سورة النّساء الآية 161-176

وَ أَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ: كان الرّبا محرّما عليهم، كما هو محرّم علينا. وفيه دلالة على دلالة النّهي على التّحريم.

وَ أَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ: بالرّشوة، وسائر الوجوه المحرّمة.

وَ أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً : دون من تاب وآمن.

لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ: كعلمائهم المؤمنين.

وَ الْمُؤْمِنُونَ، أي: منهم. وهو من آمن من غير العلماء، أو من المهاجرين والأنصار.

يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ: خبر المبتدأ.

وَ الْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ: نصب على المدح إن جعل «يؤمنون» الخبر لا «أولئك». و«الواو» اعتراض. أو عطف على «ما أنزل». والمراد بهم، الأنبياء. وإن جعل الخبر «أولئك» فيكون «يؤمنون» حالا. ويحتمل العطف عليه بإرادة التّنكير.

و قرئ، بالرّفع، عطفا على «الرّاسخون». أو الضّمير في «يؤمنون». أو على أنّه مبتدأ، والخبر «أولئك» .

وَ الْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ: رفعه لأحد الوجوه المذكورة.

وَ الْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ: قدّم عليه الإيمان بالأنبياء والكتب وما يصدّقه من اتّباع الشّرائع، لأنّه المقصود بالآية.أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً : على جمعهم بين الإيمان والعمل الصّالح.

و قرأ حمزة: «سيؤتيهم» بالياء .

إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ:

قيل : جواب لأهل الكتاب عن اقتراحهم «أن تنزّل عليهم كتابا من السّماء» واحتجاج عليهم بأنّ أمره في الوحي كسائر الأنبياء.

في تفسير العيّاشي : عن زرارة وحمران، عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه- عليهما السّلام- قال: إنّي أوحيت إليك كما أوحيت إلى نوح والنّبيّين من بعده، فجمع له كلّ وحي هبط.

  [و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن أحمد بن النّضر، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-  قال: بينا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- جالسا وعنده جبرئيل إذ حانت من جبرئيل نظرة قبل السّماء- إلى أن قال-: قال جبرئيل: إنّ هذا حاجب الرّبّ وأقرب خلق اللّه منه واللّوح بين عينيه من ياقوتة حمراء، فإذا تكلّم الرّبّ- تبارك وتعالى- بالوحي ضرب اللّوح جنبيه، فينظر  فيه ثمّ ألقاه  إلينا فنسعى به في السّموات والأرض.

و في أصول الكافي ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام-: فلمّا استجاب اللّه  لكلّ نبيّ من استجاب له من قومه  من المؤمنين، جعل  لكلّ [نبيّ‏]  منهم شرعة ومنهاجا. والشّرعة والمنهاج، سبيل وسنّة. وقال لمحمّد- صلّى اللّه عليه وآله-: إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ. وأمركلّ نبيّ بالأخذ بالسّبيل والسّنّة، وكان  من السّبيل والسّنّة الّتي أمر اللّه- عزّ وجلّ- بها موسى- عليه السّلام- أن جعل عليهم السّبت‏] .

وَ أَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ:

قيل : خصّصهم بالذّكر مع اشتمال النّبيّين عليهم تعظيما لهم، فإنّ إبراهيم أوّل أولي العزم منهم، وعيسى آخرهم، والباقين أشرف الأنبياء ومشاهيرهم.

و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة الثّمالي، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر- عليهما السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام-: وكان ما بين آدم ونوح من الأنبياء مستخفين ومستعلنين ولذلك خفي ذكرهم في القرآن. فلم يسمّوا كما سمّي من استعلن من الأنبياء. وهو قول اللّه- عزّ وجلّ- وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ، يعني: لم نسمّ المستخفين كما نسمّي المستعلنين من الأنبياء.

و في روضة الكافي ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- مثله.

 

وَ آتَيْنا داوُدَ زَبُوراً :

و قرأ حمزة، بضمّ الزّاي. وهو جمع زبر، بمعنى: مزبور .

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن صالح بن السّنديّ، عن جعفر بن بشير، عن سعد الإسكاف، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: أعطيت السّور الطّوال مكان التّوراة. وأعطيت المئين مكان الإنجيل. وأعطيت المثاني مكان الزّبور. وفضّلت بالمفصّل ثمان وستّون سورة.

و فيه ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- [قال: قال النّبيّ‏

 - صلّى اللّه عليه وآله-:]  وأنزل الزّبور لثمان عشر خلون من شهر رمضان.

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

وَ رُسُلًا: نصب بمضمر، دلّ عليه «أوحينا إليك» كأرسلنا. أو فسّره.

قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً :

قيل : وهو منتهى مراتب الوحي خصّ به موسى من بينهم، وقد فضّل اللّه محمّدا- صلّى اللّه عليه وآله- بأن أعطاه ما أعطى كلّ واحد منهم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- حديث في قصّة الإسراء، وفيه يقول- صلّى اللّه عليه وآله-: ثمّ ركبت فمضينا ما شاء اللّه، ثمّ قال لي:

انزل فصلّ، فنزلت وصلّيت.

فقال لي: أ تدري أين صلّيت؟

فقلت: لا.

فقال: صلّيت بطور سيناء، حيث كلّم اللّه موسى تكليما.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسي- رحمه اللّه-: عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- حديث طويل في مكالمة بينه وبين اليهود، وفيه قالت اليهود: موسى خير منك.

قال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- ولم؟

قالوا: لأنّ اللّه- عزّ وجلّ- كلّمه بأربعة آلاف كلمة، ولم يكلّمك بشي‏ء.

فقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: لقد أعطيت أنا أفضل من ذلك.

قالوا: وما ذاك؟

قال: قوله- عزّ وجلّ-: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى.

 

 (الحديث).

و روي عن صفوان بن يحيى  قال، سألني أبو قرّة المحدّث- صاحب شبرمة- أن أدخله إلى أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- فاستأذنت، فأذن لي، فدخل فقال له:

أخبرني- جعلني اللّه فداك- عن كلام اللّه لموسى- عليه السّلام-.فقال: اللّه أعلم ورسوله بأيّ لسان كلّمه، بالسّريانيّة أم بالعبرانيّة.

فأخذ أبو قرّة بلسانه فقال: إنّما أسألك عن هذا اللّسان.

فقال أبو الحسن- عليه السّلام-: سبحان اللّه ممّا تقول، ومعاذ اللّه أن يشبه خلقه أو يتكلّم بمثل ما هم به يتكلّمون. ولكنّه- تبارك وتعالى- ليس كمثله شي‏ء ولا كمثله قائل فاعل.

قال: كيف ذلك؟

قال: كلام الخالق للمخلوق ليس ككلام المخلوق لمخلوق، ولا يلفظ بشقّ فم ولسان. ولكن يقول له: كن فيكون. فكان بمشيئته ما خاطب به موسى من الأمر والنّهي من غير تردّد في نفس.

و في أصول الكافي»: عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن خالد الطّيالسي، عن صفوان بن يحيى، عن ابن مسكان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قلت له: لم يزل اللّه متكلّما؟

قال: فقال. إنّ الكلام صفة محدثة ليس بأزليّة. كان اللّه- عزّ وجلّ- ولا متكلّم.

و في كتاب الخصال ، بإسناده إلى الضّحّاك، عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: إنّ اللّه ناجى موسى بن عمران- عليه السّلام- بمائة ألف كلمة وأربعة وعشرين ألف كلمة في ثلاثة أيّام ولياليهنّ ما طعم فيها موسى ولا شرب فيها، فلمّا انصرف إلى بني إسرائيل وسمع كلامهم مقتهم لما كان وقع في مسامعه من حلاوة كلام اللّه- عزّ وجلّ-.

و في كتاب التّوحيد ، بإسناده إلى [عليّ بن‏]  محمّد بن الجهم، عن أبي الحسن- عليه السّلام-  حديث طويل، وفيه يقول- عليه السّلام- حاكيا عن موسى- عليه السّلام- في قومه: فخرج بهم إلى طور سيناء، فأقامهم في سفح الجبل وصعدموسى- عليه السّلام- إلى الطّور وسأل اللّه- تبارك وتعالى- أن يكلّمه ويسمعهم كلامه، فكلّمه اللّه- تعالى ذكره- وسمعوا كلامه من فوق وأسفل ويمين وشمال ووراء وأمام، لأنّ اللّه- تعالى- أحدثه في الشّجرة ثمّ جعله منبعثا منها  حتّى سمعوه من جميع الوجوه.

و عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- : كلّم اللّه  موسى تكليما بلا جوارح وأدوات وشفة، ولا لهوات، سبحانه وتعالى عن الصّفات.

و عنه- عليه السّلام-  في حديث وقد سأله رجل عمّا اشتبه عليه من الآيات:

و كلام اللّه- تعالى- ليس بنحو واحد، منه ما كلّم اللّه به الرّسل، ومنه ما قذفه في قلوبهم، ومنه رؤيا يريها الرّسل، ومنه وحي وتنزيل يتلى ويقرأ. فهو كلام اللّه. فاكتف بما وصفت لك من كلام اللّه. فإنّ كلام اللّه ليس بنحو واحد. فإنّ منه ما تبلغ رسل السّماء ورسل الأرض.

رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ: نصب على المدح. أو بإضمار «أرسلنا». أو على الحال. ويكون «رسلا» موطّئا لما بعده، كقولك: مررت بزيد رجلا صالحا.

لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ: فيقولوا: لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا فينبّهنا ويعلّمنا ما لم نعلم.

و «اللام» متعلّقة «بأرسلنا»، أو بقوله: «مبشّرين ومنذرين». و«حجّة» اسم كان وخبره «للنّاس»، أو «على اللّه». والآخر حال. ولا يجوز تعلّقه «بحجّة» لأنّه مصدر. و«بعد» ظرف لها، أو صفة.

 [و في نهج البلاغة : قال- عليه السّلام-: فبعث فيهم رسله وواتر إليهم أنبياءه، ليستأدوهم ميثاق فطرته ويذكّروهم منسي نعمته ويحتجّوا عليهم بالتّبليغ ويثيروا لهم دفائن العقول ويروهم آيات القدرة، من سقف فوقهم مرفوع ومهاد تحتهم موضوع ومعايش وآجال تفنيهم وأوصاب تهرمهم وأحداث تتابع عليهم. ولم يخل اللّه- سبحانه- خلقه من نبيّ مرسل أو كتاب منزل أو حجّة لازمة أو محجّة قائمة، رسل لم‏تقصر  بهم قلّة عدوهم ولا كثرة المكذّبين  لهم، من سابق سمّى له من بعده أو غابر عرّفه من قبله. على ذلك نسلت القرون ومضت الدّهور وسلفت الآباء وخلفت الأبناء إلى أن بعث [اللّه- سبحانه-]  محمّدا [رسول اللّه-]  صلّى اللّه عليه وآله-] .

وَ كانَ اللَّهُ عَزِيزاً: لا يغلب فيما يريده.

حَكِيماً : فيما دبّر من أمر النّبوّة، وخصّ كلّ نبيّ بنوع من الوحي والإعجاز.

لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ: استدراك من مفهوم ما قبله، فكأنّه لمّا تعنّتوا عليه بسؤال كتاب ينزل عليهم من السّماء، واحتج عليهم إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قال: إنّهم لا يشهدون، ولكن اللّه يشهد. أو أنّهم أنكروه، ولكنّ اللّه يبيّنه ويقرّره.

بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ: من القرآن المعجز، الدّالّ على نبوّتك.

نقل أنّه لمّا نزل «إنّا أوحينا إليك» قالوا: ما نشهد لك. فنزلت .

أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ: ملتبسا بعلمه الخاصّ به، وهو العلم بتأليفه على نظم يعجز عنه كلّ بليغ. أو من استعدّ للنّبوّة واستأهل نزول الكتاب عليه. أو بعلمه الّذي يحتاج إليه النّاس في معاشهم ومعادهم.

و الجارّ والمجرور، على الأوّلين حال عن الفاعل. وعلى الثّالث حال عن المفعول. والجملة، كالتّفسير لما قبلها.

وَ الْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ: أيضا بنبوّتك.

وَ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً : وإن لم يشهد غيره أو كفى بما أقام من الحجج على صحّة نبوّتك عن استشهاد  بغيره.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّما أنزلت لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ في‏عليّ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً.

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالًا بَعِيداً :

لأنّهم جمعوا بين الضّلال والإضلال، ولأنّ المضلّ يكون أعرق في الضّلالة وأبعد من الانقلاع عنه.

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا: جمعوا بينهما. والظّلم أعمّ من الظّلم عليه وعلى غيره، إذا اجتمع مع الكفر.

لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً :

إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً: حال مقدّرة.

وَ كانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً : لا يصعب عليه.

في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقرأ أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: إنّ الّذين كفروا وظلموا آل محمّد حقّهم. (الآية).

و في أصول الكافي : أحمد بن مهران، عن عبد العظيم بن عبد اللّه الحسنيّ، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: نزل جبرئيل- عليه السّلام- بهذه الآية هكذا: إنّ الّذين كفروا وظلموا آل محمّد حقّهم لم يكن اللّه.

 (الآية).

و في تفسير العيّاشي ، مثله.

 

يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ:

قيل : لمّا قرّر أمر النّبوّة وبيّن الطّريق الموصل إلى العلم بها وأوعد من أنكرها، خاطب النّاس عامّة بالدّعوة وإلزام الحجة والوعد بالإجابة والوعيد على الرّدّ.

فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ، أي: إيمانا خيرا لكم. أو ائتوا أمرا خيرا لكم ممّا أنتم عليه.

و قيل : تقديره: يكن الإيمان خيرا لكم. ومنعه البصريّون، لأنّ «كان» لا يحذف مع اسمه إلّا فيما لا بدّ منه، ولأنّه يؤدّي إلى حذف الشّرط وجوابه.وَ إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ: فهو غنيّ عنكم، لا يتضرّر بكفركم كما لا ينتفع بإيمانكم. ونبّه على غناه بقوله: فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وهو ما اشتملتا عليه وما تركّبتا منه.

وَ كانَ اللَّهُ عَلِيماً: بأحوالهم.

حَكِيماً : فيما دبّر لهم.

و في أصول الكافي ، في تتمّة الخبر الأوّل، وفي تفسير العيّاشي ، عن الباقر- عليه السّلام-: قد جاءكم الرّسول بالحقّ من ربّكم في ولاية عليّ فآمنوا خيرا لكم وإن تكفروا بولاية عليّ. (الآية).

يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ قيل : الخطاب للفريقين، غلت اليهود في حطّ عيسى حتّى رموه بأنّه ولد لغير رشده، والنّصارى في رفعه حتّى اتّخذوه إلها.

و قيل: للنّصارى خاصّة. وهو أوفق لقوله: وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ، يعني: تنزيهه عن الشّريك والصّاحبة والولد.

إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ:

أوصلها إليها، وحصلها فيها.

في مجمع البيان : وعيسى- عليه السّلام- ممسوح البدن من الأدناس والآثام، كما روي عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : ثمّ قال: وصوّر ابن مريم في الرّحم دون الصّلب وإن كان مخلوقا في أصلاب الأنبياء- عليهم السّلام-.

وَ رُوحٌ مِنْهُ: ذو روح صدر منه، لا بتوسّط ما يجري مجرى الأصل والمادّة.

و قيل : سمّي روحا، لأنّه كان يحيي الأموات والقلوب.

و في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن‏

 

الحجّال، عن ثعلبة، عن حمران قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه: ورُوحٌ مِنْهُ. قال: هي روح مخلوقة، خلقها اللّه في آدم وعيسى.

و في كتاب التّوحيد ، بإسناده إلى أبي جعفر الأصمّ قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن الرّوح الّتي في آدم والّتي في عيسى، ما هما؟

قال: روحان مخلوقان اختارهما واصطفاهما، روح آدم وروح عيسى- عليهما السّلام-.

فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ، أي: الآلهة ثلاثة: اللّه، والمسيح، وأمّه. ويشهد له قوله: أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ. أو اللّه ثلاثة، إن صحّ أنّهم يقولون: اللّه ثلاثة أقانيم: الأب، والابن، وروح القدس.

و يريدون بالأب الذّات، وبالابن العلم، وبروح القدس الحياة.

انْتَهُوا: عن التّثليث.

خَيْراً لَكُمْ: اقصدوا خيرا لكم. وهو التّوحيد.

إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ، أي: واحد بالذّات، لا تعدّد فيه بوجه.

سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ: أسبّحه تسبيحا من أن يكون له ولد. كيف؟

و الولد لا بدّ أن يكون مماثلا للوالد. تعالى اللّه عن أن يكون له مماثل ومعادل.

لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ: ملكا وخلقا. لا يماثله شي‏ء من ذلك، فيتّخذه ولدا.

وَ كَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا : تنبيه على غناه عن الولد. فإنّ الحاجة إلى الولد ليكون وكيلا لأبيه. واللّه سبحانه قائم بحفظ الأشياء كاف في ذلك مستغن عمّن يخلّفه أو يعينه.

ْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ‏

: لن يأنف. من نكفت الدمع، إذا نحّيته بإصبعك كيلا يرى أثره على وجهك.

ْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ‏

: من أن يكون عبدا له. فإنّ عبوديّته شرف يتباهى به، وإنّما المذلّة والاستنكاف في عبوديّة غيره.

في مجمع البيان : روي أنّ وفد نجران قالوا لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-:يا محمّد، لم تعيب صاحبنا؟

قال ومن صاحبكم؟

قالوا: عيسى.

قال: وأيّ شي‏ء أقول فيه؟

قالوا: تقول إنّه عبد اللّه ورسوله. فنزلت الآية.

لَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ‏

: عطف على المسيح، أي: ولن تستنكف الملائكة المقرّبون أن يكونوا عبيد اللّه.

في كتاب علل الشّرايع ، بإسناده إلى سلمان الفارسي قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- لعليّ- عليه السّلام-: يا عليّ، تختّم باليمين تكن من المقرّبين.

قال: يا رسول اللّه، وما المقرّبون؟

قال: جبرئيل وميكائيل.

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم»، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- حاكيا عن جبرئيل- عليه السّلام-: إنّ بين اللّه وبين خلقه تسعين ألف حجاب. وأقرب الخلق إلى اللّه أنا وإسرافيل. وبيننا وبينه أربعة حجب: حجاب من نور، وحجاب من ظلمة، وحجاب من الغمام، وحجاب من الماء.

 

و احتج بالآية من زعم فضل الملائكة على الأنبياء وقال: مساقه لردّ النّصارى في رفع المسيح عن مقام العبوديّة، وذلك يقتضي أن يكون المعطوف عليه أعلى درجة منه حتّى يكون عدم استنكافهم كالدّليل على عدم استنكافه.

و جوابه، أنّ الآية للرّدّ على عبدة المسيح والملائكة، فلا يتّجه ذلك وإن سلم اختصاصها بالنّصارى، فلعلّه أراد بالعطف المبالغة باعتبار آخر دون التّكبير، كقولك:

أصبح الأمير لا يخالفه رئيس ولا مرؤوس .

و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى ابن عبّاس، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- حديث طويل، وفيه يقول- عليه السّلام-: لمّا عرج بي إلى السّماء الرّابعة أذّن جبرئيل وأقام ميكائيل، ثمّ قيل: ادن يا محمّد.فقلت: أتقدم وأنت بحضرتي يا جبرئيل؟

قال: نعم، إنّ اللّه- عزّ وجلّ- فضّل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقرّبين، وفضّلت أنت خاصّة. فدنوت وصلّيت بأهل السّماء الرّابعة.

 [و في كتاب الاحتجاج ، للطّبرسيّ- رحمه اللّه- عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- حديث طويل، وفيه قالوا: يا رسول اللّه، أخبرنا عن عليّ، أ هو أفضل أم ملائكة اللّه المقرّبون؟

فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: وهل شرّفت الملائكة إلّا بحبّها لمحمّد وعليّ وقبولها لولايتهما؟ وإنّه لا أحد من محبيّ عليّ- عليه السّلام- قد نظّف قلبه من قذر الغشّ والدّغل والغلّ  ونجاسة  الذّنوب إلّا كان أطهر وأفضل من الملائكة.

و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى المفضّل بن عمر ، عن الصّادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه- عليهم السّلام- عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: لمّا أسري بي إلى السّماء أوحى إليّ ربّي- جلّ جلاله- فقال: يا محمّد، إنّي اطلعت إلى  الأرض اطّلاعة فاخترتك منها فجعلتك نبيّا وشققت لك من اسمي اسما. فأنا المحمود وأنت محمّد. ثمّ اطّلعت الثّانية. فاخترت منها عليّا. وجعلته وصيّك وخليفتك وزوج ابنتك وأبا ذرّيّتك.

و شققت له اسما من أسمائي. فأنا العليّ الأعلى وهو عليّ. وخلقت فاطمة والحسن والحسين من نور كما. ثمّ عرضت ولايتهم على الملائكة. فمن قبلها كان عندي من المقرّبين.

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

و في أمالي الصّدوق ، بإسناده إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- حديث طويل، يذكر فيه فاطمة- عليها السّلام- وفيه: فإنّها تقوم  في محرابها فيسلّم عليها سبعون ألف‏ملك من الملائكة المقرّبين، وينادونها بما نادت به الملائكة مريم‏] .

مَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ

: يترفّع عنها.

و الاستكبار، دون الاستنكاف. وإنّما يستعمل حيث لا استحقاق، بخلاف التّكبر فإنّه قد يكون باستحقاق، كما هو في اللّه- سبحانه-.

َيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً

 : المستنكف والمستكبر والمقرّ بالعبوديّة، فيجازيهم على حسب أحوالهم.

فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً : تفصيل للمجازاة، المدلول عليها من فحوى الكلام. وكأنّه قال: فسيحشرهم إليه جميعا يوم يحشر العباد للمجازاة. أو لمجازاة المستنكف والمستكبر.

فإنّ إثابة مقابليهم والإحسان إليهم تعذيب لهم بالغمّ والحسرة.

يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً :

قيل : المراد بالبرهان، المعجزات، وبالنّور، القرآن، أي: جاءكم دلائل العقل وشواهد النّقل، ولم يبق لكم عذر ولا علّة.

و قيل: البرهان، رسول اللّه، والنّور، القرآن.

و في مجمع البيان ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-: النّور، ولاية عليّ- عليه السّلام-.

فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ: ثواب مستحقّ.

وَ فَضْلٍ: وإحسان زائد عليه.

وَ يَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ: إلى اللّه. أو الموعود من الرّحمة والفضل.

صِراطاً مُسْتَقِيماً : قد مرّ تحقيق معنى الصّراط في سورة الفاتحة.

و في تفسير العيّاشي : عن عبد اللّه بن سليمان قال: قلت لأبي عبد اللّه‏- عليه السّلام-: قوله: قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ (الآية) قال: البرهان، محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- والنّور، عليّ- عليه السّلام-.

قال: قلت له: صِراطاً مُسْتَقِيماً.

قال: الصّراط المستقيم، عليّ- عليه السّلام-.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : النّور، إمامة أمير المؤمنين. والاعتصام، التّمسّك بولايته وولاية الأئمّة بعده.

يَسْتَفْتُونَكَ، أي: في الكلالة. حذفت لدلالة الجواب عليه.

نقل: أنّ جابر بن عبد اللّه كان مريضا. فعاوده رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فقال: يا رسول اللّه، إنّ لي كلالة، فكيف أصنع في مالي؟ فنزلت .

و روي في مجمع البيان  ما يقرب من ذلك.

 

قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ: معنى تفسيرها في أوائل السّورة.

 [و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه جميعا، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن جميل بن درّاج، عن زرارة قال: إذا ترك الرّجل أمّه أو أباه أو ابنه أو ابنته فإذا ترك واحدا من الأربعة، فليس بالّذي عنى اللّه في كتابه: قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ.

عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد  ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه جميعا، عن ابن محبوب، عن أبي أيّوب وعبد اللّه بن بكير، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إذا ترك الرّجل أباه أو أمّه أو ابنه أو ابنته إذا ترك واحدا من هؤلاء الأربعة، فليس هم الّذين عنى اللّه: قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ] .

إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ: ارتفع «امرؤ» بفعل يفسّره الظّاهر. وليس «له ولد» صفة له، أو حال من المستكنّ في «هلك». و «الواو» في «له» يحتمل الحال والعطف، أي: أخت لأب وأمّ. أو أخت لأب. كذا

عن الصّادق- عليه السّلام-.

 

فللأخت نصف ما ترك الميّت بالفرض، والباقي يردّ عليها- أيضا-.

وَ هُوَ يَرِثُها، أي: المرء يرث أخته جميع مالها، إن كانت الأخت هي الميّتة.

إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ: ولا والد. لأنّ الكلام في ميراث الكلالة، ولأنّ السّنّة دلّت على أنّ الإخوة لا يرثون مع الأب. كما تواتر عن أهل البيت- عليهم السّلام-.

فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ: الضّمير لمن يرث بالأخوّة. وتثنيته محمولة على المعنى.

و فائدة الأخبار باثنتين، التّنبيه على أنّ الحكم باعتبار العدد دون الصّغر والكبر وغيرهما.

فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالًا وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ: فيه تغليب وأصله: إن كانوا إخوة وأخوات. فغلّب المذكّر.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن بكير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إذا مات الرّجل وله أخت تأخذ نصف الميراث بالآية، كما تأخذ البنت لو كانت والنّصف الآخر يردّ عليها بالرّحم إذا لم يكن للميّت وارث أقرب منها. فإن كان موضع الأخت أخ أخذ الميراث كلّه بالآية لقول اللّه- تعالى-: وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ. فإن كانتا أختين أخذتا الثّلثين بالآية، والثّلث الباقي بالرّحم. وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ. وذلك كلّه إذا لم يكن للميّت ولد أو أبوان أو زوجة.

 [و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير ومحمّد بن عيسى، عن يونس، عن عمر بن أذينة، عن بكير قال: جاء رجل إلى أبي جعفر- عليه السّلام- فسأله عن امرأة تركت زوجها وإخوتها لأمّها وأختها لأبيها.

فقال: للزّوج النّصف ثلاثة أسهم، وللإخوة من الأمّ الثّلث سهمان، وللأخت من الأب السّدس سهم.

فقال له الرّجل: فإنّ فرائض زيد وفرائض العامّة والقضاة  على غير ذلك يا أبا جعفر، يقولون: للأخت من الأب ثلاثة أسهم تصير من ستّة وتعول إلى ثمانية.فقال أبو جعفر- عليه السّلام-: فلم قالوا ذلك؟

قال: لأنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول: وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ.

فقال أبو جعفر- عليه السّلام-: فإن كانت الأخت أخا؟

قال: فليس له إلّا السّدس.

فقال له أبو جعفر- عليه السّلام-: فما لكم نقصتم الأخ إن كنتم تحتجّون للأخت النّصف بأنّ اللّه سمّى لها النّصف، فإنّ اللّه قد سمّى للأخ الكلّ. والكلّ أكثر من النّصف لأنّه قال- عزّ وجلّ-: فَلَهَا النِّصْفُ وقال للأخ وَهُوَ يَرِثُها، يعني:

جميع مالها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فلا تعطون الّذي جعل اللّه له الجميع في بعض فرائضكم شيئا، وتعطون الّذي جعل اللّه له النّصف تاما.

فقال له الرّجل: أصلحك اللّه، فكيف يعطى  الأخت النّصف ولا يعطى  الذّكر لو كانت هي ذكرا شيئا؟

فقال: يقولون  في أمّ وزوج وإخوة لأمّ وأخت لأب، فيعطون  الزّوج النّصف والأمّ السّدس والإخوة من الأمّ الثّلث والأخت من الأب النّصف ثلاثة، فيجعلونها من تسعة وهي من ستّة، فترتفع إلى تسعة.

قال: وكذلك يقولون  فإن كانت الأخت ذكرا أخا لأب.

 

قال: ليس له شي‏ء.

فقال الرّجل لأبي جعفر- عليه السّلام-: فما تقول أنت- جعلت فداك -؟

فقال: ليس للإخوة من الأب والأمّ ولا للإخوة» من الأمّ ولا الإخوة من الأب مع الأمّ شي‏ء .

قال عمر بن أذينة: وسمعته من محمّد بن مسلم يرويه مثل ما ذكر من  بكيرالمعنى سواء، ولست أحفظه بحروفه وتفصيله إلّا معناه. قال فذكرت ذلك لزرارة.

فقال: صدقا هو واللّه الحقّ.

محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان ، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، عن بكير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سأله رجل عن أختين وزوج.

فقال: النّصف والنّصف.

فقال الرّجل: أصلحك اللّه، قد سمّى اللّه لهما أكثر من هذا، لهما  الثّلثان.

فقال: ما تقول في أخ وزوج؟

فقال: النّصف والنّصف.

فقال: أليس اللّه قد سمّى له  المال فقال: وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ؟

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن عليّ، عن عبد اللّه بن المغيرة ، عن موسى بن بكر قال: قلت لزرارة: إنّ بكير حدّثني، عن أبي جعفر- عليه السّلام- أنّ الإخوة للأب والأخوات للأب والأمّ يزادون وينقصون لأنّهنّ لا يكنّ أكثر نصيبا من الإخوة والأخوات للأب والأمّ لو كانوا مكانهنّ، لأنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول: إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ يقول: يرث جميع مالها إن لم يكن لها ولد، فأعطوا من سمّى اللّه له النّصف كملا، وعمدوا فأعطوا الّذي سمّى اللّه له المال كلّه أقلّ من النّصف، والمرأة لا تكون أبدا أكثر نصيبا من الرّجل  لو كان مكانها.

قال: فقال زرارة: وهذا قائم عند أصحابنا لا يختلفون فيه.عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ومحمّد بن عيسى، عن يونس جميعا، عن عمر بن أذينة، عن بكير بن أعين، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- وذكر حديثا طويلا يقول- عليه السّلام- في آخره: وفي آخر سورة النّساء يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ، يعني: أختا  لأب وأمّ. أو أختا  لأب فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ ... وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالًا وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وهم الّذين يزادون وينقصون.]

 

يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا، أي: يبيّن لكم ضلالكم الّذي من شأنكم إذا خليتم وطبائعكم، لتحترزوا عنه وتتحرّوا خلافه. أو يبيّن لكم الحقّ والصّواب، كراهة أن تضلّوا.

و قال الكوفيّون : لئلّا تضلّوا. فحذف «لا».

وَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيمٌ : فهو عالم بمصالح العباد في المحيا والممات.

قيل . هي آخر آية نزلت في الأحكام.