سورة البقرة الآية 181-200

فَمَنْ بَدَّلَهُ غيره من الأوصياء والشّهود، بَعْدَ ما سَمِعَهُ، وصل إليه وتحقّق عنده.

فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ: فما إثم التّبديل، إلّا على مبدّله. لأنّه هو الّذي خالف الشّرع.

إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ : وعيد للمبدّل.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن محمّد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن رجل أوصى بماله في سبيل اللّه.

فقال: أعطه لمن أوصى به له. وإن كان يهوديّا أو نصرانيّا. إنّ اللّه تعالى يقول:

فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ.

   

محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين، عن عليّ بن الحكم، عن العلا بن رزين، عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما- عليهما السّلام- في رجل أوصى بما له في سبيل اللّه.

قال: أعطه لمن أوصى  به له وإن كان يهوديّا أو نصرانيّا. إنّ اللّه- تبارك وتعالى- يقول: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ.

   

عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن مهزيار، قال: كتب أبو جعفر- عليه السّلام- إلى جعفر وموسى: وفيما أمرتكما به من الإشهاد بكذا وكذا، نجاة لكما، في آخرتكما، وإنفاذ  لما أوصى به أبواكما، وبرّ  منكما لهما. واحذرا أن لا تكونا بدّلتما وصيّتهما ولا غيّرتماها. عن حالها وقد خرجا  من ذلك رضي اللّه عنهما، وصار ذلك في‏رقابكما. وقد قال  اللّه- تبارك وتعالى- في كتابه، في الوصيّة: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ. إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.

 

عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الوليد، عن يونس بن يعقوب: أنّ رجلا كان بهمدان. ذكر أنّ أباه مات. وكان لا يعرف هذا الأمر. فأوصى بوصيّته  عند الموت. وأوصى أن يعطى شي‏ء في سبيل اللّه.

فسئل عنه أبو عبد اللّه- عليه السّلام: كيف يفعل به؟ فأخبرناه أنّه كان لا يعرف هذا الأمر.

فقال: لو أنّ رجلا أوصى إلىّ أن أضع في يهوديّ أو نصرانيّ، لوضعته فيهما. إنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ. فانظروا  إلى من يخرج إلى هذا الوجه، يعني: الثّغور. فابعثوا [به‏]  إليه.

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن حجاج الخشّاب، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن امرأة أوصت إليّ بمال أن يجعل في سبيل اللّه. فقيل: لها يحجّ  به. فقالت: اجعله في سبيل اللّه. فقالوا لها: نعطيه  آل محمّد. قلت: اجعله في سبيله اللّه.

 [فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام: اجعله في سبيل اللّه،]  كما أمرت.

قلت: مرني كيف أجعله.

قال: اجعله كما أمرتك. إنّ اللّه- تبارك وتعالى- يقول: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. أ رأيتك لو أمرتك أن تعطيه يهوديّا، كنت تعطيه نصرانيّا؟

قال: فمكثت بعد ذلك ثلاث سنين: ثمّ دخلت عليه. ثمّ قلت  له مثل الّذي قلت له  أوّل مرّة. فسكت هنيئة.ثمّ قال: هاتها.

قلت: من أعطيها؟

قال: عيسى شلقان.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن الرّيّان بن شبيب قال: أوصت ماردة لقوم نصارى  بوصيّة. فقال أصحابنا: أقسم هذا في فقراء المؤمنين من أصحابك. فسألت الرّضا- عليه السّلام. فقلت: إنّ أختي أوصت بوصيّة لقوم نصارى. وأردت أن أصرف ذلك إلى قوم من أصحابنا المسلمين .

فقال: أمض الوصيّة على ما أوصت به. قال اللّه تعالى: فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ.

 

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن ابن مسكان، عن أبي سعيد، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سئل عن رجل أوصى بحجّة. فجعلها وصيه في نسمة .

فقال: يغرمها وصيّه. ويجعلها في حجّة، كما أوصى به. فإنّ اللّه- تبارك وتعالى- يقول: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ.

 

فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ، أي: توقّع وعلم من قولهم، أخاف أن ترسل السّماء.

جَنَفاً: ميلا بالخطإ في الوصيّة، أَوْ إِثْماً: تعمّدا للحيف، فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ: بين الموصى لهم بإجرائهم على نهج الشّرع.

فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ في هذا التّبديل. لأنّه تبديل باطل إلى حقّ، بخلاف الأوّل.

إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ : وعد للمصلح. وذكر المغفرة لمطابقة ذكر الإثم، وكون الفعل من جنس ما يؤثم به.

و في كتاب علل الشّرائع»: حدّثنا محمّد بن الحسن قال: حدّثنا محمّد بن الحسن‏

 الصّفار، عن أبي طالب عبد اللّه بن الصّلت القميّ، عن يونس بن عبد الرّحمان. رفعه إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ- فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً  أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ.

قال: يعني: إذا اعتدى في الوصيّة. يعني : إذا زاد عن الثّلث.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال الصّادق- عليه السّلام: إذا وصّى الرّجل بوصيّته، فلا يحلّ للوصيّ أن يغيّر وصيّة يوصيها. بل يمضيها على ما أوصى. إلّا أن يوصي بغير ما أمر اللّه. فيعصى في الوصيّة ويظلم. فالموصى إليه جائز له أن يردّها  إلى الحقّ.

 [مثل رجل يكون له ورثة يجعل  المال كلّه لبعض ورثة ويحرم بعضا. فالوصي جائز له أن يردّها  إلى الحقّ.]  وهو قوله: جَنَفاً أَوْ إِثْماً. «فالجنف» الميل إلى بعض ورثتك  دون بعض. و«الإثم» أن تأمر  بعمارة بيوت النّيران واتّخاذ المسكر. فيحلّ للوصيّ أن لا يعمل بشي‏ء من ذلك.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن رجاله قال: قال: إنّ اللّه- عزّ وجلّ- أطلق للموصى إليه، أن يغيّر الوصيّة، إذا لم تكن  بالمعروف وكان فيها جنف . ويردّها إلى المعروف، لقوله تعالى فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ.

 

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن أبي أيّوب، عن محمّد بن سوقة قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه- تبارك وتعالى- فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ.

 

قال: نسختها الآية الّتي بعدها، قوله- عزّ وجلّ- فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ.

 قال: يعني: الموصى إليه إن خاف جنفا  فيما أوصى به إليه فيما  لا يرضى اللّه به، من خلاف الحقّ، فلا إثم على الموصى  إليه أن يردّه  إلى الحقّ وإلى ما يرضى اللّه به من سبيل الخير.

 [و في مجمع البيان : فإن قيل: كيف قال فمن خاف لما قد وقع. والخوف إنّما يكون لما لم يقع؟

قيل: إنّ فيه قولين:

أحدهما- أنّه خاف أن يكون قد زلّ في وصيّة. والخوف يكون للمستقبل. وهو من أن يظهر ما يدلّ على أنّه قد زلّ لأنّه من جهة غالب الظّن.

الثّاني- أنّه لمّا اشتمل على الواقع وعلى ما لم يقع، جاز فيه (إلى قوله) إنّ الأوّل عليه أكثر المفسّرين. وهو المرويّ عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه- عليهما السّلام. وقوله أَوْ إِثْماً، الإثم أن تميل  عن الحق، على وجه العمد. والجنف أن يكون على جهة الخطأ من حيث لا يدري أنّه يجوز. وهو معنى قول ابن عبّاس والحسن. وروي ذلك عن أبي جعفر- عليه السّلام.]

 

 

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، يعني: الأنبياء دون الأمم. فإنّ الأمم كان عليهم صوم، أكثر من ذلك، في غير ذلك الشّهر.

يدلّ عليه‏

ما في الصّحيفة الكاملة : ثمّ آثرتنا به على سائر الأمم. واصطفيتنا بفضله دون أهل الملل. فصمنا بأمرك نهاره. وقمنا بعونك ليله.

و ما رواه في من لا يحضره الفقيه ، قال: روى سليمان بن داود المنقريّ، عن حفص بن غياث النّخعيّ قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: إنّ شهر رمضان‏

لم يفرض اللّه صيامه على أحد من الأمم قبلنا.

فقلت له: فقول اللّه- عزّ وجلّ- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ.

قال: فرض اللّه  شهر رمضان على الأنبياء، دون الأمم. ففضّل  اللّه به هذه الأمّة. وجعل صيامه فرضا على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وعلى أمّته.

و «الصّوم» في اللّغة، الإمساك عمّا تنازع النّفس إليه. وفي الشّرع، الإمساك عن المفطرات. فإنّها معظم ما تشتهيه الأنفس. والخطاب في عليكم عامّ.

و في تفسير العيّاشيّ : عن جميل بن درّاج قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ.

قال: فقال: هذه كلّها تجمع  أهل  الضّلال والمنافقين وكلّ من أقرّ بالدّعوة الظّاهرة.

و أمّا ما رواه البرقيّ ، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ، قال: «هي للمؤمنين خاصّة»، فمعناه أنّ المؤمنين هم المنتفعون بها.

و في كتاب الخصال ، عن عليّ- عليه السّلام. قال: جاء نفر من اليهود إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله. فسأله أعلمهم عن مسائل. فكان فيما سأله أن قال: لأي شي‏ء فرض اللّه الصّوم على أمّتك بالنّهار، ثلاثين يوما وفرض على الأمم أكثر من ذلك؟

فقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله: إنّ آدم- عليه السّلام- لمّا أكل من الشّجرة، بقي في بطنه ثلاثين يوما. ففرض على ذرّيّته ثلاثين يوما الجوع والعطش. والّذين يأكلونه تفضّل من اللّه عليهم. وكذلك كان على آدم. ففرض اللّه تعالى ذلك على أمّتي.

ثمّ تلا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- هذه الآية: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أيّاما معدودات.قال اليهوديّ: صدقت يا محمّد!

و في الكافي : عدّة من أصحابنا. عن أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب، عن يوسف بن عميرة، عن عبد اللّه بن عبد اللّه، عن رجل، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- لمّا حضر شهر رمضان وذلك في ثلاث بقين من شعبان- قال لبلال: ناد في النّاس. فجمع النّاس. ثمّ صعد المنبر. فحمد اللّه. وأثنى عليه. ثمّ قال: يا أيّها النّاس! إنّ هذا الشّهر قد خصّكم به. وهو حضركم. وهو سيّد الشّهور.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ  المعاصي. فإنّ الصّوم يكسر الشّهوة الّتي هي مبدؤها.

و في عيون الأخبار ، في باب العلل الّتي ذكر الفضل بن شاذان، في آخرها: أنّه سمعها من الرّضا- عليه السّلام: فإن قال فلم أمر بالصّوم؟

قيل: لكي يعرفوا ألم الجوع والعطش. فيستدلّوا على فقر الآخرة. وليكون الصّائم خاشعا ذليلا مستكينا موجودا محتسبا عارفا صابرا» لما أصابه من الجوع والعطش.

فيستوجب الثّواب مع ما فيه من الانكسار عن الشّهوات. وليكون ذلك واعظا لهم في العاجل ورائضا لهم على أداء ما كلّفهم ودليلا في الآجل. وليعرفوا شدّة مبلغ ذلك على أهل الفقر والمسكنة في الدّنيا، فيؤدّوا إليهم ما افترض اللّه تعالى لهم في أموالهم.

فإن قيل: فلم جعل الصّوم في شهر رمضان دون سائر الشّهور؟

قيل: لأنّ شهر رمضان هو الشّهر الّذي أنزل اللّه تعالى فيه القرآن هدى  للنّاس وبيّنات من الهدى والفرقان وفيه نبّئ محمّد- صلّى اللّه عليه وآله. وفيه ليلة القدر الّتي هي خير من ألف شهر. وفيها يفرق كلّ أمر حكيم. وفيه  رأس السّنة. يقدّر فيها ما يكون في السّنة من خير أو شرّ أو مضرّة أو منفعة أو رزق أو أجل. ولذلك سمّيت ليلة القدر.فإن قال: فلم أمروا بصوم شهر رمضان لا أقلّ من ذلك ولا أكثر؟

قيل: لأنّه قوّة العباد  الّذي يعمّ في القويّ والضّعيف. وإنّما أوجب اللّه تعالى الفرائض على اغلب الأشياء وأعظم  القوى. ثمّ رخّص  لأهل الضّعف. ورغّب أهل القوّة في الفضل. ولو كانوا يصلحون على أقلّ من ذلك، لنقصهم. ولو احتاجوا إلى أكثر من ذلك، لزادهم.

 

أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ مؤقّتات بعدد معلوم ووقت معيّن، أو قلائل. فإنّ القليل من المال يعدّ عدّا. والكثرة يهال هيلا.

و نصبها بإضمار «صوموا» أو ب «كما كتب» على الظّرفيّة،. أو بأنّه مفعول ثان على السّعة. وليس بالصّيام للفصل بينهما.

فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً مرضا يضرّه الصّوم، أَوْ عَلى سَفَرٍ: أو راكب سفر، فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ، أي: فعليه صوم عدد أيّام المرض والسّفر، من أيّام أخر.

و هذا على الوجوب.

في من لا يحضره الفقيه ، روي عن الزّهريّ. أنّه قال: قال لي عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- ونقل حديثا طويلا، يقول فيه- عليه السّلام: وأمّا صوم السّفر والمرض، فانّ العامّة اختلفت فيه. فقال قوم: يصوم. وقال قوم: لا يصوم. وقال قوم: إن شاء صام، وإن شاء أفطر. وأمّا نحن فنقول: يفطر في الحالتين- جميعا. فإن صام في السّفر أو في حال المرض، فعليه القضاء في ذلك. لأنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ.

 

و في تفسير العيّاشيّ : عن أبي بصير. قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن حدّ المرض الّذي يجب على صاحبه في الإفطار، كما يجب عليه في السّفر [في‏]  قوله فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ.

 

قال: هو مؤتمن عليه. مفوّض اليه. فإن وجد ضعفا. فليفطر. وإن وجد قوّةفليصم. كان المريض على ما كان.

عن محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: لم يكن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يصوم في السّفر تطوّعا ولا فريضة. يكذبون على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله. نزلت هذه الآية ورسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- بكراع الغميم، عند صلاة الفجر. فدعا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- بإناء. فشرب. فأمر  النّاس أن يفطروا. وقال قوم: قد توجّه النّهار. ولو صمنا يومنا هذا. فسمّاهم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- العصاة. فلم يزالوا يسمّون بذلك الاسم، حتّى قبض رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله.

و في كتاب الخصال ، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه- عليهما السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- أهدى إليّ وإلى أمّتي هدية لم يهدها إلى أحد من الأمم، كرامة من اللّه لنا.

قالوا: وما ذلك يا رسول اللّه! قال: الإفطار في السّفر. والتّقصير في الصلوة. فمن لم يفعل ذلك، فقد ردّ على اللّه هديّته.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قلت له: رجل صام في السّفر.

فقال: إذا  كان بلغه أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- نهى عن ذلك، فعليه القضاء. وان لم يكن بلغه ، فلا شي‏ء عليه.

أبو عليّ الأشعريّ ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن [صفوان بن يحيى، عن عيص  بن القسم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من صام في السفر بجهالة، لم يقضه.]

 

عن عبد اللّه بن مسكان ، عن ليث المرادي، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-

 قال: إذا سافر الرّجل في شهر رمضان، أفطر. وإن صامه بجهالة لم يقضه.

و في من لا يحضره الفقيه : روى ابن بكير، عن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- ما حدّ المرض الّذي يفطر فيه الرّجل  ويدع الصّلاة من قيام؟

قال: بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ. هو أعلم بما يطيقه.

و روى جميل بن درّاج ، عن الوليد بن صبيح، قال: حممت بالمدينة يوما في شهر رمضان. فبعث إليّ أبو عبد اللّه- عليه السّلام- بقصعة. فيها خلّ وزيت. وقال لي: أفطر.

و صلّ، وأنت قاعد.

و في رواية حريز ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: الصّائم إذا خاف على عينيه من الرّمد، أفطر.

وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ، أي: على الّذين كانوا يطيقون الصّوم، فلم يطيقوه الآن لمرض، كعطاش  أو كبر أو أفطروا لمرض أو سفر، ثمّ زال عذرهم وأطاقوا ولم يقضوا حتّى دخل رمضان آخر، فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ: بمدّ من كلّ يوم.

في الكافي : محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن صفوان بن يحيى، عن العلا بن رزين، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ- وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ قال: الشّيخ الكبير  والّذي يأخذه العطاش.

 

أحمد بن محمّد ، عن ابن فضّال، عن ابن بكير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ »، قال: الّذين كانوا يطيقون الصّوم فأصابهم كبر أو عطاش  أو شبه ذلك، فعليهم بكل  يوم مدّ.و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ ، قال: من مرض في شهر رمضان، فأفطر، ثمّ صحّ، فلم يقض ما فاته حتى جاء شهر رمضان آخر، فعليه ان يقضي ويتصدّق عن كلّ يوم بمدّ من الطّعام.

و قرأ نافع وابن عامر بإضافة الفدية إلى «الطّعام» وجمع «المساكين»

فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً: فزاد في الفدية.

فَهُوَ، أي: التّطوّع أو الخير، خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا، أي: صومكم على تقدير عدم المانع، وتكلف الصّوم على تقدير وجوده.

خَيْرٌ لَكُمْ من الفدية، أو تطوّع الخير، أو منهما، إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ  ما في الصّوم من الفضيلة.

و جوابه محذوف، أي اخترتموه، أو إن كنتم من أهل العلم والتّدبّر، علمتم أنّ الصّوم خير لكم من ذلك.

شَهْرُ رَمَضانَ:

مبتدأ. خبره ما بعده. أو خبر مبتدأ محذوف. تقديره «ذلكم شهر رمضان.» أو بدل من الصّيام، على حذف المضاف، أي: كتب عليكم الصّيام، صيام شهر رمضان.

و قرئ بالنّصب على إضمار صوموا أو على أنّه بدل من أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ أو مفعول وَأَنْ تَصُومُوا. وفيه ضعف.

و «رمضان» مصدر رمض، إذا احترق. فأضيف إليه الشّهر. وجعل علما له.

و منع من الصّرف للعلميّة والألف والنّون.

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد ومحمّد بن الحسين، عن محمّد بن يحيى الخثعمىّ، عن غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- عن أبيه- عليه السّلام- قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام: لا تقولوا «رمضان». ولكن قولوا «شهر رمضان». فانّكم لا تدرون ما رمضان؟عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن هشام بن سالم، عن سعد، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: كنّا عنده ثمانية رجال. فذكرنا رمضان. فقال: لا تقولوا «هذا رمضان» ولا «ذهب رمضان» ولا «جاء رمضان». فإنّ «رمضان» اسم من أسماء اللّه- عزّ وجلّ. لا يجي‏ء ولا يذهب. وإنّما يجي‏ء ويذهب الزّائل.

و لكن قولوا «شهر رمضان». فالشّهر  مضاف إلى الاسم. والاسم اسم اللّه عزّ ذكره. وهو الشّهر الّذي أنزل فيه القرآن. جعله مثلا وعيدا .

الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ، الموصول بصلته خبر لمبتدأ او صفته والخبر «فمن شهد». أي:

أنزل في شأنه القرآن. وهو قوله كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ، أو أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ جملة واحدة إلى البيت المعمور، ثمّ نزل منجّما.

و في أصول الكافي ، عليّ بن إبراهيم، عن أبيه. ومحمّد بن القاسم، عن محمّد بن سليمان، عن داود، عن حفص بن غياث، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللّه- عزّ وجلّ- شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ. وإنّما أنزل في عشرين سنة بين أوّله وآخره. فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام:

نزل القرآن جملة واحدة في جملة شهر رمضان، إلى البيت المعمور. ثمّ نزل في طول عشرين سنة.

ثمّ قال: قال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله: نزلت صحف إبراهيم في أوّل ليلة من شهر رمضان. وأنزلت التوراة لستّ مضين من شهر رمضان. وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر رمضان. وانزل الزّبور لثمان عشرة خلون من شهر رمضان. وانزل القرآن في ثلاث وعشرين من شهر رمضان.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد اللّه بن المغيرة، عن عمرو الشّاميّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: ونزل القرآن في أوّل ليلة من شهر رمضان. واستقبل الشّهر بالقرآن.

و يمكن الجمع بين الخبرين، بحمل الإنزال جملة واحدة في ثلاث وعشرين‏إلى البيت المعمور. وحمل الإنزال في أوّل اللّيلة، على ابتداء إنزاله منجّما إلى الدّنيا.

عدّة من أصحابنا ، عن سهيل بن زياد. وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه- جميعا- عن ابن محبوب، عن أبي حمزة، عن أبي يحيى، عن الأصبغ بن نباته قال: سمعت أمير المؤمنين- عليه السّلام- يقول: نزل القرآن أثلاثا: ثلث فينا وفي عدوّنا، وثلث سنن وأمثال، وثلث فرائض وأحكام.

و في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحجّال، عن عليّ بن عقبة، عن داود بن فرقد، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ القرآن نزل أربعة أرباع: ربع حلال، وربع حرام، وربع سنن وأحكام، وربع خبر ما كان قبلكم ونبأ ما يكون بعدكم وفصل ما يكون بينكم.

أبو عليّ الأشعريّ،  عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي بصير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: نزل القرآن أربعة أرباع: ربع فينا، وربع في عدوّنا، وربع سنن وأمثال، وربع فرائض وأحكام.

و الجمع بين الخبر الأوّل والثّاني، أنّ المراد بالخبر الأوّل، أنّ ثلث القرآن فينا وفي عدوّنا، بحسب بطونه، وإن كان بحسب ظاهر ألفاظه في شي‏ء من السّنن والأحكام والقصص وغير ذلك. وثلثاه الآخران، ليسا كذلك.

و الجمع بينه وبين الثّالث، بأن قائله أمير المؤمنين- عليه السّلام- وله لاختصاص ببعض الآيات لم يشركه فيها باقي الأئمّة- عليهم السّلام. وقائل الخبر الثّالث، أبو جعفر- عليه السّلام. ومراده- عليه السّلام- أنّ الرّبع يشترك فيه كلّنا.

و روى عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن الفضيل بن يسار، قال: قلت: إنّ النّاس يقولون إنّ القرآن نزل على سبعة أحرف.

فقال: كذبوا أعداء اللّه. ولكنّه نزل على حرف واحد من عند الواحد.

هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ:

حالان من القرآن، أي: أنزل وهو هداية للنّاس، باعجازه، وآيات واضحات ممّا يهدي إلى الحقّ، ويفرق به بينه وبين الباطل بما فيه من الحكم والأحكام.و في كتاب معاني الأخبار ، بإسناده إلى ابن سنان وغيره، عمّن ذكره قال:

 

سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن «القرآن» و«الفرقان» أ هما شيئان؟ أم شي‏ء واحد؟

قال: فقال: «القرآن» جملة الكتاب. و«الفرقان» المحكم الواجب العمل به.

فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ:

في الفاء إشعار بأنّ الإنزال فيه سبب اختصاصه بوجوب الصّوم فيه.

الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ فيه.

وضع المظهر، موضع المضمر، للتّعظيم. نصب على الظّرف. وحذف الجارّ.

و نصب الضّمير على الاتّساع.

و قيل : من شهد منكم هلال الشّهر، فليصمه على أنّه مفعول به، كقولك شهدت يوم الجمعة، أي: صلاتها.

في كتاب الخصال ، فيما علّم أمير المؤمنين- عليه السّلام- أصحابه: ليس للعبد أن يخرج إلى سفر إذا حضر شهر رمضان، لقوله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ.

و في من لا يحضره الفقيه : وسأل عبيد بن زرارة، أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ- فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ.

 

 [قال: ما أبينها من شهد فليصمه.]  ومن سافر، فلا يصمه.

و روى الحلبيّ ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن الرّجل يدخل شهر رمضان وهو مقيم لا يريد براحا. ثمّ يبدو له بعد ما يدخل شهر رمضان أن يسافر.

فسكت. فسألته غير مرّة.

فقال: يقيم أفضل إلّا أن تكون له حاجة لا بدّ له من الخروج فيها، أو يتخوّف على ماله.

و في تفسير العيّاشيّ : عن الصّباح بن سيابة، قال: قلت لأبي عبد اللّه‏- عليه السّلام: إن ابن يعقوب  أمرني أن أسألك عن مسائل.

فقال: وما هي؟

قال: يقول لك: إذا دخل شهر رمضان وأنا في منزلي إليّ أن أسافر؟

قال: إنّ اللّه يقول: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ. فمن دخل عليه شهر رمضان وهو في أهله، فليس له أن يسافر، إلّا إلى الحج ، أو عمرة، أو في طلب مال يخاف تلفه.

وَ مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ:

مخصّص لسابقه. لأنّ المسافر والمريض ممّن شهد الشّهر. ولعلّ تكريره لذلك.

يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ، أي: يريد أن ييسّر عليكم، ولا يعسّر عليكم. ولذلك أوجب الفطر للسّفر والمرض.

و في تفسير العيّاشيّ : عن أبي حمزة الثّماليّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ- يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ، قال: «اليسر» عليّ.

وَ لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ :

علل لفعل محذوف. دلّ عليه ما سبق، أي: شرع جملة ما ذكر من أمر الشّاهد بالصّوم والمسافر والمريض بالإفطار ومراعاة عدّة ما أفطر فيه، لتكملوا العدّة إلى آخرها، على سبيل اللّفّ. فإنّ قوله «و لتكملوا» علّة الأمر بمراعاة العدّة. وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ علّة أمر الشّاهد بالصّوم. وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ علّة أمر المسافر والمريض بالإفطار، أو لأفعال كلّ لفعله، أو معطوفة على علّة مقدّرة، مثل: ليسهّل عليكم، أو لتعملوا ما تعملون، ولتكملوا. ويجوز أن يعطف على «اليسر»، أي: يريد لكم لتكملوا، كقوله : يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا.

و المعنى بالتّكبير وتعظيم اللّه، بالحمد والثّناء عليه. ولذلك عدّي بعلى. ومن جملته تكبير يوم الفطر.

و قيل : المراد التّكبير عند الإهلال. و«ما» يحتمل المصدر والخبر، أي: الّذي‏

هداكم إليه. وعن عاصم: ولتكملوا بالتّشديد.

و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن سهيل بن زياد، عن محمّد بن إسماعيل، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: انّ اللّه- تبارك وتعالى- خلق الدّنيا في ستّة أيّام ثمّ اختزلها عن ايّام السّنة. والسّنة ثلاثمائة وأربعة  وخمسون يوما.

شعبان لا يتمّ أبدا. ورمضان لا ينقص، واللّه أبدا. ولا تكون فريضة ناقصة. إنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ. وشوّال تسعة وعشرون يوما.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في تفسير العيّاشيّ : عن ابن أبي عمير، عن رجل، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قلت له: جعلت فداك! ما نتحدث  به عندنا أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- صام تسعة وعشرين أكثر ممّا صام ثلاثين. أحقّ هذا؟

قال: ما خلق اللّه من هذا حرفا. ما صامه النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- إلّا ثلاثين. لأنّ اللّه يقول: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وكان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ينقصه؟

و في الكافي : عليّ بن محمّد، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن أبيه، عن خلف بن حمّاد، عن سعيد النّقّاش. قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام- لي: أما إنّ في الفطر تكبيرا ولكنّه مسنون .

قال: قلت: وأين هو؟

قال: في ليلة الفطر، في المغرب والعشاء الآخرة، وفي صلاة الفجر، وفي صلاة العيد. ثمّ يقطع.

قال: قلت: كيف أقول؟

قال: تقول «اللّه أكبر. اللّه أكبر. لا إله إلّا اللّه. واللّه أكبر. اللّه أكبر. وللّه الحمد.

اللّه أكبر على ما هدانا.» وهو قول اللّه تعالى: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ، يعني: الصّيام. ولتكبّروا اللّه على ما هداكم.

و في محاسن البرقيّ ، عنه عن بعض أصحابنا، رفعه، في قول اللّه‏وَ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ، [قال: التكبير، التّعظيم للّه والهداية الولاية.

عنه ، عن بعض أصحابنا، رفعه، في قول اللّه وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، قال: التّكبير، التّعظيم للّه والهداية الولاية.

عنه ، عن بعض أصحابنا، في قول اللّه- تبارك وتعالى- وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ ] وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، قال: الشّكر المعرفة.

و في من لا يحضره الفقيه ، وفي العلل الّتي تروى عن الفضل بن شاذان النّيشابوريّ- رضي اللّه عنه. ويذكر أنّه سمعها عن الرّضا- عليه السّلام- إنّه إنّما جعل يوم الفطر العيد- إلى أن قال-: وإنّما جعل التّكبير فيها أكثر منه في غيرها من الصّلوات. لأنّ التّكبير إنّما هو تعظيم اللّه وتمجيد على ما هدى وعافى، كما قال- عزّ وجلّ: وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.

 

وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ: فقل لهم إنّي قريب.

و هو تمثيل لكمال علمه بأفعال العباد وأقوالهم واطّلاعه على أحوالهم بحال من قرب مكانه منهم.

روى

 أنّ أعرابيّا قال لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله: أ قريب ربّنا فنناجيه؟ أم بعيد فنناديه؟ فنزلت.

أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ:

تقرير للقرب ووعد للدّاعي بالإجابة.

فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي إذا دعوتهم للإيمان والطّاعة، كما أجيبهم إذا دعوني لمهمّاتهم.

وَ لْيُؤْمِنُوا بِي: أمر بالدّوام والثّبات.لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ : راجين إصابة الرّشد. وهو إصابة الحقّ.

و قرئ بفتح الشّين وكسرها.

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: قال لي أبو الحسن الرّضا- عليه السّلام: أخبرني عنك، لو أنّي قلت لك قولا، أ كنت تثق به؟

فقلت له: جعلت فداك! إذا لم أثق بقولك فبمن أثق؟ وأنت حجّة اللّه على خلقه.

قال فكن باللّه أوثق. فإنّك على موعد من اللّه. أ ليس اللّه- عزّ وجلّ- يقول:

وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ. وقال : لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وقال : واللّه يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا. فكن باللّه- عزّ وجلّ- أوثق منك بغيره. ولا تجعلوا في أنفسكم إلّا خيرا. فإنّه مغفور لكم.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في روضة الكافي ، خطبة طويلة مسندة لأمير المؤمنين- عليه السّلام. يقول- عليه السّلام فيها: فاحترسوا من اللّه- عزّ وجلّ- بكثرة الذّكر. واخشوا منه بالتّقى وتقرّبوا إليه بالطّاعة فإنّه قريب مجيب. قال اللّه تعالى: وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ.

 

و في نهج البلاغة : قال- عليه السّلام: ثم جعل في يديك مفاتيح خزائنه بما أذن لك فيه، من مسألته فمتى شئت استفتحت بالدّعاء أبواب نعمه. واستمطرت شآبيب رحمته. فلا يقنطك إبطاء إجابته. فإنّ العطيّة على قدر النّيّة. وربّما أخّرت عنك الإجابة ليكون ذلك أعظم لأجر السّائل وأجزل لعطاء الآمل. وربّما سألته  الشي‏ء فلا تؤتاه وأوتيت خيرا منه عاجلا  وآجلا.  وصرف عنك لما هو خير لك. فلربّ أمر قد طلبته فيه هلاك دينك لو أوتيته. فلتكن مسألتك فيما يبقى لك جماله وينفى عنك وباله. فالحال لا يبقى لك ولا تبقى له.و فيه : قال- عليه السّلام: إذا كانت لك إلى اللّه سبحانه حاجة، فابدأ بمسألة الصلاة على النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- ثمّ سل حاجتك. فإنّ اللّه أكرم من أن يسأل حاجتين، فيقضي إحداهما ويمنع الأخرى.

و في مجمع البيان : روى عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال: وَلْيُؤْمِنُوا بِي»، أي: وليتحقّقوا أنّي قادر على إعطائهم ما سألوه، لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ»، أي: لعلّهم يصيبون الحقّ ويهتدون إليه.

و روى  عن جابر بن عبد اللّه. قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله: إنّ العبد ليدعو اللّه وهو يحبّه. فيقول: يا جبرائيل! لا تقض  لعبدي هذا حاجته. وأخّرها. فإنّي أحبّ أن لا أزال أسمع صوته. وإنّ العبد ليدعو اللّه وهو مبغضه  فيقول: يا جبرئيل! اقض لعبدي هذا حاجته بإخلاصه وعجّلها. فإنّي أكره أن أسمع صوته.

ثمّ بيّن أحكام الصّوم، فقال:

أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ:

لَيْلَةَ الصِّيامِ»، اللّيلة الّتي يصبح منها صائما.

و «الرّفث» كناية عن الجماع لأنّه لا يكاد يخلو من رفث. وهو الإفصاح بما يجب أن يكنّى عنه. وعدّي بإلى، لتضمّنه معنى الإفضاء وإيثاره، هاهنا، لتقبيح ما ارتكبوه.

و لذلك سمّاه خيانة. وقرئ الرّفوث.

و في كتاب الخصال ، فيما علّم أمير المؤمنين- عليه السّلام- أصحابه من الأربعمائة باب. قال- عليه السّلام: يستحبّ للرّجل أن يأتي أهله أوّل ليلة من شهر رمضان، لقوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ.» والرّفث، المجامعة.

و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن القسم بن يحيى، عن جدّه الحسن بن راشد، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: حدّثني أبي، عن جدّي، عن آبائه- عليهم السّلام: أنّ عليّا- صلوات اللّه عليه- قال: يستحبّ للرّجل أن‏يأتي أهله (و ذكر كما في كتاب الخصال، سواء).

و في مجمع البيان : وروى عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه- عليهما السّلام- كراهية الجماع في أوّل ليلة من كلّ شهر، ألا أوّل ليلة من شهر رمضان. فإنّه يستحبّ ذلك، لمكان الآية.

هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ:

استئناف يبين سبب الإحلال، وهو قلّة الصّبر عنهنّ وصعوبة اجتنابهنّ، لكثرة المخالطة وشدّة الملابسة، ولما كان الرّجل والمرأة يعتنقان، ويشتمل كلّ منهما على صاحبه شبّه باللّباس، أو لأنّ كلّ واحد منهما يستر صاحبه ويمنعه عن الفجور.

عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ: تظلمونها بتعريضها للعقاب وتنقيص حظّها من الثّواب.

و الاختيان أبلغ من الخيانة، كالاكتساب من الكسب.

فَتابَ عَلَيْكُمْ لمّا تبتم ما اقترفتموه.

وَ عَفا عَنْكُمْ: ومحى عنكم أثره.

فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ: نسخ عنكم التّحريم والمباشرة.

إلزاق البشرة بالبشرة، كنّى به عن الجماع.

وَ ابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ:

و اطلبوا ما قدّره لكم. وأثبته في اللّوح من الولد.

وَ كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ:

شبّه أوّل ما يبدو في الفجر المعترض في الأفق وما يمتدّ معه من غلس اللّيل، بخيطين أبيض وأسود. واكتفى ببيان الخيط الأبيض، لقوله «من الفجر» عن بيان الخيط الأسود، لدلالته عليه. وبذلك خرجا عن الاستعارة إلى التّمثيل. ويجوز أن يكون «من» للتّبعيض. فإنّ ما يبدو بعض الفجر.

و في الكافي : محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، وأحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبّار، جميعا، عن صفوان بن يحيى، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن‏

 أحدهما- عليهما السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ- أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ.» الآية. فقال: نزلت في خوات بين جبير الأنصاري. وكان مع النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- في الخندق. وهو صائم. فأمسى، وهو على تلك الحال. وكانوا قبل أن تنزل هذه الآية إذا نام أحدهم، حرّم عليه الطّعام والشّراب. فجاء خوات إلى أهله حين أمسى.

فقال: هل عندكم طعام؟

قالوا : لا تنم حتى نصلح لك طعاما. فاتكا فنام.

فقالوا له: قد فعلت.

قال: نعم.

فبات على تلك الحال. فأصبح. ثمّ غدا إلى الخندق فجعل يغشى عليه فمرّ به رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله. فلمّا رأى الّذي أخبره به كيف كان أمره، فأنزل اللّه- عزّ وجلّ- فيه الآية: كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ.»

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي- رفعه . قال: قال الصّادق- عليه السّلام: كان النّكاح والأكل، محرّمان  في شهر رمضان، باللّيل بعد النّوم، يعني: كلّ من صلّى العشاء ونام ولم يفطر ثمّ انتبه، حرّم عليه الإفطار. وكان النّكاح حراما باللّيل والنّهار، في شهر رمضان. وكان رجل من أصحاب رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يقال له خوات بن جبير، أخو عبد اللّه بن جبير الّذي كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وكّله بفم الشّعب، يوم أحد، في خمسين من الرّماة، ففارقه أصحابه، بقي في اثني عشر رجلا، فقتل على باب الشّعب. وكان أخوه هذا، خوات بن جبير شيخا كبيرا ضعيفا. وكان صائما.

فأبطأت عليه أهله بالطّعام. فنام قبل أن يفطر. فلمّا انتبه قال لأهله: «قد حرّم عليّ الأكل في هذه اللّيلة.» فلمّا أصبح حضر حفر الخندق فأغمي عليه. فرآه رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فرّق له. وكان قوم من الشبّان ينكحون باللّيل، سرّا في شهر رمضان فأنزل اللّه: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ. عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ. فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ. فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَ‏

 وَ ابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ. وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ. ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ.» فأحلّ اللّه- تبارك وتعالى- النّكاح باللّيل، في شهر رمضان، والأكل بعد النّوم إلى طلوع الفجر لقوله: حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ».

قال: هو بياض النّهار من سواد اللّيل.

و في من لا يحضره الفقيه : وسئل الصّادق- عليه السّلام- عن الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر.

فقال: بياض النّهار من سواد اللّيل.

و قال في خبر آخر : هو الفجر الّذي لا شكّ فيه.

و في الكافي : عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن مهزيار قال: كتب أبو الحسن بن الحسين  إلى أبي جعفر الثّاني- عليه السّلام- معي: جعلت فداك! قد اختلف مواليك  في صلاة الفجر. فمنهم من يصلّي إذا طلع الفجر الأوّل المستطيل في السّماء.

و منهم من يصلّي إذا اعترض مع أسفل الأفق واستبان. ولست أعرف أفضل الوقتين، فأصلّي فيه. فإن رأيت أن تعلّمنى أفضل الوقتين. وتحدّه لي. وكيف أصنع مع القمر والفجر؟ لأتبيّن معه حتّى يحمرّ ويصبح؟ وكيف أصنع مع الغيم؟ وما حدّ ذلك في السّفر والحضر؟ فعلت- إن شاء اللّه.

فكتب- عليه السّلام- بخطه وقراءته: الفجر- يرحمك اللّه- هو الخيط الأبيض المعترض، ليس هو الأبيض صعدا. فلا تصلّ في سفر ولا حضر، حتّى تتبيّنه. فإنّ اللّه- تبارك وتعالى- لم يجعل خلقه في شبهة من هذا. فقال وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ.» فالخيط الأبيض، هو المعترض الّذي يحرم به الأكل والشّرب في الصّوم. وكذلك هو الّذي يوجب به الصّلاة.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة بن مهران وقال: سألته عن رجلين قاما فنظرا إلى الفجر. فقال أحدهما: هو ذا.» وقال الآخر: «ماأرى شيئا.»

قال: فليأكل الّذي لم يتبيّن له الفجر. وقد حرّم على الّذي زعم أنّه رأى الفجر. إنّ اللّه يقول: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ.» من الفجر.

ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ:

بيان آخر وقته. وإخراج اللّيل عنه. فينفى صوم الوصال.

و في الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة قال: سألته عن قوم صاموا شهر رمضان، فغشيهم سحاب أسود عند غروب الشّمس، فظنّوا أنّه ليل، فأفطروا. ثمّ أنّ السّحاب انجلى. فإذا الشّمس.

فقال: على الّذي أفطر، صيام ذلك اليوم. إنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول  ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ.» فمن أكل قبل أن يدخل اللّيل، فعليه قضاؤه. لأنّه أكل متعمّدا.

 [عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن يونس، عن أبي بصير وسماعة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوم صاموا شهر رمضان، فغشيهم سحاب أسود عند غروب الشّمس، فرأوا أنّه اللّيل، فأفطر بعضهم، ثمّ أنّ السّحاب انجلى، فإذا الشّمس، قال: على الّذي أفطر، صيام ذلك اليوم. إنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول : وأَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ.» فمن أكل قبل أن يدخل اللّيل، فعليه قضاؤه. لأنّه أكل متعمّدا.]

 

و في تفسير العيّاشيّ : القاسم بن سليمان، عن جراح، عنه  قال: قال اللّه: ثُمَّ  أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ»، يعني: صوم  رمضان فمن رأى الهلال  بالنّهار، فليتمّ صيامه.

وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ: معتكفون فيها.

و الاعتكاف، هو اللّبث في المسجد، لقصد القربة.

او المراد بالمباشرة، الوطء.

و عن قتادة : كان الرّجل يعتكف، فيخرج إلى امرأته، فيباشرها، ثمّ يرجع فنهواعن ذلك.

و في كتاب الخصال ، عن موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- أنّه قال: سئل أبي عمّا حرّم اللّه تعالى من الفروج في القرآن، وعمّا حرّمه رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- في سنّته .

فقال: الّذي حرّم اللّه من ذلك، أربعة وثلاثين وجها: سبعة عشر في القرآن، وسبعة عشر في السّنّة. وأمّا الّتي في القرآن: فالزّنا- إلى قوله عليه السّلام- والنّكاح في الاعتكاف، لقوله تعالى: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ.»

و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن محبوب، عن عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام: ما تقول في الاعتكاف ببغداد، في بعض مساجدها؟

فقال: لا اعتكاف إلّا في مسجد جماعة قد صلّى فيه إمام عدل بصلاة جماعة.

و لا بأس أن يعتكف في مسجد الكوفة والبصرة ومسجد المدينة ومسجد مكّة.

سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمّد، عن داود بن سرحان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: لا اعتكاف إلّا في العشرين من شهر رمضان.

و قال: إنّ عليّا- عليه السّلام- كان يقول لا أرى الاعتكاف إلّا في المسجد الحرام، أو مسجد الرّسول، أو مسجد جامع. ولا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد، إلّا لحاجة لا بدّ منها. ثمّ لا يجلس حتّى يرجع . والمرأة مثل ذلك.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سئل عن الاعتكاف.

قال: لا يصلح الاعتكاف الّا في مسجد الحرام، أو مسجد الرّسول- صلّى اللّه عليه وآله- أو مسجد الكوفة، أو مسجد جماعة. وتصوم ما دمت معتكفا.

و اعلم أنّه ينبغي حمل مسجد الجماعة في الأخبار الّتي وقع فيها، على مسجد جمع فيه‏الإمام العدل، ليطابق الخبر الأوّل.

تِلْكَ، أي: الأحكام الّتي ذكرت، حُدُودُ اللَّهِ: حدود قرّرها اللّه.

فَلا تَقْرَبُوها: نهى أن يقرَب الحدّ الحاجز بين الحقّ والباطل، لئلّا يدانى الباطل، فضلا على أن يتخطّى‏

، كما قال- عليه السّلام : إنّ لكلّ ملك حمى. وإن حمى اللّه محارمه. فمن رتع حول الحمى، يوشك أن يقع فيه.

و هو أبلغ من قوله: «فلا تعتدوها.» ويجوز أن يريد بحدود اللّه، محارمه ومناهيه.

كَذلِكَ: مثل ذلك التّبيين، يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ  مخالفة الأوامر والنّواهي.

وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ، أي: ولا يأكل بعضكم مال بعض بالوجه الّذي لم يبحه اللّه.

و «بين» نصب على الظّرف، أو الحال من «الأموال.»

وَ تُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ: عطف على النّهي، أو نصب بإضمار «أن.»

و الإدلاء: الإلقاء، أي: ولا تلقوا حكومتها إلى حكّام الجور، لِتَأْكُلُوا بالتّحاكم، فَرِيقاً: طائفة، مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ: بما يوجب إثما، كشهادة الزّور، أو اليمين الكاذبة، أو متلبّسين بالإثم، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ : أنّكم مبطلون. فإنّ ارتكاب المعصية مع العلم بها أقبح.

و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن زياد بن عيسى قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ- وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ.»

فقال: كانت قريش يتغامز  الرّجل بأهله وماله فنهاهم اللّه عن ذلك.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن عبد اللّه بن بحر، عن‏

 

عبد اللّه بن مسكان، عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام:

قول اللّه- عزّ وجلّ- في كتابه وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ.» فقال: يا أبا بصير! إنّ اللّه- عزّ وجلّ- قد علم أنّ في الأمّة حكّاما يجورون. أما إنّه لم يعن حكّام أهل العدل ولكنّه عنى حكّام أهل الجور.

و في تفسير العيّاشى : عن الحسن بن عليّ قال: قرأت في كتاب أبي الأسد.

إلى أبي الحسن الثاني - عليه السّلام- وجوابه بخطّه سأل: ما تفسير قوله وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ»؟

قال: فكتب إليه الحكّام القضاة.

قال: ثمّ كتب تحته: هو أن يعلم الرّجل، أنّه ظالم عاص. هو غير معذور في أخذه ذلك الّذي حكم له به، إذا كان قد علم أنّه ظالم.

في من لا يحضره الفقيه : روى سماعة بن مهران قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام: الرّجل منّا يكون عنده الشّي‏ء يتبلّغ به وعليه الدّين. أ يطعمه عياله حتّى يأتيه اللّه- عزّ وجلّ- بميسرة، فيقضي دينه؟ أو يستقرض على ظهره في خبث الزّمان وشدّة المكاسبة؟ أو يقبل الصّدقة؟

فقال: يقضي بما عنده دينه. ولا يأكل أموال النّاس إلّا وعنده ما يؤدّي إليهم. إنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ.»

و في مجمع البيان : وروى عن أبي جعفر- عليه السّلام- أنّه يعنى بالباطل:

اليمين الكاذبة، يقطع بها  الأموال.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ» (الآية) فإنّه قال العالم- عليه السّلام: قد علم اللّه أنّه يكون حكّام  يحكمون بغير الحقّ. فنهى أن يحاكم  إليهم لأنّهم  لا يحاكمون بالحقّ، فتبطل الأموال.يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ:

سأله معاذ بن جبل وثعلبة بن غنم  فقالا: ما بال الهلال يبدو دقيقا كالخيط ثمّ يزيد حتّى يستوي ثمّ لا يزال ينقص حتّى يعود كما بدأ؟

قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ:

إنّهم سألوا عن الحكمة في اختلاف حال القمر، وتبدّل أمره. فأمره اللّه أن يجيب بأنّ الحكمة الظّاهرة في ذلك أن يكون معالم للنّاس. يؤقّتون بها أمورهم ومعالم للعبادات المؤقّتة. يعرف بها أوقاتها. وخصوصا الحجّ. فإنّ الوقت مراعى فيه، أداء وقضاء.

و المواقيت، جمع ميقات، من الوقت. والفرق بينه وبين المدّة والزّمان، أنّ المدّة المطلقة، امتداد حركة الفلك، من مبدئها إلى منتهاها. والزّمان مدّة مقسومة. والوقت، الزّمان المفروض لأمر.

و في تهذيب الأحكام : عليّ بن حسن بن فضّال قال: حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن زرارة، عن محمّد بن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن عبيد اللّه بن عليّ الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن الأهلّة.

قال: هي أهلّة الشّهور. فإذا رأيت الهلال، فصم. وإذا رأيته، فأفطر.

عليّ بن الحسن بن فضّال ، عن أبيه، عن محمّد بن سنان، عن أبي الجارود زياد بن المنذر العبديّ قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن عليّ- عليه السّلام- يقول: صم حين يصوم الناس. وأفطر حين يفطر النّاس. فإنّ اللّه- عزّ وجلّ- جعل الأهلّة مواقيت.

أبو الحسن محمّد بن أحمد بن داود  قال: أخبرنا محمّد بن أحمد بن سعيد عن الحسين  بن القسم، عن عليّ بن إبراهيم. قال: حدّثني أحمد بن عيسى بن عبد اللّه، عن عبد اللّه بن عليّ بن الحسن، عن أبيه، عن جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ- قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ»، قال: لصومهم وفطرهم وحجهم.

وَ لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها. وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى:

وجه اتّصاله بما قبله أنّهم سألوا عن الأمرين، أو أنّه  لمّا سألوا عمّا لا يعنونه، ولايتعلّق بعلم النّبوّة، وتركوا السّؤال عمّا يعنونه، ويختصّ بعلم النّبوّة، عقّب بذكره جواب ما سألوه، تنبيها على أنّ اللائق لهم أن يسألوا أمثال ذلك ويهتمّوا بالعلم بها. أو أنّ المراد به التّنبيه على تعكيسهم السّؤال وتمثيلهم بحال من ترك باب البيت ودخل من ورائه.

و المعنى: وليس البرّ أن تعكسوا في مسائلكم ولكنّ البرّ من اتّقى ذلك، ولم يجسر على مثله.

وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها، إذ ليس في العدول برّ.

في مجمع البيان : فيه وجوه:

أحدها- أنّه كان المجرمون لا يدخلون بيوتهم من أبوابها. ولكنّهم كانوا يتنقّبون  في ظهور بيوتهم، أي: في مؤخّرها نقبا يدخلون ويخرجون منه. فنهوا عن التّديّن بذلك. رواه أبو الجارود عن أبي جعفر- عليه السّلام.

و ثانيها- أنّ معناه ليس البرّ بأن تأتوا الأمور  من غير جهاتها. وينبغي أن تؤتى  الأمور من جهاتها، أيّ الأمور كان. وهو المرويّ عن جابر عن أبي جعفر- عليه السّلام.

و ثالثها- وقال أبو جعفر- عليه السّلام- آل محمّد أبواب اللّه وسبله والدّعاة إلى الجنّة والقادة إليها والأدلاء عليها، إلى يوم القيامة، وقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله: أنا مدينة العلم. وعلىّ بابها. ولا تؤتى المدينة إلّا من بابها ويروى: أنا مدينة الحكمة.

و في كتاب الاحتجاج ، للطبرسيّ- رحمه اللّه- عن الأصبغ بن نباتة. قال: كنت عند أمير المؤمنين- عليه السّلام. فجاءه ابن الكوّاء فقال: يا أمير المؤمنين! قول اللّه- عزّ وجلّ- لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها».

فقال- عليه السّلام: نحن البيوت الّتي أمر اللّه أن تؤتى من أبوابها. نحن باب اللّه وبيوته الّتي يؤتى منها . فمن بايعنا وأقرّ بولايتنا، فقد أتى البيوت من أبوابها. ومن خالفنا وفضّل علينا غيرنا، فقد أتى البيوت من ظهورها. إنّ اللّه- عزّ وجلّ- لو شاء عرّف النّاس‏نفسه حتّى يعرفوه وحده ويأتوه  من بابه ولكن جعلنا أبوابه وصراطه وسبيله وبابه الّذي يؤتى منه.

قال: فمن  عدل عن ولايتنا وفضّل علينا غيرنا، فقد أتى البيوت من ظهورها.

و إنّهم عن الصّراط لنا كبون.

و عن أمير المؤمنين- عليه السّلام - في حديث طويل وفيه: وقد جعل اللّه للعلم أهلا. وفرض على العباد طاعتهم بقوله: وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها. والبيوت هي بيوت العلم الّذي استودعته الأنبياء. وأبوابها أوصياؤهم.

و في تفسير العيّاشيّ : عن سعد، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سألته عن هذه الآية وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها.

فقال: آل محمّد أبواب اللّه وسبله والدّعاة الى الجنّة والقادة إليها والادلّاء عليها، إلى يوم القيامة.

 [و في شرح الآيات الباهرة :]  ويؤيّده ما رواه محمّد بن يعقوب- ره- عن عليّ  بن  محمّد بن جمهور، عن سليمان بن سماعة، عن عبد اللّه بن القسم ، عن أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام: الأوصياء هم أبواب اللّه- عزّ وجلّ- التي يؤتى منها.

و لولاهم ما عرف اللّه- عزّ وجلّ. وبهم احتجّ على خلقه.

و روى في معنى «من يأتى البيوت من غير أبوابها» ما رواه أبو عمرو الزّاهد ، في كتابه، بإسناده إلى محمّد بن مسلم، عن أحدهما- عليهما السّلام- قال: قلت له: إنّا نرى الرّجل من المخالفين عليكم له عبادة واجتهاد وخشوع. فهل ينفعه ذلك؟

فقال: يا أبا محمّد! إنّما مثلهم كمثل أهل بيت في بني إسرائيل. كان إذا اجتهد أحد منهم أربعين ليلة، ودعا اللّه أجيب. وإنّ رجلا منهم اجتهد أربعين ليلة، ثم دعا اللّه،فلم يستجب له فأتى عيسى بن مريم- عليه السّلام- يشكو إليه ما هو فيه. ويسأله الدّعاء له.

قال: فتظهّر عيسى- عليه السّلام. ثمّ دعا اللّه. فأوحى اللّه إليه. يا عيسى! إنّه أتانى من غير الباب الّذي يؤتى  منه. إنّه دعاني وفي قلبه شكّ منك. فلو دعاني حتّى ينقطع عنقه وتنتشر أنامله، ما استجبت له.

قال: فالتفت عيسى- عليه السّلام- [اليه.]  وقال [له‏]:  تدعو ربك وفي قلبك شكّ من نبيّه؟

فقال: يا روح اللّه وكلمته! قد كان ما قلت. فأسال اللّه أن يذهب به عنّي.

فدعا له عيسى- عليه السّلام. فتقبّل اللّه فيه . وصار الرّجل من جملة اهل بيته. وكذلك نحن أهل البيت. لا يقبل اللّه عمل عبد ، وهو يشك فينا.

وَ اتَّقُوا اللَّهَ في تغيير أحكامه، لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ : لكي تظفروا بالهدى والبرّ.

وَ قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ: جاهدوا لإعلاء كلمته وإعزاز دينه.

الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ:

قيل : كان ذلك قبل أن أمروا بقتال المشركين كافّة المقاتل منهم والمحاجز.

و قيل : معناه الّذين يناصبونكم القتال ويتوقّع منهم القتال، دون غيرهم، من المشايخ والصبيان والرهبان والنّساء، او الكفرة كلهم. فإنّهم بصدد قتال المسلمين وعلى قصده.

و في مجمع البيان : المرويّ عن أئمتنا- عليهم السّلام- أنّ هذه الآية ناسخة  لقوله تعالى : كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ. وكذلك قوله : وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ، ناسخ لقوله :وَ لا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ وَدَعْ أَذاهُمْ.

 

وَ لا تَعْتَدُوا بابتداء القتال، أو بقتال المعاهد، أو المفاجأة، من غير دعوة، أو المثلة، أو قتل من نهيتم عن قتله من النّساء والصّبيان.

إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ : لا يريد بهم الخير.

وَ اقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ: حيث وجدتموهم، في حلّ أو حرم.

و أصل الثّقف، الحذق في إدراك الشّي‏ء، علما كان أو عملا. فهو يتضمّن معنى الغلبة. ولذلك استعمل فيها.

قال :

         فأمّا تثقفوني فاقتلوني             فمن أثقف فليس إلى خلود

 وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ، أي: مكّة. وقد فعل ذلك لمن لم يؤمن يوم الفتح.

وَ الْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ، أي: المحنة الّتي يفتتن بها الإنسان كالإخراج من الوطن، أصعب من القتل، لدوام تعبها وتألّم النّفس بها.

و قيل : معناه شركهم في الحرم، وصدّهم إيّاكم عنه، أشدّ من قتلكم إيّاهم فيه.

وَ لا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ، أي: لا تفاتحوهم بالقتال وهتك حرمة المسجد.

فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ: فلا تبالوا بقتالهم ثمّة. فإنّهم الّذين هتكوا حرمته.

و قرأ حمزة والكسائيّ : ولا تقتلوهم حتّى يقتلوكم فإن قتلوكم. والمعنى: حتّى يقتلوا بعضكم .

كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ : مثل ذلك جزاؤهم. يفعل بهم، مثل ما فعلوا.

فَإِنِ انْتَهَوْا عن القتال والكفر، فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ : يغفر لهم ما قد سلف.

وَ قاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ: شرك.

وَ يَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ خالصا ليس للشّيطان فيه نصيب.و في مجمع البيان : وفي الآية دلالة على وجوب إخراج الكفّار من مكّة، لقوله:

حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ. والسّنّة، أيضا، قد وردت بذلك. وهو قوله- عليه السّلام: لا يجتمع في جزيرة العرب دينان.

فَإِنِ انْتَهَوْا عن الشرك، فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ  أي: لا تعتدوا عليهم إذ لا يحسن الظّلم، إلّا على من ظلم. فوضع العلّة موضع الحكم. وسمّى جزاء الظّلم باسمه، للمشاكلة. أو إنّكم إن تعرّضتم للمنتهين، صرتم ظالمين ويحسن العدوان عليكم.

و «الفاء» الأولى، للتّعقيب، والثّانية، للجزاء.

و في تفسير العيّاشيّ : عن الحسن بياع  الهرويّ، يرفعه عن أحدهما- عليهما السّلام- في قوله: فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ، قال: إلّا على ذرّيّة قتلة الحسين- عليه السّلام.

عليّ بن ابراهيم  قال: أخبر من رواه عن أحدهما- عليهما السّلام- قال: قلت:

لا عدوان إلّا على الظّالمين.

قال: لا يعتدي اللّه على أحد إلّا على نسل  ولد قتلة الحسين- عليه السّلام.

و في هذا الخبر، إشكال بحسب المعنى. لأنّه إن أريد بالاعتداء الزّيادة في العذاب.

على قدر  العمل، لا يجوز إسناده إلى اللّه- عزّ وجلّ. لأنّه عدل. لا يجوز. وإن أريد مجازاة العمل القبيح، لا يختصّ بذرّيّة قتلة الحسين- عليه السّلام. وأيضا الإشكال في مؤاخذة ذرّيّة قتلة الحسين- عليه السّلام- بأعمال آبائهم.

و يمكن أن يقال: المراد بالاعتداء، العذاب الغليظ المتجاوز عمّا يحيط به العقل.

و ذلك بسبب شدّة قبح أعمال آبائهم. والقبيح منهم الرّضا بفعال أسلافهم. وعدم  اللّعن عليهم في ليلهم ونهارهم وقبيح عمل غيرهم ليس بهذه المثابة وإن كان ملحقا بهم ومن جملتهم. فيحسن الاعتداء بهذا المعنى عليه، أيضا.الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ:

قيل : قاتلهم المشركون عام الحديبية، في ذي القعدة. واتّفق خروجهم لعمرة القضاء فيه. فكرهوا أن يقاتلوهم فيه، لحرمته. فقيل لهم: هذا الشّهر بذاك. وهتكه بهتكه.

فلا تبالوا به.

وَ الْحُرُماتُ قِصاصٌ، أي: كلّ حرمة يجرى فيها القصاص: فلمّا هتكوا حرمة شهركم بالصّدّ، فافعلوا مثله.

و في مجمع البيان : والحرمات قصاص، قيل : [فيه قولان: أحدهما- أنّ الحرمات قصاص بالمراغمة]  بدخول البيت في الشّهر الحرام.

قال  مجاهد: لأنّ قريشا فخرت بردّها رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- عام الحديبية، محرما في ذي القعدة، عن البلد الحرام. فأدخله اللّه- عزّ وجلّ- مكّة في العام المقبل، في ذي القعدة. فقضى عمرته. واقتصّه  بما حيل بينه وبينه.

قال : وروى عن أبي جعفر- عليه السّلام- مثله.

و في تفسير العيّاشيّ : عن العلا بن فضيل قال: سألته عن المشركين، أ يبتدئهم  المسلمون بالقتال في الشّهر الحرام؟

فقال: إذا كان المشركون ابتدؤوهم باستحلالهم، ثمّ رأى المسلمون انّهم يظهرون عليهم فيه. وذلك قوله الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ.

فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ في الحرم، فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ في الحرم.

و في تهذيب الأحكام : موسى بن القسم، عن صفوان بن يحيى، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قلت له: رجل قتل رجلا في الحرم. وسرق في الحرم.

فقال: يقام عليه الحدّ وصغار له. لأنّه لم ير للحرم حرمة. وقد قال اللّه تعالى: [فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ‏]  فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ، يعني: في الحرم. وقال: فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ.

 

وَ اتَّقُوا اللَّهَ في الانتصار. ولا تعتدوا إلى  ما لم يرخّص لكم.

وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ. : فيحرسهم ويصلح شأنهم.

وَ أَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ. ولا تمسكوا كلّ الإمساك.

وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ بالإسراف وتضييع وجه المعاش، أو بالكفّ عن الغزو والإنفاق فيه. فإنّه يقوّي العدوّ ويسلّطهم على إهلاككم، أو بالإمساك وحبّ المال. فإنّه يؤدّى إلى الهلاك المؤبّد. ولذلك سمّي البخل، هلاكا. وهو في الأصل انتهاء الشّي‏ء في الفساد والإلقاء طرح الشّي‏ء.

و عدّي بإلى، لتضمّن معنى الانتهاء.

و الباء مزيدة.

و المراد بالأيدي، الأنفس.

و التّهلكة والهلاك والهلك، واحد فهي مصدر، كالتّضرّة والتّسرّة، أي: لا توقعوا أنفسكم في الهلاك.

و قيل : معناه لا تجعلوها أخذة بأيديكم. أو لا تلقوا بأيديكم أنفسكم إليها. فحذف المفعول.

 [وَ أَحْسِنُوا أعمالكم وأخلاقكم. وتفضّلوا على المحاويج.

إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ  ويجازيهم أحسن جزاء على الإحسان.]

و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد وسهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن يونس بن يعقوب، عن حمّاد اللّحّام، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: لو أنّ رجلا أنفق ما في يديه في سبيل من سبيل اللّه، ما كان أحسن ولا أوفق. أ ليس يقول اللّه- عزّ وجلّ: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ؟ يعني:

المقتصدين.و في عيون الأخبار ، في باب ذكر مولد الرّضا- عليه السّلام: ملك عبد اللّه المأمون عشرين  سنة وثلث وعشرين يوما. فأخذ في  البيعة في ملكه لعليّ بن موسى الرّضا- عليه السّلام- بعهد المسلمين من غبر رضاه. وذلك بعد أن تهدّده  بالقتل وألحّ عليه مرّة بعد أخرى، في كلّها يأتى  عليه من  يأتيه  حتى أشرف على الهلاك. فقال- عليه السّلام:

اللّهمّ إنّك قد نهيتني عن الإلقاء بيدي إلى التّهلكة. وقد أكرهت واضطررت كما أشرفت من قبل عبد اللّه المأمون على القتل متى  لم أقبل ولاية عهده. وقد أكرهت واضطررت كما اضطرّ يوسف ودانيال- عليهما السّلام- إذ قبل كلّ واحد منهما الولاية من طاغية زمانه.

اللّهمّ لا عهد إلّا عهدك ولا ولاية  إلّا من قبلك. فوفّقني لإقامة دينك وإحياء سنّة نبيّك.

فإنّك أنت المولى  والنّصير. ونعم المولى أنت ونعم النّصير.

ثمّ قبل ولاية العهد من المأمون وهو باك حزين على أن لا يوالي أحدا، ولا يعزل أحدا، ولا يغيّر رسما  ولا سنّة. وأن يكون في الأمر مشيرا  من بعيد.

و في خبر آخر طويل

، قال له المأمون، بعد أن أبى من قبول العهد: فباللّه أقسم، لئن قبلت ولاية العهد. وإلّا أجبرتك على ذلك. فإن فعلت وإلّا ضربت عنقك.

فقال الرّضا- عليه السّلام: قد نهاني اللّه- عزّ وجلّ- أن ألقي بيدي الى التّهلكة.

فإن كان الأمر على هذا، فافعل ما بدأك. فأنا  أقبل على أن  لا أوالي أحدا ولا أعزل أحدا ولا أنقض رسما ولا سنّة. وأكون في الأمر من بعيد مشيرا.

فرضي منه بذلك فجعله  وليّ عهده على كراهة منه- عليه السّلام- لذلك .

و في من لا يحضره الفقيه ، في الحقوق المرويّة عن عليّ بن الحسين- عليهما السّلام: وحقّ السّلطان، أن تعلم أنّك جعلت له فتنة. وأنّه مبتلى فيك بما جعله اللّه- عزّ وجلّ- له عليك من السّلطان. وأنّ عليك أن لا تتعرّض لسخطه، فتلقى بيدك إلى التّهلكة. وتكون شريكا له فيما يأتي إليك من سوء.

و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى سلمان الفارسيّ- رحمه اللّه- عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- في حديث طويل. يقول فيه لعليّ- عليه السّلام: يا أخي! أنت سيفي  من بعدي وستلقى من قريش شدّة. ومن تظاهرهم عليك وظلمهم لك. فإن وجدت عليهم أعوانا، فجاهدهم وقاتل من خالفك بمن وافقك.

و إن لم تجد أعوانا، فاصبر وكفّ يدك ولسانك. ولا تلق بها إلى التّهلكة.

و في أصول الكافي : عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن عبد الحميد، عن الحسن بن الجهم قال: قلت للرّضا- عليه السّلام: أمير المؤمنين- عليه السّلام- قد عرف قاتله واللّيلة التي يقتل فيها والموضع الّذي يقتل فيه. وقوله لمّا سمع صياح الإوزّ في الدّار: «صوائح تتبعها نوائح.» وقول أمّ كلثوم: «لو صلّيت اللّيلة داخل الدّار. وأمرت غيرك يصلّي بالنّاس.» فأبى عليها. وكثر دخوله وخروجه تلك اللّيلة بلا سلاح. وقد عرف- عليه السّلام- أنّ ابن ملجم- لعنه اللّه- قاتله بالسّيف. كان هذا ممّا لا يحسن  تعرّضه.

فقال: ذلك كان ولكنّه جبن  في تلك اللّيلة لتمضي مقادير اللّه- عزّ وجلّ.

و في أمالي الصّدوق- رحمه اللّه - بإسناده إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: طاعة السّلطان، واجبة. ومن ترك طاعة السّلطان، فقد ترك طاعة اللّه. ودخل في نهيه. إنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ.

 

 [و أحسنوا أعمالكم وأخلاقكم. وتفضّلوا على المحاويج. إنّ اللّه يحبّ المحسنين.

و يجازيهم أحسن جزاء على الإحسان.و في محاسن البرقيّ ، عنه، عن ابن محبوب، عن عمر بن يزيد. قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: إذا أحسن المؤمن عمله، ضاعف اللّه عمله بكلّ حسنة سبعمائة. وذلك قول اللّه- تبارك وتعالى: يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ. فأحسنوا أعمالكم الّتي يعملونها لثواب اللّه.

فقلت له: وما الإحسان؟

قال: فقال: إذا صلّيت، فأحسن ركوعك وسجودك. وإذا صمت، فتوقّ كلّ ما فيه فساد صومك. وإذا حججت، فتوقّ ما يحرم عليك في حجّك وعمرتك.

قال: وكلّ عمل يعمله للّه، فليكن نقيّا من الدّنس .]

وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ، أي ائتوا بهما تأمين لوجه اللّه. وهو يدلّ على وجوبهما.

و في مجمع البيان : وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ، أي: أتمّوهما بمناسكهما وحدودهما وتأدية كلّ ما فيهما.

و قيل: أقيموهما إلى آخر ما فيهما. وهو المرويّ عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- وعلي بن الحسين- عليهما السّلام.

و الظّاهر أنّ ما ذكره من المعنيين، مع ما أوردنا، متّحد.

و في عيون الأخبار ، في باب ما كتبه الرّضا- عليه السّلام- للمأمون، من محض الإسلام وشرائع الدّين: ولا يجوز القرآن والإفراد الّذي يستعمله العامّة إلّا لأهل مكّة وحاضريها. ولا يجوز الإحرام دون الميقات. قال اللّه- عزّ وجلّ: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ.

 

و في كتاب الخصال : عن الأعمش، عن جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- قال: هذه شرائع الدّين- إلى أن قال عليه السّلام- ولا يجوز القرآن والإفراد إلّا لمن كان أهله حاضري المسجد الحرام. ولا يجوز الإحرام قبل بلوغ الميقات ولا يجوز تأخيره عن الميقات إلّا لمرض أو تقيّة. وقد قال اللّه تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ. وتمامهما اجتناب الرّفث والفسوق والجدال، في الحجّ.

و في كتاب علل الشّرائع : حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد- رضى اللّه‏

 عنه. قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار، عن العبّاس بن معروف، عن عليّ بن مهزيار، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير. وحمّاد وصفوان بن يحيى وفضالة بن أيّوب، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: العمرة واجبة على الخلق، بمنزلة الحجّ من استطاع. لأنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ. وإنّما نزلت العمرة بالمدينة. وأفضل العمرة، عمرة رجب.

حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد- رضى اللّه عنه - قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصّفّار، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن حمّاد بن عيسى، عن أبان بن عثمان، عمّن أخبره، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قلت له: لم سمّي الحجّ، حجّا؟

قال: حجّ فلان، أي: أفلح فلان.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة.

 

قال: كتبت إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- بمسائل بعضها مع ابن بكير وبعضها مع أبي العبّاس فجاء الجواب بإملائه:

سألت عن قول اللّه- عزّ وجلّ- وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، يعني به: الحجّ والعمرة، جميعا. لأنّهما مفروضان.

و سألته عن قول اللّه تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ. قال: يعني بتمامهما أداءهما واتّقاء ما يتّقى المحرم فبهما.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

الحسين بن محمّد  عن معلّى بن محمّد، عن الحسين بن عليّ، عن أبان ، عن الفضل [بن شاذان، عن‏]  أبي العبّاس، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ، قال: هما مفروضان.

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النّضر بن سويد، عن عبد اللّه بن سنان، في قول اللّه تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ، قال: إتمامهما أن لا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحجّ.ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحجّ على من استطاع. لأنّ اللّه تعالى يقول: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ. وإنّما نزلت العمرة بالمدينة.

قال: قلت له: فمن تمتّع بالعمرة إلى الحجّ أ يجزي ذلك عنه؟

قال: نعم.

و في تهذيب الأحكام : روى موسى بن القسم، عن حمّاد بن عيسى، عن عمر بن أذينة، عن زرارة بن أعين، عن أبي جعفر- عليه السّلام. قال: العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحجّ. لأنّ اللّه تعالى يقول: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ. وإنّما نزلت العمرة بالمدينة.

و في الكافي : محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن سنان، عن عمار بن مروان، عن جابر، عن أبي جعفر - عليه السّلام- قال: تمام الحجّ لقاء الإمام.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير. ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى. وابن أبي عمير، جميعا، عن معاوية بن عمّار- قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام: إذا أحرمت فعليك بتقوى اللّه، وذكر اللّه كثيرا، وقلّة الكلام، إلّا بخير. فإنّ من تمام الحجّ والعمرة أن يحفظ المرء لسانه، إلّا من خير، كما قال اللّه تعالى. فإنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ، فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ. (الحديث).

و في عيون الأخبار ، بإسناده إلى إسماعيل بن مهران، عن جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- قال: إذا حجّ أحدكم، فليختم حجّه بزيارتنا. لأنّ ذلك من تمام الحجّ.

فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ: منعتم.

يقال: حصره العدوّ، وأحصره، إذا حبسه ومنعه عن المضيّ، مثل: صدّ وأصدّ.

قيل : المراد حصر العدوّ، لقوله تعالى فَإِذا أَمِنْتُمْ، ولنزوله في الحديبية، ولقول‏ابن عبّاس: لا حصر إلّا حصر العدوّ.

و قيل : وكلّ من منع من عدوّ ومرض. أو غيرهما لما روي عنه- عليه السّلام - من كسر أو عرج، فقد حلّ. فعليه الحجّ من قابل.

و التّحقيق: أنّ المحصور، هو المحصور بالمرض. والمصدود بالعدوّ. وإن كان المراد بالحصر بالقرينة، هو العموم هنا.

فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ، أي: فعليكم ما استيسر، فالواجب ما استيسر، أو فاهدوا ما استيسر.

و المعنى: إن أحصر المحرم وأراد أن يتحلّل، تحلّل بذبح هدي يسر عليه من بدنة، أو بقرة، أو شاة.

و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن أبي نصر، عن داود بن سرحان، عن عبد اللّه بن فرقد، عن حمران، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- حين صدّ بالحديبية، قصّر وأحلّ ونحر. ثمّ انصرف منها. ولم يجب عليه الحلق حتّى يقضي النّسك. فأمّا المحصور، فإنّما يكون عليه التقصير.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن ابن أبى عمير. ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير، وصفوان، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: المحصور غير المصدود المحصور المريض. والمصدود الّذي يصدّه المشركون، كما رووا عن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-  ليس من مرض. والمصدود تحلّ له النّساء. والمحصور لا تحلّ له النّساء.

قال: وسألته عن رجل أحصر وبعث بالهدى.

قال: يواعد أصحابه ميعادا، إن كان في الحجّ، فمحلّ الهدي يوم النّحر. فإذا كان يوم  النّحر، فليقصّ من رأسه. ولا يجب عليه الحلق، حتّى يقضي المناسك. وإن كان في عمرة، فلينتظر مقدار دخول أصحابه مكّة والسّاعة الّتي يعدهم فيها. فإذا كان تلك‏السّاعة، قصّر وأحلّ. وإن كان مرض في الطّريق، بعد ما يخرج  فأراد الرّجوع رجع إلى أهله ونحر بدنة أو أقام مكانه، حتّى يبرأ إذا كان في عمرة. وإذا برئ، فعليه العمرة واجبة.

و إن كان عليه الحجّ، رجع أو أقام  ففاته الحجّ، فإنّ عليه الحجّ من قابل. فإنّ الحسين بن عليّ- صلوات اللّه عليه- خرج معتمرا. فمرض في الطّريق. فبلغ عليّا- عليه السّلام- ذلك وهو في المدينة. فخرج في طلبه. فأدركه بالسّقيا . وهو مريض بها.

فقال: يا بنيّ! ما تشكي؟

فقال: أشتكي رأسي.

فدعا عليّ- عليه السّلام- ببدنة. فنحرها. وحلق رأسه. وردّه إلى المدينة. فلمّا برئ من وجعه، اعتمر.

قلت: أ رأيت حين برئ من وجعه قبل أن يخرج إلى العمرة حلّ له النّساء؟

قال: لا تحلّ له النّساء حتّى يطوف بالبيت وبالصّفا والمروة.

قلّت: فما بال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- حين رجع من الحديبية حلّت له النّساء ولم يطف بالبيت؟

قال: ليسا سواء كان النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- مصدودا والحسين- عليه السّلام- محصورا.

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد. وسهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب ، عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إذا أحصر الرّجل بعث بهديه.

فإذا أفاق ووجد من نفسه خفّة، فليمض إن ظنّ أنّه يدرك النّاس. فإن قدم مكّة قبل أن ينحر الهدي، فليقم على إحرامه، حتّى يفرغ من جميع المناسك ولينحر هديه. ولا شي‏ء عليه.

و إن قدم مكّة وقد نحر هديه، فإنّ عليه الحجّ من قابل أو  العمرة.

قلت: فإن مات وهو محرم قبل أن ينتهي إلى مكّة؟

قال: يحجّ عنه، إن كانت حجّة الإسلام. ويعتمر. إنّما هو شي‏ء عليه.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار، عن‏

 أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال في المحصور ولم يسق الهدي، قال: ينسّك. ويرجع. فإن لم يجد ثمن هدي، صام.

عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد، عن ابن أبي نصر، عن مثنّى، عن زرارة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إذا أحصر الرّجل، فبعث بهديه، فآذاه رأسه قبل أن ينحر هديه، فإنّه يذبح ستّة مساكين. الّذي أحصر  فيه، أو يصوم، أو يتصدّق. والصّوم ثلاثة أيّام. والصّدقة  على ستّة مساكين. ونصف صاع لكلّ مسكين.

سهل ، عن ابن أبي نضر، عن رفاعة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام. قال:

 

سألته عن الرّجل يشترط وهو ينوي المتعة، فيحصر، هل يجزئه أن لا يحجّ من قابل؟

قال: يحجّ من قابل. والحاجّ مثل ذلك إذا أحصر.

قلت: رجل ساق الهدى ثمّ أحصر.

قال: يبعث بهديه.

قلت: هل يتمتّع  من قابل؟

قال: لا. ولكن يدخل في مثل ما خرج منه.

حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن أحمد بن الحسن المثنّى، عن أبان، عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: المصدود  يذبح حيث صدّ. ويرجع صاحبه. فيأتي النّساء. او المحصور: يبعث بهديه. ويعدهم يوما. فإذا بلغ الهدي، أحلّ هذا في مكانه.

قلت له: أ رأيت أن ردوا  عليه دراهمه ولم يذبحوا عنه وقد أحكّ فأتى النّساء؟

قال: فليعد وليس عليه شي‏ء. وليمسك العام عن النّساء، إذا بعث.

و في عيون الأخبار ، في باب العلل الّتي ذكر الفضل بن شاذان، أنّه سمعها من الرّضا- عليه السّلام: فإن قال فلم أمروا بحجّة واحدة لا أكثر من ذلك؟ قيل له: لأنّ اللّه‏تعالى وضع الفرائض على أدنى القوم قوّة . كما قال- عزّ وجلّ: فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ، يعني: بشاة ليسع القويّ والضّعيف. وكذلك سائر الفرائض. إنّها وضعت على أدنى القوم قوّة .

وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ.، أي: لا تحلقوا حتّى تعلموا أنّ الهدي المبعوث بلغ محلّه، أي: حيث يحلّ ذبحه فيه.

و المحلّ (بالكسر) يطلق للمكان والزّمان.

و الهدي، جمع هدية، كجدي وجدية وقرئ الهدي جمع هديّة، كمطيّ ومطيّة.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه. ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، جميعا، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- حين حجّ حجّة الوداع ، خرج في أربع بقين من ذي القعدة، حتّى أتى الشّجرة. فصلّى بها. ثمّ قاد راحلته حتّى أتى البيداء. فأحرم منها.

و أهلّ بالحجّ وساق مائة بدنة. وأحرم  النّاس كلّهم بالحجّ، لا ينوون عمرة ، ولا يدرون ما المتعة، حتّى إذا قدم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- مكّة، طاف بالبيت. وطاف النّاس معه. ثمّ صلّى ركعتين عند المقام. واستلم الحجر ثم قال: «أبدأ بما بدأ اللّه به.

 

فأتى الصّفا. فبدأ بها ثمّ طاف بين الصّفا والمروة، سبعا. فلمّا قضى طوافه عند المروة، قام خطيبا. فأمرهم أن يحلّوا ويجعلوها عمرة. وهو شي‏ء أمر اللّه تعالى به. فأحلّ النّاس.

و قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله: لو كنت استقبلت من أمري، ما استدبرت لفعلت كمّا أمرتكم. ولم يكن  يستطيع ان  يحلّ من أجل الهدي الّذي معه .

إنّ اللّه تعالى يقول: وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ.

 

فقال سراقة بن مالك بن خثعم : يا رسول اللّه! علّمنا ديننا. كأنّنا خلقنا اليوم.أ رأيت هذا الّذي أمرتنا به لعامنا هذا أو لكلّ عام؟

فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله: بل  لأبد الأبد.

و إنّ رجلا قام. فقال: يا رسول اللّه! نخرج حجّاجا ورؤوسنا تقصر.

فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله: انك  لن تؤمن بها أبدا.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في كتاب علل الشرائع : حدّثنا محمّد بن الحسن- رحمه اللّه- قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصّفّار، عن يعقوب بن يزيد، عن محمّد بن أبي عمير، وصفوان بن يحيى، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- في حجّة الوداع، لمّا فرغ من السّعي، قام عند المروة، فخطب النّاس، فحمد اللّه، وأثنى عليه. ثمّ قال: يا معشر النّاس! هذا جبرئيل- وأشار بيده إلى خلفه- يأمرني أن آمر من لم يسق هديا، أن يحلّ. ولو استقبلت من أمري ما استدبرت. لفعلت كما أمرتكم.

و لكنّي سقت الهدي. وليس لسائق الهدي أن يحلّ، حتّى يبلغ الهدى محلّه.

فقام إليه سراقة بن مالك بن خثعم  الكنانيّ. فقال: يا رسول اللّه! علّمنا ديننا.

فكأنّنا خلقنا اليوم. أ رأيت هذا الّذي أمرتنا به لعامنا ؟

فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله: لا بل لأبد الأبد.

و إنّ رجلا قام. فقال: يا رسول اللّه! نخرج حجّاجا ورؤوسنا تقصر.

فقال له رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله: إنّك لن تؤمن بها أبدا.

حدّثنا أبي  ومحمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد- رضى اللّه عنه- قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه عن القسم بن محمّد الأصفهانيّ، عن سليمان بن داود المنقريّ، عن فضيل بن عياض قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن اختلاف النّاس في الحجّ.

فبعضهم يقول: خرج رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- محلّا بالحجّ، وقال بعضهم: محلّا بالعمرة، وقال بعضهم: خرج قارنا، وقال بعضهم: خرج ينتظر أمر اللّه- عزّ وجلّ.

فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام: علم اللّه- عزّ وجلّ- أنّها حجّة لا يحجّ رسول اللّه-صلّى اللّه عليه وآله- بعدها أبدا. فجمع اللّه- عزّ وجلّ- له ذلك كلّه في سفرة واحدة، ليكون جميع ذلك سنّة لأمّته فلمّا طاف بالبيت وبالصّفا والمروة، أمره جبرئيل- عليه السّلام- أن يجعلها عمرة إلّا من كان معه هدى، فهو محبوس على هديه، لا يحلّ قوله - عزّ وجلّ:

 

حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فجمعت له العمرة والحجّ. وكان خرج على خروج العرب الأوّل. لأنّ العرب كانت لا تعرف الا الحجّ. وهو في ذلك ينتظر أمر اللّه- عزّ وجلّ.

و هو يقول- عليه السّلام: النّاس على أمر جهالتهم ، إلّا ما غيّره الإسلام. وكانوا لا يرون العمرة في أشهر الحجّ. فشقّ على أصحابه حين قال: «اجعلوها عمرة.» لأنّهم كانوا لا يعرفون العمرة في أشهر الحجّ. وهذا الكلام من رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إنّما كان في الوقت الّذي أمرهم فيه بفسخ الحجّ. وقال: «دخلت العمرة في الحجّ إلى يوم القيامة.» وشبك بين أصابعه، يعني: في أشهر الحجّ .

قلت: فيتعبّا  بشي‏ء من امر الجاهليّة؟

قال إنّ الجاهليّة  ضيّعوا كلّ شي‏ء من دين  ابراهيم- عليه السّلام- إلّا الختان والتّزويج والحجّ. فإنّهم تمسّكوا به. ولم يضيّعوها.

فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً مرضا يحوجه إلى الحق، أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ من جراحة وقمل.

فَفِدْيَةٌ: فعليه فدية إن حلق، مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ: بيان لجنس الفدية.

و أمّا قدرها،

ففي الكافي : عليّ عن أبيه، عن حمّاد، عن حريز، عمّن أخبره، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: مرّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- على كعب بن عجرة والقمل يتناثر من رأسه وهو محرم. فقال له: أ تؤذيك هو امّك؟ فقال: نعم.

فأنزلت هذه الآية: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ.

 

فأمره رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أن يحلق وجعل الصّيام ثلاثة أيّام. والصّدقة على ستّة مساكين، لكلّ مسكين مدّين. والنّسك، شاة.

قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام: وكلّ شي‏ء من القرآن أو فصاحبه بالخيار. يختار ما شاء. وكلّ شي‏ء  في القرآن. فمن لم يجد كذا، فعليه كذا. فالأولى بالخيار.

عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد، عن ابن أبي نصر، عن مثنّى، عن زرارة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إذا أحصر الرّجل، فبعث بهديه، فآذاه رأسه قبل أن ينحر هديه، فإنّه يذبح شاة في المكان الّذي أحصر فيه، أو يصوم، أو يتصدّق. والصّوم ثلاثة أيّام. والصّدقة على ستّة مساكين، نصف صاع لكلّ مسكين.

و في من لا يحضره الفقيه : ومرّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- على كعب بن عجرة الأنصاريّ وهو محرم وقد أكل القمل رأسه وحاجبيه وعينيه. فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله: ما كنت أرى أنّ الأمر يبلغ ما أرى.

فأمره. فنسك عنه، نسكا. وحلق رأسه. يقول اللّه: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ، فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ. فالصّيام ثلاثة أيّام. والصّدقة على ستّة مساكين، لكلّ مسكين صاع من تمر والنّسك، شاة. لا يطعم  منها أحد إلّا المساكين.

و ما وقع في الأحاديث الثّلاثة من الاختلاف في إعطاء المسكين، فإنّه في الأوّل مدّان، وفي الثّاني نصف صاع، وفي الثّالث صاع، فإنّه لا اختلاف بين الأوّلين في المعنى.

فإن نصف الصّاع، هو المدّان. فإنّ الصّاع أربعة أمداد. ويحتمل في الخبر الأخير أن يكون سقط لفظ «نصف.» وأن يكون محمولا على الأفضل.

فَإِذا أَمِنْتُمْ الإحصار، أو كنتم في حال أمن وسعة، فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ:

الحاجّ على ثلاثة وجوه:

المتمتّع. وهو الّذي يحجّ في أشهر الحجّ. ويقطع التّلبية إذا نظر إلى بيوت مكّة. فإذا دخل مكّة طاف بالبيت سبعا، وصلّى ركعتين عند مقام إبراهيم- عليه السّلام- وسعى بين الصّفا والمروة سبعا، وقصّر، وأحلّ فهذه عمرة يتمتّع بها من الثّياب والجماع والطّيب‏و كلّ شي‏ء يحرم على المحرم، إلّا الصّيد. لأنّه حرام على المحلّ في الحرم وعلى المحرم في الحلّ والحرم. ويتمتّع بما سوى ذلك إلى الحجّ.

و الحجّ ما يكون بعد يوم التّروية، من عقد الإحرام الثّاني بالحجّ المفرد والخروج إلى منى، ومنها إلى عرفات، وقطع التّلبية عند زوال الشّمس يوم عرفة. ويجمع فيها بين الظّهر والعصر، بأذان واحد وإقامتين والبيتوتة بها إلى غروب الشّمس والإفاضة إلى المشعر الحرام والجمع بين المغرب والعشاء بها بأذان واحد وإقامتين والبيتوتة بها والوقوف بها بعد الصّبح، إلى أن تطلع الشّمس على جبل ثبير، والرّجوع إلى منى والذّبح والحلق والرّمي ودخول المسجد الحصباء والاستلقاء فيه على القفا وزيارة البيت وطواف الحجّ- وهو طواف الزّيارة- وطواف النّساء. فهذه صفة المتمتّع بالعمرة إلى الحجّ. والمتمتّع عليه، ثلاثة أطواف بالبيت: طواف العمرة، وطواف للحجّ، وطواف للنّساء، وسعيان بين الصّفا والمروة، كما ذكرناه.

و على القارن والمفرد طوافان بالبيت وسعيان بين الصّفا والمروة. ولا يحلّان بعد العمرة يمضيان على إحرامهما الأوّل ولا يقطعان التّلبية، إذا نظرا إلى بيوت مكّة، كما يفعل المتمتّع. ولكنّهما يقطعان التّلبية يوم عرفة، عند زوال الشّمس. والقارن والمفرد صفتهما واحدة، إلّا أنّ القارن يفضّل على المفرد بسياق الهدي.

فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ: فعليه ما استيسر من الهدي بسبب التّمتّع وهو هدي التّمتّع.

و في كتاب علل الشّرائع ، في العلل الّتي ذكر الفضل بن شاذان، أنّه سمعها عن الرّضا- عليه السّلام: فإن قال : فلم أمروا بالتّمتّع في الحجّ؟

قيل: ذلك تخفيف من ربّكم ورحمة لأن يسلم النّاس  من إحرامهم. ولا يطول ذلك عليهم فيدخل عليهم الفساد. وأن يكون الحجّ والعمرة واجبتين ، جميعا. فلا تعطّل العمرة وتبطل. فلا يكون  الحجّ مفردا من العمرة. ويكون بينهما فصل وتمييز. وأن لا يكون الطّواف بالبيت محظورا. لان المحرم إذا طاف بالبيت قد أحل إلا لعلّة. فلو لا التّمتّع، لم يكن‏للحاجّ أن يطوف. لأنّه إذا طاف أحلّ وفسد إحرامه. ويخرج منه قبل أداء الحجّ. ولأن يجب على النّاس الهدي والكفّارة، فيذبحون وينحرون ويتقرّبون إلى اللّه- جلّ جلاله. فلا تبطل هراقة الدّماء والصّدقة على المساكين .

حدّثنا أبي- رضى اللّه - قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن عبد اللّه بن عليّ الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ الحجّ متّصل بالعمرة. لأنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول: فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ. فليس ينبغي لأحد إلّا أن يتمتّع. لأنّ اللّه- عزّ وجلّ- أنزل ذلك في كتابه وسنّة رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله.

و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، وأحمد بن محمّد، جميعا، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي عبيدة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه تعالى فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ قال: شاة .

محمّد بن يحيى  عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن ابن مسكان، عن سعيد الأعرج قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام: من  تمتّع في أشهر الحجّ، ثمّ أقام بمكّة، حتّى يحضر الحجّ، من قابل، فعليه شاة. ومن تمتّع في غير أشهر الحجّ، ثمّ جاوز حتّى يحضر الحجّ، فليس عليه دم. إنّما هي حجّة مفردة. وإنّما الأضحيّة  على أهل الأمصار.

فَمَنْ لَمْ يَجِدْ: أي: الهدى.

و روى في معنى عدم الوجدان [في التهذيب ، عن‏]  أحمد بن محمّد، عن ابن أبي نصر. قال: سألت أبا الحسن- عليه السّلام- عن المتمتّع يكون له فضول من الكسوة بعد الّذي يحتاج إليه، فتستوي  تلك الفضول بمائة درهم، يكون ممّن يجب عليه.

فقال: له بدّ من كراء ونفقة؟قلت: له كراء وما يحتاج إليه بعد هذا الفضل من الكسوة.

قال: وأي شي‏ء بمائة درهم؟ هذا ممّن قال اللّه: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ.

 

 [و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام. قال: قلت له: رجل تمتّع بالعمرة إلى الحجّ في عيبة ثياب له يبيع من ثيابه ويشتري هديه.

قال: لا. هذا يتزيّن المؤمن . يصوم ولا يأخذ شيئا من ثيابه.]

 

فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ: في أيّام الاشتغال به.

في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد وسهل بن زياد، جميعا، عن رفاعة بن موسى قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن المتمتّع لا يجد الهدى.

قال: يصوم قبل التّروية بيوم، ويوم التّروية ويوم عرفة.

قلت: فإنّه قدم يوم التّروية.

قال: يصوم ثلاثة أيّام بعد التّشريق.

قلت: لم يقم عليه جماله.

قال: يصوم يوم الحصبة وبعده يومين.

قال: قلت: وما الحصبة؟

قال: يوم نفره.

قلت: يصوم وهو مسافر؟

قال: نعم أليس هو يوم عرفة مسافرا ؟ إنّا أهل بيت نقول ذلك لقول  اللّه تعالى:

فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ. يقول: في ذي الحجّة.

أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن عبد الكريم بن عمرو، عن زرارة، عن أحدهما- عليهما السّلام- أنّه قال: من لم يجد هديا وأحبّ أن يقدّم الثّلاثة أيّام  في أوّل العشر،فلا بأس.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى وابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن متمتّع لم يجد هديا.

قال: يصوم ثلاثة أيّام في الحجّ: يوم قبل التّروية، ويوم التّروية، ويوم عرفة.

قال: قلت: فإن فاته ذلك؟

قال: يتسحّر ليلة  الحصبة ويصوم ذلك اليوم ويومين بعده.

قلت: فإن لم يقم عليه جماله، أ يصومها  في الطّريق؟

قال: إن شاء صامها في الطّريق. فإن  شاء إذا رجع إلى أهله .

 

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في متمتّع يجد الثّمن ولا يجد الغنم.

قال: يخلف الثّمن عند بعض أهل مكّة. ويأمر من يشترى له. ويذبح عنه.

و هو يجزي  عنه. فإن مضى ذو الحجّة، أخّر ذلك إلى قابل من ذي الحجّة.

أبو عليّ الأشعريّ ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان بن يحيى، عن يحيى الأزرق قال: سألت أبا الحسن- عليه السّلام- عن متمتّع كان معه ثمن هدي، وهو يجد بمثل ذلك الّذي معه هديا، فلم يزل يتوانى ، ويؤخّر ذلك حتّى إذا كان آخر النّهار غلت الغنم، فلم يقدر أن  يشتري بالّذي معه هديا.قال: يصوم ثلاثة أيّام بعد التّشريق.

و أمّا ما رواه.

في الكافي:  «عن بعض أصحابنا، عن محمّد بن الحسين، عن أحمد بن عبد اللّه الكوفيّ ، قال: قلت للرّضا- عليه السّلام: المتمتّع يقدم وليس معه هدي، أ يصوم ما لم يجب عليه؟ قال: يصبر إلى يوم النّحر. فإن لم يصب، فهو ممّن لم يجده»، فهو محمول على من لم يكن معه هدي، ولكنّه يتوقّع المكنة. فهذا يجب عليه الصبر. وأمّا من لم يكن معه، ولم يتوقّع المكنة، فعليه ما تقدّم من صوم اليوم السّابع والثّامن والتّاسع ومع التّأخير بعد أيّام التّشريق.

و يجب فيه التّتابع.

روى في الكافي ، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد [بن عيسى‏] ، عن الحسن  بن عليّ الوشاء، عن أبان، عن الحسين بن زيد، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: السّبعة الأيّام والثّلاثة. الأيّام في الحجّ، لا تفرّق . إنّما هي بمنزلة الثّلاثة الأيّام في اليمين.

وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ إلى أهليكم.

و قرئ سبعة (بالنّصب) عطفا على محلّ «ثلاثة أيّام» وإذا أقام بمكّة صبر. فإذا ظنّ أنّ رفقاءه وصلوا إلى بلده، صام السّبعة.

روى في الكافي ، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن عبد الكريم، عن أبي بصير قال: سألته عن رجل تمتّع فلم يجد هديا، فصام الثّلاثة الأيّام، فلمّا قضى نسكه بدا له أن يقيم بمكّة.

قال: ينظر  مقدم أهل بلاده. فإذا ظنّ أنّهم قد دخلوا، فليصم السّبعة الأيّام.

و إذا صام الثّلاثة ومات قبل وصوله إلى بلده، لم يقض عنه وليّه إلّا استحبابا.

روى في الكافي ، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد،

 عن الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه سئل عن رجل يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ، ولم يكن له هدي، فصام ثلاثة أيّام في الحجّ، ثمّ مات بعد ما رجع إلى أهله قبل أن يصوم السّبعة الأيّام، أعلى وليّه أن يقضي عنه؟

قال: ما أرى عليه قضاء.

و أمّا ما رواه فيه  عن «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب، عن معاوية بن عمّار، قال: من مات ولم يكن له هدى لمتعته، فليصم عنه وليّه»، فحمله في الفقيه  على الاستحباب. ويمكن حمله على أنّه إذا ما تمكّن ولم يصم حتّى مات وإذا صام الثّلاثة الأيّام ثمّ وجد الهدي، وجب.

روى في الكافي ، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن عبد اللّه بن هلال، عن عقبة بن خالد قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن رجل تمتّع وليس معه ما يشتري به هديا.

فلمّا أن صام ثلاثة أيّام في الحجّ، أيسر ان يشترى هديا فينحره؟ أو يدع ذلك ويصوم سبعة أيّام إذا رجع إلى أهله؟

قال: يشتري هديا فينحره. ويكون صيامه الّذي صامه نافلة له.

و لا ينافيه‏

ما رواه عن «أحمد بن محمّد  بن أبي نصر، عن عبد الكريم، عن أبي بصير، عن أحدهما- عليهما السّلام- قال: سألته عن رجل تمتّع. فلم يجد هديا . إذا كان يوم النفر وجد ثمن شاة. أ يذبح؟ أو يصوم؟.

قال: بل يصوم فإنّ أيّام الذّبح قد مضت.»

فإنه محمول على ما إذا صام الأيّام الثّلاثة ومضى وقت الذّبح. وأمّا إذا لم يصم الثّلاثة، فعليه الذّبح. وكذا إذا لم يصم الثّلاثة حتّى انقضى ذو الحجّة. يدلّ على ذلك‏

ما رواه عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن أبن أبي عمير، عن حفص بن البختريّ، عن منصور، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام. قال: من لم يصم في ذي الحجّة حتّى يهلّ هلال المحرّم، فعليه دم شاة. فليس له صوم ويذبح بمنى.

تِلْكَ عَشَرَةٌ: فذلكة الحساب. وفائدتها أن لا يتوهّم أنّ «الواو» بمعنى «او»،نحو: جالس الحسن وابن سرين وأن يعلم  العدد جملة، كما علم تفصيلا. فإنّ أكثر العرب لم يحسنوا الحساب.

و أنّ المراد بالسّبعة، هو العدد دون الكثرة. فإنّه يطلق لهما.

كامِلَةٌ:

صفة مؤكّدة تفيد المبالغة في محافظة العدد، او مبينة كمال العشرة. فإنّه أوّل عدد كامل. إذ به تنتهي الآحاد وتتمّ مراتبها، أو مقيّدة تفيد كمال بدليّتها من «الهدى.»

في تهذيب الأحكام : موسى بن القسم ، عن محمّد عن زكريّا المؤمن، عن عبد الرّحمن بن عتبة، عن عبد اللّه بن سليمان الصّيرفيّ قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام- لسفيان الثّوريّ: ما تقول في قول اللّه تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ، إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ؟ أيّ شي‏ء يعني بكاملة؟

قال: سبعة وثلاثة.

قال: ويختل ذا على ذي حجا أنّ سبعة وثلاثة، عشرة.

قال: فأيّ شي‏ء هو؟ أصلحك اللّه! قال: انظر! قال: لا علم لي. فأيّ شي‏ء هو؟ أصلحك اللّه.

قال: الكاملة ، كما لها، كمال الاضحيّة، سواء أتيت بها، أو لم تأت، فالاضحيّة تمامها كمال الأضحيّة.

ذلِكَ، أي: التّمتّع [لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام،]  إذ لا متعة لحاضري المسجد الحرام.

في الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قلت: لأهل مكّة متعة ؟قال: لا. ولا لأهل بستان. ولا لأهل ذات عرق. ولا لأهل عسفان، ونحوها.

عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن عبد الكريم بن عمرو، عن سعيد الأعرج، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: ليس لأهل سرف ولا لأهل مرّ  ولا لأهل مكّة متعة، لقول اللّه- عزّ وجلّ:

لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ:

 

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ- ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ قال: من كان منزله على ثمانية عشر ميلا من بين يديها  وثمانية عشر ميلا من خلفها وثمانية عشر ميلا عن يمينها وثمانية عشر ميلا عن يسارها، فلا متعة له مثل مرّ وأشباهها.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن ابن أبى عمير، عن داود، عن حمّاد قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن أهل مكّة، أ يتمتّعون؟

قال: ليس لهم متعة.

قلت: فالقاطن بها؟

قال: إذا أقام بها سنة أو سنتين صنع ما  يصنع  اهل مكّة.

قلت: فان مكث الشّهر؟

قال: يتمتّع.

قلت: من أين؟

قال: يخرج من الحرم.

قلت: أين يهلّ بالحجّ؟

قال من مكّة نحوا ممّا يقول النّاس.محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ابن أبي نصر قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- في السّنة الّتي حجّ فيها. وذلك في سنة اثنتي عشرة ومائتين. فقلت: جعلت فداك! بأيّ شي‏ء دخلت مكّة مفردا أو متمتّعا؟

فقال: متمتّعا.

فقلت له: أيّما  أفضل؟ المتمتّع بالعمرة إلى الحجّ، أو من أفرد وساق الهدي؟

فقال: كان أبو جعفر- عليه السّلام- يقول: المتمتّع بالعمرة إلى الحجّ أفضل من المفرد السّائق للهدي. وكان يقول: ليس يدخل الحاجّ بشي‏ء أفضل من المتعة.

 [و في كتاب الخصال ، عن الأعمش، عن جعفر بن محمّد- عليه السّلام- قال: هذه شرائع الدّين- إلى أن قال عليه السّلام- ولا يجوز القران والافراد إلّا لمن كان أهله حاضري المسجد الحرام.]

 

وَ اتَّقُوا اللَّهَ في المحافظة على أوامره ونواهيه مطلقا وخصوصا في الحجّ.

وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ  لمن لم يتّقه ليصدّكم العلم به عن العصيان.

الْحَجُّ أو وقته، كقولك: البرد شهران.

أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ: معروفات. وهي شوّال وذو القعدة وعشر من ذي الحجّة.

و سمّي شهرين. وبعض شهر أشهرا إقامة البعض مقام الكلّ، أو إطلاق الجمع على ما فوق الواحد، أو الكلام بمعنى أن ليس لأحد أن يحجّ فيما سواهنّ كما في الخبر.

فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ: فمن أوجبه على نفسه بالإحرام فيهنّ، فَلا رَفَثَ: فلا جماع، وَلا فُسُوقَ:

و الفسوق: الكذب.

وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ:

و الجدال، قول «لا واللّه» و«بلى واللّه.»

في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر،

 

عن مثنّى الحناط، عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: الحجّ أشهر معلومات:

شوّال وذو القعدة وذو الحجّة. ليس لأحد أن يحجّ فيما سواهن.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، جميعا، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ- الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ. والفرض التّلبية والإشعار والتّقليد فأيّ ذلك فعل فقد فرض الحجّ. ولا يفرض الحجّ إلّا في هذه الشّهور الّتي قال اللّه- عزّ وجلّ- الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ. وهو شوّال وذو القعدة وذو الحجّة.

عليّ بن إبراهيم ، بإسناده قال: أشهر الحجّ شوّال وذو القعدة وعشر من ذي الحجّة.

و في من لا يحضره الفقيه : روى معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: الحجّ أشهر معلومات: شوّال وذو القعدة وذو الحجّة فمن أراد الحجّ وفر شعره إذا نظر إلى هلال ذو القعدة. ومن أراد العمرة وفر شعره شهرا.

و في مجمع البيان : وأشهر الحجّ عندنا: شوّال وذو القعدة وعشر من ذي الحجّة، على ما روى عن أبي جعفر- عليه السّلام‏

و قيل: هي شوّال وذو القعدة وذو الحجّة (عن عطاء والرّبيع وطاوس وروى ذلك في أخبارنا.)

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن إسماعيل بن مرار، عن يونس، عن سماعة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: أشهر الحجّ: شوّال وذو القعدة وذو الحجّة.

و الحديث طويل. أخذنا منه موضع الحاجة.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة. قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام: من أحرم بالحجّ في غير أشهر الحجّ، فلا حج له.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن الحلبيّ،

 عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله- سبحانه وتعالى- الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ فقال: إنّ اللّه اشترط على النّاس شرطا. وشرط لهم شرطا.

قلت: فما الّذي اشترط عليهم؟ وما الّذي شرط لهم؟

فقال: أمّا الّذي شرط عليهم فإنّه قال: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ. فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ. وأمّا ما شرط لهم، فإنّه قال: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى. قال: يرجع لا ذنب له.

قال قلت له: أ رأيت من ابتلى بالفسوق ما عليه؟

قال: لم يجعل اللّه له حدّا. يستغفر اللّه. ويلبّي.

قلت: فمن ابتلى بالجدال ما عليه؟

قال: إذا جادل فوق مرّتين، فعلى المصيب دم يهريقه، وعلى المخطئ بقرة.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير. ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى. وابن أبي عمير، جميعا، عن معاوية بن عمّار قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام- إذا أحرمت، فعليك بتقوى اللّه وذكر اللّه كثيرا وقلّة الكلام إلّا بخير. فإنّ من تمام الحجّ والعمرة أن يحفظ المرء لسانه إلّا من خير، كما قال اللّه تعالى. فإنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ.

 

و الرّفث الجماع والفسوق الكذب والسّباب. والجدال قول الرّجل «لا واللّه» و«بلى واللّه.» واعلم أنّ الرّجل إذا حلف بثلاث  أيمان ولاء في مقام واحد وهو محرم، فقد جادل. فعليه دم يهريقه ويتصدّق به. وإذا حلف يمينا واحدة كاذبة، فقد جادل. وعليه دم يهريقه ويتصدّق به.

و قال: سألته عن الرّجل يقول: «لا لعمري» و«بلى لعمري.»

قال: ليس هذا من الجدال. إنّما الجدال «لا واللّه» و«بلى واللّه.»

الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد، عن الحسين  بن عليّ، عن أبان بن عثمان، عن أبي بصير، عن أحدهما- عليهما السّلام- قال: إذا حلف ثلاث أيمان‏متتابعات صادقا فقد جادل. وعليه دم. وإذا حلف بيمين واحدة كاذبة، فقد جادل وعليه دم.

أبو عليّ الأشعريّ  عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان، عن عبد اللّه بن مسكان، عن أبي بصير. قال: سألته عن المحرم يريد أن يعمل العمل فيقول لصاحبه :

 «و اللّه لا تعمله.» فيقول: «و اللّه لأعملنّه». فيحالفه مرارا أ يلزمه ما يلزم الجدال؟

قال: لا. إنما أراد بهذا إكرام أخيه. إنّما ذلك ما كان فيه معصية.

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب، عن أبي المغرا، عن سليمان بن خالد قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: في الجدال شاة. وفي السّباب والفسوق بقرة. والرّفث فساد الحجّ.

وَ ما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ: حثّ على الخير عقيب النّهي عن الشّرّ، يستبدل به، ويستعمل مكانه.

وَ تَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى: وتزوّدوا لمعادكم التّقوى. فإنّه خير زاد.

و قيل : نزلت في أهل اليمن. كانوا يحجّون ولا يتزّودون ويقولون: نحن متوكّلون.

فيكونون كلّا على النّاس. فأمروا أن يتزوّدوا ويتّقوا الإبرام في السّؤال والتّثقيل على النّاس.

و في نهج البلاغة : أوصيكم عباد اللّه بتقوى اللّه الّتي هي الزّاد وبها المعاد

 

وَ اتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ : فإنّ قضيّة اللّبّ خشية وتقوى، حثّهم على التّقوى. ثمّ أمرهم بأن يكون المقصود بها هو اللّه، فيتبرّؤوا عن كلّ شي‏ء سواه. وهو مقتضى العقل المعرّى  عن شوائب الهوى. فلذا خصّ أولي الألباب، بهذا الخطاب.

لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا: في أن تطلبوا.

فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ: عطاء ورزقا منه يريد به الرّبح في التّجارة.

في مجمع البيان : لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ، قيل: كانوا يتأثمون بالتّجارة في الحجّ.فرفع سبحانه بهذا اللّفظ  الإثم عمّن يتّجر في الحجّ.- عن ابن عبّاس و[هو]  المرويّ عن أئمّتنا- عليهم السّلام‏

 

- وقيل: [معناه‏]

لا جناح عليكم أن تطلبوا المغفرة من ربّكم- رواه جابر عن أبي جعفر- عليه السّلام.

فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ: دفعتم منها بكثرة- من أفضت الماء إذا صببته بكثرة.

و أصله أفضتم أنفسكم. فحذف المفعول، كما حذف في دفعت من البصرة.

و عرفات، جمع سمّي به، كأذرعات. وإنّما نوّن وكسر. وفيه العلميّة والتأنيث.

لأنّ تنوين الجمع تنوين المقابلة لا تنوين التّمكّن. ولذلك يجتمع مع اللام وذهاب الكسرة يتبع ذهاب التّنوين من غير عوض لعدم الصّرف وهاهنا ليس كذلك. أو لأنّ التأنيث إمّا أن يكون بالتّاء المذكورة وهي ليست تاء تأنيث وإنّما هي مع الألف الّتي قبلها علامة جمع المؤنّث، أو بتاء مقدّرة كما في سعاد. ولا يصحّ تقديرها. لأنّ المذكورة تمنعه من حيث أنّها كالبدل لها، لاختصاصها بالمؤنّث، كتاء بنت.

و إنّما سمّي الموقف عرفة لأنّه نعت لإبراهيم- عليه السّلام- فلمّا أبصره عرفه- روى ذلك عن علىّ عليه السّلام‏

 - أو لأنّ جبرئيل كان يدور به في المشاعر. فلمّا أراه قال: قد عرفت.

أو لأنّ آدم وحوّاء التقيا فيه، فتعارفا- رواه أصحابنا أيضا . أو لأنّ النّاس يتعارفون فيه .

و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى معاوية بن عمّار وقال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن عرفات: لم سمّيت عرفات؟

فقال: إنّ جبرئيل- عليه السّلام- خرج بإبراهيم- صلوات اللّه عليه- يوم عرفة. فلمّا زالت الشّمس قال له جبرئيل- عليه السّلام: «يا إبراهيم! اعترف بذنبك. واعرف مناسكك.» فسمّيت عرفات لقول جبرئيل- عليه السّلام- له: «اعترف .»

فاعترف.

و في الكافي ، بإسناده إلى أبي بصير، أنّه سمع أبا جعفر وأبا عبد اللّه- عليهما السّلام- يذكران أنّه قال جبرئيل- عليه السّلام- لإبراهيم- عليه السّلام: «هذه عرفات.فاعرف بها مناسكك. واعترف بذنبك.» فسمّي عرفات.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

فَاذْكُرُوا اللَّهَ بالتّلبيه والتّهليل والدّعاء. [و قيل : بصلاة العشاءين‏] عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ:

قيل : جبل. ويسمّى قزح. وقيل: ما بين مأزمي عرفة ووادي محسّر. و[إنّما] سمّى  مشعرا لأنّه معلم العبادة. ووصف بالحرام لحرمته. ومعنى عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ، ممّا يليه ويقرب منه. فإنّه أفضل.

وَ اذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ: كما علّمكم. و«ما» مصدريّة أو كافّة.

وَ إِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ، أي: الهدى.

لَمِنَ الضَّالِّينَ : الجاهلين بالإيمان والطّاعة. و«إن» هي المخفّفة. و«اللّام» هي الفارقة.

و قيل : «إن» نافية. و«اللّام» بمعنى «إلّا»، كقوله ، وإن نظنّك لمن الكاذبين.

ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ:

في مجمع البيان : مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ قيل فيه قولان:

أحدهما أنّ المراد به الإفاضة من عرفات . فإنّه امر لقريش وحلفائهم وهو الخمس لأنّهم كانوا لا يقفون مع النّاس بعرفة، ولا يفيضون منها. ويقولون: نحن أهل حرم اللّه. فلا نخرج منه. وكانوا يقفون بالمزدلفة، ويفيضون منها. فأمرهم اللّه بالوقوف بعرفة والإفاضة منها، كما يفيض النّاس. وأراد  بالنّاس سائر العرب. وهو المروىّ عن الباقر- عليه السّلام.

و الثّاني أنّ المراد به الإفاضة من المزدلفة إلى منى، يوم النّحر، قبل طلوع الشّمس، للرّمي والنّحر.قال: وممّا يسأل على القول الأوّل أن يقال: إذا كان «ثمّ» للتّرتيب، فما معنى التّرتيب هاهنا؟ وقد روى أصحابنا في جوابه: أنّ هاهنا تقديما وتأخيرا. وتقديره: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.

و في تفسير العيّاشيّ : عن زيد الشّحّام، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللّه: أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ قال: أولئك قريش. كانوا يقولون نحن أولى النّاس بالبيت. ولا يفيضون إلّا  من المزدلفة: فأمرهم اللّه أن يفيضوا من عرفة.

و عن رفاعة ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام. قال سألته عن قول اللّه: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ. قال: إنّ أهل الحرم كانوا يقفون على المشعر الحرام ويقف النّاس بعرفة ولا يفيضون حتّى يطلع عليهم أهل عرفة. وكان رجل يكنّى أبا سيّار. وكان له حمار فاره. وكان يسبق أهل عرفة. فإذا طلع عليهم قالوا: هذا أبو سيّار. ثمّ أفاضوا. فأمرهم اللّه  أن يقفوا بعرفة وأن يفيضوا منه.

و عن معاوية بن عمّار ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ. قال: هم أهل اليمن.

و في روضة الكافي : ابن محبوب، عن عبد اللّه بن غالب، عن أبيه، عن سعيد بن المسيّب قال: سمعت عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- يقول: إنّ رجلا جاء إلى أمير المؤمنين- عليه السّلام- فقال: أخبرني إن كنت عالما، عن النّاس وعن أشباه النّاس وعن النّسناس.

فقال أمير المؤمنين- عليه السّلام: يا حسين! أجب الرّجل.

فقال الحسين- عليه السّلام: أمّا قولك أخبرني عن النّاس، فنحن النّاس.

و لذلك قال اللّه- تبارك وتعالى ذكره- في كتابه: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ.

 

فرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- الّذي أفاض بالنّاس. وأمّا قولك عن  أشباه النّاس،فهم شيعتنا. وهم موالينا. وهم منّا. ولذلك قال إبراهيم- عليه السّلام: فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي. وأمّا قولك عن  النّسناس، فهم السّواد الأعظم. وأشار بيده إلى جماعة النّاس. ثمّ قال: إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا.

 

وَ اسْتَغْفِرُوا اللَّهَ من جاهليّتكم في تغيير المناسك.

إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ : يغفر ذنب المستغفر وينعم عليه.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال في حديث طويل: ونزل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- بمكّة بالبطحا، هو وأصحابه. ولم ينزلوا الدّور. فلمّا كان يوم التّروية عند زوال الشّمس، أمر النّاس أن يغتسلوا ويهلّوا بالحجّ. وهو قول اللّه تعالى الّذي أنزل اللّه تعالى على نبيّه- صلّى اللّه عليه وآله : فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ. فخرج النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- وأصحابه مهلّين بالحجّ، حتّى أتى منّى. فصلّى الظّهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والفجر ثمّ غدا والنّاس معه.

و كانت قريش تفيض من المزدلفة. وهي جمع. ويمنعون النّاس أن يفيضوا منها. فأقبل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وقريش ترجو أن يكون  إفاضته من حيث كانوا يفيضون. فأنزل اللّه تعالى: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ، يعني:

إبراهيم وإسماعيل وإسحاق في إفاضتهم منها ومن كان بعدهم.

فلمّا رأت قريش أنّ قبّة رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قد مضت كأنّه دخل في أنفسهم شي‏ء للّذي كانوا يرجون من الإفاضة  من مكانهم حتّى انتهى إلى نمرة وهي بطن عرنة بحيال الأراك. فضربت قبّته. وضرب النّاس أخبيتهم عندها. فلمّا زالت الشّمس خرج رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ومعه قريش وقد اغتسل وقطع التّلبية حتّى وقف بالمسجد. فوعظ النّاس. وأمرهم. ونهاهم ثمّ صلّى الظّهر والعصر بأذان وإقامتين. ثمّ مضى إلى الموقف. فوقف به. فجعل النّاس يبتدرون  أخفاف ناقته يقفون إلى‏جانبها. فنحّاها. ففعلوا مثل ذلك. فقال: أيّها النّاس! ليس موضع أخفاف ناقتي بالموقف.

و لكن هذا كلّه.

و أو مأبيده إلى الموقف. فتفرّق النّاس. وفعل مثل ذلك بالمزدلفة. فوقف النّاس حتّى وقع قرص الشّمس. ثمّ أفاض. وأمر النّاس بالدّعة حتّى انتهى إلى المزدلفة. وهي المشعر الحرام.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى، عن معاوية بن عمّار قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام: إنّ المشركين كانوا يفيضون من قبل أن تغيب الشّمس. فخالفهم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله.

و أفاض  بعد غروب الشّمس.

قال: وقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام: إذا غربت الشّمس فأفض مع النّاس.

و عليك السّكينة والوقار. وأفض بالاستغفار. فان اللّه- عزّ وجلّ- يقول: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.

 

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ: فإَذا أدّيتم العبادات الحجّيّة وفرغتم منها، فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ:

فأكثروا ذكره. وبالغوا فيه، كما تفعلون بذكر آبائكم في المفاخرة.

أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً:

إمّا مجرور معطوف على «الذّكر» بجعل الذّكر ذاكرا على المجاز. والمعنى: فاذكروا اللّه ذكرا، كذكركم آبائكم، أو كذكر أشدّ منه وأبلغ.

أو على ما أضيف إليه بمعنى: أو كذكر قوم أشدّ منكم ذكرا، وإمّا منصوب بالعطف على آبائكم. وذكر من فعل المذكور بمعنى: أو كذكركم أشدّ مذكورا من آبائكم.

أو بمضمر دلّ عليه المعنى، تقديره: أو كونوا أشدّ ذكرا للّه منكم لآبائكم.

في الكافي : أبو عليّ الأشعريّ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان بن يحيى، عن‏

 منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- سبحانه وتعالى: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ قال: هي أيّام التّشريق. كانوا إذا أقاموا بمنى بعد النّحر تفاخروا.

فقال الرّجل منهم: كان أبي يفعل كذا وكذا. فقال اللّه تعالى: فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ ... فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً.

 

قال: والتّكبير، اللّه أكبر. اللّه أكبر. لا إله إلّا اللّه. واللّه أكبر.

اللّه أكبر. وللّه الحمد. اللّه أكبر على ما هدانا. اللّه أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام.»

و في مجمع البيان : كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ معناه ما روى عن أبي جعفر الباقر- عليه السّلام- أنّهم كانوا إذا فرغوا من الحجّ يجتمعون  هناك. ويعدّون مفاخر آبائهم ومآثرهم. ويذكرون أيّامهم القديمة وأياديهم الجسيمة. فأمرهم اللّه سبحانه أن يذكروه مكان ذكر آبائهم في هذا الموضع أو أشدّ ذكرا ويزيدوا على ذلك بأن يذكروا نعم اللّه سبحانه ويعدّوا آلاءه ويشكروا نعمائه. لأنّ آباءهم وإن كانت لهم عليهم أياد ونعم.

فنعم اللّه سبحانه عليهم أعظم وأياديه عندهم أفخم. ولأنّه سبحانه المنعم. لتلك المآثر والمفاخر على آبائهم وعليهم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً قال:

كانت العرب إذا وقفوا بالمشعر يتفاخرون بآبائهم فيقول: «لا وأبيك. لا وأبي.» فأمرهم  اللّه لأن يقولوا: «لا واللّه. وبلى واللّه.»

و في تفسير العيّاشيّ : عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- مثله، بدون لفظ «يتفاخرون بآبائهم.»

فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: تفصيل للذّاكرين إلى مقلّ لا يطلب بذكر اللّه إلّا الدّنيا ومكثر يطلب به خير الدّارين. أريد به الحثّ على الإكثار والإرشاد إليه.

رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا: اجعل ايتاءنا في الدّنيا.

وَ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ ، أي: نصيب وحظّ. لأنّ همّه مقصوربالدّنيا، أو من طلب خلاق.