سورة البقرة الآية 161-180

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ، أي: ومن لم يتب من الكاتمين حتّى مات، أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ، يعني: استقرّ عليهم لعنة اللّه ولعنة من يعتدّ بلعنه من خلقه.

و قيل : الأوّل لعنهم أحياء، والثّاني لعنهم أمواتا.و قرئ  برفع الملائكة والنّاس وأجمعون، عطفا على محلّ اسم «اللّه». لأنّه فاعل في المعنى، كقولك: اعجبني ضرب زيد وعمرو، أو فاعلا لفعل مقدّر، أي: ويلعنهم الملائكة.

خالِدِينَ فِيها: أي: في اللّعنة، أو النّار. وإضمارها قبل الذّكر، تفخيما لشأنها وتهويلا، أو اكتفاء بدلالة اللّعن عليها.

لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ : أي: لا يمهلون، أو لا ينتظرون ليعتذروا، أو لا ينظر إليهم نظر رحمة.

و في الآية، دلالة على كفر من كتم ما أنزل في عليّ- عليه السّلام- بناء على ما سبق من الخبر.

وَ إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ:

خطاب عامّ، اي: المستحقّ للعبادة منكم، واحد لا شريك له. يصحّ أن يعبد ويسمّى إلها.

لا إِلهَ إِلَّا هُوَ، تقرير للواحدانيّة. وإزاحة لأن يتوهّم أنّ في الوجود إلها ولكنّه لا يستحقّ العبادة منهم.

الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ  كالحجّة عليها. فإنّه لمّا كان مولى النّعم كلّها، أصولها وفروعها وما بسواه، إمّا نعمة، أو منعم عليه، لم يستحقّ العبادة أحد غيره. وهما خبران آخران لقوله «إلهكم» أو لمبتدأ محذوف.

قيل : لمّا سمعه المشركون، تعجّبوا. وقالوا: إن كنت صادقا، فأت بآية نعرف بها صدقك. فنزلت.

إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ:

و إنّما جمع السّموات وأفرد الأرض، لأنّها طبقات متفاصلة بالذّات، مختلفة بالحقيقة، بخلاف الأرضين.

وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ: تعاقبهما، كقوله : جعل اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةًوَ الْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ، أي: ينفعهم، أو بالّذي ينفعهم.

و القصد به إلى الاستدلال بالبحر وأحواله وتخصيص الفلك بالذّكر، لأنّه سبب الخوض فيه والاطّلاع على عجائبه. ولذلك قدّمه على ذكر المطر والسّحاب. لأن منشأهما البحر، في غالب الأمر. وتأنيث الفلك، لأنّه بمعنى السّفينة.

و قرئ بضمّتين، على الأصل، أو الجمع. وضمّة الجمع، غير ضمّة الواحد، عند المحققين.

وَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ:

من الأولى، للابتداء. والثّانية، للبيان.

و «السّماء» يحتمل الفلك والسّحاب وجهة العلو.

فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها بالنبات.

وَ بَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ عطف على «أنزل». كأنّه استدلّ بنزول المطر وتكوّن النّبات به وبثّ الحيوانات في الأرض، أو على أحياء. فإنّ الدّوابّ ينمون بالخصب ويعيشون بالماء.

و «البثّ»: النّشر والتّفريق.

وَ تَصْرِيفِ الرِّياحِ في مهابّها وأحوالها.

و قرأ حمزة والكسائيّ على الإفراد.

وَ السَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ: لا ينزل ولا يتقشّع، مع أنّ الطّبع يقتضي أحدهما حتّى يأتي أمر اللّه.

و قيل : المسخّر  للرّياح تقلّبه في الجوّ، بمشيئة اللّه تعالى. واشتقاقه من السّحب.

لأنّ بعضه يجرّ بعضا.

لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ، يتفكّرون فيها. وينظرون إليها، بعيون عقولهم.

و الكلام المجمل، في الاستدلال بهذه الأمور، إنّها ممكنة وجد كلّ منها بوجه مخصوص من وجوه محتملة وأنحاء مختلفة، إذ كان من الجائز، مثلا: أن لا تتحرّك السّموات، أو بعضها كالأرض، وأن تتحرّك بعكس حركتها، وبحيث تصير المنطقة دائرة مارّة بالقطبين، وأن لا يكون لها أوج وحضيض أصلا، أو على هذا الوجه لبساطتهاو تساوى أجزائها، فلا بدّ لها من موجد قادر حكيم، يوجدها على ما تستدعيه حكمته وتقتضيه مشيئته، متعاليا عن معارضة غيره، إذ لو  كان معه إله يقدر على ما يقدر عليه، فإن توافقت إرادتهما، فالفعل إن كان لهما، لزم اجتماع المؤثّرين على أثر واحد، وإن كان لأحدهما، لزم ترجيح الفاعل بلا مرجّح وعجز الآخر المنافي للإلهيّة، وإن اختلفت، لزم التّمانع والتّطارد، كما أشار إليه بقوله : لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا.

و في أصول الكافي : بعض أصحابنا، رفعه عمّن رفعه، عن هشام بن الحكم.

 

قال: قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر- عليه السّلام: يا هشام! إنّ اللّه- تبارك وتعالى- أكمل للنّاس الحجج بالعقول، ونصر النبيّين بالبيان، ودلّهم على ربوبيّته بالأدلة. فقال: إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ. لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ. إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ، لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ.

 

 

و في كتاب الإهليلجة : قال الصّادق- عليه السّلام- في كلام طويل: ثمّ نظرت العين إلى العظيم مثل السّحاب المسخّر بين السّماء والأرض والجبال. يتخلّل الشّجر فلا يحرّك منها شيئا ولا يقصّر منها غصنا ولا يتعلّق منها يعترض الرّكبان فيحول بين بعضهم وبين بعض من ظلمته وكثافته يحمل من ثقل الماء وكثرته ما لا يقدر على صفته مع ما فيه من الصّواعق الصّارعة والبروق اللّامعة والرّعد والثّلج والبرد  ما لا يبلغ الأوهام نعته ولا تهتدي القلوب إليه. فخرج مستقّلا في الهواء يجتمع بعد تفرّقه وينفجر بعد تمسّكه- إلى ان قال عليه السّلام- ولو أنّ ذلك السّحاب والثّقل من الماء هو الّذي يرسل نفسه بعد احتماله، لما مضى به ألف فرسخ وأكثر وأقرب من ذلك وأبعد ليرسله قطرة بعد قطرة بلا هزّة ولا فساد ولا ضار به إلى بلدة وترك أخرى.

و في عيون الأخبار ، عن الرّضا- عليه السّلام- في حديث طويل. يقول فيه: إنّي لمّا نظرت إلى جسدي، فلم يمكنني فيه زيادة ولا نقصان في العرض أو الطّول ودفع‏المكاره عنه وجرّ المنفعة إليه، علمت أنّ لهذا البنيان بانيا. فأقررت به مع ما أرى من دوران الفلك بقدرته وإنشاء السّحاب وتصريف الرّياح ومجرى الشّمس والقمر والنّجوم وغير ذلك من الآيات العجيبات المتقنات، علمت أنّ لهذا مقدّرا ومنشئا.

و في كتاب التوحيد : قال هشام فكان من سؤال الزّنديق أن قال: فما الدّليل عليه؟

قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام: وجود الأفاعيل التي» دلّت على أنّ صانعا صنعها.

ألا ترى انّك إذا نظرت إلى بناء مشيّد  علمت أنّ له بانيا؟ وإن كنت لم تر الباني ولم تشاهده.

و في اصول الكافي، مثله، سواء .

 

وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً من الرّؤساء الّذين كانوا يطيعونهم، أو الأعمّ منهم، ومن كلّ ما يتّخذونهم أندادا.

يُحِبُّونَهُمْ: يعظّمونهم. ويطيعونهم.

كَحُبِّ اللَّهِ: كتعظيمه  والميل إلى طاعته.

أي: يسوّون بينه وبينهم في المحبّة والطّاعة، أو يحبّونهم كما ينبغي أن يحبّ اللّه، من المصدر المبنيّ للمفعول. وأصله من الحبّ. استعير لحبّة القلب. ثمّ اشتقّ منه الحبّ.

لأنّه أصابها ورسخ فيها.

و محبّة العبد للّه، إرادة طاعته والاعتناء بتحصيل مرضاته. ومحبّته للعبد، إرادة إكرامه واستعماله وصونه عن المعاصي.

وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ: لأنّه لا تنقطع محبّتهم للّه بخلاف محبّة الأنداد. فإنّها لأغراض فاسدة موهومة، تزول بأدنى سبب.

وَ لَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا: ولو يعلم هؤلاء الّذين ظلموا باتّخاذهم الأنداد، إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ: إذا عاينوه يوم القيامة.

و أجرى المستقبل مجرى الماضي، لتحقّقه، كقوله : ونادى أصحاب الجنّة.

أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً:سادّ مسدّ مفعولي «يرى» وجواب «لو» محذوف، أي: لندموا أشدّ النّدم.

و قيل : هو متعلّق الجواب. والمفعولان محذوفان. والتقدير: «و لو يرى الّذين ظلموا أندادهم لا تنفع، لعلموا أنّ القوّة للّه كلّها. لا ينفع ولا يضرّ غيره.»

و قرأ ابن عامر ونافع ويعقوب : «و لو ترى» على أنّه خطاب للنّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-، أي: ولو ترى ذلك لرأيت أمرا عظيما.

و ابن عامر : «إذ يُرون» على البناء للمفعول.

و يعقوب : «إنّ» (بالكسر) وكذا.

وَ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذابِ :

على الاستئناف، أو إضمار القول.

إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا:

بدل من «إذ يرون»، أي: إذ تبرّأ المتّبعون، من الأتباع. وقرئ بالعكس، أي:

تبرّأ الاتباع من الرّؤساء.

وَ رَأَوُا الْعَذابَ، أي: رائين له.

و الواو للحال. وقد مضمرة. وقيل: عطف على تبرّأ.

وَ تَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ :

يحتمل العطف على «تبرّأ» و«رأوا» و«الحال» و«الأسباب» الوصل الّتي كانت بينهم من الاتّباع والاتّفاق، على الدين والأغراض الدّاعية إلى ذلك.

و أصل السّبب، الحبل الّذي يرتقى به الشّجر.

و قرئ «تقطّعت»، على البناء للمفعول.

وَ قالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا:

 «لو» للتّمنّي. ولذلك أجيب بالفاء، أي: ليت لنا كرّة إلى الدّنيا، فنتبرّأ منهم.

كَذلِكَ: مثل ذلك الأداء الفظيع، يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ ندمات.

و هي ثالث مفاعيل يرى، إن كان من رؤية القلب. وإلّا فحال.وَ ما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ :

أصله «و ما يخرجون». فعدل به إلى هذه العبارة، للمبالغة في الخلود والإقناط عن الخلاص والرّجوع إلى الدّنيا.

و في أمالي شيخ الطّائفة- قدّس سرّه - بإسناده إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إذا كان يوم القيامة، نادى مناد من بطنان العرش: أين خليفة اللّه في أرضه؟ فيقوم داود - عليه السّلام. فيأتي النّداء من عند اللّه- عزّ وجلّ: لسنا إيّاك أردنا. وإن كنت للّه خليفة.

ثمّ ينادى ثانية : أين خليفة اللّه في أرضه؟ فيقوم أمير المؤمنين، عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام. فيأتي النّداء من قبل اللّه- عزّ وجلّ: يا معشر الخلائق! هذا عليّ بن أبي طالب خليفة اللّه في أرضه وحجّته على عباده. فمن تعلّق بحبله في دار الدّنيا، فليتعلّق بحبله في هذا اليوم يستضي‏ء  بنوره ويتبعه  إلى الدّرجات العلى من الجنّات.

قال: فيقوم النّاس  الّذين قد تعلّقوا بحبله في الدّنيا. فيتّبعونه إلى الجنّة.

ثمّ يأتي النّداء من عند اللّه- جلّ جلاله: ألا من أئتمّ  بإمام في دار الدّنيا، فليتّبعه إلى حيث يذهب .

فحينئذ يتبرّأ الّذين اتّبعوا من الّذين اتّبعوا. ورأوا العذاب. وتقطّعت بهم الأسباب. وقال الّذين اتّبعوا: لو أنّ لنا كرّة فنتبرأ منهم كما تبرّؤوا منّا. كذلك يريهم اللّه أعمالهم حسرات عليهم. وما هم بخارجين من النّار.

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن عمر بن ثابت، عن جابر، قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ.

 

قال: [هم‏]  واللّه أولياء فلان وفلان. اتخذوهم أئمّة من دون الإمام الّذي جعله‏اللّه للنّاس إماما. ولذلك قال: وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذابِ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ. وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا. كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ.

 

ثمّ قال أبو جعفر- عليه السّلام: هم، واللّه، يا جابر! أئمّة الضّلال وأشياعهم.

و في تفسير العيّاشيّ : عن زرارة وحمران ومحمّد بن مسلم، عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه- عليهما السّلام- في قوله وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً. يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ. وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ، قال: هم آل محمّد- صلّى اللّه عليه وآله.

و عن منصور بن حازم . قال قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام: وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ؟

قال: أعداء عليّ- عليه السّلام. هم المخلّدون في النّار، أبد الآبدين ودهر الدّاهرين.

و في الكافي : أحمد بن أبي عبد اللّه عن عثمان بن عيسى، عمّن حدثه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ: كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ قال: هو الرّجل يدع ماله لا ينفعه  في طاعة اللّه، بخلا. ثمّ يموت فيدعه لمن يعمل فيه بطاعة اللّه، أو معصية اللّه. فإن عمل به في طاعة اللّه، رآه في ميزان غيره. فرآه حسرة، وقد كان المال له. وإن عمل به في معصية اللّه، قوّاه بذلك المال، حتّى عمل به في معصية اللّه.

و في نهج البلاغة : وقال- عليه السّلام: إنّ أعظم الحسرات يوم القيامة، حسرة رجل كسب مالا في غير طاعة اللّه. فورثه رجلا . فأنفقه في طاعة اللّه سبحانه. فدخل به الجنّة. ودخل به الأوّل النّار.

و في مجمع البيان : أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ فيه أقوال: (إلى قوله) والثّالث‏ما رواه أصحابنا عن أبي جعفر- عليه السّلام- أنّه قال: هو الرّجل يكسب  المال.

و لا يعمل فيه  خيرا. فيرثه من يعمل فيه عملا صالحا. فيرى الأوّل ما كسبه، حسرة في ميزان غيره.

يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا:

نزلت في قوم، حرّموا على أنفسهم رفيع الأطعمة والملابس .

و «حلالا»، مفعول «كلوا»، أو صفته مصدر محذوف، أو حال من مِمَّا فِي الْأَرْضِ.

و «من» للتّبعيض، إذ لا يؤكل كلّ ما في الأرض.

طَيِّباً: يستطيبه الشّرع، أو الشّهوة المستقيمة، أي: لا تأكلوا على امتلاء المعدة والشّهوة الكاذبة.

وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ: لا تقتدوا به في اتّباع الهوى، فتحرّموا الحلال وتحللوا الحرام.

 [و في مجمع البيان :]  وروى عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه- عليهما السّلام: أنّ من خطوات الشّيطان، الحلف بالطّلاق، والنّذور في المعاصي، وكلّ يمين بغير اللّه تعالى.

و في تفسير العيّاشيّ : عن محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول: لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ قال: يحلّ»

 يمين بغير  اللّه، فهي من خطوات الشّيطان.

و قرأ نافع وأبو عمرو وحمزة، بتسكين الطّاء. وهما لغتان في جمع خطوة. وهي ما بين قدمي الخاطي.

و قرئ بضمّتين وهمزة، جعلت ضمّة الطّاء، كأنّها عليها. وبفتحتين على أنّه جمع خطوة. وهي المرة من الخطو.

إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ : ظاهر العداوة، عند ذوي البصيرة، وإن كان‏

يظهر الموالاة لمن يغويه. ولذلك سمّاه وليّا في قوله : أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ.

إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ:

بيان لعداوته ووجوب التّحرّز عن متابعته. واستعير الأمر لتزيينه وبعثه لهم على الشّرّ، تسفيها لرأيهم وتحقيرا لشأنهم.

و «السّوء» و«الفحشاء» ما أنكره العقل واستقبحه الشّرع. والعطف لاختلاف الوصفين. فإنّه سوء لاغتمام العاقل به وفحشاء باستقباحه إيّاه.

و قيل : «السوء» يعمّ القبائح، و«الفحشاء» ما تجاوز الحدّ في القبح من الكبائر.

و قيل : الأوّل ما لا حدّ فيه. والثّاني ما شرّع فيه الحدّ.

وَ أَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ ، كاتّخاذ الأنداد وتحليل المحرّمات وتحريم المحلّلات.

وَ إِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ:

الضّمير للنّاس. وعدل عن الخطاب معهم للنّداء على ضلالتهم. كأنّه التفت إلى العقلاء. وقال لهم: انظروا إلى هؤلاء الحمقى ما ذا يجيبون.

قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا: وجدنا، عَلَيْهِ آباءَنا:

نزلت في المشركين. أمروا باتّباع القرآن وسائر ما أنزل اللّه من الحجج والآيات فجنحوا إلى التّقليد.

و قيل : في طائفة من اليهود. دعاهم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إلى الإسلام. فقالوا ذلك. وقالوا: إنّ آباءنا كانوا خيرا منّا.

أَ وَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ :

الواو للحال، أو العطف. والهمزة للرّدّ والتّعجيب. وجواب «لو» محذوف، أي:

لو كان آباؤهم جهلة لاتّبعوهم.

وَ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً على حذف مضاف. تقديره: ومثل داعي الّذين كفروا كمثل الّذي ينعق، أو مثل الّذين كفروا،كمثل بهائم الّذي ينعق.

و المعنى: أنّ مثل الّذين كفروا في دعائك إيّاهم، أي: مثل الدّاعي لهم إلى الإيمان، كمثل النّاعق في دعائه المنعوق به من البهائم الّتي لا تفهم. وإنّما تسمع الصّوت.

و كما أنّ الأنعام لا يحصل لها من دعاء الدّاعي إلّا السّماع دون تفهّم المعنى، فكذلك الكفّار لا يحصل لهم من دعائك إيّاهم إلى الإيمان إلّا السّماع دون تفهّم المعنى. لأنّهم يعرضون عن قبول قولك. وينصرفون عن تأمّله. فيكونون بمنزلة من لم يعقله ولم يفهمه. وهذا كما تقول العرب فلان يخافك كخوف الأسد، والمعنى كخوفه من الأسد. وأضاف الخوف إلى الأسد، وهو في المعنى مضاف إلى الرّجل.

قال :

         فلست مسلّما ما دمت حيّا             على زيد بتسليم الأمير

 يراد بتسليمي على الأمير.

قيل : هو تمثيلهم في اتّباع آبائهم على ظاهر حالهم جاهلين بحقيقتها بالبهائم التي تسمع الصّوت ولا تفهم ما تحته، أو تمثيلهم في دعائهم الأصنام بالنّاعق في نعقه وهو التّصويت على البهائم.

و الأوّل- هو المرويّ عن أبي جعفر- عليه السّلام- على ما في مجمع البيان .

 

صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ: رفع على الذّمّ.

فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ ، أي: بالفعل للإخلال بالنّظر.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ لمّا وسع الأمر على النّاس كافّة وأباح لهم ما في الأرض، سوى ما حرّم عليهم أمير المؤمنين منهم أن يتحرّوا طيّبات ما رزقوا ويقوموا بحقوقها. فقال:

وَ اشْكُرُوا لِلَّهِ على ما رزقكم وحلّل  لكم، إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ، إن صحّ أنّكم تخصّونه بالعبادة وتقرّون أنّه مولى النّعم. فإنّ عبادته لا تتمّ إلّا بالشّكر. فالمعلّق بفعل العبادة، هو الأمر بالشّكر، لإتمامه. وهو عدم عند عدمه.و عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله : يقول اللّه تعالى: أنّي والإنس والجنّ في نبأ عظيم، أخلق. ويعبد غيري وأرزق. ويشكر غيري.

إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ أكلها والانتفاع بها. وهي الّتي ماتت من غير ذكاة.

و الحرمة المضافة إلى العين، تفيد عرفا حرمة التّصرّف فيها مطلقا، إلّا ما استثني، كما سيجي‏ء.

وَ الدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ:

إنّما خصّ اللّحم بالذّكر، لأنّه معظم ما يؤكل من الحيوان وسائر أجزائه كالتّابع له.

وَ ما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ، أي: رفع به الصّوت عند ذبحه للصّنم.

و الإهلال، أصله، رؤية الهلال. لكن لما جرت العادة أن يرفع الصّوت بالتّكبير، إذ رئي، سمّي ذلك إهلالا. ثمّ قيل لرفع الصّوت، وإن كان لغيره.

و في كتاب عيون أخبار الرّضا- عليه السّلام - في باب ذكر ما كتب به الرّضا- عليه السّلام- إلى محمّد بن سنان، في جواب مسائله من العلل: وحرّم الميتة لما فيها من فساد الأبدان والآفة. ولمّا أراد اللّه- عزّ وجلّ- أن يجعل سبب التّحليل  وفرقا بين الحلال والحرام.

و حرّم اللّه الدّم، كتحريم الميتة، لما فيه من فساد الأبدان. ولأنّه يورث الماء الأصفر ويبخر الفم وينتن الرّيح ويسي‏ء الخلق ويورث القسوة للقلب وقلّة الرّأفة والرّحمة، حتّى لا يؤمن أن يقتل ولده ووالده وصاحبه.

و حرّم الخنزير لأنّه مشوّه جعله اللّه تعالى عظة للخلق وغيره وتخويفا ودليلا على ما مسخ على  خلقته لأنّ غذاءه أقذر الأقذار، مع علل كثيرة. وكذلك حرّم القرد . لأنّه مسخ مثل الخنزير. وجعل عظة وعبرة للخلق، دليلا على ما مسخ على خلقته وصورته.

و جعل فيه شبها من الإنسان ليدلّ على أنّه من الخلق المغضوب عليه.

و حرّم ما أهل به لغير اللّه للّذي أوجب اللّه- عزّ وجلّ- على خلقه من الإقرار به‏و ذكر اسمه على الذّبائح المحلّلة. ولئلا يسوّي  بين ما تقرب به إليه وبين ما جعل عبادة للشّياطين والأوثان. لأنّ في تسمية اللّه- عزّ وجلّ- الإقرار بربوبيّته وتوحيده. وما في الإهلال لغير اللّه من الشّرك  والتّقرّب به إلى غيره، ليكون ذكر اللّه تعالى وتسميته على الذّبيحة فرقا بين ما أحلّ اللّه وبين ما حرّم اللّه.

و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده الى محمّد بن عذافر، عن بعض رجاله، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قلت له لم حرّم اللّه- عزّ وجلّ- الخمر والميتة والدّم ولحم الخنزير؟

فقال: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- لم يحرّم ذلك على عباده وأحلّ لهم ما سوى ذلك من رغبة فيما أحلّ لهم ولا زهد فيما حرّم  عليهم. ولكنّه- عزّ وجلّ- خلق الخلق، فعلم ما تقوم  به أبدانهم وما يصلحهم. فأحلّه لهم. وأباحه. وعلم ما يضرّهم. فنهاهم عنه.

و حرّمه عليهم. ثمّ أحلّه للمضطرّ في الوقت الّذي لا يقوّم بدنه إلّا به. فأمره أن ينال منه بقدر البلغة لا غير ذلك. ثمّ قال: أمّا الميتة فإنّه لم ينل أحد منها إلّا أضعف  بدنه  وأوهنت قوّته وانقطع نسله. ولا يموت آكل الميتة إلّا فجأة.

و أمّا الدم، فإنه يورث اكله الماء الأصفر. ويورث الكلب وقساوة القلب وقلّة الرّأفة والرّحمة، حتّى لا يؤمن على حميمه. ولا يؤمن على من صحبه.

و أمّا الخنزير، فإنّ اللّه- عزّ وجلّ- مسخ قوما في صور شتّى، مثل الخنزير والقرد والدّبّ. ثمّ نهى عن أكل المثلة لكي ما ينتفع بها ولا يستحفّ بعقوبته.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في كتاب الخصال : عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: عشرة أشياء من الميتة: ذكيّة العظم والشّعر والصّوف والرّيش والقرن والحافر والبيض والإنفحة واللّبن والسّنّ.

و في الكافي : محمّد بن يحيى وغيره، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن‏

 عاصم بن حميد، عن عليّ بن المغيرة  قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام: جعلت فداك، الميتة ينتفع بشي‏ء منها؟

قال : لا.

قلت: بلغنا أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- مرّ بشاة ميتة، فقال: ما كان على أهل هذه الشّاة إذا لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا بإهابها.

 [قال: تلك شاة كانت لسودة بنت زمعة، زوجة النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله.

و كانت شاة مهزولة لا ينتفع بلحمها. فتركوها، ماتت. فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله: ما كان على أهلها إذ لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا بإهابها.] ، أي: تذكى .

فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ:

قيل : «الباغي»: المستأثر على مضطرّ آخر. و«العادي»: المتجاوز سدّ الرّمق.

و في كتاب معاني الأخبار ، بإسناده إلى البزنطيّ عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ- فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ قال: الباغي الّذي يخرج على الإمام العادل. والعادي الّذي يقطع الطّريق لا تحلّ لهما الميتة.

و في الكافي : الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن حمّاد بن عثمان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ- فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ قال: الباغي، باغي الصّيد. والعادي، السّارق. ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرّا إليها. هي حرام عليهما. ليس هي عليهما كما هي على المسلمين.

و في من لا يحضره الفقيه : روى عبد العظيم بن عبد اللّه الحسنيّ، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الرّضا- عليه السّلام. قال: قلت يا بن رسول اللّه! فما معنى قوله- عزّ وجلّ- فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ؟ قال:

العادي، السّارق. والباغي، الّذي يبغي الصّيد بطرا ولهوا. لا ليعود به على عياله.ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرّا. هي حرام عليهما في حال الاضطرار. كما هي حرام عليهما في حال الاختيار.

و بالاضطرار يحلّ عموم المحرّمات، يدلّ عليه ما رواه.

في الكافي»: عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز بن محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن الرّجل والمرأة يذهب بصره، فيأتيه الأطبّاء، فيقولون: نداويك شهرا، أو أربعين ليلة مستقليا. كذلك يصلّي.

فرخّص في ذلك. وقال: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ.

و في من لا يحضره الفقيه : وفي رواية محمّد بن عمرو بن سعيد، رفعه، عن امرأة أتت عمر. فقالت: يا أمير المؤمنين! إنّى فجرت. فأقم عليّ  حدّ اللّه- عزّ وجلّ.

فأمر برجمها. وكان [عليّ‏]  أمير المؤمنين- عليه السّلام- حاضرا. فقال: سلها كيف فجرت؟

فسألها. فقالت: كنت في فلاة من الأرض. فأصابني عطش شديد. فرفعت لي خيمة. فأتيتها. فأصبت فيها رجلا أعرابيّا فسألته ماء. فأبى عليّ أن يسقيني إلّا أكون  أن أمكّنه من نفسي. فولّيت منه  هاربة. فاشتدّ بي العطش، حتّى غارت عيناي وذهب لساني. فلمّا بلغ منّي العطش، أتيته فسقاني ووقع عليّ.

فقال عليّ- عليه السّلام: هي الّتي قال اللّه- عزّ وجلّ: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ. هذه غير باغية ولا عادية. فخلّى سبيلها.

فقال عمر: لو لا عليّ لهلك عمر.

و يجب تناول المحرّم، عند الاضطرار.

قال الصّادق- عليه السّلام : من اضطرّ إلى الميتة والدّم ولحم الخنزير، فلم يأكل من ذلك حتّى يموت، فهو كافر.

فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ في تناوله.

إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ لما فعل،رَحِيمٌ ، بالرّخصة فيه.

فإن قلت: إنّما يفيد القصر على ما ذكر، وكم من محرّم لم يذكر.

قلت: المراد، قصر الحرمة على ما ذكر ممّا استحلّوه، لا مطلقا، أو قصر حرمته على حال الاختيار. كأنّه قيل: إنّما حرّم عليكم هذه الأشياء، ما لم تضطرّوا إليها.

إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا: عوضا حقيرا، أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ: إمّا في الحال، لأنّه أكلوا ما يتسبّب إلى النّار. أو في المآل، أي: يوم القيامة.

و معنى «في بطونهم» ملئ بطونهم. يقال: أكل في بطنه، وأكل في بعض بطنه.

وَ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ: عبارة عن غضبه عليهم.

وَ لا يُزَكِّيهِمْ: ولا يثني عليهم.

وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ.  أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى في الدّنيا.

وَ الْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ في الآخرة، بكتمان الحقّ.

فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ :

تعجّب من حالهم، في الالتباس بموجبات النّار، من غير مبالاة.

و «ما» تامّة مرفوعة بالابتداء. وتخصيصها كتخصيص شرّ أهرّ ذا ناب، أو استفهاميّة وما بعدها الخبر، أو موصولة وما بعدها صلة. والخبر محذوف.

و في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن عبد اللّه بن مسكان، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ- فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ فقال: ما أصبرهم على فعل ما يعملون أنّه يصيّرهم إلى النّار.

و في مجمع البيان : قول اللّه- عزّ وجلّ- فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ، فيه أقوال:

أحدها- أنّ معناه ما أجرأهم على النّار، رواه عليّ بن إبراهيم بإسناده، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام.و الثّاني- ما أعملهم بأعمال أهل النّار. وهو المرويّ عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام.

ذلِكَ، أي: العذاب، بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ، أي: بسبب أنّ اللّه نزّل الكتاب بالحقّ، فرفضوه بالكتمان والتّكذيب.

وَ إِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ:

الّلام فيه إمّا للجنس واختلافهم إيمانهم ببعض وكفرهم ببعض آخر، أو للعهد.

و الإشارة، إمّا إلى التوراة، و«اختلفوا» بمعنى تخلّفوا. عن المنهج المستقيم، في تأويلها، أو خلّفوا خلاف ما أنزل اللّه مكانه، أي: حرّفوا فيها، أو «اختلفوا» بمعنى أنّ بعضهم آمنوا به وبعضهم حرّفوه عن مواضعه، وإمّا إلى القرآن. واختلافهم قولهم سحر وتقوّل وكلام علّمه بشر وأساطير الأوّلين.

لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ : لفي خلاف بعيد عن الحق .

لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ:

 «البرّ»، كلّ فعل مرضيّ.

و الخطاب لأهل الكتاب. فإنّهم أكثروا الخوض في أمر القبلة، حين حوّلت.

و ادّعى كلّ طائفة أنّ البرّ هو التّوجّه إلى قبلته. فردّ اللّه عليهم. وقال ليس البرّ ما أنتم عليه.

فإنّه منسوخ. ولكن البرّ ما نبيّنه واتّبعه المؤمنون.

و قيل : عامّ لهم وللمسلمين، أي: ليس البرّ مقصورا بأمر القبلة، أو ليس البرّ العظيم الّذي يحسن أن تذهلوا بشأنه عن غيره أمرها. وقرأ حمزة وحفص: ليس البرّ (بالنّصب .)

وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ، أي: ولكنّ البرّ الّذي ينبغي أن يهتمّ به، برّ من آمن، أو لكنّ ذا البرّ من آمن. ويؤيّده قراءة: ولكنّ البارّ.

و المراد بالكتاب، الجنس، أو القرآن.و قرأ نافع وابن عامر: ولكن (بالتّخفيف.) ورفع البرّ.

وَ آتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ، على حبّ المال، أو على حبّ اللّه، أو على حبّ الإيتاء.

و الجارّ والمجرور، في موضع الحال.

ذَوِي الْقُرْبى:

قدّمه لأنّه أفضل. كما روى عنه- عليه السّلام : صدقتك على المسكين، صدقة، وعلى ذي رحمك، اثنتان صدقة وصلة.

و في مجمع البيان : ذوي القربى، يحتمل أن يكون المراد  قرابة النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- [كما في قوله : قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى.]  وهو المرويّ عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه- عليهما السّلام.

وَ الْيَتامى: جمع يتيم. وهو من الأطفال من فقد أبوه.

وَ الْمَساكِينَ: جمع المسكين. وهو الّذي أسكنته الخلّة. وأصله دائم السّكون، كالمسكير: دائم السّكر.

وَ ابْنَ السَّبِيلِ: المسافر. سمّي به لملازمته السّبيل، كما سمّي القاطع، ابن الطّريق. وقيل : الضّيف.

وَ السَّائِلِينَ: الّذين ألجأتهم  الحاجة إلى السّؤال.

قال- عليه السّلام: للسّائل حقّ وإن جاء على فرسه.

و في من لا يحضره الفقيه ، في الحقوق المرويّة، عن عليّ بن الحسين- عليهما السّلام: وحقّ السّائل إعطاؤه على قدر حاجته. وحقّ  المسئول إن أعطى فاقبل منه بالشّكر والمعرفة بفضله. وإن منع فاقبل عذره.

وَ فِي الرِّقابِ: في تخليصها، كمعاونة المكاتبين وفكّ الأسارى وابتياع الرّقاب‏لعتقها.

وَ أَقامَ الصَّلاةَ المفروضة. وَآتَى الزَّكاةَ:

المراد منها الزكاة المفروضة. والغرض من الأوّل، إمّا بيان مصارفها، أو نوافل الصّدقات.

وَ الْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا: عطف على مَنْ آمَنَ.

وَ الصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ: نصب على المدح. ولم يعطف لفضل الصّبر على سائر الأعمال.

و عن الأزهريّ : «البأساء» في الأموال، كالفقر. و«الضّرّاء» في الأنفس، كالمرض.

في عيون الأخبار ، بإسناده إلى الحارث بن الدّلهاث، مولى الرّضا- عليه السّلام- قال: سمعت أبا الحسن- عليه السّلام- يقول: لا يكون المؤمن مؤمنا حتّى يكون فيه ثلاث خصال: سنّة من ربّه، وسنّة من نبيّه، وسنّة من وليّه- إلى قوله- وأمّا السّنّة من وليّه، فالصّبر  على البأساء والضّرّاء. فإنّ اللّه يقول: وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ.

 

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ قال: في الجوع والخوف والعطش والمرض.

وَ حِينَ الْبَأْسِ قال : عند القتل.

أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا في الدّين واتّباع الحقّ وطلب البرّ.

وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ  عن الكفر وسائر الرّذائل.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : أنّ هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين- صلوات اللّه عليه- لأنّ هذه الشّروط، شروط الإيمان وصفات الكمال. وهي لا توجد إلّا فيه وفي ذرّيّته الطّيّبين- صلوات اللّه عليهم أجمعين.يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى.:

كان في الجاهليّة بين حيّين. من أحياء العرب دماء. وكان لأحدهما طول على الآخر. فأقسموا لنقتلنّ الحرّ منكم بالعبد والذّكر بالأنثى. فلمّا جاء الإسلام، تحاكموا إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله. فنزلت. وأمرهم ان يتباوؤا.

 [و في تفسير العيّاشيّ : محمّد بن خالد البرقيّ، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ: هي لجماعة المسلمين. ما هي للمؤمنين خاصّة ] .

و عن سماعة بن مهران ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فقال: لا يقتل حرّ بعبد. ولكن يضرب ضربا شديدا، ويغرّم دية العبد. وإن قتل رجل امرأة. فأراد  اولياء المقتول أن يقتلوا، أدّوا نصف ديته إلى أهل الرّجل.

و في تهذيب الأحكام»: صفوان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أحدهما- عليهما السّلام- قال: قلت: قول اللّه تعالى كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى.

قال: قال: لا يقتل حرّ بعبد. ولكن يضرب ضربا شديدا. ويغرّم ثمن العبد.

و في مجمع البيان : نفس الرّجل، لا تساوي نفس المرأة. بل هي على النّصف منها. فيجب إذا أخذت النّفس الكاملة بالنّاقصة، أن يردّ فضل ما بينهما.

و كذلك رواه الطّبريّ في تفسيره ، عن عليّ- عليه السّلام.

 

و فيه : قال الصّادق- عليه السّلام- لا يقتل حرّ بعبد. ولكن يضرب ضربا

شديدا، ويغرّم دية العبد.

فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْ‏ءٌ، أي: شي‏ء من العفو. لأنّ «عفا»  لازم. وفائدته الإشعار بأنّ بعض العفو كالعفو التّامّ، في إسقاط القصاص.

و قيل : «عفا» بمعنى ترك وشي‏ء مفعول به. وهو ضعيف إذ لم يثبت. «عفا الشي‏ء» بمعنى تركه. بل إعفاءه وعفا، يعدّى بعن الى الجاني والى الذّنب. قال اللّه تعالى : عَفَا اللَّهُ عَنْكَ وقال عفا [اللّه‏]  عنها. وإذا عدّي به إلى الذّنب، عدّي إلى الجاني باللّام. وعليه ما في الآية. كأنّه قيل: فمن عفي له عن جنايته من جهة أخيه، يعني:

وليّ الدّم. وذكره بلفظ الأخوّة الثّابتة بينهما، من الجنسيّة والإسلام، ليرقّ له ويعطف عليه.

فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ، أي: فليكن اتّباع أو فالأمر اتّباع.

و المراد: وصيّة العافي بأن يطالب الدّية بالمعروف، فلا يعنف. والمعفوّ عنه، بأن يؤدّيها بإحسان. وهو أن لا يمطل ولا يبخس.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم عن أبيه ، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللّه- عزّ وجلّ- فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْ‏ءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ.

 

قال: ينبغي للّذي له الحقّ، أن لا يعسر أخاه إذا كان قد صالحه على دية.

و ينبغي للّذي عليه الحقّ، أن لا يمطل  أخاه إذا قدر على ما يعطيه. ويؤدّي إليه بإحسان.

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن علي بن الحكم، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير. قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- في  قول اللّه- عزّ وجلّ- فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْ‏ءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ.

 

قال: هو الرّجل يقبل الدّية. فينبغي للطّالب أن يرفق به ولا يعسره. وينبغي للمطلوب أن يؤدّي إليه بإحسان  ولا يمطله، إذا قدر.أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن عبد الكريم، عن سماعة ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ- فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْ‏ءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ، ما ذلك الشي‏ء؟

فقال: هو الرجل يقبل الدّية. فأمر اللّه- عزّ وجلّ- الرجل الّذي له الحقّ، أن يتّبعه بمعروف، ولا يعسره. وأمر الّذي عليه الحقّ، أي يؤدّي إليه بإحسان، إذا أيسر.

ذلِكَ، أي: الحكم المذكور في العفو والدّية، تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ لما فيه من التّسهيل والنّفع.

و قيل : كتب على اليهود القصاص، وحده، وعلى النّصارى العفو، مطلقا.

و خيّرت هذه الأمّة بينهما، وبين الدّية، تيسيرا عليهم.

فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ :

و في الحديث السّابق : قال سماعة: قلت: أ رأيت قوله- عزّ وجلّ- فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ.

قال: هو الرّجل، يقبل الدّية، أو يصالح، ثمّ يجي‏ء بعد، فيمثّل، أو يقتل. فوعده اللّه عذابا أليما.

عليّ بن ابراهيم ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللّه- عزّ وجلّ- فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ.

 

فقال: هو الرّجل يقبل الدّية، أو يعفو، أو يصالح، ثمّ يعتدي، فيقتل. فله عذاب أليم، كما قال اللّه- عزّ وجلّ.

وَ لَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ:

كلام في غاية الفصاحة والبلاغة. من حيث جعل الشي‏ء محلّ ضدّه. وعرّف القصاص ونكّر الحياة، ليدلّ على أنّ في هذا الجنس من الحكم، نوعا من الحياة عظيما.

وَ لَكُمْ فِي الْقِصاصِ يحتمل أن يكونا خبرين «لحياة»، وأن يكون أحدهما خبراو الآخر صلة له، أو حالا عن الضّمير المستكنّ فيه.

و قرئ «في القصص»، أي: فيما قصّ عليكم من حكم القتل حياة، أو في القرآن حياة القلوب.

يا أُولِي الْأَلْبابِ: ذوي العقول الكاملة.

لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ  في المحافظة على القصاص والحكم به والإذعان له، أو عن القصاص، فتكفّوا عن القتل.

و في كتاب الاحتجاج ، للطّبرسيّ- رحمه اللّه- بإسناده إلى عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- في تفسير قوله تعالى وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ (الآية): ولكم، يا أمّة محمّد! في القصاص حياة. لأنّ من همّ بالقتل، يعرف  أنّه يقتصّ منه، فكفّ لذلك عن القتل، كان حياة للّذي  كان همّ بقتله، وحياة لهذا الجانيّ الّذي أراد أن يقتل، وحياة لغيرهما من النّاس، إذا علموا أنّ القصاص واجب لا يجسرون على القتل، مخافة القصاص، يا أُولِي الْأَلْبابِ، أولي العقول لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ، قال: يعني: لو لا القصاص، لقتل بعضكم بعضا.

و في نهج البلاغة : فرض اللّه الإيمان تطهيرا من الشّرك، والقصاص حقنا للدّماء.

و في أمالي شيخ الطّائفة ، بإسناده إلى عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام. قال:

 

قلت: أربعا أنزل اللّه تعالى تصديقي  بها في كتابه- إلى قوله عليه السّلام- قلت: القتل يقلّ القتل. فأنزل اللّه وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ.

كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ، أي: أسبابه وأمارته، إِنْ تَرَكَ خَيْراً، أي: مالا كثيرا،

لما روى عن عليّ- عليه السّلام : أنّه دخل على مولى له في مرضه. وله سبعمائة درهم، أو ستّمائة.فقال: ألا أوصي؟

فقال: إنّما قال اللّه سبحانه إِنْ تَرَكَ خَيْراً وليس لك مال كثير.

الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ:

مرفوع «بكتب» وتذكير فعلها للفصل، أو على تأويل أن يوصي، أو الإيصاء.

و لذلك ذكر الرّاجع في قوله «فمن بدّله».

و العامل في «إذا» مدلول «كتب» لا «الوصيّة» لتقدّمه عليها.

و قيل : مبتدأ، خبره «للوالدين». والجملة جواب الشّرط، بإضمار الفاء، كقوله:

من يفعل الحسنات اللّه يشكرها.

و ردّ بأنّه لو صحّ، فمن ضرورات الشّعر. وكان هذا الحكم، أي: وجوب الوصيّة، في بدء الإسلام. فنسخ بآية المواريث.

و في تفسير العيّاشيّ : عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أحدهما- عليهما السّلام- قوله كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ قال: هي منسوخة. نسختها آية الفرائض الّتي هي المواريث. ويجوز الوصيّة للوارث .

قال الكافي : عدّة من أصحابنا، عن سهيل بن زيادة، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن ابن بكير، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سألته عن الوصيّة للوارث.

فقال: تجوز.

ثمّ تلا هذه الآية: إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ.

 

و في من لا يحضره الفقيه : روى محمّد بن أحمد بن يحيى، عن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن سنان، عن عمّار بن مروان، عن سماعة بن مهران، عن أبي عبد اللّه‏

 - عليه السّلام- في قول اللّه تعالى: الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ، حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ، قال: هو الشي‏ء جعله اللّه- عزّ وجلّ- لصاحب هذا الأمر.

قال: قلت: فهل لذلك حدّ؟

قال: نعم.

قلت: وما هو؟

قال: أدنى ما يكون، ثلث الثّلث.

و في كتاب الاحتجاج»، للطّبرسيّ- رحمه اللّه- عن الزّهراء- عليها السّلام- في حديث طويل. تقول فيه للقوم: وقد منعوها ما منعوها. وقال: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ . وقال: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ.  وقال: إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ.

 

و زعمتم أن لا حظ [لي‏]  ولا إرث [من أبي‏]  ولا رحم بيننا. أ فخصّكم اللّه بآية أخرج منها  آل رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وآله؟

 [و في مجمع البيان : روى أصحابنا عن أبي جعفر- عليه السّلام- أنّه سئل: هل يجوز  الوصية للوارث؟

فقال: نعم. وتلا هذه الآية.

و روى السّكونيّ، عن أبي عبد اللّه، عن أبيه، عن عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام. قال: من لم يوص عند موته لذي قرابته، ممن لا يرث، فقد ختم عمله بمعصيته.

و فيه: اختلف في المقدار الّذي تجب الوصيّة عنده. قال ابن عبّاس: ثمانمائة درهم.

و روي عن عليّ- عليه السّلام- أنّه دخل على مولا له فيه مرضه وله سبعمائة درهم، أو ستّمائة. فقال: ألا أوصي؟فقال: لا. إنّما قال اللّه سبحانه: إِنْ تَرَكَ خَيْراً. وليس لك مال كثير.

و هذا هو المأخوذ به عندنا]

 

بِالْمَعْرُوفِ: بالعدل. فلا يفضل الغنى. ولا يتجاوز الثّلث.

حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ :

مصدر مؤكّد، أي: حقّ ذلك حقّا.