّكبة- فلفظتها ورمت بها.

قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: فبعث اللّه ملكا فحمله وردّه إلى موضعه.

قال: فجاءت إليه فقطعت مذاكيره وقطعت أذنيه وقطعت يده ورجله، ولم يبق مع رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إلّا أبو دجانة سماك بن خرشة وعلي- عليه السّلام- فكلّما حملت طائفة على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- استقبلهم عليّ- عليه السّلام- فدفعهم عنه حتّى تقطّع  سيفه، فدفع إليه رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- سيفه ذا الفقار وانحاز رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إلى ناحية أحد فوقف، وكان القتال من وجه واحد، فلم يزل عليّ- عليه السّلام- يقاتلهم حتّى أصابه في وجهه ورأسه ويديه وبطنه ورجليه سبعون جراحة.

قال : فقال جبرائيل- عليه السّلام-: إنّ هذه لهي المواساة، يا محمّد.

فقال له : إنّه منّي وأنا منه .

و قال الصّادق- عليه السّلام-: نظر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إلى جبرائيل بين السّماء والأرض على كرسيّ من ذهب، وهو يقول: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلّا عليّ.

و روي: أنّ سبب انهزامهم نداء إبليس فيهم: إنّ محمّدا قد قتل. وكان النّبيّ‏- صلّى اللّه عليه وآله- في زحام النّاس وكانوا لا يرونه.

إِذْ هَمَّتْ: متعلّق بقوله: سميع عليم. أو بدل من «إذ غدوت.»

طائِفَتانِ مِنْكُمْ:

في تفسير عليّ بن إبراهيم ، يعني: عبد اللّه بن أبيّ وأصحابه وقومه .

قال البيضاويّ : هما بنو سلمة من الخزرج وبنو حارثة من الأوس، وكانا جناحي العسكر.

و في مجمع البيان : عنهما- عليهما السّلام-: هما بنو سلمة وبنو حارثة، حيّان من الأنصار.

أَنْ تَفْشَلا: أن تجبنا وتضعفا.

قيل : روي أنّه- عليه السّلام- خرج في زهاء ألف فارس ووعدهم  النّصران صبروا، فلمّا بلغوا الشّوط انخزل ابن أبيّ في ثلاثمائة وقال: علام نقتل أنفسنا وأولادنا؟

فتبعهم عمرو بن حزم الأنصاريّ وقال: أنشدكم [اللّه والإسلام‏]  في نبيّكم وأنفسكم.

فقال ابن أبيّ: لو نعلم قتالا لا تّبعناكم. فهمّ الحيّان باتّباعه فعصمهم اللّه، فمضوا مع رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ثمّ قال ذلك القائل: والظّاهر انه ما كانت عزيمة لقوله:

وَ اللَّهُ وَلِيُّهُما، أي: عاصمهما من اتّباع تلك الخطرة.

قال: ويجوز أن يراد: واللّه وليّهما فما لهما يفشلان.

و في الرّواية الّتي قدّمناها ما ينافي ذلك، من أنّ عبد اللّه بن أبيّ قعد عنه وجماعة من الخزرج اتّبعوا رأيه.

وَ عَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ : فليعتمدوا عليه في الكفاية لا على غيره، لينصرهم كما نصرهم ببدر.وَ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ: تذكير ببعض ما أفادهم التّوكّل.

و بدر، اسم ماء- بين مكّة والمدينة- كان لرجل يسمّى بدرا، فسمّى به.

وَ أَنْتُمْ أَذِلَّةٌ: حال من المفعول. وإنّما قال: أذلّة، دون دلائل، ليدلّ على قلّتهم مع ذلّتهم لضعف الحال وقلّة المراكب والسّلاح.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: ما كانوا أذلّة وفيهم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وإنّما نزل: ولقد نصركم اللّه ببدر وأنتم الضّعفاء.

و في تفسير العيّاشيّ : عن أبي بصير قال: قرأت عند أبي عبد اللّه- عليه السّلام-:

وَ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ.

فقال: [مه‏]  ليس هكذا أنزلها اللّه، إنّما أنزلت: وأنتم قليل.

 [و فيه : عن ربعي بن حريز، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قرأ: «و لقد نصركم اللّه ببدر وأنتم ضعفاء» وما كانوا أذلّة ورسول اللّه فيهم عليه وآله السّلام.]

 

و في رواية

: ما أذلّ اللّه رسوله قطّ، وإنّما أنزلت وأنتم قليل.

و معنى هذه الأخبار، أنّ الآية ما أنزلها اللّه بمعنى أنتم أذلّة في الواقع، بل بهذا المعنى. والأخبار الّتي دلّت على أنّ عدّتهم كانت ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا قد مرّت.

فَاتَّقُوا اللَّهَ: في الثّبات، لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ : ما أنعم به عليكم، إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ: ظرف لنصركم الله.

و قيل : بدل ثان من «إذ غدوت» على أنّ قوله لهم ذلك يوم أحد، وكان مع اشتراط الصّبر والتّقوى عن المخالفة، فلمّا لم يصبروا عن الغنائم وخالفوا أمر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- لم تنزل الملائكة.

أَ لَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ :

إنكار أن لا يكفيكم ذلك. وإنّما جي‏ء «بلن» إشعارا بأنّهم كانوا كالآئسين من النّصر،لضعفهم وقلّتهم وقوّة العدوّ وكثرتهم.

و قرأ ابن عامر «منزّلين» بالتّشديد للتّكثير، أو للتّدريج .

قيل : أمدّهم اللّه يوم بدر أوّلا بألف من الملائكة، ثمّ صاروا ثلاثة آلاف، ثمّ صاروا خمسة آلاف.

بَلى: إيجاب لما بعد «لن» أي: بلى يكفيكم. ثمّ وعد لهم الزّيادة على الصّبر والتّقوى، حثّا عليهما، وتقوية لقلوبهم فقال:

إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ: أي: المشركون.

مِنْ فَوْرِهِمْ هذا: من ساعتهم هذه. وهو في الأصل مصدر فارت القدر، إذا غلت. فاستعير للسّرعة، ثمّ أطلق للحال الّتي لا ريب فيها ولا تراخي، أي: أن يأتي المشركون في الحال.

يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ: بلا تراخ وتأخير، مُسَوِّمِينَ : معلّمين. من التّسويم الّذي هو إظهار سيماء الشي‏ء. أو مرسلين، من التّسويم، بمعنى: الإسامة.

و قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم ويعقوب، بكسر الواو .

و في تفسير العيّاشيّ : عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: كانت على الملائكة العمائم البيض المرسلة يوم بدر.

و عن ضريس بن عبد الملك ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ الملائكة الّذين نصروا محمّدا- صلّى اللّه عليه وآله- يوم بدر في الأرض ما صعدوا بعد، ولا يصعدون حتّى ينصروا صاحب هذا الأمر، وهم خمسة آلاف.

وَ ما جَعَلَهُ اللَّهُ: وما جعل إمدادكم بالملائكة، إِلَّا بُشْرى لَكُمْ: إلّا بشارة لكم بالنّصر.

وَ لِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ: ولتسكن إليه من الخوف.

وَ مَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ: لا من العدّة والعدّة وفيه تنبيه على أنّه لا حاجة إلى‏مدد، إنّما أمدّهم وأعدّ لهم، بشارة لهم وربطا على قلوبهم من حيث أنّ نظر العامّة إلى الأسباب أكثر، وحثّا على أن لا يبالوا بمن تأخّر عنهم.

الْعَزِيزِ: الّذي لا يغالب في أقضيته.

الْحَكِيمِ : الّذي ينصر ويخذل على مقتضى الحكمة والمصلحة.

لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا: متعلّق «بنصركم» أو «و ما النّصر» إن كان اللام فيه للعهد، والمعنى: لينقص منهم بقتل سبعين وأسر سبعين من صناديدهم.

أَوْ يَكْبِتَهُمْ: أو يخزيهم. والكبت، شدّة غيظ، أو وهن يقع في القلب. و«أو» للتّنويع. دون التّرديد.

فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ : فينهزموا منقطعي الآمال.

لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْ‏ءٌ: جملة معترضة.

أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ:

إمّا عطف على «يكبتهم»، والمعنى: أنّ اللّه مالك أمرهم، فإمّا أن يهلكهم أو يكبتهم، أو يتوب عليهم إن أسلموا، أو يعذّبهم إن أصرّوا، وليس لك من أمرهم شي‏ء وإنّما أنت عبد مأمور لإنذارهم وجهادهم.

أو معطوف على «الأمر» أو «شي‏ء» بإضمار «أن»، أي: ليس لك من أمرهم أو من التّوبة عليهم أو من تعذيبهم، شي‏ء. أو ليس لك من أمرهم شي‏ء، أو التّوبة عليهم، أو تعذيبهم.

و يحتمل أن يكون «أو» بمعنى «الا أن»، أي: ليس لك من أمرهم شي‏ء إلّا أن يتوب اللّه عليهم فتسرّ به، أو يعذّبهم فتتشفّى منهم.

و في تفسير العيّاشيّ  عن أبي جعفر- عليه السّلام- أنّه قرأ: ليس لك من الأمر شي‏ء إن يتب عليهم أو يعذّبهم فإنّهم ظالمون.

و فيه : عن الباقر- عليه السّلام- أنّه قرا: أن تتوب عليهم أو تعذّبهم‏

، بالتاء فيهما.

و على هذا يكون «أن» بتأويل المصدر، بدلا عن شي‏ء فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ : قد استحقّوا العذاب بظلمهم.

و في تفسير العيّاشيّ : عن جابر الجعفيّ قال: قرأت عند أبي جعفر- عليه السّلام-: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْ‏ءٌ قال: بلى واللّه، إنّ له من الأمر شيئا وشيئا وشيئا، وليس حيث ذهبت، ولكّني أخبرك أنّ اللّه- تبارك وتعالى- لمّا أخبر نبيّه أن يظهر ولاية عليّ- عليه السّلام- فكّر في عداوة قومه له، فيما  فضّله اللّه به عليهم في جميع خصاله، [كان أوّل من آمن برسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وبمن أرسله. وكان أنصر النّاس للّه ولرسوله وأقتلهم لعدوّهما وأشدّهم بغضا لمن خالفهما وفضل علمه الّذي لم يساوه أحد ومناقبه التي لا تحصى شرفا. فلمّا فكّر النّبي في عداوة قومه له في هذه الخصال‏]  وحسدهم له عليها ضاق عن ذلك ، فأخبر اللّه: أنّه ليس له من هذا الأمر شي‏ء، إنّما الأمر فيه إلى اللّه أن يصيّر عليّا وصيّه ووليّ الأمر بعده. فهذا عنى اللّه، وكيف لا يكون له من الأمر شي‏ء وقد فوّض اللّه إليه أن جعل ما أحلّ فهو حلال وما حرّم فهو حرام؟! قوله : ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا.

 

و عن جابر  قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام-: قوله لنبيّه: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْ‏ءٌ، فسّره لي؟ [قال:]  فقال [أبو جعفر- عليه السّلام- لشي‏ء قاله اللّه ولشي‏ء أراده اللّه،]  يا جابر، إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- كان حريصا على أن يكون عليّ- عليه السّلام- من بعده على النّاس، وكان عند اللّه خلاف ما أراد [رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.

قال: قلت: فما معنى ذلك؟

قال نعم، عنى بذلك قول اللّه لرسوله- صلّى اللّه عليه وآله-]  [فقال له:]  ليس لك من الأمر شي‏ء يا محمّد في عليّ، الأمر إليّ في عليّ وفي غيره، ألم أنزل عليك [يا محمّد]  فيما أنزلت من كتابي إليك: الم أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ. (الآيات)

 قال: فوّض رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- الأمر إليه ومعنى قوله- عليه السّلام-: «أن يكون عليّ بعده على النّاس» أن يكون خليفة له عليهم في الظّاهر أيضا، من غير دافع له.

قال البيضاويّ : روي أنّ عتبة بن أبي وقّاص شجّه يوم أحد وكسر رباعيته، فجعل- صلّى اللّه عليه وآله- يمسح الدّم عن وجهه ويقول: كيف يفلح قوم خضّبوا وجه نبيّهم بالدّم؟ فنزلت.

و قيل: همّ أن يدعو عليهم، فنهاه اللّه- تعالى- لعلمه بأنّ فيهم من يؤمن.

وَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ: خلقا وملكا، فله الامر كلّه.

يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ: فيه دلالة على نفي وجوب التّعذيب.

وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ : لعباده، فلا تبادر إلى الدّعاء عليهم.

و في مجمع البيان : قيل: إنّما أبهم اللّه الأمر في التّعذيب  والمغفرة [فلم يبيّن من يغفر له ومن يشاء تعذيبه،]  ليقف المكلّف بين الخوف والرّجاء [فلا يأمن من عذاب اللّه- تعالى- ولا ييأس من روح اللّه إلّا القوم الكافرون.]  ويلتفت إلى هذا

قول الصّادق- عليه السّلام-: لو وزن رجاء المؤمن وخوفه لاعتدلا.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً: لا تزيدوا زيادات مكرّرة ولعلّ التّخصيص بحسب الواقع، إذ كان الرّجل منهم يربي إلى أجل ثمّ يزيد فيه زيادة أخرى، حتّى يستغرق بالشي‏ء الطّفيف.

 [و في مجمع البيان

: ووجه تحريم الرّبا، هو المصلحة الّتي علمها اللّه وذكر فيه وجوه:

منها أن يدعو إلى مكارم الأخلاق بالإقراض إنظار المعسر  من غير زيادة. وهو المرويّ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام‏

]  مال المديون.و قرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب «مضعّفة » وَاتَّقُوا اللَّهَ: فيما نهيتم عنه، لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ : راجين الفلاح.

وَ اتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ : بالتّحرّز عن متابعتهم، وتعاطي أفعالهم.

قال البيضاويّ : وفيه تنبيه على أنّ النّار بالّذات معدّة للكافرين، وبالعرض للعصاة.

أقول: فيه تنبيه على أنّ النّار معدّة للكافرين، وكلّ من عذّب بالنّار من العصاة إنّما يعذّب إذا آل عصيانهم إلى الكفر، وأمّا إذا لم يؤل اليه فلا يعذّب بالنّار، لأنّها أعدّت للكافرين فلا يعذّب بها غيرهم، وإلّا لكان معدّا لهم ولغيرهم، فلا يصدق أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ إلّا أن يقال: المراد بالنّار نار معهودة معدّة لهم، فلا يعذّب بها غيرهم أيضا.

وَ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ : بإطاعتهما.

و «لعلّ وعسى» في أمثال ذلك يدلّ على غرّة التوصّل إلى ما جعل خبرا لهما.

وَ سارِعُوا: بادروا.

و قرأ ابن عامر ونافع «سارعوا» بلا واو .

إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ: بارتكاب أسبابها، كالإسلام والتّوبة والإخلاص.

و في مجمع البيان : عن أمير المؤمنين- عليه السّلام-: إلى أداء الفرائض.

وَ جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ: أي عرضها كعرضهما.

و في تفسير العيّاشيّ : عن داود بن سرحان، عن رجل، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- [في قول اللّه: وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ.]  قال: إذا وضعوهما كذا، وبسط يديه إحداهما مع الأخرى.

و في مجمع البيان . عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- [أنّه سئل: إذا كانت الجنة

عرضها السّموات والأرض، فأين تكون النّار؟]  فقال: سبحان اللّه، إذا جاء النّهار فأين اللّيل.

و معناه، أنّ القادر على أن يذهب باللّيل حيث يشاء، قادر على أن يخلق النّار حيث يشاء.

أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ : هيّئت لهم.

و في كتاب الخصال

: فيما علّم أمير المؤمنين أصحابه، ممّا يصلح للمسلم في دينه ودنياه: «سابقوا إلى مغفرة من ربّكم وجنّة عرضها السّموات والأرض أعدّت للمتّقين».

فإنّكم لن تنالوها إلّا بالتّقوى.

و في الآية دلالة على أنّ الجنّة مخلوقة، خارجة عن هذا العالم.

الَّذِينَ يُنْفِقُونَ: صفة مادحة للمتّقين، أو منصوب، أو مرفوع على المدح.

فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ: في حالتي الرّخاء والشّدّة. أو الأحوال كلّها، إذ الإنسان لا يخلوا عن مسرّة أو مضرّة، أي: لا يخلونّ في حال ما عن إنفاق ما من قليل أو كثير.

وَ الْكاظِمِينَ الْغَيْظَ: الممسكين عليه، الكافّين عن إمضائه مع القدرة. من كظمت القربة، إذا ملأتها وشددت رأسها.

و في أصول الكافي: عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن بعض أصحابه، عن مالك بن حصين السّكونيّ قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: ما من عبد كظم غيظا إلّا زاده اللّه- عزّ وجلّ- عزّا في الدّنيا والآخرة، وقد قال اللّه- عزّ وجلّ-: وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ، وأثابه اللّه مكان غيظه ذلك.

عدّة من أصحابنا: عن أحمد بن محمّد  بن خالد، عن إسماعيل بن مهران عن سيف بن عميرة قال: حدّثني من سمع أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: من كظم غيظا- ولو شاء أن يمضيه أمضاه- ملأ اللّه  قلبه يوم القيامة رضاه.

و في كتاب الخصال : عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: ثلاث خصال من‏كنّ فيه استكمل خصال الإيمان: من صبر على الظّلم وكظم غيظه واحتسب وعفا وغفر، كان ممّن يدخله اللّه- تعالى- الجنّة بغير حساب، ويشفّعه في مثل ربيعة ومضر.

عن زرارة  قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام - يقول: إنّا أهل بيت، مروءتنا العفو عمّن ظلمنا.

عن أبي حمزة الثّماليّ ، عن عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- [قال: ما أحبّ أنّ لي بذلّ نفسي حمر النّعم، و]  ما تجرّعت جرعة أحبّ إليّ من جرعة غيظه  لا أكافئ [بها]  صاحبها.

وَ الْعافِينَ عَنِ النَّاسِ: التّاركين عقوبة من استحقّوا مؤاخذته.

و في الكافي : عن الصّادق- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: عليكم بالعفو، فإنّ العفو لا يزيد العبد إلّا عزّا، فتعافوا يعزّكم اللّه.

و في مجمع البيان : روي أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قال: انّ هؤلاء في أمّتي قليل إلّا من عصمه  اللّه، وقد كانوا كثيرا في الأمم الماضيه .

وَ اللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ :

يحتمل الجنس، ويدخل تحته هؤلاء. والعهد، فتكون الإشارة إليهم.

و في مجمع البيان : روي أنّ جارية لعليّ بن الحسين- عليهما السّلام- جعلت تسكب عليه الماء ليتهيّأ للصّلاة، فسقط الإبريق من يدها فشجّه، فرفع رأسه إليها.

فقال له الجارية: إنّ اللّه- تعالى- يقول: وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ.

 

فقال لها: قد كظمت غيظي.

قالت: وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ. قال: قد عفا اللّه عنك.

قالت وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ.

 قال: اذهبي فأنت حرّة لوجه اللّه.

وَ الَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً: فعلة بالغة في القبح، كالزّنا.

أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ: بأن أذنبوا أيّ ذنب كان.

و قيل : الفاحشة الكبيرة، وظلم النّفس الصّغيرة. ولعلّ الفاحشة ما يتعدّى، وظلم النّفس ما ليس كذلك.

ذَكَرُوا اللَّهَ: تذكّروا وعيده، أو حكمه، أو حقّه العظيم.

فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ: بالنّدم والتّوبة.

وَ مَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ: استفهام بمعنى النّفي، معترض بين المعطوفين. والمراد به وصفه- تعالى- بسعة الرّحمة، وعموم المغفرة، والحثّ على الاستغفار، والوعد  بقبول التّوبة.

وَ لَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا، أي: لم يقيموا على ذنوبهم غير مستغفرين.

و في أصول الكافي : أبو عليّ الأشعريّ، عن محمّد بن سالم، عن أحمد بن النّضر، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في هذه الآية قال: الإصرار، أن يذنب الذّنب فلا يستغفر اللّه ولا يحدّث نفسه بتوبة، فذلك الإصرار.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: لا واللّه، لا يقبل اللّه شيئا من طاعته على الإصرار على شي‏ء من معاصيه.

عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد  بن خالد، عن عبد اللّه بن محمّد النّهيكيّ ، عن عمّار بن مروان القنديّ، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال:

لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار.

محمّد بن يحيى، عن أحمد  بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن معاويه بن عمّار

 قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: إنّه واللّه ما خرج عبد من ذنب بإصرار، وما خرج عبد من ذنب إلّا بإقرار.

محمّد بن يحيى ، عن عليّ بن الحسين الدّقّاق ، عن عبد اللّه بن محمّد، عن أحمد بن عمر، عن زيد القتات، عن أبان بن تغلب قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: ما من عبد أذنب ذنبا فندم عليه إلّا غفر اللّه له قبل أن يستغفر، وما من عبد أنعم اللّه عليه نعمة فعرف أنّها من عند اللّه إلّا غفر اللّه له قبل أن يحمده.

و في مجمع البيان : وقد روي عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه قال:

لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار.

و روي عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله -: ما اصرّ من استغفر، وإن عاد في اليوم سبعين مرّة.

وَ هُمْ يَعْلَمُونَ : حال من فاعل «يصرّوا» أي، ولم يصرّوا على قبيح فعلهم عالمين به.

و في أمالي الصّدوق - رحمه اللّه-: بإسناده إلى الصّادق جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- قال: لما نزلت هذه الآية [وَ الَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ‏]  صعد إبليس جبلا بمكّة يقال له: ثور، فصرخ بأعلى صوته بعفاريته فاجتمعوا إليه فقالوا: يا سيّدنا لم دعوتنا؟

قال: نزلت هذه الآية فمن لها؟

فقام عفريت من الشّياطين فقال: أنا لها بكذا وكذا.

قال: لست لها.

فقام  آخر فقال مثل ذلك.فقال: لست لها.

فقال الوسواس الخنّاس: أنا لها.

قال: بماذا؟

قال: أعدهم وأمنّيهم حتى يواقعوا الخطيئة، فإذا واقعوا الخطيئة أنسيتهم  الاستغفار.

فقال: أنت لها. فوكّله بها إلى يوم القيامة.

و في تفسير العيّاشيّ : عن أبي عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: رحم اللّه عبدا لم يرض من نفسه أن يكون إبليس نظيرا له في دينه. وفي كتاب اللّه نجاة من الرّدى وبصيرة من العمى ودليل إلى الهدى وشفاء لما في الصّدور فيما أمركم اللّه به من الاستغفار مع التّوبة.

قال اللّه: وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [قال:]  ومن يعمل سوء أو يظلم نفسه ثمّ يستغفر اللّه يجد اللّه غفورا رحيما.

فهذا ما أمر اللّه به من الاستغفار، واشترط معه التّوبة ، والإقلاع عمّا حرّم اللّه، فإنّه يقول : إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ. فهذه الآية تدلّ على أنّ الاستغفار لا يرفعه إلى اللّه إلّا العمل الصّالح والتّوبة.

 [و في روضة الكافي : بإسناده إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: وإيّاكم والإصرار على شي‏ء ممّا حرّم اللّه في ظهر القرآن وبطنه وقد قال اللّه- تعالى-: وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ.]

 

أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها:

خبر «للّذين» إن ابتدئ به. وجملة مستأنفة مبنيّة لما قبلها إن عطفت على «المتّقين» أو على «الّذين ينفقون.»و تنكير «جنّات» على الأوّل، يدلّ على أنّ ما لهم أدون ممّا للمتّقين الموصوفين بتلك الصّفات المذكورة في الآية المتقدّمة. وكفاك فارقا بين القبيلين أنّه فصل آيتهم، بأن بيّن أنّهم محسنون مستوجبون لمحبّة اللّه- تعالى- وذلك لأنّهم حافظوا على حدود الشّرع وتخطّوا إلى التّخصيص بمكارمه. وفصل آية هؤلاء بقوله:

وَ نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ : لأنّ المتدارك لتقصيره كالعامل لتحصيل ما فوّت على نفسه. وكم بين المحسن والمتدارك والمحبوب والأجير، ولعلّ تبديل لفظ الجزاء بالأجر لهذه النّكتة. والمخصوص بالمدح محذوف، تقديره، ونعم أجر العاملين تلك، يعني، المغفرة والجنّات.

و في أمالي الصّدوق- رحمه اللّه -: محمّد بن إبراهيم بن إسحاق- رحمه اللّه- قال: حدّثنا أحمد بن محمّد الهمدانيّ قال: أخبرنا محمّد بن صالح بن سعد التّميميّ قال:

 

حدّثنا موسى بن داود قال: حدّثنا الوليد بن هشام قال: حدّثنا هشام بن حسّان، عن الحسن بن أبي الحسن البصريّ، عن عبد الرّحمان بن غنم الدّوسى  قال: دخل معاذ بن جبل على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- باكيا فسلّم، فردّ عليه السّلام، ثمّ قال: ما يبكيك يا معاذ؟

فقال: يا رسول اللّه، إنّ بالباب شابّا طريّ الجسد، نقيّ اللّون، حسن الصّورة، يبكي على شبابه بكاء الثّكلى على ولدها، يريد الدّخول عليك.

فقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: أدخل عليّ الشّابّ، يا معاذ. فأدخله عليه فسلّم، فرد عليه السّلام، ثمّ قال: ما يبكيك، يا شابّ؟

قال: كيف لا أبكي وقد ركبت ذنوبا، إن اخذني اللّه- عزّ وجلّ- ببعضها أدخلني نار جهنم، ولا أراني إلّا سيأخذني بها ولا يغفر لي  أبدا.

فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: هل أشركت باللّه شيئا؟

قال: أعوذ باللّه أن أشرك بربّي شيئا.قال: أقتلت النّفس الّتي حرّم اللّه؟

قال: لا.

فقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: يغفر اللّه لك ذنوبك وإن كانت مثل الجبال الرّواسي.

قال الشّابّ: فإنّها أعظم من الجبال الرّواسي.

فقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: يغفر اللّه ذنوبك وإن كانت مثل الأرضين السّبع. وبحارها ورمالها وأشجارها وما فيها من الخلق.

 [قال: فإنّها أعظم من الأرضين السّبع وبحارها ورمالها وأشجارها وما فيها من الخلق.]

 

فقال: النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: يغفر اللّه لك ذنوبك وإن كانت مثل السّماوات ونجومها ومثل العرش والكرسيّ.

قال: فإنّها أعظم من ذلك.

قال: فنظر النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله - كهيئة الغضبان، ثمّ قال: ويحك يا شابّ ذنوبك أعظم أم ربّك؟

فخرّ الشّابّ لوجهه وهو يقول: سبحان [اللّه‏]  ربّي، ما من شي‏ء أعظم من ربّي، ربّي أعظم- يا نبيّ اللّه- من كلّ عظيم.

فقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: فهل يغفر الذّنب العظيم إلّا الرّبّ العظيم؟

قال: الشّابّ: لا واللّه يا رسول اللّه، ثمّ سكت الشّابّ.

فقال له  النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: ويحك يا شابّ، أ لا تخبرني بذنب واحد من ذنوبك.

قال: بلى أخبرك، إنّي كنت أنبش القبور سبع سنين، أخرج الأموات وأنزع الأكفان، فماتت جارية من بعض بنات الأنصار، فلمّا حملت إلى قبرها ودفنت وانصرف عنها أهلها وجنّ عليهم اللّيل أتيت قبرها فنبشتها، ثمّ استخرجتها، ونزعت ما كان عليها من أكفانها، وتركتها مجردة  على شفير قبرها، ومضيت منصرفا، فأتاني الشّيطان،فأقبل يزيّنها لي ويقول: أما ترى بطنها وبياضها؟ أما ترى وركيها؟ فلم يزل يقول لي هذا، حتّى رجعت إليها ولم أملك نفسي حتّى جامعتها وتركتها مكانها، فإذا أنا بصوت من ورائي يقول: يا شابّ، ويل لك من ديّان يوم الدّين، يوم يقفني وإيّاك كما تركتني عريانة في عساكر الموتى، ونزعتني من حفرتي، وسلبتني أكفاني، وتركتني أقوم جنبه إلى حسابي، فويل لشبابك من النّار. فما أظنّ أنّي أشمّ ريح الجنّة أبدا، فما ترى لي يا رسول اللّه؟

فقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: تنحّ عنّي يا فاسق، إنّي أخاف أن أحترق بنارك، فما أقربك من النّار.

ثم لم يزل- عليه السّلام- يقول ويشير إليه حتّى أمعن من بين يديه، فذهب فأتى المدينة فتزوّد منها، ثمّ أتى بعض جبالها فتعبّد فيها ولبس مسحا وغلّ يديه جميعا إلى عنقه ، ونادى: يا ربّ، هذا عبدك بهلول بين يديك مغلول، يا ربّ أنت الّذي تعرفني وزل منّي ما تعلم، يا سيّدي يا ربّ إنّي أصبحت من النّادمين، وأتيت نبيّك تائبا فطردني وزادني خوفا، فأسألك باسمك وجلالك وعظمة  سلطانك أن لا تخيّب رجائي سيّدي ولا تبطل دعائي ولا تقنطني من رحمتك.

فلم يزل يقول ذلك أربعين يوما وليلة، تبكي له السّباع والوحوش، فلمّا تمّت له أربعون يوما وليلة، رفع يديه إلى السّماء وقال: اللّهمّ، ما فعلت في حاجتي، إن كنت استجبت دعائي وغفرت خطيئتي فأوح إلى نبيّك، وإن لم تستجب [لي‏]  دعائي ولم تغفر [لي‏]  خطيئتي وأردت عقوبتي فعجّل بنار تحرقني أو عقوبة في الدّنيا تهلكني وخلّصني من فضيحة يوم القيامة.

فأنزل اللّه- تبارك وتعالى- على نبيّه- صلّى اللّه عليه وآله-: وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً، يعني: الزّنا أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ، يعني: بارتكاب ذنب أعظم من الزّنا، وهو  نبش القبر وأخذ الأكفان ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا  لِذُنُوبِهِمْ يقول: خافوا اللّه فعجّلوا التّوبة. وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ يقول- عزّ وجلّ-: أتاك عبدي- يا محمّد- تائبا فطردته، فأين يذهب وإلى من يقصد ومن يسأل أن يغفر له ذنبه  غيري؟ ثمّ قال- عزّ وجلّ- وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ يقول: لم يقيموا على الزّنا ونبش القبور وأخذ الأكفان. أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ.

فلمّا نزلت هذه الآية على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- خرج، وهو يتلوها ويتبسّم ، فقال لأصحابه: من يدلّني على ذلك الشّابّ التّائب؟

فقال معاذ: يا رسول اللّه، بلغنا أنّه في موضع كذا وكذا.

فمضى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- بأصحابه  حتّى انتهوا إلى ذلك الجبل، فصعدوا إليه يطلبون الشّابّ، فإذا هم بالشّابّ قائم بين صخرتين مغلولة يداه إلى عنقه، قد اسودّ وجهه وتساقطت أشفار عينيه من البكاء، وهو يقول: سيّدي قد أحسنت خلقي وأحسنت صورتي، فليت شعري ما ذا تريد بي، أفي النّار تحرقني أو في جوارك تسكنني؟

اللّهمّ، إنّك قد أكثرت الإحسان إليّ فأنعمت عليّ، فليت شعري ما ذا يكون آخر أمري، إلى الجنّة تزفّني أم إلى النّار تسوقني؟ اللّهمّ، إنّ خطيئتي أعظم من السّموات والأرض ومن كرسيّك الواسع وعرشك العظيم، فليت شعري تغفر خطيئتي أم تفضحني بها يوم القيامة؟

فلم يزل يقول نحو هذا وهو يبكي ويحثوا التّراب على رأسه، وقد أحاطت به السّباع، وصفّت فوقه الطّير، وهم يبكون لبكائه.

فدنا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فأطلق يديه من عنقه، ونفض التّراب عن رأسه، وقال: يا بهلول، أبشر فإنّك عتيق اللّه من النّار.

ثمّ قال- صلّى اللّه عليه وآله- لأصحابه: هكذا تداركوا الذّنوب كما تداركها بهلول ، ثمّ تلا عليه ما أنزل اللّه- عزّ وجلّ- فيه وبشّره بالجنّة.

قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ: وقائع، سنّها اللّه في الأمم المكذّبة.

و قيل : أمم. قال:

         ما عاين الناس من فضل كفضلكم             ولا أرى مثله في سالف السنن‏

 فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ : لتعتبروا بما ترون من آثار هلاكهم.

و في الكافي : عن الصّادق- عليه السّلام- في قوله- تعالى-: فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ من قبلكم .

قال: عنى بذلك [، أي:]  انظروا في القرآن واعلموا كيف كان عاقبة الّذين من قبلكم، وما أخبركم عنه.

هذا: اى، القرآن بَيانٌ لِلنَّاسِ: عامّة.

وَ هُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ : خاصّة.

و قيل : «هذا» إشارة إلى قوله: «قد خلت». أو مفهوم قوله: «فانظروا»، أي، أنّه مع كونه بيانا للمكذّبين، فهو زيادة بصيرة وموعظة للمتّقين. أو إلى ما لخّص من أمر المتّقين والتّائبين. وقوله: «قد خلت» جملة معترضة  للبعث على الإيمان والتّوبة.

وَ لا تَهِنُوا: ولا تضعفوا عن الجهاد بما أصابكم يوم أحد.

وَ لا تَحْزَنُوا: على من قتل منكم، تسلية لهم عمّا أصابهم.

وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ: والحال أنّكم أعلى شأنا فإنّكم على الحقّ وإنّهم على الباطل، وقتالكم للّه وقتالهم للشّيطان، وقتلاكم في الجنّة وقتلاهم في النّار. أو لأنّكم أصبتم منهم يوم بدر أكثر ممّا أصابوا منكم اليوم. أو أنتم الأعلون في العاقبة، فيكون بشارة لهم بالنّصر والغلبة.

إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ : متعلّق بالنّهي، أي: لا تهنوا إن صحّ إيمانكم، فإنّه يقتضي قوّة القلب بالوثوق على اللّه. أو «بالأعلون».

إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ:

قيل : يعني: إن أصابوا منكم يوم أحد فقد أصبتم منهم يوم بدر مثله، ثمّ أنّهم لم يضعفوا ولم يجبنوا، فأنتم أولى بأن لا تضعفوا فإنّكم ترجون من اللّه ما لا يرجون.

و قيل : كلا المسّين كان يوم أحد، فإنّ المسلمين نالوا منهم قبل أن يخالفوا أمر الرّسول.

قرأ حمزة والكسائيّ وابن عيّاش عن عاصم، بضمّ القاف. والباقون، بالفتح. وهما لغتان .

و قيل : هو بالفتح «الجراح» وبالضّمّ «ألمها».

وَ تِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ: نصرفها، نديل لهؤلاء تارة ولهؤلاء أخرى.

و المداولة، كالمعاورة. يقال: داولت الشي‏ء بينهم، فتداولوه.

و «الأيّام» يحتمل الوصف، والبدل، وعطف البيان، والخبر. و«نداولها» الخبر على الاحتمالات الثّلاث الأوّل، والحال على الاحتمال الأخير. والمراد بها، أوقات النّصر والغلبة.

في تفسير العيّاشيّ : عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام - في قول اللّه- تعالى-: وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ قال: ما زال منذ خلق اللّه آدم دولة للّه ودولة لإبليس، فأين دولة اللّه أما  هو إلّا قائم  واحد.

وَ لِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا: عطف على علّة محذوفة، أي: نداولها ليكون كيت وكيت. ولِيَعْلَمَ اللَّهُ إيذانا بأنّ العلّة فيه غير واحدة، وأنّ ما يصيب المؤمن فيه من المصالح ما لا يعلم.

أو الفعل المعلّل به محذوف، تقديره: وليتميّز الثّابتون على الإيمان من الّذين على حرف فعلنا ذلك. والقصد في أمثاله ليس إلى إثبات علمه- تعالى- بل إلى إثبات المعلوم على طريقة البرهان.

و قيل : معناه: ليعلمهم علما يتعلّق به الجزاء وهو العلم بالشّي‏ء موجودا، وهو تكلّف.وَ يَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ: ويكرم منكم بالشّهادة، يريد شهداء أحد. أو يتّخذ منكم شهودا معدلين، بما صودف منهم من الثّبات والصّبر على الشّدائد. أو شهودا وعلماء، بما ينعم على المؤمنين ويمددهم.

وَ اللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ : الّذين يضمرون خلاف ما يظهرون. أو الكافرين، وهو اعتراض. وفيه تنبيه على أنّه- تعالى- لا ينصر الكافرين على الحقيقة، وإنّما يديل لهم أحيانا استدراجا لهم وابتلاء للمؤمنين.

 [و في تفسير عليّ بن إبراهيم

: أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- لمّا رجع من أحد فلمّا دخل المدينة نزل عليه جبرئيل- عليه السّلام- فقال: يا محمّد، إنّ اللّه يأمرك أن تخرج في أثر القوم، ولا تخرج معك إلّا من به جراحة.

فأمر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- مناديا ينادي: يا معشر المهاجرين والأنصار، من كانت به جراحة فليخرج، ومن لم يكن به جراحة فليقم. فأقبلوا يضمدون جراحاتهم ويداوونها ، فأنزل اللّه على نبيّه: ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنّهم يألمون كما تألمون وترجون من اللّه ما لا يرجون.

و قال- عزّ وجلّ-: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ. فخرجوا على ما بهم من الألم والجراح.]