سورة النّساء الآية 101-120

وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ: سافرتم.

فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ: بتنصيف الرّباعيّات.

و «من الصّلاة» صفة محذوف، أي: شيئا من الصّلاة. عند سيبويه. ومفعول «تقصروا» بزيادة «من» عند الأخفش . والقصر، واجب. ونفي الجناح، لأنّهم ألفوا التّمام وكان مظنّة لأن يخطر ببالهم أنّ عليهم نقصانا في التّقصير، فرفع عنهم الجناح‏لتطيب نفوسهم بالقصر ويطمئنّوا إليه.

و في من لا يحضره الفقيه وتفسير العيّاشيّ : روي عن زرارة ومحمّد بن مسلم أنّهما قالا: قلنا لأبي جعفر- عليه السّلام-: ما تقول في الصّلاة في السّفر، كيف هي، وكم هي؟

فقال: إنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول: وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ فصار التّقصير في السّفر واجبا كوجوب التّمام في الحضر.

قالا: قلنا: إنّما قال اللّه- تعالى-: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ ولم يقل: افعلوا.

كيف أوجب ذلك كما أوجب التّمام في الحضر؟

فقال- عليه السّلام-: أو ليس قد قال اللّه- عزّ وجلّ -: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما ألا ترون أنّ الطّواف بهما واجب مفروض، لأنّ اللّه- عزّ وجلّ- ذكره في كتابه وصنعه  نبيّه- عليه السّلام- وكذلك التّقصير في السّفر، شي‏ء صنعه النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- وذكره اللّه- تعالى- في كتابه.

قالا: قلنا: فمن صلّى في السّفر أربعا أ يعيد أم لا؟

قال: إن كان قد قرئت عليه آية التّقصير وفسّرت له وصلّى أربعا أعاد. وإن لم يكن قرئت عليه ولم يعلمها فلا إعادة عليه. والصّلاة كلّها في السّفر الفريضة ركعتان كلّ صلاة إلّا المغرب. فإنّها ثلاث. ليس فيها تقصير. وتركها رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- في السّفر والحضر ثلاث ركعات.

و زاد في الفقيه: وقد سافر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إلى ذي خشب، وهي مسيرة يوم من المدينة، يكون إليها بريدان أربعة وعشرون ميلا. فقصّر وأفطر فصارت سنّة. وقد سمّى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قوما صاموا حين أفطر: العصاة. قال:

فهم العصاة إلى يوم القيامة، وإنّا لنعرف أبناءهم وأبناء أبنائهم إلى يومنا هذا.

و في عيون الأخبار ، في باب العلل الّتي ذكر الفضل بن شاذان أنّه سمعها من‏

 الرّضا- عليه السّلام-: فإن قال: فلم قصرت الصّلاة في السّفر؟ قيل: لأنّ الصّلاة المفروضة أوّلا إنّما هي عشر ركعات، والسّبع إنّما زيدت فيما بعد. فخفّف عنه تلك الزّيادة لموضع سفره وتعبه ونصبه واشتغاله بأمر نفسه وظعنه وإقامته لئلّا يشتغل عمّا لا بدّ له من معيشته، رحمة من اللّه- تعالى- وتعطّفا عليه، إلّا صلاة المغرب. فإنّها لم تقصر.

لأنّها صلاة مقصرة في الأصل.

فإن قال: فلم وجب التّقصير في ثمانية فراسخ لا أقلّ من ذلك ولا أكثر؟

قيل: لأنّ ثمانية فراسخ مسيرة يوم للعامّة والقوافل والأثقال. فوجب التّقصير في مسيرة يوم. فإن قال: فلم وجب التّقصير في مسيرة يوم؟

قيل: لأنّه لو لم يجب في مسيرة يوم لما وجب في مسيرة سنة. وذلك أنّ كلّ يوم يكون بعد هذا اليوم فإنّما هو نظير هذا اليوم. فلو لم يجب في هذا اليوم لما وجب في نظيره إذا كان نظيره مثله لا فرق بينهما.

و في الكافي : عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابنا، عن عليّ بن الحكم، عن ربيع بن محمّد المسلي ، عن عبد اللّه بن سليمان العامريّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: لمّا عرج برسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- نزل بالصّلاة عشر ركعات، ركعتين ركعتين. فلمّا ولد الحسن- عليه السّلام- والحسين زاد رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- سبع ركعات شكرا للّه. فأجاز اللّه ذلك. وترك الفجر. ولم يزد فيها شيئا لضيق وقتها. لأنّه يحضرها ملائكة اللّيل وملائكة النّهار. فلمّا أمره اللّه بالتّقصير في السّفر وضع عن أمّته ستّ ركعات وترك المغرب لم ينقص منها شيئا.

و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى أبي محمّد العلويّ الدّينوريّ، بإسناده رفع الحديث إلى الصّادق- عليه السّلام- قال: قلت: لم صارت المغرب ثلاث ركعات وأربعا بعدها ليس فيها تقصير في حضر ولا في سفر؟

فقال: إنّ اللّه- عزّ وجلّ- أنزل على نبيّه- صلّى اللّه عليه وآله- كلّ صلاةركعتين في الحضر. فأضاف إليها رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- لكلّ صلاة ركعتين في الحضر وقصّر فيها في السّفر إلّا المغرب. فلمّا صلّى المغرب بلغه مولد فاطمة- عليهما السّلام- فأضاف إليها ركعة شكرا للّه- عزّ وجلّ-. فلمّا أن ولد الحسن- عليه السّلام- أضاف إليها ركعتين شكرا للّه- عزّ وجلّ-. فلمّا أن ولد الحسين- عليه السّلام- أضاف إليها ركعتين شكرا للّه- عزّ وجلّ-. فقال : لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ. فتركها على حالها في الحضر والسّفر.

و عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله -: فرض المسافر ركعتان غير قصر.

أي : ثوابه تمام. وفي كلّ الأسفار المشروعة القصر واجب إلّا في أربعة مواضع:

مكّة، والمدينة، ومسجد الكوفة، وحرم الحسين- عليه السّلام-. فإنّ المسافر فيها مخيّر بين القصر والإتمام. والإتمام أفضل.

ففي الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عليّ بن الحكم، عن الحسين بن المختار، عن أبي إبراهيم- عليه السّلام- قال: قلت له: إنّا إذا دخلنا مكّة والمدينة أنتمّ  أم نقصر؟

قال: قصرت فذاك. فإن أتممت فهو خير تزداد.

عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد، عن عبد الملك القمّيّ، عن إسماعيل بن جابر، عن عبد الحميد خادم إسماعيل بن جعفر، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: تتمّ الصّلاة في أربعة مواطن: المسجد الحرام، ومسجد الرّسول- عليه السّلام- ومسجد الكوفة، وحرم الحسين- عليه السّلام-.

و الأخبار في معانيه كثيرة. وفي بعضها

قال أبو إبراهيم- عليه السّلام-  وقد ذكر الحرمين: كان أبي يقول: إنّ الإتمام فيهما من الأمر المذخور.

إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً : شريطة باعتبار الغالب في ذلك الوقت. ولذلك لم يعتبر مفهومها. وقدتظاهرت الأخبار على وجوبه- أيضا- في حال الأمن. ويحتمل أن يكون المراد- واللّه أعلم-: أنّه لا جناح عليكم في القصر في صورة الأمن في السّفر، فيقصر أربع ركعات إلى ركعتين. وأمّا مع الخوف فقصر الرّكعتين إلى ركعة واحدة، بمعنى: كون إحدى الرّكعتين مع الجماعة والأخرى بدونها. أو كونهما بإيماء ونقص كيفيّة تعدّ الرّكعتان معها بركعة واحدة.

و على هذا المعنى يحمل‏

ما رواه في الكافي : عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه وأحمد بن إدريس ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد جميعا، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا قال: في الرّكعتين تنقص منها واحدة.

و قرئ: «من الصّلاة أن يفتنكم» بغير «إن خفتم»، بمعنى: كراهة أن يفتنكم. وهو القتال، والتّعرّض بما يكره .

وَ إِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ: الخطاب وإن تعلّق بالنّبيّ والأئمّة والمقصود عمومه، لإجماع الطّائفة المحقّة وغيرهم على عدم الاختصاص بحضرة النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-.

فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ: وتقوم الطّائفة الأخرى اتّجاه العدوّ.

وَ لْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ، أي: المصلّون حزما.

و قيل : الضّمير للطّائفة الأخرى، وذكر الطّائفة الأولى يدلّ عليهم. وسياق الآية يدلّ على الأوّل.

فَإِذا سَجَدُوا، يعني: المصلّين.

فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ: يحرسونكم، يعني: النّبيّ ومن يصلّي معه. فغلب المخاطب على الغائب.

وَ لْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا: لاشتغالهم بالحراسة.

فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ: والآية مطلقة، في أنّ الإمام يصلّي مرّتين بكلّ طائفةو كانت الثّانية نفلا له، كما فعله رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ببطن النّخل. وفي أن يصلّي بكلّ فرقة ركعة إن كانت الصّلاة ركعتين. وفي أنّ يصلّي مع الفرقة الأولى ركعة ومع الثّانية ركعتين، أو بالعكس إذا كانت ثلاثيّة.

و في الكافي : محمّد بن يحيى، عن عبد اللّه بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن أبان، عن عبد الرّحمن بن أبي عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: صلّى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- بأصحابه في غزوة ذات الرّقاع صلاة الخوف.

ففرّق أصحابه فرقتين، أقام فرقة بإزاء العدوّ وفرقة خلفه. فكبّر وكبّروا. فقرأ وأنصتوا.

و ركع فركعوا. وسجد وسجدوا. ثمّ استمرّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قائما وصلّوا لأنفسهم ركعة. ثمّ سلّم بعضهم على بعض. ثمّ خرجوا إلى أصحابهم فقاموا بإزاء العدوّ. وجاء أصحابهم. فقاموا خلف رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-. فصلّى بهم ركعة، ثمّ تشهّد وسلّم عليهم. فقاموا وصلّوا لأنفسهم ركعة. ثمّ سلّم بعضهم على بعض.

عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ، عن ابن عمير، عن حمّاد، عن الحلبيّ قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن صلاة الخوف؟ قال: يقوم الإمام. وتجي‏ء طائفة من أصحابه. فيقومون خلفه وطائفة بإزاء العدوّ. فيصلّي بهم الإمام ركعة. ثمّ يقوم ويقومون معه. فيمثل قائما ويصلّون الرّكعة. [الثّانية. ثمّ يسلّم بعضهم على بعض. ثمّ ينصرفون فيقومون في مقام أصحابهم. ويجي‏ء الآخرون فيقومون خلف الإمام. فيصلي بهم الركعة الثانية]  ثمّ يجلس الإمام فيقومون هم فيصلّون ركعة أخرى. ثمّ يسلّم عليهم فينصرفون بتسليمه.

قال: وفي المغرب مثل ذلك، يقوم الإمام. وتجي‏ء طائفة فيقومون خلفه. ثمّ يصلّي بهم ركعة. ثمّ يقوم ويقومون. فيمثل الإمام قائما. فيصلّون ركعتين. فيتشهّدون.

و يسلّم بعضهم على بعض. ثمّ ينصرفون فيقومون في موقف أصحابهم. ويجي‏ء الآخرون.

و يقومون في موقف أصحابهم خلف الإمام. فيصلّي بهم ركعة يقرأ فيها. ثمّ يجلس فيتشهّد. ثمّ يقوم ويقومون معه ويصلّي بهم ركعة أخرى. ثمّ يجلس ويقومون هم فيتمّون ركعة أخرى. ثمّ يسلّم عليهم.وَ لْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ: جعل الحذر آلة يتحصّن بها الغازي.

فجمع بينه وبين الأسلحة في وجوب الأخذ. ونظيره قوله- تعالى -: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ.

وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً: تمنّوا أن ينالوا منكم غرّة في صلاتكم، فيشدّون عليكم شدّة واحدة. وهو بيان ما لأجله أمروا بأخذ السّلاح.

وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ: رخصة لهم في وضعها إذا ثقل عليهم أخذها، بسبب مطر أو مرض. وهذا ممّا يشعر، بأنّ الأمر بأخذ السّلاح، للوجوب.

وَ خُذُوا حِذْرَكُمْ: كيلا يهجم عليكم العدوّ.

إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً : وعد للمؤمنين بالنّصر على الكفّار، بعد الأمر بالحزم، لتقوى قلوبهم، وليعلموا أنّ الأمر بالحزم ليس لضعفهم وغلبة عدوّهم، بل لأنّ الواجب أن يحافظوا في الأمور على مراسم التّيقّظ والتّدبّر، فيتوكّلوا على اللّه.

في تفسير عليّ بن إبراهيم : هذه الآية نزلت لمّا خرج رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إلى الحديبية يريد مكّة. فلمّا وقع الخبر إلى قريش بعثوا خالد بن الوليد في مأتي فارس يستقبل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فكان يعارض رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- على الجبال. فلمّا كان في بعض الطّريق وحضرت صلاة الظّهر، أذّن بلال وصلّى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.

فقال خالد بن الوليد: لو كنّا حملنا عليهم وهم في الصّلاة، لأصبناهم فإنّهم لا يقطعون الصّلاة. ولكن تجي‏ء لهم الآن صلاة أخرى هي أحبّ إليهم من ضياء أبصارهم. فإذا دخلوا فيها حملنا عليهم. فنزل جبرئيل- عليه السّلام- بصلاة الخوف بهذه الآية. ففرّق رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أصحابه فرقتين. فوقف بعضهم تجاه العدوّ وقد أخذوا سلاحهم. وفرقة صلّوا مع رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قائما ومرّوا فوقفوا موقف أصحابهم. وجاء أولئك الّذين لم يصلّوا. فصلّى بهم رسول اللّه‏- صلّى اللّه عليه وآله- الرّكعة الثّانية ولهم الأولى. وقعد رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وقام أصحابه فصلّوا هم الرّكعة الثّانية وسلّم عليهم.

فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ: أدّيتم وفرغتم منها. أو إذا أردتم الصّلاة واشتدّ الخوف.

فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ: فدوموا على الذّكر في جميع الأحوال. أو فصلّوا كيف ما أمكن، قياما مسايفين ومقارعين، وقعودا مرامين، وعلى جنوبكم مثخنين.

 [و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله: فَإِذا  قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ قال: الصّحيح يصلّي قائما، والعليل يصلّي قاعدا، ومن لم يقدر  فمضطجعا يومئ إيماء.

و في من لا يحضره الفقيه : وقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: المريض يصلّي قائما، فإن لم يستطع صلّى جالسا. فإن لم يستطع صلّى على جنبه الأيمن. فإن لم يستطع صلّى على جنبه الأيسر. فإن لم يستطع استلقى وأومأ إيماء وجعل وجهه نحو القبلة وجعل سجوده أخفض من ركوعه.

و قال الصّادق- عليه السّلام- : المريض يصلّي قائما. فإن لم يقدر على ذلك صلّى جالسا. فإن لم يقدر أن يصلّي جالسا صلّى مستلقيا، يكبّر ثمّ يقرأ. فإذا أراد الرّكوع غمض عينيه ثمّ سبحّ. فإذا سبّح فتح عينيه فيكون فتح عينيه رفع رأسه من الرّكوع. فإذا أراد أن يسجد غمض عينيه ثمّ سبّح. فإذا سبّح فتح عينيه فيكون فتح عينيه رفع رأسه من السّجود. ثمّ يتشهّد وينصرف.] .

فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ: سكنت قلوبكم من الخوف، واستقررتم في أمصاركم.

فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ: فعدّلوا واحفظوا أركانها وشرائطها، وأتوا بها تامّة.

إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً ، أي ثابتا موجوبا مفروضا.

في الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب، عن داود بن فرقد قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: قوله- تعالى-: إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً.

قال: كتابا ثابتا، وليس ان عجّلت قليلا أو أخّرت قليلا بالّذي يضرّك ما لم تضع تلك الإضاعة. فإنّ اللّه- عزّ وجلّ-  يقول لقوم: أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا.

عن حمّاد ، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام-: مَوْقُوتاً، أي: موجوبا.

عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن عمير، عن حمّاد، عن حريز، عن زرارة والفضيل، عن أبي جعفر- عليه السّلام-: كِتاباً مَوْقُوتاً، أي: مفروضا. وليس يعنى:

وقت فوتها إذا جاز ذلك الوقت ثمّ صلاها لم تكن صلاته هذه مؤدّاة. ولو كان كذلك لهلك سليمان بن داود حين صلاها لغير وقتها. ولكن متى ذكرها صلاها.

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

 [و في من لا يحضره الفقيه : قال الصّادق- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً قال: مفروضا.

و في كتاب علل الشّرائع : حدّثنا محمّد بن الحسن- رحمه اللّه- قال: حدّثنا الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن النّضر بن سويد، عن موسى بن بكير، عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً، قال: موجبا. إنّما يعني بذلك: وجوبها على المؤمنين.

و لو كانت كما يقولون لهلك سليمان بن داود حين أخّر الصّلاة حتّى توارت بالحجاب.

لأنّه لو صلاها قبل أن تغيب كانت وقتا، وليس صلاة أطول وقتا من العصر.] .

وَ لا تَهِنُوا، أي: لا تضعفوا.

فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ: في طلب الكفّار، الّذين هم أعداء اللّه وأعداؤكم.إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ: ممّا ينالكم من الجراح منهم.

فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ: أيضا ممّا ينالهم من ذلك.

كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ: من إظهار الدّين، واستحقاق الثّواب. فأنتم أحرى وأولى على حربهم منهم على قتالكم. وهذا إلزام على المؤمنين وتقريع على التّواني فيه، بأنّ الضّرر دائر بين الفريقين غير مختصّ بهم، والنّفع مختصّ بهم.

و قرئ: «أن تكونوا» بالفتح، أي: ولا تهنوا، لأن تكونوا تألمون. ويكون قوله:

فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ علّة للنّهي عن الوهن لأجله .

وَ كانَ اللَّهُ عَلِيماً: بمصالح خلقه.

حَكِيماً : في ما يأمر وينهى.

و

في تفسير عليّ بن إبراهيم : أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- لمّا رجع من وقعة أحد ودخل المدينة نزل عليه جبرئيل، فقال: يا محمّد، إنّ اللّه يأمرك أن تخرج في أثر القوم، ولا يخرج معك إلّا من به جراحة.

فأمر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- مناديا ينادي: يا معشر المهاجرين والأنصار، من كانت به جراحة فليخرج، ومن لم يكن به جراحة فليقم. فأقبلوا يضمدون جراحاتهم ويداوونها. فأنزل اللّه على نبيّه: وَلا تَهِنُوا (الآية.) وقال- عزّ وجلّ- : إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ إلى قوله: شُهَداءَ.

 

فخرجوا على ما بهم من الألم والجراح.

إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ: بما عرّفك، وأوحى إليك. وليس من الرّؤية، بمعنى: العلم. وإلّا لاستدعى ثلاثة مفاعيل.

في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسن قال: وجدت في نوادر محمّد بن سنان، عن محمّد بن سنان قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: واللّه ما فوّض اللّه إلى أحد من خلقه إلّا إلى رسول اللّه وإلى الأئمّة- عليهم السّلام-. قال اللّه- عزّ وجلّ-: إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وهي‏جارية في الأوصياء- عليهم السّلام-.

و في كتاب الاحتجاج ، للطّبرسي- رحمه اللّه- عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام- لأبي حنيفة: تزعم أنّك صاحب رأي.

و كان الرّأي من رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- صوابا ومن دونه خطأ. لأنّ اللّه- تعالى- قال: لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ ولم يقل ذلك لغيره.

و في الجوامع : روي أنّ أبا طعمة من أبيرق  سرق درعا من جار له اسمه قتادة بن النّعمان. ونقلها عند رجل من اليهود. فأخذ الدّرع من منزل اليهود [يّ‏] فقال: دفعها إليّ أبو طعمة. فجاء بنو أبيرق إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وكلّموا أن يجادل عن صاحبهم، وقالوا: «إن لم تفعل هلك وافتضح وبرئ اليهوديّ» فهمّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أن يفعل وأن يعاقب اليهوديّ، فنزلت.

و الظّاهر أنّ هذه الرّواية من العامّة. لأنّهم رووها مع زيادة ومنطبق على أصولهم. والصّحيح ما روى عليّ بن إبراهيم وصاحب مجمع البيان . وسيأتي.

وَ لا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ، أي: لأجلهم والذّبّ عنهم.

خَصِيماً : للبراء.

 [و في نهج البلاغة  وقال- عليه السّلام-: من بالغ في الخصومة أثم. ومن قصّر فيها ظلم. ولا يستطيع أن يتّقي اللّه من خاصم‏] .

وَ اسْتَغْفِرِ اللَّهَ: ممّا هممت به، من عقاب اليهوديّ بالتماس بني أبيرق- كما نقل عن النّواصب- وممّا فعلت من معاتبة بني قتادة، وصيرورتك سبب اغتمامه حين لم تطّلع على أنّه محقّ، على ما سيجي‏ء.إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً : لمن يستغفره.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : كان سبب نزولها، أنّ قوما من الأنصار من بني أبيرق إخوة ثلاثة، كانوا منافقين، بشير ومبشر وبشر. فنقبوا على عمّ قتادة بن النّعمان، وكان قتادة بدريّا، وأخرجوا طعاما كان أعدّه لعياله وسيفا ودرعا. فشكى قتادة ذلك إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-. فقال: يا رسول اللّه، إنّ قوما نقبوا على عمّي، وأخذوا طعاما كان أعدّه لعياله وسيفا ودرعا، وهم أهل بيت سوء. وكان معهم في الرّأي رجل مؤمن يقال له: لبيد بن سهل.

فقال بنو أبيرق لقتادة: هذا عمل لبيد بن سهل. فبلغ ذلك لبيد. فأخذ سيفه.

و خرج عليهم. فقال: يا بني أبيرق، أ ترمونني بالسّرق وأنتم أولى به منّي، وأنتم المنافقون تهجون رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وتنسبونه إلى قريش، لتبيّننّ ذلك أو لأملأنّ سيفي منكم. فداروه وقالوا له: ارجع رحمك اللّه. فإنّك بري‏ء من ذلك.

فمشى بنو أبيرق إلى رجل من رهطهم يقال له: أسيد بن عروة. وكان منطيقا بليغا. فمشى إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-. فقال: يا رسول اللّه، إنّ قتادة بن النّعمان عمد إلى اهل بيت من أهل شرف وحسب ونسب. فرماهم بالسّرق. واتّهمهم بما ليس فيهم.

فاغتمّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- من ذلك. وجاء إليه قتادة. فأقبل عليه رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فقال له: عمدت إلى أهل بيت شرف وحسب ونسب فرميتهم بالسّرقة. وعاتبه عتابا شديدا. فاغتمّ قتادة من ذلك. ورجع إلى عمّه. وقال:

ليتني متّ ولم أكلّم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فقد كلّمني بما كرهته.

فقال له عمّه: اللّه المستعان. فأنزل اللّه في ذلك على نبيّه: إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ (الآيات).

و في مجمع البيان  ما يقرب منه. قال: وكان بشير يكنّى أبا طعمة، وكان يقول الشّعر ويهجو به أصحاب رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ثمّ يقول: قاله فلان.

وَ لا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ‏

: يخونونها. فإنّ وبال خيانتهم يعود إليها. أو جعل المعصية خيانة لها، كما جعلت ظلما عليها.إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً

: مبالغة في الخيانة، مصرّا عليها.

أَثِيماً

 : منهمكا فيه يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ‏

: يستترون منهم، حياء وخوفا.

وَ لا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ‏

: ولا يستحيون منه. وهو أحقّ بأن يستحيا، ويخاف منه.

وَ هُوَ مَعَهُمْ‏

: لا يخفى عليه سرّهم. فلا طريق معه إلّا ترك ما يستقبحه، ويؤاخذ عليه.

إِذْ يُبَيِّتُونَ‏

: يدبّرون ويزوّرون.

ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ‏

: من رمي الغير، والحلف الكاذب، وشهادة الزّور .

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : يعني: الفعل. فوقع القول، مقام الفعل.

وَ كانَ اللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً

 : لا يفوت عنه شي‏ء.

ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ

: مبتدأ وخبر.

جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا

: جملة مبنيّة لوقوع «أولاء» خبرا.

أوصلته، عند من يجعله موصولا.

فَمَنْ يُجادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا

 :

محاميا، يحميهم من عذاب اللّه.

وَ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً

: قبيحا، يسوء به غيره.

أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ‏

: بما يختصّ به ولا يتعدّاه.

و قيل : المراد بالسّوء، ما دون الشّرك. وبالظّلم، الشّرك.

و قيل : الصّغيرة والكبيرة.

ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ‏

: بالتّوبة.

يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً

: لذنوبه.

رَحِيماً

 : متفضّلا عليه. وفيه حثّ لهم على التّوبة.و في نهج البلاغة : من أعطي الاستغفار لم يحرم المغفرة- ثمّ تلا الآية-.

وَ مَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ‏

: فلا يتعدّاه وباله.

وَ كانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً

 : فهو عالم بفعله، حكيم في مجازاته.

وَ مَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً

: صغيرة، أو ما لا عمد فيه.

أَوْ إِثْماً

: كبيرة، أو ما كان عن عمد.

ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً

: كما رمى بشير لبيدا. ووحّد الضّمير لمكان «أو».

فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً

 : بسبب رمي البري‏ء، وتنزيه النّفس الخاطئة. ولذلك سوّى بينهما، وإن كان مقترف أحدهما دون مقترف الآخر.

و في تفسير العيّاشي : عن عبد اللّه بن حمّاد الأنصاريّ، عن عبد اللّه بن سنان، قال: قال لي أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: الغيبة، أن تقول في أخيك ما هو فيه ممّا قد ستره اللّه عليه. فأمّا إذا قلت ما ليس فيه، فذاك قول اللّه: فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً.

 

 

وَ لَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ‏

: بإلهام ما همّ عليه بالوحي.

لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ‏

، أي: أن يضلّوك عن القضاء بالحقّ، مع علمهم بالحال.

و الجملة جواب «لولا». وليس المراد نفي همّهم، بل نفي تأثيره فيه.

وَ ما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ‏

: لأنّه ما أزلّوك عن الحقّ، وعاد وباله إليهم.

وَ ما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْ‏ءٍ

: فإنّ اللّه عاصمك وناصرك ومؤيّدك، وما جرى عليك من معاتبة قتادة كان اعتمادا منك على ظاهر الأمر.

و «من شي‏ء» في موضع النّصب على المصدر، أي: شيئا من الضّرر.

وَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ‏

: من خفيّات الأمور، وأمور الدّين والأحكام.

وَ كانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً

 : إذ لا فضل أعظم من النّبوّة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر

 - عليه السّلام- قال: إنّ أناسا من رهط بشير الأدنين قالوا: انطلقوا [بنا]  إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- نكلّمه  في صاحبنا ونعذره. فإنّ صاحبنا بري‏ء. فلمّا أنزل اللّه  يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ‏

 إلى قوله: وَكِيلًا

 فأقبلت رهط بشير. فقالوا: يا بشير، استغفر اللّه وتب من الذّنب.

فقال: والّذي أحلف به ما سرقها إلّا لبيد. فنزلت وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً ثمّ أنّ بشيرا كفر ولحق بمكّة. وأنزل اللّه في النّفر الّذين أعذروا  بشيرا وأتوا النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- ليعذروه  وَلَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ‏

  (الآية) ونزل في بشير وهو بمكّة وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً .

و في روضة الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن سليمان الجعفريّ قال: سمعت أبا الحسن- عليه السّلام- يقول في قول اللّه- تعالى-: إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ‏

 قال: يعني: فلانا وفلانا وأبا عبيدة بن الجرّاح.

و في كتاب الاحتجاج ، للطّبرسي- رحمه اللّه- حديث طويل عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- وفيه يقول- عليه السّلام-: وقد بيّن اللّه قصص المغيرين بقوله : إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ‏

 بعد فقد الرّسول، ممّا يقيمون به أود باطلهم، حسب ما فعلته اليهود والنّصارى بعد فقد موسى وعيسى من تغيير التّوراة والإنجيل وتحريف الكلم عن مواضعه.

و في تفسير العيّاشي : عن عامر بن كثير السّرّاج وكان داعية الحسين [صاحب الفخّ‏]  بن عليّ، عن عطاء الهمدانيّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله:إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ قال: فلان وفلان وفلان وأبو عبيدة بن الجرّاح.

و في رواية عمر بن أبي سعيد ، عن أبي الحسن- عليه السّلام-  قال: هما وأبو عبيدة بن الجرّاح.

و

في رواية عمر بن صالح قال: الأوّل والثّاني وأبو عبيدة بن الجرّاح.

لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ: من متناجيهم. أو من تناجيهم.

إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ: فهو على التّقدير الثّاني على حذف مضاف، أي: إلّا نجوى من أمر. أو على الانقطاع، بمعنى: ولكن من أمر بصدقة ففي نجواه الخير.

أَوْ مَعْرُوفٍ: المعروف، كلّ ما يستحسنه الشّرع ولا ينكره العقل. ويندرج فيه القرض، وإعانة الملهوف، وصدقة التّطوّع، وسائر الخيرات.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ قال: يعني بالمعروف: القرض.

 [عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ، عن محمّد بن عيسى، عن يونس وعدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن أبيه جميعا، عن يونس، عن عبد اللّه بن سنان وابن مسكان، عن أبي الجارود قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام-: إذا حدّثتكم بشي‏ء، فاسألوني عن كتاب اللّه؟ ثمّ قال في حديثه: إنّ اللّه نهى عن القيل والقال وفساد المال وكثرة السّؤال. فقالوا: يا بن رسول اللّه، أين هذا من كتاب اللّه؟ قال: إنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول في كتابه: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ (الآية.) وقال : وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً. وقال : لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ.] .

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ اللّه فرض التّمحّل في القرآن.قلت: وما التّمحّل جعلت فداك؟

قال: أن يكون وجهك أعرض من وجه أخيك فتتمحّل له، وهو قوله: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ..

و حدّثني أبي ، عن رجاله، رفعه إلى أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال: إنّ اللّه فرض عليكم زكوات جاهكم، كما فرض عليكم زكوات ما ملكت أيديكم.

أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ، أي: إصلاح ذات بين.

في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن يحيى، عن أبي يحيى الواسطي، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: الكلام ثلاثة:

صدق، وكذب، وإصلاح بين النّاس.

قال: قلت: جعلت فداك، ما الإصلاح بين النّاس؟

قال: تسمع من الرّجل كلاما يبلغه فتخبث نفسه، فتلقاه فتقول: سمعت من فلان فيك من كذا وكذا خلاف ما سمعت منه.

و في كتاب الخصال : عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ- عليهم السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: ثلاثة يحسن فيهنّ الكذب: المكيدة في الحرب، وعدتك زوجتك، والإصلاح بين النّاس.

وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً :

بني الكلام على الأمر، ورتّب الجزاء على الفعل، ليدلّ على أنّه لمّا دخل الآمر في زمرة الخيّرين كان الفاعل أدخل فيهم، وأنّ العمدة والغرض هو الفعل واعتبار الأمر من حيث أنّه وصلة إليه. وقيّد الفعل بأن يكون لطلب مرضاة اللّه. لأنّ الأعمال بالنّيات. وأنّ من فعل خيرا رياء وسمعة لم يستحقّ به من اللّه أجرا. ووصف الأجر بالعظيم، تنبيها على حقارة ما فات في جنبه من أغراض الدّنيا.

و قرأ حمزة وأبو عمرو: «يؤتيه» بالياء .

وَ مَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ: يخالفه. من الشّقّ، فإنّ كلا من المتخالفين في شقّ غير شقّ الآخر.مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى: ظهر له الحقّ.

وَ يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ: غير ما هم عليه، من اعتقاد وعمل.

نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى: نجعله واليا لمن تولّى من الضّلال، ونخلّي بينه وبين ما اختاره. وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ: وندخله فيها.

و قرئ، بفتح النّون. من صلا.

وَ ساءَتْ مَصِيراً : جهنّم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : أنّها نزلت في بشير، كما مرّ.

قال البيضاويّ : والآية تدلّ على حرمة مخالفة الإجماع، لأنّه- تعالى- رتّب الوعيد الشّديد على المشاقّة واتّباع غير سبيل المؤمنين. وذلك إمّا لحرمة كلّ واحد منهما، أو أحدهما، أو الجمع بينهما. والثّاني باطل إذ يقبح أن يقال: من شرب الخمر وأكل الخبز استوجب الحدّ. وكذا الثّالث، لأنّ المشاقّة محرمة ضمّ إليها غيرها أو لم يضمّ. وإذا كان اتّباع غير سبيلهم محرّما كان اتّباع سبيلهم واجبا، لأنّ ترك اتّباع سبيلهم ممّن عرف سبيلهم اتّباع غير سبيلهم.

و فيه، أنّه لا شكّ في حجّيّة إجماع جميع المسلمين باعتبار دخول المعصوم فيه، ولا يلزم منه حجّيّة الإجماع الّذي هو مدعاه. فتأمّل.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن أبي حمزة، عن عقيل الخزاعيّ: أنّ أمير المؤمنين- صلوات اللّه عليه- كان إذا حضر الحرب يوصي المسلمين بكلمات فيقول: تعاهدوا الصّلاة إلى أن قال- عليه السّلام-: يقول اللّه- عزّ وجلّ-: وَمَنْ ... يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى من الأمانة ، فقد خسر من ليس من أهلها وضلّ عمله، عرضت على السّموات المبنيّة والأرض المهاد والجبال‏المنصوبة، فلا أطول ولا أعرض ولا أعلى ولا أعظم لو امتنعت من طول أو عرض أو عظم أو قوّة أو عزّة امتنعن، ولكن أشفقن من العقوبة.

و الحديث طويل، أخذنا منه موضع الحاجة.

و في نهج البلاغة : قال- عليه السّلام-: إنّه بايعني القوم الّذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه. فلم يكن للشّاهد أن يختار ولا للغائب أن يردّ.

و إنّما الشّورى للمهاجرين والأنصار. فإن اجتمعوا على رجل وسمّوه إماما كان ذلك للّه رضا. فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردّوه إلى ما خرج منه. فإن أبى قاتلوه على اتّباعه غير سبيل المؤمنين وولّاه اللّه ما تولّى.

و في تفسير العيّاشي : عن حريز عن بعض أصحابنا، عن أحدهما- عليهما السّلام- قال: كان أمير المؤمنين في الكوفة أتاه النّاس فقالوا: اجعل لنا إماما يؤمّنا في رمضان.

فقال: لا. ونهاهم أن يجتمعوا فيه. فلمّا أمسوا جعلوا يقولون: ابكوا في رمضان وا رمضانا. فأتاه الحارث الأعور في أناس فقال: يا أمير المؤمنين، ضجّوا النّاس وكرهوا قولك.

فقال عند ذلك: دعهم وما يريدون. ليصلّي بهم ما شاءوا. ثمّ قال: فمن يتّبع غير سبيل المؤمنين نولّه ما تولّى ونصله جهنّم وساءت مصيرا.

عن عمرو بن أبي المقدام ، عن أبيه، عن رجل من الأنصار قال: خرجت أنا والأشعث الكنديّ وجرير البجليّ حتّى إذا كنّا بظهر الكوفة بالغرس مرّ بنا ضبّ. فقال الأشعث وجرير: «السّلام عليك يا أمير المؤمنين.» خلافا على عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-. فلمّا خرج الأنصاريّ قال لعليّ- عليه السّلام-. فقال عليّ- عليه السّلام-: دعهما فهو إمامهما يوم القيامة. أما تسمع إلى اللّه وهو يقول: نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى.

إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ: تكريره إمّا للتّأكيد، أو لقصّة بشير.و قيل : جاء شيخ إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وقال: إنّي شيخ منهمك في المعاصي إلّا أنّي لم أشرك باللّه شيئا منذ عرفته وآمنت به، ولم أتّخذ من دونه وليّا، ولم أوقع المعاصي جرأة، وما توهّمت طرفة عين أنّي أعجز اللّه هربا، وإنّي لنادم تائب.

فما ترى حالي؟ فنزلت.

وَ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً : عن الحقّ. فإنّ الشّرك أعظم أنواع الضّلالة، وأبعدها عن الصّواب والاستقامة. وإنّما ذكر في الآية الأولى «فقد افترى» لأنّها متّصلة بقصّة أهل الكتاب، ومنشأ شركهم نوع افتراء، وهو دعوى التّبنّي على اللّه- تعالى-.

 [و في شرح الآيات الباهرة ، روى بحذف الإسناد مرفوعا عن مولانا عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين، عن أبيه أمير المؤمنين- صلوات اللّه عليهم أجمعين- قال: المؤمن على أيّ حال مات وفي أيّ ساعة قبض فهو شهيد. ولقد سمعت حبيبي رسول اللّه يقول:

لو أنّ المؤمن خرج من الدّنيا وعليه مثل ذنوب أهل الأرض لكان الموت كفّارة لتلك الذّنوب. ثمّ قال- عليه السّلام-: من قال: لا إله إلّا اللّه بالإخلاص فهو بري‏ء من الشّرك، ومن خرج من الدّنيا لا يشرك باللّه شيئا دخل الجنّة. ثمّ تلا هذه الآية: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وهم شيعتك ومحبّوك يا عليّ.

فقلت: يا رسول اللّه، هذا لشيعتي؟ قال: إي وربّي لشيعتك ومحبّيك خاصّة.

و إنّهم ليخرجون من قبورهم وهم يقولون: لا إله إلّا اللّه ومحمّد رسول اللّه وعليّ وليّ اللّه.

فيؤتون بحلل خضر من الجنّة وأكاليل من الجنّة وتيجان من الجنّة. فيلبس كلّ واحد منهم حلّة خضراء وتاج الملك وإكليل الكرامة. ثمّ يركبون النّجائب فيطير بهم إلى الجنّة لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ.

و في هذا المعنى‏

ما ذكره الشّيخ في أماليه ، بإسناده عن محمّد بن عطيّة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: الموت كفّارة لذنوب المؤمنين‏] .

إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً، يعني: اللّات والعزّى ومناة الثّالثة الأخرى‏و أساف ونائلة. كان لكلّ حيّ صنم يعبدونه، ويسمّونه: أنثى بني فلان. وذلك إمّا لتأنيث أسمائها، أو لأنّها كانت جمادات. والجمادات تؤنّث من حيث أنّها ضاهت الإناث لانفعالها.

قيل : ولعلّه- تعالى- ذكرها بهذا الاسم، تنبيها على أنّهم يعبدون ما يسمّونه إناثا. لأنّه ينفعل ولا يفعل. ومن حقّ المعبود أن يكون فاعلا غير منفعل ليكون دليلا على تناهي جهلهم وفرط حماقتهم.

و قيل : المراد، الملائكة. لقولهم: «الملائكة بنات اللّه.» وهو جمع، أنثى.

كرباب، وربّى.

و قرئ: «أنثى» على التّوحيد. و«أنثا» على أنّه جمع أنيث. كخبث، وخبيث. و«وثنا» بالتّخفيف والتّثقيل. وهو جمع وثن. كأسد وأسد. و«أثنا» بهما، على قلب الواو لضمّها همزة .

و في مجمع البيان : عن تفسير أبي حمزة الثّماليّ قال: كان في كلّ واحدة منهنّ شيطانة أنثى تتراءى للسّدنة وتكلّمهم، وذلك من صنع إبليس. وهو الشّيطان الّذي ذكره اللّه ولعنه.

وَ إِنْ يَدْعُونَ: وإن يعبدون بعبادتها.

إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً : لأنّه الّذي أمرهم بعبادتها وأغراهم عليها.

فكأنّ طاعته في ذلك عبادة له. والمارد والمريد، الّذي لا يعلق بخير. وأصل التّركيب، للملاسة.

و منه: صرح ممرّد. وغلام أمرد. وشجرة مرداء، الّذي تناثر ورقها.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله: إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً قال: قالت قريش: إنّ الملائكة هم بنات اللّه. وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً قال: كانوا يعبدون الجنّ.

لَعَنَهُ اللَّهُ: صفة ثانية للشّيطان.وَ قالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً : عطف عليه، أي:

شيطانا مريدا جامعا بين لعنة اللّه. وهذا القول الدّالّ على فرط عداوته للنّاس.

و «المفروض» المقطوع، أي: نصيبا قدّر لي وفرض. من قولهم. فرض له في العطاء.

في مجمع البيان : عن تفسير الثّماليّ، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- في هذه الآية: من بني آدم تسعة وتسعون في النّار، وواحد في الجنّة.

و في رواية أخرى : من كلّ ألف واحد للّه، وسائرهم للنّار ولإبليس.

قيل : وقد برهن سبحانه أوّلا، على أنّ الشّرك ضلال في الغاية على سبيل التّعليل، بأنّ ما يشركون به ينفعل ولا يفعل فعلا اختياريا. وذلك ينافي الألوهيّة غاية المنافاة. فإنّ الإله ينبغي أن يكون فاعلا غير منفعل. ثمّ استدلّ عليه، بأنّه عبادة الشّيطان وهي أفظع الضّلال لثلاثة أوجه:

الأوّل، أنّه مريد منهمك في الضّلال لا يعلق بشي‏ء من الخير والهدى، فتكون طاعته ضلالا بعيدا من الهدى.

و الثّاني، أنّه ملعون لضلاله، فلا تستجلب مطاوعته سوى الضّلال واللّعن.

و الثّالث، أنّه في غاية العداوة والسّعي في إهلاكهم، وموالاة من هذا شأنه غاية الضّلال فضلا عن عبادته.

وَ لَأُضِلَّنَّهُمْ: عن الحقّ.

وَ لَأُمَنِّيَنَّهُمْ: الأماني الباطلة، كطول العمر، وأنّ لا بعث ولا عقاب.

 [و في أمالي الصّدوق- رحمه اللّه - بإسناده إلى الصّادق جعفر بن محمّد- عليه السّلام- قال: لمّا نزلت هذه الآية: وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ صعد إبليس جبلا بمكّة يقال له: ثور. وصرخ بأعلى صوته بعفاريته. فاجتمعوا إليه.

فقالوا: يا سيّدنا، لم دعوتنا؟

قال: نزلت هذه الآية، فمن لها؟فقام عفريت من الشّياطين فقال: أنا لها بكذا وكذا.

قال: لست لها.

فقام آخر فقال، مثل ذلك.

فقال: لست لها.

فقال الوسواس الخنّاس: أنا لها.

قال: بماذا؟

قال: أعدهم وأمنّيهم حتّى يواقعوا الخطيئة، فإذا واقعوا الخطيئة أنسيتهم الاستغفار.

فقال: أنت لها. فوكّله بها إلى يوم القيامة] .

وَ لَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ:

قيل : يشقّقونها إذا ولدت. خمسة أبطن والخامس ذكر، وحرّموا على أنفسهم الانتفاع بها.

و في مجمع البيان : عن الصّادق- عليه السّلام-: ليقطعنّ الآذان من أصلها.

وَ لَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ:

في مجمع البيان : عن الصّادق- عليه السّلام-: «يريد دين اللّه وإمرة وليّه» ويؤيّده قوله- سبحانه-: فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ.

و يندرج فيه كلّ تغيير بخلق اللّه عن وجهه، صورة أو صفة من دون إذن من اللّه، كفقئهم عين الفحل الّذي طال مكثه عندهم وإعفائه عن الرّكوب، وخصاء العبيد وكلّ مثله. ولا ينافيه التّغيير بالدّين والأمر لأنّ ذلك كلّه داخل فيهما.

وَ مَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ: بأن يؤثر طاعته على طاعة اللّه- عزّ وجلّ- أو يشركه معه في الطّاعة.

فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً : إذ ضيّع رأس ماله، وبدّل مكانه من الجنّة بمكانه من النّار.

يَعِدُهُمْ: ما لا ينجز.

وَ يُمَنِّيهِمْ: ما لا ينالون.

وَ ما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً : وهو إظهار النّفع فيما فيه الضّرر.

و هذا الوعد إمّا بالخواطر الفاسدة، أو بلسان أوليائه.

و في تفسير العيّاشي : عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- حديث طويل، يذكر فيه ما أكرم اللّه به آدم- عليه السّلام- وفي آخره فقال إبليس: ربّ، هذا الّذي كرّمت عليّ وفضّلته، وإن لم تفضّلني عليه لم أقو عليه.

قال: لا يولد له ولد إلّا ولد لك ولدان.

قال: ربّي زدني.

قال: تجري منه مجرى الدّم في العروق.

قال: ربّي زدني. قال: تتّخذ أنت وذرّيّتك في صدورهم مساكن.

قال: ربّي زدني.

قال: تعدهم وتمنّيهم وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً.