سورة فاتحة الكتاب

في مجمع البيان : روى جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه، عن النبي صلّى اللّه عليه وآله [انه قال‏] : لما أراد اللّه- عز وجل- أن ينزل فاتحة الكتاب وآية الكرسي وشهد اللّه وقل اللهم مالك الملك- الى قوله- بغير حساب، تعلقن بالعرش- وليس بينهن وبين اللّه حجاب- وقلن: يا رب! تهبطنا الى دار الذنوب والى من يعصيك؟ ونحن معلقات بالطهور والقدس .

فقال: وعزتي وجلالي! ما من عبد قرأكن في دبر كل صلاة ، الا أسكنته حظيرة القدس على ما كان فيه. ونظرت اليه  بعيني المكنونة، في كل يوم سبعين نظرة. والا قضيت له في كل يوم سبعين حاجة، أدناها المغفرة. والا أعذته من كل عدو، ونصرته عليه. ولا يمنعه من دخول الجنة الا الموت .و في كتاب ثواب الأعمال - بإسناده: قال أبو عبد اللّه- عليه السلام: اسم اللّه الأعظم مقطع في أم الكتاب.

و في كتاب الخصال . عن أبى عبد اللّه- عليه السلام- قال: رنّ إبليس أربع رنات: أولهن يوم لعن، وحين أهبط الى الأرض، وحين بعث محمد- صلى اللّه عليه وآله- على حين فترة من الرسل، وحين أنزلت أم الكتاب.

و عن الحسن بن علي- عليهما السلام- في حديث طويل : قال: جاء نفر من اليهود الى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فسأله أعلمهم عن أشياء، فكان فيما سأله: أخبرنا عن سبع خصال أعطاك اللّه من بين النبيين وأعطى أمتك من بين الأمم.

فقال النبي- صلّى اللّه عليه وآله: أعطاني اللّه فاتحة الكتاب- الى قوله- صدقت يا محمد! فما جزاء من قرأ فاتحة الكتاب؟

فقال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وآله: من قرأ فاتحة الكتاب أعطاه اللّه تعالى بعدد كل آية نزلت من السماء، ثواب تلاوتها.

و عن جابر، عن النبي- صلى اللّه عليه وآله- حديث طويل - يقول فيه- عليه السلام- حاكيا عن اللّه تعالى: وأعطيت أمتك كنزاً من كنوز عرشي، فاتحة الكتاب.

و في أصول الكافي : محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن اسمعيل بن بزيع، عن عبد اللّه بن الفضل النوفلي- رفعه- قال: ما قرأت الحمد على وجع، سبعين مرة، الا سكن.محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن سلمة بن محرز قال: سمعت أبا جعفر- عليه السلام- يقول: من لم يبرئه الحمد، لم يبرئه شي‏ء.

علي بن ابراهيم ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: لو قرأت الحمد على ميت، سبعين مرة، ثم ردت فيه الروح، ما كان عجبا .

و في عيون الأخبار : حدثنا محمد بن القسم، المفسر المعروف بأبي الحسن الجرجاني- رضي اللّه عنه- قال: حدثنا يوسف بن محمد بن زياد وعلي بن محمد ابن سيار، عن أبويهما، عن الحسن بن علي، عن أبيه، علي بن محمد، عن أبيه، محمد بن علي، عن أبيه الرضا عن آبائه، عن علي- عليهم السلام- انه قال:

 

سمعت رسول اللّه- صلى اللّه عليه وآله- يقول: ان اللّه- تبارك وتعالى- قال لي:

وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ، فأفرد «عليّ الامتنان»  بفاتحة الكتاب، وجعلها بإزاء القرآن العظيم. وان فاتحة الكتاب أشرف ما في كنوز العرش. وان اللّه- عز وجل- خص  محمدا وشرفه بها، ولم يشرك معه فيها أحدا من أنبيائه، ما خلا سليمان- عليه السلام فانه أعطاه منها «بسم اللّه الرحمن‏الرحيم». «ألا ترى»  يحكي عن بلقيس، حين قالت: « (اني)  ألقي إليّ كتاب كريم. إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» ؟ ألا فمن قرأها معتقدا لموالاة محمد- صلى اللّه عليه وآله- وآله الطيبين، منقادا لأمرهما ، مؤمنا بظاهرهما وباطنهما، أعطاه اللّه تعالى بكل حرف منها حسنة، كل واحدة منها أفضل له من الدنيا وما فيها، من أصناف أموالها وخيراتها.

و من استمع الى قارئ يقرأها، كان له قدر  ما للقارئ. فليستكثر أحدكم من هذا الخير المعرض لكم، فانه غنيمة لا يذهبن أو انه. (فيبقى في قلوبكم)  الحسرة.

و في تفسير الامام أبي محمد الحسن العسكري - عليه وعلى آبائه السلام:

 

قال: ألا فمن قرأها- الى آخر ما نقلنا عن العيون- بأدنى تغيير.

و في تفسير العياشي : عن الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني، قال:

 

قال أبو عبد اللّه- عليه السلام: اسم اللّه الأعظم، مقطع في أم الكتاب.

عن محمد بن سنان ، عن أبي الحسن موسى بن جعفر، عن أبيه- عليهما السلام- قال: قال لأبي حنيفة: ما سورة أولها تحميد وأوسطها اخلاص وآخرها دعاء؟فبقى متحيّرا، ثم قال: لا أدري.

فقال أبو عبد اللّه- عليه السلام: السورة التي أولها تحميد وأوسطها اخلاص وآخرها دعاء، سورة الحمد.

عن إسماعيل بن أبان ، يرفعه الى النبي- صلى اللّه عليه وآله- قال:

 

قال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وآله- لجابر بن عبد اللّه: يا جابر! ألا أعلّمك أفضل سورة أنزلها اللّه في كتابه؟

قال: فقال جابر: بلى- بأبي أنت وأمي- يا رسول اللّه، علّمنيها.

قال: فعلّمه الحمد للّه، أم الكتاب.

قال: ثم قال : يا جابر، ألا أخبرك عنها؟

قال: بلى- بأبى أنت وأمي- فأخبرني.

قال: هي شفاء من كل داء الا السلام، يعني الموت:

عن أبي بكر الحضرمي، [قال:]  قال أبو عبد اللّه- عليه السلام- : إذا كانت لك حاجة فأقرأ المثاني وسورة أخرى، وصل ركعتين، وأدع اللّه.

قلت: أصلحك اللّه وما المثاني؟

قال: فاتحه الكتاب.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ مكية قيل ، ومدنية ايضا. لأنها نزلت بمكة حين فرضت الصلاة، وبالمدينة لما حولت القبلة اليها.سبع آيات- بالاتفاق.

الا أن بعضهم عد بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ آية، دون أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ، وهم الامامية وقرّاء مكة والكوفة وفقهاؤهما وابن المبارك والشافعي. ومنهم من عكس، وعليه قرّاء المدينة والبصرة والشام وفقهاؤها ومالك والأوزاعي .

و استدلت الامامية

بما روي في تفسير أبي محمد العسكري- عليه السلام - عنه، عن آبائه، عن علي- عليهم السلام- قال: قال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وآله: ان بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، آية من فاتحة الكتاب، وهي سبع آيات، تمامها ببسم اللّه الرحمن الرحيم .

و في تفسير العياشي : عن يونس بن عبد الرحمن، عمن رفعه، قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن قول اللّه تعالى وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ. قال: هي سورة الحمد، وهي سبع آيات، منها بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. وانما سميت «المثاني»، لأنها تثنّى في الركعتين.

و عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر- عليه السلام- قال: سرقوا أكرم آية في كتاب اللّه: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.

و في تهذيب الأحكام : محمد بن علي بن محبوب، عن العباس، عن محمد ابن أبي أيوب، عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ، هي الفاتحة؟

قال: نعم.

قلت: «بسم اللّه الرحمن الرحيم» من السبع المثاني ؟ قال: نعم، هي أفضلهن.

و في عيون الأخبار - بإسناده الى امير المؤمنين- عليه السلام- حديث طويل وفيه: قيل لأمير المؤمنين- عليه السلام: يا أمير المؤمنين! أخبرنا عن بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، أ هي آية من فاتحة الكتاب؟

فقال: نعم. كان رسول اللّه- صلى اللّه عليه وآله- يقرأها، ويعدّها آية منها، ويقول: فاتحة الكتاب هي السبع المثاني.

و بإسناده  عن الرضا- عليه السلام- عن آبائه- عليهم السلام- عن علي- عليه السلام- أنه قال: ان بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، آية من فاتحة الكتاب.

و هي سبع آيات تمامها «بسم اللّه الرحمن الرحيم».

و فيه : عن الرضا- عليه السلام- قال: والإجهار «ببسم اللّه الرحمن الرحيم» في جميع الصلوات، سنّة.

و عن الرضا- عليه السلام

- أنه كان يجهر «ببسم اللّه الرحمن الرحيم» في جميع صلواته بالليل والنهار.

و في الكافي : علي بن ابراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن معاوية بن عمار، قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السلام: إذا قمت للصلاة، أقرأبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ في فاتحة الكتاب؟ .

قال: نعم.

قلت: فإذا قرأت فاتحة الكتاب أقرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مع السورة؟

قال: نعم.

محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد، عن علي بن مهزيار، عن يحيى ابن أبي عمران الهمداني، قال: كتبت الى أبي جعفر- عليه السلام: جعلت فداك، ما تقول في رجل ابتدأ ب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ في صلاته، وحده في أمّ الكتاب، فلما صار الى غير أمّ الكتاب من السورة، تركها؟

فقال العباسي: ليس بذلك بأس.

فكتب بخطه، يعيدها مرتين، على رغم أنفه، يعنى: العباسي.

محمد بن يحيى ، عن احمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن القسم  ابن محمد، عن صفوان الجمال، قال: صليت خلف أبي عبد اللّه- عليه السلام- أياما. فكان إذا كانت صلاة لا يجهر فيها، جهر ب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. وكان يجهر في السورتين، جميعا.

و في تفسير علي بن ابراهيم : عن ابن أذينة قال: قال ابو عبد اللّه- عليه السلام-: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أحق ما أجهر به. وهي الاية التي قال اللّه- عز وجل: وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً .و في مجمع البيان : عن رسول اللّه- صلى اللّه عليه وآله: ان اللّه تعالى منّ عليّ بفاتحة الكتاب من  كنز الجنة فيها بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الاية التي يقول اللّه (تعالى) : وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً .

و في تفسير العياشي : عن أبي بصير ، عن أبي جعفر- عليه السلام- قال: كان رسول اللّه- صلى اللّه عليه وآله- يجهر بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. ويرفع بها صوته. فإذا سمعها المشركون ولوا مدبرين. فأنزل اللّه وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً .

و فيه : عن عيسى بن عبد اللّه، عن أبيه، عن جده، عن علي- عليه السلام- قال: ان أناسا ينزعون بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. فقال: هي آية من كتاب اللّه، أنساهم إياها الشيطان.

عن خالد بن المختار ، قال: سمعت جعفر بن محمد- عليه السلام- يقول: ما لهم- قاتلهم اللّه- (و)  عمدوا الى أعظم آية في كتاب اللّه، فزعموا أنها بدعة إذا أظهروها، وهي بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ».

 و في كتاب الخصال : عن الأعمش، عن جعفر بن محمد- عليهما السلام- انه قال: والإجهار ب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ في الصلاة، واجب.

و اعلم: ان بعض تلك الأخبار يدل على أنها آية. وبعضها يؤيده.

و أما فضلها:

ففي تفسير العياشي : عن صفوان الجمّال، قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السلام- ما أنزل اللّه من السماء كتابا الا وفاتحته بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. وانما كان يعرف انقضاء السورة، بنزول بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» ابتداء للأخرى.

و في الكافي : محمد بن يحيى، عن علي بن الحسين بن علي، عن عباد ابن يعقوب، عن عمرو بن مصعب، عن فرات بن أخصف ، عن أبي جعفر- عليه السلام- قال: سمعته يقول: أول كل كتاب نزل من السماء، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. فإذا قرأت بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ «فلا تبال أن لا»  تستعيذ.

و إذا قرأت بسم اللّه الرحمن الرحيم سترتك فيما بين السماء والأرض.

و يمكن الجمع بين هذين الخبرين. وخبر سليمان السابق، أن غير سليمان أعطي البسملة، بغير العربية. وسليمان، أعطيها بالعربية.

و في أصول الكافي : محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن عمر بن عبد العزيز، عن جميل بن دراج، قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السلام: لا تدع بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وان كان بعده شعر.عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن علي، عن الحسن بن علي، عن يوسف بن عبد السلام، عن سيف بن هرون، مولى آل جعدة، قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السلام: أكتب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من أجود كتابك. ولا تمد الباء حتى ترفع السين.

عنه : عن علي بن الحكم، عن الحسن بن السري، عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: تكتب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ لفلان. ولا بأس أن تكتب على ظهر الكتاب لفلان.

عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد، عن إدريس الحارثي، عن محمد ابن سنان، عن المفضل بن عمر، قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السلام: احتجبوا  من الناس كلهم، «ببسم اللّه الرحمن الرحيم» و«بقل هو اللّه أحد»، اقرأها عن يمينك وعن شمالك ومن بين يديك ومن خلفك ومن فوقك ومن تحتك. وإذا دخلت على سلطان جائر، فاقرأها حين تنظر اليه، ثلاث مرات. واعقد بيدك اليسرى.

ثم لا تفارقها حتى تخرج من عنده.

و في كتاب التوحيد : بإسناده الى أبي عبد اللّه- عليه السلام- حديث طويل وفيه: قال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وآله: من حزنه أمر يتعاطاه  فقال بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وهو يخلص  للّه ويقبل بقلبه اليه، لم ينفك من احدى اثنتين:

اما بلوغ حاجته في الدنيا، واما يعد له عند ربه، ويدخر لديه. وما عند اللّه خيرو أبقى للمؤمنين.

و فيه : عن الصادق- عليه السلام- حديث طويل- وفيه: ولربما ترك بعض شيعتنا في افتتاح أمره بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. فيمتحنه اللّه- عز وجل- بمكروه لينبّهه على شكر اللّه- تبارك وتعالى- والثناء عليه، ويمحق عنه وصمة تقصيره عند تركه قول «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ».

 

و في تهذيب الأحكام : محمد بن علي بن محبوب، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن حماد بن زيد، عن عبد اللّه بن يحيى الكاهلي، عن أبي عبد اللّه، عن أبيه- عليهما السلام- قال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أقرب الى اسم اللّه الأعظم من ناظر العين الى بياضها.

و في مهج الدعوات : بإسناده الى محمد بن الحسن الصفار، من كتاب فضل الدعاء، بإسناده الى معاوية بن عمار، عن الصادق- عليه السلام- انه قال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، اسم اللّه الأكبر. أو قال: الأعظم.

و برواية ابن عباس : قال- صلى اللّه عليه وآله-: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اسم من أسماء اللّه الأكبر. وما بينه وبين اسم اللّه الأكبر، الا كما بين سواد العين وبياضها.

و في عيون الأخبار : بإسناده الى محمد بن سنان، عن الرضا - عليه السلام قال: ان بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أقرب الى اسم اللّه الأعظم من سواد العين الى بياضها.و في كتاب علل الشرائع : بإسناده الى الصادق- عليه السلام- حديث طويل- يقول فيه- عليه السلام- بعد أن حكى عن النبي- صلى اللّه عليه وآله- ما رأى، إذ عرج به وعلة الأذان والافتتاح: فلما فرغ من التكبير والافتتاح قال اللّه- عز وجل: الآن وصلت الي. فسمّ باسمي! فقال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ».

 

فمن ذلك جعل بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ في أول السورة .

ثم قال له: أحمدني.

فقال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ».

 

و قال النبي- صلى اللّه عليه وآله- في نفسه: شكرا.

فقال اللّه: يا محمد! قطعت حمدي. فسم باسمي.

فمن  ذلك جعل في الْحَمْدُ لِلَّهِ، الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مرتين.

فلما بلغ وَلَا الضَّالِّينَ، قال النبي- صلى اللّه عليه وآله-: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، شكرا.

فقال العزيز الجبار: قطعت ذكري. فسم باسمي.

 [فقال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ»] .

فمن [أجل‏]  ذلك جعل بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، بعد الحمد، في استقبال السورة الأخرى.و في تفسير العياشي : قال الحسن بن خرزاد، وروي عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: إذا أم الرجل القوم، جاء شيطان الى الشيطان الذي هو قريب الامام، فيقول: هل ذكر اللّه؟ يعني: [هل‏]  قرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ»؟

فان قال: نعم. هرب منه، وان قال: لا. ركب عنق الامام، ودلى رجليه في صدره.

فلم يزل الشيطان أمام القوم حتى يفرغوا من صلاتهم.

و في الكافي:  علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير ومحمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير وصفوان بن يحيى- جميعا- عن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: فإذا جعلت رجلك في الركاب فقل «بسم اللّه الرحمن الرحيم، بسم اللّه واللّه أكبر».

بِسْمِ اللَّهِ».

 «الباء»، متعلقة بمحذوف. تقديره، بسم اللّه أقرأ، لان الذي يتلوه مقروء.

و كذلك يضمر كل فاعل ما يجعل التسمية، مبدءا له، دون أبدء لعدم ما يطابقه، أو ابتدائي، لزيادة إضمار فيه.

و تقديم المفعول هنا، كما في بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها . لأنه أهم.

لكونه أدل على الاختصاص، وأدخل في التعظيم، وأوفق للوجود.

فان اسمه تعالى، متقدم على القراءة، من حيث أنه جعل آلة لها، من أجل أن الفعل لا يتم ولا يعتد به شرعا، ما لم يصدر باسمه تعالى .

 «فالباء» للاستعانة. وقيل : للمصاحبة. والمعنى: متبركا باسم اللّه أقرأ.و هو أحسن، لرعاية الأدب. ولم يزد في هذا المقام على هذين الاحتمالين.

و هذا وما بعده، مقول على ألسنة العباد، ليعلموا كيف يتبرك باسمه، ويحمد على نعمه.

و يحتمل أنه تعالى، صدر كتابه به للاشعار بأن التصدير به في كل فعل، وتأليف أمر، واجب. وان كان مؤلفه هو اللّه سبحانه.

و التعبير بلفظ الغائب، للتعظيم. كقول بعض الخلفاء: الأمير، يأمرك بكذا.

و كسر الباء ولام الامر ولام الاضافة، داخلا على المظهر. وحق الحروف المفردة، الفتح، لاختصاصها بلزوم الجر والامتياز عن لام الابتداء. وانما كان حقها ذلك. لأنه أخت السكون في الخفّة.

و الاسم عند أهل البصرة، من الأسماء المحذوفة الأعجاز، لكثرة الاستعمال المبنية أوائلها على السكون. وهي عشرة: اسم واست وابن وابنة وابن واثنان واثنتان وامرؤ وامرأة وأيمن في القسم عند البصرية، أدخل عليها مبتدأ بها همزة الوصل. لان من دأبهم أن يبتدئوا بالمتحرك ويقفوا على الساكن.

و منهم: من ابتدأ بتحريك الساكن، فقال: سم وسم. فقال: «بسم» الذي في كل سورة، سمه. واشتقاقه من السموّ، لأنه رفعة للمسمى، واشارة اليه.

و يدل عليه تصريفه على أسماء وأسامي وسمى وسميت. ومجي‏ء سمى كهدى. قال:

         واللّه أسماك سمى مباركا             آثرك اللّه به تباركا

 ومن المقلوبة الأوائل عند الكوفيين أصله «وسم»، قلبت واوه همزة.

و قيل : حذفت واوه، وعوضت عنها همزة الوصل، ليقل إعلاله.

ورد بأن الهمزة لم يعهد داخلة على ما حذف صدره في كلامهم.

ورد بأن كلمة «أنصر» قد حذفت منها التاء وأدخلت عليها الهمزة. ورد ذلك بأن غير المعهود، ما حذف صدره، وأدخلت عليه الهمزة وهو ليس كذلك. وأجيب‏بكلمة «أكرم». فانه حذف منه الهمزة التي صدره، وأدخل عليه همزة المتكلم.

فتأمل! والمراد منه اللفظ المغاير  للمسمى، الغير المألف من الأصوات، المتحد باختلاف الأمم والأعصار. وارادة المسمى منه، بعيد لعدم اشتهاره بهذا المعنى.

و قوله تعالى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ، المراد منه، تنزيه اللفظ. أو هو مقحم فيه، كقوله: الى الحول ثم اسم السلام عليكما.

قيل : رأي أبي الحسن الأشعري، أن المراد بالاسم، الصفة وهي ينقسم عنده، الى ما هو نفس المسمى، والى ما هو غيره، والى ما ليس هو، ولا غيره.

قيل: وهو عند أهل الظاهر، من الألفاظ.

فعلى هذا لا يصح قوله: الاسم عين المسمى.

و عند الصوفية: عبارة عن ذات الحق، والوجود المطلق. إذا اعتبرت مع صفة معينة، وتجلي خاص. «فالرحمن»- مثلا- هو مع الذات الالهية، مع صفة الرحمة. «و القهار» مع صفة القهر.

فعلى هذا، الاسم عين المسمى- بحسب التحقق والوجود، وان كان غيره بحسب التعقل. والأسماء الملفوظة، هي أسماء هذه الأسامي.

و اضافته الى اللّه- على التقديرين- لامية، والمراد به، بعض أفراده، الذي من جملتها «اللّه» والرَّحْمنِ الرَّحِيمِ».

و يمكن أن يراد به، هذه الأسماء بخصوصها، بقرينة التصريح بها. ويحتمل أن تكون الاضافة بيانية. أما على التقدير الثاني، فظاهرة. وأما على الأول، فبأن يراد بالأسماء الثلاث، أنفسها، لا معانيها. ويكون الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ جاريين‏على اللّه، على سبيل الحكاية، عما أريد به من المعنى والاستعانة والتبرك بالألفاظ، باجرائها على اللسان، واخطار معانيها بالبال، وبالمعاني باخطارها بالبال، واجراء أساميها على اللسان. وأقحم الاسم، لكون التبرك والاستعانة باسمه، والفرق بين اليمين والتيمن. ولم يكتب الألف لكثرة الاستعمال وتطويل الباء، عوض عنه.

و «اللّه»: أصله «الاله». فحذفت الهمزة وعوضت عنها حرف التعريف.

و لذلك قيل: يا اللّه- بالقطع- علم للذات الواجب المستحق لجميع المحامد.

و قد يستعمل في المعبود بالحق، مجازا.

و الدليل على الأول: ان كلمة «لا اله الا اللّه» تفيد التوحيد، من غير اعتبار عهد وغلبة- ضرورة، وبالاتفاق من الثقات. فلو لم يكن علما لم يكن مفيدا. وهو الظاهر.

و على الثاني: قوله تعالى: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ.

قيل: لو لم يكن علما، فالمراد بكلمة «اله» الواقعة اسم «لا»، اما مطلق المعبود، فيلزم الكذب. أو المعبود بالحق، فيلزم استثناء الشي‏ء عن نفسه.

ورد بأن المراد المعبود بالحق. ولا يلزم استثناء الشي‏ء عنه. لأن كلمة «اللّه» صارت بالغلبة، مختصة بفرد من مفهومها.

و قيل : لأنه يوصف ولا يوصف به. ولأنه لا بد له من اسم يجري عليه صفاته.

و لا يصلح له مما يطلق عليه سواه.

ورد بأنه يمكن أن يقال أنه كان في الأصل وصفا. لكنه لما غلب عليه بحيث لا يستعمل في غيره، وصار كالعلم، مثل: الثريا والصعق، أجري مجراه في اجراء الوصف عليه.و استدل الذاهبون الى أنه كان في الأصل وصفا، فغلب، بأن ذاته- من حيث هو- بلا اعتبار أمر حقيقي أو غيره، غير معقول للبشر. فلا يمكن أن يدل عليه بلفظ. وبأنه لو دل على مجرد ذاته المخصوصة، لما أفاد ظاهر قوله تعالى: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ ، معنى صحيحا. وبأن معنى الاشتقاق هو كون أحد اللفظين مشاركا للاخر في المعنى والتركيب، وهو حاصل بينه وبين بعض الألفاظ.

و الجواب عن الأول: أنه يكفي في الوضع ملاحظة الذات المخصوصة بوجه، أو هو معقول للبشر.

و عن الثاني: بأنا قد بينا أنه قد يطلق على مفهوم المعبود، مجازا.

و عن الثالث: بأن اشتقاقه من لفظ آخر، لا ينافي علميته لجواز اشتقاق لفظ من لفظ، ثم وضعه لشي‏ء مخصوص.

و اشتقاقه من «أله»، «آلهة» و«ألوهة» و«ألوهية» بمعنى «عبد» ومنه «تأله» و«استأله». فالاله: المعبود.

أو من أله، إذا تحير، إذ العقول تحير في معرفته.

أو من ألهت «فلانا» أي، سكنت اليه. لأن القلوب تطمئن بذكره والأرواح تسكن الى معرفته.

أو من «أله»، إذا فزع من أمر نزل عليه.

أو «إلهه»: أجاره، إذ العابد يفزع اليه. أو هو يجيره حقيقة، أو بزعمه، إذا أطلق على غير  اللّه، كاطلاقهم الاله على الصبح.

أو من «أله» الفصيل، إذا ولع بأمه، إذ العباد يولعون بالتضرع اليه في الشدائد.أو من «وله»، إذا تحير وتخبط عقله. وكان أصله «ولاه» فقلبت الواو، همزة، لاستثقال الكسرة عليها، استثقال الضمة في وجوه.

فقيل «اله»، كاعأد وأشاح. ويرده الجمع على «آلهة» دون «أولهة».

و قيل: أصله «لاه» مصدر «لاه يليه»، «ليها» «و لاها»، إذا احتجب وارتفع لأنه تعالى محجوب عن ادراك الأبصار، ومرتفع على كل شي‏ء، وعما لا يليق به.

و يشهد له قول الشاعر:

         كحلفة من أبي رباح             يسمعها لاهه الكبار

 وقيل: أصله «لاها»، بالسريانية. فعرّب بحذف الالف الاخيرة وإدخال اللام عليه.

و قيل: تفخيم لامه، إذا انفتح ما قبله، أو انضم سنّة.

و قيل: مطلقا، وحذف ألفه، لحن يفسد به الصلاة. ولا ينعقد به صريح اليمين. وقد جاء لضرورة الشعر:

         ألا لا بارك اللّه في سهيل             إذا ما بارك اللّه في الرجال‏

 هذا أصله. ثم وضع علما للذات المخصوصة .

قيل: وهو اسم اللّه الأعظم، لأنه لا يخرج بالتصرف فيه ما أمكن عن معنى.

 (و في عيون الأخبار ، حديث ذكرته في شرح قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. وفيه:

قلت: «الأحد»، «الصمد». وقلت: لا يشبه شيئا. واللّه، واحد، والإنسان، واحد. أليس قد تشابهت الوحدانية؟

قال: يا فتح! أحلت- ثبتك اللّه- انما التشبيه في المعاني، فأما في الأسماء، فهي واحدة. وهي دلالة على المسمى.

و بإسناده  الى محمد بن سنان، قال: سألت الرضا- عليه السلام- عن الاسم، ما هو؟ قال: صفة لموصوف.

و بإسناده  الى الحسن بن علي بن فضال، عن أبيه، قال: سألت الرضا- عليه السلام- عن بِسْمِ اللَّهِ، قال: معنى قول القائل بِسْمِ اللَّهِ، أي: اسم على نفسي بسمة من سمات اللّه- عز وجل- وهي العبادة .

قلت له: ما السمة؟ قال: العلامة.

و في كتاب التوحيد ، عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- حديث طويل- وقد سأله بعض الزنادقة عن اللّه- عز وجل- وفيه: قال السائل: فما هو؟

قال: أبو عبد اللّه- عليه السلام-: هو الرب، وهو المعبود، وهو اللّه. وليس قولي «اللّه» اثبات هذه الحروف: أ- ل- ه. و«لكن راجع»  الى معنى: هو  خالق الأشياء وصانعها. وقعت عليه هذه الحروف. وهو المعنى الذي سمّي به «اللّه» و«الرحمن» و«الرحيم» و«العزيز» وأشباه ذلك من أسمائه. وهو المعبود- جل وعز.

و بإسناده  الى امير المؤمنين- عليه السلام- انه قال- وقد سئل ما الفائدة في حروف الهجاء؟ ما من حرف الا وهو اسم من أسماء اللّه- عز وجل.و بإسناده  الى هشام بن الحكم، أنه سأل أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن أسماء اللّه- عز وجل- واشتقاقها. فقال: «اللّه» هو مشتق من «اله». و«اله» يقتضى مألوها. والاسم غير المسمى. فمن عبد الاسم دون المعنى، فقد كفر. ولم يعبد شيئا.

و من عبد الاسم والمعنى، فقد أشرك وعبد اثنين. ومن عبد المعنى دون الاسم فذلك التوحيد. أ فهمت يا هشام؟

قال: قلت: زدني.

قال: للّه- عز وجل- تسعة وتسعون اسما. فلو كان الاسم هو المسمى، لكان كل اسم منها هو إلها، ولكن اللّه- عز وجل- معنى يدل عليه هذه الأسماء. وكلها غيره.

يا هشام! الخبز، اسم للمأكول. والماء، اسم للمشروب. والثوب، اسم للملبوس. والنار، اسم للمحرق. أ فهمت يا هشام؟ فهما تدفع به وتنافر به أعداءنا والملحدين في اللّه والمشركين مع اللّه- عز وجل- غيره؟

قلت: نعم.

قال: نفعك اللّه به. وثبتك يا هشام.

قال هشام: فواللّه ما قهرني أحد في التوحيد [حينئذ] ، حتى قمت مقامي هذا.

و بإسناده  الى عبد الأعلى، عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- حديث طويل- قال- عليه السلام- في آخره: واللّه يسمى بأسمائه. وهو  غير أسمائه. والأسماءغيره.

و فيه: واسم اللّه، غير اللّه. وكل شي‏ء وقع عليه اسم شي‏ء، فهو مخلوق، ما خلا اللّه.

و بإسناده  الى الحسن بن راشد، عن أبي الحسن، موسى بن جعفر- عليهما السلام- قال: سألته عن معنى «اللّه».

قال: استولى على ما دقّ وجلّ.

و في كتاب معاني الأخبار ، بإسناده الى أبي إسحاق الخزاعي، عن أبيه، قال: دخلت مع أبي عبد اللّه- عليه السلام- على بعض مواليه، يعوده. فرأيت الرجل يكثر من قول «آه».

فقلت له: يا اخي، أذكر ربك، واستغث به.

فقال أبو عبد اللّه- عليه السلام: ان «آه»، اسم من اسماء اللّه- عز وجل.

فمن قال «آه»، فقد استغاث باللّه- تبارك وتعالى) .

 (و في تهذيب الأحكام : محمد بن علي بن محبوب، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن حماد بن زيد، عن عبد اللّه بن يحيى الكاهلي، عن أبى عبد اللّه، عن أبيه- عليهما السلام- قال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، أقرب الى اسم اللّه الأعظم من ناظر العين الى بياضها.و في مهج الدعوات : باسنادنا الى محمد بن الحسن الصفار، من كتاب فضل الدعاء، بإسناده الى معاوية بن عمار، عن الصادق- عليه السلام- أنه قال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من  اسم اللّه الأكبر. وقال: الأعظم.

و برواية ابن عباس ، قال- صلى اللّه عليه وآله: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اسم من أسماء اللّه الأكبر. وما بينه وبين اسم اللّه الأكبر، الا كما بين سواد العين وبياضها) .

الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ: صفتان للمبالغة. من «رحم»، بالضم. كالغضبان من غضب. والعليم من علم، بعد نقله الى فعل. وهي انعطاف  للقلب. يصير سبب الإحسان. ومنه الرحم، لانعطافها على ما فيها.

و أسماء اللّه تعالى، تؤخذ باعتبار الغايات التي هي الأفعال دون المبادئ التي هي الانفعالات.

في نهج البلاغة

: رحيم لا يوصف بالرقّة.

و في كتاب الأهليلجة : قال الصادق- عليه السلام-: ان الرحمة وما يحدث لنا، منها شفقة ومنها جود. وان رحمة اللّه، ثوابه لخلقه. والرحمة من العباد شيئان:

أحدهما: يحدث في القلب الرأفة والرقّة، لما يرى بالمرحوم من الضرر والحاجة وضروب البلاء.و الاخر: ما يحدث منا بعد  الرأفة واللطف على المرحوم. والرحمة منا بما نزلت به.

و قد يقول القائل: أنظر الى رحمة فلان، وانما يريد الفعل الذي أحدث  عن الرأفة  التي في قلب فلان. وانما يضاف الى اللّه- عز وجل- من فعل «ما عنى»  من هذه الأشياء.

و أما المعنى الذي في  القلب، فهو منفي عن اللّه. كما وصف عن نفسه فهو رحيم، لا رحمة  رقّة.

و في الرَّحْمنِ من المبالغة، ما ليس في الرَّحِيمِ، لأن زيادة البناء يكون لزيادة المعنى، كما يكون للإلحاق والتزيين. ويكون ذلك باعتبار الكمية أو الكيفية.

فعلى الأول: يقال: رحمان الدنيا، لأنه يعم المؤمن والكافر. ورحيم الاخرة، لأنه يخص المؤمن.

و على الثاني: رحمن الدنيا والاخرة ورحيم الدنيا، لأن النعم الأخروية، كلها جسام.

و أما الدنيوية فجليلة وحقيرة وقدم. والقياس يقتضي الترقّي من الأدنى الى الأعلى، لأنه صار كالعلم، من حيث أنه لا يوصف به غيره.أو، لأن الرَّحْمنِ لما دل على أصول النعم، ذكر الرَّحِيمِ ليشمل ما يخرج منها، فيكون كالتتمة له.

أو، للمحافظة على رؤوس الآي.

أو، لتقدم نعم الدنيا.

أو، لما ذهب اليه الصوفية، من أن الرحمة هي الوجود.

فان اعتبرت من حيث وحدتها وإطلاقها، نظرا الى وحدتها، اشتق منه الرَّحْمنِ.

و ان اعتبرت من حيث تخصصها وتخصصها باعتبار متعلقاتها، اشتق منه الرَّحِيمِ.

و لا شك أن الحيثية الأولى متقدمة على الثانية. وهو غير منصرف، حملا على نظيره في بابه، وان منع اختصاصه باللّه، أن يكون له مؤنث على فعلى أو فعلانة.

 (و في مجمع البيان : وروى أبو سعيد الخدري عن النبي- صلى اللّه عليه وآله-: ان عيسى بن مريم قال: الرَّحْمنِ، رحمن الدنيا. والرَّحِيمِ، رحيم الاخرة.

و روى عن الصادق- عليه السلام-: الرَّحْمنِ اسم خاص، بصفة عامة.

و الرَّحِيمِ اسم عام، بصفة خاصة.

و في عيون الأخبار : بإسناده عن الرضا- عليه السلام- انه قال في دعائه:

رحمن الدنيا والاخرة ورحيمهما. صل على محمد وآل محمد.

و في شرح الآيات الباهرة: وذكر في تفسير الامام الحسن العسكري- عليه السلام - قال: وتفسير قوله- عز وجل- الرَّحْمنِ، أن الرَّحْمنِ مشتق من الرحمة.

و قال: قال أمير المؤمنين- صلوات اللّه عليه-: سمعت رسول اللّه- صلى‏اللّه عليه وآله- يقول: قال اللّه تعالى: أنا الرحمن. وهي من  الرحم. شققت لها أسماء من اسمي. من وصلها وصلته. ومن قطعها بتتّه . ثم قال أمير المؤمنين- عليه السلام-: ان الرحم التي اشتقها اللّه تعالى من اسمه  بقوله «أنا الرحمن»، هي رحم محمد - صلى اللّه عليه وآله-. وان من إعظام اللّه، إعظام محمد- صلى اللّه عليه وآله- وان من إعظام محمد- صلى اللّه عليه وآله-، إعظام رحم محمد.

و ان كل مؤمن ومؤمنة من شيعتنا، هو من رحم محمد . وان إعظامهم من إعظام محمد- صلى اللّه عليه وآله-. فالويل لمن استخف بشي‏ء من «حرمة رحم محمد- صلى اللّه عليه وآله» -. وطوبى لمن عظم حرمته وأكرم رحمه، ووصلها.

و قال الامام- عليه السلام: وأما قوله: الرَّحِيمِ، فان أمير المؤمنين- عليه السلام- قال: رحيم بعباده المؤمنين. ومن رحمته أنه خلق مائة رحمة وجعل منها رحمة واحدة في الخلق كلهم. فبها تتراحم الناس، وترحم الوالدة ولدها ، وتحن الأمهات من الحيوان على أولادها. فإذا كان يوم القيامة، أضاف هذه الرحمة الواحدة  الى تسع وتسعين رحمة، فيرحم بها أمة محمد- صلى اللّه عليه وآله- ثم يشفعهم فيمن يحبون له الشفاعة من أهل الملة، حتى أن الواحد ليجي‏ء الى مؤمن‏من الشيعة، فيقول له : اشفع لي! فيقول له : أي حق لك عليّ؟

يقول: سقيتك يوما ماء.

فيذكر ذلك، فيشفع له، فيشفع فيه.

و يجي‏ء آخر فيقول: أنا  لي عليك حق [فاشفع لي!] .

فيقول: [و]  ما حقك؟

فيقول: استظللت بظل جداري ساعة في يوم حارّ.

 «فيشفع له»  فيشفع فيه. فلا يزال يشفع حتى يشفع في جيرانه وخلطائه ومعارفه. وان المؤمن أكرم على اللّه تعالى مما يظنون.

و في كتاب التوحيد : بإسناده الى عبد اللّه بن سنان، قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.

فقال: الباء، بهاء اللّه. والسين، سناء اللّه. والميم، مجد اللّه- وروى بعضهم:

ملك اللّه-. واللَّهِ، اله كل شي‏ء. والرَّحْمنِ، بجميع خلقه. والرَّحِيمِ»، بالمؤمنين، خاصة.

و في أصول الكافي  مثله، سواء.

 

و في كتاب التوحيد - أيضا-: بإسناده الى صفوان بن يحيى، عمن حدّثه،

 عن أبي عبد اللّه- عليه السلام-: انه سئل عن بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.

فقال: الباء، بهاء اللّه. والسين، سناء اللّه. والميم، ملك اللّه.

قال: قلت: اللَّهِ؟

قال: الف، آلاء اللّه على خلقه من النعيم بولايتنا. واللام، الزام اللّه خلقه ولايتنا.

قلت: فالهاء؟

قال: هوان لمن خالف محمدا وآل محمد- صلوات اللّه عليهم-.

قلت: الرَّحْمنِ؟

قال: بجميع العالم.

قلت: الرَّحِيمِ؟

قال: بالمؤمنين خاصة.

و

فيه - أيضا: حدثنا محمد بن القسم الجرجاني المفسر- رحمه اللّه- قال: حدثنا أبو يعقوب يوسف بن محمد بن زياد وأبو الحسن علي بن محمد بن سيار- وكانا من الشيعة الامامية- عن أبويهما، عن الحسن بن علي بن محمد- عليهم السلام-، في قول اللّه- عز وجل- بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، فقال:

اللَّهِ هو الذي يتألّه اليه عند الحوائج والشدائد، كل مخلوق، عند انقطاع الرجاء من كل من دونه . وتقطع الأسباب  عن جميع ما سواه يقول: بسم اللّه، أي: أستعين على أموري كلها باللّه. الذي لا تحق العبادة الا له. المغيث إذا استغيث المجيب إذا دعي‏

. وهو ما قال رجل للصادق- عليه السلام-: يا بن رسول اللّه!دلّني على اللّه، ما هو؟ فقد كثر  عليّ المجادلون. وحيّروني.

فقال له: يا عبد اللّه! هل ركبت سفينة قط؟

قال: نعم.

قال: فهل كسر بك حيث لا سفينة تنجيك ولا سباحة تعينك ؟

قال: نعم.

قال: فهل تعلق قلبك هنالك أن شيئا من الأشياء قادر على أن يخلصك من ورطتك؟

قال: نعم.

قال الصادق- عليه السلام: فذلك الشي‏ء هو اللّه، القادر على الانجاء، حيث لا منجي. وعلى الاغاثة، حيث لا مغيث. [ثم قال الصادق‏] : وقام رجل الى علي بن الحسين- عليهما السلام- فقال: أخبرني ما  معنى بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ؟

فقال علي بن الحسين- عليهما السلام-: حدثني أبي، عن أخيه، الحسن عن أبيه، أمير المؤمنين عليهم السلام-: ان رجلا قام اليه. فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، ما معناه؟

فقال: [ان‏]  قولك اللَّهِ أعظم اسم من أسماء اللّه- عز وجل- وهو الاسم الذي لا ينبغي أن يسمى به غير اللّه. ولم يتسم به مخلوق.فقال الرجل: فما تفسير قول  اللَّهِ؟

فقال: هو الذي يتألّه اليه عند الحوائج والشدائد، كل مخلوق، عند انقطاع الرجاء من جميع من [هو]  دونه. وتقطع الأسباب من كل من سواه. وذلك أن كل مترائس في هذه الدنيا ومتعظم فيها وان عظم غناؤه وطغيانه وكثرت حوائج من دونه اليه، فإنهم سيحتاجون حوائج لا يقدر عليها هذا المتعاظم. وكذلك هذا المتعاظم يحتاج حوائج لا يقدر عليها، فينقطع الى اللّه عند ضرورته وفاقته، حتى إذا كفى همه، عاد الى شركه. أما تسمع اللّه- عز وجل- يقول: قُلْ أَ رَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَ غَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ . فقال اللّه- جل جلاله- لعباده: أيها الفقراء الى رحمتي! اني قد ألزمتكم الحاجة الي، في كل حال وذلة العبودية في كل وقت. قال: فافزعوا في كل أمر تأخذون فيه وترجون تمامه وبلوغ غايته، فاني ان أردت أن أعطيكم، لم يقدر غيري على منعكم. وان أردت أن أمنعكم، لم يقدر غيري على إعطائكم. فأنا أحق من سئل. وأولى من تضرع اليه. فقولوا عند افتتاح كل أمر صغير، أو عظيم: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، أي: أستعين على هذا الامر، باللّه. الذي لا تحق العبادة لغيره. المغيث إذا استغيث. المجيب إذا دعي. الرحمن الذي يرحم، ويبسط الرزق علينا.

الرحيم بنا، في أدياننا ودنيانا وآخرتنا. وخفف علينا الدين، وجعله سهلا خفيفا وهو يرحمنا بتمييز من أعدائه) . (و في الحديث : إذا قال العبد: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، قال اللّه- عز وجل-: بدأ عبدى باسمي. حق عليّ أن أتمم  أموره، وأبارك له في أحواله.

و في الكافي : محمد بن يحيى، عن علي بن الحسين بن علي، عن عباد ابن يعقوب، عن عمر بن مصعب، عن فرات بن أحنف، عن أبي جعفر- عليه السلام- قال: سمعته يقول: أول كتاب نزل من السماء بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فإذا قرأت بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، فلا تبالي الا تستعيذ. إذا قرأت بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، سدّتك فيما بين السماء والأرض.

و في أصول الكافي : محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن عمر بن عبد العزيز، عن جميل بن دراج، قال أبو عبد اللّه- عليه السلام-: لا تدع بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، وان كان بعده شعر.

عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن علي، عن الحسن بن علي، عن يوسف بن عبد السلام، عن سيف بن هارون، مولى آل جعدة قال: لا تكتب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ لفلان، ولا بأس أن تكتب على ظهر الكتاب لفلان.

عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد، عن إدريس الحارثي، عن محمد ابن سنان، عن مفضل بن عمر، قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السلام- أكتب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من أجود كتابك. ولا تمد الباء، حتى ترفع السين.

عنه : عن علي بن حكم، عن الحسن بن السري، عن أبي عبد اللّه- عليه السلام-: احتجبوا  من الناس- كلهم- «بسم اللّه الرحمن الرحيم»، و«بقل هو اللّه أحد»، اقرأها عن يمينك وعن شمالك [و من بين يديك‏]  ومن خلفك ومن فوقك ومن تحتك. وإذا  دخلت على سلطان جائر، فاقرأها، حتى  تنظر اليه ثلاث مرات. واعقد بيدك اليسرى. ثم لا تفارقها (حتى) تخرج من عنده.

و في كتاب التوحيد : بإسناده الى أبي عبد اللّه- عليه السلام- في حديث طويل- فيه: قال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وآله-: من حزنه أمر يتعاطاه، فقال بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، وهو مخلص للّه ويقبل بقلبه اليه، لم ينفك من احدى اثنتين: اما بلوغ حاجته في الدنيا، وما يعد له ويدخر لديه. وما عند اللّه خير وأبقى للمؤمنين.

و فيه : عن الصادق- عليه السلام-، في حديث طويل، فيه: ولربما ترك بعض شيعتنا في افتتاح أمره بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، فيمتحنه اللّه- عز وجل- بمكروه. ولينبهه على شكر اللّه- تبارك وتعالى- والثناء عليه. ويمحق عنه وصمه وتقصيره عند تركه قول «بسم اللّه [الرحمن الرحيم»] .و في عيون الاخبار ، في تأويل بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ: بإسناده الى الحسن بن علي بن فضال، عن أبيه، قال: سألت الرضا- عليه السلام-، عن بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، قال: معنى قول القائل «بسم اللّه»: اسم على نفسي بسمة من سمات اللّه- عز وجل- وهي العبادة.

قلت له: ما السمة؟

قال: العلامة.

و بالإسناد ، الى عبد اللّه بن سنان، قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن  بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.

فقال : الباء بهاء اللّه. والسين، سناء اللّه. والميم، مجد اللّه- وروى بعضهم: ملك اللّه - و«اللّه»، اله كل شي‏ء. «الرحمن»، بجميع خلقه.

و «الرحيم»، بالمؤمنين خاصة.

و في كتاب التوحيد  بإسناده الى صفوان بن يحيى، عمن حدثه، عن أبي عبد اللّه- عليه السلام-، أنه سئل عن بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. فقال: الباء بهاء اللّه. والسين، سناء اللّه. والميم، ملك اللّه.

قال: قلت: اللّه؟

قال: الألف، آلاء اللّه على خلقه من النعيم بولائنا . واللام، الزام اللّه‏خلقه ولايتنا.

قلت: فالهاء؟

قال: هوان لمن خالف محمدا وآل محمد- صلوات اللّه عليهم.

قلت: الرحمن؟

قال: بجميع العالم.

قلت: الرحيم؟

قال: بالمؤمنين خاصة.

و بإسناده  الى الحسن بن أبي راشد، عن أبي الحسن موسى بن جعفر- عليهما السلام- قال: سألته عن معنى «اللّه».

قال: استوى على ما دقّ وجلّ. وخص التسمية بهذه الأسماء، ليعلم العارف أن الحقيق لأن يستعان به في جميع الأمور، هو المعبود الحقيقي، الذي هو مولى النعم، كلها، عاجلها وآجلها، جليلها وحقيرها. فيتوجه بشراشره الى جنابه) .

الْحَمْدُ لِلَّهِ:

 «الحمد»: هو الثناء باللسان، على الجميل الاختياري، من نعمة أو غيرها.

و المدح: هو الثناء على الجميل، مطلقا.

و في الكشاف : انهما اخوان لتخصيصه المدح، أيضا، بالجميل الاختياري.

و قد صرح به في تفسير قوله تعالى: وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ .

لا يقال: إذا خص «الحمد» بالجميل الاختياري، لزم أن لا يحمد اللّه تعالى على صفاته الذاتية، كالعلم والقدرة والارادة. بل اختص بأفعاله الصّادرة عنه،باختياره. لأنا نقول: تجعل تلك الصفات، لكون ذاته كافية فيها بمنزلة أفعال اختيارية، يستقل بها فاعلها.

و لا يخفى على المتأمل، أن ذلك الجعل، لا يقتضي صحة «الحمد» على الصفات الذاتية. بل يقتضي صحة اطلاق لفظ «الحمد»، على الثناء على صفاته، تجوّزا. وأين أحدهما عن الاخر؟

و حقيقته عند العارفين، اظهار كمال المحمود- قولا أو فعلا أو حالا- سواء كان ذلك الكمال اختياريا، أو غير اختياري.

و الشكر، مقابلة النعمة- قولا وعملا واعتقادا.

قال:

         أفادتكم النعماء مني ثلاثة             يدي ولساني والضمير المحجب‏

 فهو أعم منها، من وجه. وأخص من آخر. ولما كان «الحمد» من شعب «الشكر»، أشيع للنعمة، وأدل على مكانها، لخفاء الاعتقاد وما في آداب الجوارح، من الاحتمال جعل رأس الشكر والعمدة فيه.

فقال- عليه السلام-: «الحمد للّه»، رأس الشكر. ما شكر اللّه من لم يحمده.

 «و الذم»، نقيض «الحمد».

و الكفران، نقيض الشكر.

و رفعه بالابتداء، وخبره، للّه. وأصله النصب. وقد قرئ به .

و انما عدل به الى الرفع، دلالة على الدوام والثبات.

و قرئ «الحمد للّه» باتباع الدال اللام، وبالعكس- تنزيلا لهما- لكثرة استعمالهما معا، بمنزلة كلمة واحدة. كقولهم منحدر  الجبل ومغيره.و «اللام» فيه لتعريف الجنس. وهو الاشارة الى ما يعرفه كل أحد من معنى «الحمد»، بناء على أن الاختصاص، يكون حينئذ مستفادا من جوهر الكلام، من غير استعانة بالأمور الخارجة. ويكون مستلزما، لاختصاص جميع الافراد، أو للاستغراق، بناء على أن المتبادر الى الذهن، من المحلى بلام الجنس، في المقامات الخطابية، هو الاستغراق. وهو الشائع في الاستعمال. وحينئذ يكون اختصاص الأفراد، مصرحا به.

فان قلت: لا يصح تخصيص جنس الحمد، ولا تخصيص أفراده به. فان خلق الأفعال، ان كان من عند اللّه، فللكسب فيه مدخل. فيرجع اليه بهذا الاعتبار.

و أما عند المعتزلة: فلأن خالق الأفعال، هو العبد. وبمجرد تمكين اللّه وأقداره عليها، لا يختص «الحمد» به. بل يرجع اليه سبحانه- أيضا- كل باعتبار.

و هو لا يفيد التخصيص، بل الاشتراك.

قلت: لا يبعد أن يقال: انه جعل الجنس، في المقام الخطابي، منصرفا الى الكامل. كأنه كل الحقيقة. فاختص الجنس، من حيث هو أو أفراده به سبحانه.

فان قلت: كيف يصح قصد تخصيص الجنس، أو أفراده، والحال ان قوله تعالى: «الحمد للّه»، كان في الأصل: أحمد اللّه حمدا، أو نحمده حمدا. فلا يكون المراد، الا الحمد المستند الى المتكلم الواحد، أو مع الغير. فبعد افادة الكلام التخصيص، لا يفيد الا تخصيص المخصوص، لا مطلقا.

قلت: كما أنه في صورة الرفع، يتجرد الكلام، عن التجدد والحدوث، كذلك يتجرد عن  النسبة الى فاعل مخصوص. وأيضا، يمكن أن يكون، صيغة المتكلم مع الغير، على ألسنة جميع الحامدين، حقا وخلقا.

ثم قيل: اعلم! انه إذا كان الحامد، في مقام الجمع، فالمناسب أن يحمل‏اللام على الجنس. وان كان في مقام الفرق قبل الجمع، فالمناسب الاستغراق، ولكن بالتأويل. وان كان في مقام الفرق بعد الجمع، فالمناسب، الاستغراق، ولكن بلا تأويل. وان كان في مقام جمع الجمع، فالمناسب الجنس والاستغراق- معا- من غير احتجاب بأحدهما، عن الاخر.

ثم اعلم! انه يمكن أن يراد «بالحمد»، الحامدية والمحمودية- جميعا- بناء على أنه مشترك معنوي. فانه فعل واحد بين الحامد والمحمود. وإذا اعتبر نسبته  الى الحامد، يكون حامدية. وان اعتبرت الى المحمود، يكون محمودية. أو لفظي.

و يجوز استعمال المشترك، في معنييه أو معانيه. كما ذهب اليه المحققون. أو يكون مجازا، عن معنى مشترك بين المعنيين.

 (و في كتاب الخصال : بإسناده الى علي بن الحسين- عليه السلام- قال: ومن قال: «الحمد للّه»، فقد أدى شكر كل نعمة للّه تعالى.

و في أصول الكافي : محمد [بن يحيى‏]  عن أحمد، عن علي بن الحكم، عن صفوان الجمال، عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: قال لي: ما أنعم اللّه على عبده  بنعمة، صغرت أو كبرت، فقال: «الحمد للّه» الا أدى شكرها.

و بإسناده  الى حماد بن عثمان، قال: خرج أبو عبد اللّه- عليه السلام- من المسجد. وقد ضاعت دابته.فقال: لئن ردها اللّه عليّ، لأشكرن اللّه حق شكره.

قال: فما لبث ان أتي بها.

فقال: «الحمد للّه».

فقال «قائل له» : جعلت فداك. أليس قلت: لأشكرن اللّه حق شكره؟

فقال أبو عبد اللّه- عليه السلام-: ألم تسمعني قلت: «الحمد للّه»؟)

 

رَبِّ الْعالَمِينَ:

 «الرب» في الأصل، هو المالك.

فهو اما صفة مشبهة، من فعل متعد، لكن بعد جعله لازما من «ربه» «يربه» بفتح العين في الماضي، وضمها في الغابر.

و اما وصف بالمصدر، للمبالغة. كما وصف بالعدل. وهو مفردا. لا يطلق على غير اللّه، الا نادرا.

و قرئ بالنصب على المدح، أو النداء، أو بالفعل الذي دل عليه الحمد.

 «قيل: هذا الاسم، يفيد اثبات خمسة أحكام للحق- سبحانه وتعالى-.

و هي: الثبات والسيادة والإصلاح والملك والتربية. لأن «الرب» في اللغة، هو المصلح والسيد والمالك والثابت والمربي. ففيه دليل على أن الممكنات، كما هي مفتقرة الى المحدث، حال حدوثها، مفتقرة الى المبقي، حال بقائها.

 «و العالم»، اسم لما يعلم به. كالخاتم، لما يختم به. غلب فيما «يعلم به»، «الصانع» مما سوى اللّه، من الجواهر والاعراض. فإنها لأمكانها، وافتقارها الى مؤثر، واجب لذاته، تدل على وجوده.و قيل: اسم، [وضع‏]  لذوي العلم، من الملائكة والثقلين. وتناوله لغيرهم، على سبيل الاستتباع.

و قيل: عني به، «الناس»، هنا . فان كل واحد منهم، عالم من حيث أنه يشتمل على نظائر ما في العالم الكبير، (من جنس واحد مما سمي به، أو الى حقيقة القدر)،  من الجواهر والأعراض، يعلم بها الصانع. كما يعلم بما أبدعه في العالم. ولذلك سوّى بين النظر فيهما. وقال : وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَ فَلا تُبْصِرُونَ  وانما جمع، لئلا يتوهم أن القصد الى استغراق أفراد جنس واحد، مما سمي به. أو الى حقيقة القدر المشترك.

فلما جمع وأشير بصيغة الجمع، الى تعدد الأجناس، وبالتعريف الى استغراق أفرادها، أزال التوهّم بلا شبهة.

و انما جمعه بالواو والنون، مع أنه مختص بصفات العقلاء، أو ما في حكمها من أعلامهم، لمشابهته الصفة في دلالته على الذات، باعتبار معنى هو كونه يعلم أو يعلم به.

و اختصاصه بأولي العلم، حقيقة أو تغليبا.

و قيل: وصفيّة «العالمين» انما هي بتقدير ياء النسبة. يعني، العالميين، كالاعجمين. بمعنى، الأعجميين، واختصاصه بأولي العلم، على سبيل التغليب.

و يمكن أن يجعل جمعه بالواو والنون، اشارة الى سريان الصفات الكمالية من العلم والحياة وغيرهما، في كل موجود من الموجودات. فالكل أولو العلم.و قد ذهب اليه بعض، كما يعلم من عبارة بعض.

 (و في كتاب التوحيد ، كلام للرضا- عليه السلام- في التوحيد وفيه: ورب إذ لا مربوب.

و فيه ، عن علي- عليه السلام- مثله) .

 

و عن أبي جعفر- عليه السلام- في حديث طويل  وفيه: لعلك ترى أن اللّه انما خلق هذا العالم الواحد، أو  ترى أن اللّه لم يخلق بشرا غيركم. بلى واللّه لقد خلق ألف ألف عالم، وألف ألف آدم، أنت في آخر تلك العوالم، وأولئك الآدميين.

و في كتاب الخصال : بإسناده الى أبي عبد اللّه- عليه السلام- انه قال- في حديث طويل-: ان [علم‏]  عالم المدينة  ينتهي الى حيث لا يقفو الأثر ويزجو  الطير. ويعلم في اللحظة الواحدة، مسيرة الشمس. تقطع اثني عشر «برجا، واثني عشر برا، واثني عشر بحرا، واثني عشر عالما» .و بإسناده  الى العباد  بن عبد الخالق، عمن حدثه، عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: ان للّه- عز وجل- اثني عشر ألف عالم. كل عالم منهم  اكبر من سبع سماوات وسبع أرضين. ما يرى  عالم منهم ان للّه- عز وجل- عالما غيرهم. وأنا الحجة عليهم.

و في عيون الأخيار : حدثنا محمد بن القاسم الأسترآبادي المفسر- رضي اللّه عنه- قال: حدثني  يوسف بن محمد بن زياد وعلي بن محمد بن سيار، عن أبويهما، عن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، «عن أبيه عن جده» - عليهم السلام- قال: جاء رجل الى الرضا- عليه السلام- فقال له: يا ابن رسول اللّه! أخبرني عن قول اللّه تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ما تفسيره؟.

فقال: لقد حدثني أبي، عن جدي، عن الباقر، عن زين العابدين، عن أبيه- عليهم السلام-: ان رجلا جاء الى أمير المؤمنين- عليه السلام- فقال:

أخبرني عن قول اللّه تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، ما تفسيره؟

فقال: «الحمد للّه»، هو أن عرّف عباده بعض نعمه عليهم، جملا، إذ لا يقدرون على معرفة جميعها، بالتفصيل. لأنها أكثر من أن تحصى، أو تعرف، فقال لهم:

قولوا: «الحمد للّه» على ما أنعم به علينا، «رب العالمين»، وهم الجماعات،من كل مخلوق من الجمادات والحيوانات. فأما  الحيوانات، فهو يقلبها في قدرته.

و يغذوها من رزقه. ويحوطها بكنفه. ويدبر كلا منها بمصلحته. وأما الجمادات، فهو يمسكها بقدرته. ويمسك المتصل منها أن يتهافت. ويمسك المتهافت منها أن يتلاصق. ويمسك السماء أن تقع على الأرض، الا باذنه. ويمسك الأرض أن تنخسف الا بأمره. انه بعباده رؤوف  رحيم.

 [و]  قال- عليه السلام-: و«رب العالمين»، مالكهم وخالقهم وسائق أرزاقهم اليهم، من حيث يعلمون ومن حيث لا يعلمون. فالرزق مقسوم. وهو يأتي ابن آدم، على أي سيرة سارها من الدنيا. ليس تقوى متقي، بزائده. ولا فجور فاجر، بناقصه. وبينه وبينه ستر وهو طالبه. فلو أن أحدكم يفر من رزقه، لطلبه رزقه. كما يطلبه الموت. فقال اللّه- جل جلاله-: قولوا: «الحمد للّه» على ما أنعم به علينا، وذكرنا به من خير في كتب الأولين، قبل أن نكون  ففي هذا إيجاب على محمد وآل محمد- صلوات اللّه عليهم- وعلى شيعتهم، أن يشكروه بما فضلهم.

و ذلك‏

أن رسول اللّه- صلى اللّه عليه وآله- قال: لما بعث اللّه- عز وجل- موسى بن عمران- عليه السلام- واصطفاه نجيا وفلق له البحر ونجى بني إسرائيل وأعطاه التوراة والألواح، رأى مكانه من ربه- عز وجل- فقال: يا رب! لقد أكرمتني بكرامة، لم تكرم بها أحدا قبلي.

فقال اللّه- جل جلاله-: يا موسى! أما علمت «أن محمدا، أفضل عندي»

 من جميع ملائكتي وجميع خلقي؟.

قال موسى: يا رب! فان كان محمد- صلى اللّه عليه وآله وسلم- أكرم عندك من جميع خلقك، فهل في آل الأنبياء، أكرم من آلي؟.

قال اللّه- جل جلاله-: يا موسى! أما علمت أن فضل آل محمد على جميع آل النبيين، كفضل محمد على جميع المرسلين؟

فقال موسى: يا رب! فان كان آل محمد كذلك، فهل في أمم الأنبياء، أفضل عندك من أمتي؟ ظللت عليهم الغمام. وأنزلت عليهم المنّ والسلوى. وفلقت لهم البحر.

فقال اللّه- جل جلاله-: يا موسى! أما علمت، أن فضل أمة محمد على جميع الأمم، كفضله على جميع خلقي؟

فقال موسى- عليه السلام: يا رب! ليتني كنت أراهم.

فأوحى اللّه- عز وجل- اليه: يا موسى! انك لن تراهم. وليس هذا أو ان ظهورهم، ولكن سوف تراهم، في الجنات، جنات عدن والفردوس، بحضرة محمد في نعيمها يتقلبون، وفي خيراتها يتبحبحون. أ فتحب ان أسمعك كلامهم؟

قال : نعم الهي!.

قال اللّه- جل جلاله-: قم بين يدي! واشدد مئزرك!، قيام العبد الذليل بين يدي الملك الجليل.

ففعل ذلك موسى- عليه السلام- فنادى ربنا- عز وجل: يا أمة محمد! فأجابوه كلهم. وهم في أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم: لبيك. اللهم! لبيك.

لبيك. لا شريك لك. لبيك. ان الحمد والنعمة والملك لك. لا شريك لك. لبيك .قال: فجعل اللّه- عز وجل- تلك الاجابة، شعار الحج . ثم نادى ربنا عز وجل: يا أمة محمد! ان قضائي عليكم، أن رحمتي سبقت غضبي. وعفوي قبل عقابي. فقد استجبت لكم، من قبل أن تدعوني. وأعطيتكم من قبل أن تسألوني.

من لقيني منكم بشهادة أن لا اله الا اللّه، وحده لا شريك له. وأن محمدا، عبده ورسوله، صادق في أقواله، محق في أفعاله، وأن علي بن أبي طالب، أخوه ووصيه من بعده، ووليه، ويلتزم طاعته، كما يلتزم طاعة محمد، وأن أولياءه، المصطفين الطاهرين المطهرين المنبئين  بعجائب آيات اللّه ودلائل حجج اللّه من بعدهما، أولياؤه، أدخلته جنتي، وان كانت ذنوبه مثل زبد البحر.

قال- عليه السلام-: فلما بعث اللّه- عز وجل- نبينا، محمدا- صلى اللّه عليه وآله-، قال: يا محمد! وما كنت بجانب الطور، إذ نادينا أمتك بهذه الكرامة.

ثم قال اللّه- عز وجل- لمحمد- صلى اللّه عليه وآله- قل: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، على ما اختصني به، من هذه الفضيلة، وقال لأمته: قولوا أنتم: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ على ما اختصنا به من هذه الفضائل.

 (و في شرح الآيات الباهرة: قال الامام أبو محمد الحسن العسكري - عليه السلام:- حدثني أبي عن جدي، عن الباقر، عن زين العابدين- عليهم السلام-:

أن رجلا أتى أمير المؤمنين- عليه السلام- فقال له: أخبرني عن قول اللّه- عز وجل- الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، ما تفسيره؟

فقال: «الحمد للّه»، هو أن اللّه قد عرّف عباده بعض نعمه عليهم، جملا، إذ لا يقدرون على معرفة جميعها، بالتفصيل. لأنها أكثر من أن تحصى، أو تعرف.

فقال لهم: قولوا: «الحمد للّه» على ما أنعم به علينا، وذكرنا به من خير، في كتب الأولين، من قبل أن نكون.

ففي هذا إيجاب على محمد وآل محمد، «لما فضلهم به» ، وعلى شيعتهم، أن يشكروه، بما فضلهم به على غيرهم.

و في كتاب الخصال : عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: قال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وآله- أربع من كنّ فيه، كان في نور اللّه الأعظم- الى قوله- ومن أصاب خيرا، قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.

و في تفسير علي بن ابراهيم : في الموثق عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في قوله: «الحمد للّه»، قال: الشكر للّه. وفي قوله: «رب العالمين»، قال:

خالق المخلوقين.

و في من لا يحضره الفقيه : وفيما ذكره الفضل، من العلل، عن الرضا- عليه السلام- انه قال: «الحمد للّه»، انما هو أداء لما أوجب اللّه- عز وجل- على خلقه، من الشكر. وشكر لما وفق عبده من الخير.

 «رب العالمين»، توحيد له. وتحميد  واقرار بأنه هو الخالق المالك، لا غيره.

و في مجمع البيان : وقال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وآله-: ان اللّه تعالى،منّ عليّ بفاتحة الكتاب- الى قوله- الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ دعوى أهل الجنة، حين شكروا اللّه، حسن الثواب.

و في أصول الكافي : بإسناده الى أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: من قال أربع مرات، إذا أصبح: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، فقد أدى شكر يومه. ومن قالها، إذا أمسى، فقد أدى شكر ليلته.

و بإسناده  الى أبي عبد اللّه- عليه السلام-: قال كان رسول اللّه- صلى اللّه عليه وآله- إذا أصبح، قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ كثيرا، على كل حال، ثلاثمائة وستين مرة. وإذا أمسى قال مثل ذلك.

علي بن ابراهيم ، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، قال: عطس رجل عند أبي جعفر- عليه السلام- فقال: «الحمد للّه». فلم يشمّته أبو جعفر- عليه السلام- وقال: نقصنا حقنا. ثم قال: إذا عطس أحدكم، فليقل: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ وصلى اللّه على [نبيه‏]  محمد وأهل بيته.

قال: فقال الرجل. فشمّته أبو جعفر- عليه السلام.

و بإسناده  الى مسمع بن عبد الملك، قال: عطس أبو عبد اللّه- عليه السلام- فقال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. ثم جعل إصبعه على أنفه، فقال: رغم أنفي للّه، رغما داخرا.

و بإسناده  الى محمد بن مروان، رفعه، قال: قال أمير المؤمنين- عليه السلام-:

 من قال إذا عطس الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» على كل حال، لم يجد وجع الأذنين والأضراس.

و بإسناده الى أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: من عطس ثم وضع يده على قصبة أنفه ثم قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [حمدا]»  كثيرا ، كما هو أهله وصلى اللّه على محمد النبي وآله وسلم، خرج من منخره الأيسر طائر أصغر من الجراد وأكبر من الذباب، حتى يصير تحت العرش، يستغفر اللّه له الى يوم القيامة) .

 (و في الحديث : إذا قال العبد: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، قال اللّه:

حمدني عبدي. وعلم أن النعم التي له من عندي. وأن البلايا التي اندفعت  عنه، بتطوّلي. أشهدكم أني أضيف له الى نعم الدنيا، نعم الاخرة. وأدفع عنه بلايا الاخرة، كما دفعت عنه بلايا الدنيا) .

الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ: قد مر تفسيرهما. وكرره للتفصيل.

9 وقيل: يحتمل أن يكون المراد «بالرحمن الرحيم»، في البسملة، هو المتجلّي بصور الأعيان الثابتة، بفيضه الأقدس. فانه تعالى، باعتبار عموم هذا الفيض وإطلاقه، هو «الرحمن». وباعتبار تخصصه وتخصصه، هو «الرحيم». والمراد بهما فيما بعدها، هو المتجلي بصور الأعيان الوجودية، بالاعتبارين المذكورين.

و قيل: ذكر الرحمة بعد ذكر «العالمين» وقبل ذكر مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ،ينطوي على فائدتين عظيمتين، في تفصيل مجاري الرحمة:

إحداهما: تنظر الى الرحمة في خلق العالمين. وأنه خلقه على أكمل أنواعها وأتاها كلما احتاجت اليه.

و أخراهما: يشير الى الرحمة في المعاد، يوم الجزاء، عند الانعام بالملك المؤبد، في مقابلة كلمة وعبادة.

و هو يلائم ما ورد من قولهم: يا رحمن الدنيا ورحيم الاخرة، حيث قورن «الرحمن»، «برب العالمين»، المشير الى المبدأ، و«الرحيم»، «بملك يوم الدين»، المشير الى المعاد.

و في من لا يحضره الفقيه : فيما ذكره الفضل من العلل عن الرضا- عليه السلام- أنه قال- بعد أن شرح رب العالمين: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، استعطاف، وذكر لآلائه ونعمائه، على جميع خلقه.

و في تفسير علي بن ابراهيم : في الموثق، عن أبي عبد اللّه- عليه السلام-، أنه قال- بعد أن شرح الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ: «الرحمن»، بجميع خلقه.

 «الرحيم»، بالمؤمنين خاصة.

 (و في الحديث : إذا قال العبد: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، قال اللّه تعالى:

شهد لي بأني الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. أشهدكم لأوفرنّ من رحمتي حظه، ولأجزلن من عطائي نصيبه) .

مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ: وقرئ «مالك» و«ملك»- بتخفيف اللام-، و«ملك»، بصيغة الفعل. ونصب «اليوم».و ملك ومالك، بالنصب على المدح والحال. ويحتمل النداء.

و «مالك»، بالرفع، منوّنا ومضافا، على أنه خبر مبتدأ محذوف.

و يعضد قراءته على اسم الفاعل، قوله تعالى: يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ . وعلى الصفة المشبّهة، قوله تعالى: لِمَنِ الْمُلْكُ . وهي أولى. لأنه قراءة أهل الحرمين. ولأن بعض معاني «الرب»، هو المالك.

فذكره ثانيا، لا يخلو عن تكرار. ولان الاخر وهو سورة الناس، نظير الأول.

و المذكور فيها بعد ذكر «الرب» هو «الملك». لا «المالك». ولأن للملك، زيادة عموم، ليست للمالك. لأن ما تحت حياطة الملك، من حيث أنه ملك، أكثر مما تحت حياطة المالك.

فان الشخص، يوصف بالمالكية، نظرا الى أقل قليل. ولا يوصف بالملكية، الا بالنظر الى أكثر كثير» وللتناسب الحاصل بينه وبين الآيتين الأولتين.

و يوم الدين: يوم الجزاء. وقيل : زمان الجزاء. ومنه: كما تدين تدان. وبيت الحماسة: ولم يبق سوى العدوان دنّاهم كما دانوا».

و في اختياره على سائر الأسامي، رعاية للفاصلة، وافادة للعموم. فان الجزاء، يتناول جميع أحوال القيامة، الى السرمد.

و «للدين» معان أخر، مثل العبادة والطاعة والشريعة والشأن.

و «دانه»- في اللغة-: أذلّه واستعبده وساسة وملكه.

و يمكن حمله على كل واحد، بل على الكل بالمرة. وقد يظهر وجهه بصدق التأمّل.و اما اضافة مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، فمن قبيل اضافة الصفة المشبّهة، الى غير معمولها. كما في «رب العالمين». فتكون حقيقية، لا لفظية. فان اللفظية، اضافتها الى الفاعل. لا غير. فيصح جعله صفة للّه.

و أما اضافة مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [فمن قبيل اضافة اسم الفاعل الى الظرف، على سبيل التجويز. وهي أيضا حقيقية. لان المراد به الاستمرار أو الماضي لا الحال أو الاستقبال. ويصح جعل مالكية اليوم مستمرة، مع أن يوم الدين‏]  وما فيه، ليس مستمرا في جميع الأزمنة، لكونه لتحقق وقوعه وبقائه أبدا، كالمتحقق المستمر كما يصح جعله لتحقق وقوعه. كالماضي. وتخصيص «اليوم»، بالاضافة، اما لتعظيمه أو لتفرده تعالى، بنفوذ الأمر فيه.

و لما دل بلامي التعريف والاختصاص، على أن جنس الحمد، مختص به، وحق له، أجرى عليه تلك الأوصاف العظام، ليكون حجة قاطعة، على انحصار الحمد فيه، واستحقاقه إياه، فذكر أولا: ما يتعلق بالابداء، من كونه ربّا مالكا للأشياء، كلها، بافاضة الوجود عليها، وأسباب الكمالات لها.

و ثانيا: ما يتعلق بالبقاء، من اسباغه عليها، نعما ظاهرة وباطنة جليلة ودقيقة.

و ثالثا: ما يتعلق بالاعادة من كونه مالكا للأمر، كله، يوم الجزاء. فلا يستأهل غيره أن يحمد فضلا عن أن يعبد.

 (و في تفسير علي بن ابراهيم : في الموثق، عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- انه بعد أن شرح الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، قال: يوم الحساب.و في مجمع البيان : وقال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وآله-: ان اللّه تعالى، منّ عليّ بفاتحة الكتاب- الى قول مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ- قال جبرئيل: ما قاله مسلم الا صدّقه اللّه وأهل سمائه.

و فيه : وقيل: «الدين»: الحساب.

و هو المروي عن أبي جعفر- عليه السلام.

و في أصول الكافي : بإسناده الى الزهري، قال: كان علي بن الحسين- عليهما السلام- إذا قرأ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، يكررها حتى كاد  أن يموت.

و في من لا يحضره الفقيه : وفيما ذكره الفضل من العلل، عن الرضا- عليه السلام-، انه قال: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، اقرار له بالبعث [و الحساب‏]  والمجازاة. وإيجاب ملك الاخرة له، كإيجاب ملك الدنيا.

و في شرح الآيات الباهرة:  قال الامام الحسن العسكري عليه السلام :

 

قال، أمير المؤمنين- صلوات اللّه عليه-: يوم الدين، هو يوم الحساب.

سمعت رسول اللّه- صلى اللّه عليه وآله- يقول: ألا أخبركم بأكيس الكيسين وأحمق الحمقى؟.

قالوا: بلى يا رسول اللّه!قال: أكيس الكيسين، من حاسب نفسه، وعمل لما بعد الموت. وان أحمق الحمقى، من اتبع نفسه هواها، وتمنى على اللّه تعالى الأماني.

فقال الرجل: يا أمير المؤمنين! فكيف يحاسب الرجل نفسه؟

قال: إذا أصبح ثم أمسى، رجع الى نفسه، فقال: يا نفس! ان هذا يوم مضى عليك، لا يعود اليك، أبدا. واللّه تعالى يسألك عنه ، بما أفنيته وما الذي عملت فيه. أذكرت اللّه؟ أحمدته ؟ أقضيت «حق أخ»  مؤمن؟ أ نفّست عنه كربته؟ أ حفظته بظهر الغيب في أهله وولده؟ أ حفظته بعد الموت في مخلفيه؟

أكففت عن غيبة أخ مؤمن بفضل جاهك؟ أ أعنت مسلما؟ ما الذي صنعت فيه؟ فيذكر ما كان منه. فان ذكر أنه جرى منه خير، حمد اللّه تعالى وشكره ، على توفيقه.

و ان ذكر معصية أو تقصيرا، استغفر اللّه تعالى. وعزم على ترك معاودته. ومحى ذلك عن نفسه، بتجديد الصلاة على محمد وآله الطيبين، وعرض بيعة أمير المؤمنين علي- عليه السلام- على نفسه وقبولها  لها، واعادة لعن أعدائه وشانئيه ودافعيه عن حقوقه. فإذا فعل ذلك، قال اللّه- تعالى عز وجل-: لست أناقشك في شي‏ء من الذنوب، مع موالاتك أوليائي ومعاداتك أعدائي.

و في تفسير العياشي : عن محمد بن علي الحلبي عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- أنه كان يقرأ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، عن فرقد.

قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السلام- يقرأ ما لا أحصى مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ.و في الحديث : إذا قال العبد: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، قال اللّه تعالى: أشهدكم كما اعترف بأني مالك يوم الدين، لأسهّلن يوم الحساب، حسابه. ولأثقّلن حسناته.

و لأتجاوزن عن سيّئاته) .

إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ: ذهب الزجاج، الى أن «ايّا»، مظهر مبهم، أضيف الى الشي‏ء بعده، ازالة لابهامه. وكان «إياك» بمعنى، نفسك.

و الخليل، الى أنه مضمر مضاف الى ما بعده. واحتج بما حكاه عن بعض العرب إذا بلغ الرجل الستين، فإياه وأيا الشواب.

ورد بأن الضمير لا يضاف، وما نقل عن بعض العرب، شاذ. لا يعتمد عليه.

و ابن كيسان وبعض الكوفيّة، الى أن الكاف وأخواته، هي الضمائر التي كانت متصلة. و«أيا» دعامة لها، لتصيّرها منفصلة.

و قوم من الكوفة، الى أن «إياك» بكماله هو الضمير.

و الأخفش، الى أن «أيا» ضمير منفصل، ولواحقه حروف، لا محل لها من الاعراب، تدل على أحوال ما أريد به من الخطاب والتذكير والافراد وما يقابلها .

و قرئ «إياك»، بتخفيف الياء. و«أياك»، بفتح الهمزة، وتشديد الياء.

و «هياك» بقلبها هاء.

و «العبادة»، هي أقصى غاية الخضوع والتذلل. ومنه. طريق معبد، أي:

مذلل. وثوب ذو عبدة، إذا كان في غاية الصفاقة. ولذلك لا يستعمل الا في الخضوع للّه.

 «و الاستعانة»، طلب المعونة. وهي اما ضرورية، لا يتأتى الفعل بدونه.كاقتدار الفاعل وتصوّره وحصول آلة ومادة يفعل بها فيها. وعند استجماعها، يوصف الرجل بالاستطاعة. ويصح أن يكلف بالفعل وغير ضرورية، يسهل الفعل به، كالراحلة في السفر، للقادر على المشي. أو يقرب الفاعل الى الفعل. ويحثّه عليه. وهذا القسم، لا يتوقف عليه، صحة التكليف. هكذا قيل، يقال: استعانه واستعان به، بمعنى. وانما اختبر استعماله بلا واسطة الحرف اشارة الى أن العبد ينبغي أن لا يرى بينه وبين الحق سبحانه، واسطة، في الاستعانة، بأن يقصر نظره عليه، أو يرى الوسائط منه.

و تقديم المفعول، لقصد الاختصاص.

و تكريره، ليكون نصا في اختصاص كل من العبادة والاستعانة به سبحانه.

و في إيراد «إياك» دون «إياه»، كما هو مقتضى الظاهر، التفات من الغيبة الى الخطاب. ومن النكتة الخاصة، في الالتفات من الغيبة الى الخطاب، في هذا المقام، بعد اشتماله على فائدة عامة، من جهة المتكلم، وهي التصرف والافتنان في وجود الكلام واظهار القدرة عليها، ومن جهة المخاطب، وهي تطرية نشاطه في سماع الكلام، وايقاظه للإصغاء اليه. أنه لما قيل: «إياك» بدل «إياه»، فقد نزل الغائب بواسطة أوصافه المذكورة التي أوجب تميزه وانكشافه، حتى صار كأنه تبدل خفاء غيبته، بجلاء حضوره، منزلة المخاطب في التمييز والظهور.

ثم أطلق عليه، ما هو موضوع للمخاطب. ففي إطلاقه ملاحظة لتلك الأوصاف فصار الحكم، مرتبا على الأوصاف. كأنه قيل: أيها الموصوف المتميز بهذه الأوصاف! نخصك بالعبادة، والاستعانة.

فيفهم منه، عرفا، أن العبادة والاستعانة، لتميزه بتلك الصفات.

و منها: التنبيه على أن القراءة، انما يعتد بها، إذا صدرت عن قلب حاضر وتأمل وافر، يجد القارئ، في ابتداء قراءته، محركا. نحو الإقبال على منعمه،

 الذي أجرى حمده على لسانه. ثم يزداد قوة ذلك المحرك، بحسب اجراء تلك الصفات العظام، حتى إذا آل الأمر الى خاتمتها، أوجب إقباله عليه، وخطابه بحصر العبادة والاستعانة فيه.

و منها: الاعلام بأن «الحمد» «و الثناء»، ينبغي أن يكون على وجه، يوجب ترقّي الحامد، من حضيض، بعد الحجاب والمغايبة، الى ذروة قرب المشاهدة والمخاطبة.

و منها: الاشارة الى أن العبادة المستطابة والاستعانة المستجابة، في مقام العبودية، انما يليق بهما، ان تعبد ربك كأنك تراه وتخاطبه.

و منها: الاشارة الى أنه ينبغي أن يكون تالي كلامه سبحانه، بحيث يتجلى له المتكلم فيه، ويصير مشهودا له. فيخاطبه بتخصيص العبادة والاستعانة به.

كما روي عن الصادق- عليه السلام- ، أنه قال: لقد تجلى اللّه تعالى لعباده  في كلامه. ولكن لا يبصرون.

و عنه - أيضا-: انه خرّ مغشيا عليه- وهو في الصلاة- فسئل عن ذلك.

فقال: ما زلت أردد الاية، حتى سمعتها من المتكلم بها.

و الضمير المستكن في الفعلين، للقارئ ومن معه، من الحفظة أو حاضري الجماعة، أو له ولسائر الموحدين، أو له، فقط، لاستجماعه القوى والحواس.

فكان  لكل منها عبادة واستعانة. (أو لأن العبادة، وسيلة) .

قيل: أو لوصوله الى مقام الجمع. فيرى العبادات والاستعانات، كلها،صادرة عنه.

و تقديم العبادة على الاستعانة، لرعاية الفاصلة. أو لأن العبادة، وسيلة الى الاستعانة، ان كان المراد بها الاستعانة على ما عدا العبادة، من المهمات. ولا شك أن تقديم الوسيلة، أدخل في استيجاب الاجابة، وان كان المراد بها، الاستعانة على العبادة، أو الاستعانة، مطلقا، بحيث يدخل فيه العبادة، أيضا.

فوجه تقديمها ظاهر، أيضا. لأنها مقصودة بالنسبة الى الاستعانة. وان كان طلب المعونة على الشي‏ء، مقدّما عليه.

و قيل: لا يبعد أن يجعل العبادة، اشارة الى الفناء في اللّه. لأن غاية الخضوع، هي الرجوع الى العدم الأصلي. والاستعانة، اشارة الى طلب البقاء، بعد الفناء، لتيسر السير في اللّه. وحينئذ وجه التقديم، ظاهر، كما لا يخفى. وفيه ما لا يخفى.

و انما أطلق الاستعانة، ولم يقيدها بكل مستعان فيه ولا ببعض، ليحتمل الكل، ويحمله القارئ على ما يناسب حاله.

 «و قرئ «نستعين»، بكسر النون، وهي لغة تميم. فإنهم يكسرون حروف المضارعة، سوى الياء، إذا لم ينضم ما بعدها» .

 «و قيل: الواو للحال. والمعنى نعبدك: مستعينين بك» .

فأقول: لما نسب المتكلم العبادة الى نفسه، أو هم ذلك تبجّحا واعتدادا منه، بما صدر عنه. فعقّبه بقوله: «و إياك نستعين»، ليدل على أن العبادة: أيضا- مما لا يتم ولا يستتب، الا بمعونة اللّه.

 (و في من لا يحضره الفقيه : وفيما ذكره الفضل من العلل عن الرضا-

 

عليه السلام: إياك نعبد، رغبة وتقرب الى اللّه تعالى ذكره، واخلاص له بالعمل، دون غيره. و«إياك نستعين»، استزادة من توفيقه وعبادته واستدامة، لما أنعم اللّه عليه ونصره.

و في مجمع البيان : قال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وآله: ان اللّه- تبارك وتعالى- منّ عليّ بفاتحة الكتاب- الى قوله- إِيَّاكَ نَعْبُدُ، اخلاص للعبادة.

وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، أفضل ما طلب به العباد، حوائجهم.

و في تفسير العياشي : عن الحسن بن محمد الجمّال، عن بعض أصحابنا، قال: بعث عبد الملك بن مروان الى عامل المدينة، أن وجه الي محمد بن علي بن الحسين ولا تهيجه ولا تروعه. واقض له حوائجه. وقد كان ورد على عبد الملك، رجل من القدرية. فحضر جميع من كان بالشام. فأعياهم جميعا.

فقال: ما له  الا محمد بن علي.

فكتب الى صاحب المدينة، أن يحمل محمد بن علي اليه. فأتاه صاحب المدينة، بكتابه.

فقال له أبو جعفر- عليه السلام-: اني شيخ كبير لا أقوى على الخروج. وهذا جعفر، ابني، يقوم مقامي. فوجهه اليه.

فلما قدم على الأموي ازدراه  لصغره. وكره أن يجمع بينه وبين القدري، مخافة أن يغلبه. وتسامع الناس، بالشام، بقدوم جعفر، لمخاصمة القدري. فلما كان من الغد، اجتمع الناس، لخصومتهما.فقال الأموي لأبي عبد اللّه- عليه السلام: انه قد أعيانا، أمر هذا القدري. وانما كتبت اليك لأجمع بينك وبينه. فانه لم يدع عندنا أحدا، الا خصمه.

فقال: ان اللّه يكفيناه.

 [قال:]  فلما اجتمعوا قال القدري لأبي عبد اللّه- عليه السلام: سل عما شئت! فقال له: اقرأ سورة الحمد! قال: فقرأها. فقال الأموي- أنا معه: ما في سورة الحمد علينا. إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ. [قال:]  فجعل القدري يقرأ سورة الحمد، حتى بلغ قول اللّه- تبارك وتعالى- إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ.

فقال له جعفر- عليه السلام: قف! بمن تستعين؟ وما حاجتك الى المعونة؟

ان الأمر اليك. فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ .

و في كتاب الاحتجاج، للطبرسي - رحمه اللّه- حديث عن النبي- صلى اللّه عليه وآله- وفيه: يقول لأصحابه: قولوا! إياك نعبد، أي: [نعبد]  وحدك . ولا نقول كما قالت الدهرية: ان الأشياء لا بدء لها، وهي دائمة. ولا كما قالت الثنوية «الذين قالوا» : ان النور والظلمة، هما المدبران. ولا كما قال مشركو العرب: ان أوثاننا، آلهة.

فلا نشرك بك شيئا. ولا ندعو من دونك إلها كما يقول هؤلاء الكفار، «و لاكما تقول النصارى واليهود» ، ان لك ولدا. تعاليت عن ذلك «علوا كبيرا» .

و في شرح الآيات الباهرة: قال الامام - عليه السلام: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، قال: قال اللّه تعالى: قولوا أيها الخلق المنعم عليهم: إِيَّاكَ نَعْبُدُ أيها المنعم علينا. ونطيعك مخلصين، مع التذلل والخضوع، بلا رياء ولا سمعة. وإياك نستعين، منك نسأل المعونة على طاعتك، لنؤديها كما أمرت. ونتّقي من دنيانا، ما «عنه نهيت» . ونعتصم من الشيطان [الرجيم‏]  ومن سائر مردة [الجن و]  الانس، المضلين و[من‏]  المؤذين الظالمين، بعصمتك) .

 (و في الحديث : إذا قال العبد: إياك نعبد، قال اللّه: صدق عبدي، اياي يعبد. أشهدكم، لأثيبه على عبادته، ثوابا يغبطه كل من خالفه في عبادته لي.

فإذا قال: وإياك نستعين، قال اللّه: بي استعان. والي التجأ. أشهدكم «لأعيننّه في شدائده  ولآخذن بيده، يوم نوائبه) .

اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ: بيان للمعونة المطلوبة، أو افراد، لما هو المقصود الأعظم.

و «الهداية»: دلالة، بلطف. ولذلك يستعمل في الخير. فقوله تعالى:فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ ، على التهكّم. ومنه «الهداية»، وهوادي الوحش لمقدماتها. والفعل منه هدى. وأصله أن يعدى باللام و«الى». فعومل معه، معاملة «أختار»، في قوله تعالى: وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ  .

و من هنا يظهر أن لا فرق بين المتعدي بنفسه والمتعدي بالحرف.

لكن، نقل عن صاحب الكشاف: أن هداه لكذا والى كذا، انما يقال: إذا لم يكن في ذلك فيصل بالهداية اليه. وهداه كذا، لمن يكون فيه. (فيزداد أو يثبت ولمن لا يكون فيصل. وقد يقال لا نزاع في الاستعمالات الثلاث، الا أن منهم، من فرق بأن معنى المتعدي بنفسه، هو الإيصال الى المطلوب، ولا يكون الا فعل اللّه. فلا يسند الا اليه. كقوله: لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا . ومعنى المتعدي بحرف الجر، هو الدلالة على ما يوصل اليه. فيسند تارة الى القرآن وأخرى الى النبي- صلى اللّه عليه وآله-.

 «قيل»  وهداية اللّه تعالى، تتنوع أنواعا. لا يحصيها عدّ. لكنها تنحصر في أجناس مترتبة:

الأول- افاضة القوى التي يتمكن بها من العبد، الاهتداء الى مصالحه، كالقوى العقلية والحواس الباطنة والمشاعر الظاهرة.

و الثاني- نصب الدلائل الفارقة، بين الحق والباطل، والصلاح والفساد.

و الثالث- الهداية بإرسال الرسل وانزال الكتب.

الرابع- أن يكشف على قلوبهم السرائر. ويريهم الأشياء، كما هي، بالوحي‏و المنامات الصادقة. وهذا القسم يختص بنيله الأنبياء والأولياء.

و طلب الهداية وغيرها، من المطالب قد يكون بلسان القول. وقد يكون بلسان الاستعداد. فما يكون بلسان الاستعداد، لا يتخلف عنه المطلوب. وما يكون بلسان القول ووافقه الاستعداد، استجيب. والا فلا.

فان قلت: فعلى هذا، لا حاجة الى لسان القول.

قلت: يمكن أن يحصل في بعض استعداد المطلوب، من الطلب بلسان القول.

فالاحتياط أن لا يترك الطالب الطلب، بلسان القول. فبالنسبة الى بعض المراتب، يطلب بلسان الاستعداد، وفي بعضها بلسان القول- انتهى كلامه.

و طلب الهداية، بعد الاهتداء، فان من خصص «الحمد»، باللّه سبحانه.

و أجرى عليه تلك الصفات العظام. وحصر العبادة والاستعانة فيه، كان مهتديا، محمول على طلب زيادة الهداية أو الثبات عليها.

و قيل: إذا كان السالك، في مقام السير الى اللّه، ولم يصل الى مطلوبه، فلا شك أن بينه وبين مطلوبه، مسافة، ينبغي أن يقطعها، حتى يصل اليه، فلا بد له من طلب الهداية، ليقطع تلك المسافة. وإذا كان في السير في اللّه، فليس لمطلوبه نهاية. ولا ينتهي سيره أبد الآبدين، فلا بد له- أيضا- من طلب الهداية.

و لا يخفى عليك، أن هذا وما سبق من التأويل وما سيأتي منه مبني على ما ذهب اليه الصوفية، من الأصول الفاسدة. والغرض من نقله، الاطلاع على فساده.

فبالجملة، لا بد من طلبها، وان كانت حاصلة في بعض المراتب. وهذه الصيغة، موضوعة لطلب الفعل، مطلقا. لكنه من الأعلى أمر، ومن الأدنى دعاء، ومن المساوي التماس. واعتبر بعضهم في الامر الاستعلاء، وفي الدعاء التضرع، وفي الالتماس عدمهما.

و «السراط»: الجادة. سمي به على ما توهم أنه يبتلع سالكه، أو يبتلعه سالكه. كما يقال: أكلته المفازة، إذا أضمرته، أو أهلكته. وأكل المفازة إذا

 قطعها. ولذلك سمي باللقم، لأنه يلتقمهم أو يلتقمونه.

و قيل: يناسب ابتلاع الصراط السالك، السير الى اللّه. فان هذا السير، ينتهي الى فناء السالك، وذلك هو ابتلاع الصراط ايّاه. وابتلاع السالك الصراط، يناسب السير في اللّه. فان السالك حينئذ، يبقى ببقاء اللّه سبحانه. ويسير في صفاته. ويتحقق بها. فكأنه يتبلعها ويتغذى بها.

و «الصراط»، من قلب السين، صادا، لأجل الطاء. لأنها مستعلية. فتوافقها الصاد، لكونها- أيضا- من المستعلية. بخلاف السين، فإنها من المنخفضة. ففي الجمع بينهما، بعض الثقل. ويشم الصاد، صوت الزاي، ليكتسى بذلك نوع جهر فيزداد قربها من الطاء. وقيل: ليكون أقرب الى المبدل عنه. وقرئ بهن، جميعا.

و الأفصح، اخلاص الصاد. وهي لغة قريش. والجمع، سرط، ككتب.

و «الصراط»، يذكر ويؤنث، كالطريق، ، والسبيل. وقرأ ابن مسعود، أرشدنا.

قيل: المراد «بالمستقيم»، ما يؤدي الى المقصود، سواء كان أقرب الطرق، أم لا. فغير المستقيم، ما لا يؤدي الى المقصود، أصلا.

أو المراد، أقرب الطرق، الى المقصود. فان أقرب خط، وصل بين نقطتين، هو المستقيم. فغير المستقيم، على هذا، لا يجب أن يكون من طرق الضلال المطلق. بل يكون أعم.

أو المراد به، أعدل الطرق، وهو غير المائل عنه، يمنة ويسرة.

قيل: فطلب الهداية الى الأول، يناسب أهل السعادة، مطلقا.

و الى الثاني، يناسب المتوجهين اليه، بالوجه الخاص. فانه أقرب الطرق.

و الى الثالث، يناسب طالبي مرتبة الجمع بين الجمع والفرق. فان طريقهم، غير مائل الى يمين الجمع ولا الى يسار الفرق.و قيل : المراد به، ملة الإسلام.

و في من لا يحضره الفقيه : وفي ما ذكره الفضل من العلل، عن الرضا- عليه السلام- أنه قال: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ، استرشاد لدينه. واعتصام بحبله.

و استزادة في المعرفة، لربه- عز وجل- ولعظمته وكبريائه.

و في مجمع البيان ، قال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وآله-: ان اللّه تعالى، منّ عليّ بفاتحة الكتاب- الى قوله- اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ، صراط الأنبياء.

و هم الذين أنعم اللّه عليهم.

و فيه : قيل في معنى «الصراط» وجوه. أحدها، أنه كتاب اللّه. وهو المروي عن النبي- صلى اللّه عليه وآله- وعن علي- عليه السلام.

و في تفسير علي بن ابراهيم : في الموثق، عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ، قال: الطريق ومعرفة الامام.

و بإسناده ، الى أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: واللّه! نحن الصراط المستقيم.

و في كتاب المعاني الأخبار : بإسناده، الى أبي عبد اللّه- عليه السلام- في قول اللّه عز وجل وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ، وهو أمير المؤمنين-عليه السلام- في أم الكتاب في قوله- عز وجل- اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ.

و بإسناده ، الى المفضل بن عمر، قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن «الصراط».

فقال: هو الطريق الى المعرفة اللّه- عز وجل. وهما صراطان، صراط في الدنيا، وصراط في الاخرة.

فأما الصراط [الذي‏]  في الدنيا، فهو الامام المفترض الطاعة. من عرفه في الدنيا واقتدى بهداه، مر على الصراط الذي هو جسر جهنم في الاخرة، ومن لم يعرفه في الدنيا زلت قدمه عن الصراط في الاخرة. فتردى في نار جهنم.

و في تفسير علي بن ابراهيم :- أيضا- بإسناده الى حفص بن غياث، قال:

وصف أبو عبد اللّه- عليه السلام- «الصراط»، فقال: ألف سنة، صعود، وألف سنة، هبوط، وألف سنة، حذاك .

و الى سعدان بن مسلم ، عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: سألته عن «الصراط».

قال: هو أدق من الشعر وأحد من السيف. فمنهم من يمر عليه، مثل البرق.

و منهم من يمر عليه، مثل عدو الفرس. ومنهم من يمر عليه، ماشيا. ومنهم من يمر عليه، حبوا. ومنهم من يمر عليه متعلقا، فتأخذ النار منه شيئا وتترك منه شيئا.و في كتاب معاني الأخبار - أيضا- بإسناده الى أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: الصراط المستقيم، أمير المؤمنين.

حدثنا  محمد بن القسم  الأسترآبادي المفسر. قال: حدثني يوسف بن محمد بن زياد وعلي بن محمد بن سيار ، عن أبويهما، عن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب- عليهم السلام- في قوله: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ، قال: أدم لنا توفيقك الذي به أطعناك في ما مضى من  أيامنا، حتى نطيعك كذلك في مستقبل أعمارنا.

و الصراط المستقيم، هو الصراطان: صراط في الدنيا، وصراط في الاخرة.

فأما الطريق المستقيم ، في الدنيا، فهو ما قصر عن الغلو، وارتفع عن التقصير، واستقام، فلم يعدل الى شي‏ء من الباطل.

و  الطريق الاخر، [فهو]  طريق المؤمنين، الى الجنة، الذي هو مستقيم.

لا يعدلون عن الجنة الى النار، ولا الى غير النار، سوى الجنة.

قال: وقال جعفر بن محمد الصادق- عليه السلام- في قوله- عز وجل:

اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ، قال: يقول: أرشدنا الصراط المستقيم. أرشدنا للزوم‏الطريق المؤدي الى محبتك، والمبلغ دينك، والمانع من أن نتبع هوانا ، فنعطب، أو نأخذ بآرائنا، فنهلك.

و بإسناده  الى محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر، قال: حدثني ثابت الثمالي، عن سيد العابدين، علي بن الحسين- عليهما السلام- قال: نحن أبواب اللّه. ونحن الصراط المستقيم.

و بإسناده  الى سعد بن طريف، عن أبى جعفر- عليه السلام- قال: قال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وآله: يا علي! إذا كان يوم القيامة، أقعد أنا وأنت وجبرئيل، على الصراط. فلم يجز أحد الا من كان معه كتاب، فيه براءة بولايتك.

و في أصول الكافي : بإسناده الى أبي جعفر- عليه السلام- قال: أوحى اللّه تعالى الى نبيه- صلى اللّه عليه وآله- فاستمسك بالذي أوحى اليك. انك على صراط مستقيم .

قال: انك على ولاية علي- عليه السلام- وعلي- عليه السلام- هو «الصراط المستقيم».

علي بن محمد  عن بعض أصحابنا، عن ابن محبوب، عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الماضي- عليه السلام- قال: قلت:أَ فَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى، أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ .

قال: ان اللّه ضرب مثل من حاد عن ولاية علي، كمثل  من يمشي على وجهه لا يهتدي لأمره. وجعل من تبعه سويا على صراط مستقيم. والصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ أمير المؤمنين- عليه السلام-.

و في شرح الآيات الباهرة : قال الامام- عليه السلام-: قال جعفر بن محمد الصادق- عليهما السلام- فقوله عز وجل: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ»:

يقول: أرشدنا الصراط المستقيم، للزوم الطريق المؤدي الى محبتك والمبلغ [الى‏]  جنتك، والمانع من أن نتبع أهواءنا، فنعطب، او نأخذ بآرائنا، فنهلك.

و قال أمير المؤمنين- عليه السلام-: قال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وآله- عن جبرئيل، عن اللّه- عز وجل- «انه قال» : يا عبادي! كلكم ضال، الا من هديته. فسلوني الهدى أهدكم.

و منه: يا عبادي! اعملوا أفضل الطاعات وأعظمها لأسامحكم ، وان قصرتم فيما سواها. واتركوا أعظم المعاصي وأقبحها لئلا  أناقشكم في ركوب ما عداها.

ان أعظم الطاعات، توحيدي وتصديق نبيي والتسليم لمن نصبه بعده، وهو علي ابن أبي طالب والائمة الطاهرون- عليهم السلام- من نسله. وان أعظم المعاصي‏

عندي، الكفر بي وبنبيي ومنابذة وصي محمد من بعده، علي بن أبي طالب وأوليائه بعده. فان أردتم أن تكونوا عندي، في المنظر الأعلى، والشرف الأشرف، فلا يكونن أحد من عبادي آثر عنده من محمد، وبعده من أخيه علي، وبعدهما من أبنائهما، القائمين بأمور عبادي، بعدهما. فان من كانت تلك عقيدته، جعلته من أشراف ملوك جناتي.

و اعلموا ان أبغض الخلق الي، من تمثل بي وادعى ربوبيتي. وأبغضهم الي بعده، من تمثل بمحمد ونازعه نبوته، وادعاها. وأبغضهم الي بعده، من تمثل بوصي محمد- صلى اللّه عليه وآله- ونازعه محله وشرفه، وادعاهما. وأبغض الخلق الي من بعد هؤلاء، المدعين لما به  لسخطي، يتعرضون من كان لهم على ذلك من المعاونين. وأبغض الخلق الي بعد هؤلاء، من كان بفعلهم من الراضين وان لم يكن لهم من المعاونين.

و كذلك أحب الخلق الي، القوامون بحقي. وأفضلهم لدي وأكرمهم عليّ، محمد، سيد الورى، وأكرمهم وأفضلهم بعده، علي، أخو المصطفى، المرتضى ثم بعدهما، القوامون بالقسط، من  أئمة الحق. وأفضل الناس بعدهم، من أعانهم على (حقهم. وأحب الخلق الي)  بعدهم، من أحبهم وأبغض أعداءهم وان لم يمكنه معونتهم.

صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ: بدل من الاول، بدل الكل، لفائدتين:

إحداهما: التأكيد بذكر «الصراط»، مرتين، لفظا. وتكرير العامل، تقديرا.

و يلزمهما تكرير النسبة.و ثانيتهما: الإيضاح بتفسير المبهم. وفيه- أيضا- نوع تأكيد. فان ذكر الشي‏ء مبهما وتفسيره، يفيد تقريره وتأكيده.

و قرئ «من أنعمت عليهم». و«عليهم» في محل النصب، على المفعولية.

و «الانعام»، إيصال النعمة. وهي في الأصل، الحالة التي يستلذها الإنسان.

فأطلقت على ما يستلذه، من النعمة، وهي التنعم. ونعم اللّه وان كانت لا تحصى كما قال: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها ، تنحصر في جنسين: دنيوي وأخروي.

و الأول قسمان: موهبي وكسبي.

و الموهبي قسمان: روحاني، كالروح وما يتبعه من القوى، كالفهم والفكر والنطق. وجسماني، كالبدن والقوى الحالة فيه والهيئات العارضة له من الصحة وكمال الأعضاء.

و الكسبي: تزكية النفس عن الرذائل، وتحليتها بالأخلاق والملكات الفاضلة، وتزيين البدن بالهيئات المطبوعة، والحلي المستحسنة، وحصول الجاه والمال.

و الثاني: أن يغفر ما فرط منه، ويرضى عنه، ويبوّؤه في أعلى عليين، مع الملائكة المقربين، أبد الآبدين.

و المراد، هو القسم الأخير وما يكون وصلة الى نيله من القسم الآخر. وما عدا ذلك، يشترك فيه المؤمن والكافر. فالمراد بالمنعم عليهم، هم المؤمنون- مطلقا.

و أطلق الانعام ولم يقيد بنعمة خاصة، ليشمل كل انعام. ووجه صحة الشمول هو ادعاء أن من أنعم اللّه عليه، بنعمة الإسلام، لم يبق نعمة الا اصابته. وقيل: الأنبياء- عليهم السلام- وقيل: أصحاب موسى)  وعيسى- عليهما السلام- قبل التحريف‏و النسخ.

و في كتاب معاني الأخبار : بإسناده الى جعفر بن محمد- عليهما السلام- قال: قول اللّه- عز وجل- في «الحمد»: صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ، يعني: محمدا وذريته- صلوات اللّه عليهم.

حدثنا  محمد بن القاسم الأسترآبادي [، المفسر] : حدثني يوسف بن «المتوكل، عن»  محمد بن زياد وعلي بن محمد بن سيار، عن أبويهما، عن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب- عليهم السلام- في قول اللّه تعالى: صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ، أي: قولوا: اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم، بالتوفيق لدينك وطاعتك.

و هم الذين قال اللّه- عز وجل : وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ، فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً.

و حكى هذا بعينه عن أمير المؤمنين- عليه السلام- قال: ثم قال: ليس هؤلاء المنعم عليهم بالمال وصحة البدن. وان كان كل هذا، نعمة من اللّه، ظاهرة. ألا ترون أن هؤلاء، قد يكونون كفارا أو فساقا. فما ندبتم الى أن تدعوا، بان ترشدوا الى صراطهم. وانما أمرتم بالدعاء الى أن  ترشدوا، الى صراط الذين أنعم عليهم، بالايمان باللّه وتصديق رسوله وبالولاية لمحمد وآله الطيبين وأصحابه‏الخيرين المنتجبين  وبالتقية الحسنة التي يسلم بها، من شر أعداء  اللّه، ومن الزيادة، في آثام أعداء اللّه وكفرهم، بأن تداريهم  ولا تغريهم ، بأذاك وأذى المؤمنين، وبالمعرفة، بحقوق الاخوان من المؤمنين.

 (حدثنا الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي، قال: حدثنا فرات بن ابراهيم، قال: حدثني عبيد بن كثير، قال: حدثنا  محمد بن مروان، قال: حدثنا عبيد بن يحيى بن مهران العطار، قال: حدثنا محمد بن الحسين، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وآله- في قوله اللّه- عز وجل: صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ، قال: شيعة علي- عليه السلام- الذين أنعمت عليهم بولاية علي بن أبي طالب- عليه السلام- لم يغضب عليهم ولم يضلوا) .

و في كتاب كمال الدين وتمام النعمة : بإسناده الى خيثمة الجعفي، عن أبي جعفر- عليه السلام- حديث طويل، وفيه يقول- عليه السلام-: ونحن الطريق الواضح، والصراط المستقيم إلى اللّه- عز وجل. ونحن من نعمة اللّه على خلقه.

 (و في شرح الآيات الباهرة: ذكر أبو علي الطبرسي- رحمه اللّه- في‏تفسيره : انهم النبي والأئمة- صلوات اللّه عليهم- بدليل قوله: فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ . (الاية) ويؤيد ذلك ما جاء في تفسيره - عليه السلام‏

- قال الامام- صلوات اللّه عليه: صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ، أي: قولوا: اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم، بالتوفيق لدينك وطاعتك. وهم الذين قال اللّه: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً وليس هؤلاء المنعم عليهم، بالمال والولد وصحة البدن. وان كان كل ذلك ، نعمة من اللّه، ظاهرة.

ألا ترون أن هؤلاء قد يكونون كفارا او فساقا؟ فما ندبتم الى  أن تدعوا بأن ترشدوا الى صراطهم. وانما أمرتم بالدعاء، أن ترشدوا الى صراط الذين أنعم عليهم، بالايمان باللّه وتصديق رسوله والولاية  لمحمد وآله الطيبين وأصحابه الخيرين المنتجبين، وبالتقية الحسنة التي تسلم بها من شر أعداء  اللّه ومن الزيادة  في آثام  أعداء اللّه، وكفرهم  بأن تداريهم، ولا تغريهم  بأذاك ولا أذى المؤمنين،و بالمعرفة بحقوق الاخوان من المؤمنين. فانه ما من عبد ولا أمة والى محمدا وآل محمد وأصحاب محمد، وعادى أعداءهم ، الا «كانا قد اتخذا»  من عذاب اللّه حصنا منيعا وجنة حصينة) .

غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ: بدل من الذين أنعمت عليهم ، أو صفة له. مبنية، بناء على اجراء الموصول، مجرى النكرة، كقوله: ولقد أمر على اللئيم يسبّني.

أو على جعل «غير المغضوب عليهم» معرفة، بناء على اشتهار المنعم عليهم، بمغايرة الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ، كما في قولك: عليك بالحركة ، غير السكون.

أو يقيده  على معنى، أن المنعم عليهم، هم الذين جمعوا بين النعمة المطلقة، وهي نعمة الايمان، وبين السلامة من الغضب والضلال.

و قرئ بالنصب، على الحال. وذوي الحال، الضمير في عليهم. والعامل، أنعمت. أو بإضمار أعني. أو بالاستثناء، ان فسر النعم، بما يعم القبيلين.

و «الغضب»: ثوران النفس، ارادة الانتقام. فإذا أسند الى اللّه، أريد الانتهاء والغاية.

و «عليهم»، في محل الرفع، على الفاعلية. وانما جاء بالانعام، مبنيا للفاعل،ليدل على ثبوت انعام اللّه، عليهم. وبالغضب، مبنيا للمفعول، لأن  طلبت منه الهداية.

و نسب اليه «الانعام»، لا يناسبه نسبة الغضب اليه. لأن المقام، مقام تلطف وترضي ، لطلب الإحسان. فلا يحسن مواجهته، بصفة الانتقام.

و في كتاب الأهليلجة : قال الصادق- عليه السلام-: وأما الغضب، فهو منّا، إذا غضبنا، تغيرت طبائعنا، وترتعد- أحيانا- مفاصلنا، وحالت  ألواننا. ثم تجي‏ء  من بعد ذلك بالعقوبات. فسمي «غضبا».

فهذا كلام الناس المعروف.

و الغضب شيئان: أحدهما في القلب، وأما المعنى الذي هو في القلب، فهو منفي عن اللّه- جل جلاله، وكذلك رضاه وسخطه ورحمته، على هذه الصفة.

 (و في كتاب الاحتجاج ، للطبرسي- رحمه اللّه-: وروينا بالأسانيد المقدم ذكرها، عن أبي الحسن العسكري- عليه السلام- أن أبا الحسن الرضا قال: ان من تجاوز بأمير المؤمنين، العبودية، فهو من المغضوب عليهم ومن الضالين .

وَ لَا الضَّالِّينَ: وقرئ «و غير الضالين». و«لا» هذه، هي المسماة بالمزيدة، عند البصريين. وهي انما ، تقع بعد الواو، في سياق النفي، للتأكيدو التصريح، بتعلق النفي، بكل من المعطوفين، لئلا يتوهم أن المنفي، هو المجموع، من حيث هو، فيجوز- حينئذ- ثبوت أحدهما. والنفي الذي، وقعت «لا» بعد الواو، في سياقه، هو ما يتضمنه «غير». تقول: أنا زيدا غير ضارب. مع امتناع قولك: أنا زيدا مثل ضارب. لأنه بمنزلة قولك: أنا زيدا لا ضارب.

و قال الكوفيون: هي بمعنى «غير». وهذا قريب من كونها زائدة. فانه لو صرح «بغير» كان للتأكيد، أيضا.

 (و قرئ «و لا الضالون» بالرفع «و لا الضالين»، بالهمزة، على لغة من جد في الهرب، عن التقاء الساكنين) .

و «الضلال»: العدول عن الطريق السويّ- عمدا أو خطأ. وله عرض عريض والتفاوت ما بين أدناه وأقصاه، كثير.

قيل : الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ. اليهود، لقوله تعالى: لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ .

و «الضالين»، النصارى، لقوله تعالى: قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً .

 [و قد روى مرفوعا] .

و قيل : يتجه أن يقال: المغضوب عليهم، العصاة، «و الضالون»، الجاهلون باللّه. لأن المنعم عليه، من وفق للجمع بين معرفة الحق، لذاته والخير للعمل به.فكان  المقابل له، من اختل احدى قوّتيه العاقلة والعاملة. والمخل بالعمل، فاسق، فمغضوب  عليه، لقوله تعالى، في القاتل عمدا: وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ .

و المخل بالعلم، جاهل ضال، لقوله تعالى: فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ .

و أقول: يحتمل أن يكون المراد، بالمغضوب عليهم، الكفار، الذين غضب عليهم. فلم يهتدوا الى طريق من طرق الحق، أصلا. و«بالضالين»، الذين منّ اللّه عليهم، بالإسلام، وأدخلهم في زمرة أهل الايمان. فضلوا الطريق.

و لم يتفطنوا لما هو المرام.

و في تفسير علي بن ابراهيم : حدثني أبي، عن حماد، عن حريز، عن أبي عبد اللّه- عليه السلام-، اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم وغير الضالين، قال: المغضوب عليهم، النصاب.

 «و الضالين»، اليهود والنصارى.

و عنه : عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- في قوله: غير المغضوب عليهم وغير الضالين، قال: المغضوب عليهم النصاب. «و الضالين»، الشكاك الذين لا يعرفون الامام.

و في كتاب معاني الأخبار : حدثنا الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي، قال:

 حدثنا فرات بن ابراهيم، قال: حدثنا عبيد بن كثير، قال: حدثنا محمد بن مروان، قال: حدثني عبيد بن يحيى بن مهران العطار، قال: حدثنا محمد بن الحسين، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وآله- في قول اللّه- عز وجل: صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ، غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ، قال:

شيعة علي- عليه السلام- الذين أنعمت عليهم بولاية علي بن أبي طالب- عليه السلام لم يغضب عليهم ولم يضلوا.

و في من لا يحضره الفقيه : وفيما ذكره الفضل من العلل، عن الرضا- عليه السلام- أنه قال: صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ، توكيد في السؤال والرغبة، وذكر لما قد تقدم من نعمه، على أوليائه، ورغبة في مثل تلك النعم.

غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ، استعاذة من أن يكون من المعاندين الكافرين المستخفين به وبأمره ونهيه.

 «و لا الضالين»، اعتصام من أن يكون من الذين ضلوا عن سبيله، من غير معرفة.

و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.

و في مجمع البيان : وقال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وآله: ان اللّه تعالى، منّ عليّ، بفاتحة الكتاب- الى قوله- غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ، اليهود. وَلَا الضَّالِّينَ، النصارى.

و في كتاب الاحتجاج ، للطبرسي- رحمه اللّه: وروينا بالأسانيد المقدم ذكرها، عن أبي الحسن العسكري- عليه السلام: ان أبا الحسن الرضا- عليه السلام- قال: ان من تجاوز بأمير المؤمنين، العبودية، فهو من «المغضوب عليهم» ومن‏

 «الضالين».

و في الاستبصار : روى الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى، عن معاوية ابن وهب، قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السلام- أقول: آمين- إذا قال الامام:

غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ.

قال: هم اليهود والنصارى.

و في تهذيب الأحكام : محمد بن أحمد بن يحيى، عن الحسين  بن موسى الخشاب، عن غياث بن كلوب، عن إسحاق بن عمار، عن جعفر، عن أبيه- عليه السلام-: ان رجلين من أصحاب رسول اللّه- صلى اللّه عليه وآله- اختلفا في صلاة رسول اللّه- صلى اللّه عليه وآله. فكتبا الى أبي بن كعب: كم كانت لرسول اللّه- صلى اللّه عليه وآله- من سكتة؟

فقال : كانت له سكتتان: إذا فرغ من أم القرآن، وإذا فرغ من السورة.

و في شرح الآيات الباهرة: قال الامام - عليه السلام-: قال أمير المؤمنين- صلوات اللّه عليه-: أمر اللّه- عز وجل- عباده أن يسألوه ، طريق المنعم عليهم، وهم النبيون والصديقون والشهداء والصالحون. وأن يستعيذوا به، من طريق المغضوب عليهم، وهم اليهود [الذين‏]  قال اللّه تعالى فيهم :قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ، مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ. وَغَضِبَ عَلَيْهِ. وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ  وأن يستعيذوا به، من طريق «الضالين»، وهم الذين قال اللّه تعالى فيهم: قُلْ: يا أَهْلَ الْكِتابِ: لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ. وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ. وَأَضَلُّوا كَثِيراً. وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ، وهم النصارى.

و في عيون الأخبار : حدثنا محمد بن القاسم، المفسر الاسترآبادي- رضي اللّه عنه- قال: حدثنا يوسف بن محمد بن زياد وعلي بن محمد بن سيار، عن أبويهما، عن الحسن بن علي (بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب) ، عن أبيه، علي بن محمد، عن أبيه، محمد بن علي، عن أبيه، علي بن موسى الرضا، عن أبيه، موسى بن جعفر، عن آبائه، عن أمير المؤمنين- عليهم السلام- قال: قال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وآله: قال اللّه عز وجل: قسمت فاتحة الكتاب بيني وبين عبدي. فنصفها لي ونصفها لعبدي. ولعبدي ما سأل.

إذا قال العبد: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، قال اللّه- جل جلاله: بدأ عبدي باسمي وحق عليّ أن أتمم له أموره، وأبارك له في أحواله.

فإذا قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، قال اللّه- جل جلاله: حمدني عبدي وعلم أن النعم التي له من عندي. وأن البلايا التي دفعت عنه، فبنطوّلي . أشهدكم، اني أضيف له الى نعم الدنيا، نعم الاخرة. وأدفع عنه بلايا الاخرة، كما دفعت عنه بلايا الدنيا.و إذا  قال: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، قال اللّه- جل جلاله: شهد لي عبدي أني الرحمن الرحيم. أشهدكم لا وفرّن من رحمتي، حظه. ولأجزلن من عطائي، نصيبه.

فإذا قال: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، قال اللّه تعالى: أشهدكم، كما اعترف أني أنا الملك يوم الدين، لأسهلن يوم الحساب، حسابه، ولأتجاوزن عن سيئاته.

فإذا قال العبد : إِيَّاكَ نَعْبُدُ، قال اللّه- عز وجل-: صدق عبدي اياي يعبد.

أشهدكم لأثيبنه على عبادته، ثوابا يغبطه كل من خالفه في عبادته لي.

فإذا قال: وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، قال اللّه تعالى: بي استعان عبدي. و«الي التجأ» .

أشهدكم لأعينّنه على أمره، ولأغيثنه في شدائده، ولآخذن بيده يوم نوائبه.

فإذا قال: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ- الى آخر السورة- قال اللّه- جل جلاله: هذا لعبدي. ولعبدي ما سأل. فقد استجبت لعبدي. وأعطيته ما أمل وأمنته ما منه وجل) .

 (و قرئ «و لا الضالون»، بالرفع. «و لا الضالين»، بالهمزة، على لغة من جد في الهرب عن التقاء الساكنين.

و في الحديث : إذا قال العبد: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ- الى آخرها- قال اللّه: هذا لعبدي. ولعبدي ما سأل. قد استجبت لعبدي. وأعطيه ما أمل وأمنته ما منه وجل.و روى علي بن ابراهيم ، بإسناده، عن علي بن عقبة، عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: ان إبليس رنّ رنّتين ، لما بعث اللّه نبيه- صلى اللّه عليه وآله- على حين فترة من الرّسل، وحين نزلت أم الكتاب.

و روي عن أبي محمد العسكري، عن آبائه، عن علي- عليهم السلام- قال: قال رسول اللّه- صلى اللّه عليه وآله-: ان بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ آيةِ من فاتحة الكتّاب. وهي سبع آيات تمامها بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. سمعت رسول اللّه- صلى اللّه عليه وآله- يقول: ان اللّه- عز وجل- قال لي : يا محمد! وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ. فأفرد الامتنان عليّ بفاتحة الكتاب.

و جعلها بإزاء القرآن العظيم. وان فاتحة الكتاب، أشرف ما في كنوز العرش.

و أن اللّه- عز وجل- خصّ محمدا وشرّفه بها. ولم يشرك معه فيه  أحدا من أنبيائه ما خلا سليمان. فانه أعطاه منها بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. ألا فمن قرأها معتقدا لموالاة محمد وآله الطاهرين، منقادا «لأمرهم، مؤمنا بظاهرهم وباطنهم» ، أعطاه اللّه- عز وجل- بكل حرف منها، حسنة، كل حسنة  منها، أفضل من الدنيا وما فيها، من أصناف أموالها وخيراتها. ومن استمع قارئا يقرأها، كان له ما للقارئ.

فليكثر أحدكم من هذا الخير المعرض لكم. فانه غنيمة لا يذهبن أو انه. «فيبقي‏في قلوبكم الحسرة  .

و اعلم! أن «آمين» ليس من القرآن. ولا يجوز قراءته بعد فاتحة الكتاب، عند الشيعة، لا للإمام ولا للمأموم ولا للمنفرد. وعليه الآثار الواردة عن الائمة- رضوان اللّه عليهم-.

روي في الصحيح ، عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- أنه قال: إذا كنت خلف امام، فقرأ «الحمد» وفرغ من قراءتها، فقل أنت : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ولا تقل: آمين.

و روي - أيضا- أن (محمد بن علي الحلبي)  قال: سألت أبا عبد اللّه- (عليه السلام)- أقول إذا فرغت من فاتحة الكتاب: آمين؟ قال: لا.

 (و في عيون الأخبار : باب ذكر أخلاق الرضا ووصف عبادته: وكان إذا فرغ من الفاتحة، قال: الحمد للّه رب العالمين) .

لكن المتسننة، ذهبوا الى أن قراءته بعد فاتحة الكتاب للمأموم، مستحبة، لكنه ليس عندهم من القرآن، الا عند مجاهد. وذكروا في ذلك أحاديث، تدل على تأكد استحبابها. لا نعرفها.قالوا:

قال- عليه السلام- علمني جبرئيل، «آمين»، عند فراغي من قراءة الفاتحة.

و قال: انه كالختم، على الكتاب.

و في معناه، قول علي- عليه السلام-: آمين، خاتم رب العالمين. ختم به دعاء عبده.

يعني، كما أن الختم، يحفظ الكتاب، عن فساد ظهور مضمونه على غير المكتوب اليه، كذلك يحفظ قول «آمين»، دعاء العبد، عن فساد ظهور الخيبة وعدم الاجابة فيه.

و عن النبي - أيضا- قال: إذا قال الامام: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ قال الملائكة: آمين. فقولوا: آمين. فمن وافق تأمينه، تأمين الملائكة، غفر له ما تقدم من ذنبه.

و أحاديثنا الصحيحة، تدل على وضع تلك الأخبار. كما مر.

و بالجملة، هو اسم فعل، معناه: استجب. مبني على الفتح. وفيه لغتان:

المد والقصر.

و قيل: تشديد الميم، خطأ. لكنه يجوز التشديد، من أم، إذا قصد، أي:

حال كوننا قاصدين نحوك.