سورة إبراهيم الآية 21-40

وَ بَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً، أي: يبرزون من قبورهم يوم القيامة لأمر اللّه ومحاسبته. 

أو للّه على ظنّهم ، فإنّهم يخفون ارتكاب الفواحش ويظنّون أنّها تخفى على اللّه، فإذا كان يوم القيامة انكشفوا للّه عند أنفسهم .

و إنّما ذكر بلفظ الماضي لتحقّق وقوعه.

فَقالَ الضُّعَفاءُ: الأتباع. جمع ضعيف، يريد به: ضعفاء الرّأي.

و إنّما كتبت بالواو، على لفظ من يفخّم الألف قبل الهمزة فيميلها إلى الواو.

لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا: لرؤسائهم الّذين استتبعوهم واستغووهم.

و في كتاب مصباح المتهجّد  لشيخ الطّائفة- قدّس سرّه- خطبة لأمير المؤمنين- عليه‏

 السّلام- خطب بها يوم الغدير، وفيها يقوم- عليه السّلام-: وتقرّبوا إلى اللّه بتوحيده وطاعته من أمركم أن تطيعوه، ولا تمسكوا بعصم الكوافر، ولا يخلج بكم البغي فتضلّوا عن سبيل الرّشاد باتّباع أولئك الّذين ضلّوا وأضلّوا، قال اللّه- عزّ من قائل- في طائفة ذكرهم بالذّمّ في كتابه: إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا.

... إلى قوله- عليه السّلام-: وقال- تعالى-: وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا  مِنْ عَذابِ اللَّهِ مِنْ شَيْ‏ءٍ قالُوا لَوْ هَدانَا اللَّهُ لَهَدَيْناكُمْ  أ فتدرون الاستكبار ما هو؟ هو ترك الطّاعة لمن أمروا بطاعته، والتّرفع على من ندبوا إلى متابعته، والقرآن ينطق من هذا عن كثير، إن تدبّره متدبّر زجره ووعظه.

إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً: في تكذيب الرّسل والإعراض عن نصائحهم.

و هو جمع تابع، كغائب وغيب. أو مصدر نعت به للمبالغة، أو على إضمار المضاف.

فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا: دافعون عنّا.

مِنْ عَذابِ اللَّهِ مِنْ شَيْ‏ءٍ.

 «من» الأولى للبيان، واقعة موقع الحال. والثّانية للتّبعيض، واقعة موقع المفعول، أي: بعض الشّي‏ء الّذي هو عذاب اللّه- تعالى-.

و يجوز أن يكونا للتّبعيض، أي: بعض شي‏ء هو بعض عذاب اللّه- تعالى-.

و الإعراب ما سبق .

و يحتمل أن تكون الأولى مفعولا. والثّانية مصدرا، أي: فهل أنتم مغنون بعض العذاب بعض الإغناء.

قالُوا، أي: الّذين استكبروا، جوابا عن معاتبة الأتباع والاعتذار عمّا فعلوا بهم.

لَوْ هَدانَا اللَّهُ: للإيمان ووفّقنا له لَهَدَيْناكُمْ، ولكن ضللنا فأضللناكم، أي: اخترنا لكم ما اخترناه لأنفسنا. أو لو هدانا اللّه طريق النّجاة من العذاب لهديناكم‏و أغنيناه عنكم، كما عرّضناكم له، لكن سدّدوننا طريق الخلاص.

سَواءٌ عَلَيْنا أَ جَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا: مستويان علينا الجزع والصّبر.

ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ : منجى ومهرب من العذاب. من الحيص، وهو العدول على جهة الفرار.

و هو يحتمل أن يكون مكانا، كالمبيت. أو مصدرا، كالمغيب.

وَ قالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ قيل : احكم وفرغ منه، وادخل أهل الجنّة الجنّة وأهل النّار النّار، خطيبا في الأشقياء من الثّقلين.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : أي: لمّا فرغ من أمر الدّنيا من أوليائه.

و فيه، وفي تفسير العيّاشي : عن حريز، عمّن ذكره، عن أبي جعفر- عليه السّلام-: كلّما في القرآن وَقالَ الشَّيْطانُ يريد به: الثّاني.

إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ: وعدا من حقّه أن ينجز. أو وعدا أنجزه، وهو وعد البعث والجزاء، فوفى لكم بما وعدكم .

وَ وَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ: جعل تبيين خلف وعده، كالإخلاف منه.

وَ ما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ: تسلّط، فالجئكم إلى الكفر والمعاصي.

إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ: إلّا دعائي إياكم إليهما  بتسويلي ووسوستي. وهو ليس من جنس السّلطان، ولكنّه على طريقة قولهم:

         تحيّة بينهم ضرب وجيع

 

 ويجوز أن يكون الاستثناء منقطعا.

فَاسْتَجَبْتُمْ لِي: أسرعتم إجابتي.

فَلا تَلُومُونِي: بوسوستي، فإنّ من صرّح العداوة  لا يلام بأمثال ذلك.وَ لُومُوا أَنْفُسَكُمْ: حيث اغتررتم بي وأطعتموني إذ دعوتكم، ولم تطيعوا ربّكم لمّا دعاكم.

و في نهج البلاغة : قال- عليه السّلام-: دعاهم ربّهم فنفروا  وولّوا، ودعاهم الشّيطان فاستجابوا وأقبلوا.

ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ: بمغيثكم من العذاب.

وَ ما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ: بمغيثيّ.

و قرأ  حمزة، بكسر الياء.

قيل : إمّا على الأصل في التقاء السّاكنين، وهو أصل مرفوض في مثله، لما فيه.

من اجتماع ياءين وثلاث كسرات مع أنّ حركة ياء الإضافة الفتح، فإذا لم تكسر وقبلها ألف فبالحريّ أن لا تكسر وقبلها ياء . أو على لغة من يزيد ياء على ياء الإضافة، إجراء لها مجرى الهاء والكاف  في «ضربته، وأعطيتكه» وحذف الياء اكتفاء بالكسرة.

إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ.

قيل : «ما» إمّا مصدريّة و«من» متعلّقة «بأشركتموني»، أي: أنّي كفرت اليوم بإشراككم إيّاي  من قبل هذا اليوم، أي: في الدّنيا، بمعنى: تبرّأت منه واستنكرته، كقوله: وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ.

أو موصولة، بمعنى: من نحو ما في قولهم: سبحانه ما سخركنّ لنا، و«من» متعلّقة «بكفرت»، أي: كفرت بالّذي أشركتمونيه، وهو اللّه- تعالى- بطاعتكم إيّاي فيما دعوتكم إليه من عبادة الأصنام وغيرها «من قبل» إشراككم حين رددت أمره بالسّجود لآدم.و «أشرك» منقول من: شركت زيدا، للتّعدية إلى مفعول ثان.

و في الخبر ما يؤيّد الأوّل،

ففي أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن يزيد، عن أبي عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: والوجه الخامس من الكفر كفر البراءة.

قال: قال: يذكر إبليس وتبرّيه من أوليائه من الإنس يوم القيامة إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ.

و الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

و في كتاب التّوحيد : عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام- وقد ذكر قوله- تعالى-: يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً:

و الكفر في هذه الآية البراءة، يقول: فيبرأ بعضهم من بعض. ونظيرها في سورة إبراهيم قول الشّيطان: إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ. وقول إبراهيم خليل الرّحمن:

كَفَرْنا بِكُمْ، يعني: تبرّأنا منكم.

إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ : تتمّة كلامه، أو ابتداء كلام من اللّه- تعالى-. وفي حكاية أمثال ذلك لطف للسّامعين، وإيقاظ لهم، حتّى يحاسبوا أنفسهم ويتدبّروا عواقبهم.

و في تفسير العيّاشي : عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-: أنّه إذا كان يوم القيامة يؤتى بإبليس في سبعين غلّا وسبعين كبلا ، فينظر الأوّل إلى زفر في عشرين ومائة كبل وعشرين ومائة غلّ، فينظر إبليس فيقول: من هذا  الّذي أضعف  اللّه له العذاب، وأنا أغويت هذا الخلق جميعا؟

فيقال: هذا زفر.

فيقول: بما حدّد  له هذا العذاب؟

فيقال : ببغيه على عليّ- عليه السّلام-.

فيقول له إبليس: ويل لك وثبور لك، أما علمت أنّ اللّه أمرني بالسّجود لآدم‏فعصيته، وسألته أن يجعل بالسّجود لآدم فعصيته، وسألته أن يجعل لي سلطانا على محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- وأهل بيته وشيعته فلم يجبني إلى ذلك وقال: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ وما عرفتهم حين استثناهم  وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ؟ فمنّتك به نفسك غرورا.

فيوقف بين يدي الخلائق، فيقال  له: ما الّذي كان منك إلى عليّ، وإلى الخلق الّذي اتّبعوك على الخلاف؟

فيقول الشّيطان، وهو زفر، لإبليس: أنت أمرتني بذلك.

فيقول له إبليس: فلم عصيت ربّك وأطعتني؟

فيردّ زفر عليه ما قال اللّه: إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ (الآية).

وَ أُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ: بإذن اللّه وأمره. والمدخلون الملائكة.

و قرئ . «ادخل» على التّكلّم، فيكون قوله: «بِإِذْنِ رَبِّهِمْ» متعلّقا بقوله:

تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ ، أي: تحيّيهم الملائكة بالسّلام بإذن ربّهم.

أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا: كيف اعتمده ووضعه.

كَلِمَةً طَيِّبَةً: قولا حقّا، ودعاء إلى صلاح.

كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ: يطيب ثمرها، كالنّخلة، أي: جعل كلمة طيّبة، كشجرة طيّبة. وهو تفسير لقوله: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا.

و يجوز أن تكون «كلمة» بدلا من «مثلا» و«كشجرة» صفتها، أو خبر مبتدأ محذوف، أي: هي كشجرة. وأن تكون أوّل مفعولي «ضرب» إجراء لها مجرى «جعل».

و قد قرئت ، بالرّفع، على الابتداء.

و في مجمع البيان : كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ روى أنس، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه‏

 و آله-: أنّ هذه الشّجرة الطّيّبة [هي‏]  النّخلة.

أَصْلُها ثابِتٌ: في الأرض، ضارب بعروقه فيها.

وَ فَرْعُها: وأعلاها فِي السَّماءِ .

قيل : يجوز أن يريد: وفروعها، أي: أفنانها، على الاكتفاء بلفظ الجنس لاكتسابه الاستغراق من الإضافة.

تُؤْتِي أُكُلَها: تعطي ثمرها.

كُلَّ حِينٍ: وقّته اللّه لأثمارها.

بِإِذْنِ رَبِّها: بإرادة خالقها وتكوينه.

وَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ : لأنّ في ضربها زيادة إفهام وتذكير، فإنّه تصوير للمعاني وإدناء لها من الحسّ.

و في أصول الكافي . عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن سيف، عن أبيه، عن عمرو بن حريث قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه:

كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ.

قال: فقال: رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أصلها، وأمير المؤمنين- عليه السّلام- فرعها، والأئمّة من ذرّيّتهما أغصانها، وعلم الأئمّة ثمرها، وشيعتهم المؤمنون ورقها، [هل فيها فضل؟

قال: قلت: لا، واللّه‏] .

قال: واللّه، إنّ المؤمن ليولد فتورق ورقة، [فيها] ، وأنّ المؤمن ليموت فتسقط ورقة منها.

و في كتاب الخصال : عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: خلق النّاس من شجر  شتّى، وخلقت أنا وابن أبي طالب من شجرة واحدة، أصلي عليّ وفرعي جعفر.و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى عبد الرّحمن بن حمّاد: عن عمر بن سالم صاحب السّابريّ  قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن هذه الآية أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ.

 

قال: أصلها رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وفرعها أمير المؤمنين- عليه السّلام-، والحسن والحسين ثمرها، وتسعة من ولد الحسين أغصانها، والشّيعة ورقها. واللّه، إنّ الرّجل منهم ليموت فتسقط ورقة من تلك الشّجرة.

قلت: قوله: تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها.

قال: ما يخرج من علم الإمام إليكم في كلّ سنة من حجّ وعمرة .

و في الخرائج والجرائح : وروي عن الحلبيّ، عن الصّادق- عليه السّلام- وذكر حديثا طويلا، وفي آخره: يقول الباقر- عليه السّلام-: وأخبركم عمّا أردتم أن تسألوا عنه في قوله- تعالى-: شجرة أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ نحن نعطي شيعتنا ما نشاء من العلم.

 

و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى السّكونيّ: عن جعفر بن محمّد، عن أبيه- عليهما السّلام-: أنّ عليّا- عليه السّلام- قال في رجل نذر أن يصوم زمانا، قال: الزّمان خمسة أشهر، والحين ستّة أشهر، لأنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول: تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها.

و في الكافي ، مثله سواء.

 

و في كتاب معاني الأخبار : حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق قال: حدّثنا [محمّد بن‏]  عبد العزيز بن يحيى قال: حدّثني عبد اللّه بن محمّد الضّبيّ  قال: حدّثنا

 محمد  بن هلال قال: حدّثنا نائل  بن نجيج قال: حدّثنا عمرو بن شمر، عن جابر الجعفيّ قال: سألت أبا جعفر، محمّد بن عليّ الباقر عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها.

قال: [أمّا]  الشّجرة فرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-، وفرعها عليّ- عليه السّلام-، وغصن الشّجرة فاطمة بنت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-، وثمرها أولادها- عليهم صلوات اللّه-، وورقها شيعتنا.

ثمّ قال: إنّ المؤمن من شيعتنا ليموت فتسقط من الشّجرة ورقة، وأنّ المولود من شيعتنا ليولد فتورق  الشّجرة ورقة.

و في مجمع البيان : وروي عن ابن عبّاس قال: قال جبرئيل للنّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: أنت الشّجرة، وعليّ غصنها، وفاطمة ورقها، والحسن والحسين ثمارها.

 [تُؤْتِي أُكُلَها، أي: تخرج هذه الشجرة ما يؤكل منها] .

كُلَّ حِينٍ، أي: في كلّ ستّة أشهر. عن أبي جعفر- عليه السّلام‏

-.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن خالد بن جرير، عن أبي الرّبيع، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه سئل عن رجل قال: للّه عليّ أن أصوم حينا، وذلك في شك  شكر.

فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: قد اتي عليّ- عليه السّلام- في مثل هذا، فقال:

صم ستّة أشهر، فإنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول: تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها، يعني:

ستّة أشهر.

محمّد بن يحيى ، رفعه، عن أحدهما- عليهما السّلام- قال: تقول إذا غرست أو زرعت: مثل كلمة طيبة كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها.و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رضي اللّه عنه-: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل، وفيه: وجعل أهل الكتاب المقيمين به والعالمين  بظاهره وباطنه من شجرة أصلها ثابت وفرعها في السّماء تؤتي أكلها كلّ حين بإذن ربّها، أي: يظهر مثل هذا العلم المحتملة في الوقت [بعد الوقت‏] ، ولو علم المنافقون- لعنهم اللّه- ما عليهم من ترك هذه الآيات الّتي بيّنت لك تأويلها لأسقطوها مع ما أسقطوا [منه.]

 

و في تفسير العيّاشي : عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله: مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً (الآية): هذا مثل ضربه اللّه لأهل بيت نبيّه ولمن عاداهم.

وَ مَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ: قول باطل، ودعاء إلى ضلال وفساد.

كَشَجَرَةٍ: كمثل شجرة.

خَبِيثَةٍ: لا يطيب ثمرها، كالحنظل مثلا.

اجْتُثَّتْ: استؤصلت وأخذت جثّتها بالكلّيّة.

مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ: لأنّ عروقها قريبة منها.

ما لَها مِنْ قَرارٍ : استقرار.

و في مجمع البيان : عن الباقر- عليه السّلام-: أنّ هذا مثل بني أميّة.

و في تفسير العيّاشي : عن محمّد بن عليّ الحلبيّ، عن زرارة وحمران، عن أبي جعفر- عليه السّلام- وأبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله اللّه: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ قال: يعني: النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- [و الائمّة من بعده هم‏]  الأصل الثّابت، والفرع والولاية لمن دخل فيها.

عن عبد الرّحمن بن سالم الأشلّ ، عن أبيه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ (الآيتين) قال: هذا مثل ضربه اللّه لأهل بيت نبيّه، ولمن عاداهم هو مَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ (الآية).

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدثني أبي، عن الحسن بن محبوب، عن أبي جعفر الأحول، عن سلام بن المستنير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللّه- تعالى-: مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً  (الآية).

قال: الشّجرة السّلام  رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-  ونسبه ثابت في بني هاشم، وفرع الشّجرة عليّ بن أبي طالب، وغصن الشّجرة فاطمة- عليهما السّلام-، وثمرها  الأئمّة من ولد عليّ وفاطمة- عليهما السّلام-، [و الأئمة من أولادها أغصانها]  وشيعتهم  ورقها. وإنّ المؤمن من شيعتنا ليموت فتسقط من الشّجرة ورقة، وأنّ المؤمن ليولد فتورق الشّجرة.

قلت: أ رأيت قوله: تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها.

قال: يعني بذلك: ما يفتون به الأئمّة شيعتهم في كلّ حجّ وعمرة من الحلال والحرام، ثمّ ضرب اللّه لأعداء آل  محمّد [مثلا]  فقال: وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ.

و في رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: كذلك الكافرون لا تصعد أعمالهم إلى السّماء، وبنو أميّة لا يذكرون اللّه في مسجد ولا في مجلس ولا تصعد أعمالهم إلى السّماء إلّا قليل منهم.

و في مصباح الكفعميّ : عن عليّ- عليه السّلام-: من به الثّؤلول  فليقرأ عليها هذه الآيات سبعا في نقصان الشّهر وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا، فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا.

يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ: الّذي ثبت بالحجّة عندهم، وتمكنّ‏في قلوبهم، واطمأنّت إليه أنفسهم.

فِي الْحَياةِ الدُّنْيا: فلا يضلّون إذا افتتنوا في دينهم.

وَ فِي الْآخِرَةِ: فلا يتلعثمون إذا سُئلوا عن معتقدهم في الموقف، ولا تدهشهم أهوال القيامة.

وَ يُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ: الّذين ظلموا أنفسهم بالجحود والاقتصار على التّقليد، فلا يهتدون إلى الحقّ، ولا يثبتون في موافق الفتن.

وَ يَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ : من تثبيت المؤمنين، وخذلان الكافرين.

و في الكافي : علي بن إبراهيم [عن أبيه‏] ، عن عمرو  بن عثمان. وعدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن [محمد بن‏]  أبي نصر والحسن بن عليّ، جميعا، عن أبي جميلة، مفضّل بن صالح، عن جابر، عن عبد الأعلى، وعليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن إبراهيم عن  عبد الأعلى، عن سويد بن غفلة قال:

 

قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: إنّ ابن آدم إذا كان في آخر يوم من أيّام الدّنيا وأوّل يوم من أيّام الآخرة مثّل له ماله وولده وعمله، فيلتفت إلى ماله فيقول: واللّه، إنّي كنت عليك لحريصا شحيحا، فما لي عندك؟

فيقول: خذ منّي كفنك.

قال: فيلتفت إلى ولده فيقول: واللّه، إنّي كنت لكم لمحبّا وإنّي كنت عليكم لمحاميا، فما  لي عندكم؟

فيقولون: نؤدّيك إلى حفرتك  ونواريك فيها.

قال: فيلتفت إلى عمله فيقول : إنّي كنت فيك لزاهدا  وأنّك  كنت عليّ لثقيلا، فما لي  عندك؟فيقول: أنا قرينك في قبرك ويوم نشرك، حتّى اعرض أنا وأنت على ربّك.

قال: فإن كان للّه وليا  أتاه أطيب خلق اللّه  ريحا وأحسنهم منظرا وأحسنهم رياشا، فيقول : أبشر بروح وريحان وجنّة نعيم، ومقدمك خير مقدم.

فيقول له: من أنت؟

فيقول: أنا عملك الصّالح ارتحل من الدّنيا إلى الجنّة.

و إنّه ليعرف غاسله، ويناشد حامله أن يعجّله. فإذا ادخل قبره أتاه ملكا القبر يجرّان أشعارهما ويخدّان الأرض بأقدامهما ، وأصواتهما كالرّعد القاصف، وأبصارهما كالبرق الخاطف فيقولان له: من ربّك، وما دينك، ومن نبيّك، [و من إمامك؟] .

فيقول: اللّه ربّي، والإسلام ديني، ونبيّي محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- [و إمامي عليّ‏] .

فيقولان له: ثبّتك اللّه فيما يحبّ ويرضى .

و هو قول اللّه- عزّ وجلّ-: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ.

 

ثمّ يفسحان له في قبره مدّ بصره، ثمّ يفتحان له بابا إلى الجنّة، ثمّ يقولان له: نم قرير العين نوم الشّابّ النّاعم، فإنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول: أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا.

 

قال: وإذا كان للّه عدوّا  [فإنّه‏]  يأتيه أقبح [من‏]  خلق اللّه [زيّا ورؤيا]  وأنتنه  ريحا، فيقول له: أبشر بنزل من حميم وتصلية جحيم.

و إنّه ليعرف غاسله، ويناشد حملته أن يحبسوه. فإذا ادخل قبره  و أتاه ملكاالقبر  فألقيا أكفانه، ثمّ يقولان له: من ربّك، وما دينك، ومن نبيّك، [و من إمامك؟] .

فيقول: لا أدري.

فيقولان له : لا دريت ولا هديت. ويضربان يا فوخه بمرزبة  معهما ضربة ما خلق اللّه من دابّة إلّا وتذعر  لها ما خلا الثقلين ، ثمّ يفتحان له بابا إلى النّار، ثمّ يقولان له: نم  بسوء حال فيه. ويكون  فيه من الضّيق مثل ما فيه القنا  من الزّجّ ، حتّى أنّ دماغه ليخرج من بين ظفره ولحمه، ويسلّط اللّه عليه حيّات الأرض وعقاربها وهو امّها فتنهشه حتّى يبعثه اللّه من قبره، و[أنّه‏]  يتمنّى قيام السّامة ممّا  هو فيه من الشّرّ، نعوذ باللّه من عذاب القبر.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمّد، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ المؤمن إذا اخرج  من بيته شيّعته الملائكة إلى قبره يزدحمون عليه، حتّى إذا انتهي به إلى قبره قالت له الأرض: مرحبا بك وأهلا، أما واللّه لقد كنت أحبّ أن يمشي عليّ مثلك، لترينّ ما أصنع بك . فتوسع له مدّ بصره، ويدخل عليه في قبره ملكا القبر، وهما قعيدا القبر، منكر ونكير، فيلقيان فيه الرّوح إلى حقويه ، فيقعدانه ويسألانه، فيقولان له: من ربّك؟فيقول: اللّه.

فيقولان: ما دينك؟

فيقول: الإسلام.

فيقولان: ومن نبيّك؟

فيقول: محمّد.

فيقولان: ومن إمامك؟

فيقول: فلان.

قال: فينادي مناد من السّماء: صدق عبدي، افرشوا له في قبره من الجنّة، وافتحوا له [في قبره‏]  بابا إلى الجنّة، وألبسوه من ثياب الجنّة حتّى يأتينا وما عندنا خير له.

ثمّ يقال له: نم نومة [عروس، نم نومة]  لا حلم فيها.

قال: وإن كان كافرا خرجت الملائكة تشيّعه إلى قبره يلعنونه، حتّى إذا انتهى  إلى قبره قالت له الأرض: لا مرحبا بك ولا أهلا، أما واللّه لقد كنت أبغض أن يمشي عليّ مثلك، لا جرم لترينّ ما أصنع بك اليوم. فتضيق عليه حتّى تلتقي جوانحه .

قال: ثمّ يدخل عليه ملكا القبر، وهما قعيدا القبر، منكر ونكير.

قال أبو بصير: قلت : جعلت فداك، يدخلان على المؤمن والكافر في صورة واحدة؟

قال: لا.

قال: فيقعدانه ويلقيان فيه الرّوح إلى حقويه، فيقولان له: من ربّك؟

فيتلجلج ، ويقول: قد سمعت النّاس يقولون .

فيقولان له: لا دريت . ويقولان له: ما دينك؟

فيتلجلج.

فيقولان له: لا دريت. ويقولان له: من نبيّك؟فيقول: قد سمعت النّاس [يقولون‏] .

فيقولان له: لا دريت. ويسأل  عن إمام زمانه.

قال: فينادي مناد من السّماء: كذب عبدي، افرشوا له في قبره من النّار، وألبسوه من ثياب النّار، وافتحوا له بابا إلى النّار حتّى يأتينا وما عندنا شرّ له. فيضربانه بمرزبة ثلاث ضربات، ليس منها ضربة إلّا يتطاير قبره نارا، لو ضرب بتلك المرزبة جبال تهامة  لكانت رميما.

و قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: ويسلّط اللّه عليه في قبره الحيّات تنهشه نهشا، والشّيطان يغمّه غمّا.

قال: ويسمع عذابه من خلق اللّه إلّا الجنّ والأنس ، وأنّه ليسمع خفق نعالهم ونفض  أيديهم، وهو قول اللّه- عزّ وجلّ-: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ.

و في من لا يحضره الفقيه : وقال الصّادق- عليه السّلام-: إنّ الشّيطان ليأتي الرّجل من أوليائنا عند موته عن يمينه وعن شماله ليضلّه عمّا هو عليه، فيأبى اللّه- عزّ وجلّ- له ذلك، وذلك قول اللّه- عزّ وجلّ-: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ.

و في تفسير العيّاشي : عن زرارة وحمران ومحمّد بن مسلم، عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه- عليهما السّلام- قالا: إذا وضع الرّجل في قبره أتاه ملكان: ملك عن يمينه وملك عن يساره، وأقيم الشّيطان بين يديه عيناه من نحاس.

فيقال: ما تقول في هذا الرّجل الّذي خرج  بين ظهرانيكم، يزعم أنّه رسول اللّه؟

فيفزع لذلك فزعة، ويقول إن كان مؤمنا: محمّد رسول اللّه.

فيقال له عند ذلك: نم نومة لا حلم فيها.و يفسح  له في قبره تسعة أذرع، ويرى مقعده من الجنّة، وهو قول اللّه: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ.

 

و إن كان كافرا، قالوا: من  هذا الرّجل الّذي كان بين ظهرانيكم، يقول: إنّه رسول اللّه؟

فيقول: ما أدري. فيخلّى بينه وبين الشّيطان.

عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إذا وضع  الرّجل في قبره أتاه ملكان: ملك عن يمينه وملك عن شماله، وأقيم الشّيطان بين يديه  عيناه من نحاس.

فيقال له: كيف تقول في هذا الرّجل الّذي خرج بين ظهرانيكم؟

قال: فيفزع لذلك، فيقول إن كان مؤمنا: عن محمّد تسألان؟

فيقولان له عند ذلك: نم نومة لا حلم فيها. ويفسح  له في قبره سبعة  أذرع، ويرى مقعده من الجنّة.

و إن كان كافرا قيل له: ما تقول: في هذا الرّجل الّذي [خرج‏]  بين ظهرانيكم؟

فيقول: ما أدري. ويخلّى بينه وبين الشّيطان، ويضرب بمرزبة من حديد  يسمع صوته كلّ شي‏ء، وهو قول اللّه: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ.

 

و في عيون الأخبار : عن محمّد بن سنان قال: دخلت على أبي الحسن- عليه السّلام- قبل أن يحمل إلى العراق بسنة، وعليّ، ابنه- عليه السّلام- بين يديه.

فقال لي : يا محمّد.قلت: لبّيك.

قال: إنّه سيكون في هذه السّنة حركة فلا تجزع منها. ثمّ أطرق ونكت بيده بالأرض ، ورفع رأسه إليّ وهو يقول: وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ.

قلت: وما ذاك، جعلت فداك؟

قال: من ظلم ابني هذا حقّه وجحد إمامته من بعدي كان، كمن ظلم عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- حقّه وجحد إمامته من [بعد]  محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و بإسناده إلى الرّيّان بن الصّلت  قال سمعت الرّضا- عليه السّلام- يقول: ما بعث اللّه- عزّ وجلّ- نبيّا إلّا بتحريم الخمر، وأن يقرّ له بإنّ اللّه يفعل ما يشاء، وأن يكون من تراثه الكندر .

و في كتاب التّوحيد ، بإسناده إلى عبد اللّه بن الفضل الهاشميّ قال: سألت أبا عبد اللّه، جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً.

فقال: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- يضلّ اللّه  الظّالمين يوم القيامة عن دار كرامته، ويهدي أهل الإيمان والعمل الصّالح إلى جنّته، كما قال اللّه- عزّ وجلّ-: وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ، وقال- عزّ وجلّ-: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ.

 

أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً، أي: شكر نعمته كفرا، بأن وضعوه مكانه. أو بدّلوا نفس النّعمة كفرا، فإنّهم لمّا كفروها سلبت منهم، فصاروا تاريكن لها محصّلين للكفر بدلها.

وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ: الّذين تابعوهم في الكفر.

دارَ الْبَوارِ : دار الهلاك بحملهم على الكفر.جَهَنَّمَ: عطف بيان لها.

يَصْلَوْنَها: حال منها. أو من القوم، أي: داخلين فيها مقاسين لحرّها. أو مفسّر لفعل مقدّر ناصب لجهنّم.

وَ بِئْسَ الْقَرارُ ، أي: وبئس المقرّ جهنّم.

و في أصول الكافي : الحسين بن محمّد، عن المعلّى بن محمّد، عن بسطام بن مرّة، عن إسحاق بن حسّان، عن الهيثم بن واقد، عن عليّ بن الحسين العبديّ، عن سعد الإسكاف، عن الأصبغ قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: ما بال أقوام غيّروا سنّة رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وعدلوا عن وصيّه، لا يتخوّفون أن ينزل بهم العذاب.

ثمّ تلا هذه الآية [أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ جَهَنَّمَ‏]  ثمّ قال: نحن النّعمة التي أنعم اللّه بها على عباده، وبنا يفوز من فاز يوم القيامة.

الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد [محمد]  بن أورمة، عن علي بن حسّان، عن عبد الرّحمن بن كثير قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ (الآية).

قال: عنى بها: قريشا قاطبة، الّذين عادوا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ونصبوا له الحرب، وجحدوا وصيّه .

و في روضة الكافي : الحسين بن محمّد الأشعريّ، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن أبان بن عثمان، عن الحرث النّصريّ قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً.

 

قال: ما يقولون  في ذلك؟

قلت: يقولون : هم الأفجران من قريش، بنو أميّة، وبنو المغيرة.

قال: ثمّ قال: هي، واللّه، قريش قاطبة، إنّ اللّه- تبارك وتعالى- خاطب نبيّه‏- صلّى اللّه عليه وآله- فقال: إنّي فضّلت قريشا على العرب، وأتممت عليهم نعمتي، وبعثت إليهم رسولا  «فبدلوا نعمتي كفرا وأحلّوا قومهم دار البوار».

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن محمّد بن أبي عمير، عن عثمان بن عيسى، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن هذه الآية.

قال: نزلت في الأفجرين من قريش ، بني أميّة، وبني المغيرة. فأمّا بنو المغيرة فقطع اللّه دابرهم يوم بدر، وأمّا بنو أميّة فمتّعوا إلى حين.

ثمّ قال: ونحن، واللّه، نعمة اللّه الّتي أنعم بها على عباده، وبنا يفوز من فاز.

حدّثني أبي ، عن إسحاق بن الهيثم، عن سعد بن ظريف، عن الأصبغ بن نباتة، عن عليّ- عليه السّلام- أنّه قال: إنّ الشّجر لم يزل حصيدا كلّه حتّى دعي للرّحمن ولد، [عزّ الرحمن و]  جلّ أن يكون له ولد فكادت السّموات يتفطّرن منه وتنشقّ الأرض وتخرّ الجبال هدّا، فعند ذلك اقشعرّ الشّجر وصار له شوك حذار أن ينزل به العذاب، فما بال أقوام  غيّروا سنّة رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-. وذكر إلى آخر ما نقلت عن أصول الكافي سواء.

و في تفسير العيّاشي : عن الأصبغ بن نباتة قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام- في هذه الآية: نحن نعمة اللّه الّتي أنعم اللّه  بها على العباد.

و في رواية زيد الشّحّام ، عنه- عليه السّلام- قال: قلت له: بلغني أنّ أمير المؤمنين- عليه السّلام- سئل عنها، فقال: عني بذلك: الأفجران من قريش، أميّة ومخزوم. أمّا مخزوم فقتلها اللّه يوم بدر، وأمّا أميّة فمتّعوا إلى حين.

فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: عنى اللّه، واللّه، بها: قريشا قاطبة، الّذين عادوا اللّه ونصبوا له الحرب.

عن ذريح ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: جاء ابن الكوّاء

إلى أمير المؤمنين- عليه السّلام- فسأله عن قول اللّه: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ، جَهَنَّمَ.

قال: تلك  قريش بدّلوا نعمة اللّه كفرا، وكذّبوا نبيّهم يوم بدر.

عن محمّد بن سابق بن طلحة الأنصاري  قال : ممّا قال هارون لأبي الحسن، موسى- عليه السّلام- حين ادخل عليه: ما هذه الدّار، ودار من هي؟

قال: لشيعتنا فترة، ولغيرهم فتنة.

قال: فما بال صاحب  الدّار لا يأخذها؟

قال: أخذت منه عامرة، ولا يأخذها إلّا معمورة.

فقال: أين شيعتك؟

فقرأ له أبو الحسن- عليه السّلام-: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ.

قال له: فنحن كفّار؟

قال: [لا]  ولكن كما قال اللّه: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ. فغضب عند ذلك وغلظ عليه.

عن مسلم  المشوب ، عن عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- في قوله: وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ قال: هما الأفجران من قريش، بنو أميّة وبنو المغيرة.

و في مجمع البيان : واختلف في المعنى بالآية، فعن أمير المؤمنين- عليه السّلام-:

 [أنّهم كفّار قريش، كذّبوا نبيّهم ونصبوا له الحرب والعداوة.

و سأل رجل أمير المؤمنين- عليه السّلام-]  عن هذه، فقال: هما الأفجران من قريش، بنو أميّة وبنو المغيرة. فأمّا بنو أميّة فمتّعوا إلى حين، وأمّا بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدر.و روي  من طريق العامّة: أنّهما الأفجران من قريش، بنو المغيرة وبنو أميّة. فأمّا بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدر، وأمّا بنو أميّة فمتّعوا حتّى حين.

فما ورد في أخبارنا موافقا لذلك محمول على وروده على موافقتهم، مع أنّه بيان، فإنّ بين إرادة جميع قريش وتخصيص الأفجرين في بعض الأخبار لاختصاصهم بالتّفضيل.

وَ جَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ: الّذي هو التّوحيد.

و قرأ  ابن كثير وأبو عمرو ورويس، عن يعقوب، بفتح الياء.

و ليس الضّلال ولا الإضلال غرضهم في اتّخاذ الأنداد، لكن لمّا كان نتيجته جعل ذلك كالغرض.

قُلْ تَمَتَّعُوا: بشهواتكم. أو بعبادة الأوثان، فإنّها من قبيل الشّهوات الّتي يتمتّع بها.

و في التّهديد بصيغة الأمر إيذان بأنّ المهدّد عليه كالمطلوب لإفضائه إلى المهدّد به، وأنّ الأمرين كائنان لا محالة، ولذلك علّله بقوله: فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ : وأنّ المخاطب لانهماكه فيه كالمأمور به من آمر مطاع.

قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا: خصّهم بالإضافة تنويها لهم، وتنبيها على أنّهم المقيمون لحقوق العبوديّة.

و مفعول «قل» محذوف يدلّ عليه جوابه، أي: قل لعبادي الّذين آمنوا أقيموا الصّلاة وأنفقوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ، فيكون إيذانا بأنّهم لفرط مطاوعتهم الرّسول بحيث لا ينفكّ فعلهم عن أمره، وأنّه كالسّبب الموجب له.

و يجوز أن يقدّر بلام الأمر، ليصحّ تعلّق القول بهما . وإنّما حسن ذلك هاهنا ولم يحسن في قوله:         محمّد تفد نفسك كلّ نفس             إذا ما خفت من أمر تبالا

 لدلالة «قل» عليه.

و قيل : هما جوابا أقيموا، وأنفقوا مقامين مقامهما. وهو ضعيف ، لأنّه لا بدّ من مخالفة ما بين الشّرط وجوابه، ولأنّ أمر المواجهة لا يجاب بلفظ الغيبة إذا كان الفاعل واحدا.

سِرًّا وَعَلانِيَةً: منتصبان على المصدر، أي: إنفاق سرّ وعلانية. أو على الحال، أي: ذوي سرّ وعلانية. أو على الظّرف، أي: وقتي سرّ وعلانية.

و في تفسير العيّاشي : عن زرعة، عن سماعة قال: إنّ اللّه فرض للفقراء في مال الأغنياء فريضة لا يحمدون بأدائها وهي الزّكاة، بها  حقنوا دماءهم وبها سمّوا مسلمين، ولكنّ اللّه فرض في الأموال [حقوقا]  غير الزّكاة، وقد قال اللّه- تبارك وتعالى-: وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً.

 

مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ: فيبتاع المقصّر ما يتدارك به تقصيره، أو يفدي به نفسه.

وَ لا خِلالٌ : ولا مخالّة، فيشفع لك خليل.

قيل : أو من قبل أن يأتي يوم لا انتفاع فيه بمبايعة ولا مخالّة ، وإنّما ينتفع فيه بالإنفاق لوجه اللّه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : أي: لا صداقة.و قرا  ابن كثير وابو عمرو ويعقوب، بالفتح، فيهما على النّفي العام.

اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ: مبتدأ وخبره.

وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ: تعيشون به، وهو يشمل المطعوم والملبوس، مفعول «لأخرج» و«من الثّمرات» بيان له وحال منه قدّم عليه لتنكيره، ويحتمل عكس ذلك .

و يجوز أن يراد به المصدر، فينتصب بالعلّة، قيل : أو المصدر ، لأنّ «أخرج» في معنى: رزق.

وَ سَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ: بمشيئته إلى حيث توجّهتم.

وَ سَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ : فجعلها معدّة لانتفاعكم وتصرّفكم.

و قيل : تسخير هذه الأشياء تعليم كيفيّة اتّخاذها.

و الحمل على العموم أولى.

وَ سَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ: يد أبان في سيرهما وإنارتهما، وإصلاح ما يصلحانه من المكوّنات.

و في نهج البلاغة : قال- عليه السّلام-: والشّمس والقمر دائبان  في مرضاته، يبليان كلّ جديد ويقرّبان كلّ بعيد .

وَ سَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ : يتعاقبان لسباتكم ومعاشكم.

وَ آتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ قيل : أي: بعض جميع ما سألتموه، يعني: من كلّ شي‏ء سألتموه شيئا، فإنّ الموجود من كلّ صنف بعض ما في قدرة اللّه.

و لعلّ المراد «بما سألتموه»: ما كان حقيقا بأن يسأل، لاحتياج النّاس إليه، سئل أو لم يسأل.و «ما» يحتمل أن تكون موصولة وموصوفة، ومصدريّة ويكون المصدر بمعنى المفعول .

و يجوز أن تكون «ما» نافية في موقع الحال، أي: وآتاكم من كلّ شي‏ء غير سائليه.

و يؤيّده  ما رواه العيّاشي : عن حسين بن هارون، شيخ من أصحاب أبي جعفر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سمعته يقرأ هذه الآية وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ.

 

قال: ثمّ قال أبو جعفر- عليه السّلام-: الثّوب و الشّي‏ء لم تسأله إيّاه أعطاك.

و في مجمع البيان : قرأ محمّد بن عليّ الباقر وجعفر بن محمّد الصّادق- عليهما السّلام-: مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ بالتّنوين.

وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها: لا تحصروها ولا تطيقوا عدّ أنواعها، فضلا عن أفرادها، فإنّها غير متناهية.

و قيل : فيه دليل على أنّ المفرد يفيد الاستغراق بالإضافة .

و فيه نظر، لجواز استفادة الاستغراق من قرينة الجواب، لا من نفس الإضافة.

و في روضة الكافي : عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابه، رفعه قال: كان عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- إذا قرأ هذه الآية [وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها]  يقول:

سبحان من لم يجعل في أحد من معرفة نعمه إلّا المعرفة بالتّقصير عن معرفتها، كما لم يجعل في أحد من معرفة إدراكه أكثر من العلم أنّه لا يدركه، شكر- جلّ وعزّ- معرفةالعارفين بالتّقصير عن معرفة  شكره، فجعل معرفتهم بالتّقصير شكرا، كما علم علم العالمين أنّهم لا يدركونه فجعله إيمانا، علما منه أنّه قد وسع العباد فلا يتجاوز ذلك، فإن شيئا من خلقه لا يبلغ مدى عبادته، وكيف يبلغ مدى عبادته من لا مدى له ولا كيف؟! تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا.

و في تهذيب الأحكام : سعد بن عبد اللّه، عن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن أبي إسماعيل القمّاط، عن بشّار، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من كان معسرا، فلم يتهيّأ له حجّة الإسلام، فليأت قبر أبي عبد اللّه- عليه السّلام- فليعرّف  عنده، فذلك يجزئه عن حجّة الإسلام. [أما إنّي لا أقول يجزئ ذلك عن حجّة الإسلام‏]  إلّا المعسر، فأمّا الموسر إذا كان قد حجّ حجّة الإسلام، فأراد أن يتنفّل بالحجّ والعمرة فمنعه من ذلك شغل دنياه أو عائق فأتى الحسين بن عليّ- عليه السّلام- في يوم عرفة، أجزأه ذلك عن أداء حجّته وعمرته، وضاعف اللّه له بذلك أضعافا مضاعفة.

قلت: كم تعدل حجّة، وكم تعدل عمرة؟

قال: لا يحصى ذلك.

قلت: مائة؟

قال: ومن يحصي ذلك؟

قلت: ألف؟

قال: وأكثر.

ثمّ قال: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها.

إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ: يظلم النّعمة بإغفال شكرها. أو بظلم نفسه، بأن يعرّضها للحرمان.

كَفَّارٌ : شديد الكفران.

و قيل : ظلوم في الشّدّة يشكو ويجزع، كفّار في النّعمة يجمع ويمنع.

وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ: بلد مكّة.آمِناً: ذا أمن لمن فيها.

قيل : والفرق بينه وبين قوله: اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً أنّ المسئول في الأوّل إزالة الخوف عنه وتصييره آمنا، وفي الثّاني جعله من البلاد الآمنة .

وَ اجْنُبْنِي وَبَنِيَّ: بعّدني وإيّاهم أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ ، واجعلنا منها في جانب.

و قرئ : «و أجنبني» وهما على لغة نجد. وأمّا أهل الحجاز فيقولون: جنّبني شرّه.

قال البيضاويّ: وهو بظاهره لا يتناول أحفاده وجميع ذرّيّته، وزعم ابن عينية أنّ أولاد إسماعيل- عليه السّلام- لم يعبدوا الصّنم محتجّا به، وإنّما كانت لهم حجارة يدورون بها ويسمّونها: الدّوّار، ويقولون: البيت حجر، فحيث ما نصبنا حجرا فهو بمنزلته.

و يؤيّد قول ابن عينية ما رواه العيّاشي ، عن الزّهري قال: أتى رجل أبا عبد اللّه- عليه السّلام- فسأله عن شي‏ء، فلم يجبه.

فقال له الرّجل: فإن كنت ابن أبيك فإنّك من أبناء  عبدة الأصنام.

فقال له: كذبت، إنّ اللّه أمر إبراهيم أن ينزل إسماعيل بمكّة، ففعل، فقال إبراهيم: رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ فلم يعبد أحد من ولد إسماعيل صنما، ولكنّ العرب عبدة الأصنام، وقالت بنو إسماعيل: هؤلاء شفاؤنا [عند اللّه‏] . فكفرت، ولم تعبد الأصنام.

و ما رواه الطّبرسيّ في كتاب الاحتجاج : عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- من حديث طويل، وفيه يقول- عليه السّلام-: قد حظر على من مسّه  الكفر تقلّد ما فوضّه إلى‏أنبيائه وأوليائه، بقوله  لإبراهيم: لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ، أي: المشركين. لأنّه سمّى الشّرك ظلما بقوله: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ. فلمّا علم إبراهيم- عليه السّلام- أنّ عهد اللّه- تبارك وتعالى- بالإمامة لا ينال عبدة الأصنام قال: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ.

 

و ما يتراءى من الحديث الأوّل «من أنّ بني إسماعيل كفرت بقولهم: هؤلاء شفعاؤنا. من المنافاة لما هو مشهور، والمجمع عليه من أنّ آباء الأنبياء كانوا مؤمنين» فمدفوع بأنّ قول بني إسماعيل ذلك لا يستلزم أن يكون كلّ أحد منهم قائلا، وهو محمول على أنّ القائل غير أب النّبيّ، فلا منافاة.

و في أمالي شيخ الطّائفة- قدّس سرّه»- بإسناده إلى عبد اللّه بن مسعود قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: أنا دعوة أبي إبراهيم.

قلنا: يا رسول اللّه، وكيف صرت دعوة أبيك إبراهيم؟

قال: أوحى اللّه- عزّ وجلّ- إلى إبراهيم: إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً فاستخفّ إبراهيم الفرح.

فقال: يا ربّ، وَمِنْ ذُرِّيَّتِي أئمّة مثلي؟

فأوحى اللّه- عزّ وجلّ-: أن يا إبراهيم، إنّي لا أعطيك عهدا لا أوفي لك به.

قال: يا ربّ، ما العهد الّذي لا تفي لي به؟

قال: لا أعطيك لظالم من ذرّيّتك.

قال: يا ربّ، ومن الظّالم من ولدي الّذي لا ينال عهدك؟

قال: من سجد لصنم من دوني لا أجعله إماما أبدا، ولا يصحّ أن يكون إماما.

قال إبراهيم: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ، رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ.

قال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: فانتهت الدّعوة إليّ وإلى أخي، لم يسجد أحد منّا لصنم قطّ، فاتّخذني اللّه نبيّا وعليّا وصيّا.

رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ: صرن سببا لإضلالهم، كقوله: وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا.فَمَنْ تَبِعَنِي: على ديني.

فَإِنَّهُ مِنِّي، أي: بعضي، لا ينفكّ عنّي في أمر الدّين.

وَ مَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ : تقدر أن تغفر له وترحمه.

و في روضة الكافي : ابن محبوب، عن عبد اللّه بن غالب، عن أبيه، عن سعيد  بن المسيّب قال: سمعت عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- يقول: إنّ رجلا جاء إلى أمير المؤمنين- عليه السّلام- فقال: أخبرني، إن كنت عالما، عن النّاس وعن أشباه النّاس وعن النّسناس.

فقال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: يا حسين، أجب الرّجل.

فقال الحسين- عليه السّلام-: أمّا قولك: «أشباه النّاس» فهم شيعتنا وهم موالينا وهم منّا، ولذلك قال إبراهيم- عليه السّلام-: فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في كتاب الاحتجاج للطّبرسيّ- رحمه اللّه -: خطبة لأمير المؤمنين- عليه السّلام- وفيها: قال اللّه- عزّ وجلّ-: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ. وقال- عزّ وجلّ-: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ فنحن أولى النّاس بإبراهيم، ونحن ورثناه، ونحن أولوا الأرحام الّذين ورثنا الكعبة، ونحن آل إبراهيم، أ فترغبون عن ملّة إبراهيم وقد قال اللّه- تعالى-: فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي؟

و في أمالي شيخ الطّائفة- قدّس سرّه - بإسناده إلى عمر بن يزيد [قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: يا ابن يزيد] : أنت، واللّه، منّا أهل البيت.

قلت: جعلت فداك، من آل محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-؟

قال: إي، واللّه، من أنفسهم.

قلت: من أنفسهم، جعلت فداك ؟

قال: إي، واللّه، من أنفسهم. يا عمر، أما تقرأ كتاب اللّه- عزّ وجلّ-:إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ او ما تقرأ قول اللّه- عزّ اسمه-: فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ؟

و في تفسير العيّاشي : عن أبي عبيدة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: من أحبّنا فهو منّا، أهل البيت.

قلت: جعلت فداك، منكم؟

قال: منّا، واللّه. أما سمعت قول إبراهيم- عليه السّلام-: فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي؟

عن محمّد الحلبّي ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من اتّقى اللّه منكم وأصلح فهو منّا، من  أهل البيت.

قال: منكم، أهل البيت؟

قال: منّا، أهل البيت. قال فيها إبراهيم: فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي.

قال عمر بن يزيد: قلت له: من آل محمّد؟

قال: إي واللّه من آل محمّد، و إي واللّه [من آل محمّد]  من أنفسهم. أما تسمع اللّه يقول: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ. وقول إبراهيم: فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي.

عن أبي عمير الزّبيريّ ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من تولّى اللّه محمّد وقدّمهم على جميع النّاس بما قدّمهم من قرابة رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-، فهو من آل محمد بمنزلة  آل محمّد، لا أنّه من القوم بأعيناهم. وإنّما هو منهم بتولّيه إليهم واتّباعه إيّاهم، وكذلك حكم اللّه في كتابه: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ . وقول إبراهيم:

فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.

رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي، أي: بعض ذرّيّتي. أو ذرّيّة من ذرّيّتي،

فحذف المفعول، وهم إسماعيل ومن ولد منه، فإنّ إسكانه متضمّن لإسكانهم.

في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن حنان، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: نحن، واللّه، بقيّة تلك العترة

و في تفسير العيّاشي : عنه- عليه السّلام- قال: نحن هم، ونحن بقيّة تلك الذّرّيّة.

بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ، يعني: وادي مكّة، فإنّها حجريّة لا تنبت.

عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ: الّذي حرّمت التّعرّض له والتّهاون به. أو لم يزل معظّما ممنعا يهابه الجبابرة. أو منع منه الطّوفان فلم يستول عليه، ولذلك سمّي عتيقا، أي: أعتق منه.

رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ.

 «اللّام» لام «كي» وهي متعلّقة «بأسكنت»، أي: ما أسكنتهم بهذا الوادي البلقع من كلّ مرتفق ومرتزق إلّا لإقامة الصّلاة عند بيتك المحرّم. وتكرير النّداء وتوسيطه  للإشعار بأنّها المقصودة بالذّات من إسكانهم ثمّة، والمقصود من الدّعاء توفيقهم لها.

و قيل : لام الأمر، والمراد هو الدّعاء لهم بإقامة الصّلاة، كأنّه طلب منهم الإقامة وسأل من اللّه- تعالى- أن يوفّقهم لها.

فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ، أي: أفئدة من أفئدة النّاس.

و «من» للتّبعيض، ولذلك قيل : لو قال: أفئدة النّاس، لازدحمت عليهم عليهم فارس والرّوم، ولحجّت اليهود والنّصارى. أو للابتداء، كقولك: القلب منّي سقيم، أي أفئدة النّاس.

و قرئ : «آفدة» وهو يحتمل أن يكون مقلوب أفئدة كآدر، في أدؤر. وأن يكون‏اسم فاعل، من أفدت الرّحلة : إذا عجّلت، أي جماعة يعجلون. و«أفدة»  بطرح الهمزة للتّخفيف.

تَهْوِي إِلَيْهِمْ: تسرع إليهم شوقا وودادا.

و قرئ : «تهوى» على البناء للمفعول، من أهوى إليه غيره. وتهوى.

و في كتاب الاحتجاج  للطبرسيّ- رحمه اللّه-: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام-:

 

و الأفئدة من النّاس تهوي إلينا ، وذلك دعوة إبراهيم حيث قال: فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ.

و في بصائر الدّرجات : عن الصّادق- عليه السّلام- في حديث: وجعل  أفئدة من النّاس تهوى إلينا.

من هوي يهوى: إذا أحبّ. وتعديته «بإلى» لتضمنه  معنى النّزوع.

و نسبها في الجوامع  إلى أهل البيت- عليهم السّلام-.

 

وَ ارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ: مع سكناهم واديا لا نبات فيه.

لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ : تلك النّعمة. فأجاب اللّه دعوته، فجعله حرما آمنا يجي‏ء إليه ثمرات كلّ شي‏ء، حتّى توجد فيه الفواكه الرّبيعيّة والصّيفيّة والخريفيّة والشّتائيّة في يوم واحد.

في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن النّضر بن سويد، عن هشام، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ إبراهيم- عليه السّلام- كان نازلا في بادية الشّام.

فلمّا ولد له من هاجر إسماعيل اغتمّت سارة من ذلك غمّا شديدا، لأنّه لم يكن له منها ولد، و كانت تؤذي إبراهيم في هاجر وتغمّه. فشكى إبراهيم- عليه السّلام- ذلك إلى اللّه- عزّ وجلّ-.فأوحى اللّه إليه: إنّما مثل المرأة مثل الضّلع العوجاء، إن تركتها استمتعت  بها، وإن أقمتها كسرتها. ثمّ أمره أن يخرج إسماعيل وأمّه عنها .

فقال: يا ربّ، إلى أيّ مكان؟

قال: إلى حرمي وأمني، وأوّل بقعة خلقتها من الأرض، وهي مكّة.

فأنزل اللّه عليه جبرئيل- عليه السّلام- بالبراق، فحمل هاجر وإسماعيل وإبراهيم- عليه السّلام- عليها ، وكان إبراهيم لا يمرّ بموضع حسن فيه شجر ونخل وزرع إلّا  وقال:

يا جبرئيل، إلى هاهنا إلى هاهنا؟ فيقول جبرئيل- عليه السّلام-: لا، امض امض.

حتّى وافى  مكّة، فوضعه في موضع البيت.

و قد كان إبراهيم- عليه السّلام- عاهد سارة ألّا ينزل حتّى يرجع إليها. فلمّا نزلوا في ذلك المكان كان فيه شجرة، فألقت هاجر على  ذلك الشّجر كساء كان معها، فاستظلّوا تحته.

فلمّا سرّحهم إبراهيم ووضعهم وأراد الانصراف منهم إلى سارة، قالت له هاجر: يا إبراهيم، لم تدعنا في موضع ليس فيه أنيس ولا ماء ولا زرع؟

فقال إبراهيم: اللّه، الّذي أمرني أن أضعكم في هذا المكان، حاضر عليكم.

ثمّ انصرف عنهم. فلمّا بلغ كداء ، وهو جبل بذي طوى، التفت إليهم إبراهيم فقال:

رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ (الآية). ثمّ مضى وبقيت هاجر.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة، وقد مضى تمامه في سورة البقرة.

و في تفسير العيّاشي : عن الفضل بن موسى الكاتب، عن أبي الحسن، موسى جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ إبراهيم- صلوات اللّه عليه- لمّا أسكن إسماعيل- عليه السّلام- وهاجر مكّة، وودّعهما لينصرف عنهما، بكيا.

فقال لهما إبراهيم- عليه السّلام-: ما يبكيكما، فقد خلّفتكما في أحبّ الأرض إلى اللّه وفي حرم اللّه؟فقالت له هاجر: يا إبراهيم، ما كنت أرى أنّ نبيّا مثلك يفعل ما فعلت.

قال: وما فعلت؟

قالت: إنّك خلّفت امرأة ضعيفة وغلاما ضعيفا لا حيلة لهما بلا أنيس من بشر، ولا ماء يظهر، لا زرع قد بلغ، ولا ضرع يحلب.

قال: فرّق إبراهيم ودمعت عيناه عند ما سمع منها، فأقبل حتّى انتهى إلى باب بيت اللّه الحرام فأخذ بعضادتي الكعبة، ثمّ قال: رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي (الآية).

قال أبو الحسن- عليه السّلام-: فأوحى اللّه إلى إبراهيم: أن اصعد أبا قبيس فناد في النّاس: يا معشر الخلائق، إنّ اللّه يأمركم بحجّ هذا البيت الّذي بمكّة محرّما من استطاع إليه سبيلا فريضة من اللّه.

 [قال:]  فمدّ اللّه لإبراهيم في صوته، حتّى أسمع به أهل المشرق والمغرب، وما بينهما من جميع ما قدّر اللّه وقضى في أصلاب الرّجال من النّطف، وجميع ما قدّر اللّه وقضى في أرحام النّساء إلى يوم القيامة. فهناك [يا فضل‏]  وجب الحجّ على جميع الخلائق والتّلبية من الحاجّ في أيّام الحجّ، هي إجابة لنداء إبراهيم- عليه السّلام- يومئذ بالحجّ عن اللّه.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ان أذينة، عن الفضيل، عن أبي جعفر- عليه السّلام-: أنّه  نظر إلى النّاس يطوفون حول الكعبة، فقال: هكذا كانوا يطوفون في الجاهليّة، انّما أمروا أن يطّوّفوا بها، ثمّ ينفروا إلينا فيعلمونا ولايتهم ومودّتهم ويعرضوا علينا نصرتهم. ثمّ قرأ هذه الآية: فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ.

و في روضة الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن محمّد بن سنان، عن زيد الشّحّام قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام- لقتادة : من‏خرج من بيته بزاد وراحلة وكراء حلال يروم هذا البيت عارفا بحقّنا يهوانا قلبه، كما قال اللّه- عزّ وجلّ-: فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ولم يعن: البيت، فيقول:

إليه. فنحن واللّه دعوة إبراهيم- عليه السّلام- ممّن هوانا قلبه قبلت حجّته وإلّا فلا، يا قتادة، فإذا كان كذلك كان آمنا من عذاب جهنّم يوم القيامة.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رحمه اللّه-: خطبة لأمير المؤمنين- عليه السّلام- وفيها: والأفئدة من النّاس تهوي إلينا، وذلك دعوة إبراهيم- عليه السّلام- [حيث‏]  قال: فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ.

و في تفسير العيّاشي : عن أبي جعفر- عليه السّلام- فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ: أما إنّه لم يعن: النّاس كلّهم. أنتم أولئك ونظراؤكم، و إنّما مثلكم في النّاس مثل الشّعرة البيضاء في الثّور الأسود ، أو مثل الشّعرة السّوداء في الثّور الأبيض.

عن ثعلبة بن ميمون ، عن ميسر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ أبانا إبراهيم كان ممّا اشترط على ربّه، فقال: فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ.

 [و في رواية أخرى : عنه، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ أبانا إبراهيم- صلوات اللّه عليه- كان فيما اشترط على ربّه أن قال: فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ‏]  أما إنّه لم يعن : النّاس كلّهم. أنتم أولئك، رحمكم اللّه ، ونظراؤكم، إنّما مثلكم في النّاس مثل الشّعرة البيضاء في الثّور الأسود، أو الشّعرة السّوداء في الثّور الأبيض.

و في عوالي اللّئالي : وقال الصّادق- عليه السّلام- في تفسير قوله- تعالى-:

وَ ارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ: هو ثمرات القلوب.و قال الصّادق- عليه السّلام- : إنّ الثّمرات تحمل إليهم من الآفاق، وقد استجاب اللّه له حتّى لا يوجد في بلاد الشّرق والغرب ثمرة لا توجد فيها، حتّى حكي أنّه يوجد  فيها في يوم واحد فواكه ربيعيّة وصيفيّة وخريفيّة وشتائيّة.

رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ: تعلم سرّنا، كما تعلم علننا.

و المعنى: أنّك أعلم بأحوالنا ومصالحنا وأرحم بنا منّا بأنفسنا، فلا حاجة لنا إلى الطّلب، لكنّا ندعوك أظهارا لعبوديتك وافتقارا إلى رحمتك واستعجالا لنيل ما عندك.

و قيل : ما نخفي من وجد الفرقة، وما نعلن من التّضرّع إليك والتّوكل عليك.

و تكرير النّداء للمبالغة في التّضرّع، واللّجأ إلى اللّه.

و في تفسير العيّاشي : عن السّديّ  قال: سمعت  أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول : رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ وَما يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْ‏ءٍ من شأن إسماعيل، وما أخفى أهل البيت.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي عبد اللّه الفرّاء، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- يعلم ما يريد العبد إذا دعاه، ولكنّه يحبّ أن تبثّ إليه الحوائج. فإذا دعوت، فسمّ حاجتك.

و في حديث آخر  قال: قال: إنّ اللّه- عزّ وجلّ- يعلم حاجتك وما تريد، ولكن يحبّ أن تبثّ إليه الحوائج.

وَ ما يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْ‏ءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ : لأنّه العالم بعلم ذاتيّ، يستوي نسبته إلى كلّ معلوم .

و «من» للاستغراق.الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ، أي: وهب لي وأنا كبير آيس من الولد.

قيّد الهبة بحال الكبر استعظاما للنّعمة، وإظهارا لما فيها من آلائه.

إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ.

نقل : أنّه ولد له إسماعيل لتسع وتسعين سنة، وإسحاق لمائة واثنتي عشرة سنة.

إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ ، أي: لمجيبه. من قولك: سمع الملك كلامي: إذا اعتدّ به.

و هو من أبنية المبالغة العاملة عمل الفعل، أضيف إلى مفعوله أو فاعله على إسناد السّماع إلى دعاء اللّه على المجاز.

و فيه إشعار بأنّه دعا ربّه وسأل منه الولد، فأجابه ووهب له سؤله حين ما وقع اليأس منه، ليكون من أجلّ النّعم وأجلاها.

رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ: معدّلا لها، مواظبا عليها.

وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي: عطف على المنصوب في «اجعلني».

و التّبعيض، لعلمه بإعلام اللّه واستقراء عادته في الأمم الماضية، أنّه يكون في ذرّيّته كافر.

رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ : واستجب دعائي. أو وتقبّل عبادتي.