سورة آل عمران الآية 61-80

فَمَنْ حَاجَّكَ: من النّصارى.

فِيهِ: في عيسى مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ، أي: البيّنات الموجبة للعلم.

فَقُلْ تَعالَوْا: هلمّوا بالعزم، والرّأي.

نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ، أي: يدعو كلّ منّا ومنكم نفسه وأعزّة أهله إلى المباهلة، ويحملهم عليها. وإنّما قدّمهم على النّفس، لأنّ الرّجل يخاطر بنفسه لهم، فهم أهمّ عنده.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-: وأمّا قوله: فَمَنْ حَاجَّكَ (الآية)  فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: فباهلوني، فإن كنت صادقا أنزلت اللّعنة عليكم، وإن كنت كاذبا أنزلت  عليّ.فقالوا: أنصفت. فتواعدوا للمباهلة، فلمّا رجعوا إلى منازلهم قال رؤساؤهم السّيّد والعاقب والأهتم : إن باهلنا بقومه باهلناه فإنّه ليس بنبيّ، وإن باهلنا بأهل بيته خاصّة فلا نباهله، فإنّه لا يقدم على  أهل بيته إلّا وهو صادق، فلمّا أصبحوا جاؤوا إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ومعه أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين- صلوات اللّه عليهم أجمعين-.

فقال النّصارى: من هؤلاء؟

فقيل لهم: إن هذا ابن عمّه ووصيّه وختنه عليّ بن أبي طالب، وهذه بنته  فاطمة، وهذان ابناه الحسن والحسين- عليهم السّلام-.

ففرقوا ، وقالوا لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: نعطيك الرّضا فاعفنا عن المباهلة، فصالحهم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- على الجزية وانصرفوا.

 [و في تفسير العيّاشيّ : عن حريز، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ أمير المؤمنين- عليه السّلام- سئل عن فضائله، فذكر بعضها، ثمّ قالوا له: زدنا.

فقال: [إنّ‏]  رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أتاه حبران من أحبار النّصارى  من أهل نجران، فتكلّما في أمر عيسى، فأنزل [اللّه‏]  هذه الآية: إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ إلى آخر الآية. فدخل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فأخذ بيد عليّ والحسن والحسين وفاطمة، ثمّ خرج ورفع كفّه إلى السّماء، وفرج بين أصابعه، ودعاهم إلى المباهلة.

قال: وقال أبو جعفر- عليه السّلام-: وكذلك المباهلة يشبك يده في يده ثمّ  يرفعها إلى السّماء، فلمّا رآه الحبران قال أحدهما لصاحبه: واللّه لئن  كان نبيّا لنهلكنّ وإن كان غير نبيّ كفانا قومه، فكفّا  وانصرفا.عن أبي جعفر الأحوال  قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: ما تقول قريش في الخمس؟

قال: قلت: تزعم أنّه لها.

قال: ما أنصفونا، واللّه لو كان مباهلة ليباهلنّ بنا ولئن كان مبارزة ليبارزنّ بنا، ثمّ نكون وهم على سواء.]

 

فقد ظهر من هذا الخبر، أنّ من دعى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- من الأبناء هو الحسن والحسين، ومن النساء فاطمة، وبقي- عليّ عليه السّلام- لا يدخل في شي‏ء إلّا في قوله: وأنفسنا، فهو نفس الرّسول- صلّى اللّه عليه وآله-.

و قد صحّ‏

في الخبر أنّه- صلّى اللّه عليه وآله- وقد سأله  سائل عن بعض أصحابه، فأجابه عن كلّ بصفته.

فقال: فعليّ؟

فقال- صلّى اللّه عليه وآله-: إنّما سألتني عن النّاس، ولم تسألني عن نفسي.

ثُمَّ نَبْتَهِلْ: بأن نلعن الكاذب منّا.

و البهلة (بالضّمّ والفتح) اللّعنة. وأصله، التّرك. من قولهم: بهلت النّاقة، إذا تركتها بلاصرار.

و في كتاب معاني الأخبار ، بإسناده إلى عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر قال: التّبتّل، أن تقلب كفّيك في الدّعاء إذا دعوت. والابتهال، أن تقدّمهما.

و تبسطهما .

و في أصول الكافي : [بإسناده إلى أبي إسحاق، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: والابتهال، رفع اليدين وتمّدهما . وذلك عند الدّمعة.و بإسناده إلى مروك  بيّاع اللؤلؤ، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: وهكذا الابتهال- ومدّ يده تلقاء وجهه إلى القبلة- ولا تبتهل  حتّى تجري الدّمعة.

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن فضالة، عن العلا، عن محمّد بن مسلم قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: والابتهال، تبسط يديك وذراعيك [إلى السّماء]  والابتهال، حين ترى أسباب البكاء.

و بإسناده إلى أبي بصير ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: وأمّا الابتهال، فرفع يديك تجاوز بهما رأسك.

و بإسناده إلى محمّد بن مسلم وزرارة  قالا: قال: أبو عبد اللّه- عليه السّلام-:

و الابتهال، أن تمدّ يدك جميعا.

و هذه الأحاديث طوال، أخذت منها موضع الحاجة.]

عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد، عن إسماعيل بن مهران، عن مخلّد أبي الشّكر، عن أبي حمزة الثّماليّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: السّاعة الّتي تباهل فيها، ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشّمس.

فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ : عطف، فيه بيان.

و في كتاب الخصال : في احتجاج عليّ- عليه السّلام- على أبي بكر، قال: فأنشدك باللّه، أبي برز رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وبأهلي  وولدي، في مباهلة المشركين من النّصارى، أم بك وبأهلك وولدك؟

قال: بكم.

و فيه ، أيضا، في مناقب أمير المؤمنين- عليه السّلام - وتعدادها، قال‏

 - عليه السّلام-: و[أمّا]  الرّابعة والثّلاثون، فإنّ النّصارى ادّعوا أمرا، فأنزل اللّه- عزّ وجلّ- فيه: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ [ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ.]

 

فكانت نفسي نفس رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- والنّساء فاطمة والأبناء الحسن والحسين، ثمّ ندم القوم، فسألوا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- الإعفاء، فعفا عنهم وقال : والّذي أنزل التّوراة على موسى والفرقان على محمّد، لو باهلونا لمسخوا  قردة وخنازير.

 [و في روضة الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد عن الحسن ابن ظريف، عن عبد الصّمد بن بشير، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قال لي أبو جعفر- عليه السّلام-: [يا أبا الجارود،]  ما يقولون لكم في الحسن والحسين- عليهما السّلام-؟

قلت : ينكرون علينا أنّهما أبناء رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.

قال: فأيّ  شي‏ء احتججتم عليهم، يا أبا الجارود ؟

قلت: احتججنا عليهم بقول اللّه- تعالى- لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-:

فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ.

 

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

و في مجمع البيان : وقال- عليه السّلام-: إنّ كلّ بني بنت ينسبون إلى أبيهم إلّا أولاد فاطمة فإنّي أنا أبوهم.

في عيون الأخبار

، في باب جمل من أخبار موسى بن جعفر- عليه السّلام- مع‏هارون الرّشيد لمّا قال له: كيف تكونون ذرّيّة رسول اللّه وأنتم أولاد ابنته؟ حديث طويل يقول فيه- عليه السّلام- لهارون: أزيدك، يا أمير المؤمنين.

قال: هات.

قلت: قول اللّه- تعالى-: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ، ولم يدّع أحد أنّه أدخل النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- تحت الكساء عند المباهلة للنّصارى، إلّا عليّ بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين، فكان تأويل قوله- عزّ وجلّ-: أبناءنا، الحسن والحسين. ونساءنا، فاطمة. وأنفسنا، عليّ بن أبي طالب. على أنّ العلماء قد أجمعوا، على أنّ جبريل قال يوم أحد: يا محمّد، إنّ هذه لهي المواساة من عليّ.

قال: لأنّه منّي وأنا منه.

و فيه

: في باب ذكر مجلس الرّضا- عليه السّلام- مع المأمون في الفرق بين العترة والأمّة حديث طويل، وفيه قالت العلماء: فأخبرنا هل فسّر اللّه- تعالى- الاصطفاء في الكتاب؟

فقال الرّضا- عليه السّلام-: فسّر الاصطفاء في الظّاهر سوى الباطن في اثني عشر موطنا وموضعا، فأوّل ذلك قوله- عزّ وجلّ- إلى أن قال: وأمّا الثّالثة، فحين ميّز اللّه الطّاهرين من خلقه. فأمر نبيّه- صلّى اللّه عليه وآله- بالمباهلة بهم في آية المباهلة ، فقال- عزّ وجلّ-: يا محمّد، فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ.

 

فبرز  النّبي- صلّى اللّه عليه وآله- عليّا والحسن والحسين وفاطمة- صلوات اللّه عليهم- وقرن أنفسهم بنفسه، فهل  تدرون ما معنى قوله: وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ؟قالت العلماء: عنى به نفسه.

فقال أبو الحسن- عليه السّلام-: غلطتم، إنّما عنى به عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- وممّا يدلّ على ذلك قول النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- حين قال:

لينتهينّ بنو وليعة أو لأبعثنّ إليهم رجلا كنفسي، يعني عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام.

و عنى بالأبناء، الحسن والحسين- عليهما السّلام- وعنى بالنّساء، فاطمة- عليها السّلام- فهذه خصوصيّة لا يتقدّم فيها أحد، وفضل لا يلحقهم فيه بشر، وشرف لا يسبقهم إليه خلق، إذ جعل نفس عليّ كنفسه.

و فيه : عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- حديث طويل يقول فيه- عليه السّلام-: يا عليّ من قتلك فقد قتلني، ومن أبغضك فقد أبغضني، ومن سبّك فقد سبّني، لأنّك منّي كنفسي، روحك من روحي وطينتك من طينتي.

و في كتاب علل الشّرائع : عن أبي جعفر الثّاني، حديث طويل ذكرته بتمامه في سورة يونس، عند قوله تعالى: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ (الآية). وفيه أنّ المخاطب بذلك رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ولم يكن في شكّ ممّا أنزل اللّه- عزّ وجلّ- ولكن قالت الجهلة: كيف لا يبعث  اللّه  إلينا نبيّا [من الملائكة، إنّه‏]  لم يفترق بينه وبين غيره في الاستغناء عن المأكل والمشرب والمشي في الأسواق؟

فأوحى اللّه- عزّ وجلّ- إلى نبيّه- صلّى اللّه عليه وآله-: فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ- بمحضر من الجهلة- هل بعث  اللّه- عزّ وجلّ- رسولا قبلك إلّا وهو يأكل الطّعام ويمشي في الأسواق، ولك بهم أسوة.

و إنّما قال: وفَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ، ولم يكن  ولكن ليتفهّم ، كما قال- عليه السّلام- :فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ. ولو قال: تعالوا نبتهل فنجعل لعنة اللّه عليكم، لم يكونوا يجيبون للمباهلة. وقد عرف أنّ النّبيّ - صلّى اللّه عليه وآله- مؤدّي عنه رسالة وما هو من الكاذبين، وكذلك عرف النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه صادق فيما يقول، ولكن أحبّ أن ينصف من نفسه.

و في تفسير العيّاشيّ : عن محمّد بن سعيد الأردنيّ ، عن موسى بن محمّد بن الرّضا ، عن أخيه أبي الحسن- عليه السّلام - أنّه قال في هذه الآية: فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ، ولو قال: تعالوا نبتهل فنجعل لعنة اللّه عليكم، لم يكونوا يجيبون للمباهلة وقد علم أنّ نبيّه مؤدي عنه رسالاته، وما هو من الكاذبين.

و فيه  عن المنذر قال: حدّثنا عليّ- عليه السّلام- لمّا نزلت هذه الآية: فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ (الآية) قال: فأخذ بيد فاطمة وعليّ وابنيهما- عليهم السّلام- فقال رجل من اليهود : لا تفعلوا فيصيبكم عنت الوجوه ، فلم يدعوه ] .

و في شرح الآيات الباهرة : أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- صالحهم على ألفي حلّة وثلاثين درعا وثلاثين فرسا، وكتب [لهم‏]  بذلك كتابا، ورجعوا إلى بلادهم.

إِنَّ هذا، أي: ما قصّ من نبأ عيسى ومريم.

لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ: بجملتها، خبر إنّ أو هو فصل، يفيد أنّ ما ذكره في شأن‏عيسى ومريم حقّ، دون ما ذكروه، وما بعده خبر، واللّام دخلت فيه، لأنّه أقرب إلى المبتدأ من الخبر، وأصلها أن تدخل على المبتدأ، وهاهنا دخول إنّ عليه مانع، فأخّر.

وَ ما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ: زيادة «من» لزيادة الاستغراق، لتأكيد الرّدّ على النّصارى في تثليثهم.

وَ إِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ: لا يساويه أحد في القدرة التّامّة، الْحَكِيمُ : ولا في الحكمة البالغة ليشاركه في الألوهيّة.

فَإِنْ تَوَلَّوْا: عن التّوحيد، فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ :

إيراد المظهر ليدل على أنّ التّولّي  إفساد للدّين والاعتقاد.

قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ:

قيل : يعمّ أهل الكتابين.

و قيل : يريد به وفد نجران، أو يهود المدينة تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ: لا يختلف فيها الرّسل والكتب، وهي:

أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ: أي: نوحّده بالعبادة.

وَ لا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً: لا نجعل له غيره شريكا في استحقاق العبادة.

وَ لا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ: ولا نقول: عزير بن اللّه، ولا المسيح بن اللّه. ولا نطيع الأحبار فيما أحدثوا من التّحريم والتّحليل، لأنّ كلا منهم بعضنا، بشر مثلنا.

و في مجمع البيان : وقد روى، لمّا نزلت هذه الآية قال عديّ بن حاتم: ما كنّا نعبدهم يا رسول اللّه.

فقال- صلّى اللّه عليه وآله-: أما كانوا يحلّون لكم ويحرّمون فتأخذون بقولهم؟

فقال: نعم.

فقال النّبيّ- عليه السّلام-: هو ذاك.

فَإِنْ تَوَلَّوْا: عن التّوحيد،

فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ، أي: لزمتكم الحجّة، فوجب عليكم أن تعترفوا وتسلّموا بأنّا مسلمون دونكم، كما يقول الغالب للمغلوب- في جدل وصراع أو غيرهما-: اعترف بأنّي أنا الغالب وسلّم لي الغلبة.

و يجوز أن يكون من باب التّعريض، ومعناه: اشهدوا واعترفوا بأنّكم كافرون، حيث تولّيتم عن الحقّ بعد ظهوره.

يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ: ويدّعي كلّ فريق أنّ إبراهيم كان على دينهم، اليهود تدّعي يهوديّته، والنّصارى نصرانيّته وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ: الّتي ثبت بها اليهوديّة، وَالْإِنْجِيلُ: الّذي ثبت به النّصرانيّة، إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ، أي: بعد إبراهيم، أنزلت التّوراة بعده بألف سنة، والإنجيل بألفي سنة، فكيف يكون إبراهيم على دين لم يحدث إلّا بعده بأزمنة متطاولة؟! أَ فَلا تَعْقِلُونَ : حتّى لا تجادلوا مثل هذا الجدال المحال. هكذا قاله المفسّرون، وفي ما قالوه إشكال من وجهين: الأوّل:

أنّه يمكن أن يقال  من قبل  اليهود والنّصارى: إنّ كون إبراهيم منهم، لا يتوقّف على نزول التّوراة والإنجيل في زمانه، لإمكان إيحاء اليهوديّة أو النّصرانيّة إليه، ثمّ إنزال التّوراة والإنجيل على طبق ما أوحي إليه سابقا.

الثّاني: أنّه قد تواتر أنّ ابراهيم- عليه السّلام- كان مسلما- وقد دلّ عليه الآية- وشيعة، مع أنّ الإسلام والتّشيّع إنّما ثبت بالقرآن الّذي نزل  بعده، فما هو جوابكم فهو جوابهم.

و الأظهر أنّ مضمون الآية- واللّه أعلم- أنّ كلّا من اليهود والنّصارى، يدّعي أنّ إبراهيم كان على الدّين الّذي هم  عليه الآن، من اليهوديّة  الّتي حدثت بعد التّوراة، والنّصرانيّة الّتي حدثت بعد الإنجيل بالتّحريف والتّبديل، فقال اللّه- تعالى-: لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ، وتدّعون أنّه كان على ما أنتم عليه الآن، وهو حدث بتحريفكم بعد إنزال التّوراة والإنجيل [بعد إبراهيم بمدد متطاولة، وما كان له أصل من اللّه، حتّى يحتمل‏أن يوحيه إلى إبراهيم، ويكون هو عليه قبل إنزال التّوراة والإنجيل‏]  أ فلا تعقلون؟ وحينئذ لا يرد عليه شي‏ء من الإشكالين، واللّه أعلم بحقيقة الحال.

ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ:

 «ها»، حرف تنبيه، نبّهوا بها على حالهم، الّتي غفلوا عنها. و«أنتم»، مبتدأ.

و «هؤلاء»، خبره. و«حاججتم»، جملة أخرى مبيّنة للأولى، أي: أنتم هؤلاء الحمقى، وبيان حماقتكم أنّكم جادلتم فيما لكم به علم، ممّا وجدتموه في التّوراة والإنجيل من نعت النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- عنادا، فلم تجادلون فيما لا علم لكم به، ولا ذكر له في كتابكم، من أنّ إبراهيم كان على اليهوديّة أو النّصرانيّة الّتي نحن عليها.

و قيل : هؤلاء، بمعنى: الّذين. وحاججتم، صلته.

و قيل : ها أنتم، أصله أ أنتم على الاستفهام، للتّعجيب من حماقتهم، فقلبت الهمزة هاء.

و قرء نافع وأبو عمرو «ها أنتم» حيث وقع بالمدّ، من غير همزة. وورش، أقلّ مدّا.

و قنبل، بالهمزة  من غير ألف بعد الهاء. والباقون، بالمدّ والهمزة .

و البزّيّ، يقصر  المدّ على أصله .

وَ اللَّهُ يَعْلَمُ: ما حاججتم فيه، أوله العلم.

وَ أَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ : أي: لا تعلمونه، أو لستم ممّن له العلم.

ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا:

بعد ما قرّر أنّ إبراهيم لم يكن على اليهوديّة والنّصرانيّة الّتي هم عليها الآن، نفى عنه اليهوديّة والنّصرانيّة مطلقا، ولمّا كان يوهم ذلك كونه على غير الحقّ، لأنّ أصل اليهوديّة والنّصرانيّة لم يكن غير حق ، نفى ذلك الوهم بقوله:

وَ لكِنْ كانَ حَنِيفاً: مائلا عن العقائد الزّائغة.

في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن عبد اللّه‏

 ابن مسكان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: حنيفا مسلما، قال: خالصا مخلصا ليس فيه  شي‏ء من عبادة الأوثان.

مُسْلِماً: منقادا للّه فيما شرع له، لأنّ اليهوديّة صارت شرعا في أيّام موسى، والنّصرانيّة في بعثة عيسى، ولم يكونا مشروعين قبل ذلك، والمشروع حينئذ هو الإسلام.

و في تفسير العيّاشيّ : عن عبيد اللّه الحلبيّ ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال: أمير المؤمنين- عليه السّلام-: ما كان إبراهيم يهوديّا ولا نصرانيّا. لا يهوديّا يصلّي إلى المغرب، ولا نصرانيّا يصلّي إلى المشرق، ولكن كان حنيفا مسلما على  دين محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-.

 [وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ : تعريض بأنّهم مشركون لإشراكهم به عزير والمسيح، وردّ لا دعاء المشركين أنّهم على ملّة إبراهيم.

و في روضة الكافي : عليّ بن محمّد، عن عليّ بن عبّاس، عن عليّ بن حمّاد، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: لا شرقيّة ولا غربيّة، يقول: [لستم‏]  بيهود فتصلّوا قبل المغرب ولا نصارى فتصلّوا قبل المشرق، وأنتم على ملّة إبراهيم- صلّى اللّه عليه وآله- وقد قال- عزّ وجلّ-: ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.]

 

إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ: أي: أقربهم به. من الوليّ بمعنى: القرب.

لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ: من أمّته، وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا: لموافقتهم له في أكثر ما شرع لهم. والمراد بالّذين آمنوا، هم الأئمّة وأتباعهم.

 [وَ اللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ : ينصرهم ويجازيهم الحسنى بإيمانهم.] في أصول الكافي : الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشاء، عن مثّنى، عن عبد اللّه بن عجلان، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله تعالى: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا. قال: هم الأئمّة- عليهم السّلام- ومن اتّبعهم.

و في تفسير العيّاشيّ : عن عليّ بن النّعمان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- [في قوله إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ‏]  قال: هم الأئمّة وأتباعهم.

و في مجمع البيان : قال  أمير المؤمنين عليّ - عليه السّلام-: إنّ أولى النّاس بالأنبياء أعلمهم بما جاؤوا به، ثمّ تلا هذه الآية، وقال: إنّ وليّ محمّد من أطاع اللّه وإن بعدت لحمته، وإنّ عدوّ محمّد من عصى اللّه وإن قربت قرابته.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن عمر بن يزيد  قال : قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: أنتم واللّه من آل محمّد.

فقلت: من أنفسهم جعلت فداك؟

قال: نعم واللّه من أنفسهم- ثلاثا- ثمّ نظر إليّ ونظرت إليه، فقال: يا عمر، إنّ اللّه يقول في كتابه: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ.

 

و فيه : في حديث طويل [عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-]  وفيه يقول- صلّى اللّه عليه وآله-: ثمّ صعدنا إلى السّماء السّابعة ، فما مررت بملك من الملائكة إلّا قالوا: يا محمّد احتجم وأمر أمّتك بالحجامة، وإذا فيها رجل أشمط الرّأس واللّحية جالس‏على كرسيّ، فقلت: يا جبرئيل، من هذا الّذي في السّماء السّابعة، على باب البيت المعمور، في جوار اللّه؟

فقال: هذا يا محمّد  أبوك إبراهيم، وهذا محلّك، ومحلّ من اتّقى من أمّتك. ثمّ قرأ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ.

 

حدّثني أبي ، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن أبي خالد الكابليّ قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام-: واللّه لكأنّي أنظر إلى القائم- عليه السّلام- وقد أسند ظهره إلى الحجر، ثمّ ينشد اللّه حقّه، ثمّ يقول: يا أيّها النّاس من يحاجّني في اللّه فأنا أولى باللّه، أيّها النّاس من يحاجّني في آدم  فأنا أولى بآدم، أيّها النّاس من يحاجّني في نوح فأنا أولى بنوح، أيّها النّاس من يحاجّني في إبراهيم  فأنا أولى بإبراهيم.

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

و في نهج البلاغة

: من كتاب له- عليه السّلام- إلى معاوية جوابا: وكتاب اللّه يجمع لنا ما شذّ عنّا، وهو قوله سبحانه: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ، وقوله تعالى: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ. فنحن مرّة أولى بالقرابة، وتارة أولى بالطّاعة.

و في كتاب الاحتجاج ، للطّبرسيّ- رحمه اللّه- خطبة لعليّ- عليه السّلام- وفيها: قال اللّه- عزّ وجلّ-: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ، وقال- عزّ وجلّ-: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ. فنحن أولى النّاس بإبراهيم، ونحن ورثناه، ونحن أولو الأرحام الّذين ورثنا الكعبة، ونحن آل إبراهيم .

وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ: قيل : نزلت في اليهود، لمّا دعواحذيفة وعمّار أو معادا  إلى اليهوديّة.

و «لو»، بمعنى: أن.

وَ ما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ: وما يتخطّاهم الإضلال ولا يعود وباله إلّا عليهم، إذ يضاعف به عذابهم. أو يزيد به ضلالتهم ورسوخهم فيها. أو ما يضلّون إلّا أمثالهم.

وَ ما يَشْعُرُونَ : وزره واختصاص ضرره بهم.

يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ: الدّالّة على نبوّة محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- ممّا نطقت به التّوراة والإنجيل.

وَ أَنْتُمْ تَشْهَدُونَ : أنّها آيات اللّه، أو بالقرآن. أو أنتم تشهدون نعته في الكتابين، أو تعلمون بالمعجزات أنّه حقّ.

يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ: بالتّحريف وإبراز الباطل في صورة الحقّ، أو بالتّقصير في الميز بينهما.

و قرئ: «تلبّسون» بالتّشديد. و«تلبسون»: بفتح الباء .

وَ تَكْتُمُونَ الْحَقَّ من نبوّة محمّد- صلّى اللّه عليه وآله، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ : عالمين بما تكتمونه، أو أنتم من أهل العلم.

وَ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ: أوّله، وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ، أي: لعلّهم يشكّون في دينهم، ظنّا بأنّكم رجعتم لخلل ظهر لكم.

قيل : المراد بالطّائفة، اثنا عشر من أحبار خيبر، تقاولوا بأن يدخلوا في الإسلام أوّل النّهار ويقولوا آخره: نظرنا في كتابنا وشاورنا علماءنا فلم نجد محمّدا بالنّعت الّذي ورد في التّوراة، لعلّ أصحابه يشكّون فيه.

و قيل : كعب بن الأشرف ومالك بن الضّيف  قالا لأصحابهما لمّا حوّلت‏القبلة: آمنوا بما أنزل عليهم من الصّلاة إلى الكعبة وصلّوا إليها أوّل النّهار ثمّ صلّوا إلى الصّخرة آخره، لعلّهم يقولون: هم أعلم منّا وقد رجعوا، فيرجعون.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم

: قوله: وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ [لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ‏]  قال: نزلت في قوم من اليهود قالوا: آمنّا بالّذي جاء [به‏]  محمّد بالغداة، كفرنا  به بالعشيّ.

و في رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ. فإنّ  رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- لمّا قدم المدينة وهو يصلّي نحو بيت المقدس أعجب ذلك اليهود ، فلمّا صرفه اللّه عن بيت المقدس إلى بيت اللّه الحرام وجدت  اليهود من ذلك ، وكان صرف القبلة صلاة الظّهر، فقالوا: صلّى محمّد الغداة واستقبل قبلتنا، فآمنوا بالّذي أنزل على محمّد وجه النّهار واكفروا آخره، يعنون، القبلة حين استقبل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- المسجد الحرام، لعلّهم يرجعون إلى قبلتنا.

وَ لا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ: أي: لا تقرّوا عن قصد قلب إلّا لأهل دينكم.

أو لا تظهروا إيمانكم وجه النّهار إلّا لمن كان على دينكم، فإنّ رجوعهم أرجى.

قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ: يهدي من يشاء إلى الإيمان ويثبّته.

أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ: تعليل لمحذوف، أي: دبّرتم وقلتم ذلك لأجل أن يؤتى، أي: الحسد حملكم على ذلك. أو بلا تؤمنوا على المعنى الثّاني، أي: لا تظهروا إيمانكم للمسلمين لئّلا يزيد ثباتهم، أو للمشركين فيدعوهم إلى الإسلام.

و على هذا قوله: إنّ الهدى- الخ- اعتراض، يدلّ على أنّ كيدهم لا يجدي.

و يحتمل أن يكون خبر «إنّ» و«هدى اللّه» بدلا من الهدى.

و قرأ ابن كثير «أأن يؤتى» على الاستفهام للتّقريع وقرئ على «إن» النّافية، فيكون من كلام الطّائفة .أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ: عطف «على يؤتى»  على الوجهين الأوّلين، وعلى الثّالث، معناه: حتّى يحاجّوكم، يعني: إنّ هدى اللّه أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم حتّى يقدر على محاجّتكم. والواو، ضمير «لأحد» لأنّه في معنى الجمع.

قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ: لا ينفع في جلبه أمثال هذه التّدابير.

وَ اللَّهُ واسِعٌ: الفضل.

عَلِيمٌ : بمن يصلح له الفضل.

يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ: من غير استيجاب سابق منه.

وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ : وفضله عظيم، أعظم ممّا حصل لكم من الحطام الحقير، الّذي اكتسبتموه بالتّحريف والكتمان والكفر.

وَ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ:

نقل : أنّ عبد اللّه بن سلام استودعه قرشي ألفا ومائتي أوقيّة ذهبا فأدّاه إليه.

وَ مِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ:

نقل : أنّ فنحاص بن عازوراء استودعه قرشيّ آخر دينارا، فجحده.

و قيل : المأمونون على الكثير النّصارى، إذ الغالب فيهم الأمانة. والخائنون في القليل اليهود، إذ الغالب عليهم الخيانة.

و قرأ حمزة وابو بكر وأبو عمر «و يؤدّه [إليك ولا يؤدّه إليك»]  بإسكان الهاء.

و قالون، باختلاس [كسرة]  الهاء. [و كذا روى عن حفص.]  والباقون، بإشباع الكسرة  إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً: أي: إلّا أن تأخذه منه قبل المفارقة.

ذلِكَ: أي: ترك الأداء المذكور.

بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ: أي بسبب قولهم واعتقادهم أن «ليس علينا» في شأن من ليس من أهل الكتاب وعلى ديننا، سبيل وعقاب.وَ يَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ: بقول ذلك.

وَ هُمْ يَعْلَمُونَ : أنّهم كاذبون.

و قيل : عامل اليهود رجالا من قريش، فلمّا أسلموا تقاضوهم، فقالوا، سقط حقّكم حيث تركتم دينكم، وزعموا أنّه كذلك في كتابهم.

و في مجمع البيان : روي عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه لما قرأ هذه الآية قال: كذب اعداء اللّه، ما من شي‏ء كان في الجاهلية إلّا وهو تحت قدمي، إلّا الأمانة فإنّها مؤدّاة إلى البّر والفاجر.

بَلى: إثبات لما نفوه، أي: بلى عليهم سبيل.

مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاتَّقى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ : استئناف مقرّر للجملة الّتي سدّت «بلى» مسدّها. والضّمير مجرور بإضافة العهد من الإضافة إلى الفاعل لو رجع إلى «من»، ومن الإضافة إلى الفاعل أو المفعول لو رجع إلى اللّه وعموم المتّقين، ناب الرّاجع من الجزاء إلى «مَن». وأشعر بأنّ التّقوى ملاك الأمر، وهو يعمّ الوفاء وغيره، من أداء الواجبات والاجتناب عن المناهي.

إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ: يستبدلون، بِعَهْدِ اللَّهِ: بما عهد اللّه عليهم، أو بما عاهدوا اللّه عليه، من الإيمان بالرّسول وأداء الأمانات.

وَ أَيْمانِهِمْ: وبما حلفوا به من قولهم: واللّه لنؤمننّ به ولننصرنّه.

و في مجمع البيان ، وفي تفسير الكلبيّ: عن ابن مسعود قال: سمعت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يقول: من حلف على يمين كاذبة ليقطع به مال أخيه المسلم، لقى اللّه وهو عليه غضبان. وتلا هذه الآية.

ثَمَناً قَلِيلًا: متاع الدّنيا من الرّئاسة، وأخذ الرشوة، والذّهاب بمال أخيهم المسلم، ونحو ذلك.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا قال: يتقرّبون إلى النّاس بأنّهم مسلمون، فيأخذون منهم ويخونون، وما هم بمسلمين على الحقيقة.

و في أمالي شيخ الطّائفة - قدّس سرّه- بإسناده إلى أبي وائل، عن أبي عبد اللّه عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: من حلف على يمين يقطع  بها مال أخيه، لقى اللّه- عزّ وجلّ- وهو عليه غضبان. فأنزل اللّه- عزّ وجلّ- تصديق ذلك في كتابه: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا.

قال فبرز الأشعث بن قيس فقال: فيّ نزلت، خاصمت إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- [فقضى عليّ باليمين.]

 

أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ:

 [في عيون الأخبار : عن الرّضا- عليه السّلام- حديث طويل- في تعداد الكبائر وبيانها من كتاب اللّه- وفيه يقول الصّادق- عليه السّلام-: واليمين الغموس، لأنّ اللّه تعالى يقول: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ.

 

و في كتاب الخصال : عن الحسن بن علي- عليهما السّلام- [قال:]  الناس أربعة: فمنهم من له خلق ولا خلاق له، ومنهم من له خلاق ولا خلق له، ومنهم من لا خلق له ولا خلاق فذلك من شرّ الناس، ومنهم من له خلق وخلاق. فذلك من  خير النّاس‏]

 

في أصول الكافي : عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابه، عن آدم بن إسحاق، عن عبد الرّزّاق بن مهران، عن الحسين بن ميمون، عن محمّد بن سالم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- حديث طويل يقول فيه- عليه السّلام-: وأنزل في العهد:

إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ (الآية) والخلاق النّصيب، فمن لم يكن له نصيب [في الآخرة]  فبأيّ شي‏ء يدخل الجنّة؟

وَ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ بما يسرّهم. أو بشي‏ء أصلا، ويسألهم الملائكة يوم القيامة. أو لا ينتفعون بكلمات اللّه وآياته . أو كناية عن غضبه عليهم.

وَ لا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ: فإنّ من سخط على غيره أعرض عن التكلّم  معه والنّظر إليه، كما أنّ من اعتدّ بغيره تقاوله  ويكثر النّظر إليه.

و في كتاب التّوحيد ، عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- وقد سأله رجل عمّا اشتبه عليه من الآيات-: وأمّا قوله: وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ [يخبر]  أنّه لا يصيبهم بخير، وقد تقول العرب: واللّه ما ينظر إلينا فلان، وإنّما يعنون بذلك [أنّه‏]  لا يصيبنا منه بخير، فذلك النّظر هاهنا من اللّه تبارك وتعالى إلى خلقه، فنظره إليهم رحمة [منه‏]  لهم.

وَ لا يُزَكِّيهِمْ:

قيل : ولا يثني عليهم.

و في تفسير الإمام

: وَلا يُزَكِّيهِمْ من ذنوبهم.

و قد مرّ.

وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ : على ما فعلوا.

قيل : [إنّها]  نزلت في أحبار حرّفوا التّوراة، وبدّلوا نعت محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- وحكم الأمانات وغيرهما، وأخذوا على ذلك رشوة.

و قيل : [نزلت‏]  في رجل أقام سلعة في السّوق، فحلف لقد اشتراها بما لم يشترها به. وقيل : [نزلت‏]  في ترافع كان بين أشعث بن قيس ويهوديّ في بئر وأرض، وتوجّه الحلف على اليهوديّ.و في أمالي شيخ الطّائفة - قدّس سرّه-، بإسناده إلى أبي وائل، عن عبد اللّه عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: من حلف على يمين ليقطع بها مال أخيه، لقى اللّه- عزّ وجلّ- وهو عليه غضبان. فأنزل اللّه- عزّ وجلّ- تصديق ذلك في كتابه: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا.

 

قال : فبرز الأشعث بن قيس فقال: فيّ نزلت، خاصمت  إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- [فقضى عليّ باليمين.]

 

 [و فيه : عن وهب بن حريز قال: حدّثني أبي قال: سمعت عديّ بن عديّ يحدّث عن رجاء بن حيوة والعرس بن عميرة قال: حدّثني عن عديّ بن عديّ، عن أبيه قال:

اختصم امرؤ القيس ورجل من حضر موت إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-]  في أرض [فقال: إنّ هذا ابتزّ عليّ أرضي في الجاهليّة] .

فقال  [رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-:]  أ لك بيّنة؟

فقال : لا.

قال: فيمينه.

قال: إذا واللّه يذهب  بأرضي.

فقال : إن ذهب بأرضك [بيمينه‏]  كان ممّن لا ينظر اللّه إليه يوم القيامة، ولا يزكّيه وله عذاب أليم.

 [و في عيون الأخبار : عن الرّضا قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-:حرّمت الجنّة على من ظلم أهل بيتي، وعلى من قاتلهم، وعلى المعين [عليهم،]  وعلى من سبّهم، أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ.

و في أصول الكافي،  إلى ابن أبي يعفور قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: ثلاثة لا ينظر [اللّه‏]  إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: من ادّعى إمامة من اللّه ليست له، ومن جحد إماما من اللّه، ومن زعم أنّ لهما في الإسلام نصيبا.

عليّ بن محمّد ، عن بعض أصحابه، عن آدم بن إسحاق، عن عبد الرّزّاق بن مهران، عن الحسين بن ميمون، عن محمّد بن سالم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- حديث طويل يقول فيه- عليه السّلام-: وأنزل في العهد إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ والخلاق النّصيب. فمن لم يكن له نصيب في الآخرة فبأي شي‏ء يدخل الجنّة؟

محمّد بن جعفر ، عن محمّد بن عبد الحميد، عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: ثلاثة لا يكلّمهم اللّه ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك جبّار، ومقلّ  مختال.

و في الكافي ، بإسناده إلى محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال:

ثلاثة لا يكلّمهم اللّه يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم: الشّيخ الزّاني، والدّيّوث، والمرأة توطئ فراش زوجها.

و بإسناده: إلى محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: ثلاثة لا يكلّمهم اللّه ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم، منهم المرأة توطئ فراش زوجها.و في من لا يحضره الفقيه ، وروى محمّد بن أبي عمير، عن أبي إسحاق بن هلال ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّ أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال: ألا أخبركم بأكبر الزّنا؟

قالوا: بلى.

قال: هي امرأة توطئ فراش زوجها، فتأتي بولد من غيره، فتلزمه زوجها، فتلك الّتي لا يكلّمها اللّه ولا ينظر إليها يوم القيامة ولا يزكّيها ولها عذاب أليم.

و في مجمع البيان : وفي تفسير الكلبيّ، عن ابن مسعود قال: سمعت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يقول: من حلف على يمين كاذبة ليقطع بها مال أخيه المسلم، لقي اللّه وهو عليه غضبان. وتلا هذه الآية.

و في كتاب الخصال ، عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: ثلاثة لا يكلّمهم اللّه يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم: النّاتف شيبه، والنّاكح نفسه، والمنكوح في دبره.

عن الأعمش ، عن صالح ، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: ثلاثة لا يكلّمهم اللّه يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم: رجل بايع إماما لا يبايعه إلّا للدّنيا إن أعطاه منها ما يريد وفي له وإلّا لم يبق ، ورجل بايع رجلا بسلعة بعد العصر فحلف باللّه لقد أعطي بها كذا وكذا فصدّقه فأخذها ولم يعط فيها ما قال، ورجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه ابن السّبيل.

و في تفسير العيّاشيّ : عن أبي حمزة الثّماليّ، عن عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- قال: ثلاثة لا يكلّمهم اللّه يوم القيامة [و لا ينظر إليهم‏]  ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم: من جحد إماما، أو ادّعى إماما من غير اللّه، أو زعم أنّ لفلان وفلان في الإسلام نصيبا.و عن محمّد الحلبيّ  قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام- ثلاثة لا ينظر اللّه إليهم يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم: الدّيّوث من الرّجال، والفاحش المتفحّش، والّذي يسأل النّاس وفي يده ظهر غنى.

و عن السّكونيّ ، عن جعفر بن محمّد عن أبيه- عليهم السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: ثلاثة لا ينظر اللّه إليهم يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم: المرخي ذيله من العظمة، والمزكّي سلعته بالكذب، ورجل استقبلك بودّ صدره فيواري وقلبه ممتلئ غشّا.

و في شرح الآيات الباهرة ]  وفي كتاب مصباح الأنوار للشّيخ الطّوسيّ- رحمه اللّه-: بإسناده إلى محمّد بن إسماعيل قال: حدّثنا أبو الحسن المثنّى قال: حدّثنا عليّ بن مهرويه  قال: حدثنا داود بن سليمان الغازي قال: حدّثنا عليّ بن موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر، عن أبيه محمّد، عن أبيه عليّ، عن أبيه الحسين، عن أبيه عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: حرّم اللّه الجنّة على ظالم أهل بيتي، وقاتلهم، وشانئهم ، والمعين عليهم. ثمّ تلا هذه الآية: أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ (الآية) .

و في معنى هذا التأويل‏

ما رواه الشّيخ محمّد بن يعقوب- رحمه اللّه - قال: روى عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الوشّاء، عن داود الحمار ، عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال: ثلاثة لا يكلّمهم اللّه ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكّيهم  ولهم عذاب أليم: من ادّعى إمامة ليست له من اللّه، ومن جحد إماما من اللّه،و من زعم أنّ لهما في الإسلام نصيبا.

وَ إِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ: يفتلونها بقراءته، فيميلونها عن المنزل الى المحرّف. أو يعطفونها بشبه الكتاب. من لواه يلويه، فتله وثناه.

و قرأ ابن كثير «يلوون» على قلب الواو المضمومة همزة، ثمّ تخفيفها بحذفها، وإلقاء حركتها على السّاكن قبلها .

لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ:

الضّمير للمحرّف، المدلول عليه بقوله: يلوون.

و قرئ بالياء، والضّمير أيضا للمسلمين .

وَ يَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ: تأكيد لقوله: ما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وزيادة تشنيع عليهم وبيان، لأنّهم يقولون ذلك تصريحا لا تعريضا.

قال البيضاويّ : وهذا لا يقتضي أن لا يكون فعل العبد فعل اللّه تعالى.

و غرضه أنّه ليس في هذا ردّ لمذاهب الأشاعرة، وفيه: أنّه لو كان فعل  العبد فعل اللّه، لزم الكذب في قوله، وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، لأنّه على هذا التّقرير كلّ مفترياتهم من عند اللّه ومن فعله، واختصاصهم بكونهم كاسبين له ومباشرين لاتّصافه، لا يمنع صدق كونه من عند اللّه عليه، وإن صحّح إضافته إليهم .

 [و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله: وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ قال: كان اليهود يقرءون  شيئا ليس في التوراة، ويقولون: هو في التّوراة، فكذّبهم اللّه.] وَ يَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ : تسجيل  عليهم بالكذب على اللّه، والتّعمّد فيه.

عن ابن عباس: هم اليهود الّذين قدموا على كعب بن الأشرف، وغيّروا التّوراة وكتبوا كتابا بدّلوا فيه صفة النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- ثمّ أخذت قريظة ما كتبوه، فخلطوه بالكتاب الّذي عندهم.

ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ: ردّ لعبدة عيسى.

و في مجمع البيان : قيل: إنّ أبا رافع القرظيّ ورئيس وفد نجران قالا : يا محمّد، أ تريد أن نعبدك ونتّخذك ربّا ؟

فقال: معاذ اللّه أن يعبد  غير اللّه أو آمر بعبادة غير اللّه ، فما  بذلك بعثني ولا بذلك أمرني. فأنزل اللّه الآية .

و في البيضاويّ - وقيل: قال رجل: يا رسول اللّه نسلّم عليك كما يسلّم بعضنا على بعض ، أفلا نسجد لك؟

قال: لا ينبغي أن يسجد لأحد من دون اللّه، ولكن أكرموا نبيّكم واعرفوا الحقّ لأهله.

وَ لكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ، أي: ولكن يقول ذلك.

و الرّبّانيّ، منسوب إلى الرّبّ، بزيادة الألف والنون، كاللّحيانيّ والرّقبانيّ، وهو الشّديد التّمسّك بدين اللّه وطاعته.بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ : بسبب كونكم معلّمين الكتاب ودارسين له، فإنّ فائدة التّعليم والتّعلّم معرفة الحقّ والخير للاعتقاد والعمل.

و قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب «تعلمون» بالتّخفيف، أي، بسبب كونكم عالمين .

و قرئ «تدرسون» من التّدريس، و«تدرسون» من أدرس، بمعنى: درس، كأكرم وكرم. ويجوز أن تكون القراءة المشهورة أيضا بهذا المعنى، على تقدير: وبما تدرسونه على النّاس .

و في كتاب عيون الأخبار : في باب ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- في وجه دلائل الأئمّة- عليهم السّلام- والرّدّ على الغلاة والمفوّضة- لعنهم اللّه- حديث طويل وفيه: فقال  المأمون: يا أبا الحسن بلغني أنّ قوما يغلون فيكم ويتجاوزون  فيكم الحدّ.

فقال: الرّضا- عليه السّلام-: حدّثني أبي موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن عليّ، عن أبيه علي بن أبي طالب- عليهم السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-:

لا ترفعوني فوق حقّي، فإن اللّه تعالى اتّخذني عبدا قبل أن يتّخذني نبيّا، قال اللّه تعالى: ما كانَ لِبَشَرٍ- إلى آخر الآية -.

و قال  عليّ- عليه السّلام-: يهلك فيّ اثنان- ولا ذنب لي- محبّ مفرط ومبغض مفرّط، وإنّا البرءاء  إلى اللّه- تعالى- ممّن يغلو فينا فيرفعنا  فوق حدّنا، كبراءة عيسى بن مريم- عليهما السّلام- من النّصارى.

وَ لا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً:

قرأ ابن عامر وحمزة وعاصم ويعقوب، بفتح الرّاء، عطفا على «يقول» ويكون «لا» إمّا مزيدة، لتأكيد معنى النّفي في قوله: ما كانَ لِبَشَرٍ، أي، ما كان لبشر أن يستنبئه‏اللّه، ثمّ يأمر النّاس بعبادة [نفسه، ويأمر باتّخاذ الملائكة والنّبيّين أربابا. أو غير مزيدة، على معنى أنّه ليس له أن يأمر بعبادته‏]  ولا يأمر باتّخاذ أكفاءه أربابا، بل ينهى عنه والباقون، بالرّفع على الاستئناف. ويحتمل الحال، بتقدير: وهو يأمركم، أو لا يأمركم.

و قرأ أبو عمر، على أصله، لرواية الدّوديّ، باختلاس الضّمّ.

 [و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله: وَ[لا]  يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً. قال: كان قوم يعبدون الملائكة، وقوم من النّصارى زعموا أنّ عيسى ربّ، واليهود [قالوا:]  عزير بن اللّه. فقال اللّه: لا يَأْمُرَكُمْ  أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً.]

أَ يَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ، أي: البشر المستنبئ.

و قيل : أي اللّه.

بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ :

قال  البيضاويّ: دليل على أنّ الخطاب للمسلمين، وهم المستأذنون لأن يسجدوا له.

و فيه: أنّه لا دلالة فيه، لجواز الخطاب «بأنتم مسلمون» لليهود والنّصارى، بمعنى:

أنّكم كنتم مسلمين قبل ادّعاء الرّبوبيّة لهذه الأشياء .