سورة النّساء الآية 21-40

وَ كَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ: إنكار لاسترداد المهر، والحال أنّه وصل إليها بالملامسة ودخل بها وتقرّر المهر.

وَ أَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً : عهدا وثيقا.

في مجمع البيان : عن الباقر- عليه السّلام-: هو العهد المأخوذ على الزّوج حالة العقد، من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.

و في الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن أبي أيّوب، عن بريد [العجليّ‏]  قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-:

وَ أَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً.

 

قال: الميثاق هي الكلمة الّتي عقد بها النّكاح، وأمّا [قوله: «]  غليظا». فهو ماء الرّجل يفضيه إليها .

و عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-:  أخذتموهنّ بأمانة اللّه، واستحللتم فروجهنّ بكلمة اللّه.

وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ، أي: الّتي نكحها آباؤكم. وإنّما ذكر «ما» دون «من» لأنّه أريد به الصّفة، أو إشارة إلى نقصان عقولهنّ.

و قيل : «ما» مصدريّة، على إرادة المفعول من المصدر.

مِنَ النِّساءِ: بيان ما نكح على الوجهين.

إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ: استثناء من المعنى اللازم للنّهي، وكأنّه قيل: تستحقّون العقاب بنكاح منكوحة آبائكم، إلّا ما قد سلف. أو من اللّفظ، للمبالغة في التّحريم والتّعميم، كقوله :

         ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم.             بهنّ فلول من قراع الكتائب‏

 و المعنى: ولا تنكحوا حلائل آبائكم، إلّا ما قد سلف، إن أمكنكم أن تنكحوه.

و قيل : الاستثناء منقطع، ومعناه: لكن ما قد سلف فإنّه لا مؤاخذة عليه.

و في تفسير العيّاشيّ : عن الباقر- عليه السّلام- يقول اللّه- تعالى-:

وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ [فلا يصلح للرّجل أن ينكح امرأة جدّه.

و فيه : عن الحسين بن سرير  قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: إنّ اللّه حرّم علينا نساء النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- يقول اللّه- تبارك وتعالى-:

وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ.]

 

و في عيون الأخبار : في باب ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- في قول النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: «أنا ابن الذّبيحين» حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام-: وكانت لعبد المطّلب خمس من السّنن أجراها اللّه- تعالى- في الإسلام، حرّم نساء الآباء على الأبناء.

إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً: علّة للنّهي، أي: أنّ نكاحهنّ كان فاحشة عند اللّه، ما رخّص فيه لأمّة من الأمم، ممقوتا عند ذوي المروءات. ولذلك سمّي ولد الرّجل من زوجة أبيه: المقتى.

وَ ساءَ سَبِيلًا : سبيل من يراه ويفعله. وقد مرّ سبب نزولها.

حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ: المراد تحريم نكاحهنّ، لأنّه معظم ما يقصد منهنّ، ولأنّه المتبادر إلى الفهم.

و الأمّهات، يعمّ من ولدتك، أو ولدت من ولدك وإن علت.

و البنات، تتناول من ولدتها، أو ولدت من ولدها وإن سفلت.و الأخوات، يشمل الأخوات من الأوجه الثّلاثة وكذا الباقيات.

و العمّة، كلّ أنثى ولدها من ولد ذكرا ولدك.

و الخالة، كلّ أنثى ولدها من ولد أنثى ولدتك، قريبا أو بعيدا.

و بنات الأخ وبنات الأخت، تتناول القربى والبعدى.

وَ أُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ: سمّاهما أمّا وأختا، لأنّه‏

قال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله -: يحرم من الرّضاعة ما يحرم من النّسب.

و قال : للرّضاع لحمة كلحمة النّسب، فعمّ التحرّيم.

وَ أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ: وإن علون.

وَ رَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ، أي: دخلتم بهنّ في السّتر، وهي كناية عن الجماع.

و الرّبائب، جمع ربيبة. والرّبيب، ولد المرأة من آخر، سمّي به لأنّه يربّه كما يربّ ولده في غالب الأمر، فعيل، بمعنى: مفعول. وإنّما لحقه التّاء، لأنّه صار اسما.

و اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ صفة لها. وفائدتها تقوية العلّة وتكميلها، والمعنى: أنّ الرّبائب إذا كانت في احتضانكم قوي الشّبهة بينهما وبين أولادكم، فصارت أحقّاء بأن تجروها مجراهم لا تقييد الحرمة.

و اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ صفة للنّساء. والثّاني مقيّدة للّفظ والحكم، ولا يجوز أن يكون صفة للنّسائين، لأنّ عاملهما مختلف.

فالحاصل من مضمون الآية، أنّ أمّهات النّساء حرام مطلقا دخل بالنّساء أم لم يدخل إذا عقد عليها، ولا يحرم بنات النّساء إلّا إذا دخل بالأمّهات.

ففي من لا يحضره الفقيه، والتّهذيب : عن أمير المؤمنين- عليه السّلام-: إذا تزوّج الرّجل المرأة حرمت عليه ابنتها إذا دخل بالأمّ، فإذا لم يدخل بالأمّ فلا بأس أن يتزوّج بالابنة. وإذا تزوّج الابنة فدخل بها أو لم يدخل بها فقد حرمت عليه الأمّ.

و قال- عليه السّلام-: الربائب [عليكم‏]  حرام كنّ في الحجر أو لم يكن.و

في رواية أخرى قال

: الربائب [عليكم‏]  حرام مع الأمّهات الّتي قد دخلتم  بهنّ [هنّ‏]  في الحجور وغير الحجور [سواء]  والأمّهات مبهمات دخل بالبنات أم لم يدخل بهنّ [فحرّموا وأبهموا ما أبهم اللّه.]

 

فما ورد عنهم- عليهم السّلام- بخلاف ذلك محمول على التقيّة لموافقته العامّة ومخالفته القرآن.

و في الكافي : [محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب، عن خالد بن جرير، عن أبي الرّبيع قال: سئل أبو عبد اللّه- عليه السّلام- عن رجل تزوّج امرأة فمكث أيّاما معها لا يستطيعها ، غير أنّه قد رأى منها ما يحرم على غيره ثمّ يطلّقها، أ يصلح له أن يتزوّج ابنتها؟

فقال: لا يصلح له وقد رأى من أمّها ما رأى.

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم ، عن العلا بن رزين، عن محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن رجل كانت له جارية فعتقت فتزوّجت فولدت، أ يصلح لمولاها الأوّل أن يتزوّج ابنتها؟

قال: هي حرام عليه، وهي ابنته، والحرّة والمملوكة في هذا سواء [ثم‏]  قرأ هذه الآية: وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ.

 

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب، عن العلا بن رزين، عن‏

 محمّد بن مسلم، عن أحدهما- عليهما السّلام- مثله.

أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد ، عن النّضر بن سويد، عن القاسم بن سليمان، عن عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في الرّجل يكون له الجارية يصيب منها، أ يصلح له  أن ينكح ابنتها؟

قال: لا، هي مثل قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ.

 

أبو عليّ الأشعريّ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن صفوان بن يحيى، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قلت:]  رجل طلّق امرأته فبانت منه، ولها ابنة مملوكة فاشتراها، أ يحلّ له أن يطأها؟

قال: لا.

و عن الرّجل يكون عنده المملوكة وابنتها فيطأ إحداهما فتموت وتبقى الأخرى، أ يصلح له أن يطأها؟

قال: لا.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم

: أنّ الخوارج زعمت، أنّ الرّجل إذا كانت لأهله بنت ولم يربّها ولم تكن في حجره حلّت له لقول اللّه: اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ ثمّ قال الصّادق- عليه السّلام-: لا تحلّ له.

فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ: تصريح بعد إشعار، دفعا للقياس.

 [في الكافي : أبو عليّ الأشعريّ، عن محمّد بن عبد الجبّار ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى، عن منصور بن حازم قال: كنت عند أبي عبد اللّه- عليه السّلام- فأتاه رجل، فسأله عن رجل تزوّج امرأة فماتت قبل أن يدخل بها، يتزوّج بأمّها؟

فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: قد فعله رجل منّا» فلم نر به بأسا.فقلت: جعلت فداك، ما تفخر الشّيعة إلّا بقضاء عليّ- عليه السّلام- في هذه الشّمخيّة  الّتي أفتاها ابن مسعود، أنّه لا بأس بذلك، ثمّ أتى عليّا- عليه السّلام- فسأله، فقال له عليّ- عليه السّلام-: من أين أخذتها؟ فقال: من قول اللّه- عزّ وجلّ-:

و رَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فقال عليّ- عليه السّلام-: إنّ هذه مستثناة، وهذه مرسلة وأمّهات نسائكم.

فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام- [للرّجل:]  أما تسمع ما يروى هذا عن عليّ- عليه السّلام-؟

فلمّا قمت ندمت وقلت: أيّ شي‏ء صنعت، يقول: قد فعله رجل منّا فلم نر به بأسا، وأقول أنا: قضى عليّ - عليه السّلام- فيها، فلقيته بعد ذلك فقلت: جعلت فداك، مسألة الرّجل إنّما كان الّذي قلت يقول كان زلّة منّي، فما تقول فيها؟

فقال: يا شيخ، تخبرني أنّ عليّا- عليه السّلام- قضى بها وتسألني ما تقول فيها؟

عليّ بن إبراهيم، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج وحمّاد بن عثمان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: الأمّ والابنة سواء إذا لم يدخل بها [، يعني:]  إذا تزوّج المرأة ثمّ طلّقها قبل أن يدخل بها فإنّه إن شاء تزوّج أمّها وإن شاء تزوّج ابنتها.

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: سألت أبا الحسن- عليه السّلام- عن الرّجل يتزوّج المرأة متعة، أ يحلّ له أن يتزوّج ابنتها؟

قال: لا.

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم، عن العلا بن رزين، عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما- عليهما السّلام- قال: سألته عن رجل تزوّج امرأة فنظر [إلى رأسها وإلى‏]  بعض جسدها، أ يتزوّج ابنتها؟

قال: لا، إذا رأى منها ما يحرم على غيره فليس له أن يتزوّج ابنتها.فقال: قد ذكرنا من ما ورد عنهم- عليهم السّلام- بخلاف ما يدلّ عليه ظاهر القرآن والأخبار الصّحيحة، محمول على التّقيّة لموافقة العامّة ومخالفة القرآن، وقد ردّ شيخ الطّائفة في «التّهذيب»  الأحاديث المتضّمنة لعدم تحريم الأمّ بدون الدّخول بالنّسبة للشّذوذ ولمخالفة ظاهر الكتاب قال: وكلّ حديث ورد هذا المورد فإنّه لا يجوز العمل به، لأنّه‏

ورد عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- وعن الأئمّة- عليهم السّلام- أنّهم قالوا: إذا جاءكم عنّا حديث فاعرضوه على كتاب اللّه، فما وافق كتاب اللّه فخذوه وما خالفه فاطرحوه أو ردّوه علينا.]

 

وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ: زوجاتهم، سمّيت الزّوجة حليلة لحلّها أو لحلولها مع الزّوج.

الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ: احتراز عن المتبنّى لا عن أبناء الولد، فإنّهم الأولاد للصّلب فيشملونهم وإن سفلوا.

في الكافي، والتّهذيب : عن الصّادق- عليه السّلام- في الرّجل تكون عنده الجارية يجرّدها وينظر إلى جسدها نظر شهوة [و ينظر منها إلى ما يحرم على غيره،]  هل تحلّ لأبيه؟ وإن فعل [ذلك‏]  أبوه هل تحلّ لابنه؟

قال: إذا نظر إليها نظر شهوة ونظر منها إلى ما يحرم على غيره لم تحلّ لابنه، وإن فعل ذلك الابن لم تحلّ لأبيه .

و في الكافي ، عن الباقر- عليه السّلام- في حديث: هل كان [يحلّ‏]  لرسول اللّه [نكاح‏]  حليلتي الحسن والحسين- عليهما السّلام-  فإن قالوا: نعم، كذبوا وفجروا، وإن قالوا: لا، فهما ابناه لصلبه.و في هذا الخبر دلالة، على أنّ ولد البنت ولد الصّلب، وحليلته تحرم على الجدّ. وفي الخبر الأوّل دلالة، على تحريم حليلة الابن وإن لم يدخل بها الابن.

وَ أَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ: في موضع الرّفع، عطفا على المحرّمات. والحرمة غير مقصورة على النّكاح، بل يشمل النّكاح وملك اليمين.

 [و في كتاب علل الشّرائع : بإسناده إلى مروان بن دينار قال: قلت لأبي إبراهيم- عليه السّلام-: لأيّ علّة لا يجوز للرّجل أن يجمع بين الأختين في عقد واحد ؟

فقال: لتحصين الإسلام، وفي سائر الأديان  ترى ذلك.]

 

و في الكافي ، عن الصّادق- عليه السّلام- في رجل طلّق امرأته أو اختلعت أو بارأت ، أ له أن يتزوّج بأختها؟ قال:

 [فقال:]  إذا برأت عصمتها ولم يكن عليها رجعة فله أن يخطب أختها.

قال: وسئل عن رجل  كانت عنده أختان مملوكتان، فوطئ إحداهما ثمّ وطئ الأخرى؟

قال: إذا وطئ الأخرى فقد حرمت عليه الأولى ، حتّى تموت الأخرى.

قلت: أ رأيت إن باعها، أ تحلّ له الأولى؟

قال: إن كان يبيعها لحاجة ولا يخطر على قلبه من الأخرى شي‏ء فلا أرى بذلك بأسا، وإن كان إنّما يبيعها ليرجع إلى الأولى فلا، ولا كرامة.

و في التّهذيب : عنه، عن أبيه- عليهما السّلام- في أختين مملوكتين تكونان‏عند الرّجل جميعا.

قال: قال عليّ- عليه السّلام-: أحلتهما آية وحرّمتهما آيه أخرى، وأنا أنهى عنهما نفسي وولدي‏

 (انتهى.)

و الآية المحلّلة قوله سبحانه: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ والآية المحرّمة هي قوله- عزّ وجلّ-: وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ.

و جعل في التهذيب  مورد الحلّ الملك، ومورد الحرمة الوطء.

و ممّا يدلّ على أنّ موردهما واحد،

ما رواه فيه : عن الباقر- عليه السّلام- أنّه سئل عمّا يروي النّاس عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- عن أشياء من الفروج لم يكن يأمر بها ولا ينهى عنها إلّا نفسه وولده، فقيل : كيف يكون ذلك؟

قال: أحلّتها آية وحرّمتها [آية]  أخرى.

فقيل: هل إلّا أن يكون إحداهما» نسخت الأخرى، أم هما محكمتان ينبغي أن يعمل بهما؟

فقال: قد بيّن لهم إذ نهى نفسه وولده.

قيل : ما منعه أن يبيّن ذلك للنّاس؟

قال: خشي أن لا يطاع، ولو أنّ أمير المؤمنين- عليه السّلام- ثبتت قدماه أقام الكتاب كلّه والحقّ كلّه‏

 (انتهى.)

و وجه، أنّه- عليه السّلام- لم يصرّح بالحقّ، أنّ عثمان رجّح التّحليل في وطء الأختين المملوكتين، كما نقلوا عنه.

إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ: استثناء من لازم المعنى، أو منقطع معناه، لكن ما قد سلف مغفور له.إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً ، أي: يغفر لما سلف منهم قبل الإسلام من الجمع بين الأختين، فإنّ الإسلام يجبّ ما قبله.

 [و في كتاب الخصال : عن موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- أنّه قال: سئل أبي- عليه السّلام- عمّا حرّم اللّه تعالى من الفروج في القرآن، وعمّا حرمه رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- في سنّته؟

فقال: الّذي حرم اللّه من ذلك أربعة وثلاثين وجها، سبعة عشر في القرآن وسبعة عشر في السّنّة، فأمّا الّتي في القرآن فالزّنا، قال اللّه تعالى: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى ونكاح امرأة الأب، قال اللّه- تعالى-: وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ وأُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ والحائض حتّى تطهر، قال اللّه- عزّ وجلّ-:

وَ لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ والنّكاح في الاعتكاف، قال اللّه- عزّ وجلّ-:

وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ.

فأمّا الّتي في السّنّة، فالمواقعة في شهر رمضان نهارا، وتزويج  الملاعنة بعد اللّعان، والتّزويج في العدّة، والمواقعة في الإحرام، والمحرم يتزوّج أو يزوّج، والمظاهر قبل أن يكفّر، وتزويج المشركة، وتزويج الرّجل امرأة قد طلّقها للعدّة تسع تطليقات، وتزويج [الأمة]  على الحرّة، وتزويج الذّمّيّة على المسلمة، وتزويج المرأة على عمّتها وخالتها، وتزويج الأمة من غير إذن مولاها، وتزويج الأمة على من  يقدر على تزويج الحرّة، والجارية من السّبي [قبل القسمة،]  والجارية المشركة ، والجارية المشتراة  قبل أن يستبرئها ، والمكاتبة الّتي قد أدّت بعض المكاتبة.]

 

وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ: ذوات الأزواج، أحصنهنّ التّزويج أو الازدواج.

و قرأ الكسائيّ في جميع القرآن غير هذا الحرف، بكسر الصّاد، لأنهنّ أحصن فروجهنّ.

و في من لا يحضره الفقيه، وفي تفسير العيّاشيّ : عن الصّادق- عليه السّلام-:

هنّ ذوات الأزواج.

إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ: من اللائي سبين ولهنّ أزواج كفّار، فإنّهنّ حلائل للسّابين، والنّكاح مرتفع بالسّبي.

كما

في مجمع البيان : عن أمير المؤمنين- عليه السّلام: واللائي اشترين ولهنّ أزواج، فإنّ بيعهنّ طلاقهنّ.

كما

في الكافي ، عن الصّادق- عليه السّلام- في عدّة روايات: واللائي تحت العبيد، فيأمرهم مواليهم بالاعتزال ويستبرءوهنّ ثمّ يمسّوهنّ بغير نكاح.

و فيه : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن أبي أيّوب، عن محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-:

وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ.

 

قال: هو أن يأمر الرّجل عبده وتحته أمته، فيقول له: اعتزل امرأتك ولا تقربها، ثمّ  يحبسها  عنه حتّى تحيض، ثمّ يمسّها، فإذا حاضت بعد مسّه إيّاها ردّها عليه بغير نكاح.

كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ: مصدر لفعل محذوف، أي: كتب اللّه عليكم تحريم هؤلاء كتابا.

و قرئ: «كتب اللّه» بالجمع والرّفع، أي: هذه فرائض اللّه عليكم. و«كتب‏اللّه» بلفظ الفعل .

وَ أُحِلَّ لَكُمْ: عطف على الفعل المضمر الّذي نصب «كتاب اللّه».

و قرأ حمزة والكسائيّ وحفص عن عاصم، على البناء للمفعول، عطفا على «حرّمت» .

ما وَراءَ ذلِكُمْ: سوى المحرّمات الثّمان المذكورة وخرج عنه بالسّنّة ما في معنى المذكورات، كسائر محرّمات الرّضاع، والجمع بين المرأة وعمّتها وخالتها بغير إذنهما.

في الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن عليّ بن فضّال ، عن ابن بكير، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: لا تزوّج ابنة الأخ ولا ابنة الأخت على العمّة ولا على الخالة إلّا بإذنهما، وتزوّج العمّة والخالة على ابنة الأخ وابنة الأخت بغير إذنهما.

عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد ، عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن أبي عبيدة الحذّاء قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- قال: لا تنكح المرأة على عمّتها ولا خالتها، إلّا بإذن العمّة والخالة.

و في تهذيب الأحكام : محمّد بن يحيى، عن بنان بن محمّد، عن موسى بن القاسم، عن عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر- عليه السّلام- قال: سألته عن امرأة تزوّجت  على عمّتها وخالتها؟

قال: لا بأس، وقال: تزوّج العمّة والخالة على ابنة الأخ وابنة الأخت، ولا تزوّج بنت الأخ والأخت على العمّة والخالة إلّا برضا منهما، فمن فعل فنكاحه باطل.

و أمّا

ما رواه في غوالي اللئالي ، عن عليّ بن جعفر قال: سألت أخي موسى- عليه السّلام- عن الرّجل يتزوّج المرأة على عمّتها أو خالتها؟

قال: لا بأس، لأنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول: وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ‏

 

فمحمول‏على أنّه إذا كان التّزوّج بإذنهما.

أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ: مفعول له، والمعنى: أحلّ لكم ما وراء ذلكم، إرادة أن تبتغوا النساء بأموالكم بالصّرف في مهورهنّ أو أثمانهنّ في حال كونكم محصنين غير مسافحين.

و يجوز أن لا يقدّر مفعول «تبتغوا» وكأنّه قيل: إرادة أن تصرفوا أموالكم محصنين غير مسافحين.

أو بدل من «ما وراء ذلكم» بدل الاشتمال.

و الإحصان، العفّة، لأنّها تحصن النّفس عن اللّوم والعقاب.

و السّفاح، الزّنا. من السّفح، وهو صبّ المنيّ. فإنّه الغرض منه.

فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ: فمن تمتّعتم به من المنكوحات، أو فما استمتعتم به منهنّ من جماع أو عقد عليهنّ.

فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ: مهورهنّ. سمّي أجرا، لأنّه في مقابلة الاستمتاع.

فَرِيضَةً: حال من الأجور، بمعنى: مفروضة. أو صفة مصدر محذوف، أي: إيتاء مفروضا. أو مصدر حذف عامله، أي: فرض ذلك الإيتاء فريضة، ناب عن فعله.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عليّ بن الحسن بن رباط، عن حريز، عن عبد الرّحمن بن أبي عبد اللّه قال: سمعت أبا حنيفة يسأل أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن المتعة.

فقال: [عن‏]  أيّ المتعتين تسأل؟

فقال : سألتك عن متعة الحجّ، فأنبئني عن متعة النّساء، أحقّ هي ؟

فقال: سبحان اللّه، أما قرأت  كتاب اللّه- عزّ وجلّ- فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً.

 

فقال أبو حنيفة: واللّه لكأنّها  آية لم أقرأها قطّ.عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد  وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه جميعا، عن ابن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن أبي بصير قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن المتعة.

فقال نزلت في القرآن: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً

 

 .

عليّ بن إبراهيم، عن أبيه»، عن ابن أبي عمير، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّما نزلت: فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن فريضة.

 [عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ.

 

فقال: ما تراضوا به من بعد النّكاح فهو جائز، وما كان قبل النّكاح فلا يجوز إلّا برضاها وبشي‏ء يعطيها فترضى به.]

 

و في تفسير العيّاشيّ : عن أبي بصير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: كان يقرأ فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن فريضة  [فقال: هو أن يتزوّجها  إلى أجل ثمّ يحدث شيئا بعد الأجل.

عن عبد اللّه بن سلام ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قلت له: ما تقول في المتعة؟

قال: قول اللّه: فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة إلى أجل مسمى ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضةقال: قلت: جعلت فداك، هي من الأربع؟

قال: ليست من الأربع، إنّما هي إجارة .]

 

و فيه : عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- [قال:]  قال جابر بن عبد اللّه عن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: أنّهم غزوا معه فأحلّ [لهم‏]  المتعة ولم يحرّمها، وكان عليّ- عليه السّلام- يقول: لولا ما سبقني به ابن الخطّاب، يعني: عمر، مازنى إلّا شقيّ [و كان ابن عبّاس يقول: «فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى» يقول: إذا  اتيتموهنّ  أجورهنّ [فريضة،]  وهؤلاء يكفرون بها ورسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أحلّها ولم يحرّمها.]

 

وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ: من زيادة في المهر، أو الأجل، أو نقصان فيهما، أو غير ذلك، ممّا لا يخالف الشّرع.

و في تفسير العيّاشيّ : عن أبي بصير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في المتعة قال:

نزلت هذه [الآية:]  فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ قال: لا بأس بأن تزيدها وتزيدك إذا انقطع الأجل فيما بينكما، تقول: استحللتك بأجل آخر، برضا منها ولا تحلّ لغيرك حتّى تنقضي عدّتها، وعدّتها حيضتان.

إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً: بالمصالح.

حَكِيماً : فيما شرّع من الأحكام.

في الكافي : عن الصّادق- عليه السّلام-: المتعة نزل بها القرآن وجرت بها السّنّة من رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.و

في من لا يحضره الفقيه : عنه- عليه السّلام-: ليس منّا من لم يؤمن بكرّتنا ويستحلّ متعتنا.

و اعلم، أنّ عمر حرّم المتعة، متعة النّساء ومتعة الحجّ، بقوله:

متعتان كانتا على عهد رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أنا محرّمهما ومعاقب عليهما، متعة الحجّ ومتعة النّساء. وبقوله: ثلاث كنّ على عهد رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أنا محرمهنّ ومعاقب عليهنّ، متعة الحجّ، ومتعة النّساء ، وحيّ على خير العمل في الأذان .

و في الكافي : جاء [عبد اللّه بن‏]  عمير اللّيثيّ إلى أبي جعفر- عليه السّلام- فقال له: ما تقول في متعة النّساء؟

فقال: أحلّها اللّه في كتابه وعلى لسان نبيّه- صلّى اللّه عليه وآله- فهي حلال إلى يوم القيامة.

فقال: يا أبا جعفر، مثلك يقول هذا، وقد حرّمها عمر ونهى عنها.

فقال: وإن كان فعل.

قال: قال: فإنّي أعيذك باللّه من ذلك أن تحلّ شيئا حرّمه عمر.

فقال له: فأنت على قول صاحبك، وأنا على قول رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فهلمّ ألاعنك، أنّ القول ما قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وأنّ الباطل ما قال صاحبك.

قال: فأقبل عبد اللّه بن عمير فقال: يسرّك أنّ نساءك وبناتك وأخواتك وبنات عمّك يفعلنّ.

قال: فأعرض  عنه أبو جعفر- عليه السّلام- حين ذكر نسائه وبنات عمّه.و فيه

: سأل أبو حنيفة أبا جعفر محمّد بن النّعمان- صاحب الطّاق- فقال له: يا أبا جعفر، ما تقول في المتعة، أ تزعم أنّها حلال؟

قال: نعم.

قال: فما يمنعك أن تأمر نساءك يستمتعن ويكتسبن عليك؟

فقال له أبو جعفر: ليس كلّ الصّناعات يرغب فيها وإن كانت حلالا، وللنّاس أقدار ومراتب يرفعون أقدارهم، ولكن ما تقول يا أبا حنيفة في النبيذ، أ تزعم أنّه حلال؟

فقال: نعم.

قال: فما يمنعك أن تقعد نساءك في الحوانيت نبّاذات فيكتسبن عليك؟

فقال أبو حنيفة: واحدة بواحدة، وسهمك أنفذ، ثمّ قال [له:]  يا أبا جعفر، إنّ الآية الّتي في سأل سائل تنطق بتحريم المتعة، والرّواية عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قد جاءت بنسخها.

فقال له أبو جعفر: يا أبا حنيفة، إنّ سورة سأل سائل مكّيّة وآية المتعة مدنيّة وروايتك شاذّة رديّة.

فقال أبو حنيفة: وآية الميراث أيضا تنطق بنسخ المتعة.

فقال له أبو جعفر: قد ثبت النّكاح بغير ميراث.

فقال أبو حنيفة: من أين قلت ذلك؟

فقال أبو جعفر: لو أنّ رجلا من المسلمين تزوّج امرأة من أهل الكتاب ثمّ توفّى عنها، ما تقول فيها؟

قال: لا ترث منه.

فقال: فقد ثبت النّكاح بغير ميراث، ثمّ افترقا.

وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا:

غنىً، كذا في مجمع البيان ، عن الباقر- عليه السّلام-

 

و أصله الفضل والزّيادة.

أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ: في موضع النّصب، بفعل مقدّر، صفة «لطولا»، أي: من لم يستطع غنى يبلغ به نكاح المحصنات. أو تطوّلا، وجعله بمعنى اعتلاء، أي: من لم يستطع منكم أن يعتلي نكاح المحصنات، أي: الحرائر أحصنتهنّ الحّريّة عن الوطء بغير عقد أو عن الزّنا.

فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ، يعني: الإماء المؤمنات.

في الكافي : أبان، عن زرارة بن أعين، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال:

سألته  عن الرّجل يتزوّج الأمة؟

قال: لا، إلّا أن يضطّر إلى ذلك.

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن فضّال، عن ابن بكير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: لا ينبغي أن يتزوّج الرّجل الحرّ المملوكة اليوم، إنّما كان ذلك حيث قال اللّه- عزّ وجلّ-: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا والطّول، المهر. ومهر الحرّة اليوم مهر الأمة أو أقلّ.

وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ: فاكتفوا بظاهر الإيمان، فإنّه العالم بالسّرائر، وبتفاضل ما بينكم في الإيمان، فربّ أمة تفضل الحرّة فيه، ومن حقّكم أن تعتبروا فضل الإيمان لا فضل النّسب.

و المقصود، تأنيسهم بنكاح الإماء، ومنعهم عن الاستنكاف منه.

بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ: أنتم ومماليككم متناسبون، نسبكم من آدم ودينكم الإسلام.

فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ، أي: أربابهنّ.

و في من لا يحضره الفقيه : روى داود بن الحصين، عن أبي العبّاس البقباق قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: يتزوّج الرّجل بالأمة»

 بغير علم أهلها؟

قال: هو زنا، إنّ اللّه يقول: فانكحوهنّ بإذن أهلهنّ.

و أمّا

ما رواه في تهذيب الأحكام : «عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن داود بن فرقد، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال:سألته عن الرّجل يتزوّج بأمة بغير إذن مواليها؟

فقال: إن كانت لامرأة فنعم، وإن كانت لرجل فلا»

فمحمول على ما إذا كان التّزوّج بالمتعة.

يدلّ عليه‏

ما رواه فيه : عن محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال:

لا بأس أن يتمتّع الرّجل بأمة المرأة، فأمّا [أمة]  الرّجل فلا يتمتّع بها إلّا بأمره.

و

ما رواه في الاستبصار : «عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: سألت الرّضا- عليه السّلام- أ يتمتّع بالأمة بإذن أهلها؟

قال: نعم، إنّ اللّه- تعالى- يقول: فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ»

محمول على ما إذا كان أهلها رجلا.

وَ آتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ: بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ فحذف لتّقدّم ذكره. أو إلى مواليهنّ، فحذف للعلم بأنّ المهر للسّيّد، لأنّه عوض حقّه، فيجب أن يؤدّى إليه. ويحتمل أن يكون الإذن في التّزوّج كافيا في إيتاء المهور إليهن، فلا يلزم ارتكاب حذف.

بِالْمَعْرُوفِ: من غير مطل وضرار ونقصان.

مُحْصَناتٍ: عفائف.

غَيْرَ مُسافِحاتٍ: غير مجاهرات بالسّفاح.

وَ لا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ: أخلاء في السّرّ.

فَإِذا أُحْصِنَّ: بالتّزويج.

و قرأ أبو بكر وحمزة والكسائيّ، بفتح الهمزة والصّاد. والباقون، بضمّ الهمزة وكسر الصّاد .

فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ: زنا.

فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ، يعني: الحرائر. وقد سبق بهذا المعنى أيضا.

مِنَ الْعَذابِ، يعني: الحدّ، كما قال تعالى : وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ.و في الآية دلالة، على أنّ الأمة لا ترجم، لأنّ الرّجم لا ينتصف.

في تفسير عليّ بن إبراهيم ، يعني به: الإماء والعبيد إذا زنيا ضربا نصف الحدّ، فإن عادا  فمثل ذلك حتّى يفعلوا ذلك ثماني مرّات، ففي الثّامنة يقتلون.

قال الصّادق- عليه السّلام-: وإنّما صار يقتل في الثّامنة، لأنّ اللّه رحمه أن يجمع عليه ربق الرّقّ وحدّ الحرّ.

و في الكافي - ما في معناه- عن الصّادق- عليه السّلام- وعن الباقر- عليه السّلام-. في الأمة تزني، قال: تجلد نصف حدّ الحرّة ، كان لها زوج أو لم يكن لها زوج.

و في رواية

: لا ترجم ولا تنفى.

 [و في تفسير العيّاشيّ : عن القاسم بن سليمان قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه: فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ [مِنَ الْعَذابِ‏] .

قال: يعني: نكاحهنّ  إذا أتين بفاحشة.

عن عبد اللّه بن سنان ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه في الإماء إذا أحصن، قال: إحصانهنّ أن يدخل بهنّ.

قلت: فإن لم يدخل بهنّ فأحدثن حدثا، هل عليهنّ حدّ؟

قال: نعم، نصف الحرّ، فإن زنت وهي محصنة فالرّجم.

عن محمّد بن مسلم ، عن أحدهما- عليهما السّلام- قال: سألته عن قول اللّه في‏

الإماء إذا أحصن، ما إحصانهنّ؟

قال: يدخل بهنّ.

قلت: وإن لم يدخل بهنّ، ما عليهنّ حدّ؟

قال: بلى.

عن عبد اللّه بن سنان ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن المحصنات من الإماء.

قال: هنّ المسلمات.

عن حريز  قال: سألته عن المحصن؟

فقال: الّذي عنده ما يغنيه.

]

ذلِكَ، أي: نكاح الإماء.

لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ، لمن خاف الوقوع في الزّنا. وهو في الأصل انكسار العظم بعد الجبر، مستعار لكلّ مشقّة وضرر، ولا ضرر أعظم من مواقعة الإثم بأفحش القبائح.

و قيل : المراد به الحدّ، وهذا شرط آخر لنكاح الإماء.

 [و في تفسير العيّاشيّ : عن عبّاد بن صهيب، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: لا ينبغي للرّجل المسلم أن يتزوّج من الإماء إلّا من خشي العنت، ولا يحلّ له من الإماء إلّا واحدة.

]

وَ أَنْ تَصْبِرُوا، أي: وصبركم عن نكاح الإماء متعفّفين.

خَيْرٌ لَكُمْ: من نكاح الإماء، لما فيه من المهانة ونقصان حقّ الزّوج.

وَ اللَّهُ غَفُورٌ: لمن لم يصبر، رَحِيمٌ : بأن رخّص لهم.

يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ: ما تعبّدكم به من الحلال والحرام، أو ما خفي عنكم من مصالحكم ومحاسن أعمالكم.و «أن يبيّن» مفعول يريد، و«اللام» مزيدة لتأكيد معنى الاستقبال اللازم للإرادة.

و قيل : المفعول محذوف، و«ليبيّن» مفعول له، أي: يريد الحقّ لأجله.

وَ يَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ: مناهج من تقدّمكم من أهل الرّشد، لتسلكوا طريقتهم.

و في أصول الكافي : محمّد عن أحمد، عن عليّ بن النعمان- رفعه- عن أبي جعفر قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام-: يمصّون الثّماد ويدعون النّهر العظيم.

قيل له: وما النّهر العظيم؟

قال: رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- والعلم الّذي أعطاه اللّه [، إنّ اللّه‏] - عزّ وجلّ- جمع لمحمّد- صلّى اللّه عليه وآله- سنن النبييّن من آدم وهلمّ جرّا إلى محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-.

قيل له: وما تلك السّنن؟

قال: علم النّبيّين بأسره وإنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- صيّر ذلك كلّه عند أمير المؤمنين- عليه السّلام-.

فقال له رجل: يا بن رسول اللّه، فأمير المؤمنين- عليه السّلام- أعلم أم بعض النّبيين؟

فقال أبو جعفر- عليه السّلام-: اسمعوا [ما يقول،]  إنّ اللّه يفتح مسامع من يشاء. إنّي حدّثته : إنّ اللّه جمع لمحمّد- صلّى اللّه عليه وآله- علم النّبيّين وإنّه جمع ذلك كلّه عند أمير المؤمنين- عليه السّلام- وهو يسألني: أهو أعلم أم بعض النّبيّين؟

وَ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ: ويغفر لكم ذنوبكم، أو يرشدكم إلى ما يمنعكم عن المعاصي ويحثّكم على التّوبة، أو إلى ما يكون كفّارة لسيّئاتكم.

وَ اللَّهُ عَلِيمٌ: بها.

حَكِيمٌ : في وضعها.وَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ: كرّره للتّأكيد والمبالغة.

وَ يُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ، يعني: الفجرة. فإنّ اتّباع الشّهوات الائتمار لها، وأمّا المتعاطي لما سوّغه الشّرع منها دون غيره فهو متّبع له في الحقيقة لا لها.

و قيل : المجوس.

و قيل : اليهود، فإنّهم يحلّون الأخوات من الأب وبنات الأخ والأخت.

أَنْ تَمِيلُوا: عن الحقّ.

مَيْلًا: بموافقتهم، على اتّباع الشّهوات واستحلال المحرّمات.

عَظِيماً : بالإضافة إلى من اقترف خطيئة على ندور، غير مستحلّ لها.

يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ: فلذلك شرّع لكم الشّريعة الحنيفيّة السّمحة السّهلة، ورخّص لكم في المضايق، كإحلال نكاح الأمة عند الاضطرار.

وَ خُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً : لا يصبر عن الشّهوات، ولا يتحمّل مشاقّ الطّاعات.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ: بما لم يبحه الشّرع.

في تفسير العيّاشيّ : عن الصّادق- عليه السّلام-: عنى بها: القمار، وكانت قريش تقامر الرّجل بأهله وماله، فنهاهم اللّه عن ذلك.

و في مجمع البيان : عن الباقر- عليه السّلام-: الرّبا والقمار والبخس  والظّلم.

إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ: استثناء منقطع، أي: ولكن كون تجارة عن تراض غير منهيّ عنه، أو اقصدوا كون تجارة. وتخصيص التّجارة من الوجوه الّتي بها يحلّ تناول مال الغير، لأنّها أغلب وأوفق لذوي المروءات. ويجوز أن يراد بها الانتقال مطلقا.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم

: يعني بها: الشّراء  والبيع الحلال.

و قيل : المقصود بالنّهي المنع عن صرف المال فيما لا يرضاه اللّه، وبالتّجارة صرفه‏فيما يرضاه.

و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد وأحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن أبي أيّوب، عن سماعة قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: الرّجل منّا يكون عنده الشي‏ء يتبلّغ به وعليه دين، أ يطعمه عياله حتّى يأتي اللّه عزّ وجلّ بميسرة فيقضي دينه، أو يستقرض على ظهره في خبث الزّمان وشدّة المكاسب، أو يقبل الصّدقة؟

قال: يقضي بما عنده دينه ولا يأكل من أموال النّاس إلّا وعنده ما يؤدّي إليهم حقوقهم، إنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول: لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ ولا يستقرض على ظهره إلّا وعنده وفاء، ولو طاف على أبواب النّاس فردّوه باللّقمة واللّقمتين والتّمرة والتمرتين إلّا أن يكون له وليّ يقضي دينه من بعده، ليس منّا من ميّت إلّا جعل اللّه له وليّا يقوم في عدّته ودينه فيقضي عدّته ودينه.

و قرأ الكوفيّون: «تجارة» بالنّصب، على «كان» النّاقصة وإضمار الاسم، أي:

إلّا أن تكون التّجارة، أو الجهة تجارة .

وَ لا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ:

قيل : بالبخع كما يفعله أهل الهند ، أو بإلقاء النّفس إلى التّهلكة، أو بارتكاب ما يؤدّي إلى قتلها، أو باقتراف ما يذلّلها ويرديها، فإنّه القتل الحقيقيّ للنّفس.

و قيل : المراد بالأنفس من كان على دينهم، فإنّ المؤمنين كنفس واحدة.

في تفسير عليّ بن إبراهيم

: كان الرّجل إذا خرج مع رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- في الغزو، يحمل على العدوّ وحده من غير أن يأمره رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فنهى اللّه أن يقتل نفسه من غير أمر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- .

و في مجمع البيان : عن الصّادق- عليه السّلام-: أنّ معناه: لا تخاطروا بنفوسكم‏في القتال، فتقاتلوا من لا تطيقونه.

و في تفسير العيّاشيّ : عنه- عليه السّلام-: كان المسلمون يدخلون على عدوّهم في المغارات فيتمكّن منهم عدوّهم فيقتلهم كيف يشاء، فنها هم اللّه تعالى أن يدخلوا عليهم في المغارات.

قيل : «جمع في التّوصية بين حفظ النّفس والمال الّذي هو شقيقها، من حيث أنّه سبب قوامها، استبقاء لهم ريثما تستكمل النّفوس وتستوفي فضائلها، رأفة بهم ورحمة»، كما أشار إليه بقوله:

إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً ، أي: أمر ما أمر ونهى عمّا نهى لفرط رحمته عليكم، معناه: أنّه كان بكم- يا أمّة محمّد- رحيما لمّا أمر بني إسرائيل بقتل الأنفس ونهاكم عنه.

و في تفسير العيّاشيّ : عن (أمير المؤمنين)- عليه السّلام- قال: سألت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- عن الجبائر تكون على الكسير، كيف يتوضّأ صاحبها، وكيف يغتسل إذا أجنب؟

قال: يجزئه المسح  بالماء عليها في الجنابة والوضوء.

قلت: وإن كان في برد يخاف على نفسه إذا أفرغ الماء على جسده؟

فقرأ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً.

 

وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ: إشارة إلى ما سبق من المنهيّات، عُدْواناً وَظُلْماً: إفراطا في التّجاوز عن الحدّ، وإتيانا بما لا يستحقّه.

و قيل : أراد بالعدوان التّعدّي، وبالظّلم ظلم النّفس بتعريضها للعقاب.

فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً: ندخله إيّاها.

و قرئ، بالتّشديد، من صلّى. وبفتح النّون، من صلاه يصليه. ومنه: شاة مصلية.و يصليه، بالياء، والضّمير للّه، أو لذلك، من حيث أنّه سبب الصّلي .

وَ كانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً : لا عسر فيه، ولا صارف.

إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ، أي: كبائر الذّنوب الّتى نهاكم اللّه عنها.

و قرئ: كبير، على إرادة الجنس .

نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ: نغفر لكم صغائركم، ونمحها عنكم.

وَ نُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً : الجنّة، وما وعدتم من الثّواب. أو إدخالا مع كرامة.

و قرأ نافع هنا وفي الحجّ، بفتح الميم، وهو- أيضا- يحتمل المكان والمصدر .

و في تفسير العيّاشيّ : عن ميسر، عن أبي جعفر- عليه السّلام-  قال: كنت أنا وعلقمة الحضرميّ وأبو حسان العجليّ وعبد اللّه بن عجلان ننتظر أبا جعفر- عليه السّلام- فخرج علينا فقال: مرحبا وأهلا، واللّه [إنّي‏]  لأحبّ ريحكم وأرواحكم، وإنّكم لعلى دين اللّه.

فقال علقمة: فمن كان على دين اللّه تشهد أنّه من أهل الجنّة؟

قال: فمكث هنيئة، قال: ونوّروا أنفسكم فإن لم تكونوا اقترفتم الكبائر، فأنا أشهد.

قلنا: وما الكبائر؟

قال: هي في كتاب اللّه على سبع.

قلنا: فعدّها علينا جعلنا [اللّه‏]  فداك.

قال: الشّرك باللّه العظيم، وأكل مال اليتيم، وأكل الرّبا بعد البيّنة، وعقوق الوالدين، والفرار من الزّحف، وقتل المؤمن، وقذف المحصنة.

قلنا: ما منّا أحد أصاب من هذه شيئا.

قال: فأنتم إذا.و في كتاب ثواب الأعمال : أبي- رحمه اللّه- قال: حدّثني سعد بن عبد اللّه، عن موسى بن جعفر بن وهب البغداديّ، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن أحمد بن عمر الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ؟

قال: من اجتنب ما أوعد  اللّه عليه النّار إذا كان مؤمنا كفّر اللّه عنه سيّئاته ويدخله مدخلا كريما، والكبائر السّبع الموجبات: قتل النّفس الحرام، وعقوق الوالدين، وأكل الرّبا، والتّعرّب بعد الهجرة، وقذف المحصنة، وأكل مال اليتيم، والفرار من الزّحف.

و بإسناده إلى محمّد بن الفضل ، عن أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- في هذه الآية ، قال: من اجتنب ما أوعد اللّه عليه النّار إذا كان مؤمنا كفّر عنه سيئاته.

و في كتاب التّوحيد : حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيّ - رضي اللّه عنه- قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير قال: سمعت موسى بن جعفر- عليهما السّلام- يقول: لا يخلّد اللّه في النّار إلّا أهل الكفر والجحود وأهل الضّلال والشّرك، ومن اجتنب الكبائر من المؤمنين لم يسأل عن الصّغائر.

 [و في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن أبي جميلة، عن الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً قال: الكبائر الّتي‏أوجب اللّه- عزّ وجلّ- عليها النّار.

و في نهج البلاغة : قال- عليه السّلام-: ومباين بين محارمه من كبير أوعد عليه نيرانه  أو صغير أرصد [له‏]  غفرانه.

و في روضة الكافي : عليّ بن محمّد، عن عليّ بن عبّاس، عن الحسن بن عبد الرّحمن ، عن منصور، عن حريز بن عبد اللّه ، عن الفضيل، عن أبي جعفر- عليه السّلام- أنّه قال: أما واللّه- يا فضيل- ما للّه- عزّ وجلّ- حاجّ غيركم، ولا يغفر الذّنوب إلّا لكم، ولا يقبل إلّا منكم، وإنكم لأهل هذه الآية: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً.

 

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في من لا يحضره الفقيه : وقال الصّادق- عليه السّلام-: من اجتنب الكبائر كفّر اللّه عنه جميع ذنوبه، وفي ذلك قول اللّه- عزّ وجلّ-: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً.

 

]

و في الكافي : عن الصّادق- عليه السّلام- أنّه سأله [عبيد بن‏]  زرارة عن الكبائر؟

فقال: هنّ في كتاب عليّ- عليه السّلام- سبع: الكفر باللّه، وقتل النّفس، وعقوق الوالدين، وأكل الرّبا بعد البيّنة، وأكل مال اليتيم ظلما، والفرار من الزّحف، والتّعرّب بعد الهجرة.

قال: قلت: فهذا أكبر المعاصي؟

قال: نعم.

قلت: فأكل درهم من مال يتيم ظلما أكبر أم ترك الصّلاة؟قال: ترك الصّلاة.

قلت: فما عدّدت ترك الصّلاة في الكبائر.

فقال: أيّ شي‏ء أوّل ما قلت لك؟

 [قال:]  قلت: الكفر.

قال: فإنّ تارك الصّلاة كافر، يعني: من غير علّة.

و في معاني الأخبار : عن الصّادق- عليه السّلام-: المتعرّب بعد الهجرة، التّارك لهذا الأمر بعد معرفته.

و في بعض الأخبار عُدّت أشياء أخر غير ما ذكر من الكبائر، كالإشراك باللّه، واليأس من روح اللّه، والأمن من مكر اللّه، والسّحر، والزّنا، واليمين الغموس الفاجر، والغلول، وشهادة الزّور، وكتمان الشّهادة، وشرب الخمر، وترك الصّلاة والزّكاة المفروضتين، ونقض العهد، وقطيعة الرّحم، واللّواط، والسّرقة، إلى غير ذلك .

و عن ابن عبّاس : إنّ الكبائر إلى السّبعمائة أقرب منها إلى السّبع.

و في مجمع البيان : نسب إلى أصحابنا، أنّ المعاصي كلّها كبيرة [من حيث كانت قبائح،]  لكنّ بعضها أكبر من بعض، وليس في الذّنوب صغيرة وإنما يكون صغيرا بالإضافة إلى ما هو أكبر ، واستحقاق  العقاب عليه أكثر.

قيل : وتوفيقه مع الآية أن يقال: من عنّ له أمران، ودعت نفسه إليهما، بحيث لا يتمالك، فكفّها عن أكبرهما، كفّر عنه ما ارتكبه، لما استحقّ من الثّواب على اجتناب الأكبر، كما إذا تيسّر له النّظر بشهوة والتّقبيل، فاكتفى بالنّظر عن التّقبيل. ولعلّ هذا ممّا يتفاوت- أيضا- باعتبار الأشخاص والأحوال، فإنّ حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين،

و يؤاخذ المختار بما يعفى عن المضطرّين.

و يردّ على هذا التّوفيق : أنّ من قدر على قتل أحد، فقطع أطرافه، كان قطع أطرافه مكفّرا. وما نسبه في مجمع البيان إلى أصحابنا لا مستند له، وظاهر الآية والأخبار الواردة في تفسيرها وتفسير الكبائر، يعطي تمايز كلّ من الصّغائر والكبائر عن صاحبها.

 [و في تفسير فرات بن إبراهيم الكوفيّ : قال: حدّثني جعفر بن محمّد الفزاريّ معنعنا، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: أكبر الكبائر سبع: الشّرك باللّه العظيم، وقتل النّفس الّتي حرّم اللّه، وأكل أموال اليتامى، وعقوق الوالدين، وقذف المحصنات، والفرار من الزّحف، وإنكار ما أنزل اللّه.

فأمّا الشّرك باللّه- عزّ وجلّ- العظيم، فقد بلغكم ما أنزل اللّه فينا وما قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فردّوا على اللّه وعلى رسوله.

و أمّا قتل النّفس الحرام، فقتل الحسين بن عليّ- عليهما السّلام- وأصحابه- رحمهم اللّه تعالى- وأمّا أكل أموال اليتامى، فقد ظلموا فيئنا وذهبوا به.

و أمّا عقوق الوالدين، فقد قال اللّه- تعالى- في كتابه: النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ فهو أب لهم، فعقّوه  في ذرّيّته وفي قرابته.

و أمّا قذف المحصنة، فقد قذفوا فاطمة الزّهراء بنت النّبيّ وزوجة الوليّ- عليهم السّلام والتّحيّة والإكرام - على منابرهم.

و أمّا الفرار من الزّحف، فقد أعطوا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- البيعة طائعين غير كارهين ثمّ فرّوا عنه وخذلوه.

و أمّا إنكار ما أنزل اللّه، فقد أنكروا حقّنا وجحدوا به، هذا ما لا يتعاجم فيه أحد، إنّ اللّه- تعالى- يقول في كتابه: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً.

 

] .وَ لا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ: من الأمور الدّنيويّة كالجاه والمال، لأنّه حسد يورث التّعادي والتّباغض.

في مجمع البيان : عن الصّادق- عليه السّلام-، أي: لا يقل أحد : ليت ما أعطي فلان من المال والنّعمة والمرأة الحسناء كان لي، فإنّ ذلك حسد ، ولكن يجوز أن يقول: اللّهمّ أعطني مثله.

و في كتاب الخصال : عن أبي عبد اللّه- عليهما السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: من تمنّى شيئا وهو للّه- تعالى- رضى لم يخرج من الدّنيا حتّى يعطاه.

و فيما علّم أمير المؤمنين- عليه السّلام- أصحابه : في كلّ امرئ واحدة من ثلاث:

الكبر والطّيرة والتّمنّي، فإذا تطيّر أحدكم فليمض على طيرته وليذكر اللّه- عزّ وجلّ- وإذا خشي الكبر فليأكل مع عبده وخادمه وليحلب الشّاة، وإذا تمنّى فليسأل اللّه- عزّ وجلّ- وليبتهل  إليه ولا تنازعه  نفسه إلى الإثم.

لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ بيان لذلك، أي:

لكلّ من الرّجال والنّساء فضل ونصيب بسبب ما اكتسب ومن أجله، فاطلبوا الفضل بالعمل لا بالحسد والتّمنّي.

و قيل : المراد، نصيب الميراث، وتفضيل الورثة بعضهم على بعض فيه، وجعل ما قسّم لكلّ منهم على حسب ما عرف من حاله الموجب للزّيادة والنّقص، كالمكتسب له.

وَ سْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ، أي: لا تتمنّوا ما للنّاس، واسألوا اللّه مثله من خزائنه الّتي لا تنفد.

قيل : أو لا تتمنّوا، واسألوا اللّه من فضله بما يقرّبه ويسوقه إليكم.و في الحديث السّالف ما يردّ هذا الأخير.

و في أصول الكافي : حميد بن زياد، عن الخشّاب، عن ابن بقّاح، عن معاذ، عن عمرو بن جميع، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من لم يسأل اللّه من فضله افتقر .

أبو عليّ الأشعريّ، عن محمد بن عبد الجبّار ، عن صفوان، عن ميسّر بن عبد العزيز، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال لي: يا ميسّر، ادع ولا تقل: «إنّ الأمر قد فرغ منه.» إنّ عند اللّه- عزّ وجلّ- منزلة لا تنال إلّا بمسألة، ولو أنّ عبدا سدّ فاه ولم يسأل لم يعط شيئا. فسل تعط يا ميسّر ليس من باب يقرع إلّا يوشك أن يفتح لصاحبه.

و في فروعه : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن إبراهيم بن أبي البلاد، عن أبيه، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: ليس من نفس إلّا وقد فرض اللّه- عزّ وجلّ- لها رزقا  حلالا يأتيها في عافية وعرّض لها بالحرام من وجه آخر، فإن هي تناولت شيئا من الحرام قاصّها به من الحلال الّذي فرض لها، وعند اللّه سواها فضل كثير، وهو قوله- عزّ وجلّ-: وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ.

 

و في من لا يحضره الفقيه : وقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- أحبّ شيئا لنفسه وأبغضه لخلقه، أبغض- عزّ وجلّ- لخلقه المسألة وأحبّ لنفسه أن يسأل. وليس شي‏ء أحب إليه من أن يسأل. فلا يستحي أحدكم أن يسأل اللّه- عزّ وجلّ- من فضله ولو شسع نعل.

و في تفسير العيّاشيّ : عن إسماعيل بن كثير، رفع الحديث إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: لمّا نزلت هذه الآية: وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ قال: فقال أصحاب النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: ما هذا الفضل، أيّكم يسأل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- عن ذلك؟

قال: فقال عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-: أنا أسأله عنه.

فسأله عن ذلك الفضل ما هو؟فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: إنّ اللّه خلق خلقه، وقسّم لهم أرزاقهم من حلّها، وعرّض لهم بالحرام، فمن انتهك حراما نقص له من الحلال بقدر ما انتهك من الحرام، وحوسب به.

عن أبي الهذيل ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ اللّه قسّم الأرزاق بين عباده، وأفضل فضلا كثيرا لم يقسّمه بين أحد، قال اللّه: وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ.

 

عن الحسين بن مسلم ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قلت له: جعلت فداك، إنّهم يقولون: إنّ النّوم بعد الفجر مكروه، لأنّ الأرزاق تقسّم  في ذلك الوقت.

فقال: الأرزاق مضمونة  مقسومة، وللّه فضل يقسّمه من طلوع الفجر إلى طلوع الشّمس، وذلك قوله: وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ ثمّ قال: وذكر اللّه بعد طلوع الفجر أبلغ في طلب الرّزق من الضّرب في الأرض.

إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيماً : فهو يعلم ما يستحقّه كلّ إنسان فيفضل، أو هو يعلم ما يسأله أحد من فضله فيسأل.

و نقل في سبب نزول هذه الآية : أنّ أمّ سلمة قالت: يا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يغزو الرّجال ولا نغزو وإنّما لنا نصف الميراث، ليتنا كنّا رجالا.

فنزلت.

وَ لِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ، أي: لكلّ تركة جعلنا وارثا يلونها ويحرزونها. و«ممّا ترك» بيان «لكلّ» مع الفصل بالعامل.

أو لكلّ ميّت جعلنا وارثا ممّا ترك، على أنّ «من» صلة «موالي» لأنّه في معنى الوارث، وفي «ترك» ضمير «كلّ» و«الوالدان والأقربون» مفسّر «للموالي» وفيه خروج الأولاد، فإنّ الأقربون لا يتناولهم كما لا يتناول الوالدين.

أو لكلّ قوم جعلناهم موالي حظّ ممّا ترك الوالدان والأقربون، على أن «جعلنا موالي» صفة «كلّ» والرّاجع إليه محذوف، وعلى هذا فالجملة من مبتدأ وخبر.و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب قال: أخبرني ابن بكير عن زرارة قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ.

 

قال: إنّما عنى بذلك أولي الأرحام في المواريث، ولم يعن أولياء النّعمة، فأولاهم بالميّت أقربهم إليه من الرّحم الّتي تجرّه إليها.

وَ الَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ: موالي الموالاة.

قيل : إنّ الرّجل في الجاهليّة  يعاقد الرّجل فيقول: «دمي دمك، (و هدمي هدمك) ، وحربي حربك، وسلمي سلمك، وترثني وأرثك، وتعقل عنّي وأعقل عنك» فيكون للحليف السّدس من ميراث الحليف. فنسخ بقوله : وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم - أيضا- أنّها منسوخة بقوله: أُولُوا الْأَرْحامِ.

و في مجمع البيان : عن مجاهد أنّ معناه: (فأعطوهم)  نصيبهم من النّصر والعقل والرّفد ولا ميراث. فعلى هذا تكون الآية غير منسوخة. ويؤيّده قوله- تعالى-: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ

و قول النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- في خطبة يوم فتح مكّة: ما كان من حلف في الجاهليّة فتمسّكوا به فإنّه لم يزده الإسلام إلّا شدّة، ولا تحدثوا حلفا في الإسلام.

و روى عبد الرّحمن بن عوف  أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قال: شهدت حلف المطيّبين وأنا غلام مع عمومتي، فما أحبّ أنّ لي حمر النّعم وأنّي أنكثه.

و في الكافي : عن الصّادق- عليه السّلام-: إذا والى الرّجل الرّجل فله ميراثه، وعليه معقلته، يعني: دية جناية خطائه.

و قيل: المراد الأزواج على أنّ العقد عقد النّكاح.و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب قال: سألت أبا الحسن [الرضا] - عليه السّلام- عن قوله- عزّ وجلّ- وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ؟

قال: إنّما عنى بذلك الأئمّة.- عليهم السّلام- بهم عقد اللّه- عزّ وجلّ- أيمانكم.

و توجيه هذا التّأويل، أن قوله- عزّ وجلّ-: وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ ولكلّ أمّة من الأمم جعلنا موالي أولياء أنبياء وأوصياء،

لقول النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله -: أ لست أولى بكم من أنفسكم؟

قالوا: بلى.

فقال: من كنت مولاه فعليّ مولاه.

و قوله: مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ من العلوم والشّريعة، والوالدان هم النّبيّ والوصيّ- صلوات اللّه عليهما-

لقوله- صلّى اللّه عليه وآله -: يا عليّ، أنا وأنت أبوا هذه الأمّة.

و قوله: وَالْأَقْرَبُونَ.، أي: إليهما في النّسب والعلوم والعصمة.

و قوله: وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ وهم الأئمّة، أي: والّذين عقدت ولايتهم أيمانكم، وهو أيمان الدّين، لا أيمان جمع يمين ليصحّ التّأويل.

و قوله: فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ المفروض لهم من الولاية والطّاعة.

و على كلّ تقدير، هو مبتدأ ضمن معنى الشّرط، خبره.

فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ:

أو منصوب بمضمر، يفسّره ما بعده، كقولك: زيدا فاضربه.

أو معطوف على «الوالدان» وقوله: «فآتوهم» جملة مسبّبة عن الجملة المتقدمة مؤكّدة لها، والضّمير «للموالي».

و قرأ الكوفيّون: «عقّدت» بالتّشديد والتّخفيف، بمعنى: عقدت عهودهم أيمانكم،فحذف العهود وأقيم الضّمير المضاف إليه مقامه، ثمّ حذف كما حذف في القراءة الأخرى.

إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ شَهِيداً : تهديد على منع نصيبهم.

الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ: يقومون عليهنّ قيام الولاة على الرّعيّة، وعلّل ذلك بأمرين: موهبيّ وكسبيّ، فقال:

بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ: بسبب تفضيله الرّجال على النّساء، بكمال العقل وحسن التّدبير ومزيد القوّة في الأعمال والطّاعات. ولذلك خصّوا بالنّبوّة والإمامة، وإقامة الشّعائر، والشّهادة في مجامع القضايا، ووجوب الجهاد، والجمعة، وزيادة سهمهم في الميراث.

وَ بِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ: في نكاحهنّ، كالمهر والنّفقة.

و في كتاب علل الشّرائع : حدّثنا محمّد بن عليّ ما جيلويه، عن عمّه، عن أحمد ابن أبي عبد اللّه، عن أبي الحسن البرقيّ، عن عبد اللّه بن جبلة، عن معاوية بن عمّار، عن الحسن بن عبد اللّه، عن آبائه، عن جدّه الحسن بن عليّ بن أبي طالب- عليهم السّلام-:

قال جاء نفر من اليهود إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فسأله أعلمهم عن مسائل، فكان فيما سأله أن قال: ما فضل الرّجال على النّساء؟

فقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- كفضل السّماء على الأرض وكفضل الماء على الأرض، فالماء يحيي  الأرض وبالرّجال يحيى النّساء، ولولا الرّجال ما خلقت  النّساء، يقول اللّه- عزّ وجلّ-: الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ.

 

قال اليهوديّ: لأيّ شي‏ء كان هكذا؟

فقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: خلق اللّه- عزّ وجلّ- آدم من طين، ومن فضلته وبقيّته خلقت حوّاء، وأوّل من أطاع النّساء آدم، فأنزله اللّه- عزّ وجلّ- من الجنّة، وقد بيّن فضل الرّجال على النّساء في الدّنيا، ألا ترى إلى النّساء كيف يحضن ولا يمكنهنّ العبادة من القذارة والرّجال لا يصيبهم شي‏ء من الطّمث.فقال اليهوديّ: صدقت يا محمّد.

قال البيضاويّ

: روي أنّ سعد بن الرّبيع- أحد نقباء الأنصار- نشزت عليه امرأته حبيبة بنت زيد بن أبي زهير، فلطمها، فانطلق بها أبوها إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فشكى.

فقال- عليه السّلام- لتقصّ منه. فنزلت، فقال- عليه السّلام-: أردنا أمرا وأراد اللّه أمرا، والّذي أراد اللّه خير.

و يدلّ على كذب ما نقله ما تواتر من أخبارنا، على أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-، لم يكن يقدم على أمر لم يوح إليه. وفي هذا الخبر، أنّه حكم برأيه ثمّ نزلت الآية على خلاف رأيه. وهو خلاف ما يجب أن يكون- عليه السّلام-.

فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ مطيعات للّه، قائمات بحقوق الأزواج.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: قانِتاتٌ يقول مطيعات.

حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ، أي: لمواجب الغيب، أي: يحفظن في غيبة الأزواج ما يجب حفظه في النّفس والمال.

و قيل : لأسرارهم.

و في تهذيب الأحكام : محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعريّ، عن عبد اللّه بن ميمون القدّاح، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- عن آبائه- عليهم السّلام- قال: قال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: ما استفاد امرؤ مسلم فائدة بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة تسرّه إذا نظر إليها، وتطيعه إذا أمرها، وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله.

بِما حَفِظَ اللَّهُ: بحفظ اللّه إيّاهنّ بالأمر على حفظ الغيب، والحثّ عليه بالوعد والوعيد، والتّوفيق له. أو بالّذي حفظ اللّه لهنّ عليهم من المهر والنّفقة، والقيام بحفظهنّ، والذّبّ عنهنّ.

و قرئ، بالنّصب، على أنّ «ما» موصولة. فإنّها لو كانت مصدريّة لم يكن «لحفظ»فاعل ، والمعنى: بالأمر الّذي حفظ حقّ اللّه، أو طاعته وهو التّعفّف والشّفقة على الرّجال.

وَ اللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ، أي: عصيانهنّ وترفعهنّ عن مطاوعتكم. من النّشز، وهو الارتفاع في مكان.

فَعِظُوهُنَّ: بالقول.

وَ اهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ: إن لم ينجع القول.

قيل : فلا تدخلوهنّ تحت اللّحف، أو لا تباشروهنّ، فيكون كناية عن الجماع.

و قيل : المضاجع، المبايت، أي: لا تبايتوهنّ.

و في مجمع البيان : عن (الباقر- عليه السّلام-:) يحوّل ظهره إليها.

وَ اضْرِبُوهُنَّ: إن لم تنفع الهجرة، ضربا غير شديد، لا يقطع لحما ولا يكسر عظما.

و في مجمع البيان : عن (الباقر)- عليه السّلام-: أنّه الضّرب بالسّواك.

فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا: بالتّوبيخ والإيذاء.

إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً : فاحذروه، فإنّه أقدر عليكم منكم على من تحت أيديكم. أو أنّه على علو شأنه يتجاوز عن سيّئاتكم ويتوب عليكم، فأنتم أحقّ بالعفو عن أزواجكم. أو أنّه يتعالى ويتكبّر أن يظلم أحدا أو ينقص حقّه.

وَ إِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما: خلافا ونزاعا بين المرء وزوجه، لا يرجى معه الاجتماع على رأي، كأنّ كلّ واحد في شقّ، أي: جانب. وأضمرهما وإن لم يسبق ذكرهما، لسبق ما يدلّ عليهما. وأضاف الشّقاق إلى الظّرف، إمّا لإجرائه مجرى المفعول به، كقوله: يا سارق اللّيلة. أو الفاعل، كقولهم: نهارك صائم، مجازا عقليّا في الإضافة.

فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها:

قيل : الخطاب للحكّام.

و قيل : للأزواج والزّوجات.

و في مجمع البيان

: واختلف في المخاطب بإنفاذ الحكمين من هو؟فقيل: هو السّلطان الّذي يترافع الزّوجان إليه، وهو الظّاهر في الأخبار عن الصّادق- عليه السّلام-.

و البعث، قيل : لتبيين الأمر.

و الأظهر، أنّه لإصلاح ذات البين، وكونه من أهلهما على سبيل الوجوب، فإنّ الأقارب أعرف ببواطن الأحوال وأطلب للصّلاح.

إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما:

أمّا الضّمير الأوّل للحكمين، والثّاني للزّوجين، أي: إن قصدا الإصلاح أوقع اللّه بحسن سعيهما الموافقة بين الزّوجين.

أو كلاهما للحكمين، أي: إن قصدا الإصلاح يوفّق اللّه بينهما لتتّفق كلمتهما ويحصل مقصودهما.

أو للزّوجين، أي: إن أرادا الإصلاح وزوال الشّقاق أوقع اللّه بينهما الالفة والوفاق.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن هذه الآية ؟

قال: ليس للحكمين أن يفرّقا حتّى يستأمرا الرّجل والمرأة ويشترطا عليهما إن شئنا جمعنا وإن شئنا فرّقنا، فإن جمعا فجائز وإن فرّقا فجائز.

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب، عن أبي أيّوب، عن سماعة قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن (هذه الآية) ، أ رأيت ان استأذن الحكمان فقالا للرّجل والمرأة: أليس قد جعلتما أمركما إلينا في الإصلاح والتّفريق؟ فقال الرّجل والمرأة: نعم، فأشهدا بذلك شهودا عليهما، أ يجوز تفريقهما عليهما؟

قال: نعم، ولكن لا يكون إلّا على طهر من المرأة من غير جماع من الرّجل .

قيل له: أ رأيت ان قال أحد الحكمين: قد فرّقت بينهما، وقال الآخر: لم أفرّق بينهما؟

فقال لا يكون تفريق حتّى يجتمعا جميعا على التّفريق، فإذا اجتمعا على التّفريق جاز تفريقهما.

 [و فيه : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عليّ بن أبي حمزة قال: سألت العبد الصّالح- عليه السّلام- عن قول اللّه- تبارك وتعالى-: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها.

 

فقال: يشترط الحكمان إن شاءا فرّقا وإن شاءا جمعا، ففرّقا أو جمعا جاز.

حميد بن زياد، عن ابن سماعة ، عن عبد اللّه بن جبلة، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها.

 

قال: الحكمان يشترطان إن شاءا فرّقا وإن شاءا جمعا، فإن جمعا فجائز وإن فرّقا فجائز.

محمّد بن يحيى، عن عبد اللّه بن جبلة  وغيره، عن العلا، عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما- عليهما السّلام- قال: سألته عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها.

 

قال: ليس للحكمين أن يفرّقا حتّى يستأمرا.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم . قال: وأتى عليّ بن أبي طالب رجل وامرأته على هذه الحال. فبعث حكما من أهله وحكما من أهلها وقال للحكمين: هل تدريان ما تحكمان ؟

احكما ، إن شئتما فرّقتما وإن شئتما جمعتما.

فقال الزّوج: لا أرضى بحكم فرقة ولا أطلّقها، فأوجب عليه نفقتها ومنعه أن يدخل عليها.

]

إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً : بالظّواهر والبواطن، فيعلم كيف يرفع الشّقاق ويوقع الوفاق.و في كتاب الاحتجاج : وروي أنّ نافع بن الأزرق جاء إلى محمّد بن عليّ بن الحسين- صلوات اللّه عليهم- فجلس بين يديه يسأله عن مسائل في الحلال والحرام.

فقال له أبو جعفر- عليه السّلام- في عرض كلامه: قل لهذه المارقة بما استحللتم فراق أمير المؤمنين- عليه السّلام- وقد سفكتم دماءكم بين يديه في طاعته  والقربة إلى اللّه بنصرته؟ فسيقولون  لك: إنّه حكم في دين اللّه. فقل لهم: قد حكم اللّه في شريعة نبيّه- صلّى اللّه عليه وآله- بين رجلين من خلقه، فقال- جلّ اسمه-: فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما.

 

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وَ اعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً: صنما أو غيره، أو شيئا من الإشراك جليّا أو خفيّا.

وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً.

و أحسنوا بهما إحسانا.

و في تفسير العياشيّ : عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أحد الأبوين وعلىّ الآخر.

فقلت: أين موضع ذلك في  كتاب اللّه؟

قال: اقرأ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً.

عن أبي بصير ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً قال:

قال: إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أحد الوالدين  وعليّ الآخر. وذكر أنّها الآية الّتي في سورة النّساء.

 [و في تفسير فرات بن إبراهيم الكوفيّ : قال: حدّثني سعيد بن حسن بن مالك‏

 معنعنا، عن أبي مريم الأنصاريّ قال: كنّا عند جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- فسأله أبان بن تغلب عن قول اللّه- تعالى-: اعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً قال: هذه الآية الّتي في النّساء، من الوالدان ؟

قال جعفر: رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وعليّ بن أبي طالب - عليه السّلام-  وهما الوالدان.

]

وَ بِذِي الْقُرْبى: وبصاحب القرابة، وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى: الّذي قرب جواره.

و قيل : الّذي له مع الجوار قرب واتّصال بنسب أو دين.

و قرئ، بالنّصب، على الاختصاص.

وَ الْجارِ الْجُنُبِ، أي: البعيد، أو الّذي لا قرابة له.

في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار، عن عمرو بن عكرمة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: كلّ أربعين دارا جيران من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله.

و فيه : عن أبي جعفر- عليه السّلام- مثله.

 

و في معاني الأخبار : أبي- رحمه اللّه- قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن أحمد بن محمّد بن أبي عبد اللّه ، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قلت له: جعلت فداك، ما حدّ الجار؟

قال: أربعون دارا  من كلّ جانب.و التّوفيق بين هذا الخبر والخبرين الأوّلين، أنّ المراد بالجار في هذا الخبر الجار ذي القربى، وفي الأوّلين الجار الجنب.

و في من لا يحضره الفقيه : في الحقوق المرويّة عن عليّ بن الحسين- عليهما السّلام-: وأمّا حقّ جارك، فحفظه غائبا، وإكرامه شاهدا، ونصرته إذا كان مظلوما، ولا تتّبع له عورة، وإن علمت عليه سوء سترته عليه، وإن علمت أنّه يقبل نصيحتك نصحته فيما بينك وبينه، ولا تسلمه  عند شديدة ، وتقيل عثرته ، وتغفر ذنوبه ، وتعاشره معاشرة كريمة، ولا قوّة إلّا باللّه.

و عن الصّادق- عليه السّلام-

: حسن الحوار يزيد في الرّزق.

و قال: حسن الجوار  يعمر الدّيار ويزيد في الأعمار.

و عن الكاظم- عليه السّلام-

: ليس حسن الجوار كفّ الأذى، ولكن حسن الجوار صبرك على الأذى.

و عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: الجيران ثلاثة: فجار له ثلاثة حقوق: حقّ الجوار وحقّ القرابة وحقّ الإسلام. وجار له حقّان: حقّ الجوار وحقّ الإسلام. وجار له حق واحد، حقّ الجوار، وهو المشرك من أهل الكتاب. ذكر هذا الخبر البيضاويّ، والفاضل الكاشي في تفسيره .

 

وَ الصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ: الرّفيق في أمر حسن، كتعلّم وتصرّف وصناعة وسفر وتزوّج، فإنّه صحبك وحصل بجنبك.

و قيل : المرأة.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن‏

 صدقة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- عن آبائه- عليهم السّلام-: أنّ أمير المؤمنين- عليه السّلام- صاحب رجلا ذمّيّا، فقال له الذّمّي: أين تريد يا عبد اللّه؟

فقال: أريد الكوفة. فلمّا عدل الطّريق بالذمّيّ عدل معه أمير المؤمنين- عليه السّلام-.

فقال له الذّمّي: أ لست زعمت أنّك تريد الكوفة؟

قال له: بلى.

فقال له الذّمّيّ: فقد تركت الطّريق.

فقال له: قد علمت.

قال: فلم عدلت معي وقد علمت ذلك؟

فقال له أمير المؤمنين: هذا من تمام حسن الصّحبة أن يشيّع الرّجل صاحبه هنيئة إذا فارقه، وكذلك أمرنا نبيّنا- صلّى اللّه عليه وآله-.

فقال له الذّمّي: هكذا؟

 [قال:]  قال: نعم.

قال الّذّمّي: لا جرم إنّما تبعه من تبعه لأفعاله الكريمة، فأنا أشهدك  أنّي على دينك.

و رجع الذّمّيّ مع أمير المؤمنين- عليه السّلام- فلمّا عرفه أسلم.

 [و في من لا يحضره الفقيه

: فأمّا حقّ الصّاحب، فأن تصحبه بالمودّة  والانصاف وتكرمه كما يكرمك ولا تدعه يسبقك إلى مكرمة، فإن سبق كافأته، وتودّه كما يودّك، وتزجره عمّا يهمّ به من معصية، وكن عليه رحمة ولا تكن عليه عذابا، ولا قوّة إلّا باللّه.

]

وَ ابْنِ السَّبِيلِ: المسافر، أو الضّيف.

وَ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ: العبيد والإماء.

إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالًا: متكبّرا، يأنف عن أقاربه وجيرانه وأصحابه، ولا يلتفت إليهم.فَخُوراً : يتفاخر عليهم.

الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ: بدل من قوله: «من كان». أو نصب على الذّمّ. أو رفع عليه، أي: هم الّذين. أو مبتدأ خبره محذوف، أي: الّذين يبخلون بما منحوا به ويأمرون النّاس بالبخل به أحقّاء بكلّ ملامة.

في كتاب الخصال : عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: ما كان من شيعتنا فلا يكون فيهم ثلاثة أشياء: لا يكون فيهم من يسأل بكفّه، ولا يكون فيهم بخيل‏

 (الحديث).

عن عبد اللّه بن غالب ، عن أبي سعيد الخدريّ قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: خصلتان لا تجتمعان  في مسلم: البخل وسوء الخلق.

عن أحمد بن سليمان  قال: سأل رجل أبا الحسن- عليه السّلام-- وهو في الطّواف- فقال له: أخبرني عن الجواد.

فقال: إنّ لكلامك وجهين: فإن كنت تسأل عن المخلوق ، فإنّ الجواد الّذي يؤدّي ما افترض اللّه تعالى عليه، والبخيل من بخل  بما افترض اللّه عليه. وإن كنت تعني: الخالق، فهو الجواد إن أعطى وهو الجواد إن منع، لأنّه إن أعطى عبدا أعطاه  ما ليس له وإن منع منع ما ليس له.

و في من لا يحضره الفقيه : وقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: ليس البخيل من أدّى الزّكاة المفروضة من ماله وأعطى البائنة  في قومه، إنّما البخيل حقّ البخيل من لم يؤدّ الزّكاة المفروضة من ماله ولم يعط البائنة  في قومه وهو يبدر  في ما سوى ذلك.

و روي عن المفضّل بن أبي قرّة السّمندي  أنّه قال: قال لي أبو عبد اللّه‏

 - عليه السّلام-: أ تدري من الشّحيح؟

فقلت: هو البخيل.

فقال: الشّحّ، أشدّ من البخل، إنّ البخيل يبخل بما في يده، والشّحيح يشحّ بما في أيدي النّاس وعلى ما في يديه حتّى لا يرى في أيدي النّاس شيئا إلّا تمنّى أن يكون له بالحلّ والحرام، ولا يقنع بما رزقه اللّه- عزّ وجلّ-.

و قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-

: إذا لم يكن للّه- عزّ وجلّ- في العبد حاجة ابتلاه بالبخل.

و قرأ حمزة والكسائي هاهنا وفي الحديد: «بالبخل» بفتح الحرفين، وهي لغة .

وَ يَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ: من الغنى والعلم، حيث ينبغي الإظهار.

وَ أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً : وضع الظّاهر فيه موضع المضمر، إشعارا بأنّ من هذا شأنه فهو كافر لنعمة اللّه، ومن كان كافرا لنعمة اللّه فله عذاب يهينه، كما أهان النّعمة بالبخل والإخفاء.

قيل : الآية نزلت في طائفة من اليهود [كانوا]  يقولون للأنصار تنصيحا :

لا تنفقوا أموالكم فإنّا نخشى عليكم الفقر.

و قيل: في الّذين كتموا صفة محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-.

وَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ: عطف على الَّذِينَ يَبْخَلُونَ أو الكافرين شاركهم مع البخل في الذّمّ والوعيد، لأنّ البخل والسّرف الّذي هو الإنفاق لا على ما ينبغي، من حيث أنّهما طرفا إفراط وتفريط سواء في القبح واستجلاب الذّمّ.

أو مبتدأ خبره محذوف، يدلّ عليه ما بعده، أي: قرينهم الشّيطان.

وَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ: ليتحرّوا بالإنفاق مراضيه وثوابه.

قيل : هم مشركوا مكّة.

و قيل: المنافقون.وَ مَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً : تنبيه، على أنّ الشّيطان قرينهم فحملهم على ذلك وزيّنه لهم، كقوله: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ والمراد إبليس وأعوانه. ويجوز أن يكون وعيدا لهم، بأن يقرن بهم الشّيطان في النّار.

وَ ما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ، أي: أيّ تبعة تحيق بهم بالإيمان والإنفاق في سبيل اللّه.

و هو توبيخ لهم على الجهل بمكان المنفعة والاعتقاد في الشي‏ء على خلاف ما هو عليه، وتحريض على الفكر لطلب الجواب لعلّه يؤدّي بهم إلى العلم بما فيه من الفوائد الجليلة والفوائد الجميلة، وتنبيه على أنّ المدعوّ إلى أمر لا ضرر فيه ينبغي أن يجيب إليه احتياطا فكيف إذا تضمّن المنافع.

و إنّما قدّم الإيمان هاهنا وأخّره في الآية السّابقة، لأنّ القصد بذكره إلى التّخصيص هنا والتّعليل ثمّة. أو لأنّ المقصود في السّابق ذمّهم وفي تأخير عدم الإيمان سلوك مسلك التّرقّي، والمقصود هاهنا إزالة الأوصاف الذّميمة، وإزالة الكفر يستحقّ التّقديم، لأنّ إزالة الإنفاق رئاء موقوفة على إزالته، ولأنّ إزالة الأقبح أهمّ.

وَ كانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيماً : وعيد لهم.

إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ: لا ينقص من الأجر ولا يزيد في العقاب أصغر شي‏ء، كالذّرّة، وهي النّملة الصّغيرة. ويقال لكلّ جزء من أجزاء الهباء.

و المثقال، مفعال، من الثّقل. وفي ذكره إيماء، إلى أنّه وإن صغر قدره عظم جزاؤه، حيث أثبت للذّرّة ثقلا. وإيماء، إلى أنّ وضع الشي‏ء في غير محلّه وإن كان حقيرا فهو عظيم ثقيل في القبح.

وَ إِنْ تَكُ حَسَنَةً: وإن يك مثقال الذّرة حسنة. وأنّث الضّمير لتأنيث الخبر، أو لإضافة المثقال إلى المؤنّث. وحذف النّون من غير قياس، تشبيها بحروف العلّة.

و قرأ ابن كثير ونافع: «حسنة» بالرّفع، على «كان» التّامّة .

يُضاعِفْها، أي: ثوابها، أو الحسنة نفسها، بناء على تجسّم الأعمال.

و قرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب: «يضعفها» وكلاهما بمعنى .

وَ يُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ: ويؤت صاحبها من عنده، على سبيل التّفضّل زيادة على‏ما وعد في مقابلة العمل.

أَجْراً عَظِيماً : عطاء جزيلا. وإنّما سمّاه أجرا، لأنّه تابع للأجر مزيد عليه.