سورة الانعام الآية 41-60

بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ: بل تخصّونه بالدّعاء، كما حكي عنهم في مواضع. وتقديم المفعول، لإفادة التّخصيص.

فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ: كشفه.

إِنْ شاءَ: إن شاء أن يتفضّل عليكم بكشفه.

وَ تَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ : وتنسون آلهتكم في ذلك الوقت، لما ركز في العقول أنّه القادر على كشف الضّرّ دون غيره. أو تنسونه من شدّة الأمر وهوله.

في تفسير عليّ بن إبراهيم : ثمّ ردّ عليهم فقال: بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ.

قال: تدعون اللّه إذا أصابكم ضرّ ثمّ إذا كشف عنكم ذلك تنسون ما تشركون، أي: تشركون تتركون  الأصنام.

و في كتاب التّوحيد : حدّثنا محمّد بن القاسم الجرجانيّ- رحمه اللّه- قال: حدّثنا أبو يعقوب يوسف بن محمّد بن زياد وأبو الحسن عليّ بن محمّد بن سيّار- وكانا من الشّيعة الإماميّة-، عن أبويهما، عن الحسن بن عليّ [بن محمد] - عليهما السّلام-، عن عليّ أمير المؤمنين أنّه قال له رجل فما تفسير قوله «اللّه».فقال: هو الّذي يتألّه إليه عند الحوائج والشّدائد كلّ مخلوق عند انقطاع الرّجاء من جميع من هو دونه، وتقطّع الأسباب من كلّ من سواه. وذلك أنّ كلّ مترئس في هذه الدّنيا ومتعظم فيها وإن عظم غناه وطغيانه وكثرت حوائج من دونه إليه، فإنّهم سيحتاجون حوائج لا يقدر عليها هذا المتعاظم. وكذلك هذا المتعاظم يحتاج حوائج لا يقدر عليها، فينقطع  إلى اللّه عند ضرورته وحاجته ، حتّى إذا كفى همّه عاد إلى شركه. أما تسمع اللّه- عزّ وجلّ- يقول: قُلْ أَ رَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَ غَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ، بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ، أي: قبلك.

و «من» مزيدة، أي: الرّسل فكذّبوهم.

فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ: بالشّدة والفقر.

وَ الضَّرَّاءِ: والضّرّ والآفات، كنقصان الأنفس والأموال. وهما صيغتا تأنيث لا مذكّر لهما.

لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ : يتذلّلون، ويتوبون عن ذنوبهم.

في نهج البلاغة : قال- عليه السّلام-: لو أنّ النّاس حين تنزل بهم النّقم وتزول عنهم النّعم فزعوا إلى ربّهم بصدق من نيّاتهم ووله من قلوبهم، لردّ عليهم كلّ شارد وأصلح لهم كلّ فاسد.

فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا:

معناه: نفي تضرّعهم في ذلك الوقت مع قيام الدّاعي. وبّخهم على ترك التضرّع، لأنّه لا عذر لهم في ذلك إلّا عنادهم وقسوة قلوبهم.

و في أصول الكافي ، بإسناده إلى مروك بيّاع اللّؤلؤ، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال في حديث طويل: وهكذا التّضرّع. وحرّك أصابعه يميناو شمالا.

و عن أبي عبد اللّه - عليه السّلام- قال في حديث طويل: أن تحرّك إصبعك السّبابة ممّا يلي وجهك. وهو دعاء الخيفة .

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن أبي أيّوب، عن محمّد بن مسلم قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام-: والتّضرّع رفع اليدين، والتّضرّع بهما.

ثمّ قال:

وَ لكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ : استدراكا على المعنى، وبيانا للصّارف لهم من التّضرّع، وأنّه لا مانع لهم إلّا القساوة والإعجاب بالأعمال الّتي زينها الشّيطان لهم.

فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ: من البأساء والضّرّاء، ولم يتّعظوا به.

فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْ‏ءٍ: من الصّحّة والتّوسعة في الرّزق. إمّا امتحانا لهم بالشّدة والرّخاء، أو مكرا بهم استدراجا لهم.

و قرأ  ابن عامر: «فتّحنا» بالتّشديد في جميع القرآن، ووافقه يعقوب فيما عدا هذا والّذي في الأعراف.

حَتَّى إِذا فَرِحُوا: عجبوا.

بِما أُوتُوا: من النّعم. ولم يزيدوا إلّا على البطر والاشتغال بالنّعمة من المنعم والقيام بحقّه.

أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً: مفاجأة.

فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ : متحيّرون آيسون.

فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا، أي: آخرهم، بحيث لم يبق منهم أحد.

من دبره دبرا ودبورا: إذا تبعه.

وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ : على إهلاكهم. فإنّ إهلاك أعداء اللّه‏و إعلاء كلمته من حيث أنّه تخليص لأهل الأرض من شؤم عقائدهم وأعمالهم، نعمة جليلة يحقّ أن يحمد عليها.

في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثنا جعفر بن محمّد  قال: حدّثنا عبد الكريم بن عبد الرّحمن ، عن محمّد بن عليّ، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْ‏ءٍ.

قال: أمّا قوله: فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ، يعني: فلمّا تركوا ولاية عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- وقد أمروا به فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْ‏ءٍ، يعني: دولتهم في الدّنيا وما بسط لهم فيها. وأمّا قوله: حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ، يعني بذلك: قيام القائم- عليه السّلام- حتّى كأنهم لم يكن لهم سلطان قطّ.

فذلك قوله: بَغْتَةً فنزل آخر هذه الآية على محمد.

حدّثني  أبي، عن القاسم بن محمّد، عن سليمان بن داود المنقريّ، عن حفص بن غياث، عن أبي جعفر - عليه السّلام- قال: كان في مناجاة اللّه لموسى- عليه السّلام-:

يا موسى، إذا رأيت الفقر مقبلا، فقل مرحبا بشعار الصّالحين. وإذا رأيت الغنى مقبلا، فقل ذنب عجّلت عقوبته.

و في مجمع البيان : فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا (الآية). و

روي عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه قال: إذا رأيت اللّه- تعالى- يعطي على المعاصي، فإنّ ذلك استدراج منه. ثمّ تلا هذه الآية.

و نحوه ما روي عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- أنّه قال: يا بن آدم، إذا رأيت ربّك يتابع عليك نعمة، فاحذره.و في كتاب تلخيص الأقوال في تحقيق أحوال الرّجال : عن الكشّيّ، بإسناده إلى أبي الحسن صاحب العسكريّ: أنّ قنبرا مولى أمير المؤمنين- عليه السّلام- أدخل على الحجّاج.

فقال له: ما الّذي كنت تلي من عليّ بن أبي طالب؟

قال: كنت أوضّئه.

فقال له: ما كان يقول إذا فرغ من وضوئه؟

فقال: كان يتلوا هذه الآية فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْ‏ءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ، فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.

فقال الحجّاج: أظنّه كان يتلوها علينا؟

قال: نعم.

و في تفسير العيّاشيّ ، مثله سواء.

 

و في التّفسير ، عن أبي حمزة الثّماليّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللّه- تعالى-: فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا.

قال: لمّا تركوا ولاية عليّ- عليه السّلام- وقد أمروا بها أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ، فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.

قال: نزلت في ولد العبّاس.

و في كتاب معاني الأخبار : أبي- رحمه اللّه- قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن القاسم بن محمّد الإصبهانيّ، عن سليمان بن داود المنقريّ، عن فضيل بن عياض، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال: من أحبّ بقاء الظّالمين فقد أحبّ أن يعصى اللّه. إنّ اللّه- تبارك وتعالى- حمد نفسه بهلاك  الظّلمة، فقال: فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.و في الكافيّ : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه وعليّ بن محمّد القاسانيّ، عن القاسم بن محمّد، عن سليمان بن داود المنقريّ، عن الفضيل بن عياض، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- مثله.

 

قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ: أصمّكم وأعماكم.

وَ خَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ: بأن يغطّي عليها ما يزول به عقلكم وفهمكم.

مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ، أي: بذلك. أو بما أخذ وختم عليه. أو بأحد هذه المذكورات.

انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ: فكرّرها تارة من جهة المقدّمات العقليّة، وتارة من جهة التّرغيب والتّرهيب، وتارة بالتّنبيه والتّذكير بأحوال المتقدّمين.

ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ : يعرضون عنها.

و «ثمّ» لاستبعاد الإعراض بعد تصريف الآيات وظهورها.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم  في هذه الآية قال: قل لقريش: إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ من يردّه  عليكم إلّا اللّه. وقوله: ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ، أي: يكذّبون.

و في رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في هذه الآية يقول: إن أخذ اللّه منكم الهدى مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ، انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ. يقول: يعرضون .

قُلْ أَ رَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ بَغْتَةً: من غير مقدّمة، وظهور أمارة.

أَوْ جَهْرَةً: تتقدّمها أمارة تؤذن بحلولها. قابل البغتة بالجهرة، لما في البغتة من معنى الخفية.

و قيل : ليلا أو نهارا.

و قرئ : «بغتة» و«جهرة». [بكسر الفاء] .

هَلْ يُهْلَكُ، أي: ما يهلك هلاك تعذيب وسخط.

إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ : ولأنّه بمعنى النّفي، صحّ الاستثناء المفرغ منه.

و قرئ : «يهلك» بفتح الياء.

و في تفسير العيّاشيّ : عن منصور بن يونس، عن رجل، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: أخذ بني أميّة بغتة، وبني العبّاس جهرة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : [نزلت‏]  لمّا هاجر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إلى المدينة وأصاب أصحابه الجهد والعلل والمرض، فشكوا ذلك إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-. فأنزل اللّه قل لهم يا محمّد: أَ رَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ، يعني: لا يصيبكم إلّا الجهد والضّرّ في الدّنيا. فأمّا العذاب الأليم الّذي فيه الهلاك، فلا يصيب إلّا القوم الظّالمون.

وَ ما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ: بالثّواب والجنّة.

وَ مُنْذِرِينَ: بالعقاب  والنّار. ولم نرسلهم ليقترح عليهم.

فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ: بما يجب إصلاحه من العمل والاعتقاد.

فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ: من العذاب.

وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ : بفوت الثّواب.

وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ:

جعل العذاب ماسّا لهم كأنّه الطّالب للوصل إليهم، واستغنى بتعريفه عن التّوصيف.بِما كانُوا يَفْسُقُونَ : بسبب خروجهم عن التّصديق والطّاعة.

قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ: مقدوراته. أو خزائن رزقه.

في كتاب التّوحيد والمعاني والأمالي : عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-: أنّه لمّا صعد موسى إلى الطّور فنادى ربّه- عزّ وجلّ- قال: يا ربّ أرني خزائنك.

فقال: يا موسى، إنّما خزائني إذا أردت شيئا أن أقول له: كن، فيكون.

وَ لا أَعْلَمُ الْغَيْبَ: ما لم يوح إليّ. وهو من جملة المقول.

وَ لا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ: من جنس الملائكة. أو أقدر على ما يقدرون عليه.

إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ: لا أتّبع شيّئا آخر غير الوحي. تبرّأ عن دعوى الألوهيّة والملكيّة، وادّعى النّبوّة الّتي هي من كمالات البشر ردّا لاستبعادهم دعواه وجزمهم على فساد مدّعاه. ولا يلزم منه كون الملائكة أفضل منه، كما أنّه لا يلزم كون من تبع غير الوحي أفضل منه.

و في كتاب التّوحيد ، بإسناده إلى أحمد بن محمّد الميثميّ- رضي اللّه عنه- أنّه سأل الرّضا- عليه السّلام- يوما وقد اجتمع عنده قوم من أصحابه، وقد كانوا يتنازعون في الحديثين المختلفين عن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- في الشّي‏ء الواحد.

فقال- عليه السّلام-: إنّ اللّه حرّم حراما وأحلّ حلالا وفرض فرائض. فما جاء في تحليل ما حرّم اللّه وتحريم ما أحلّ اللّه أو دفع فريضة في كتاب اللّه رسمها بين قائم بلا ناسخ  نسخ ذلك. فذلك شي‏ء لا يسع الأخذ به. لأنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- لم يكن ليحرّم ما أحلّ اللّه، ولا ليحلّل ما حرّم اللّه، ولا ليغيّر فرائض اللّه وأحكامه. وكان في ذلك كلّه متّبعا مسلّما مؤدّيا عن اللّه- عزّ وجلّ-. وذلك قول اللّه- عزّ وجلّ-:إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ. فكان متّبعا للّه، مؤدّيا عن اللّه ما أمره به من تبليغ الرّسالة.

قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ:

إمّا مثل الجاهل والعالم قاله عليّ بن إبراهيم في تفسيره  ونسبه في مجمع البيان  إلى أهل البيت- عليهم السّلام-.

 

أو للضّالّ والمهتدي أو لمدّعي المستحيل، كالألوهيّة والملكيّة، ومدعي المستقيم، كالنّبوة. قاله البيضاوي وغيره .

أَ فَلا تَتَفَكَّرُونَ : فتهتدوا. أو فتميّزوا بين ادّعاء الحقّ والباطل. أو فتعلموا أنّ اتّباع الوحي ممّا لا محيص عنه.

وَ أَنْذِرْ بِهِ:

الضّمير لما يوحى إلي وهو القرآن وغيره، بحسب المفهوم. والمراد هنا القرآن، كما يأتي في الخبر.

الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ:

قيل : هم المؤمنون المفرّطون في العمل. أو المجوزون للحشر، مؤمنا كان أو كافرا، مقرّا به أو متردّدا فيه. فإنّ الإنذار ينفع فيهم دون الفارغين الجازمين باستحالته.

و في مجمع البيان : قال الصّادق- عليه السّلام-: وأنذر بالقرآن من يرجون الوصول إلى ربّهم ترغبهم فيما عنده. فإنّ القرآن شافع مشفّع.

لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ: في موضع الحال من مرفوع «يحشروا». فإنّ المخوّف هو الحشر على هذه الحال.

لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ : لكي يتّقوا.

وَ لا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ: يعبدونه على الدّوام.و قيل : المراد صلاة الصّبح والعصر.

و قرأ ابن عامر: «بالغدوة» هاهنا وفي الكهف.

يُرِيدُونَ وَجْهَهُ: حال من فاعل «يدعون»، أي: يدعون ربّهم مخلصين فيه.

قيّد الدّعاء بالإخلاص، تنبيها على أنّه ملاك الأمر. ورتّب النّهي عليه، إشعارا بأنّه يقتضي إكرامهم وينافي إبعادهم.

ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ: أي ليس عليك حساب إيمانهم، أي: إيمان الّذين يدعون ربّهم بالغداة والعشي. فإنّ إيمانهم عند اللّه أعظم من إيمان من تطردهم بسؤالهم، وهم المشركون، نسبوا إلى هؤلاء أنّ باطنهم غير مرضيّ وطعنوا في إيمانهم. فإنّهم لمّا اتّسموا بسيرة المتّقين، وجب عليك إكرامهم.

لأنّ حساب إيمانهم في الباطن عليهم لا يتعدّاهم إليك، كما أنّ حسابك لا يتعدّاك عليهم.

و قيل : ما عليك من حساب رزقهم، أي: من فقرهم.

و قيل : الضّمير للمشركين. والمعنى: لا تؤاخذ بحسابهم ولا هم بحسابك حتّى يهمّك إيمانهم، بحيث تطرد المؤمنين طمعا فيه.

فَتَطْرُدَهُمْ: فتصدّهم. وهو جواب النّفي.

فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ : جواب النّهي.

و في الكشّاف : ويجوز أن يكون عطفا على «فتطردهم» على وجه التّسبّب. لأنّ كونه ظالما مسبّب عن طردهم.

و اعترض عليه، بأنّ الطّرد المسبّب عن كون حسابهم عليه لا يصير سببا لكونه فيه من الظّالمين. لأنّه لدفع الضرر عن نفسه.

و

في تفسير عليّ بن إبراهيم : أنّه كان سبب نزولها، أنّه كان بالمدينة قوم فقراء مؤمنون يسمّون أصحاب الصّفّة. وكان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أمرهم أن يكونوا في‏الصفّة يأوون إليها. وكان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يتعاهدهم بنفسه، وربّما حمل إليهم ما يأكلون. وكانوا يختلفون إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فيقرّبهم ويقعد معهم ويؤنسهم. وكان إذا جاء الأغنياء والمترفون من أصحابه أنكروا عليه ذلك، ويقولون له: اطردهم عنك. فجاء يوما رجل من الأنصار إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وعنده [رجل‏]  من أصحاب الصّفة قد لزق برسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.

و رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يحدّثه. فقعد الأنصاريّ بالبعد عنهما. فقال له رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: تقدّم.

فلم يفعل.

فقال له رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: لعلّك خفت أن يلزق فقره بك.

فقال الأنصاريّ: اطرد هؤلاء عنك. فأنزل اللّه الآية.

و في تفسير العيّاشيّ : عن الأصبع بن نباتة قال: بينما عليّ- عليه السّلام- يخطب يوم الجمعة على المنبر، فجاء الأشعث بن قيس  يتخطّى  رقاب النّاس.

فقال: يا أمير المؤمنين، حالت الحمد  بيني وبين وجهك.

و قال: فقال عليّ- عليه السّلام-: مالي وللضّياطرة ، أطرد قوما غدوا أوّل النّهار يطلبون رزق اللّه وآخر النّهار ذكروا اللّه، فأطردهم فأكون من الظّالمين.

وَ كَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ: ومثل ذلك الفتن وهو اختلاف أحوال النّاس في امور الدّنيا.

 «فتّنا»، أي: ابتلينا بعضهم ببعض في أمر الدّين. فقدّمنا هؤلاء الضّعفاء على أشراف قريش بالسّبق إلى الإيمان.لِيَقُولُوا أَ هؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا، أي: أ هؤلاء من أنعم اللّه عليهم بالهداية والتّوفيق لما يسعدهم دوننا، ونحن الأكابر والرّؤساء، وهم المساكين والضّعفاء.

و هو إنكار، لأن يخصّ هؤلاء من بينهم بإصابة الحقّ والسّبق إلى الخير.

و «اللام» للعاقبة، أو للتّعليل. على أنّ «فتنّا» متضمّن معنى: خذلنا.

أَ لَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ : بمن يقع منه الإيمان والشّكر فيوفّقه، وبمن لا يقع منه فيخذله.

و في مجمع البيان : روى الثّعلبيّ، بإسناده: عن عبد اللّه بن مسعود قال: مرّ الملأ من قريش على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وعنده صهيب وخبّاب وبلال وعمّار وغيرهم من ضعفاء المسلمين.

فقالوا: يا محمّد، أرضيت بهؤلاء من قومك، أ فنحن نكون لهم تبعا لهم «أ هؤلاء الّذين منّ اللّه عليهم»؟ اطردهم عنك فلعلّك إن طردتهم اتّبعناك فأنزل اللّه- تعالى-:

وَ لا تَطْرُدِ الَّذِينَ (الخ).

و قال سلمان وخبّاب: فينا نزلت هذه الآية. جاء الأقرع بن حابس التميميّ وعيينة بن حصين  حصن الفزاري وذووهم من المؤلّفة قلوبهم فوجدوا النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قاعدا مع بلال وصهيب وعمّار وخبّاب، في ناس من ضعفاء المؤمنين فحقروهم.

فقالوا: يا رسول اللّه، لو نحّيت هؤلاء عنك حتّى نخلوا بك، فإن وفود العرب تأتيك فنستحي أن يرونا مع هؤلاء الأعبد، ثمّ إذا انصرفنا فإن شئت فأعدهم إلى مجلسك. فأجابهم النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- إلى ذلك.

فقالوا له: اكتب لنا بهذا على نفسك كتابا.

فدعا بصحيفة وأحضر عليّا - عليه السّلام- ليكتب قال: ونحن قعود في ناحية، إذ نزل جبرائيل- عليه السّلام- بقوله: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ- إلى قوله‏أَ لَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ فنحّى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- الصّحيفة وأقبل علينا ودنونا منه.

و هو يقول: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ.

و في تفاسير العامّة ، نقل سبب النّزول على هذا الوجه وزيد فيه: وروي أنّ عمر قال له: لو فعلت حتّى ننظر إلى ما ذا يصيرون.

وَ إِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ:

قيل : نزلت في الّذين نهى اللّه عن طردهم. و

كان النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- إذا بدأهم بالسّلام.

و قيل : نزلت في حمزة وجعفر وعمّار ومصعب بن عمير [و عمّار]  وغيرهم.

و قيل : إنّ جماعة أتوا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فقالوا: إنّا أصبنا ذنوبا كثيرة. فسكت عنهم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فنزلت.

و في مجمع البيان : عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-

 

 [بعد قوله وقيل‏]  وقيل: نزلت في التّائبين.

أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً: استئناف بتفسير الرحمة.

و قرأ  نافع وابن عامر وعاصم ويعقوب، بالفتح، على البدل منها.

بِجَهالَةٍ: في موضع الحال، أي: من عمل ذنبا جاهلا بحقيقة ما يتبعه من المضارّ والمفاسد، أو متلبّسا بفعل الجهلة. فإنّ ارتكاب ما يؤدّي إلى الضّرر، من أفعال أهل السّفه والجهل.

ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ: بعد العمل، أو السوء.

وَ أَصْلَحَ: بالتّدارك والعزم على أن لا يعود إليه.فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ : فتحه من فتح الأوّل غير نافع على إضمار مبتدأ، أو خبر، أي: فأمره أو فله غفرانه.

في تفسير العياشيّ : عن أبي عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال: رحم اللّه عبدا تاب إلى اللّه قبل الموت. فإنّ التّوبة مطهّرة من دنس الخطيئة، ومنقذة من شقاء الهلكة، فرض اللّه بها على نفسه لعباده الصّالحين فقال: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ، أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً

.

وَ كَذلِكَ، مثل ذلك التّفضيل الواضح.

نُفَصِّلُ الْآياتِ: آيات القرآن، في صفة المطيعين والمجرمين المصرّين منهم والأوّابين.

وَ لِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ :

قرأ  نافع، بالتّاء، ونصب «السّبيل» على معنى: ولتستوضح، يا محمّد، سبيلهم فتعامل كلّا منهم بما يحقّ له فصّلنا هذا التّفصيل.

و ابن عامر  ويعقوب وحفص عن عاصم، برفعه، على معنى: ولتبيّن.

و الباقون، بالياء والرّفع، على تذكير السّبيل، فإنّه يذكّر ويؤنّث.

و يحتمل أن يعطف على علّة مقدّرة، أي: نفصّل الآيات ليظهر الحقّ وليستبين.

قُلْ إِنِّي نُهِيتُ: صرفت وزجرت بما نصب لي من الأدلّة وأنزل عليّ من الآيات في أمر التّوحيد.

أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، أي: تعبدونه. أو ما تسمّونه آلهة من دونه.

قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ: تأكيد لقطع أطماعهم، وإشارة إلى الموجّب للنّهي، وعلّة الامتناع عن مشايعتهم واستجهال وبيان لمبدإ ضلالهم وأنّ ما هم عليه هوى وليس‏بهدى، وتنبيه لمن تحرّى الحقّ على أن يتّبع الحجّة ولا يقلّد.

قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً، أي: إن اتّبعت أهواءكم، فقد ضللت.

وَ ما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ، أي: في شي‏ء من الهدى حتّى أكون من عدادهم. وفيه تعريض بأنّهم كذلك.

قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ: تنبيه على ما يجب اتّباعه، بعد ما بيّن ما لا يجوز اتّباعه.

قيل : «البيّنة» الدّلالة الواضحة، الّتي تفصل الحقّ من الباطل.

و قيل : المراد بها، القرآن والوحي. أو الحجج العقليّة، أو ما يعمّها.

مِنْ رَبِّي: من معرفته، وأنّه لا معبود سواه. ويجوز أن يكون صفة «لبيّنة».

وَ كَذَّبْتُمْ بِهِ:

الضّمير «لربّي»، أي: كذّبتم بربّي حيث أشركتم به سواه. أو للتّنبيه، باعتبار المعنى.

ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ، يعني: العذاب الّذي استعجلوه بقولهم: «فأمطر علينا حجارة من السّماء أو ائتنا بعذاب أليم».

إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ: في تعجيل العذاب وتأخيره.

يَقُصُّ الْحَقَّ، أي: القضاء الحقّ. أو يصنع الحقّ ويدبّره من قولهم: قضى الدّرع: إذا صنعها، فيما يقضي من تعجيل وتأخير.

و أصل القضاء، الفصل بتمام الأمر.

و قرأ  ابن كثير ونافع وعاصم: «يقص» من قصّ الأثر، أو قصّ الخبر.

وَ هُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ : القاضين.

قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي، أي: في قدرتي ومكنتي.

ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ: من العذاب.

لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ: لأهلكتكم  عاجلا غضبا لربّي، وانقطع مابيني وبينكم.

وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ : في معنى الاستدراك، كأنّه قال: ولكنّ الأمر إلى اللّه، وهو أعلم بمن ينبغي أن يؤخذ بمن ينبغي أن يمهل منهم.

و في روضة الكافي : عن عليّ بن محمّد، عن عليّ بن العبّاس، عن عليّ بن حمّاد، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال في حديث طويل: قال اللّه- عزّ وجلّ- لمحمّد- صلّى اللّه عليه وآله-: قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ.

قال: لو أنّي أمرت أن أعلمكم الّذي أخفيتم في صدوركم من استعجالكم بموتي، لتظلموا أهل بيتي من بعدي. فكان مثلكم، كما قال اللّه- عزّ وجلّ-: كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ.

يقول: أضاءت الأرض بنور محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-، كما تضي‏ء الشّمس.

وَ عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ: خزائنه. جمع، مفتح، بفتح الميم. وهو المخزن، أو ما يتوصّل به إلى المغيبات. مستعار من المفاتح، الّذي هو جمع، مفتح، بالكسر وهو المفتاح. ويؤيّده أن قرئ : «مفاتيح». والمعنى: أنّه المتوصّل إلى المغيبات المحيط عمله بها.

لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ: فيعلم أوقاتها وما في تعجيلها وتأخيرها من الحكم، فيظهرها على ما اقتضته حكمته وتعلّقت به مشيئته.

و فيه دليل على أنّه يعلم الأشياء قبل وقوعها.

وَ يَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ: عطف للإخبار عن تعلّق علمه بالمشاهدات، على الإخبار عن اختصاص العلم بالمغيبات به.

وَ ما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها: مبالغة في إحاطة علمه بالجزئيات.

وَ لا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ : معطوفات على «ورقة». وقوله: إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ بدل من الاستثناء

الأوّل بدل الكلّ، على أنّ «الكتاب المبين» علم اللّه. أو بدل الاشتمال إن أريد به اللّوح.

و قرئت ، بالرّفع، للعطف على محلّ «من ورقة». أو الابتداء، والخبر فِي كِتابٍ مُبِينٍ.

و في كتاب معاني الأخبار ، بإسناده إلى أبي بصير قال: سألته عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ.

قال: فقال: «الورقة» السّقط. و«الحبّة» الولد. و«ظلمات الأرض» الأرحام. و«الرّطب» ما يحيى. و«اليابس» ما يقبض . وكلّ ذلك في كتاب مبين.

و في روضة الكافي»: محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن خالد والحسين بن سعيد  جميعا، عن النّضر بن سويد، عن يحيى الحلبيّ، عن عبد اللّه بن مسكان، عن زيد بن الوليد الخثعميّ، عن أبي الرّبيع الشّاميّ قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ.

قال: فقال: «الورقة» السّقط. و«الحبّة» الولد. و«ظلمات الأرض» الأرحام.

و «الرّطب» ما يحيى النّاس. و«اليابس» ما يقبض. وكلّ ذلك في كتاب  مبين.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في تفسير العيّاشيّ : عن الحسين بن خالد  قال: سألت أبا الحسن- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-:وَ ما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ.

فقال: «الورقة» السّقط، يسقط من بطن أمّه من قبل أن يهلّ الولد.

قال: فقلت: وقوله: «و لا حبّة»؟

قال: يعني: الولد في بطن أمّه إذا أهلّ  ويسقط من قبل الولادة.

قال: قلت: قوله: «و لا رطب»؟

قال: يعني المضغة إذا أسكنت في الرّحم قبل أن يتمّ خلقها قبل أن ينتقل.

قال: قلت: قوله: «و لا يابس»؟

قال: الولد التّامّ.

قال: قلت: «في كتاب مبين»؟

قال: في إمام مبين.

و في من لا يحضره الفقيه ، خطبة لأمير المؤمنين- عليه السّلام- وفيها: وما تسقط من ورقة من شجرة ولا حبّة في ظلمة الأرض  إلّا يعلمها، لا إله إلّا هو، ولا رطب ولا يابس إلّا في كتاب مبين.

و في الاحتجاج  للطّبرسيّ- رحمه اللّه-: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل. وفيه: وقال لصاحبكم أمير المؤمنين: قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ. وقال اللّه- عزّ وجلّ-: وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ.

و علم هذا الكتاب عنده.

وَ هُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ: يميتكم ويراقبكم. استعير التّوفيّ من الموت للنّوم، لما بينهما من المشاركة في زوال الإحساس والتّميّز. فإنّ أصله، قبض الشّي‏ء بتمامه.

وَ يَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ: كسبتم فيه. خصّ اللّيل بالنّوم والنّهار بالتّكسّب، جريا على المعتاد.ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ: يوقظكم. أطلق البعث، ترشيحا للتّوقي.

فِيهِ: في النّهار.

لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى: ليبلغ المتيقّظ آخر أجله المسمّى له في الدّنيا.

في تفسير عليّ بن إبراهيم ، في رواية أبي الجارود: عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: هو الموت.

ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ: بالموت.

ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ : بالمجازاة عليه.