سورة البقرة الآية 141-160

تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ :

قيل : التّكرير للمبالغة في التّحذير، والزّجر عمّا استحكم في الطّبائع، من الافتخار بالآباء والاتّكال عليهم، أو الخطاب فيما سبق لهم. وفي هذه الآية لنا، تحذيرا عن الاقتداء بهم، أو المراد بالأمّة في الأوّل، الأنبياء، وفي الثّاني، أسلاف اليهود والنّصارى.

سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ الّذين خفّ أحلامهم واستمهنوها بالتّقليد والإعراض عن النّظر- يريد المنكرين لتغيير القبلة من المنافقين واليهود والمشركين.

و فائدة تقديم الإخبار، توطين النّفس وإعداد الجواب. وفي المثل قبل الرّمي يراش السّهم.

ما وَلَّاهُمْ: ما صرفهم، عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها وهي بيت المقدس.

قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ: بلاد المشرق والمغرب ، أو الأرض كلّها.

يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ : وهي ما توجبه الحكمة والمصلحة، من توجيههم تارة إلى بيت المقدس وأخرى إلى الكعبة.و في تفسير الإمام- عليه السّلام - عند قوله- عزّ وجلّ- ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها وفي الاحتجاج  عنه- عليه السّلام- أيضا. قال: لمّا كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- بمكّة، أمره اللّه- عزّ وجلّ- أن يتوجّه نحو بيت المقدس، في صلاته ويجعل الكعبة بينه وبينها، إذا أمكن، وإذا لم يمكن، استقبل بيت المقدس، كيف كان. وكان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يفعل ذلك، طول مقامه بها ثلاث عشرة سنة. فلمّا كان بالمدينة وكان متعبّدا  باستقبال بيت المقدس استقبله وانحرف عن الكعبة سبعة عشر شهرا .

و جعل قوم من مردة اليهود يقولون: واللّه ما يدري  محمّد كيف صلّى  حتّى يتوجّه  إلى قبلتنا في صلاته بهدينا ونسكنا؟

فاشتدّ ذلك على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- لما اتّصل به عنهم. وكره قبلتهم. وأحبّ الكعبة. فجاءه جبرئيل- عليه السّلام- فقال له رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله: يا جبرئيل! لوددت لو صرفني اللّه عن بيت المقدس، إلى الكعبة. ولقد  تأذّيت  بما يتّصل بي من قبل اليهود، من قبلتهم.

فقال جبرئيل- عليه السّلام: فسل  ربّك أن يحوّلك إليها. فإنّه لا يردّك عن طلبتك، ولا يخيّبك من بغيتك.

فلمّا استتمّ  دعاءه، صعد جبرئيل- عليه السّلام. ثمّ عاد من ساعته. فقال:

اقرأ، يا محمّد! قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ. (الآيات).

فقالت اليهود عند ذلك: ما ولّاهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها؟

فأجابهم اللّه بأحسن جواب. فقال: قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ وهو يملكهما.

و تكليفه التّحوّل  إلى جانب، كتحويله لكم إلى جانب آخر.يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ هو مصلحهم  ومؤدّيهم بطاعته  إلى جنّات النعيم.

و جاء  قوم من اليهود إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فقالوا: يا محمّد! هذه القبلة بيت المقدس. قد صلّيت إليها أربع عشرة سنة. ثمّ تركتها . أ فحقّا كان ما كنت عليه، فقد تركته إلى باطل؟ فإنّ ما يخالف الحق فهو  باطل. أو كان  باطلا ، فقد كنت عليه طول [هذه‏]  المدّة؟ فما  يؤمننا أن تكون الآن على باطل.

فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله: بل ذلك كان حقّا. وهذا حقّ يقول اللّه تعالى: قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ. يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ وإذا عرف صلاحكم، يا أيّها العباد! في استقبال  المشرق أمركم به، وإذا عرف صلاحكم في استقبال المغرب أمركم به، وإن  عرف صلاحكم في غيرهما، أمركم به. فلا تنكروا تدبير اللّه تعالى في عباده وقصده إلى مصالحكم.

ثمّ قال لهم  رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله: لقد تركتم العمل يوم السّبت. ثمّ عملتم به في سائر الأيام . ثمّ تركتموه في السّبت. ثمّ عملتم بعده. أ فتركتم الحقّ إلى باطل؟

أو الباطل إلى حقّ؟ او الباطل إلى باطل؟ أو الحقّ إلى الحقّ؟ قولوا: كيف شئتم؟ فهو قول محمّد وجوابه لكم.

قالوا: بل ترك العمل في السّبت، حقّ. والعمل بعده، حقّ.

فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله: فكذلك قبلة بيت المقدس في وقته، حقّ.

ثمّ قبلة الكعبة في وقتها، حقّ.

فقالوا: يا محمّد! فبدا  لربّك فيما كان أمرك به بزعمك من الصّلاة إلى بيت المقدس، حين نقلك إلى الكعبة؟فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله: ما بدا له عن ذلك. فإنّه العالم بالعواقب والقادر على المصالح. لا يستدرك على نفسه. غلطا. ولا يستحدث رأيا، بخلاف المتقدّم.

جلّ عن ذلك. ولا يقع عليه- أيضا- مانع يمنعه عن  مراده. وليس يبدو إلّا لمن كان هذا صفته . وهو- عزّ وجلّ- يتعالى عن هذه الصّفات، علوّا كبيرا.

ثمّ قال لهم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله: أيها اليهود! أخبروني عن اللّه، أليس يمرض ثمّ يصحّ ويصحّ ثمّ يمرض؟ أبدا له في ذلك؟ أليس يحيي ويميت؟ أبدا له في كلّ واحد من ذلك؟

قالوا: لا! قال: فكذلك اللّه تعبّد نبيّه محمّدا بالصّلاة إلى الكعبة، بعد أن كان تعبّد بالصّلاة إلى بيت المقدس. وما بدا له في الأوّل.

 [ثم‏]  قال: أليس اللّه يأتي بالشّتاء في أثر الصّيف والصّيف بعد الشّتاء ؟ أبدا له في كلّ واحد من ذلك؟

قالوا: لا! قال: فكذلك لم يبد له في القبلة.

ثمّ قال: أليس قد ألزمكم في الشّتاء أن تحترزوا من البرد بالثّياب الغليظة، وألزمكم في الصّيف [أن تحترزوا من الحرّ. فبدا له في الصّيف‏]  حتى  أمركم بخلاف ما كان أمركم به في الشّتاء؟

قالوا: لا! فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله: فكذلكم اللّه في  تعبّدكم في وقت، لصلاح يعلمه بشي‏ء. ثم تعبده  في وقت آخر، لصلاح آخر ، يعلمه بشي‏ء اخر فإذا أطعتم اللّه في الحالين استحققتم ثوابه. وأنزل  اللّه وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ. فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ‏

 إذا  توجّهتم بأمره، فثمّ الوجه الّذي تقصدون منه اللّه وتأملون ثوابه.

ثمّ قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله: يا عباد اللّه! أنتم المرضى  واللّه ربّ العالمين كالطّبيب. وصلاح المريض  فيما يعلمه الطّبيب ويدبّره. لا فيما يشتهيه  ويقترحه.

ألا فسلّموا للّه أمره، تكونوا من الفائزين (انتهى)

و هذا الخبر، كما تراه، يدل على نفي البداء للّه تعالى.

و قد روى محمّد بن يعقوب ، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الرّيّان بن الصّلت. قال: سمعت الرّضا- عليه السّلام- يقول: ما بعث اللّه نبيّا إلّا بتحريم الخمر وأن يقرّ للّه بالبداء.

فوقع  التّنافي بين الخبرين.

و قد روى عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال : «لو علم النّاس ما في القول بالبداء من الأجر، ما فتروا  عن الكلام فيه.»

فينبغي التّكلّم في الجمع بين الخبرين:

فأقول: البداء له معنيان:

الأوّل- أن يبدو له رأي غير الرّأي الأوّل لمفسدة في الرّأي الأوّل، أو لمحمدة في الرّأي الثّاني، لم يعلم به سابقا. وهو بهذا المعنى، منفيّ عنه تعالى عن ذلك علوّا كبيرا.

و هو المراد في الخبر الأوّل.

و الثّاني- أن يكون في علمه السّابق أنّ الصّلاح في وقت معيّن، في الفعل الفلانيّ. وإذا جاز ذلك الوقت، فالمصلحة في الشي‏ء الفلاني. وكان في علمه السّابق تغيير  ذلك الشي‏ء، إذا جاء وقته. أو كان مقرّرا في علمه السّابق أنّ زيدا  إن لم يعمل بالخيرات، مات في وقت كذا، وإن عمل، مات في وقت بعده، مع علمه بوقوع أحدهما. لكن كان ذلك العلم مخزونا عنده، لا يبديه لأحد من ملائكته وأنبيائه وأئمّته. والبداء انّما يكون بهذا المعنى.

فالبداء في الحقيقة في علم الملك أو النّبيّ أو الإمام، بمعنى الظّهور، لأحدهم، غير ما ظهر لهم أوّلا، لا في علمه تعالى بذلك المعنى. وهو المراد حيث أثبت له البداء- تعالى اللّه عمّا يقول الظّالمون.

يؤيّد هذا المعنى ما

رواه محمّد بن يعقوب ، عن محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن حمّاد بن عيسى، عن ربعي بن عبد اللّه، عن الفضيل بن يسار. قال:

 

سمعت أبو جعفر- عليه السّلام- يقول: العلم علمان: فعلم عند اللّه مخزون. لم يطّلع عليه أحد من خلقه. وعلم علّمه ملائكته ورسله. فما علّمه ملائكته ورسله، فإنّه سيكون لا يكذّب نفسه ولا ملائكته ولا رسله. وعلم عنده مخزون، يقدّم منه ما يشاء ويثبت ما يشاء.

و أيضا، قد روى عن الصّادق- عليه السّلام - أنّه قال: إنّ للّه علمين: علم مكنون مخزون لا يعلمه إلّا هو. من ذلك يكون البداء وعلم علّمه ملائكته ورسله وأنبياءه فنحن نعلمه.

وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً، أي: مثل ذلك الجعل العجيب، جعلناكم أمّة.

و روى الصّدوق، يعني: أئمّة .

وَسَطاً، أي: خيارا.

و قيل . للخيار وسط. لأنّ الاطراف يتسارع إليها الخلل.

و قال الصّدوق : أي: عدلا وواسطة بين الرّسول والنّاس.

لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ، يعني: يوم القيامة.

وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً:

روى في التفاسير : أنّ الأمم يوم القيامة يجحدون تبليغ الأنبياء. فيطالب اللّه الأنبياء بالبيّنة على أنّهم قد بلغوا وهو أعلم. فيؤتى بأمّة محمّد- صلّى اللّه عليه وآله.

فيشهدون. فتقول الأمم: من أين عرفتم؟

فيقول علمنا ذلك بإخبار اللّه، في كتابه النّاطق، على لسان نبيّه الصّادق.فيؤتى بمحمّد- صلّى اللّه عليه وآله. فيسأل عن حال أمّته. فيزكيّهم. ويشهد بعدالتهم. وذلك قوله: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً.

 [و في كتاب بصائر الدّرجات : عبد اللّه بن محمّد، عن إبراهيم بن محمّد الثّقفيّ.

 

قال: في كتاب بندار بن عاصم، عن الحلبيّ، عن هارون بن خارجة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- تبارك وتعالى- وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ قال: نحن الشّهداء على النّاس، بما عندهم من الحلال والحرام، وبما صنعوا  منه.

و في أصول الكافي : الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن  بن عليّ الوشا، عن أحمد بن عائذ، عن عمر بن أذينة، عن يزيد العجليّ. قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ- وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ. فقال: نحن الأمّة الوسط. ونحن شهداء اللّه على خلقه وحجّته في أرضه.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن يزيد العجليّ. قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه- تبارك وتعالى- وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً.

 

قال: نحن الأمّة الوسط.]  ونحن شهداء اللّه- تبارك وتعالى- على خلقه وحجته في أرضه وسمائه.

 [و الحديثان طويلان. أخذت منهما موضع الحاجة.

و بإسناده الى أبي جعفر- عليه السّلام- حديث طويل يقول فيه- عليه السّلام :]

 لقد قضى  أن لا يكون بين المؤمنين اختلاف. ولذلك جعلهم شهداء على الناس.

ليشهد محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- علينا. ولنشهد على شيعتنا. وليشهد شيعتنا على الناس.

 [و في مجمع البيان ، بعد ان نقل رواية يزيد بن معاويه، قال وفي رواية أخرى قال: إلينا يرجع الغالي. وبنا يلحق المقصر.

و روى الحاكم أبو القاسم الحسكاني ، في كتاب شواهد التنزيل بقواعد التفضيل.

 

بإسناده عن سليم بن قيس الهلالي، عن عليّ- عليه السّلام: إنّ اللّه تعالى إيّانا عنى بقوله:

لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ [و يكون الرسول عليكم شهيدا]  فرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- شاهد علينا ونحن شهداء اللّه على خلقه. وحجّته في أرضه. ونحن الّذين قال اللّه تعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً.

 

و في تفسير العيّاشيّ : عن أبي بصير. قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول: نحن نمط الحجاز.

فقلت: وما نمط الحجاز؟

قال: أوسط الأنماط. إنّ اللّه يقول: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً.»

ثمّ قال: إلينا يرجع الغالي. وبنا يلحق المقصّر.

عن أبي عمرو الزّبيريّ  عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام. قال: قال اللّه: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً. فإن ظننت أنّ اللّه عنى بهذه الآية جميع أهل القبلة من الموحّدين، أفترى. إنّ من لا يجوز شهادته في الدّنيا على صاع من تمر، يطلب اللّه شهادته يوم القيامة ويقبلها منه بحضرة جميع الأمم الماضية؟ كلا لم يعن اللّه مثل هذا من خلقه، يعني: الأمّة الّتي وجبت لها دعوة إبراهيم:

كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ. وهم الأمّة الوسطى. وهم خير أمّة أخرجت للنّاس‏]

 

 [و في كتاب المناقب، لابن شهر آشوب : أبو الورد، عن أبي جعفر

 - عليه السّلام-]

 لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ [قال: نحن.

و في رواية حمدان بن أعين ، عنه- عليه السّلام: إنّما أنزل اللّه: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً، يعني: عدولا لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ‏]  ويكون الرسول شهيدا عليكم.»

قال: ولا يكون شهداء على النّاس إلّا الأئمة- عليهم السّلام- والرسول. فاما الأمّة فانّه غير جائز أن يستشهدها اللّه وفيهم من لا تجوز شهادته في الدنيا على حزمة بقل.

 [و في تفسير فرات بن إبراهيم الكوفيّ ، قال: حدّثنا محمّد بن عليّ. قال: حدّثنا الحسن بن جعفر بن إسماعيل الأفطس. قال: حدّثنا أبو موسى المسرقانيّ  عمران بن عبد اللّه. قال: حدّثنا عبد اللّه بن عبيد  القادسيّ. قال حدّثنا: محمّد بن عليّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله تعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً، قال: نحن الأمّة الوسط. ونحن شهداء اللّه على خلقه وحجّته في أرضه.]

 

وَ ما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها: هي بيت المقدس، أي: غيّرناه إلى الكعبة.

و قيل : هي الكعبة. لأنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- كان يصلّي بمكّة إلى الكعبة. ثمّ أمر بالصّلاة إلى صخرة بيت المقدس، بعد الهجرة، تآلفا لليهود. ثمّ حوّل الى الكعبة. وينافيه ما رويناه سابقا، من أنّه- عليه السّلام- كان يصلّي بمكّة إلى بيت المقدس.

إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ: يرتدّ عن دينه، إلفا لقبلة آبائه.

و ذلك أنّ هوى أهل المدينة كان في بيت المقدس. فأمرهم بمخالفه  ليبيّن من يوافق محمّدا فيما يكرهه؟ وقال: «لنعلم.» ولم يزل عالما بذلك؟ إمّا لأنّ المراد ليعلم رسول اللّه‏و المؤمنون والإسناد إلى ذاته لأنّهم خواصّه. أو لأنّ المراد ليتميّز التّابع من النّاكص، بوضع العلم موضع التّميّز. لأنّ العلم يقع به التّميّز. أو لأنّ المراد لنعلم علما يتعلّق به الجزاء. وهو  أن يعلمه موجودا حاصلا. والأخير روى في التّفسير المنسوب إلى الإمام- عليه السّلام - وفي الاحتجاج - أيضا.

 [و في تهذيب الأحكام : الطّاطريّ، عن محمّد بن أبي حمزة، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام. قال: سألته عن قوله- عزّ وجلّ- وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ، أمره به؟

قال: نعم! إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- كان يتقلّب  وجهه في السّماء.

فعلم اللّه- عزّ وجلّ.- ما في نفسه. فقال: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ. فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها]

 

وَ إِنْ كانَتْ:

 «إن» هي المخفّفة الّتي تلزمها الّلام الفارقة. والضّمير في «كانت» للصّلاة إلى بيت المقدس، أو لما دلّ عليه قوله «و ما جعلنا القبلة» من الرّدّة، أو التّحويلة، أو الجعلة.

لَكَبِيرَةً لثقلية شاقّة، إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وعرف أن اللّه يتعبّد بخلاف ما يريده المرء، ليبتلى طاعته في مخالفة هواه.

و في الكشّاف ، أنّه يحكى عن الحجّاج، أنّه قال للحسن: ما رأيك في أبي تراب؟

فقرأ قوله.

إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ثمّ قال: وعليّ منهم وهو ابن عمّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله. وختنه على ابنته. وأقرب النّاس إليه، وأحبّهم.

 [و في كتاب الاحتجاج ، للطّبرسيّ- ره- متّصلا باخر الكلام السّابق، أعني:

 

قوله- عليه السّلام- «و قصده إلى مصالحكم» فقيل: يا بن رسول اللّه! فلم أمر بالقبلةالأولى؟

فقال: لما قال- عزّ وجلّ: وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها وهي بيت المقدّس، إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ، إلّا لنعلم ذلك منه وجودا، بعد أن علّمناه، سيوجد ذلك إنّ هوى أهل مكّة كان في الكعبة. فأراد اللّه أن يبيّن متّبع محمّد، فمن خالفه باتّباع القبلة الّتي كرهها. ومحمّد يأمر بها. ولمّا كان هوى أهل المدينة في بيت المقدس، أمره بمخالفتها والتّوجّه إلى الكعبة، ليبيّن من يوافق محمّد فيما يكرهه فهو يصدّقه ويوافقه. ثمّ قال: وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ إنّما كان التّوجّه إلى بيت المقدس في ذلك الوقت، كبيرة إلّا على من يهدي اللّه. نعرف أنّ اللّه يتعبّد بخلاف ما يريده المرء، ليبتلي طاعته في مخالفة هواه.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.]

وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ، أي: صلاتكم.

روى العيّاشيّ ، عن الصّادق- عليه السّلام- أنّه سئل عن الإيمان، أقول هو وعمل؟ أم قول بلا عمل؟

فقال: الإيمان عمل كلّه، والقول بعض ذلك العمل المفترض من اللّه، مبيّن في كتابه، واضح نوره، ثابتة حجّته، يشهد لها الكتاب. ويدعو إليه. ولمّا أن صرف نبيّه إلى الكعبة، عن بيت المقدس، قال المسلمون للنبيّ- صلّى اللّه عليه وآله: أ رأيت صلاتنا الّتي كنّا نصلّي إلى بيت المقدس، ما حالنا فيها وحال من مضى من أمواتنا؟ وهم يصلّون إلى بيت المقدس.

فأنزل اللّه: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ. فسمّى الصّلاة إيمانا. فمن لقى اللّه حافظا لجوارحه، موقنا  كلّ جارحة من جوارحه ما فرض اللّه عليه لقى اللّه مستكملا لإيمانه. وهو  من أهل الجنّة. ومن خان في شي‏ء منها وتعدّى ما أمر اللّه فيها، لقى اللّه ناقص الإيمان.

و قرئ ليضيّع (بالتّشديد).

إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ: لا يضيع أجورهم.رَحِيمٌ : لا يترك ما يصلحهم.

 [و في تهذيب الأحكام : عنه عن وهب ، عن أبي بصير، عن أحدهما- عليهما السّلام- في قوله سَيَقُولُ السُّفَهاءُ، مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. فقلت له: اللّه أمره أن يصلّي إلى بيت المقدس؟

قال: نعم ألا ترى أن اللّه يقول: وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ؟

قال: إنّ بني عبد الأشهل أتوهم وهم في الصّلاة وقد صلّوا ركعتين إلى بيت المقدس. فقيل لهم: «إنّ نبيّكم قد صرف إلى الكعبة.» فتحوّل النّساء مكان الرّجال والرّجال مكان النّساء. وصلّوا الرّكعتين الباقيتين إلى الكعبة. فصلّوا صلاة واحدة إلى قبلتين. فلذلك سمّي مسجدهم مسجد القبلتين.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح عن القسم بن يزيد. قال: حدّثنا أبو عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام. وذكر حديثا طويلا يقول فيه- عليه السّلام- بعد أن قال: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- فرض الإيمان على جوارح ابن آدم. وقسّمه عليها. وفرّقه فيها. وقال فيما فرض على الجوارح من الطّهور والصّلاة بها. وذلك أنّ اللّه- عزّ وجلّ- لمّا صرف نبيّه- صلّى اللّه عليه وآله- إلى الكعبة عن بيت المقدس، فأنزل اللّه- عزّ وجلّ: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ. إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ. فسمّى الصّلاة، إيمانا]

 

قَدْ نَرى: ربّما وأصل الرّؤية، إدراك الشي‏ء بالبصر. ويستعمل بمعنى العلم.

تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ: تردّده تطلّعا على الوحي، في موضعي مفعولي نرى، أو مفعولاه أو هو ممّا لمفعول واحد.

و كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يقع في روعه ويتوقّع من ربّه أن يحوّله‏إلى الكعبة، قبلة إبراهيم- عليه السّلام- وأقدم القبلتين. وأدعى للعرب إلى الإيمان ولمخالفته اليهود. وذلك يدلّ على كمال أدبه، حيث انتظر ولم يسأل.

فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً: فلنمكّننّك من استقبالها، من قولك: ولّيته كذا، إذا صيّرته واليا له، أو فلنحوّلنّك تلى  جهتها.

تَرْضاها: تحبّها. وتتشوّق إليها، لمقاصد دينيّه، وافقت مشيئة اللّه تعالى وحكمه.

و الرّضا والمحبّة، نظيران. ويظهر الفرق بأنّ ضدّ المحبّة، البغض. وضدّ الرّضا، السّخط.

فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ، أي: نحوه.

قال الشّاعر :

         وقد أظلّكم من شطر ثغركم             هول له ظلم يغشاكم قطعا

 أي: من نحو ثغركم وتلقاءه.

و قيل . جانبه. لأنّ الشّطر في الأصل، لما انفصل عن الشي‏ء من شطر، إذا انفصل. ودار شطوره : أي: منفصلة عن الدّور. ثمّ استعمل جانبه وإن لم ينفصل كالقطر.

و قيل : شطر الشي‏ء ، نصفه من شطرت الشي‏ء، جعلته نصفين.

و الحرام: المحرّم، كالكتاب، بمعنى المكتوب والحساب، بمعنى المحسوب، أي: محرّم فيه القتال، أو ممنوع من الظّلم أن يتعرّضوه.

و ذكر المسجد دون الكعبة، لأنّ البعيد يكفيه مراعاة الجهة، بخلاف القريب.

و النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- كان حينئذ في المدينة، بعد أن صلّى إلى بيت المقدس ستّة عشر شهرا. ثمّ وجّه إلى الكعبة، في رجب، بعد الزّوال، قبل قتال بدر، بشهرين، وقد صلّى بأصحابه في مسجد بني سلمة، ركعتين من الظّهر. فتحول في الصّلاة. واستقبل الميزاب. وتبادل الرّجال والنّساء صفوفهم. فسمى المسجد، مسجد القبلتين.

وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ في الأرض، في بر، أو بحر، أو سهل، أو جبل، في بيت المقدس،و في غيره.

فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ:

تخصيص الخطاب بالنّبيّ، أوّلا، وتعميمه، ثانيا، لتعظيمه- عليه السّلام- والتّصريح بعموم الحكم.

و فيه تأكيد لأمر القبلة، وتخصيص للامة على المتابعة، وسلوك طريق الاستدراج، رفق بالمأمورين.

 [و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر (ع) قال: إذا استقبلت القبلة بوجهك، فلا تقلّب وجهك عن القبلة، فتفسد صلاتك. فإنّ اللّه- عزّ وجلّ- قال لنبيّه- صلّى اللّه عليه وآله- في الفريضة: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ. وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ.

 

و في من لا يحضره الفقيه : وصلّى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إلى البيت المقدّس، بعد النّبوّة، ثلاث عشرة سنة بمكّة وتسعة عشر شهرا بالمدينة. ثمّ عيّرته اليهود.

فقالوا له: إنّك مانع لقبلتنا.

فاغتم لذلك غمّا شديدا. فلمّا كان في بعض اللّيل، يخرج- عليه السّلام- يقلّب وجهه في آفاق السّماء. فلمّا أصبح صلّى الغداة. فلمّا صلّى من الظّهر، ركعتين، جاء جبرئيل- عليه السّلام- فقال له: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ. فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها. فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ. (الآية) ثمّ أخذ بيد النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فحوّل وجهه إلى الكعبة. وحوّل من خلفه وجوههم، حتّى قام الرّجال مقام النّساء والنّساء مقام الرّجال. فكان آخر صلاته إلى بيت المقدس . وبلغ الخبر مسجدا بالمدينة، وقد صلّى أهله من العصر، ركعتين. فحوّلوا نحو القبلة. فكانت آخر صلاتهم إلى بيت المقدس وأوّلها إلى الكعبة . فسمّي ذلك المسجد مسجد القبلتين.

فقال المسلمون: صلاتنا إلى بيت المقدس تضيع، يا رسول اللّه؟

فأنزل اللّه- عزّ وجلّ: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ، يعني: صلاتكم إلى‏بيت المقدس- وقد أخرجت الخبر في ذلك على وجهه، في كتاب النّبوّة.

و روى زرارة ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- أنّه قال: لا صلاة إلّا إلى القبلة.

قال: قلت: أين حدّ القبلة؟

قال: ما بين المشرق والمغرب، قبلة كلّه.

قال: قلت: فمن صلّى لغير القبلة، أو في يوم غيم في غير الوقت؟

قال: يعيد.

قال: في حديث آخر ذكره له : ثمّ استقبل بوجهك إلى القبلة. ولا تقلّب وجهك عن القبلة. وذكر كما نقلنا عن الكافي‏]

 

وَ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ: علماء اليهود. وقيل: هم والنصارى.

لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ، أي: التّحويل، أو التّوجيه، الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ. لأنّه كان في بشارة الأنبياء لهم أن يكون نبيّ في صفاته كذا وكذا وكان في صفاته، أنّه يصلي إلى القبلتين.

وَ مَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ : وعد للمطيعين ووعيد لغيرهم.

و قرئ بالتاء.

قال ابن عبّاس : أوّل ما نسخ من القرآن، فيما ذكر لنا، من شأن القبلة.

و قال قتادة : نسخت هذه الآية ما قبلها.

و الأقوى أنّه ممّا نسخ السّنّة بالقرآن. كما قاله جعفر بن مبشر . لأنّه ليس في القرآن ما يدلّ على التّعبّد بالتّوجّه إلى بيت المقدس.

و من قال : إنّها نسخت قوله فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ففيه أنّ هذه الآية عندنا مخصوصة بالنّوافل في حال السّفر. روى ذلك عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه- عليهما السّلام .

 

و ليست منسوخة.

و اختلف في صلاة النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- إلى بيت المقدس:

فقال قوم: كانت صلاته- عليه السّلام- بمكّة إلى الكعبة. فلمّا هاجر إلى المدينة، أمر بالصّلاة إليه. ثمّ حوّل إلى الكعبة- أيضا.

و قال آخرون: كانت صلاته بمكّة- أيضا- إلى بيت المقدس. إلّا أنّه يجعل الكعبة بينه وبينها. ولا يصلّي في مكان لا يمكن هذا فيه.

و قال آخرون: كان يصلّي بمكّة وبعد قدومه المدينة، إلى بيت المقدس. ولم يكن عليه أن يجعل الكعبة بينه وبينهما، ثمّ أمر بالتّوجّه إلى الكعبة  وَلَئِنْ أَتَيْتَ: الّلام موطّئة للقسم، أي: واللّه.

الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ من علماء اليهود والنّصارى. وقيل : جميع أهل الكتاب.

بِكُلِّ آيَةٍ برهان وحجّة على أنّ الكعبة قبلة، ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ: جواب القسم المضمر. سادّ مسدّ الشّرط. سواء قدّر القسم مقدّما على الشّرط، فتعيّن كون الجواب له. ولا يصحّ جعله جزاء للشّرط أو مؤخّرا عنه فيسوغ الأمران بقرينة ترك الفاء. وهو لازم في الماضي المنفيّ. وفيه من القطع بعدم المتابعة، ما ليس في جعله جزاء للشرط وإن أكّد بالقسم.

و المعنى: ما تركوا قبلتك لشبهة تزيلها  بحجّة. وإنّما خالفوك عنادا.

وَ ما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ: قطع لطمّعهم. فإنّهم قالوا: لو ثبت على قبلتنا، لكنّا نرجو أن يكون صاحبنا الذي ننتظره تغريرا له وطمعا في رجوعه وقبلتهم وإن تعدّدت، لكنّها تتّحد بالاتصاف بالبطلان ومخالفة الحقّ، أو  الافراد للاشعار بأنّ الرّسول- صلّى اللّه عليه وآله- لو تبع، لا يمكن له المتابعة إلّا لواحد.

وَ ما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ:

فانّ اليهود يستقبل بيت المقدس والنّصارى مطلع الشّمس. لا يرجى توافقهم، لتصلّب كلّ حزب فيما هو. وفيه تسلية للرّسول- صلّى اللّه عليه وآله- بأنّ عنادهم لا يخصّه، وردّ لاعتلالهم، لأنّه لا يجوز مخالفة أهل الكتاب فيما ورثوه عن أنبياء اللّه، وأنّ‏بيت المقدس لم يزل كان قبلة الأنبياء، فهو أولى بأن يكون قبلة، أي: فكما جاز أن يخالف بين جهتيهم للاستصلاح، [جاز أن يخالف بجهة ثالثة في زمان آخر للاستصلاح.]

وَ لَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ على سبيل الفرض والتّقدير.

إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ : أكّد تهديده وبالغ فيه من سبعة أوجه، تعظيما للحقّ المعلوم، وتحريضا على اقتفائه، وتحذيرا عن متابعة الهوى، وتأكيدا للاجتناب عنه.

الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ، يعني: علماءهم.

يَعْرِفُونَهُ:

قيل : الضّمير لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-، أو للعلم، أو القرآن، أو التّحويل.

كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ، أي: يعرفون بأوصافه، كمعرفة أبنائهم. لا يلتبسون عليهم بغيرهم.

و في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه رفعه، عن محمّد بن داود الغنويّ، عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- في حديث طويل. فيه يقول- عليه السّلام: فأمّا أصحاب المشئمة، فهم اليهود والنّصارى.

يقول اللّه- عزّ وجلّ: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ. يعرفون محمّدا والولاية في التوراة والإنجيل، كما يعرفونه أبناءهم في منازلهم. وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ أنّك الرّسول إليهم. فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ.

 

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن حريز، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام. قال: نزلت هذه الآية في اليهود والنّصارى يقول اللّه- تبارك وتعالى- الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ، يعني: رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ. لأنّ اللّه- عزّ وجلّ- [قد]  أنزل عليهم في التوراةو الإنجيل والزّبور، صفة محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- وصفة أصحابه ومبعثه ومهاجرته .

و هو قوله تعالى : مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ. وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ. تراهم ركعا سجّدا يبتغون فضلا من اللّه ورضوانا. سيماهم في وجوههم من أثر السّجود. ذلك مثلهم في التّوراة ومثلهم في الإنجيل» فهذه صفة رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- في التوراة والإنجيل وصفة أصحابه، فلمّا بعثه اللّه- عزّ وجلّ- عرفه أهل الكتاب، كما قال- جلّ جلاله : فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا، كَفَرُوا بِهِ.

 

وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ : تخصيص لمن عاند.

و استثناء لمن آمن.

الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ: كلام مستأنف.

و «الحقّ» إمّا مبتدأ، خبره «من ربّك»، والّلام للعهد، والإشارة إلى ما عليه الرّسول- صلّى اللّه عليه وآله.

أو «الحقّ» الّذي يكتمونه، أو للجنس، والمعنى: أنّ الحقّ ما ثبت أنّه من اللّه تعالى، كالّذي أنت عليه، لا ما لم يثبت، كالّذي عليه أهل الكتاب.

و إمّا خبر مبتدأ محذوف، أي: هو الحق ومن ربّك، حال، أو خبر بعد خبر.

و قرئ بالنّصب، على أنّه بدل من الأوّل، أو مفعول يعلمون.

فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ، أي: الشّاكّين في أنّه من ربّك، أو في كتمانهم الحقّ عالمين به.

و المراد إمّا تحقيق الأمر، وأنّه بحيث لا يشك فيه ناظر، أوامر الأمّة باكتساب المعارف المزيحة للشّكّ على الوجه الأبلغ. وإلّا فالشّكّ غير متوقّع من الرّسول- صلّى اللّه عليه وآله. ولا يكون بقصد واختيار في غيره.

لِكُلٍّ وِجْهَةٌ

، أي: ولكلّ أمّة قبلة، أو لكلّ قوم جهة وجانب من الكعبة.

و التّنوين بدل الإضافة.

َ مُوَلِّيها

: أحد المعفولين محذوف، أي: هو مولّيها وجهه، أو اللّه تعالى مولّيها وجهه.و قرئ «لكلّ وجهة» (بالإضافة).

و المعنى: وكلّ وجهة اللّه تعالى مولّيها أهلها.

و الّلام مزيدة للتّأكيد، جبر الضّعف العامل.

و قرأ ابن عامر «مولّا»، هو مولّا تلك الجهة قد وليها.

سْتَبِقُوا الْخَيْراتِ‏

 من أمر القبلة وغيره، ممّا يوجب السّعادة. وأعظمها الولاية.

بل ينحصر فيها. كما يأتي في الخبر.

ْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً

، أي: يجمعكم للحساب، أو أينما تكونوا من الجهات المتقابلة، يجعل صلاتكم كأنّها إلى جهة واحدة، أو الخطاب لأصحاب القائم- عليه السّلام‏

- على ما رواه أبو جعفر محمّد بن بابويه- رحمه اللّه- في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى سهل بن زياد، عن عبد العظيم بن عبد اللّه الحسنيّ.

 

قال: قلت لمحمّد بن عليّ بن موسى- عليهم السّلام. إنّي لأرجو أن تكون  القائم من أهل بيت محمّد الّذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما  فقال- عليه السّلام- يا أبا القاسم ما منّا الا وهو قائم بأمر اللّه عزّ وجلّ وهاد إلى دين اللّه. ولكن القائم الذي يطهّر اللّه- عزّ وجلّ- به الأرض من اهل الكفر والجحود ويملؤها عدلا وقسطا، هو الّذي تخفى على النّاس ولادته ويغيب عنهم شخصه ويحرم عليهم تسميته. وهو سمي رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وكنيّه. وهو الّذي تطوى له الأرض ويذلّ به كلّ صعب.

يجتمع إليه أصحابه  عدّة أهل بدر، ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا من أقاصي الأرض. ذلك  قول اللّه- عزّ وجلّ:يْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً. إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ.

 

 

فإذا اجتمعت له هذه العدّة من أهل الإخلاص، أظهر اللّه أمره.

فإن أكمل له العقد وهو عشرة آلاف رجل، خرج بإذن اللّه- عزّ وجلّ. فلا يزال يقتل أعداء اللّه، حتّى يرضى اللّه تعالى.

قال عبد العظيم: فقلت له: يا سيّدي! كيف يعلم أنّ اللّه- عزّ وجلّ- قد رضى؟

قال: يلقي في قلبه الرّحمة. فإذا دخل المدينة، أخرج الّلات والعزّى. فأحرقهما.و بإسناده  إلى أبي خالد الكابليّ، عن سيّد العابدين، عليّ بن الحسين- عليهما السّلام. قال: المفقودون عن فرشهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، عدّة أهل بدر.

فيصبحون بمكّة. وهو قول اللّه- عزّ وجلّ:يْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً. وهم أصحاب القائم- عليه السّلام.

و بإسناده  إلى محمّد بن سنان، عن المفضّل بن عمر. قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام: لقد نزلت هذه الآية، في المفتقدين من أصحاب القائم- عليه السّلام- قوله- عزّ وجلّ:يْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً.

 إنّهم ليفتقدون من  فرشهم  ليلا.

فيصبحون بمكّة. وبعضهم يسير في السّحاب. يعرف اسمه  واسم أبيه وحليته ونسبه.

قال: فقلت: جعلت فداك! أيّهم أعظم إيمانا؟

قال: الّذي يسير في السّحاب نهارا.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس ، عن أبي خالد الكابليّ. قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام. واللّه لكأنّي أنظر إلى القائم وقد أسند ظهره إلى الحجر، ثمّ ينشد  حقّه.

 (إلى أن قال) هو واللّه المضطرّ في كتاب اللّه، في قوله: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ. فيكون أوّل من يبايعه جبرئيل، ثمّ الثلاثمائة والثلاثة عشر رجلا. فمن كان ابتلي بالمسير [وافى. ومن لم يبتل بالمسير]  فقد عن فراشه. وهو قول أمير المؤمنين- عليه السّلام: «هم المفقودون عن فرشهم.» وذلك قول اللّه- عزّ وجلّ:اسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً

 قال: الخيرات: الولاية.

 [و في روضة الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن إسماعيل بن جابر عن أبي خالد، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول‏اللّه- عزّ وجلّ-اسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً قال: الخيرات:

الولاية. وقوله- تبارك وتعالى-يْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً، يعني: أصحاب القائم، الثّلاثمائة والبضعة عشر رجلا.

قال: وهم، واللّه! الأمة المعدودة.

قال: يجتمعون، واللّه! في ساعة واحدة. قزع كقزع الخريف.

و في مجمع البيان : قال الرّضا- عليه السّلام: وذلك، واللّه! أن لو قام قائمنا، يجمع اللّه إليه جميع شيعتنا، من جميع البلدان.

و في شرح الآيات الباهرة:]  وذكر الشّيخ المفيد، في كتاب الغيبة ، بإسناده، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر- عليه السّلام. أنّه قال: المعنى بهذا الخطاب، أصحاب القائم- عليه السّلام.

قال بعد ذكر علامات ظهوره: ثمّ يجمع اللّه له  أصحابه وهم ثلاثمائة وثلاثة رجلا، عدّة أهل بدر. يجمعهم اللّه له على غير ميعاد. قزعا كقزع الخريف. وهي، يا جابر! الآية الّتي ذكرها اللّه في كتابه:يْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً

. [إن اللّه على كلّ شي‏ء قدير] ».

َّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ

 : فيقدر على الإماتة والإحياء والجمع.

وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ للسّفر.

فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إذا صلّيت.

وَ إِنَّهُ، اي: هذا الامر، لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ. وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ : وقرأ أبو عمرو بالياء.

وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ:تكرير هذا الحكم، لتعدّد علله. فإنّه ذكر للتّحويل، ثلاث علل: تعظيم الرّسول بابتغاء مرضاته، وجري العادة الإلهيّة على أن يولّي كلّ صاحب دعوة جهة يستقبلها، ودفع حجج المخالفين. وقرن بكلّ علّة معلولها. كما يقرن المدلول بكلّ واحد من دلائله، تقريرا وللتّأكيد. لأنّ القبلة لها شأن. والنسخ من مظانّ الفتنة.

لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ: علّة لولّوا.

و المعنى: أنّ التّولية عن الصّخرة إلى الكعبة، تدفع احتجاج اليهود بأنّ المنعوت في التوراة، قبلة الكعبة والمشركين بأنّه يدّعي ملّة إبراهيم ويخالف قبلته.

إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا: استثناء من «النّاس»، أي: لا يكون لأحد حجّة إلّا للمعاندين.

مِنْهُمْ: فإنّهم يقولون: ما تحوّل إلى الكعبة إلّا ميلا إلى دين قومه وحبّا لبلده.

و بدا له. فرجع إلى قبلة آبائه. ويوشك إلى دينهم أن يرجع. وسمّى هذه حجّة. لأنّهم يسوقونها مساقها. كقوله تعالى : حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ.

قيل : الحجّة بمعنى الاحتجاج.

و قيل : الاستثناء للمبالغة في نفي الحجّة، رأسا، كقوله:

         ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفيهم             بهنّ فلول من قراع الكتائب‏

 للعلم بأنّ الظالم لا حجّة له. وقرئ : «ألا الّذين ظلموا منهم»، على أنّه استيناف بحرف التّنبيه.

فَلا تَخْشَوْهُمْ فإنّ مطاعنهم لا تضرّكم.

وَ اخْشَوْنِي: ولا تخالفوني في ما أمرتكم به.

وَ لِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ :

إمّا علّة لمحذوف، أي: أمرتكم لإتمام نعمتي عليكم وإرادتي اهتداءكم، أو معطوف على علّة مقدّرة، أي: اخشوني لأحفظكم عنهم ولأتمّ نعمتي عليكم، أو على لئلّا يكون.

كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ‏إمّا متّصل بما قبله، أي: ولأتمّ نعمتي عليكم في أمر القبلة، أو في الآخرة، كما أتممّها بإرسال الرّسل، أو بما بعده، أي: كما ذكرتكم بالإرسال. فاذكروني.

يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ: يحملكم على ما به تصيرون أزكياء.

وَ يُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ  بالفكر والنّظر. ولا طريق له سوى الوحي.

و تكرير الفعل للدّلالة على أنّه جنس آخر.

فَاذْكُرُونِي بالطّاعة.

أَذْكُرْكُمْ بالثّواب.

وَ اشْكُرُوا لِي ما أنعمت به عليكم.

وَ لا تَكْفُرُونِ  بجحد النّعم وعصيان الأمر.

و في كتاب معاني الأخبار ، بإسناده إلى أبي الصّباح بن نعيم العابديّ ، عن محمّد بن مسلم. قال- في حديث طويل يقول في آخره: تسبيح فاطمة الزّهراء، من ذكر اللّه الكثير الّذي قال اللّه- عزّ وجلّ- فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القسم  بن يزيد، عن أبي عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام. قال- في حديث طويل:

الوجه الثّالث من الكفر، كفر النّعم. قال: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ. وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ.

 

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله  وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ يقول: ذكر اللّه لأهل الصّلاة، أكبر من ذكرهم إيّاه. ألا ترى أنّه يقول فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ؟

و في روضة الكافي ، بإسناده إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل.

 يقول فيه- عليه السّلام: واللّه ذاكر لمن ذكره من المؤمنين. واعلموا أنّ اللّه لم يذكره أحد من عباده المؤمنين، إلّا ذكره بخير. فأعطوا اللّه من أنفسكم الاجتهاد في طاعته.

و في مجمع البيان : وروي عن أبي جعفر الباقر- عليه السّلام. قال: قال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله: إنّ الملك ينزل الصّحيفة من أوّل النّهار وأوّل اللّيل. يكتب فيها عمل ابن آدم. فاملوا في أوّلها خيرا وفي آخرها. فإنّ اللّه يغفر لكم ما بين ذلك- إن شاء اللّه. فإنّه يقول: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ.

 

و في كتاب الخصال ، فيما أوصى به النّبيّ، عليا- عليه السّلام: ثلاث لا تطيقها هذه الأمّة: المواساة للأخ في ماله، وانصاف النّاس من نفسه، وذكره اللّه على كلّ حال. وليس هو «سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلّا اللّه واللّه أكبر.» ولكن إذا ورد على ما يحرّم اللّه عليه، خاف اللّه عنده وتركه.

و عن أبي حمزة الثّماليّ . قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول: بلاء وقضاء ونعمة. فعليه في البلاء من اللّه الصّبر، فريضة. وعليه في القضاء من اللّه التّسليم، فريضة. وعليه في النّعمة من اللّه الشّكر، فريضة.

و عن أبي حمزة الثّماليّ،  عن عليّ بن الحسين- عليهما السّلام: ومن قال الحمد للّه، فقد أدّى شكر كلّ نعم اللّه تعالى.

و فيما علّم أمير المؤمنين- عليه السّلام- أصحابه : اذكروا اللّه في كلّ مكان. فإنّه معكم.

و عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- في حديث : وشكر كلّ نعمة، الورع عمّا حرّم اللّه تعالى.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ عن المعاصي وحظوظ النّفس.

وَ الصَّلاةِ الّتي هي عماد الدّين.

إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ  بالنّصرة وإجابة الدّعوة.

و في مصباح الشّريعة : قال الصّادق- عليه السّلام- في كلام طويل: ومن‏استقبل البلايا  بالرّحب، وصبر على سكينة ووقار، فهو من الخاصّ. ونصيبه ما قال اللّه- عزّ وجلّ: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ.

و في تفسير العيّاشيّ : عن الفضيل، عن أبي جعفر- عليه السّلام. قال: قال: يا فضيل! بلّغ من لقيت من موالينا عنّا السّلام. وقل لهم: إنّي أقول إنّي لا أغني عنكم من اللّه شيئا إلّا بورع. فاحفظوا ألسنتكم. وكفّوا أيديكم. وعليكم بالصّبر والصّلاة. إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ.

 

وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ، أي: هم أموات.

بَلْ أَحْياءٌ، أي: بل هم أحياء.

وَ لكِنْ لا تَشْعُرُونَ  ما حالهم.

و الآية نزلت في شهداء بدر، كانوا أربعة عشر.

و في مجمع البيان : بل أحياء. قيل فيه أقوال:

الرّابع- أنّ المراد، أحياء لما نالوا من جميل الذّكر والثّناء، كما روي عن أمير المؤمنين- صلوات اللّه عليه- من قوله: هلك خزّان الأموال. والعلماء باقون ما بقي الدّهر.

أعيانهم مفقودة. وآثارهم في القلوب موجودة.

و فيه : روى الشّيخ أبو جعفر في كتاب تهذيب الأحكام، مستندا إلى عليّ بن مهزيار، عن القاسم بن محمّد، عن الحسين بن أحمد، عن يونس بن ظبيان. قال: كنت عند أبي عبد اللّه- عليه السّلام- جالسا. فقال: ما يقول النّاس في أرواح المؤمنين؟

قلت: يقولون تكون في حواصل طيور خضر، في قناديل تحت العرش.

فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام: سبحان اللّه! المؤمن أكرم على اللّه من  أن يجعل روحه في حوصلة طائر أخضر. يا يونس! المؤمن إذا قبضه اللّه تعالى، صيّر روحه في قالب‏

كقالبه في الدّنيا. فيأكلون ويشربون. فإذا قدم عليهم القادم، عرفوه بتلك الصّورة الّتي كانت في الدّنيا.

و عنه ، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن أبي بصير. قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن أرواح المؤمنين. فقال: في الجنّة على صور أبدانهم. لو رأيته لقلت فلان.

و في حديث : أنّه يفسح له مدّ بصره. ويقال له: نم، نومة العروس.

وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ، أي: ولنصيبنكم إصابة من يختبر لأحوالكم، هل تصبرون على البلاء وتستسلمون للقضاء؟

بِشَيْ‏ءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ، أي: بقليل من ذلك بالقياس إلى ما وقاهم عنه، أو بالنّسبة إلى ما يصيب معانديهم في الآخرة والإخبار به قبل الوقوع للتّوطين.

وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ:

عطف على «شي‏ء» أو «الخوف»

و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى محمّد بن مسلم. قال:

 

سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: إنّ لقيام  القائم- عليه السّلام- علامات تكون من اللّه- عزّ وجلّ- للمؤمنين.

قلت: فما هي؟ جعلني اللّه فداك.

قال: ذلك قول اللّه- عزّ وجلّ: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ، يعني: المؤمنين قبل خروج القائم- عليه السّلام- بِشَيْ‏ءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ. وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ.

 

قال: لَنَبْلُوَنَّكُمْ  بِشَيْ‏ءٍ مِنَ الْخَوْفِ من ملوك بني فلان، في آخر سلطانهم.

 «و الجوع» بغلاء أسعارهم. وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ قال: كساد  التّجارات وقلّة الفضل.

و نقص من الأنفس قال: موت ذريع. ونقص من الثمرات لقلّة  ريع ما يزرع.وَ بَشِّرِ الصَّابِرِينَ عند ذلك بتعجيل خروج القائم- عليه السّلام.

 [ثمّ‏]  قال لي: يا محمّد! هذا تأويله. إنّ اللّه- عزّ وجلّ.- يقول : وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ.

 

و في تفسير العيّاشيّ : عن الثّماليّ، قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ- لَنَبْلُوَنَّكُمْ  بِشَيْ‏ءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ قال: ذلك جوع خاصّ وجوع عامّ. فأمّا بالشّام، فإنّه عامّ. وأمّا الخاصّ، بالكوفة. يخصّ. ولا يعمّ. ولكنّه يخصّ بالكوفة، أعداء آل محمد- عليه الصّلاة والسّلام- فيهلكهم اللّه بالجوع. وأمّا الخوف فإنّه عامّ بالشّام. وذلك الخوف إذا قام القائم- عليه السّلام. وأمّا الجوع فقبل قيام القائم- عليه السّلام. وذلك قوله: لَنَبْلُوَنَّكُمْ  بِشَيْ‏ءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ‏

 

و في كتاب علل الشرائع، بإسناده إلى سماعة بن مهران، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام. قال: إنّ في كتاب عليّ- عليه السّلام- إنّ أشدّ النّاس بلاء النّبيّون، ثمّ الوصيّون، ثمّ الأمثل فالأمثل. وإنّما ابتلي  المؤمن على قدر أعماله الحسنة. فمن صحّ دينه وصحّ عمله، اشتدّ بلاؤه. وذلك أنّ اللّه- عزّ وجلّ- لم يجعل الدّنيا ثواب المؤمن ، ولا عقوبة الكافر. ومن سخف دينه وضعف عمله، فقد قلّ بلاؤه. والبلاء أسرع إلى المؤمن المتّقي، من المطر إلى قرار الأرض.

و في نهج البلاغة . إنّ اللّه يبتلي عباده عند الأعمال السّيّئة، بنقص الثّمرات وحبس البركات وإغلاق خزائن الخيرات، ليتوب تائب ويقلع مقلع ويتذكّر متذكّر ويزدجر مزدجر.

وَ بَشِّرِ الصَّابِرِينَ  الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ :

الخطاب للرّسول، أو لمن يتأتّى منه البشارة.

و «المصيبة» تعمّ ما يصيب الإنسان من مكروه.أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ: «الصّلاة» في الأصل، الدّعاء، ومن اللّه التّزكية والمغفرة. وجمعها للتّنبيه على كثرتها وتنّوعها.

و المراد بالرّحمة، اللّطف والإحسان.

 [وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ  للحقّ والصّواب، حيث استرجعوا واستسلموا لقضاء اللّه تعالى‏]

و في كتاب الخصال ، عن عبد اللّه بن سنان. قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله: قال اللّه تعالى: «إنّي أعطيت الدّنيا بين عبادي فيضا فمن أقرضني قرضا، أعطيته بكلّ واحدة منها عشرة إلى سبعمائة ضعف وما شئت من ذلك. ومن لم يقرضني منها قرضا، فأخذت  منه قسرا أعطيته.

ثلاث خصال لو أعطيت  واحدة منهنّ ملائكتي، لرضوا: الصّلاة، والهداية، والرّحمة.» إنّ اللّه تعالى يقول: الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ. أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ. واحدة من الثلاث ورحمة اثنتين وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ثلاث.

ثمّ قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام: هذا لمن أخذ اللّه منه شيئا قسرا.

و عن أبي عبد اللّه ، عن أبيه- عليهما السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله: أربع خصال من كنّ فيه كان في نور اللّه الأعظم: من كانت عصمة أمره شهادة أن لا إله إلّا اللّه وأني رسول اللّه، ومن إذا أصابته مصيبة قال: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ‏

 

 (الحديث)

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن أبي المفضّل الشيباني ، عن هارون بن فضل. قال: رأيت أبا الحسن عليّ بن محمّد، في اليوم الّذي توفّى فيه أبو جعفر- عليه السّلام. فقال: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ. مضى أبو جعفر- عليه السّلام.فقيل له: وكيف عرفت؟

قال: لأنّه قد دخلني ذلّة  لم أكن اعرفها.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن ابن أبي عمير، عن عبد اللّه بن سنان، عن معروف بن خربوذ، عن أبي جعفر- عليه السّلام. قال: ما من عبد يصاب بمصيبة، فيسترجع عند ذكر المصيبة ويصبر حين تفاجئه إلا غفر اللّه له ما تقدّم من ذنبه. وكلّما ذكر مصيبة فاسترجع عند ذكر المصيبة، غفر اللّه له كلّ ذنب فيما بينهما.

عليّ ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير، عن داود بن رزين، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام. قال: من ذكر مصيبة ولو بعد حين، فقال: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ.

 

و الحمد للّه ربّ العالمين. اللّهمّ أجرني على مصيبتي. وأخلف عليّ أفضل منها» كان له من الأجر، مثل ما كان عند أوّل صدمته.

عليّ بن محمّد عن صالح  بن أبي حمّاد، رفعه. قال: جاء أمير المؤمنين- عليه السّلام- إلى الأشعث بن قيس، يعزّيه بأخ له. فقال له : إن جزعت فحقّ الرّحم أتيت، وإن صبرت فحقّ اللّه أديت، على أنّك إن صبرت جرى عليك القضاء، وأنت محمود، وإن جزعت جرى عليك القضاء وأنت مذموم.

فقال له الأشعث: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ.

 

فقال أمير المؤمنين- عليه السّلام: أ تدري ما تأويلها؟

فقال الأشعث: لا. أنت غاية العلم ومنتهاه.

فقال له: أمّا قولك إِنَّا لِلَّهِ فإقرار منك بالملك. وأمّا قولك وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ فإقرار منك بالهلاك.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وسئل أبو عبد اللّه- عليه السّلام: ما بلغ من حزن يعقوب؟قال: حزن سبعين ثكلى على أولادها.

و قال: إنّ يعقوب لم يعرف الاسترجاع. فمنها قال وا أسفا على يوسف.

و في نهج البلاغة : وقال- عليه السّلام- وقد سمع رجلا يقول: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ- فقال: انّ قولنا إِنَّا لِلَّهِ، إقرار على أنفسنا بالملك. وقولنا وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ، إقرار على أنفسنا بالهلاك.

و في مجمع البيان : وفي الحديث: من استرجع عند المصيبة، جبر اللّه مصيبته، وأحسن عقباه، وجعل له خلفا صالحا يرضاه.

و قال- عليه السّلام : من أصيب بمصيبة فأحدث استرجاعا وإن تقادم  عهدها، كتب اللّه له من الأجر مثل يوم أصيب.

 [و في شرح الآيات الباهرة :]  وذكر الشّيخ جمال الدّين- قدّس اللّه روحه- في كتاب نهج الحقّ ، عن ابن مردويه، من طريق العامّة، بإسناده إلى ابن عبّاس. قال: إنّ أمير المؤمنين- صلوات اللّه عليه- لمّا وصل إليه ذكر قتل عمّه حمزة قال: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ. فنزلت هذه الآية: بَشِّرِ الصَّابِرِينَ. (الآية) وهو القائل عند تلاوتها: إِنَّا لِلَّهِ إقرار بالملك. وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ إقرار بالهلاك.

إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ: علما جبلين بمكّة.

و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى عبد الحميد بن أبي الدّيلم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام. قال: سمّي الصّفا صفا، لان المصطفى آدم، هبط عليه. فقطع للجبل اسم‏من اسم آدم- عليه السّلام. يقول اللّه- عزّ وجلّ : إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ. وقد هبطت حوّاء على المروة. وإنّما سمّيت المروة مروة لأنّ المرأة هبطت عليها. فقطع للجبل اسم من اسم المرأة.

مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ: أعلام مناسكه. جمع شعيرة. وهي العلامة.

فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ:

 «الحجّ» لغة، القصد والاعتمار الزّيارة. فغلبا شرعا على قصد البيت وزيارته على الوجهين المخصوصين.

فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما:

قيل : كان أساف على الصّفا ونائلة على المروة. وكان أهل الجاهليّة إذا سعوا، مسحوهما. فلمّا جاء الإسلام وكسرت الأصنام، تحرّج المسلمون أن يطوفوا (بهما)  لذلك.

فنزلت والإجماع على أنّه مشروع في الحجّ والعمرة. والخلاف في وجوبه.

و ذهب بعض العامة إلى عدم وجوبه.

و في من لا يحضره الفقيه ، روى عن زرارة ومحمّد بن مسلم، أنّهما قالا: قلنا لأبي جعفر- عليه السّلام: ما تقول في الصّلاة في السّفر، كيف هي؟ وكم هي؟

فقال: إنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول : وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ، فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ. فصار التّقصير في السّفر، واجبا، كوجوب التّمام في الحضر.

 [قالا: قلنا: إنّما قال اللّه- عزّ وجلّ: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ ولم يقل: «افعلوا» فكيف أوجب  ذلك كما أوجب التّمام في الحضر؟]  فقال- عليه السّلام: أو ليس قد قال اللّه- عزّ وجلّ- في الصّفا والمروة: فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما. ألّا ترون أنّ الطّواف بهما واجب مفروض؟ لأنّ اللّه- عزّ وجلّ.- ذكره في كتابه وصنعه نبيّه- عليه السّلام. وكذلك التّقصير في السّفر. شي‏ء صنعه النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- وذكره اللّه- تعالى ذكره-في كتابه.

و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن معاوية بن حكيم، عن محمّد بن أبي عمير، عن الحسن بن عليّ الصّيرفيّ، عن بعض أصحابنا. قال: سئل أبو عبد اللّه- عليه السّلام- عن السّعي بين الصّفا والمروة، فريضة أم سنّة؟

فقال: فريضة.

قلت: أو ليس قال اللّه- عزّ وجلّ- فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما؟

قال: كان ذلك في عمرة القضاء. إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- شرط عليهم أن يرفعوا الأصنام من الصّفا والمروة. فسئل عن رجل  ترك السّعي حتّى انقضت الأيّام وأعيدت الأصنام.

فجاءوا إليه. فقالوا: يا رسول اللّه! إنّ فلانا لم يسع بين الصّفا والمروة. وقد أعيدت الأصنام. فأنزل اللّه- عزّ وجلّ: فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما، أي: وعليهما الأصنام.

و في علل الشّرائع ، بإسناده إلى معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام. قال: إنّ إبراهيم- عليه السّلام- لمّا خلّف  إسماعيل بمكّة، عطش الصّبيّ. وكان فيما بين الصّفا والمروة، شجرة. فخرجت أمّه حتّى قامت على الصّفا.

فقالت: هل بالوادي من أنيس؟

فلم يجبها أحد. فمضيت حتّى انتهت إلى المروة. فقالت: هل بالوادي من أنيس؟

فلم تجب . ثمّ رجعت إلى الصّفا. فقالت كذلك. حتّى صنعت ذلك سبعا.

فأجرى اللّه سنّته .

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و بإسناده  إلى معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام. قال: صار السّعي بين الصّفا والمروة، لأنّ إبراهيم- عليه السّلام- عرض له إبليس، فأمره جبرئيل‏- عليه السّلام. فشدّ عليه. فهرب منه. فجرت به السّنّة، يعني: الهرولة.

و بإسناده  إلى حمّاد، عن الحلبيّ. قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام: لم جعل السّعي بين الصّفا والمروة؟

قال: لأنّ الشيطان تراءى لإبراهيم- عليه السّلام- في الوادي. فسعى. وهو منازل الشيطان.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، جميعا عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام.

 

قال: إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أقام بالمدينة، عشر سنين، لم يحجّ. ثمّ أنزل اللّه تعالى  عليه: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ.

 

فأمر المؤذّنين أن يؤذّنوا بأعلى أصواتهم بأنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يحجّ في عامه هذا. فعلم به من حضر في المدينة وأهل العوالي والأعراب. واجتمعوا لحجّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله. وإنّما كانوا تابعين ينتظرون  ما يؤمرون. ويتبعونه. أو يصنع شيئا، فيصنعونه.

فخرج رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- في أربع بقين من ذي القعدة. فلمّا انتهى إلى ذي الحليفة، زالت الشّمس. فاغتسل. ثمّ خرج حتّى أتى المسجد الّذي عند الشجرة. فصلّى فيه الظّهر. وعزم بالحجّ مفردا. وخرج حتّى انتهى إلى البيداء، عند الميل الأوّل. فصفّ له سمطان . فلبّى بالحجّ مفردا. وساق الهدي ستّا وستّين، أو أربعا وستّين، حتّى انتهى إلى مكّة، في سلخ أربع من ذي الحجّة. فطاف بالبيت سبعة أشواط.

ثمّ صلّى ركعتين، خلف مقام إبراهيم- عليه السّلام. ثمّ عاد إلى الحجر. فاستلمه. وقد كان استلمه في أوّل طوافه. ثمّ قال: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ. فابدأ بما بدأ اللّه تعالى

 و انّ المسلمين كانوا يظنّون [أنّ‏]  السّعي بين الصّفا والمروة، شي‏ء صنعه المشركون.

فانزل اللّه تعالى: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ. فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما.

 

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، جميعا، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام. قال في حديث طويل: إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قال: أبدأ بما بدأ اللّه تعالى به. فأتى الصفا. فبدأ بها.

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد، عن النّضر بن سويد، عن عبد اللّه بن سنان. قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام: إنّ رسول- صلّى اللّه عليه وآله- قال: ابدأ بما بدأ اللّه.

ثمّ صعد على الصّفا. فقام عليه مقدار ما يقرأ الإنسان  سورة البقرة.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

ابن محبوب ، عن عبد العزيز العبديّ، عن عبيد بن زرارة. قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن رجل طاف بالبيت أسبوعا طواف الفريضة، ثمّ سعى بين الصّفا والمروة أربعة أشواط ثمّ غمزه بطنه، فخرج، وقضى حاجته، ثمّ غشى أهله.

قال: يغتسل، ثمّ يعود، فيطوف ثلاثة أشواط، ويستغفر ربّه، ولا شي‏ء عليه.

قلت: فإن كان طاف بالبيت طواف الفريضة، فطاف أربعة أشواط، ثمّ غمزه بطنه، فخرج فقضى حاجته، فغشى أهله؟

فقال: أفسد حجّة. وعليه بدنة، ويغتسل، ثمّ يرجع، فيطوف أسبوعا، ثمّ يسعى ويستغفر ربّه.

قلت: كيف لم تجعل عليه حين غشى أهله قبل أن يفرغ من سعيه، كما جعلت عليه هديا حين غشى أهله قبل أن يفرغ من طوافه؟

قال: إنّ الطّواف فريضة. وفيه صلاة والسّعي سنّة من رسول اللّه- صلّى اللّه‏عليه وآله.

قلت: أليس اللّه يقول: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ؟

قال: بلى. ولكن قد قال فيهما: وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً. فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ فلو كان السّعي فريضة، لم يقل وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً.

 

قوله- عليه السّلام: والسعي سنة، أي: ليس وجوبه كوجوب الطّواف، وإن كان هو واجبا من سنّة رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى، عن ابن أبي عمير، عن معاويه بن عمّار، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام: أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- حين فرغ من طوافه وركعتيه قال:

ابدأ بما بدأ اللّه- عزّ وجلّ- به من إتيان الصّفا. إنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ.

 

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد، رفعه. قال: ليس للّه منسك أحبّ إليه من السّعي. وذلك أنّه يذلّ فيه الجبّارين.

أحمد بن محمّد ، عن التّيمليّ، عن الحسين بن أحمد الحلبيّ، عن أبيه، عن رجل، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام. قال: قال: جعل السّعي بين الصّفا والمروة، مذلّة للجبّارين.

وَ مَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً، أي: فعل طاعة فرضا كان أو نفلا.

و «خيرا» نصب على أنّه صفة مصدر محذوف، أو بحذف الجار وإيصال الفعل إليه، أو بتعدية الفعل لتضمّنه معنى أتى.

و قرأ يعقوب والكسائيّ وحمزة «يطّوّع». وأصله يتطوّع. فأدغم مثل يطّوّف.

فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ: مثيب على الطّاعة، عَلِيمٌ : لا تخفى عليه طاعة.

إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ، كأحبار اليهود،

ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ، كالآيات الشّاهدة على أمر محمّد- عليه السّلام.

وَ الْهُدى: وما يهدي إلى وجوب اتّباعه والإيمان به.

و في تفسير العيّاشيّ : عن ابن أبي عمير، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى في عليّ.

و عن حمران  بن أعين، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللّه: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ، يعني بذلك نحن، واللّه المستعان.

عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام. قال: قلت له: أخبرني عن قوله: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ.

 

قال: نحن يعني بها. واللّه المستعان. إنّ الرّجل منّا إذا صارت إليه لم يكن له، أو لم يسعه، إلّا أن يبيّن للنّاس من يكون بعده.

مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ: لخّصناه لهم.

فِي الْكِتابِ: في التوراة.

على ما سبق في الحديث، يشمل القرآن- أيضا.

أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ، أي: الّذين يتأتّى منهم اللّعن عليهم، من الملائكة والثّقلين.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ قال:

كلّ من قد لعنه اللّه من الجنّ والإنس، نلعنهم.

و في كتاب الاحتجاج ، للطّبرسيّ- رحمه اللّه- عن أبي محمّد العسكريّ- عليه السّلام- حديث طويل. فيه: قيل لأمير المؤمنين- عليه السّلام: من خير خلق اللّه بعد أئمة الهدى ومصابيح الدّجى؟

قال: العلماء، إذا صلحوا.قيل: فمن شرّ خلق اللّه بعد إبليس وفرعون وثمود وبعد المتسمّين بأسمائكم وبعد المتلقّبين بألقابكم والآخذين لأمكنتكم والمتآمرين  في ممالككم.

قال: العماء، إذا فسدوا، هم المظهرون للأباطيل الكاتمون للحقائق. وفيهم قال اللّه- عزّ وجلّ: أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ إِلَّا الَّذِينَ تابُوا. (الآية)

و في مجمع البيان : وروي عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه قال: من سئل عن علم يعلمه فكتمه، ألجم يوم القيامة بلجام من نار.

 [و في تفسير العيّاشيّ : عن عبد اللّه بن بكير، عمّن حدّثه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ قال: نحن هم. وقد قالوا  هو امّ الأرض‏]

 

إِلَّا الَّذِينَ تابُوا عن الكتمان وسائر ما يجب أن يتاب عنه، وَأَصْلَحُوا ما أفسدوا بالتّدارك، وَبَيَّنُوا ما بيّنه اللّه في كتابهم، لتتمّ توبتهم.

و قيل : ما أحدثوه من التّوبة ليمحو به سمة الكفر، عن أنفسهم، ويقتدي بهم أضرابهم، فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ بالقبول والمغفرة.

وَ أَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ : المبالغ في قبول التّوبة وإفاضة الرّحمة.