سورة آل عمران الآية 21-40

إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ : هم أهل الكتاب الّذين في عصره قتل أوّلوهم الأنبياء ومتابعيهم ورضوا به وقصدوا قتل النّبيّ والمؤمنين ولكن اللّه  عصمهم.

و نقل

: أنّ بني إسرائيل قتلوا ثلاثة وأربعين نبيّا من أوّل النّهار في ساعة واحدة،

فقام مائة واثنا عشر رجلا من عبّاد بني إسرائيل فأمروا من قتلتهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر، فقتلوا جميعا من آخر النّهار [في ذلك اليوم. وهو الذي ذكره اللّه تعالى‏] .

و قرأ حمزة «يقاتلون الّذين» فبشّرهم خبر المبتدأ، ودخول الفاء لتضمّن المبتدأ معنى الشّرط. ويمنع سيبويه دخول الفاء في خبر إنّ، كليت ولعلّ، ولذلك قيل: الخبر .

أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ، كقولك: زيد فافهم رجل صالح، وبينه وبينهما فرق فإنّها لا تغيّر معنى الجملة بخلافهما، وقد دخلت الفاء في خبر إنّ في قوله: إنّ الموت الّذي تفرّون منه فإنّه ملاقيكم.

وَ ما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ : في الدّنيا يدفع عنهم الخزي واللّعن، وفي الآخرة يدفع عنهم العذاب. وفي إيراد الجمع إشعار بأنّ خزيهم وعذابهم عظيم، على تقدير وجود النّاصرين لا يمكن لواحد منهم دفعه.

و في كتاب الخصال : عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: لن يعمل ابن آدم عملا أعظم عند اللّه- تبارك وتعالى- من رجل قتل نبيّا، أو إماما، أو هدم الكعبة الّتي جعلها اللّه تعالى قبلة لعباده، أو أفرغ ماءه في امرأة حراما.

و فيه  فيما علّم أمير المؤمنين- عليه السّلام- أصحابه: احذروا السّفلة، فان السّفلة من لا يخاف اللّه، ففيهم  قتلة الأنبياء، وهم  أعداؤنا.

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر، عن يونس بن ظبيان قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول:

 

قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: إنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول: ويل للّذين يجتلبون  الدّنيا بالدّين [و]  ويل للّذين يقتلون الّذين يأمرون بالقسط من الناس، وويل للّذين يسير المؤمن فيهم بالتّقيّة. أبي يغترّون أم عليّ يجترءون؟ فبي حلفت لأتيحن لهم فتنة تترك‏الحليم منهم حيرانا .

أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً، أي: حظّا وافرا. والتّنكير للتّعظيم.

مِنَ الْكِتابِ، أي: التّوراة، أو جنس الكتب السّماويّة. ومن للتّبعيض، أو التّبيين .

يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ، أي: يدعوهم محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- إلى القرآن ليحكم بينهم، أو التّوراة لما

نقل

: انّه- عليه الصّلاة والسّلام- دخل مدارسهم فقال له نعيم بن عمرو والحارث بن زيد: على أيّ دين أنت؟

فقال: على دين إبراهيم.

فقال له نعيم : إنّ إبراهيم كان يهوديّا.

فقال: هلمّوا إلى التّوراة ليحكم  بيننا وبينكم، فأبيا.

 [فنزلت‏] .

و قيل: نزلت في الرّجم. وقد اختلفوا فيه.

و قرئ ليحكم على البناء للمفعول، فيكون الاختلاف فيما بينهم .

ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ: استبعاد لتولّيهم، مع علمهم بأنّ الرّجوع إليه واجب.

وَ هُمْ مُعْرِضُونَ : حال من فريق لتخصيصه بالصّفة، أي: وهم قوم عادتهم الإعراض عن الحقّ، وهو نهاية التّقريع .

ذلِكَ، أي: الإعراض.

بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ: بسبب تسهيلهم امر العذاب، وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ : من قولهم السّابق، أو أنّ آباءهم الأنبياء يشفعون لهم، أو أنّه تعالى وعد يعقوب أن لا يعذّب أولاده إلّا تحلّة القسم. وتكرير الكذب والافتراء، يصيّره في صورة الصّدق، عند قائله ومفتريه.

فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ: تكذيب لقولهم: لن تمسّنا النّار إلَّا أيّاما، ولغرورهم بما كانوا يفترون.وَ وُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ: جزاء ما كسبت.

قال البيضاويّ : وفيه دليل على أنّ العبادة لا تحبط، وأنّ المؤمن لا يخلّد في النّار، لأنّ توفية إيمانه وعمله لا يكون  في النّار ولا قبل دخولها، فإذن هي بعد الخلاص [منها.]

و يردّ عليه في الأوّل، أنّه على تقدير الإحباط، يصدق على النّفس المحسنة الّتي أحبطت حسنتها  بالسّيِّئة الّتي صدرت عنها أنّها وفيت ما كسبت، بمعنى أنّها لحسنتها لم تعاقب بالسّيّئة الّتي صدرت عنها. وفي الثّاني، أنّه يمكن توفية  إيمانه وعمله في النّار، بأن يخفّف عذابه عن قدر ما ينبغي لسيئته، لإيمانه وعمله.

و التّحقيق أنّ المؤمن، يعني، الموالي للأئمّة- عليهم السّلام- لا يدخل النّار، وغيره يدخل ولا يخرج. ومناط الإيمان ما جعله اللّه ورسوله إيمانا، لا ما جعله كلّ حزب إيمانا وعدّه عملا صالحا، فكم ممّن يعدّ نفسه مؤمنا وهو مؤمن بنفسه وهواه، وكم ممّن يعد نفسه مواليا فهو ممّن يوالي الشّيطان.

وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ :

الضّمير لكلّ نفس على المعنى، لأنّه في معنى كلّ إنسان.

قُلِ اللَّهُمَّ:

الميم عوض عن حرف النّداء، ولذلك لا يجتمعان، وقد وقع في الشّعر ضرورة، وهو من خصائص هذا الاسم كدخولها عليه مع لام التّعريف، وقطع همزته وتاء القسم.

و قيل : أصله «يا اللّه آمنّا بخير»، مخفّف بحذف حرف النّداء ومتعلّقات الفعل وهمزته.

مالِكَ الْمُلْكِ: على الحقيقة، وهو صفة للّه. وعند سيبويه، نداء ثان، فإنّ الميم عنده تمنع الوصفيّة.

تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ، أي: تعطي منه  ما تشاء من تشاء، وتستردّ. فالملك الأوّل عامّ، والأخيران بعضان منه.و قيل : المراد بالملك، النّبوّة. ونزعها، نقلها من قوم إلى قوم.

و في روضة الكافي : بإسناده إلى عبد الأعلى- مولى آل سام- عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قلت له: قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ، أليس قد أتى اللّه- عزّ وجلّ- بني أميّة الملك؟

قال: ليس حيث تذهب ، إنّ اللّه- عزّ وجلّ- أتانا الملك وأخذته بنو أميّة، بمنزلة الرّجل يكون له الثّوب فيأخذه الآخر، فليس هو الذي أخذه.

فالمراد بإيتاء الملك بناء على هذا الخبر جعل الملك لأحد وجعله جائز التّصرّف فيه، لا التسلّط  على الملك كما يتوهّم بعض الأوهام وذهب إليه وهو  مولى آل سام ، وهو الآن لمن جعل اللّه الملك له وجعله قائما فيه.

وَ تُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ: في الدّنيا، أو في الآخرة، أو فيهما، بالنّصر والإدبار، والتّوفيق والخذلان.

بِيَدِكَ الْخَيْرُ، أي: ما هو فعلك خير، والشّرّ ممّا يرجع إلينا، مع كون الشّرّ مقدورا لك أيضا.

إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ : خيرا كان أو شرّا، لكنّ ما يصدر عن يدك وقدرتك هو الخير، هذا. وقال البيضاويّ : ذكر الخير وحده لأنّه المقضى  بالذّات، والشّرّ مقضي  بالعرض، إذ لا يوجد شرّ جزئيّ ما لم يتضمّن خيرا كليّا. أو لمراعاة الأدب في الخطاب. أو لأنّ الكلام وقع فيه، إذ

روي: أنّه- عليه الصّلاة والسّلام- لمّا خطّ الخندق، وقطع لكلّ عشرة أربعين ذراعا، وأخذوا يحفرون، فظهر فيه صخرة عظيمة لم يعمل فيها  المعاول، فوجّهوا سلمان إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يخبره، فجاء- عليه السّلام- فأخذ المعول منه، فضربها ضربة صدّعتها، وبرق منها برق  أضاء ما بين‏لابتيها لكأنّ [بها]  مصباحا في جوف بيت مظلم ، فكبّر وكبّر معه المسلمون وقال:

أضاءت لي [منها قصور الحيرة كأنّها أنياب الكلاب. ثمّ ضرب الثّانية فقال: أضاءت لي منها القصور الحمر من أرض الرّوم. ثمّ ضرب الثّالثة فقال: أضاءت لي‏]  [منها]  قصور صنعاء، وأخبرني جبرئيل أنّ أمّتي ظاهرة على كلّها فأبشروا.

فقال المنافقون: ألا تتعجّبون يمنّيكم ويعدكم الباطل، ويخبركم أنّه يبصر من يثرب قصور الحيرة [و مدائن كسرى‏]  وأنّها تفتح  لكم، وأنتم [إنّما]  تحفرون الخندق من الفرق.

فنزلت، ونبّه على أنّ الشّرّ أيضا بيده بقوله: [إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ.

انتهى كلامه، وهذا بناء على زعمه الكاسد ممّا ذهب إليه الأشعريّة، من أنّ الخير والشّرّ كليهما من أفعال اللّه- تعالى-.]

تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا، بل ما يصدر عنه تعالى ممّا ظاهره الشّرّ من التّعذيب والخزي والإماتة والتّحريض وغير ذلك، فهو خير في الواقع وحسن بالنّظر إلى مصالحه وحكمه، كيف والشّرّ قبيح يقبح صدروه عنه تعالى.

تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ، أي: تزيد في النّهار وتنقص من اللّيل وبالعكس، أو تعقّب أحدهما الآخر. والولوج، الدّخول في مضيق.

و في كتاب الإهليلجة : قال الصّادق- عليه السّلام، بعد أن ذكر اللّيل والنّهار- يلج أحدهما في الأخر [حتّى‏]  ينتهي كلّ واحد منهما إلى غاية معروفة محدودة  في الطّول والعرض ، على مرتبة ومجرى واحد.

وَ تُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ: تنشئ الحيوانات من موادّها وتميتها، أو تخرج الحيوان من النّطفة منه، أو تخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن.و في كتاب معاني الأخبار : وسئل الحسن بن عليّ بن محمّد- عليهم السّلام- عن الموت ما هو؟

فقال: هو التّصديق بما لا يكون.

حدّثني أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن الصّادق- عليه السّلام- قال: إنّ المؤمن إذا مات لم يكن ميّتا، فإنّ الميّت هو الكافر، إنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول : يخرج الحيّ من الميّت ويخرج الميّت من الحيّ، [يعني المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن.

و في مجمع البيان

: تخرج الحّي من الميّت وتخرج الميّت من الحيّ‏]  قيل: إنّ معناه يخرج  المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن. وروي ذلك عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه- عليهما السّلام-.

و قرأ ابو عمرو وابن عامر وأبو بكر «الميت» بالتّخفيف .

وَ تَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ :

في مهج الدّعوات : عن أسماء بنت زيد قالت: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: اسم اللّه الأعظم الّذي إذا دعي به فأجاب: قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ- إلى- بِغَيْرِ حِسابٍ.

و قد مرّ في أوّل الفاتحة ما يدلّ على فضل هذه الآية أيضا.

لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ: نهي عن موالاتهم والاستعانة بهم.

مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ: في موضع الصّفة لأولياء، أو الحال إن جوزت عن النّكرة، والمعنى: أنّهم لا يتّخذوهم أولياء بدل المؤمنين، فيكون إشارة إلى أنّ المؤمنين أحقّاء بالموالاة، وفي موالاتهم مندوحة عن موالاة الكفرة، فإنّ اللّه وليّ الذين آمنوا.

وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ: أي اتّخاذ الكافرين أولياء.

فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْ‏ءٍ: من الولاية، لأنّه ترك موالاة المؤمنين الّذين وليّهم اللّه ووالى عدوّ اللّه.إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً، أي: لا يجوز موالاتهم في شي‏ء من الأحوال إلّا في حالة أن تتّقوا منهم، أي: تخافوا من جهتهم.

و تقاة، مصدر. إمّا بمعنى ما يجب اتقاؤه فيكون مفعولا به، أو بمعناه فيكون مفعولا مطلقا. والفعل معدّى بمن، لأنّه في معنى تحذروا وتخافوا. وقرأ يعقوب: تقيّة.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رحمه اللّه- عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- في حديث طويل يقول فيه- عليه السّلام- لبعض اليونانيّين: وآمرك أن تستعمل التّقيّة  في دينك، فإنّ اللّه يقول: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْ‏ءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً [...] وإيّاك ثمّ إيّاك أن تتعرّض للهلاك ، وان تترك التّقيّة الّتي أمرتك بها، فإنّك شائط بدمك ودم  إخوانك، معرّض لنعمك ولنعمهم للزّوال ، مذلّ لك ولهم  في أيدي أعداء اللّه  وقد أمرك  بإعزازهم.

و في تفسير العيّاشيّ : عن الحسين بن زيد بن عليّ، عن جعفر بن محمّد [عن أبيه عليهما السّلام‏]  قال: كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يقول: لا إيمان لمن لا تقيّة له، ويقول: فإنّ  اللّه يقول : إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أدينة، عن إسماعيل الجعفيّ ومعمّر بن يحيى بن سام  ومحمّد بن مسلم وزرارة قالوا: سمعنا أبا جعفر- عليه السّلام- يقول: التّقيّة في كلّ شي‏ء يضطرّ إليه ابن آدم، فقد أحلّه  اللّه له.

عليّ بن إبراهيم : عن محمّد بن عيسى، عن يونس ، عن ابن مسكان، عن‏

 حريز، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال: التّقيّة ترس  اللّه بينه وبين خلقه.

وَ يُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ في موالاة الكفّار من غير ضرورة وترك التّقيّة في حال الضّرورة. وذكر «النفس» ليعلم أنّ المحذّر منه عقاب منه، وهو تهديد عظيم مشعر بتناهي النّهي عنه في القبح.

وَ إِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ : تأكيد للتّهديد، وإتيان الظّاهر موضع الضّمير للمبالغة.

قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ: يعلم السّرّ منكم والعلن.

وَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ: فيعلم ما تضمرونه وما تخفونه.

وَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ : فيقدر على تعذيبكم وخزيكم ان لم تنتهوا عن ما نهيتم عنه.

يَوْمَ: منصوب «بتودّ» أو «اذكر» مضاف إلى تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً، أي: تجد صحائف أعمالها، أو جزاء أعمالها من الخير حاضرا.

وَ ما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ أي: محضرا، تَوَدُّ: حال، على تقدير تعلّق «يوم» باذكر من الضّمير في «عملت» أو خبر «لما عملت من سوء» و«تجد» مقصور على «ما عملت من خير» ولا تكون «ما» شرطيّة لارتفاع «تودّ».

و قرئ «ودّت» وعلى هذا يحتمل أن تكون «ما» شرطيّة .

لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً: بتأويل المصدر مفعول «تودّ»، أي: تودّ كون الأمد البعيد بينها وبين عملها.

وَ يُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ: التّكرير للتّوكيد.

وَ اللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ : إشارة إلى أنّ النّهي للرّأفة، رعاية لمصالحهم. وأنّه لذو مغفرة وذو عقاب، فيجب أن يرجى رحمته، ويخشى عقابه.

قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي:المحبّة، ميل النّفس إلى الشي‏ء، لكمال أدرك فيه، بحيث يحملها على ما يقرّبه إليه. ومحبّة العباد للّه مجاز عن إرادة نفوسهم اختصاصه بالعبادة دون غيره، ورغبتهم  فيها، وهي مستلزمة لاتّباع الرّسول في جميع ما جاء به ومن جملته، بل العمدة فيه اتّباع الأئمّة- عليهم السّلام-.

يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ: جواب للأمر، أي: يرضى عنكم ويتجاوز عن ذنوبكم. عبّر عن ذلك بالمحبّة على طريق الاستعارة، أو المقابلة.

و في روضة الكافي : بإسناده إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في حديث طويل يقول فيه- عليه السّلام-: ومن سرّه أن يعلم أنّ اللّه يحبّه فليعمل بطاعة اللّه وليتّبعنا، أ لم يسمع قول اللّه- عزّ وجلّ- لنبيّه- صلّى اللّه عليه وآله: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ. واللّه لا يطيع اللّه عبد أبدا إلّا أدخل اللّه عليه في طاعته اتّباعنا، ولا واللّه لا يتّبعنا عبد أبدا إلّا أحبّه اللّه [و]  لا واللّه لا يدع  أحد اتّباعنا أبدا إلا أبغضنا ولا واللّه لا يبغضنا أحد أبدا إلّا عصى اللّه، ومن مات عاصيا للّه أخزاه [اللّه‏]  وأكبّه على وجهه في النّار، والحمد للّه ربّ العالمين.

و فيها خطبة لأمير المؤمنين- عليه السّلام- وهي خطبة الوسيلة ، يقول فيها- عليه السّلام- بعد أن ذكر النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله:-: فقال تبارك وتعالى- في التّحريض على اتّباعه والتّرغيب في تصديقه والقبول لدعوته: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ، فاتّباعه- صلّى اللّه عليه وآله- محبّة اللّه، ورضاه غفران الذّنوب وكمال الفوز ووجوب الجنّة.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن القاسم بن محمدّ [و عليّ بن محمّد، عن القاسم بن محمّد]  عن سليمان بن داود المنقريّ، عن حفص بن غياث، عن أبي عبد اللّه‏

 

- عليه السّلام- قال: قال [...] إنّي لأرجو النّجاة لمن عرف حقّنا من هذه الأمّة إلّا لأحد ثلاثة: صاحب سلطان جائر، وصاحب هوى، والفاسق المعلن. ثمّ تلا: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ. ثمّ قال: يا حفص الحبّ أفضل من الخوف. ثمّ قال: واللّه ما أحبّ [اللّه‏]  من أحبّ الدّنيا ووالى غيرنا، ومن عرف حقّنا وأحبّنا فقد أحبّ اللّه- تبارك وتعالى-.

و في كتاب الخصال : عن سعيد بن يسار قال: قال [لي‏]  أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: هل الدّين إلّا الحبّ، إنّ اللّه تعالى يقول: [قُلْ‏] : إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ.

 

و عن يونس بن ظبيان قال: قال الصّادق جعفر بن محمّد- عليهما السّلام-:

إنّ النّاس يعبدون اللّه تعالى على ثلاثة أوجه: فطبقة يعبدونه رغبة في ثوابه فتلك عبادة الحرصاء وهو الطّمع، وآخرون يعبدونه  فرقا من النّار فتلك عبادة العبيد وهي الرّهبة، ولكّني أعبده حبّا له فتلك عبادة الكرام وهو الأمن لقوله تعالى : وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ ولقوله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ.

 

فمن أحبّ اللّه أحبّه اللّه، ومن أحبّه اللّه كان من الآمنين.

و في تفسير العيّاشيّ : عن زياد، عن أبي عبيدة الحذّاء قال: دخلت على أبي جعفر- عليه السّلام- فقلت: بأبي أنت وامّي ربّما خلا بي الشّيطان فخبثت نفسي، ثمّ ذكرت حبّي إيّاكم وانقطاعي إليكم فطابت نفسي.

فقال: يا زياد ويحك وما الدّين إلّا الحبّ أ لا ترى إلى قول- اللّه تعالى- إِنْ  كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ.

 

و عن بشير الدّهّان ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: [قد]  عرفتم فيّ منكرين كثيرا  وأحببتم فيّ مبغضين كثيرا،  وقد يكون حبّا للّه [و]  في اللّه ورسوله،و حبّا في الدّنيا. فما كان في اللّه ورسوله فثوابه على اللّه، وما كان في الدّنيا فليس [في‏]  شي‏ء. ثمّ نفض يده، ثمّ قال: إنّ هذه المرجئة وهذه القدريّة وهذه الخوارج ليس منهم أحد إلّا يرى أنّه على الحقّ، وإنّكم إنّما أحببتمونا في اللّه، ثمّ تلا: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ  وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ، ومَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ  إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ

 

و عن بريد بن معاوية  [...] عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: واللّه لو أحبنا حجر حشره اللّه معنا، وهل الدّين إلّا الحبّ إنّ اللّه يقول: إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ، وقال: يحبّون من هاجر إليهم وهل الدّين إلّا الحبّ.

و عن ربعي بن عبد اللّه  قال: قيل لأبي عبد اللّه- عليه السّلام: جعلت فداك إنّا نسمّي بأسمائكم وأسماء آبائكم فينفعنا ذلك؟

فقال : إي واللّه وهل الدّين إلّا الحب، قال اللّه تعالى: إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ.

 

وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ  لمن تحبّب إليه بطاعته واتباع رسوله- صلّى اللّه عليه وآله قال البيضاويّ : روي أنّها نزلت لمّا قالت اليهود: نحن أبناء اللّه وأحباؤه.

و قيل: نزلت في وفد نجران لمّا قالوا: إنّما نعبد المسيح حبّا للّه.

و قيل: في أقوام زعموا على عهده [صلّى اللّه عليه وآله‏] أنّهم يحبّون اللّه فأمروا أن يجعلوا لقولهم تصديقا من العمل.

و لنعم ما قال صاحب الكشّاف هنا : وإذا رأيت من يذكر محبّة اللّه، ويصفّق بيديه مع ذكرها ، ويطرب وينعر ويصعق، فلا تشكّ في أنّه لا يعرف ما اللّه ولا يدري مامحبّة اللّه، وما تصفيقه وطربه ونعرته وصعقته إلّا لأنّه تصوّر في نفسه الخبيثة صورة مستملحة معشقة فسمّاها اللّه بجهله ودعارته، ثمّ صفّق وطرب ونعر وصعق على تصوّرها، وربّما رأيت المنيّ قد ملأ إزار ذلك المحبّ عند صعقته، وحمقى العامّة حواليه قد ملأوا أردانهم بالدّموع لما رقّقهم من حاله. قال:

         أحبّ أبا ثروان من حبّ تمره             وأعلم أنّ الرّفق بالجار أرفق‏

 

         وو اللّه لو لا تمره ما حببته             ولا كان أدنى من عبيد ومشرق‏

 قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا: يحتمل المضيّ والمضارعة، بمعنى، فإن تتولّوا، فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ : لا يرضى عنهم، ولا يغفر لهم. ووضع المظهر موضع المضمر لقصد العموم، والدّلالة على أنّ التّولّي كفر، وإنّه ينفي محبّة اللّه ومحبّته مخصوصة بالمؤمنين. وفي الآية مع ما ذكر من الأخبار في بيانها دلالة صريحة على كفر من تولّى عن الولاية، فتبصّر.

إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ:

لمّا أوجب طاعة الرّسول وأولاده الأوصياء ، وبيّن أنّها الجالبة لمحبّته، عقّب ذلك ببيان مناقب الرّسل وآلهم، الّذين أوصياء الرّسول منهم، تحريضا عليه.

وَ نُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ: وآله إسماعيل وإسحاق وأولادهما، ودخل فيهم الرّسول- صلّى اللّه عليه وآله- وأولاده الأوصياء- عليهم السّلام-.

في مجمع البيان

: إنّ آل إبراهيم هم آل محمّد الّذين هم أهله، ويجب أن يكون الّذين اصطفاهم اللّه مطهّرين معصومين منزّهين عن القبائح، لأنّه سبحانه لا يختار ولا يصطفي إلّا من كان كذلك، ويكون ظاهره مثل باطنه في الطّهارة والعصمة. ثمّ قال :

و هو المرويّ عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-.

و في تفسير العياشي : عن حنان بن سدير، عن أبيه، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ‏

 . قال: نحن منهم ونحن بقيّة تلك العترة.

 [و في شرح الآيات الباهرة :]  روى الشّيخ أبو جعفر الطّوسيّ- رحمه اللّه- عن روح بن روح ، عن رجاله، عن إبراهيم  النّخعيّ ، عن ابن عبّاس- رضي اللّه عنه- قال: دخلت على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- فقلت: يا أبا الحسن أخبرني بما أوصى اليك رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.

فقال: سأخبركم ، إنّ اللّه اصطفى لكم الدّين وارتضاه وأتمّ عليكم نعمته وكنتم أحقّ بها وأهلها، وإنّ اللّه أوحى إلى نبيّه أن يوصي إليّ، فقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: يا عليّ احفظ وصيّتي وارع  ذمامي وأوف بعهدي وأنجز عداتي واقض دينى وأحيي  سنّتي وقوّمها وادع إلى ملّتي، لأنّ اللّه تعالى اصطفاني واختارني، فذكرت دعوة أخي موسى- عليه السّلام- فقلت: اللّهمّ اجعل لي وزيرا من أهلي كما جعلت هارون من موسى. فأوحى اللّه- عزّ وجلّ- إليّ: إنّ  عليّا وزيرك وناصرك والخليفة من بعدك، ثمّ يا عليّ أنت  من أئمّة الهدى وأولادي  منك. فأنتم قادة الهدى والتّقى، والشّجرة الّتي أنا أصلها وأنتم فرعها، فمن تمسّك بها فقد نجا، ومن تخلّف عنها فقد هلك وهوى، وأنتم الّذين أوجب اللّه تعالى مودّتكم وولايتكم، والّذين ذكرهم اللّه في كتابه‏و وصفهم لعباده، فقال- عزّ وجلّ من قائل-: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ، فأنتم صفوة اللّه من آدم ونوح وآل إبراهيم وآل عمران، وأنتم الأسرة من إسماعيل، والعترة الهادية من محمّد- صلوات اللّه عليهم أجمعين-.

و في عيون الأخبار ، في باب ذكر مجلس الرّضا- عليه السّلام- مع المأمون في الفرق بين العترة والأمّة في حديث طويل وفيه: فقال المأمون: هل فضّل اللّه العترة على سائر النّاس؟

فقال أبو الحسن- عليه السّلام-: إنّ اللّه تعالى أبان فضل العترة على سائر النّاس في محكم كتابه.

فقال له المأمون: اين ذلك من كتاب اللّه؟

فقال الرّضا- عليه السّلام-: في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ.

 

وَ آلَ عِمْرانَ:

آله موسى وهرون ابنا عمران بن يصهر .

و قيل : عيسى [و مريم بنت عمران بن ماثان، وبين العمرانين ألف وثمان مائة سنة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال العالم- عليه السّلام-:]  نزل آل إبراهيم  وآل عمران وآل محمّد على العالمين، فأسقطوا آل محمّد من الكتاب.

و في مجمع البيان

: وفي قراءة أهل البيت- عليه السّلام-: وآل محمّد على العالمين.

و في تفسير العيّاشيّ : عن هشام بن سالم قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام-عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً.

 

فقال: هو آل إبراهيم وآل محمّد على العالمين فوضعوا اسما مكان اسم.

عَلَى الْعالَمِينَ :

قيل : فيه دلالة ظاهرة  على تفضيلهم على الملائكة. [و قد مرّ ما فيه في سورة البقرة.]

و في كتاب الخصال : عن أبي الحسن الأوّل- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- اختار من كلّ شي‏ء أربعة- إلى أن- قال: واختار من البيوتات  أربعة، فقال- تعالى-: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ.

 

و عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ بن أبي طالب- عليهم السّلام- عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه قال في وصيّة له: يا عليّ إنّ اللّه- عزّ وجلّ- أشرف على الدّنيا فاختارني منها على رجال العالمين، ثمّ اطّلع الثّانية فاختارك على رجال العالمين بعدي، ثمّ اطّلع الثّالثة فاختار الأئمّة من ولدك على رجال العالمين بعدك، ثمّ اطّلع الرّابعة فاختار فاطمة على نساء العالمين.

 [و في عيون الأخبار

 في باب مجلس الرّضا- عليه السّلام- عند المأمون مع أهل الملل والمقالات، وما أجاب عليّ بن محمّد بن الجهم في عصمة الأنبياء- صلوات اللّه عليهم- حديث طويل يقول فيه الرّضا- عليه السّلام-: أمّا قوله- عزّ وجلّ- في آدم:

وَ عَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى، فإنّ اللّه- عزّ وجلّ- خلق آدم حجّة في أرضه وخليفته في بلاده لم يخلقه للجنّة، وكانت المعصية من آدم- عليه السّلام- في الجنّة لا في الأرض، وعصمته تجب أن يكون في الأرض ليتمّ مقادير أمر اللّه- عزّ وجلّ- فلمّا أهبط إلى الأرض وجعل حجّة وخليفة عصم بقوله- عزّ وجلّ-: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ.

 و فيه

، في باب مجلس آخر للرّضا- عليه السّلام- عند المأمون في عصمة الأنبياء- عليهم السّلام- حديث طويل وفيه يقول- عليه السّلام-: وكان ذلك من آدم قبل النّبوّة، ولم يكن ذلك بذنب كبير استحقّ به دخول النّار، وإنّما كان من الصّغائر الموهوبة الّتي تجوز على الأنبياء قبل نزول الوحي عليهم. فلمّا اجتباه اللّه تعالى وجعله نبيّا كان معصوما لا يذنب صغيرة ولا كبيرة. قال اللّه تعالى: وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى، ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى . وقال- عزّ وجلّ-: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ.]

 

ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ: حال، أو بدل من الآلين، أو منهما ومن نوح، أي:

أنّهم ذرّيّة واحدة متشعبة بعضها من بعض في الدّين.

و الذّرّيّة الولد، فعليّة من الذّرا، وفعولة من الذّرء، أبدلت همزتها ياء، ثمّ قلبت الواو ياء وأدغمت.

و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة : بإسناده إلى محمّد بن الفضيل ، عن أبي حمزة الثّماليّ، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر- عليهما السّلام- في حديث طويل يقول فيه- عليه السّلام: فلمّا قضى محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- نبوّته واستكملت أيامه أوصى اللّه- عزّ وجلّ- إليه: أن يا محمّد قد قضيت نبوّتك واستكملت أيّامك، فاجعل العلم الّذي عندك والإيمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النّبوّة عند عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-. فإنّي لم أقطع العلم والإيمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النّبوّة من العقب من ذرّيّتك، كما لم أقطعها من بيوتات الأنبياء الّذين كانوا بينك وبين أبيك آدم. وذلك قوله- عزّ وجلّ-: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.

 

و في روضة الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن محمّد

 بن الفضل، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- مثله.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن إبراهيم، عن يونس، عن هشام بن الحكم - في حديث بريّة لما جاء معه إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام فلقى أبا الحسن موسى بن جعفر عليه السّلام فحكى له هشام الحكاية فلمّا فرغ- قال  أبو الحسن لبريّة: يا بريّة كيف علمك بكتابك؟

قال: أنا به عالم.

ثمّ قال: كيف ثقتك بتأويله؟

قال: ما أوثقني بعلمي فيه.

قال: فابتدأ أبو الحسن- عليه السّلام- يقرأ الإنجيل.

فقال بريّة: إيّاك كنت أطلب منذ خمسين سنة، أو مثلك.

قال: فآمن  بريّة وحسن إيمانه، وآمنت المرأة الّتي كانت معه، فدخل هشام وبريّة والمرأة على أبي عبد اللّه- عليه السّلام-. فحكى له هشام الكلام الّذي جرى بين أبي الحسن موسى- عليه السّلام- وبين بريّة.

فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.

 

فقال بريّة: أنّى لكم التّوراة والإنجيل وكتب الأنبياء؟

قال: هي عندنا وراثة من عندهم، نقرؤها كما قرؤوها، ونقولها كما قالوا، إنّ اللّه لا يجعل حجّة في أرضه يسأل عن شي‏ء، فيقول: لا ادري.

و في تفسير العيّاشيّ : عن أحمد بن محمّد، عن الرّضا، عن أبي جعفر- عليه السّلام-: من زعم أنّه قد فرغ من الأمر فقد كذب، لأنّ المشيئة للّه في خلقه يريد ما يشاء ويفعل ما يريد. قال اللّه: ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. آخرها من أوّلها. وأوّلها من آخرها. فإذا أخبرتم بشي‏ء منها بعينه أنّه كائن ، وكان في غيره منه، فقد وقع الخبر  على ما أخبرتم عنه.أبو عمرو الزّبيريّ ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قلت [له:]  ما الحّجة في كتاب اللّه أنّ آل محمّد هم أهل بيته؟

قال: قول اللّه- تبارك وتعالى-: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ  وَآلَ عِمْرانَ وآل محمّد- هكذا نزلت- عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ولا يكون الذّرّيّة من القوم إلّا نسلهم من أصلابهم. وقال : اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ وآل عمران وآل محمّد.

و في كتاب المناقب  لابن شهر آشوب: أنّ عليّا- عليه السّلام- قال لابنه الحسن- عليه السّلام-: اجمع النّاس، فاجتمعوا، فأقبل فخطب  النّاس، فحمد اللّه وأثنى عليه، وتشهّد ثمّ قال: أيّها النّاس إنّ اللّه اختارنا لنفسه، وارتضانا لدينه، واصطفانا على خلقه، وأنزل علينا كتابه ووحيه. وأيم اللّه لا ينقصنا  أحد من حقّنا شيئا إلّا انتقصه  اللّه من حقّه في عاجل دنياه وآجل  آخرته، ولا تكون علينا دولة إلّا كانت لنا العاقبة، ولتعلمنّ نبأه بعد حين، ثمّ نزل وجمع  بالنّاس، وبلغ أباه فقبّل بين عينيه. ثم قال: بأبي وأمّي ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.

 

و ممّا جاء في معنى الاصطفاء،

ما رواه [في شرح الآيات الباهرة  عن‏]  الشّيخ الطّوسيّ- قدس اللّه روحه- قال: روى أبو جعفر القلانسيّ قال: حدّثنا الحسين بن الحسن قال: حدّثنا عمرو بن أبي المقدام، عن يونس بن ضباب  عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر، عن أبيه، عن جدّه عن عليّ بن أبي طالب- صلوات اللّه عليهم أجمعين- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: ما بال أقوام إذا ذكروا آل إبراهيم وآل‏

عمران استبشروا، وإذا ذكروا آل محمّد اشمأزّت قلوبهم، والّذي نفس محمّد بيده لو أنّ أحدهم وافى بعمل سبعين نبيّا يوم القيامة ما قبل اللّه منه حتّى يوافي بولايتي وولاية عليّ بن أبي طالب- عليهما السّلام-.

 [و في روضة الكافي : عليّ بن محمّد، عن عليّ بن العبّاس ، عن عليّ بن حمّاد، عن عمرو بن شمر، عن جابر عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ  فأصل الشّجرة  المباركة إبراهيم- صلّى اللّه عليه وآله- وهو قول اللّه- عزّ وجلّ -: رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ وهو قول اللّه- عزّ وجلّ-: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

و في أمالي الصّدوق - رحمه اللّه-: بإسناده إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال:

قال محمّد بن أشعث بن قيس الكنديّ للحسين- عليه السّلام-: يا حسين بن فاطمة أيّة حرمة لك من رسول اللّه ليست لغيرك؟ فتلا الحسين- عليه السّلام- هذه الآية: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ (الآية) [ثمّ‏]  قال: واللّه إنّ محمّدا لمن آل إبراهيم و[إنّ‏]  العترة الهادية لمن آل محمّد.

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة].

وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ : بأقوال النّاس وأعمالهم، فيصطفي من له المصلحة في اصطفائه.

قيل : أو سميع بقول امرأة عمران، عليم بنيّتها.

إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي: فينتصب به «إذ» أو بإضمار «اذكر» وهذه حنّة بنت فاقودا جدّة عيسى.و أمّا

ما روي في أصول الكافي : «عن أحمد بن مهران وعليّ بن إبراهيم جميعا، عن محمّد بن عليّ، عن الحسن  بن راشد، عن يعقوب بن جعفر بن إبراهيم، عن أبي الحسن موسى- عليه السّلام- أنّه قال لرجل نصرانيّ: أمّا أمّ مريم فاسمها مرثا ، وهي وهيبة.

بالعربيّة»

، فمحمول على تعدّد الاسم، وسيأتي في الخبر أنّ اسمها حنّة.

و قيل : كانت لعمران بن يصهر بنت اسمها مريم، أكبر من هارون وموسى، وهو المراد وزوجته، ويرده كفالة زكريا، فإنّه كان معاصرا لابن ماثان، وتزوّج ابنته يشاع ، وكان يحيى وعيسى ابني خالة من الأب.

مُحَرَّراً: معتقا لخدمته لا أشغّله بشي‏ء، أو مخلصا للعبادة. ونصبه على الحال.

نقل : أنّها كانت عاقرا عجوزا. فبينا هي في ظلّ شجرة إذ رأت طائرا يطعم فرخه، فحنّت إلى الولد وتمنّته، فقالت: اللّهم إنّ لك عليّ نذرا إن رزقتني ولدا أن أتصّدق به على بيت المقدس فيكون من خدمه. فحملت بمريم، وهلك عمران، وكان هذا النّذر مشروعا عندهم في الغلمان ، فلعلّها بنت الأمر على التقدير أو طلبت ذكرا.

فَتَقَبَّلْ مِنِّي: ما نذرته.

إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ: لقولي.

الْعَلِيمُ : بنيّتي.

فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى:

الضّمير لما في بطنها أنّثه، لأنّه كان مؤنّثا. أو لأنّ أنثى حال عنه، والحال وصاحبها واحد بالذّات. أو على تأويل مؤنّث، كالنّفس. ولفظه خبر، ومعناه تحسّر.

وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ: استئناف من اللّه، تعظيما لموضوعها.

و قرأ عامر وأبو بكر عن عاصم ويعقوب: «وضعت» على أنّه من كلامها، تسلية لنفسها، أي، ولعلّ للّه فيه سرّا، أو الأنثى كانت خيرا. وقرئ وضعت، على خطاب اللّه‏- تعالى- لها .

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه جميعا عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ اللّه أوحى إلى عمران: إنّي واهب [لك‏]  ذكرا، سويّا مباركا، يبرئ الأكمه والأبرص، ويحيي الموتى بإذن اللّه، وجاعله رسولا إلى بني إسرائيل. فحدّث عمران امرأته حنّة بذلك، وهي أمّ مريم، فلمّا حملت كان حملها بها عند نفسها غلام، فلمّا وضعتها قالت: رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى ... وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى ، ولا تكون البنت رسولا.

يقول اللّه- عزّ وجلّ-: وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ. فلمّا وهب اللّه [تعالى لمريم‏]  عيسى كان هو الّذي بشّر به عمران ووعده إيّاه، فإذا قلنا في الرّجل منّا شيئا فكان  في ولده أو ولد ولده، فلا تنكروا ذلك.

وَ لَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى:

و اللام فيها للعهد، أي: ليس الذّكر الّذي طلبت كالأنثى الّتي وهبت. فيكون بيانا لقوله: وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ أو للجنس، بمعنى، وليس الذّكر والأنثى سواء فيما نذرت، فيكون من قولها.

 [و في تفسير العيّاشيّ ]  عن حفص بن البختريّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه تعالى: إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً، المحرّر يكون في الكنيسة لا يخرج  منها. فلمّا وضعتها أنثى قالت: رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى [وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ‏]  وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى. [إنّ‏]  الأنثى تحيض فتخرج من المسجد، والمحرّر لا يخرج من المسجد.

وَ إِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ: عطف على ما سبق من قولها، وما بينهما اعتراض. وإنّما ذكرت ذلك لربّها، تقرّبا إليه، وطلبا لأن يعصمها ويصلحها، حتّى يكون فعلها مطابقالاسمها، فإنّ مريم في لغتهم، العابدة.

وَ إِنِّي أُعِيذُها بِكَ: أجيرها بحفظك، وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ  المطرود. من الرّجم، بمعنى: الطّرد بالحجارة.

 [و في تفسير العيّاشيّ :]  عن سعد الإسكاف، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: لقى إبليس عيسى بن مريم فقال: هل نالني من حبائلك شي‏ء؟

قال: جدّتك الّتي قالت: رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى- إلى- الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ.

 

و في أمالي الشّيخ : بإسناده إلى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- في حديث طويل، يذكر فيه تزويج فاطمة الزّهراء- عليها السّلام- وما أكرمه به النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله- وفيه يقول- عليه السّلام-: ثم أتاني فأخذ بيدي، فقال: قم بسم اللّه وقم  على بركة اللّه وما شاء اللّه لا قوّة إلّا باللّه توكّلت على اللّه، ثمّ جاء بي حتّى  أقعدني عندها- عليها السّلام- ثمّ قال: اللّهم إنّهما أحبّ خلقك إليّ، فأحبّهما وبارك في ذرّيّتهما واجعل عليهما منك حافظا [و]  إنّي أعيذهما بك وذرّيّتهما  من الشّيطان الرّجيم.

فَتَقَبَّلَها رَبُّها: فرضي بها في النّذر مكان الذّكر.

بِقَبُولٍ حَسَنٍ: بوجه يقبل به النّذائر. وهو إقامتها مقام الذّكر، وتقبّلها عقيب ولادتها قبل أن تكبر وتصلح للسّدانة.

قال البيضاويّ : روي أنّ حنّة لمّا ولدتها، لفّتها في خرقة وحملتها إلى المسجد ووضعتها عند الأحبار، وقالت: دونكم هذه النّذيرة. فتنافسوا فيها. لأنّها كانت بنت إمامهم وصاحب قربانهم. فإنّ بني ماثان كانت رؤوس بني إسرائيل وملوكهم. فقال زكريا: أنا أحقّ بها، لأنّ  عندي خالتها. فأبوا إلّا القرعة وكانوا سبعة وعشرين. فانطلقوا إلى نهر. فألقوا فيه أقلامهم. فطفا قلم زكريا ورسبت أقلامهم. فتكفّلها.و يجوز أن يكون مصدرا، على تقدير مضاف، أي، بذي قبول حسن. وأن يكون تقبّل بمعنى استقبل، كتقضّى وتعجّل، أي، فأخذها في أوّل أمرها، حين ولدت، بقبول حسن.

وَ أَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً: مجاز عن تربيتها، بما يصلحها، في جميع أحوالها.

وَ كَفَّلَها زَكَرِيَّا:

شدّد الفاء حمزة والكسائي وعاصم، وقصروا زكريّا غير عاصم، في رواية ابن عيّاش، على أنّ الفاعل هو اللّه، وزكريّا مفعول. وخفّف الباقون، ومدّوا زكريّا مرفوعا .

كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ، أي: الغرفة الّتي بنيت لها، أو المسجد، أو أشرف مواضعه. ومقدمها سمي به، لأنّه محلّ محاربة الشّيطان.

وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً: جواب «كلّما» وناصبه.

و في تفسير العيّاشيّ : وفي رواية حريز، عن أحدهما- عليهما السّلام- [قال:]  نذرت ما في بطنها للكنيسة أن يخدم  العباد، وليس الذّكر كالأنثى في الخدمة.

قال: فنبتت، وكانت  تخدمهم وتناولهم حتّى بلغت، فأمر زكريّا أن تتّخذ لها حجابا دون العباد، وكان  يدخل عليها فيرى عندها ثمرة الشّتاء في الصّيف وثمرة الصّيف في الشّتاء. فهنالك دعا وسأل ربّه أن يهب له ذكرا، فوهب له يحيى.

قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا: من أين لك هذا الرّزق الآتي في غير أوانه، والأبواب مغلّقة عليك؟

قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ: فلا تستبعد.

إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ : بغير تقدير لكثرته، أو بغير استحقاق تفضّلا به. وهو يحتمل أن يكون من كلامها، وأن يكون من كلام اللّه.

و في تفسير العيّاشيّ : عن إسماعيل الجعفيّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ امرأة عمران لمّا نذرت ما في بطنها محرّرا، قال: [و]  المحرّر للمسجد إذا وضعته

 و أدخل المسجد فلم يخرج من المسجد أبدا. فلمّا ولدت مريم قالت: رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ. فساهم  عليها [النبيّون‏]  فأصاب القرعة زكريّا- وهو زوج أختها- وكفّلها وأدخلها المسجد، فلمّا بلغت ما تبلغ النّساء من الطّمث، وكانت أجمل النّساء وكانت تصلي فيضي‏ء  المحراب لنورها. فدخل عليها زكريّا فإذا عندها فاكهة الشّتاء في الصّيف وفاكهة الصّيف في الشّتاء.

فقال: أَنَّى لَكِ هذا؟ قالَتْ: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.

 

فهنالك  دعا زكريّا ربّه، قال: إنّي خفت الموالي من ورائي، إلى ما ذكره  اللّه من قصّة زكريّا ويحيى .

و فيه  أيضا: عن سيف، عن نجم عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ فاطمة- عليها السّلام- ضمنت لعلي- عليه السّلام- عمل البيت والعجين والخبز وقم  البيت، وضمن لها عليّ- عليه السّلام- ما كان خلف الباب [من‏]  نقل الحطب وأن يجي‏ء بالطّعام، فقال لها يوما: يا فاطمة هل عندك شي‏ء؟

قالت: لا والّذي عظّم حقّك [ما كان‏]  عندنا منذ ثلاثة أيّام  شي‏ء نقريك به.

قال: أفلا أخبرتني.

قالت: كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- نهاني أن أسألك شيئا فقال:

لا تسألي ابن عمّك شيئا، إن جاءك بشي‏ء عفوا وإلّا فلا تسأليه.

قال: فخرج- عليه السّلام- فلقى رجلا، فاستقرض منه دينارا، ثمّ أقبل به وقدأمسى فلقى مقداد بن الأسود، فقال للمقداد، ما أخرجك في هذه السّاعة؟

قال: الجوع، والّذي عظّم حقّك يا أمير المؤمنين.

قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام-: ورسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- حيّ؟

قال: ورسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- حيّ.

قال: فهو أخرجني، وقد استقرضت دينارا وسأؤثرك به. فدفعه إليه، فأقبل فوجد رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- جالسا وفاطمة تصلّي وبينهما شي‏ء مغطّى. فلمّا فرغت أحضرت ذلك الشي‏ء فإذا جفنة من خبز ولحم.

قال: يا فاطمة أنّى لك هذا؟

قالت: هو من عند اللّه، إنّ اللّه يرزق من يشاء بغير حساب.

فقال: رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: ألا أحدثك بمثلك ومثلها؟

قال: بلى.

قال: مثل زكريّا إذا دخل على مريم المحراب فوجد عندها رزقا، قالَ: يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا؟ قالَتْ: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ. فأكلوا منها شهرا، وهي الجفنة الّتي يأكل منها القائم- عليه السّلام- وهي عندنا.

 [و في شرح الآيات الباهرة :]  نقل الشّيخ أبو جعفر الطّوسي- رحمه اللّه- في كتاب مصباح الأنوار، بحذف الإسناد قال: روي عن أبي سعيد الخدريّ قال: أصبح عليّ- عليه السّلام- ذات يوم، فقال لفاطمة- عليها السّلام-: هل عندك شي‏ء نغتذيه؟

فقالت: لا والّذى أكرم أبي بالنّبوّة وأكرمك بالوصيّة، ما أصبح الغداة عندي منذ يومين شي‏ء إلّا كنت  أؤثرك به على نفسي وعلى ابني الحسن والحسين.

فقال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: يا فاطمة ألا كنت أعلمتني فأبغيكم شيئا.

فقالت: يا أبا الحسن إنّي لأستحي من إلهي أن تكلّف نفسك ما لا تقدر عليه .فخرج عليّ- عليه السّلام- من عندها واثقا باللّه وحسن الظّنّ به. فاستقرض دينارا.

فأخذه ليشتري به ما يصلحهم. فعرض له المقداد بن الأسود- رضوان اللّه عليه- وكان يوما شديد الحرّ وقد لوّحته الشّمس من فوقه وآذته من تحته. فلمّا رآه أمير المؤمنين- عليه السّلام- أنكر شأنه، فقال له: يا مقداد ما أزعجك السّاعة من رجلك .

فقال: يا أبا الحسن خلّ سبيلي ولا تسألني عمّا ورائي.

فقال: يا أخي لا يسعني أن تجاوزني حتّى أعلم علمك.

فقال: يا أبا الحسن رغبت إلى اللّه وإليك أن تخلّ سبيلي ولا تكشفني عن حالتي.

فقال: يا أخي لا يسعك أن تكتمني حالك.

فقال: يا أبا الحسن أما أذا أبيت، فو الّذى أكرم محمّدا بالنّبوّة وأكرمك بالوصيّة، ما أزعجني من رجلي  إلّا الجهد، وقد تركت عيالي جياعا، فلمّا سمعت بكاءهم لم تحملني الأرض، خرجت مهموما راكبا رأسي، هذه حالتي وقصّتي.

قال: فانهملت عينا عليّ بالبكاء حتّى بلّت دموعه كريمته. فقال: أحلف بالّذي حلفت به ان ما أزعجني إلّا الّذي أزعجك، وقد اقترضت دينارا فهاكه أؤثرك به على نفسي. فدفع إليه الدّينار ورجع. فدخل المسجد فسلّم.

فردّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- السّلام وقال: يا أبا الحسن هل عندك عشاء نتعشّاه  فنقبل  معك؟ فمكث أمير المؤمنين- عليه السّلام- مطرقا لا يحير جوابا، حياء من رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وكان قد عرّفه اللّه ما كان من أمر الدّينار، ومن أين وجهه بوحي من اللّه، وأمره  أن يتعشّى عند عليّ تلك اللّيلة، فلمّا نظر إلى سكوته قال: يا أبا الحسن ما لك لا تقول: لا، فأنصرف عنك، او: نعم، فامضي معك؟

فقال: حبّا وكرامة اذهب بنا، فأخذ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- بيد أمير المؤمنين وانطلقا حتّى دخلا على فاطمة- صلوات اللّه عليها وعليهم أجمعين- وهي في محرابها قد قضت صلاتها وخلفها جفنة تفور دخانا، فلمّا سمعت كلام رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- خرجت من مصلاها وسلّمت عليه وكانت أعزّ  النّاس عليه،فرّد عليها السّلام ومسح بيده  على رأسها، وقال: يا بنتاه كيف أمسيت يرحمك اللّه؟

قالت: بخير.

قال: عشّينا، رحمك اللّه. وقد قعد، فأخذت الجفنة ووضعتها بين يدي رسول اللّه وعليّ- صلّى اللّه عليهما وآلهما- فلمّا نظر أمير المؤمنين إلى الطّعام وشمّ ريحه [رمى فاطمة ببصره رميا شحيحا.

فقالت له فاطمة: سبحان اللّه، ما أشحّ نظرك وأشدّه! فهل أذنبت فيما بيني وبينك ذنبا أستوجب به السّخطة منك؟

فقال: وأي ذنب أعظم من ذنب أصبت اليوم؟ أليس عهدي بك وأنت تحلفي باللّه مجتهدة أنّك ما طعمت طعاما منذ يومين؟

فنظرت إلى السّماء وقالت: إلهي يعلم ما في سمائه وأرضه أنّي لم أقل إلّا حقّا.]

 

فقال لها: يا فاطمة فأنّى لك هذا الطّعام، الّذي لم أنظر إلى مثل لونه، ولم أشمّ مثل ريحه قطّ، ولم آكل أطيب منه؟

قال: فوضع النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- كفّه المباركة على كتف عليّ أمير المؤمنين- عليه السّلام- وهزّها ثمّ هزّها ثلاث مرّات، [ثمّ‏]  قال: يا عليّ هذا بدل دينارك، هذا جزاء  دينارك من عند اللّه، إنّ اللّه يرزق من يشاء بغير حساب. ثمّ استعبر باكيا وقال: الحمد للّه الّذي أبى لكما أن يخرجكما من الدّنيا حتّى يجريك يا عليّ مجرى زكريا، ويجريك يا فاطمة مجرى مريم بنت عمران، وهو قوله تعالى: كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً. قالَ: يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا. قالَتْ: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ.

 

هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ: في ذلك المكان، أو في ذلك الوقت- وهنا وثمّ وحيث، تستعار للزّمان- لمّا رأى كرامة مريم ومنزلتها من اللّه. أو لمّا رأى الفواكه في غير أوانها، تنبّه لجواز ولادة العاقر من الشّيخ، فسأل ربّه.

قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً: كما وهبتها لحنّة العجوز العاقر.

إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ  مجيبه.و في عيون الأخبار : بإسناده إلى الرّيّان بن شبيب قال: دخلت على الرّضا- عليه السّلام- في أوّل يوم من المحرّم، فقال لي: يا بن شبيب أصائم أنت؟

فقلت : لا.

فقال: إنّ هذا اليوم هو اليوم الّذي دعا فيه زكريا- عليه السّلام- ربّه- عزّ وجلّ- فقال: رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ، فاستجاب اللّه له، وأمر الملائكة فنادت زكريّا: وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً .

فمن صام هذا اليوم، ثمّ دعا اللّه تعالى استجاب اللّه تعالى له، كما استجاب [اللّه‏]  لزكريا- عليه السّلام-.

و في الكافي : محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن رجل، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه - عليه السّلام- قال: من أراد أن يحبل له، فليصلّ ركعتين بعد الجمعة يطيل فيهما الرّكوع والسّجود، ثمّ يقول: اللّهمّ إنّي أسألك بما سألك به زكريا- عليه السّلام- إذ قال: ربّ لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين، اللّهمّ هب لي ذرّيّة طيّبة إنّك سميع الدّعاء، اللّهمّ باسمك استحللتها وفي أمانتك أخذتها، فإن قضيت في رحمها ولدا، فاجعله غلاما، ولا تجعل للشّيطان فيه نصيبا ولا شريكا.

و في مجمع البيان : وروى الحارث بن المغيرة  قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: إنّي من أهل بيت قد انقرضوا وليس لي ولد.

فقال: ادع اللّه  وأنت ساجد: ربّ هب لي من لدنك ذرّيّة طيّبة إنّك سميع الدّعاء، رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ.

 

قال: ففعلت ، فولد [لي‏]  عليّ والحسين.

فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ، أي: من جنسهم، كقولهم: زيد يركب الخيل. فإنّ المنادي ملك.

و قرأ حمزة والكسائيّ «فناديه» بالإمالة والتّذكير .

وَ هُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ، أي: قائما في الصّلاة. ويصلّي، صفة قائم. أو خبر آخر. أو حال أخرى. أو حال عن الضّمير في «قائم».

و في من لا يحضره الفقيه : وقال الصّادق- عليه السّلام-: إنّ طاعة اللّه- عزّ وجلّ- خدمته في الأرض، وليس شي‏ء من خدمته يعدل الصّلاة، فمن ثمّ نادت الملائكة زكريّا، وهو قائم يصلّي في المحراب.

أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى، أي، بأنّ اللّه.

و قرأ نافع وابن عامر  «بالكسر» على إرادة القول، أو لأنّ النّداء نوع منه.

و قرأ حمزة والكسائي «يبشّرك» من الإبشار .

و يحيى، أعجميّ وإن جعل عربيّا، فمنع صرفه للتّعريف، ووزن الفعل.

مُصَدِّقاً: حال من «يحيى»، بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ، أي: بعيسى. سمّي بذلك، لأنّه وجد بأمره تعالى من دون أب. أو بكتاب اللّه، سمّي بها تسمية للكلّ باسم جزئه، وَسَيِّداً: يسود قومه ويفوقهم بالعصمة، لأنّه كان نبيّا، وَحَصُوراً: مبالغا في حبس النّفس عن الشّهوات والملاهي.

و نقل : أنّه مرّ [في صباه‏]  بصبيان، فدعوه إلى اللّعب، فقال: ما للّعب خلقت.

و في مجمع البيان : حصورا [: وهو الّذي  لا يأتي النّساء. وهو المرويّ عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-.

وَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ : ناشئا منهم، أو كائنا من عداد من لم يأت كبيرة ولا صغيرة.

في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة : بإسناده إلى محمّد بن إسماعيل القرشيّ،

 عمّن حدّثه، عن إسماعيل بن أبي رافع، عن أبيه، عن أبيّ قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وقد ذكر عيسى بن مريم- عليهما السّلام-: فلمّا أراد اللّه أن يرفعه أوحى إليه أن يستودع  نور اللّه وحكمته وعلم كتابه شمعون بن حمّون الصّفا خليفته على المؤمنين، ففعل ذلك، فلم يزل شمعون في قومه  يقوم بأمر اللّه- عزّ وجلّ- ويهتدي  بجميع مقال عيسى- عليه السّلام- في قومه من بني إسرائيل ويجاهد الكفّار، فمن أطاعه وآمن به وبما  جاء به كان مؤمنا، ومن جحده وعصاه كان كافرا، حتّى استخلص ربّنا- تبارك وتعالى- وبعث في عباده نبيّا من الصّالحين وهو يحيى بن زكريّا، فمضى  شمعون وملك عند ذلك أردشير بن بابكان  أربع عشرة سنة وعشرة أشهر.

و في ثمان سنين من ملكه، قتلت اليهود يحيى بن زكريّا- عليهما السّلام- ولمّا  أراد اللّه- عزّ وجلّ- أن يقبضه، أوحى إليه أن يجعل الوصيّة في ولد شمعون، ويأمر الحواريّين وأصحاب عيسى بالقيام معه، ففعل ذلك، وعندها ملك سابور بن أردشير ثلاثين سنة حتّى قتله اللّه، وكمل  علم اللّه ونوره وتفصيل حكمته في ذرّيّة يعقوب بن شمعون، ومعه الحواريّون من أصحاب عيسى- عليه السّلام- وعند ذلك ملك بخت نصر مائة سنة وسبعا وثمانين سنة، وقتل من اليهود سبعين ألف مقاتل على دم يحيى بن زكريّا، وخرّب بيت المقدس، وتفرّقت اليهود في البلدان.

قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ: استبعادا من حيث العادة، أو استعظاما وتعجّبا أو استفهاما عن كيفيّة حدوثه.

وَ قَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ: أدركني كبر السّنّ.

قال البيضاويّ : وكان  له تسع وتسعون سنة، ولا مرأته ثمان وتسعون [سنة.] وَ امْرَأَتِي عاقِرٌ: لا تلد من العقر، وهو القطع، لأنّها ذات عقر من الأولاد.

قالَ كَذلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ : كذلك اللّه، مبتدأ مؤخّر وخبر مقدّم، للقرينة، أي: اللّه على مثل هذه الصّفة. ويفعل ما يشاء، بيان له، أي: ما يشاء من العجائب. وهو إنشاء الولد من شيخ فان وعجوز عاقر. أو كذلك، خبر مبتدأ محذوف، أي: الأمر كذلك. واللّه يفعل ما يشاء، جملة أخرى لبيان أنّه يفعل ما يريده من العجائب، أي: أنت وزوجك كبير وعاقر، واللّه يفعل ما يشاء من خلق الولد.

و يحتمل أن يكون «كذلك» مفعولا مطلقا «ليفعل» ويكون ذلك إشارة إلى ما نعجب منه، أي: اللّه يفعل ما يشاء من العجائب مثل ذلك الفعل، أي: إنشاء الولد من الفاني والعاقر. أو إشارة إلى ما بيّنه من حالتهما، أي: الّذي يفعل ما يشاء من خلق الولد، كما أنت عليه وزوجك من الكبر والعقر.