سورة آل عمران الآية 141-160

وَ لِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا: ليطهّرهم ويصفّيهم من الذّنوب إن كانت الدّولة عليهم.

وَ يَمْحَقَ الْكافِرِينَ : ويهلكهم إن كانت عليهم.

و المحق، نقض الشي‏ء قليلا قليلا.

و في كتاب كمال الدّين  وتمام النّعمة: بإسناده إلى ابن عبّاس قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: إنّ عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- إمام أمّتي وخليفتي عليها من بعدي، ومن ولده القائم المنتظر الّذي يملأ اللّه به الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما، والذي بعثني بالحقّ بشيرا ونذيرا إنّ الثّابتين على القول به [في زمان غيبته‏]  لأعزّمن الكبريت الأحمر.

فقام إليه جابر بن عبد اللّه الأنصاريّ، فقال: يا رسول اللّه، للقائم من ولدك غيبة؟

قال: إي وربّي، وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ، يا جابر إنّ هذا الأمر من اللّه  وسرّ من سرّ اللّه مطويّ عن عباد اللّه، فإيّاك والشّكّ فيه، فإنّ الشّك في أمر اللّه- عزّ وجلّ- كفر.

أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ: بل أ حسبتم.

و معناه، الإنكار، أي: لا تحسبوا أن تدخلوها ولمّا يعلم اللّه المجاهدين منكم، ولمّا يجاهد بعضكم. وفيه دلالة، على أنّ الجهاد فرض على الكفاية. والفرق بين «لمّا، ولم» أنّ فيها توقّعا في المستقبل بخلاف لم.

و قرئ: «يعلم» بفتح الميم، على أنّ أصله «يعلمن» فحذف النّون .

وَ يَعْلَمَ الصَّابِرِينَ : نصب بإضمار «أن» على أنّ الواو للجمع.

و قرئ، بالرّفع، على أنّ الواو للحال، كأنّه قال: ولمّا تجاهدوا وأنتم صابرون .

و في تفسير العيّاشيّ : عن داود الرّقيّ قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- تعالى-: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ.

  

قال: إنّ اللّه هو أعلم بما هو مكوّنه قبل أن يكوّنه وهم ذرّ، وعلم من يجاهد ممّن لا يجاهد، كما  أنّه يميت خلقه قبل أن يميتهم ولم يرهم موتهم وهم أحياء.

وَ لَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ: بالشّهادة أو الحرب، فإنّها من أسباب الموت.

مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ: من قبل أن تشاهدوه، وتعرفوا ثبوته.

فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ، أي: رأيتموه معاينين له حين قتل دونكم‏من قتل من إخوانكم. وهو توبيخ لهم على أنّهم تمنّوا وتسيّبوا لها، ثمّ جبنوا وانهزموا عنها.

أو على تمنّي الشّهادة، فإنّ في تمنّيها تمنّي غلبة الكفّار.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في هذه  الآية: أنّ المؤمنين لمّا أخبرهم اللّه- تعالى- بالّذي فعل بشهدائهم يوم بدر ومنازلهم في  الجنّة، رغبوا في ذلك، فقالوا: اللّهمّ، أرنا قتالا  نستشهد فيه. فأراهم اللّه إياه يوم أحد، فلم يثبتوا إلّا من  شاء اللّه منهم، فذلك قوله: وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ (الآية)  [مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ.]

 

وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ: فسيخلو كما خلوا بالموت، أو القتل.

أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ: إنكار لارتدادهم وانقلابهم على أعقابهم عن الدّين، لخلوّه بموت أو قتل بعد علمهم بخلو الرسل  قبله، وبقاء دينهم متمسّكا به.

و قيل : «الفاء» للسّببيّة و«الهمزة» لإنكار أن يجعلوا خلوّ الرّسل قبله، سببا لانقلابهم على أعقابهم بعد وفاته.

و في روضة الكافي : حنّان، عن أبيه، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: كان النّاس أهل ردّة بعد النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- الّا ثلاثة.

قلت: ومن الثّلاثة؟

فقال: المقداد بن الأسود، وأبو ذرّ الغفاريّ، وسلمان الفارسيّ- رحمة اللّه وبركاته عليهم- ثمّ عرف أناس بعد يسير.

و قال: هؤلاء الّذين دارت عليهم الرّحا، وأبوا أن يبايعوا حتّى جاؤوا بأمير المؤمنين- عليه السّلام- مكرها فبايع، وذلك قول اللّه- عزّ وجلّ-:وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ.

 

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد  بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن الحسين بن أبي العلاء الخفّاف، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: لمّا انهزم النّاس يوم أحد عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- انصرف إليهم بوجهه، وهو يقول: أنا محمّد، أنا رسول اللّه لم أقتل ولم أمت. فالتفت إليه فلان وفلان فقالا: الآن يسخر بنا- أيضا- وقد هزمنا.

و بقي معه عليّ- عليه السّلام- وسماك بن خرشة أبو دجانة - رحمه اللّه- فدعاه النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فقال يا أبا دجانة انصرف وأنت في حلّ من بيعتك، فأمّا علىّ فهو أنا وأنا هو .

فتحوّل وجلس بين يديّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- وبكى، وقال: لا واللّه- ورفع رأسه إلى السّماء وقال-: لا واللّه، لا جعلت نفسي في حلّ من بيعتي، إنّي بايعتك، فإلى من أنصرف يا رسول اللّه؟ إلى زوجة تموت أو ولد يموت أو دار تخرب أو  مال يفنى وأجل قد اقترب. فرقّ له النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فلم يزل يقاتل حتّى أثخنته الجراحة- وهو في وجه وعليّ- عليه السّلام- في وجه-. فلمّا سقط  احتمله عليّ- عليه السّلام- فجاء به إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فوضعه عنده.

فقال: يا رسول اللّه أوفيت ببيعتي؟

قال: نعم، وقال له النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- خيرا.

و كان النّاس يحملون على النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- الميمنة فيكشفهم عليّ- عليه السّلام- فإذا كشفهم أقبلت الميسرة إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فلم يزل كذلك حتّى تقطّع سيفه بثلاث قطع، فجاء إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فطرحه بين يديه وقال : هذا سيفي قد تقطّع. فيومئذ أعطاه النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- ذا الفقار.و لمّا رأى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- اختلاج ساقيه من كثرة القتال رفع رأسه إلى السّماء- وهو يبكي- وقال: يا ربّ، وعدتني أن تظهر دينك وإن شئت لم يعيك.

فأقبل عليّ- عليه السّلام- إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فقال: يا رسول اللّه، أسمع دويّا شديدا، وأسمع أقدم حيزوم، وما أهمّ أضرب أحدا إلّا سقط ميّتا قبل أن أضربه.

فقال: هذا جبرئيل- عليه السّلام- وميكائيل وإسرافيل في الملائكة.

ثمّ جاءه جبرئيل- عليه السّلام- فوقف إلى جنب رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فقال: يا محمّد، إنّ هذه لهي المواساة.

فقال- صلّى اللّه عليه وآله-: إنّ عليّا منّي وأنا منه.

فقال جبرئيل- عليه السّلام-: وأنا منكما.

ثمّ انهزم النّاس فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- لعليّ- عليه السّلام-:

يا عليّ، امض بسيفك حتّى تعارضهم، فإن رأيتهم قد ركبوا القلاص وجنّبوا الخيل فإنّهم يريدون مكّة، وإن رأيتهم قد ركبوا الخيل وهم يجنّبون القلاص فإنّهم يريدون المدينة.

فأتاهم عليّ- عليه السّلام- فكانوا على القلاص، فقال أبو سفيان لعليّ- عليه السّلام-: [يا عليّ،]  ما تريد هو ذا نحن ذاهبون إلى مكّة، فانصرف إلى صاحبك. فاتّبعهم جبرئيل- عليه السّلام- فكلّما سمعوا وقع حافر فرسه جدّوا في السّير، وكان  يتلوهم فإذا ارتحلوا قالوا: هو ذا عسكر محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- قد أقبل.

فدخل أبو سفيان مكّة فأخبرهم الخبر، وجاء الرّعاة  والحطّابون فدخلوا مكّة، فقالوا: رأينا عسكر محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- كلّما رحل أبو سفيان نزلوا، يقدمهم فارس على فرس أشقر يطلب آثارهم. فأقبل  أهل مكّة  على أبي سفيان يوبّخونه.

و رحل النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- والرّاية مع عليّ- عليه السّلام- وهو بين‏يديه، فلمّا أن أشرف بالرّاية من العقبة ورآه النّاس نادى عليّ- عليه السّلام-: أيّها النّاس، هذا محمّد لم يمت ولم يقتل. فقال صاحب الكلام- الّذي قال: الآن يسخر بنا وقد هزمنا-: هذا عليّ والرّاية بيده. حتّى هجم عليهم النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- ونساء الأنصار في أفنيتهم على أبواب دورهم، وخرج الرّجال إليه يلوذون به ويتوبون  إليه، والنّساء- نساء الأنصار- قد خدشن الوجوه ونشرن الشّعور وجززن النّواصي وخرقن الجيوب وحرمن البطون على النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فلمّا رأينه قال لهنّ خيرا، وأمرهنّ أن يستترن ويدخلن منازلهنّ وقال: إنّ اللّه- تعالى- وعدني أن يظهر دينه على الأديان كلّها. وأنزل اللّه على محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ [مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ. وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً.]  (الآية).

و في روضة الكافي : خطبة مسندة إلى أمير المؤمنين- عليه السّلام- وهي خطبة الوسيلة، يقول فيها- عليه السّلام-: حتّى إذا دعا اللّه- عزّ وجلّ- نبيّه ورفعه إليه، لم يك ذلك بعده إلّا كلمحة من خفقة أو رميض من برقة إلى أن رجعوا على الأعقاب، وانتكصوا على الأدبار، وطلبوا بالأوتار، وأظهروا الكتائب، وردموا الباب، وفلّوا الدّار ، وغيّروا آثار رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ورغبوا عن أحكامه، وبعدوا من أنواره، واستخلفوا  بمستخلفه بديلا اتّخذوه وكانوا ظالمين، وزعموا أنّ من اختاروا من آل أبي قحافة أولى بمقام رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ممّن اختاره الرّسول - صلّى اللّه عليه وآله- لمقامه، وأنّ مهاجر آل أبي قحافة خير من المهاجريّ  الأنصاريّ الرّبّانيّ، ناموس هاشم بن عبد مناف.

عليّ بن محمّد، عن عليّ بن العبّاس ، عن عليّ بن حمّاد، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال

: وقال لأعداء اللّه أولياء الشّيطان أهل‏التّكذيب والإنكار: قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ يقول: متكلّفا إن أسألكم ما لستم بأهله.

فقال المنافقون عند ذلك بعضهم لبعض: أما يكفي محمّدا أن يكون قهرنا عشرين سنة حتّى يريد أن يحمل أهل بيته على رقابنا، فقالوا: ما أنزل اللّه هذا، وما هو إلّا شي‏ء يتقوله يريد أن يرفع أهل بيته على رقابنا، ولئن قتل محمّد أو مات لننزعها من أهل بيته ثمّ لا نعيدها  فيهم أبدا.

و اعلم أنّ فلانا وفلانا من أهل الانقلاب على الأعقاب بعد موت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- لما

رواه محمّد بن يعقوب- رحمه اللّه - عن حنان بن سدير، عن أبيه قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عنهما.

فقال: يا أبا الفضل، لا تسالني  عنهما، فو اللّه ما مات منّا ميّت [قطّ]  إلّا ساخطا  عليهما، وما منّا اليوم إلّا ساخطا  عليهما، يوصي بذلك الكبير منّا الصّغير، إنّهما ظلمانا  حقّنا ومنعانا فيئنا ، وكانا أوّل من ركب أعناقنا، وفتقا  علينا فتقا  في الإسلام لا يسدّ  أبدا حتّى يقوم قائمنا [أو يتكلّم متكلّمنا.]

 

ثمّ قال: أما واللّه لو قد قام قائمنا  وتكلّم متكلّمنا لأبدا من أمورهما ما كان يكتم ولكتم  من أمورهما ما كان يظهر، واللّه ما أسّست  من بليّة ولا قضيّة تجري علينا أهل البيت إلّا هما سبب  أوّلها، فعليهما لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين.

و في تفسير العيّاشيّ : عن أبي جعفر- عليه السّلام- أنّه سئل عمّن قتل أمات؟قال: لا، الموت موت والقتل قتل.

قيل: ما أحد يقتل إلّا وقد مات.

فقال: قول اللّه أصدق من قولك، فرّق بينهما في القرآن قال: أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ وقال: لَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ وليس كما قلت: الموت والقتل قتل.

قيل: فإنّ اللّه يقول: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ.

قال: من قتل لم يذق الموت.

ثمّ قال: لا بدّ من أن يرجع حتّى يذوق الموت.

و عن زرارة  قال: كرهت أن أسال أبا جعفر- عليه السّلام- عن الرّجعة، واستخفيت ذلك، قلت: لأسألنّ مسألة لطيفة أبلغ فيها حاجتي، فقلت: أخبرني عمّن قتل أمات؟

قال: لا، الموت موت والقتل قتل.

قلت: ما أحد يقتل إلّا وقد مات.

فقال: قول اللّه أصدق من قولك، فرّق بينهما في القرآن فقال: أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ: وقال : وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ. وليس كما قلت يا زرارة: الموت موت والقتل قتل.

قلت: فإن اللّه يقول : كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ.

 

قال: من قتل لم يذق الموت. [ثم‏]  قال: لا بدّ من أن يرجع حتّى يذوق الموت.

وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً: من الضّرر يسيرا بارتداده، بل يضرّ نفسه.

وَ سَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ : كأمير المؤمنين- عليه السّلام- ومن يحذوا حذوه، شكروا اللّه على نعمة الإسلام وثبتوا عليها.

في كتاب الاحتجاج للطّبرسيّ- رحمه اللّه -: بإسناده إلى الإمام محمّد بن عليّ‏

 الباقر- عليه السّلام- عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- في حديث طويل، وفيه خطبة الغدير، وفيها: معاشر النّاس، أنذركم إنّي رسول اللّه إليكم ، قد خلت من قبلي الرّسل، أ فإن متّ أو قتلت انقلبتم على أعقابكم، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضرّ اللّه شيئا وسيجزي اللّه الشّاكرين، ألا وإنّ عليّا هو الموصوف بالصّبر والشّكر، ثمّ من بعده ولدي من صلبه.

و فيه  بإسناده قال عليّ- عليه السّلام- في خطبة له: إنّ اللّه ذا الجلال والإكرام، لمّا خلق الخلق  واختار خيرة من خلقه، واصطفى صفوة من عباده، وأرسل رسولا منهم، وأنزل عليه كتابه، وشرع له دينه، وفرض فرائضه، فكانت الجملة قول اللّه- جلّ ذكره- حيث أمر فقال: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فهو لنا أهل البيت خاصّة دون غيرنا، فانقلبتم على أعقابكم، وارتددتم، ونقضتم الأمر، ونكثتم العهد، ولم تضرّوا اللّه شيئا.

و في تفسير العيّاشيّ : عن عبد الصّمد بن بشير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: أ تدرون  مات النبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أو قتل؟ إنّ اللّه يقول: أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ.

 

ثمّ قال : إنّهما سقتاه قبل الموت

 

: (يعني: الامرأتين)  وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ: إلّا بمشيئته، أو بإذنه لملك الموت في قبض روحها، لا يستأخر ساعة بالإحجام عن القتال ولا يستقدم بالإقدام عليه. وفيه‏

تحريض وتشجيع على القتال، ووعد الرّسول بالحفظ وتأخير الأجل.

كِتاباً: مصدر، يفيد النّوع. إذ المعنى، كتب الموت كتابا.

مُؤَجَّلًا: صفة له، أي: مؤقّت، لا يتقدّم ولا يتأخّر.

وَ مَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها: تعريض بمن شغلته الغنائم يوم أحد.

وَ مَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ : الّذين شكروا نعمة اللّه، فلم يشغلهم شي‏ء عن الجهاد.

في مجمع البيان : عن الباقر- عليه السّلام-: أنّه أصاب عليّا- عليه السّلام- يوم أحد ستّون جراحة، وأنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أمر أمّ سليم  وأمّ عطيّة أن تداوياه، فقالتا: إنّا لا نعالج منه مكانا إلّا انفتق مكان، وقد خفنا  عليه. فدخل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- والمسلمون يعودونه وهو قرحة واحدة، فجعل يمسحه بيده ويقول: إنّ رجلا لقي هذا في اللّه فقد أبلى وأعذر. فكان القرح الّذي يمسحه رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يلتئم، فقال عليّ- عليه السّلام-: الحمد للّه إذ لم أفرّ ولم أولّ  الدّبر. فشكر اللّه له ذلك في موضعين من القرآن، وهو قوله: سَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [من الرزق في الدنيا]  وَسَنَجْزِي  الشَّاكِرِينَ.

 

وَ كَأَيِّنْ قيل : «أيّ» دخلت الكاف عليها وصارت بمعنى «كم» والنّون، تنوين أثبت في الخطّ على غير قياس.

و قرأ ابن كثير «و كائن» ككاعن. ووجهه، أنّه قلب الكلمة الواحدة، كقولهم:

رعملى، في «لعمري» فصار كيأن، ثم حذفت الياء الثّانية للتّخفيف، ثمّ أبدلت الياءالأخرى ألفا كما أبدلت من «طائي .»

مِنْ نَبِيٍّ: بيان له.

قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ: ربّانيّون علماء أتقياء.

و قيل  جماعات.

و الرّبّيّ، منسوب إلى الرّبّة ، وهي الجماعة، للمبالغة.

و في مجمع البيان : عن الباقر- عليه السّلام-: الرّبّيّون، عشرة آلاف.

و في تفسير العيّاشيّ : عن الصّادق- عليه السّلام- أنّه قرأ: «و كأيّن من نبيّ قتل معه ربّيّون كثير» قال: ألوف وألوف.

ثمّ قال: إي واللّه يقتلون.

و قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب: «قتل» وإسناده إلى «ربّيّون» أو ضمير النّبيّ. و«معه ربّيّون» حال عنه. ويؤيّد الأوّل أنّه قرئ بالتّشديد، وقرئ: «ربّيّون» بالفتح على الأصل، وبالضّمّ. وهي من تغييرات النّسب كالكسر .

فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: فما فتروا ولم ينكسر جدّهم، لما أصابهم من قتل النّبيّ أو بعضهم.

وَ ما ضَعُفُوا: عن العدوّ أو في الدّين، وَمَا اسْتَكانُوا: وما خضعوا للعدوّ. وأصل استكن، من السّكون، لأنّ الخاضع يسكن لصاحبه ليفعل به ما يريده، والألف من إشباع الفتحة. أو استكون، من الكون، لأنّه يطلب من نفسه أن يكون لمن يخضع له. وهذا تعريض بما أصابهم عند الإرجاف بقتله- عليه السّلام.

وَ اللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ : فينصرهم، ويعظّم قدرهم.

وَ ما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَناوَ انْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ : أي: وما كان قولهم من ثباتهم وقوّتهم في الدّين وكونهم ربّانيّين إلّا هذا القول، وهو إضافة الذّنوب والإسراف إلى أنفسهم، هضما لها، وإضافة لما أصابهم إلى سوء أعمالهم والاستغفار عنها. ثمّ طلب التّثبيت في مواطن الحرب والنّفرة على العدوّ، ليكون عن خضوع وطهارة، فيكون أقرب إلى الإجابة. وإنّما جعل قولهم خبرا، لأنّ «أن قالوا» أعرف لدلالته على جهة النّسبة وزمان الحدث.

فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ :

فآتاهم اللّه- بسبب الاستغفار واللّجأ إلى اللّه- النّصر، والغنيمة، والعزّ، وحسن الذّكر في الدّنيا، والجنّة والنّعيم في الآخرة. وخصّ ثوابها بالحسن، إشعارا بفضله، وأنّه المعتدّ به عنده.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ :

في مجمع البيان : عن أمير المؤمنين- عليه السّلام: نزلت في المنافقين، إذ قالوا للمؤمنين يوم أحد عند الهزيمة: ارجعوا إلى إخوانكم وارجعوا إلى دينهم.

و قيل : عامّ في مطاوعة الكفرة والنّزول على حكمهم، فإنه سيجر  الى موافقتهم.

بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ: ناصركم.

و قرئ، بالنصب، على تقدير: بل أطيعوا اللّه مولاكم .

وَ هُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ : فاستغنوا به عن ولاية غيره، ونصره.

سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ: يريد ما قذف في قلوبهم من الخوف يوم أحد، حتى تركوا القتال ورجعوا من غير سبب.

و نادى أبو سفيان: يا محمّد، موعدنا موسم بدر لقابل إن شئت.

فقال- عليه السّلام-: إن شاء اللّه.

و قيل : لمّا رجعوا وكانوا ببعض الطّريق، ندموا وعزموا أن يعودوا عليهم‏ليستأصلوهم، فألقى اللّه الرّعب في قلوبهم.

في مجمع البيان : عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: نصرت بالرّعب مسيرة شهر.

و في كتاب الخصال : عن أبي أمامة قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: فضّلت بأربع، نصرت بالرّعب مسيرة شهر يسير بين يدي.

عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: أعطيت خمسا لم يعطها أحد قبلي، جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ونصرت بالرّعب.

عن جابر بن عبد اللّه، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- حديث طويل ، يقول- عليه السّلام- فيه: قال لي اللّه- جلّ جلاله-: ونصرتك بالرّعب الّذي لم أنصر به أحدا قبلك .

و قرأ ابن عامر والكسائيّ ويعقوب: «الرّعب» بضمّتين على الأصل في كلّ القرآن .

بِما أَشْرَكُوا بِاللَّهِ: بسبب إشراكهم به، ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ: عليهم، سُلْطاناً أي: آلهة ليس على اشتراكها حجّة، ولم ينزل به عليهم سلطانا، وهو كقوله :

و لا ترى الضّبّ بها ينجحر.

و أصل السّلطنة، القوّة. ومنه: السّليط، لقوّة اشتعاله. والسّلاطة، لحدّة اللّسان.

وَ مَأْواهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ ، أي: مثواهم. الظّاهر فوضع المضمر، للتّغليظ والتّعليل.

وَ لَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ: أي: وعده إيّاهم بالنّصر، بشرط التّقوى والصّبر.و كان كذلك حتّى خالف الرّماة، فإنّ المشركين لمّا أقبلوا جعل الرّماة يرشقونهم والباقون يضربونهم بالسّيف، حتّى انهزموا والمسلمين على آثارهم.

إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ: تقتلونهم. من حسّه، إذا أبطل حسه.

حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ: جبنتم، وضعف رأيكم. أو ملتم إلى الغنيمة، فإنّ الحرص من ضعف العقل.

وَ تَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ، يعني: اختلاف الرّماة حين انهزم المشركون، فقال بعضهم:

فما موقفنا هاهنا. وقال الآخرون: لا نخالف أمر الرّسول. فثبت مكانه أميرهم في نفر دون العشرة، ونفر الباقون للنّهب. وهو المعنى بقوله:

وَ عَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ: من الظّفر والغنيمة، وانهزام العدوّ.

و جواب «إذا» محذوف، وهو «امتحنكم».

مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا: وهم التّاركون المركز للغنيمة.

وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ: وهم الثّابتون ، محافظة على أمر الرّسول.

 [و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله: حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا يعني، أصحاب عبد اللّه بن جبير، الّذين تركوا مراكزهم  وفرّوا  للغنيمة. قوله: وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ يعني، عبد اللّه بن جبير وأصحابه، الّذين بقوا حتّى قتلوا.]

ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ: ثمّ كفّكم عنهم، حتّى خالف الحال، فغلبوكم ، لِيَبْتَلِيَكُمْ: على المصائب، ويمتحن ثباتكم على الإيمان عندها.

وَ لَقَدْ عَفا عَنْكُمْ: تفضّلا، ولما علم من ندمكم على المخالفة.

وَ اللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ : بتفضّله عليهم بالعفو، أو في الأحوال كلّها، سواء أديل لهم أو عليهم، إذ الابتلاء أيضا رحمة، إِذْ تُصْعِدُونَ: متعلّق «بصرفكم» أو «بيبتليكم» أو بمقدّر كما ذكروا.

و الإصعاد، الذّهاب والإبعاد في الأرض. يقال: أصعدنا من مكّة إلى المدينة.وَ لا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ: لا يقف أحد لأحد، ولا ينتظره، وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ: كان يقول: إليّ عباد اللّه، أنا رسول اللّه، من يكرّ فله الجنّة، فِي أُخْراكُمْ: في ساقتكم وجماعتكم الأخرى، فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ: فجازاكم اللّه عن فشلكم وعصيانكم، غمّا متّصلا بغمّ.

في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- [في قوله: فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍ‏]  فأمّا الغمّ الأوّل فالهزيمة والقتل، والغمّ الآخر فإشراف خالد بن الوليد عليهم.

لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ: من الغنيمة، وَلا: على ما أَصابَكُمْ: من قتل إخوانكم.

و قيل : «لا» مزيدة، والمعنى: لتأسفوا على ما فاتكم من الظّفر والغنيمة، وعلى ما أصابكم في الجرح والهزيمة عقوبة لكم.

و قيل: الضّمير في «أثابكم» للرّسول، أي: فآساكم في الاغتمام، فاغتمّ بما نزل عليكم كما اغتممتم بما نزل عليه، ولم يثربكم على عصيانكم تسلية لكم، لكيلا تحزنوا على ما فاتكم من النّصر، ولا على ما أصابكم من الهزيمة.

وَ اللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ  عالم بأعمالكم، وبما قصدتم بها.

 [و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ من الغنيمة، ولا على ما أَصابَكُمْ، يعني، قتل إخوانهم. وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ.]

 

ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً: أنزل اللّه عليكم الأمن حتّى أخذكم النّعاس.

و عن أبي طلحة : غشينا النّعاس في المصافّ حتّى كان السّيف يسقط من‏يد أحدنا، فيأخذه ثمّ يسقط، فيأخذه.

و الأمنة، الأمن. نصب، على المفعول. ونعاسا، بدل منها. أو هو المفعول، و«أمنة» حال منه متقدّمة. أو مفعول له. أو حال من المخاطبين، بمعنى، ذوي أمنة. أو على أنّه، جمع آمن، كبارّ وبررة.

و قرئ: أمنة، بسكون الميم، كأنّها المرّة من الأمن.

 [و في تفسير العيّاشيّ : عن الحسين بن أبي العلا، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- وذكر يوم أحد-: أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- كسرت رباعيّته، وأنّ النّاس ولّوا مصعدين في الوادي والرّسول يدعوهم في أخراهم فأثابهم غمّا بغمّ، ثمّ أنزل عليهم النّعاس.

 

فقلت: النّعاس ما هو؟

قال: الهمّ، فلمّا استيقظوا قالوا: كفرنا.

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.]

يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ، أي: النّعاسّ.

و قرأ حمزة والكسائيّ، بالتّاء، ردّا على الأمنة. والطّائفة، المؤمنون حقّا .

وَ طائِفَةٌ: هم المنافقون، قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ: أوقعتهم  أنفسهم في الهموم، أو ما بهم إلّا هم أنفسهم وطلب خلاصها، يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ: صفة أخرى «لطائفة» أو حال. أو استئناف، على وجه البيان لما قبله.

و «غير الحقّ» نصب على المصدر، أي: يظنّون باللّه غير الظّنّ الحقّ الّذي يحقّ أن يظنّ به.

و «ظنّ الجاهليّة» بدل، وهو الظّنّ المختصّ بالملّة الجاهليّة وأهلها.

يَقُولُونَ، أي: لرسول اللّه. وهو بدل من «يظنّون».

هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْ‏ءٍ: ممّا أمر اللّه، ووعده من النّصر والظّفر نصيب‏قطّ.

و قيل : أخبر ابن أبيّ بقتل بني الخزرج، فقال ذلك.

و المعنى: إنّا منعنا تدبير أنفسنا وتصريفها باختيارنا، فلم يبق لنا من الأمر شي‏ء أوهل يزول عنّا هذا القهر، فيكون لنا من الأمر شي‏ء قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ، أي: الغلبة الحقيقيّة للّه وأوليائه، فإنّ حزب اللّه هم الغالبون. أو القضاء له، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. وهو اعتراض.

و قرأ ابو عمرو ويعقوب «كلّه» بالرّفع، على الابتداء .

يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ: حال، من ضمير «يقولون»، أي: يقولون مظهرين أنّهم مسترشدون طالبون للنّصر، مبطنين الإنكار والتّكذيب.

يَقُولُونَ، أي: في أنفسهم، أو إذا خلا بعضهم إلى بعض. وهو بدل من «يخفون.» أو استئناف، على وجه البيان له.

لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْ‏ءٌ: كما وعد محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- وزعم، متوصّلا أنّ الأمر كلّه للّه- تعالى- ولأوليائه. أ ولو كان لنا اختيار وتدبير لم نبرح، كما كان ابن أبيّ وغيره.

ما قُتِلْنا هاهُنا: لما غلبنا، ولما قتل من قتل منّا في هذه المعركة.

قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ، أي:

لخرج الّذين قدّر اللّه عليهم القتل وكتب في اللّوح المحفوظ إلى مصارعهم، ولم ينفع الإقامة بالمدينة، ولم ينج منه أحد، فإنّه قدّر الأمور ودبّرها في سابق قضائه، لا معقّب لحكمه.

وَ لِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ: ليمتحن ما في صدوركم، ويظهر سرائرها من الإخلاص والنّفاق. وهو علّة فعل محذوف، أي: وفعل ذلك ليبتلي. أو عطف على محذوف، أي، لبرز لنفاذ القضاء، أو لمصالح جمّة وللابتلاء. أو على قوله: لكيلا تحزنوا.

وَ لِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ: وليكشفه ويميّزه، أو يخلّصه عن الوساوس.

وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ : بخفيّاتها قبل إظهارها. وفيه وعد ووعيد، وتنبيه على أنّه غنيّ عن الابتلاء، وإنّما فعل ذلك لتمرين المؤمنين وإظهار حال المنافقين.

إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ: انهزموا يوم أحد.و الجمعان، جمع المسلمين وجمع المشركين.

إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ: حملهم على الزّلة، بِبَعْضِ ما كَسَبُوا: من معصيتهم النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- بترك المركز والحرص على الغنيمة وغير ذلك، فمنعوا التّأييد وقوّة القلب.

 [و في تفسير عليّ بن إبراهيم

: قوله: إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ أي، خدعهم  حتّى طلبوا الغنيمة. بِبَعْضِ ما كَسَبُوا قال: بذنوبهم.

و في تفسير العيّاشيّ  عن زرارة وحمران ومحمّد بن مسلم، عن أحدهما- عليهما السّلام- في قوله: إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا فهو عقبة بن عثمان، وعثمان بن سعد.

]

عن عبد الرّحمن  بن كثير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- [في قوله إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا]  قال: هم أصحاب العقبة.

وَ لَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ: لتوبتهم واعتذارهم.

إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ: للذّنوب.

حَلِيمٌ : لا يعاجل بعقوبة المذنب، كي يتوب.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا، يعني: المنافقين.

وَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ: لأجلهم وفيهم. ومعنى إخوتهم، اتّفاقهم في النّسب، أو المذهب.

إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ: إذا سافروا فيها وأبعدوا للتّجارة، أو غيرها. وكان حقّه «إذ» لقوله: «قالوا» لكنّه جاء على حكاية الحال الماضية.

أَوْ كانُوا غُزًّى: جمع، غاز كعاف، وعفّى.

لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا: مفعول «قالوا» وهو يدلّ على أنّ إخوانهم، لم يكونوا مخاطبين به.

لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ: متعلّق «بقالوا» على أنّ اللّام، لام‏العاقبة، مثلها في لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً. أولا تكونوا مثلهم في النّطق بذلك القول والاعتقاد، ليجعله حسرة في قلوبهم خاصّة.

 [ «فذلك» إشارة إلى ما دلّ عليه قولهم من الاعتقاد.

و قيل : إلى ما دلّ عليه النّهي، أي، لا تكونوا مثلهم، ليجعل اللّه انتفاء كونكم مثلهم حسرة في قلوبهم،]  فإنّ مخالفتهم ومضادّتهم  مما يغمّهم.

وَ اللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ: ردّ لقولهم، أي: هو المؤثّر في الحياة والممات، لا الإقامة والسّفر، فإنّه- تعالى- قد يحيي المسافر والغازي ويميت المقيم والقاعد.

وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ : تهديد للمؤمنين على أن يماثلوهم.

و قرأ ابن كثير وحمزة والكسائيّ، بالياء، على أنّه وعيد للذين كفروا .

وَ لَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ: في سبيله.

و قرأ نافع وحمزة والكسائيّ، بكسر الميم، من مات يمات .

لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ : جواب القسم. وهو سادّ، مسدّ الجزاء، والمعنى: أنّ السّفر والغزو ليس ممّا يجلب الموت ويقدّم الأجل، وإن وقع ذلك في سبيل اللّه، فما تنالون من المغفرة والرّحمة بالموت خير ممّا تجمعون من الدّنيا ومنافعها لو لم تموتوا.

و في تفسير العيّاشيّ : عن عبد اللّه بن المغيرة [، عمّن حدّثه، عن جابر،]  عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سئل عن قول اللّه: وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ.

قال: أ تدري يا جابر ما سبيل اللّه؟

فقلت: لا واللّه إلّا أن أسمعه منك.

قال: سبيل اللّه عليّ- عليه السّلام- وذرّيّته، فمن  قتل في ولايته قتل في سبيل اللّه، ومن مات في ولايته مات في سبيل اللّه.

و في كتاب معاني الأخبار : أبي- رحمه اللّه- قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن سنان، عن عمّار بن مروان، عن المنخل، عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سألته عن هذه الآية في قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ.

 

قال: فقال: أ تدري ما سبيل اللّه؟

قال: لا واللّه إلّا أن أسمعه منك.

قال: سبيل اللّه عليّ- عليه السّلام - وذرّيّته، و«سبيل اللّه » من قتل في ولايته قتل في سبيل اللّه، ومن مات في ولايته مات في سبيل اللّه.

و قرأ حفص، بالياء .

وَ لَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ: على أي وجه اتّفق هلاكهم، لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ  لإلى معبودكم الّذي توجّهتم إليه وبذلتم مهجكم لأجله لا إلى غيره، لا محالة تحشرون فيوفيّ جزاءكم ويعظّم ثوابكم.

و قرأ نافع وحمزة والكسائيّ: «متّم» بالكسر .

فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ، أي: فبرحمة. و«ما» مزيدة للتّأكيد. والدّلالة على أنّ لينه لهم ما كان إلّا برحمة من اللّه، وهو ربطه على جأشه وتوفيقه للرّفق بهم، حتّى اغتمّ لهم بعد  أن خالفوه.

وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا: سيّ‏ء الخلق، جافيا، غَلِيظَ الْقَلْبِ: قاسيه، لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ: لتفرّقوا عنك، ولم يسكنوا إليك.

فَاعْفُ عَنْهُمْ: فيما يختصّ بك، وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ: فيما للّه.

و في تفسير العيّاشيّ : عن صفوان قال: استأذنت لمحمّد بن خالد على  الرّضاأبي الحسن- عليه السّلام- وأخبرته أنّه ليس يقول بهذا القول، وأنّه قال: واللّه لا أريد بلقائه إلّا لأنتهي إلى قوله.

فقال أدخله، فدخل.

فقال له: جعلت فداك، أنّه كان فرط منّي شي‏ء وأسرفت على نفسي، وكان فيما يزعمون أنّه كان بعينه ، فقال : وأنا  أستغفر اللّه ممّا كان منّى، فأحبّ أن تقبل عذري وتغفر لي ما كان منّي.

فقال: نعم أقبل، إن لم أقبل كان إبطال ما يقول  هذا وأصحابه- وأشار إليّ بيده- ومصداق ما يقول الآخرون، يعني، المخالفين. قال اللّه لنبيّه- عليه وآله السّلام-:

فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ. ثمّ سأله عن أبيه، فأخبره أنّه قد مضى، واستغفر له.

وَ شاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ: في أمر الحرب، إذا الكلام فيه. أو فيما يصحّ أن يشاور فيه، استظهارا برأيهم، وتطيّبا لنفوسهم، وتمهيدا لسنّة المشاورة للأمّة.

و في نهج البلاغة : قال- عليه السّلام- من استبدّ برأيه هلك، ومن شاور الرّجال شاركها في عقولها.

و فيه : قال- عليه السّلام-: والاستشارة عين  الهداية، فقد خاطر من استغنى برأيه.

و في كتاب التّوحيد ، بإسناده إلى أبي البختريّ، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ- عليه السّلام- عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- حديث طويل، وفيه: لا وحدة أوحش من العجب، ولا مظاهرة أوثق من المشاورة.

و في كتاب الخصال . عن محمّد بن آدم، عن أبيه- بإسناده- قال: قال‏

 رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: يا عليّ، لا تشاورنّ جبانا فإنه يضيق عليك المخرج، ولا تشاورنّ البخيل فإنّه يقصر بك عن غايتك، ولا تشاورنّ حريصا فإنّه يزيّن لك شرّها .

و فيه ، في الحقوق المرويّة، عن عليّ بن الحسين- عليه السّلام- وحقّ المستشير إن علمت له رأيا أشرت عليه، وإن لم تعلم أرشدته إلى من يعلم. وحقّ المشير عليك  أن لا تتّهمه فيما لا يوافقك من رأيه، فإن وافقك حمدت اللّه.

و عن سفيان الثّوريّ  قال: لقيت الصّادق [بن الصّادق‏]  جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- فقلت له: يا بن رسول اللّه أوصني.

فقال لي: يا سفيان، لا مرؤة لكذوب - إلى قوله-: وشاور في أمرك الّذين يخشون اللّه.

 [فَإِذا عَزَمْتَ: فإذا وطّنت نفسك على شي‏ء بعد الشّورى.

فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ: في إمضاء أمرك على ما هو أصلح لك، فإنه لا يعلم سواه.

و قرئ: فإذا عزمت على التّكلّم، أي: فإذا عزمت لك على شي‏ء وعيّنته لك، فتوكّل عليّ ولا تشاور فيه  أحدا.

إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ : فينصرهم ويهديهم إلى الصّلاح.]

في تفسير العيّاشيّ : أحمد بن محمّد، عن عليّ بن مهزيار قال: كتب إليّ أبو جعفر- عليه السّلام- أن سل فلانا أن يشير عليّ ويتخيّر لنفسه، فهو يعلم ما يجوز في بلده، وكيف يعامل السّلاطين، فإنّ المشورة مباركة، قال اللّه لنبيّه- صلّى اللّه عليه وآله- في محكم كتابه: فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ، فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ فإن كان ما يقول ممّا يجوز كنت أصوّب رأيه ، وإن كان غير ذلك رجوت أن أضعه على الطّريق الواضح- إن شاء اللّه- وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ قال: يعني:الاستخارة.

إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ: فلا أحد يغلبكم.

وَ إِنْ يَخْذُلْكُمْ، كما خذلكم يوم أحد، فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ: من بعد خذلانه، أو من بعد اللّه، بمعنى: إذا جاوزتموه فلا ناصر لكم. وهذا تنبيه، على المقتضي للتّوكّل. وتحريض، على ما يستحقّ به النّصر من اللّه. وتحذير، عمّا يستجلب بخذلانه.

و في كتاب التّوحيد : بإسناده إلى عبد اللّه بن الفضل الهاشميّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه: فقلت: قوله- عزّ وجلّ-: وما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ وقوله- عزّ وجلّ-: إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ.

فقال: إذا فعل العبد ما أمره اللّه- عزّ وجلّ- به من الطّاعة كان فعله وفقا لأمر اللّه- عزّ وجلّ- وسمّي العبد به موفّقا، وإذا أراد العبد أن يدخل  في شي‏ء من معاصي اللّه فحال اللّه- تبارك وتعالى- بينه وبين تلك المعصية فتركها كان تركه لها  بتوفيق اللّه- تعالى ذكره- ومتى خلّى بينه وبين المعصية فلم يحل بينه وبينها حتّى يرتكبها فقد خذله ولم ينصره ولم يوفّقه.