سورة البقرة الآية 201-220

وَ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً: السّعة في الرّزق والمعاش وحسن، الخلق.

وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً: برضوان اللّه والجنّة.

وَ قِنا عَذابَ النَّارِ : بالعفو والمغفرة.

أُولئِكَ: إشارة إلى الفريق الثّاني أو إليهما.

لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا، أي من جنسه. وهو جزاؤه، أو من أجله، كقوله: مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا، أو ممّا دعوا به نعطيهم منه، ما قدرنا. فسمّى الدّعاء كسبا، لأنّه من الأعمال.

وَ اللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ : يحاسب العباد على كثرتهم وكثرة أعمالهم في مقدار لمحة، أو يوشك أن يقيم القيامة ويحاسب النّاس، فبادروا إلى الطّاعات واكتساب الحسنات.

في كتاب معاني الأخبار : حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل- رحمه اللّه- قال حدّثنا عبد اللّه بن جعفر الحميريّ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن جميل بن صالح، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ- رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً قال: رضوان اللّه والجنّة في الآخرة. والسّعة في الرّزق والمعاش وحسن الخلق في الدّنيا.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير وصفوان بن يحيى، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: طف البيت سبعة أشواط. وتقول في الطّواف: اللّهمّ إنّي أسألك- إلى أن قال عليه السّلام- وتقول فيما بين الرّكن اليمانيّ والحجر الأسود: رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ.

  

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النّضر بن سويد، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: يستحبّ أن تقول بين‏

الرّكن والحجر: اللّهمّ آتنا في الدّنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النّار.

و قال: إنّ ملكا موكّلا يقول آمين.

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ- رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً: رضوان اللّه في الجنّة في الآخرة. والمعاش وحسن الخلق في الدّنيا.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه وعليّ بن محمّد القاساني، جميعا عن القسم بن محمّد، عن سليمان بن داود المنقريّ، عن سفيان بن عيينة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سأل رجل أبي بعد منصرفه من الموقف. فقال: أ ترى يخيّب اللّه هذا الخلق كلّه؟

فقال أبي: ما وقف بهذا الموقف أحد إلّا غفر اللّه له، مؤمنا كان أو كافرا، إلّا أنّهم في مغفرتهم، على ثلاث منازل مؤمن غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر. وأعتقه اللّه من النّار.

و ذلك قوله تعالى: رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ.

 

و سنذكر تتمّة الحديث إن شاء اللّه.

و في كتاب الاحتجاج ، للطّبرسيّ- رحمه اللّه- روى عن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسن بن عليّ، عن أبيه- عليهم السّلام- قال: بينما رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- جالس إذ سأل عن رجل من أصحابه. فقالوا: يا رسول اللّه! إنّه قد صار في البلاء كهيئة الفرخ. لا ريش  عليه.

فأتاه- عليه السّلام. فإذا هو كهيئة الفرخ. لا ريش عليه  من شدّة البلاء.

فقال له: قد كنت تدعو في صحّتك دعاء.

قال: نعم كنت أقول: يا ربّ أيّما عقوبة أنت معاقبي بها في الآخرة، فعجّلها لي في الدّنيا.

فقال له النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله: ألا قلت: اللّهمّ آتنا في الدّنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النّار؟.فقالها الرجل . فكأنّما نشط من عقال. وقام صحيحا. وخرج معنا.

و الحديث طويل. أخذنا منه موضع الحاجة.

و في مجمع البيان : وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ. ورد في الخبر أنّه سبحانه يحاسب الخلائق كلّهم في مقدار لمح البصر، وروي روي بقدر حلب شاة. وروي عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- أنّه قال: معناه أنّه يحاسب الخلائق دفعة كما يرزقهم دفعة.

وَ اذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ. في أدبار الصّلوات في أيّام التّشريق.

في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ- وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ، قال: التّكبير في أيّام التّشريق من صلاة الظّهر، من يوم النّحر، إلى صلاة الفجر من يوم الثّالث. وفي الأمصار عشر صلوات. فإذا نفر بعد الأولى أمسك أهل الأمصار. ومن أقام بمنى فصلّى بها الظّهر والعصر، فليكبّر.

و في كتاب معاني الأخبار : أبي- رحمه اللّه- قال: حدّثنا محمّد بن أحمد بن عليّ بن الصّلت، عن عبد اللّه بن الصّلت، عن يونس بن عبد الرّحمن، عن المفضّل بن صالح، عن زيد الشّحّام، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ- وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ قال: المعلومات والمعدودات، واحدة. وهو أيّام التّشريق.

و قد سبق من الأخبار ما يدلّ على صورة التّكبير.

فَمَنْ تَعَجَّلَ النّفر، فِي يَوْمَيْنِ، أي: نفر في ثاني أيّام التّشريق، فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ باستعجاله.

وَ مَنْ تَأَخَّرَ في النّفر حتّى رمى اليوم الثّالث، فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ بتأخيره.

و معنى نفي الإثم بالتّعجيل والتّأخير، التّخيير بينهما والرّدّ على أهل الجاهليّة. فإنّ منهم من أثّم المستعجل، ومنهم من أثّم المتأخّر.

لِمَنِ اتَّقى، أي: الّذي ذكر من التّخيير لمن اتّقى الصّيد. فإنّ من لم يتّق الصّيدليس له التّخيير. بل يتعيّن عليه التّأخير.

في تهذيب الأحكام : محمّد بن عيسى، عن محمّد بن يحيى، عن حمّاد، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إذا أصاب المحرم الصّيد فليس له أن ينفر في النّفر الأوّل. ومن نفر في النّفر الأوّل، فليس له أن يصيب الصّيد، حتّى ينفر النّاس. وهو قول اللّه:

فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ... لِمَنِ اتَّقى. قال: اتّقى الصّيد.

عن محمّد بن عيسى ، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ، عن أحدهما- عليهما السّلام- أنّه قال في رجل بعث بثقله يوم النّفر الأول وأقام هو إلى الأخير قال: هو ممّن تعجّل في يومين.

و في من لا يحضره الفقيه : وروى معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سمعته يقول في قول اللّه- عزّ وجلّ- فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى، فقال: يتّقي الصّيد حتّى ينفر أهل منى في النّفر الأخير.

و في رواية ابن محبوب ، عن أبي جعفر الأحول، عن سلام بن المستنير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- أنّه قال: لِمَنِ اتَّقى الرّفث والفسوق والجدال وما حرّم اللّه في إحرامه.

و في رواية عليّ بن عطيّة ، عن أبيه، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: لِمَنِ اتَّقى اللّه- عزّ وجلّ.

و روى  أنّه يخرج من ذنوبه كهيئة يوم ولدته أمّه.

و روى من وفى وفى اللّه له .

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه وعليّ بن محمّد القاسانيّ، جميعا، عن القسم بن محمّد، عن سليمان بن داود المنقرىّ، عن سفيان ابن عيينة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سأل رجل أبي بعد منصرفه من الموقف. فقال: أ ترى يخيّب اللّه هذا الخلق كلّه؟فقال أبي: ما وقف بهذا الموقف أحد إلّا غفر اللّه له، مؤمنا كان أو كافرا، إلّا أنّهم في مغفرتهم على ثلاث منازل- إلى قوله- ومنهم من غفر اللّه له ما تقدّم من ذنبه، وقيل له أحسن فيما بقي من عمرك. وذلك قوله تعالى: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ، يعني: من مات قبل أن يمضي فلا إثم عليه. ومن تأخّر فلا إثم عليه لمن اتّقى الكبائر.

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن داود بن النّعمان، عن أبي أيّوب قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام: إنّا نريد أن نتعجّل السّير وكانت ليلة النّفر حين سألته، فأي ساعة ننفر؟

فقال لي: أمّا اليوم الثّاني فلا تنفر حتّى تزول الشّمس وكانت ليلة النّفر. وأمّا اليوم الثّالث، فإذا ابيضّت الشّمس فانفر على بركة اللّه. فإنّ اللّه تعالى يقول: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ. فلو سكت لم يبق أحد إلّا تعجّل. ولكنّه قال: وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ.

حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن أحمد بن الحسن الميثميّ، عن معاوية بن وهب، عن إسماعيل بن نجيح  الرّماح قال كنّا عند أبي عبد اللّه- عليه السّلام- بمنى ليلة من اللّيالي. فقال: ما يقول هؤلاء؟ فيمن  تعجّل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخّر فلا إثم عليه.

قلنا: ما ندري.

قال: بلى. يقولون: من تعجّل من أهل البادية، فلا إثم عليه. ومن تأخّر من أهل الحضر، فلا إثم عليه. وليس كما يقولون. قال اللّه- جلّ ثناؤه- فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ. ألا لا إثم عليه. وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ. ألا لا إثم عليه. لِمَنِ اتَّقى. إنّما هي لكم. والنّاس سواد. وأنتم الحاجّ.

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن عبد الأعلى قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام: كان أبي يقول: «من أمّ هذاالبيت حاجّا أو معتمرا مبرّا من الكبر، رجع من ذنوبه كهيئة يوم ولدته أمّه.» ثمّ قرأ: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ. وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى.

 

قلت: ما الكبر؟

قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله: إنّ أعظم الكبر غمص الخلق وسفه الحقّ.

قلت: ما غمص الخلق وسفه الحقّ؟

قال: يجهل الحقّ ويطعن على أهله. فمن فعل ذلك نازع اللّه رداءه.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى قال: يرجع لا ذنب له.

و في كتاب معاني الأخبار : حدّثنا أبى- رحمه اللّه- قال: حدّثنا الحسن بن محمّد بن عامر، عن أبي عبد اللّه بن عامر، عن محمّد بن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن عبد اللّه بن عليّ [الحلبيّ‏] ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ- فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى قال: يرجع ولا ذنب له.

و الحديث طويل. أخذنا منه موضع الحاجة.

و في تفسير العيّاشيّ : عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ العبد المؤمن حين يخرج من بيته حاجّا لا يخطو خطوة ولا تخطو به راحلته إلّا كتب اللّه له بها حسنة ومحى عنه سيّئة ورفع له بها درجة. فإذا وقف بعرفات، فلو كانت ذنوبه عدد الثّرى، رجع كما ولدته أمّه.

فقال له: استأنف العمل. يقول اللّه: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى.

 

عن أبي حمزة الثّماليّ  عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ. (الآية) قال: أنتم، واللّه! هم. إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-قال: لا يثبت على ولاية عليّ- عليه السّلام- إلّا المتّقون.

عن حمّاد، عنه، في قوله: لِمَنِ اتَّقى الصّيد. فإن ابتلى بشي‏ء من الصّيد، ففداه، فليس له أن ينفر في يومين.

وَ اتَّقُوا اللَّهَ في مجامع أموركم ليعبأ بكم.

وَ اعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ  للجزاء بعد الإحياء.

و أصل الحشر، الجمع. وهو ضمّ المتفرّق.

وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ: يروقك ويعظم في نفسك.

و «التعجب» حيرة تعرض الإنسان لجهله بسبب المتعجّب منه.

فِي الْحَياةِ الدُّنْيا:

متعلّق بالقول، أي: ما يقول في أمور الدّنيا وأسباب المعاش وفي معنى الدّنيا. فإنّها مرادة من ادّعاء المحبّة وإظهار الإيمان، أو يعجبك، أي: يعجبك قوله في الدّنيا حلاوة وفصاحة. ولا يعجبك في الآخرة لما يعتريه من الدّهشة والحبسة، أو لأنّه لا يؤذن له في الكلام.

وَ يُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ: يحلف. ويشهد اللّه على أنّ ما في قلبه موافق لكلامه.

وَ هُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ : شديد العداوة والجدال للمسلمين.

و «الخصام»، المخاصمة. ويجوز أن يكون جمع خصم، كصعب وصعاب، بمعنى أشدّ الخصوم خصومة.

 [قيل : نزلت في الأخنس بن شريف الثّقفيّ. وكان حسن المنظر، حلو المنطق.

يوالي رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله. ويدّعي الإسلام.

و قيل : في المنافقين كلّهم.

وَ إِذا تَوَلَّى: أدبر وانصرف عنك.

و قيل : إذا غلب وصار واليا.

سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ كما فعل الأخنس بثقيف،إذ بيّتهم وأحرق ذروعهم وأهلك مواشيهم، أو كما يفعله ولاة السّوء بالقتل والإتلاف، أو بالظّلم حتّى يمنع. بشؤمتهم القطر، فيهلك الحرث والنّسل.

وَ اللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ : لا يرتضيه. فاحذروا غضبه عليه.

 «النسل»، الذّرّيّة. و«الحرث»، الزرع.

عن سعد الإسكاف ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ اللّه يقول في كتابه:

وَ هُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ بل هم يختصمون.

قال: قلت: وما ألدّ؟

قال: [شديد]  الخصومة.

عن زرارة ، عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه- عليهما السّلام- قال: سألتهما عن قوله وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ (إلى آخر الآية).

فقال: «النّسل»، الولد و«الحرث»، الأرض.

و قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام: «الحرث»، الذّرّية.

و في روضة الكافي : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن محمّد بن سليمان الأزديّ، عن أبي الجارود، عن أبي إسحاق، عن أمير المؤمنين- عليه السّلام: وإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ بظلمه وسوء سيرته. وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ.

 

و في مجمع البيان : روى عن الصّادق- عليه السّلام: أنّ «الحرث» في هذا الموضع، الدّين و«النّسل»، النّاس.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: «الحرث» في هذا الموضع الدّين و«النّسل»، النّاس. ونزلت في معاوية.وَ إِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ: حملته الأنفة على الإثم. وألزمته إيّاه، من قولك: أخذته بكذا، حملته عليه.

فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ كفته جزاء وعذابا.

و «جهنم» علم لدار العقاب، غير متصرّف للتّأنيث والعلميّة. وهو في الأصل مرادف للنّار. وقيل : معرب.

وَ لَبِئْسَ الْمِهادُ :

جواب قسم مقدّر. والمخصوص بالذّمّ، محذوف للعلم به.

و «المهاد»، الفراش. وقيل : ما يوطأ للجنب.

وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ: طلبا لرضاه.

 [و في شرح الآيات الباهرة :]  روى الثّعلبيّ في تفسيره، قال: لمّا أراد النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- الهجرة، خلّف عليّا- عليه السّلام- لقضاء ديونه وردّ الودائع الّتي كانت عنده. وأمره ليلة خروجه إلى الغار وقد أحاط المشركون بالدّار، أن ينام على فراشه.

 

و قال له: يا عليّ! اتّشح ببردي الحضرميّ. ثمّ نم على فراشي. فإنّه لا يخلص  إليك منهم مكروه- إن شاء اللّه.

ففعل ما أمره به. فأوحى اللّه- عزّ وجلّ- إلى جبرئيل وميكائيل: انّي قد آخيت بينكما. وجعلت  عمر أحدكما أطول من الآخر. فأيّكما يؤثر صاحبه بالحياة؟

فاختار كلّ منهما الحياة. فأوصى اللّه- عزّ وجلّ- إليهما: ألا كنتما مثل عليّ بن أبي طالب. آخيت بينه وبين محمّد. فبات على فراشه يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة. اهبطا إلى الأرض. فاحفظاه من عدوّه.

فنزلا. فكان جبرئيل عند رأسه، وميكائيل عند رجليه. وجبرئيل يقول: بخ بخ من مثلك يا عليّ بن أبي طالب. يباهى اللّه بك ملائكته.

فأنزل اللّه- عزّ وجلّ- على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وهو متوجّه إلى المدينة، في شأن عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي. (الآية).و روى أخطب خوارزم حديثا يرفعه بإسناده إلى النّبي- صلّى اللّه عليه وآله- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله: نزل عليّ  جبرئيل- عليه السّلام- صبيحة يوم الغار.

فقلت: حبيبي جبرئيل! أراك فرحا؟

فقال: يا محمّد! وكيف لا أكون كذلك. وقد قرّت عيني بما أكرم اللّه به أخاك ووصيّك وإمام أمّتك عليّ بن أبي طالب.

فقلت: وبماذا أكرمه اللّه؟

قال: باهى بعباده  البارحة ملائكته وقال: ملائكتي انظروا إلى حجّتي في أرضي بعد نبيّي. وقد بذل نفسه. وعفّر خدّه في التّراب، تواضعا لعظمتي أشهدكم أنّه إمام خلقي ومولى برّيتى.

و في أمالي شيخ الطّائفة- رحمه اللّه-  بإسناده إلى حكيم بن جبير، عن عليّ بن الحسين- صلوات اللّه عليهما- في قول اللّه- عزّ وجلّ- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ، قال: نزلت في عليّ- عليه السّلام- حين بات على فراش رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله.

و بإسناده  إلى سعيد بن أوس، قال: كان أبو عمرو بن العلا إذا قرأ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ قال: كرّم اللّه عليّا- عليه السّلام- فيه، نزلت هذه الآية.

و بإسناده  إلى أنس بن مالك، قال: لمّا توجّه رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إلى الغار ومعه أبو بكر، أمر النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- عليّا- عليه السّلام- أن ينام على فراشه ويتغشّى ببرده . فبات عليّ- عليه السّلام- موطّنا نفسه على القتل. وجاءت رجال قريش من بطونها، يريدون قتل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فلمّا أرادوا أن يضعوا عليه أسيافهم لا يشكّون أنّه محمّد- صلّى اللّه عليه وآله. فقالوا: أيقظوه ليجد ألم القتل .فلمّا أيقظوه فرأوه  عليّا، تركوه. فتفرّقوا في طلب رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله.

فأنزل اللّه- عزّ وجلّ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ، قال: ذاك أمير المؤمنين- عليه السّلام. ومعنى يَشْرِي نَفْسَهُ، يبذلها.

و في مجمع البيان : روى السّديّ، عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- حين هرب النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- من المشركين إلى الغار ونام [عليّ‏]  (ع) على فراش النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله. ونزلت الآية بين مكّة والمدينة.

و روى  أنّه لمّا نام على فراشه، قام (جبرئيل) عند رأسه وميكائيل عند رجليه.

و جبرئيل ينادي: بخ بخ من مثلك يا عليّ بن ابى طالب . يباهي اللّه تعالى الملائكة بك.

و ما روى عن عليّ- عليه السّلام- من أنّ المراد  بالآية الرّجل [الّذي‏]  يقتل على الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر

، فلا ينافي ما سبق من الأخبار. لأنّ ما ذكر في الأخبار، سبب نزوله أوّلا، ثمّ جرى فيمن يشاركه في بعض أوصافه ممّن ذكر في هذا الخبر.

و قد روى في كتاب الخصال ، عن الحسن بن عليّ الدّيلميّ مولى الرّضا- عليه السّلام- قال سمعت الرّضا- عليه السّلام- يقول: من حجّ بثلاثة نفر من المؤمنين فقد اشترى نفسه من اللّه- عزّ وجلّ- بالثّمن. ولم يسأله من اين كسب ماله؟ من حلال أو حرام؟

وَ اللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ  حيث أرشدهم إلى مثل هذا الشّراء ويجازيهم عليه الجزاء.

و ورد في تفسير الامام أبي محمّد الحسن بن عليّ العسكريّ- صلوات اللّه عليهما - قال- عليه السّلام: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله: معاشر عباد اللّه! عليكم بخدمة من أكرمه اللّه بالارتضاء واجتباه بالاصطفاء وجعله أفضل أهل الأرض والسّماء، بعد محمّد سيّد الأنبياء، علىّ بن أبي طالب وبموالاة أوليائه ومعاداة أعدائه وقضاء حقوق إخوانكم الّذين هم في موالاته ومعاداة أعدائه شركاؤكم. فإنّ رعاية عليّ أحسن من رعاية هؤلاء التّجّار الخارجين بصاحبكم الّذي ذكرتموه إلى الصّين الّذي عرضوه للغناء وأعانوه بالشّراء. أما إنّ من الشّيعة عليّ لمن يأتي يوم القيامة وقد وضع له في كفّة الميزان، سيّئاته من الآثام ما هو أعظم من الجبال الرّواسي والبحار السّيّارة، يقول الخلائق: «قد هلك هذا العبد»، فلا يشكّون في أنّه من الهالكين وفي عذاب اللّه تعالى من الخالدين.

فيأتيه النّداء من قبل اللّه تعالى- عزّ وجلّ: أيّها العبد الجاني هذه الذّنوب الموبقات! فهل لك بإزائها حسنات تكافئها فتدخل جنّة اللّه برحمة اللّه أو تزيد عليها فتدخلها بوعد اللّه؟

فيقول العبد: لا أدري.

فيقول منادي: ربّنا عزّ وجلّ. فإنّ ربّي يقول: نار في عرصات القيمة، ألا وإنّي فلان بن فلان من أهل بلد كذا وكذا وقرية كذا وكذا قد رهنت بسيّئاتي كأمثال الجبال والبحار ولا حسنات لي بإزائها. فأيّ أهل المحشر كان لي عنده يد او عارفة فليغثني بمجازاتي عنها فهذا أوان شدّة حاجتي إليها؟

فينادي الرّجل بذلك.

فأوّل من يجيبه عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام: لبيك! لبيك! أيّها الممتحن في محبّتي المظلوم بعد، أوتي! ثمّ يأتي هو ومعه عدد كثير وجمّ غفير وإن كانوا أقل عدد من خصمائه الّذين لهم قبله الظّلامات. فيقول العدد: يا أمير المؤمنين! نحن إخوانه المؤمنون. وقد كان بنا بارّا ولنا مكرما وفي معاشرته إيّانا مع كثرة إحسانه إلينا متواضعا وقد بذلنا  له عن جميع طاعتنا.

و بذلناها له.فيقول عليّ- عليه السّلام: فبما ذا تدخلون جنّة ربّكم؟

فيقولون: برحمة اللّه الواسعة الّتي لا يعدمها من والاك ووالى وليّك، يا أخا رسول اللّه! فيأتي النّداء من قبل اللّه تعالى: يا أخا رسول اللّه! هؤلاء إخوانه المؤمنون قد بذلوا له. فأنت ما ذا تبذل له. فإنّي أنا الحكم أمّا ما بيني وبينه من الذنوب، فقد غفرتها له بموالاته إيّاك. وما بينه وبين عبادي من الظّلامات، فلا بدّ من فصل الحكم بينه وبينهم.

فيقول عليّ- عليه السّلام: يا ربّ! افعل ما تأمرني.

فيقول اللّه تعالى: يا عليّ! اضمن لخصمائه تعويضهم عن ظلاماتهم قبله.

فيضمن لهم عليّ- عليه السّلام- ذلك. ويقول لهم اقترحوا عليّ. ما شئتم أعطيكم عوضا عن ظلاماتكم.

فيقولون: يا أخا رسول اللّه! تجعل لنا بإزاء ظلاماتنا قبله ثواب نفس من أنفاسك ليلة بيتوتتك على فراش محمّد رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله.

فيقول عليّ- عليه السّلام: قد وهبت ذلك لكم.

فيقول اللّه- عزّ وجلّ: فانظروا عبادي الآن إلى ما نلتموه من عليّ فداء لصاحبه من ظلاماتكم ويظهر لهم ثواب نفس واحد في الجنان من عجائب قصورها وخيراتها.

فيكون ذلك ما يرضي اللّه- عزّ وجلّ- به خصماءه المؤمنين. ثمّ يريهم بعد ذلك من الدّرجات والمنازل ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

فيقولون: يا ربّنا! هل بقي من جنتك شي‏ء إذا كان هذا كلّه لنا؟ فأين يحل سائر عبادك المؤمنين والأنبياء والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين؟

و يخيّل إليهم عند ذلك أنّ الجنّة بأسرها قد جعلت لهم.

فيأتي النّداء من قبل اللّه تعالى: يا عبادي! هذا ثواب نفس من أنفاس علىّ الّذي اقترحتموه عليه جعلته لكم. فخذوه وانظروا.

فيصيّرونهم  وهذا المؤمن الّذي عوض عليّ- عليه السّلام- عنه، إلى تلك الجنان ثمّ يرون ما يضيفه اللّه- عزّ وجلّ- إلى ممالك عليّ- عليه السّلام- في الجنان ما هو أضعاف ما بذله عن وليّه وليّ الموالي ممّا شاء اللّه- عزّ وجلّ- من الأضعاف الّتي لا يعرفها غيره.ثمّ قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله: أَ ذلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ  المعدّة لمخالفي أخي ووصيّي عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً:

 «السلم» (بالكسر والفتح): الاستسلام والطاعة. ولذلك يطلق في الصّلح والإسلام.

فتحه ابن كثير ونافع والكسائيّ. والباقون كسروه .

 «كافّة» اسم للجملة. لأنّها تكفّ الأجزاء عن التفرّق. حال من الضّمير، أو السّلم. لأنّها تؤنّث كالحرب.

و المراد بها ولاية أمير المؤمنين والأئمّة- عليهم السّلام- كما سيجي‏ء. والخطاب للمؤمنين باللّه والرّسول.

وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ بالتّفرّق والتّفريق.

إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ : ظاهر العداوة.

في أصول الكافي : الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسين بن عليّ الوشّاء، عن مثنّى الخياط، عن عبد اللّه بن عجلان، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ قال: في ولايتنا.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً، قال: في ولاية أمير المؤمنين- عليه السّلام.

و في أمالي شيخ الطّائفة، بإسناده إلى محمّد بن إبراهيم، قال: سمعت الصّادق، جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- يقول في قوله تعالى: ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً، قال: في ولاية عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام. وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ [قال لا تتّبعوا غيره.

و في تفسير العيّاشيّ . عن أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام-

 يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً]  وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ قال:

أ تدري ما السّلم؟

قال: قلت: لا أعلم .

قال: ولاية عليّ والأئمّة الأوصياء من بعده.

عن زرارة وحمران ومحمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه- عليهما السّلام- قالوا: سألناهما عن قول اللّه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً.

 

قالا: أمروا بمعرفتنا.

عن جابر ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ قال: «السّلم»، هم آل محمّد- صلّى اللّه عليه وآله. أمر اللّه بالدّخول فيه .

عن أبي بكر الكلبيّ، عن أبي جعفر، عن أبيه- عليهما السّلام- في قوله: ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً، هو ولايتنا.

عن سعدة بن صدقة ، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام: وقد ذكر عترة خاتم النّبيّين والمرسلين وهم باب السّلم فادخلوا في السلم ولا تتّبعوا خطوات الشّيطان.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و روى الشّيخ أبو جعفر بن بابويه- ره- في أماليه ، عن محمّد بن القطّان، بإسناده عن عليّ بن بلال، عن الإمام عليّ بن موسى، عن موسى بن جعفر عن جعفر بن محمّد، عن محمّد بن عليّ، عن عليّ بن الحسين، عن الحسين بن عليّ، عن عليّ بن أبي طالب، عن النّبيّ- عليهم السّلام- عن جبرئيل، عن ميكائيل، عن إسرافيل، عن اللّوح عن القلم قال: يقول اللّه- تبارك وتعالى: ولاية عليّ بن أبي طالب حصني. ومن‏دخل حصني أمن من ناري.

 [و في شرح الآيات الباهرة : ذكر الحسن بن الحسن الدّيلميّ - رحمه اللّه- بإسناده عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً قال: «السّلم»، ولاية أمير المؤمنين وولاية أولاده- صلوات اللّه عليهم أجمعين.]

 

فَإِنْ زَلَلْتُمْ عن الدّخول في السّلم، مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ: الآيات والحجج على أنّه الحقّ، فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ لا يعجزه الانتقام، حَكِيمٌ  لا ينتقم إلا على الحقّ.

هَلْ يَنْظُرُونَ: استفهام في معنى النّفي. ولذلك جاء بعده.

إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ، أي: يأتيهم أمره، أو بأسه، أو يأتيهم اللّه بأمره، أو بأسه.

فحذف المأتيّ به للقرينة.

فِي ظُلَلٍ: جمع ظلّة، كقلّة وقلل. وهي ما أظلّك. وقرئ ظلال، كقلال.

مِنَ الْغَمامِ: السّحاب الأبيض.

و إنّما يأتيهم العذاب فيه، لأنّه مظنّة الرّحمة. فإذا جاء منه العذاب، كان أفظع.

لأنّ الشّرّ إذا جاء من حيث لا يحتسب كان أصعب. فكيف إذا جاء من حيث يحتسب الخير.

وَ الْمَلائِكَةُ فإنّهم الواسطة في إتيان أمره والآتون على الحقيقة ببأسه.

و قرئ بالجرّ عطفا على ظلل، أو الغمام.

و في عيون الأخبار : محمّد بن أحمد بن إبراهيم المعاذي ، قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي الهمدانيّ، قال: حدّثنا عليّ بن الحسن بن عليّ بن فضال، عن أبيه، قال: سألت الرّضا- عليه السّلام- إلى أن قال: وسألته عن قول اللّه تعالى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ.

 قال: يقول: هل ينظرون إلى أن يأتيهم [اللّه‏]  بالملئكة في ظلل من الغمام.

و هكذا نزلت.

و أمّا ما روى [في تفسير العيّاشيّ ]  عن جابر قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام- في قوله تعالى: فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ قال: «ينزل في سبع قباب  من نور لا يعلم في ايّها هو حين ينزل في ظهر الكوفة، فهذا حين ينزل»، فيمكن أن يكون المراد منه بيان كيفيّة نزول أمره حينئذ. ويكون فاعل «نزل» الملك الموكّل بالأمر.

وَ قُضِيَ الْأَمْرُ: اتمّ أمر إهلاكهم وفرغ منه.

وضع الماضي موضع المستقبل، لدنوّه وتيقّن وقوعه.

و قرئ «و قضاء الأمر» عطفا على الملائكة

 [و في تفسير العيّاشي :]  عن أبي حمزة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في حديث طويل وفي آخره: وأمّا قضاء الأمر فهو الوسم على الخرطوم، يوم يوسم الكافر.

وَ إِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ :

قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمر وعاصم بالبناء للمفعول. وعلى أنّه من الرّجع. وقرأ الباقون على البناء للفاعل بالتّأنيث، غير يعقوب، على أنّه من الرّجوع. وقرئ، أيضا.

بالتّذكير وبناء المفعول.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن محمّد بن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن عمرو بن شيبة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سمعته يقول ابتداء منه: إنّ اللّه إذا بدا له أن يبين خلقه ويجمعهم لما لا بدّ منه، أمر مناديا ينادي. فاجتمع الجنّ والإنس في أسرع من طرفة عين. ثمّ أذن لسماء الدّنيا. فتنزل. وكان من وراء النّاس. وأذن للسّماء الثّانية. فتنزل. وهي ضعف الّتي تليها.

فإذا رآها أهل سماء الدّنيا قالوا: جاء ربّنا.

قالوا: لا. وهوآت، يعني: أمره. حتّى تنزل. كلّ سماء يكون كلّ واحدة منها من‏وراء الأخرى. وهي ضعف الّتي يليها. ثمّ ينزل أمر اللّه في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر وإلى ربّكم ترجع الأمور.

ثمّ يأمر اللّه مناديا ينادي: يا معشر الجنّ والإنس! إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ .

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ:

أمر للرّسول، أو لكلّ أحد. والمراد بهذا السّؤال تقريعهم.

كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ: معجزة ظاهرة، أو آية في الكتب شاهدة على الحقّ والصّواب على أيدي الأنبياء.

و «كم» خبريّة أو استفهاميّة مقرّرة. ومحلها النّصب على المفعوليّة، أو الرّفع بالابتداء على حذف العائد من الخبر وآية مميّزها.

و «من» للفصل.

وَ مَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ، أي: آياته. فإنّها سبب الهدى الّذي هو أجلّ النّعم بجعلها سبب الضّلالة وازدياد الرّجس، أو بالتّحريف والتّأويل الزّائغ.

و من جملة نعم اللّه العظمى، ولاية أمير المؤمنين- عليه السّلام- والأئمّة الأوصياء من بعده.

مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ: من بعد ما وصلت إليه وتمكّن من معرفتها.

فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ : فيعاقبه أشدّ عقوبة. لأنّه ارتكب أشدّ جريمة.

و في روضة الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عليّ بن أسباط، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ بولاية الشّياطين عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ. ويقرأ ايضا،: سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ فمنهم من آمن ومنهم من جحد ومنهم من أقرّ ومنهم من بدّل. وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ.

 

زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا: حسنت في أعينهم وأشربت  محبّتها في قلوبهم‏حتّى تهالكوا عليها وأعرضوا عن غيرها.

و في وصفهم بالكفر، إشعار بأنّ لذلك الوصف دخلا في التّزيين. وهو كذلك لأنّهم بسبب دين الكفر وقساوته صارت طبائعهم أميل إلى ما تشتهيه القوّة الحيوانيّة وغفلوا عن المثوبات الأخرويّة.

 [و في مجمع البيان : زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا، فإنّ الإنسان إنّما يكلّف بأن يدعى إلى شي‏ء تنفر نفسه عنه، أو يزجر عن تتوق شي‏ء نفسه إليه. وهذا معنى‏

قول النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله: حفّت الجنّة بالمكاره. وحفّت النّار بالشّهوات.]

 

وَ يَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا: يريد فقراء المؤمنين، كبلال وعمّار وصهيب، أي:

يسترذلونهم، أو يستهزؤن بهم على رفضهم الدّنيا وإقبالهم على العقبى.

و «من» للابتداء. كأنّهم جعلوا السّخرية مبتدئة منهم.

وَ الَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ. لأنّهم في أعلى علّييّن وهم في أسفل السّافلين. أو لأنّهم في كرامة وهم في مذلّة. أو لأنّهم يتطاولون عليهم فيسخرون منهم كما سخروا منهم في الدّنيا. وإنّما قال: وَالَّذِينَ اتَّقَوْا، بعد قوله: الَّذِينَ آمَنُوا ليدلّ على أنّهم متّقون. وأنّ استعلاءهم للتّقوى.

وَ اللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ في الدّارين، بِغَيْرِ حِسابٍ : بغير تقدير. فيوسع في الدّنيا استدراجا، تارة، وابتلاء أخرى.

كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً: كلّهم ضلّالا، قبل نوح.

فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ:

عن كعب : الّذي علمته من عدد الأنبياء، مائة وأربعة وعشرون ألفا. والمرسل منهم، ثلاثمائة وثلاثة عشر. والمذكور في القرآن باسم العلم، ثمانية وعشرون.

وَ أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ: يريد به الجنس. ولا يريد به أنّه أنزل مع كلّ واحد كتابا يخصّه. فإنّ أكثرهم لم يكن لهم كتاب يخصّهم. وإنّما يأخذون بكتاب من قبلهم.

بِالْحَقِّ: حال من الكتاب، أي: متلبّسا بالحقّ، شاهرا به.لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ، أي: اللّه، أو النّبيّ المبعوث، أو الكتاب.

فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، أي: فيما التبس عليهم. وتخلّفوا فيه عن الحقّ.

وَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ، أي: ما اختلف في الكتاب أو الحقّ بعد إتيانه إلّا الّذين أوتوه. وصار مبدأ الخلاف ناشئا عنهم وتبعهم فيه من بعدهم، أي: عكسوا الامر فجعلوا ما أنزل، مزيحا للالتباس، سببا لاستحكامه.

مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ: حسدا بينهم وظلما لحرصهم على الدّنيا.

فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، أي: للحقّ الّذي اختلف فيه من اختلف.

مِنَ الْحَقِّ: بيان لما اختلفوا فيه.

بِإِذْنِهِ: بأمره ولطفه.

وَ اللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ : لا يضلّ سالكه.

و في روضة الكافي : حميد بن زياد، عن الحسن بن محمّد الكنديّ، عن أحمد بن عديس ، عن يعقوب بن شعيب أنّه سأل أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ: كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فقال: كان  قبل نوح أمّة ضلال فبدا للّه  فبعث المرّسلين. وليس كما يقولون. ولم يزل. وكذبوا.

و في تفسير العيّاشيّ : عن يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ: كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً قال:

كان هذا قبل نوح أمّة واحدة. فبدا للّه. فأرسل الرّسل قبل نوح. قلت: أعلى هدى كانوا أم على ضلالة؟

قال: بل كانوا  ضلالا  لا مؤمنين ولا كافرين ولا مشركين.

و عن مسعدة ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه :كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فقال: كان ذلك قبل نوح.

قيل: فعلى هدى كانوا؟

قال: لا. كانوا ضلّالا . وذلك أنّه لمّا انقرض آدم وصالح  ذرّيّته بقي شيث وصيّه لا يقدر على إظهار دين اللّه الّذي كان عليه آدم وصالح ذرّيّته وذلك أنّ قابيل توعّده  بالقتل كما قتل أخاه هابيل. فسار فيهم بالتّقيّة والكتمان. فازداد وأكل يوم ضلالا حتّى لم يبق على الأرض معهم إلّا من هو سلف. ولحق الوصيّ بجزيرة في البحر يعبد اللّه. فبدا للّه- تبارك وتعالى- أن يبعث الرّسل. ولو سئل هؤلاء الجهّال لقالوا: «قد فرغ من الأمر.»

و كذبوا. إنّما  هو شي‏ء يحكم به اللّه في كلّ عام- ثمّ قرأ : فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ.

 

- فيحكم اللّه- تبارك وتعالى- ما يكون في تلك السّنة، من شدّة، أو رخاء، أو مطر، أو غير ذلك.

قلت: أ فضلالا  كانوا قبل النّبيّين، أم على هدى؟

قال: لم يكونوا على هدى. كانوا على فطرة اللّه الّتي فطرهم عليها لا تبديل لخلق اللّه . ولم يكونوا ليهتدوا حتّى يهديهم اللّه. أما تسمع يقول إبراهيم : لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ، أي: ناسيا  للميثاق.

و أمّا ما رواه في مجمع البيان ، عن أبي جعفر الباقر- عليه السّلام- أنّه قال: «كانوا قبل نوح أمّة واحدة على فطرة اللّه، لا مهتدين ولا ضالّين . فبعث اللّه النّبيّين»

فالمراد من الضّالّ، الكافر. والمراد به في الأخبار السّابقة الّذي على الفطرة لم يهتد إلى الحقّ بالبرهان، فلا منافاة.

 [و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله: كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً قال: قبل نوح- عليه السّلام- على مذهب واحد. فاختلفوا. فبعث اللّه النّبيّين مبشّرين ومنذرين. وأنزل معهم الكتاب بالحقّ، ليحكم بين النّاس فيما اختلفوا فيه.]

أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ:

خاطب به النّبيّ والمؤمنين، بعد ما ذكر اختلاف الأمم على الأنبياء بعد مجي‏ء الآيات، تشجيعا لهم على الثّبات، مع مخالفيهم.

و «أم منقطعة». ومعناها الإنكار.

وَ لَمَّا يَأْتِكُمْ: ولم يأتكم.

قيل : وأصل «لمّا»، لم. زيدت عليها «ما.» وفيها توقّع. ولذلك جعل مقابل «قد.»

مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ، أي: حالهم الّتي هي مثل في الشّدّة.

مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ: بيان له على الاستئناف.

وَ زُلْزِلُوا، أي: أزعجوا إزعاجا شديدا بما أصابهم من الشّدائد.

حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ لتناهى الشّدّة واستطالة المدّة، بحيث تقطّعت حبال الصّبر.

و قرأ نافع يقول (بالرّفع) على أنّها حكاية حال ماضية، كقولك: مرض فلان حتّى لا يرجونه.

مَتى نَصْرُ اللَّهِ: استبطاء له لتأخّره.

أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ : استئناف على إرادة القول، أي: فقيل لهم ذلك إسعافا لهم إلى طلبتهم من عاجل النّصر.

في الخرائج والجرائح،  عن زين العابدين، عن آبائه- عليهم السّلام- قال: فما تمدّون أعينكم. ألستم آمنين؟ لقد كان من قبلكم ممّن هو على ما أنتم عليه. يؤخذ. فتقطع يده ورجله. ويصلب. ثمّ تلا : أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ. (الآية).

و في روضة الكافي: محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سيف، عن أخيه، عن أبيه، عن أبي بكر بن محمّد قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقرأ: وزلزلوا ثمّ زلزلوا حتّى يقول الرّسول.

يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ:

عن ابن عبّاس : أنّ عمرو بن الجموح الأنصاريّ كان همّا ذا مال عظيم. فقال:

يا رسول اللّه! ما ذا ننفق من أموالنا؟ وأين نضعها؟ فنزلت:

قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ:

سئل عن المنفق، فأجيب ببيان المصرف. لأنّه أهم. فإنّ اعتداد النّفقة باعتباره.

و لأنّه كان في سؤال عمرو وإن لم يكن مذكورا في الآية. ذكر بعض المصارف. ثمّ عمّم بقوله:

وَ ما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ:

 «ما»، شرطيّة.

فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ، جوابه، أي: إن تفعلوا خيرا فإنّ اللّه يعلمه ويجازي عليه.

كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ: مكروه طبعا.

و هو مصدر نعت به للمبالغة، أو فعل بمعنى المفعول كالخبر.

و قرئ بالفتح، على أنّه لغة فيه كالضّعف، أو بمعنى الإكراه، على المجاز.

وَ عَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ: حفّت الجنّة بالمكاره.

وَ عَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ: حفّت النّار بالشّهوات.

وَ اللَّهُ يَعْلَمُ ما هو خير لكم.

وَ أَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ  ذلك، أو لستم من أهل العلم.

يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ:

قال البيضاوىّ : روى أنّه- عليه الصلاة والسّلام- بعث عبد اللّه بن جحش،ابن عمّته، على سريّة، في جمادي الآخرة، قبل بدر، بشهرين، يترصّد عيرا لقريش، فيهم عمرو بن عبد اللّه الحضرميّ وثلاثة معه. فقتلوه. وأسروا اثنين واستاقوا العير. وفيها تجار الطّايف. وكان ذلك غرّة رجب وهم يظنّونه من جمادي الآخرة.

فقالت قريش: استحلّ محمّد الشّهر الحرام، شهرا يأمن فيه الخائف .

و شقّ ذلك على أصحاب السّريّة. وقالوا: ما نبرح حتّى تنزل توبتنا.

و ردّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- العير والأسارى.

و عن ابن عبّاس: لمّا نزلت، أخذ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- الغنيمة.

و هي أوّل غنيمة في الإسلام. والسّائلون هم المشركون كتبوا إليه في ذلك تشنيعا وتعييرا.

و قيل: أصحاب السّريّة.

قِتالٍ فِيهِ:

بدل اشتمال.

و قرئ: عن قتال.

قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ، أي: كبير لو لم يكن يعارضه ما هو أكبر منه.

وَ صَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، أي: المنع والصّرف عن الإسلام وما يوصل إلى اللّه.

وَ كُفْرٌ بِهِ، أي: باللّه.

وَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ، أي: وصدّ عن المسجد الحرام.

وَ إِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ: وهم النّبيّ والمؤمنون.

أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ ممّا فعلته السّريّة، خطأ بناء على الظّنّ. وهو خبر عن الأشياء الأربعة المعدودة. وإفراده بناء على تنكيره.

وَ الْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ، أي: ما ارتكبوه من الإخراج والشّرك، أفظع ممّا ارتكبوه من قتل الحضرميّ.

وَ لا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ: إخبار عن دوام عداوة الكفّار لهم وأنّهم لا ينفكّون عنها، حتّى يردّوهم عن دينهم.

و «حتّى»، للتّعليل.

إِنِ اسْتَطاعُوا: وهو استبعاد لاستطاعتهم، كقول الواثق بقوّته على قرنه: «إن‏ظفرت بي فلا تبق علىّ» وإيذان بأنّهم لا يردّونهم.

وَ مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ:

و قرئ: «حبطت» (بالفتح) وهو لغة فيه.

فِي الدُّنْيا، لبطلان ما تخيّلوه وفوات ما للإسلام من الفوائد الدّنيويّة وَالْآخِرَةِ، بسقوط الثّواب.

وَ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ، كسائر الكفرة.

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا:

قيل : نزلت في السّريّة، لما ظنّ بهم أنّهم إن سلموا من الإثم، فليس لهم أجر.

وَ الَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ:

كرّر الموصول لتعظيم الهجرة والجهاد. فكأنّهما مستقلّان في تحقيق الرّجاء.

أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ: ثوابه. أثبت لهم الرّجاء، اشعارا بأنّ العمل غير موجب ولا قاطع في الدّلالة، سيّما والعبرة بالخواتيم.

وَ اللَّهُ غَفُورٌ للكبير الّذي عارضه أكبر، رَحِيمٌ  بإجزال الأجر والثّواب.

يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ:

 «الخمر» في الأصل، مصدر خمرة، إذا ستره سمّي بها. لأنّه يخمر العقل.

في مجمع البيان : «الخمر» كلّ شراب مسكر مخالط للعقل مغطّ عليه. وما أسكر كثيره فقليله، خمر. هذا هو الظّاهر في روايات أصحابنا.

و «الميسر»، أيضا، مصدر كالموعد سمّي به القمار. لأنّه أخذ مال الغير بيسر، أو سلب يساره.

و في تفسير العيّاشيّ : عن حمدوية، عن محمّد بن عيسى قال: سمعته يقول: كتب إليه إبراهيم بن عتبه ، يعني: إلى عليّ بن محمّد- عليهما السّلام: إن رأى سيدي ومولاي أن يخبرني عن الخمر والميسر الآية. فما الميسر ؟ جعلت فداك!فكتب: كلّ ما قومر به فهو الميسر. وكلّ مسكر حرام.

و عن عامر بن السبط ، عن عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- قال: الخمر من ستّة أشياء: التّمر والزّبيب والحنطة والشّعير والعسل والذرة.

و في الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن معمّر بن خلّاد، عن أبي الحسن- عليه السّلام- قال: النّرد والشّطرنج، بمنزلة واحدة. وكل ما قومر عليه فهو ميسر.

عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد، عن ابن أبي نجران، عن مثنى الحنّاط ، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام: الشّطرنج والنّرد هما الميسر.

محمّد بن يحيى  عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن عبد الملك القمي قال: كنت أنا وإدريس أخي عند أبي عبد اللّه- عليه السّلام. فقال إدريس: جعلنا اللّه فداك! ما الميسر؟

فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام. هي الشّطرنج.

قال: فقلت عندهم  يقولون: إنّها النّرد.

قال: والنّرد أيضا.

قال البيضاويّ : روى أنّه نزل بمكّة، قوله  وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً.  فأخذ المسلمون يشربونها. ثمّ أنّ عمر ومعاذا في نفر من الصّحابة، قالوا: أفتنا، يا رسول اللّه! في الخمر؟ فإنّها مذهبة للعقل  فنزلت هذه الآية. فشربها قوم وتركها آخرون. [ثمّ دعا عبد الرّحمن بن عوف ناسا منهم. فشربوا. فسكروا. فأمّ أحدهم.

فقرأ: «أعبد ما تعبدون.» فنزلت: لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى . فقلّ من‏يشربها.]  ثمّ دعا عتبان بن مالك، سعد بن أبي وقّاص في نفر. فلمّا سكروا افتخروا وتناشدوا. فأنشد سعد شعرا، فيه هجاء الأنصار. فضربه أنصاريّ بلحى بعير. فشجّه.

فشكى إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله. فقال عمر: «اللّهمّ بيّن لنا في الخمر بيانا شافيا.» فنزلت: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ- إلى قوله- فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ. فقال عمر: انتهينا يا ربّ.

و هذا النّقل منه يدلّ على عدم حرمة الخمر في أوّل الإسلام وعدم انتهاء عمر عن الخمر قبل نزول «إنّما الخمر» (إلى آخره.)

و الصّحيح أنّ الخمر كان حراما وهذا أوّل آية نزلت في التّحريم.

روى في الكافي : عن بعض أصحابنا- مرسلا- قال: إنّ أوّل ما نزل في تحريم الخمر، قول اللّه- عزّ وجلّ: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما. فلمّا نزلت الآية أحسّ القوم بتحريم الخمر. وعلموا أنّ الإثم ينبغي  اجتنابه. ولا يحمل اللّه- عزّ وجلّ- عليهم من كلّ طريق. لأنه قال: وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ. ثمّ أنزل- عزّ وجلّ- آية أخرى. (الحديث).

و يدلّ عليه أيضا الأخبار السّابقة وقوله:

قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ من حيث أنّه يؤدّي إلى الانتكاب عن المأمور به وارتكاب المنهيّ عنه.

وَ مَنافِعُ لِلنَّاسِ من كسب المال والطّرب والالتّذاذ ومصادفة الفتيان.

وَ إِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما، أي: المفاسد الّتي تنشأ منهما أعظم من المنافع المتوقّعة منهما. والمفسدة إذا ترجّحت على المصلحة، اقتضت تحريم الفعل.

 [و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الرّيّان بن الصّلت قال:

 

سمعت الرّضا- عليه السّلام- يقول: ما بعث اللّه نبيّا إلّا بتحريم الخمر، وأن يقرّ للّه بالبداء.

وَ يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قيل: سائله عمرو بن الجموح. سأل أوّلا عن المنفق والمسرف، وثانيا عن كيفيّةالإنفاق.

قُلِ الْعَفْوَ، أي: الوسط، لا إقتار ولا إسراف. والعفو» ضدّ الجهد. ومنه يقال للأرض السّهلة: العفو.]

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير ، عن رجل ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ: وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ قال: العفو، الوسط.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله: وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ قال:

لا إقتار ولا إسراف.

و في مجمع البيان : قُلِ الْعَفْوَ فيه أقوال- إلى قوله- وثالثها أنّ العفو ما فضل عن قوت السّنة

- عن الباقر- عليه السّلام. قال: ونسخ ذلك بآية الزّكاة.

كَذلِكَ، أي: مثل ما بيّن أنّ العفو أصلح، أو ما ذكر من الأحكام.

و الكاف في موضع النّصب، صفة لمصدر محذوف، أي: تبيينا مثل هذا التّبيين. ووحدّ العلامة. والمخاطب جمع على تأويل القبيل والجمع.

يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ الدّالّة على ما فيه إرشادكم.

لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ  في الدّلائل والأحكام.

فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ: في أمور الدّارين، فتأخذون بالأصلح وتتركون المضرّ.

وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى:

في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن صفوان، عن عبد اللّه بن مسكان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام: أنّه لمّا أنزلت  إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً أخرج كلّ من كان عنده يتيم، وسألوا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- في إخراجهم. فأنزل اللّه- تبارك وتعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ.و في مجمع البيان ، عند قوله وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ (الآية):

روى أنّه لمّا نزلت هذه الآية، كرهوا مخالطة اليتامى. فشقّ ذلك عليهم فشكوا ذلك إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله. فأنزل اللّه سبحانه وتعالى وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ. (الآية)- عن الحسن. وهو المرويّ عن السّيدين الباقر والصّادق- عليهما السّلام.

قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ، أي: مداخلتهم لإصلاحهم خير من مجانبتهم.

قال الصّادق- عليه السّلام : لا بأس بأن تخالط طعامك بطعام اليتيم. فإنّ الصّغير يوشك أن يأكل كما يأكل الكبير.

و أمّا الكسوة وغيره، فيحسب على رأس كلّ صغير وكبير وكم يحتاج إليه.

وَ إِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ: حثّ على المخالطة، أي: أنّهم إخوانكم في الدّين.

و من حقّ الأخ أن يخالط الأخ.

و قيل : المراد بالمخالطة المصاهرة.

وَ اللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ: وعيد ووعد لمن خالطهم لإفساد وإصلاح، أي: يعلم أمره فيجازيه عليه.

و في الكافي : عثمان، عن سماعة قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ: وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ.

قال: يعني اليتامى. إذا كان الرّجل يلي الأيتام» . في حجره، فليخرج من ماله على قدر ما يخرج لكلّ إنسان منهم. فيخالطهم. ويأكلون جميعا. ولا يرز أنّ من أموالهم شيئا. إنّما هي النّار.

أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الصّباح الكنانيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قلت: أ رأيت قول اللّه- عزّ وجلّ: وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ؟

قال: تخرج من أموالهم بقدر ما يكفيهم. وتخرج من مالك قدر ما يكفيك. ثمّ شفّعه .قلت: أ رأيت إن كانوا يتامى صغارا وكبارا وبعضهم أعلى كسوة من (بعضهم ) وبعضهم آكل من بعض وما لهم جميعا؟

فقال: أمّا الكسوة، فعلى كلّ إنسان منهم ثمن كسوته. وأمّا الطّعام  فاجعلوه [جميعا.]  فإنّ الصّغير يوشك أن يأكل مثل الكبير.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عبد اللّه بن يحيى الكاهليّ قال: قيل لأبي عبد اللّه- عليه السّلام: إنّا ندخل على أخ لنا في بيت أيتام، ومعهم خادم لهم، فنقعد على بساطهم، ونشرب من مائهم، ويخد منا خادمهم. وربّما طعمنا فيه الطّعام من غير صاحبنا. وفيه من طعامهم. فما ترى في ذلك؟ فقال:

إن كان في دخولكم عليه  منفعة لهم، فلا بأس. وإن كان فيه ضرر، فلا.

و قال- عليه السّلام: بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ.  فأنتم لا يخفى عليكم.

و قد قال اللّه- عزّ وجلّ: وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ .

و في تفسير العيّاشي : عن أبي حمزة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: جاء رجل إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فقال: يا رسول اللّه! إنّ أخي هلك وترك أيتاما ولهم ماشية. فما يحلّ لي منها؟

فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله: إن كنت تليط حوضها وترد نادتها  وتقوم على رعيتها، فاشرب من ألبانها غير مجتهد للحلب ولا ضارّ بالولد. وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ.

 

عن عليّ ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللّه في اليتامى:

وَ إِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ‏

 قال: يكون له التّمر واللّبن. ويكون لك مثله على قدر ما يكفيك ويكفيهم.

و لا يخفى على اللّه المفسد من المصلح.

عنه ، عن عبد اللّه بن حجّاج، عن أبي الحسن موسى- عليه السّلام- قال: قلت له: يكون لليتيم عندي الشّي‏ء. وهو في حجري، أنفق عليه منه. وربّما أصيب بما  يكون له من طعام . وما يكون منّى إليه أكثر.

فقال: لا بأس بذلك. وَاللَّهُ  يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ.

 

وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ، أي: ولو شاء اللّه إعناتكم لأعنتكم، أي: كلّفكم ما يشقّ عليكم من العنت وهي المشقّة ولم يجوز  لكم مداخلتهم.

إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ: غالب يقدر على الإعنات.

حَكِيمٌ : يحكم ما تقتضيه الحكمة ويتّسع له الطّاقة.