سورة الأعراف الآية 181-206

وَ مِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ :

ذكر ذلك، بعد ما بيّن أنّه خلق للنّار طائفة ضالّين ملحدين عن الحقّ، للدّلالة على أنّه- أيضا- خلق للجنّة أمّة هادين بالحقّ عادلين في الأمر. واستدلّ به على صحّة الإجماع. لأنّ المراد منه: أنّ في كلّ قرن طائفة بهذه الصّفة. إذ لو اختصّ بعهد الرّسول أو غيره، لم يكن لذكره فائدة فإنّه معلوم.

أقول: وفي الآية دلالة على وجود المعصوم في كلّ قرن. إذ لو لم يكن في قرن معصوم، لم يصدّق أنّ فيهم من يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ. إذ فيه تصريح بأنّ الهادين والعادلين بعض الخلق، لا كلّهم. وكلّ بعض لم يكن معصوما، ما لم يكن هاديا وعادلا كلّيّا. وصحّة الإجماع لو كان، فباعتبار دخوله.

و في أصول الكافي : الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن عبد اللّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-:وَ مِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ.

قال: هم الأئمّة- عليهم السّلام-.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : هذه الآية لآل محمّد وأتباعهم.

و في تفسير العيّاشيّ : عن حمران، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ.

قال: هم الأئمّة.

و قال  محمّد بن عجلان [عنه: نحن هم‏] .

عن يحيى بن الصّهباء  البكريّ  قال: سمعت أمير المؤمنين- عليه السّلام- يقول: والّذي نفسي بيده، لتفترّقنّ هذه الأمّة على ثلاث وسبعين فرقة. كلّها في النّار إلّا فرقة وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ. فهذه الّتي تنجو من هذه الأمّة.

عن يعقوب بن يزيد  قال : قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ.

قال: يعني: أمّة محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-.

عن زيد بن أسلم ، عن أنس بن مالك قال: كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يقول: تفرّقت أمّة موسى على إحدى وسبعين فرقة، سبعون ملّة  منها في النّار، وواحدة في الجنّة. وتفرّقت أمّة عيسى على اثنتين وسبعين فرقة، إحدى وسبعون فرقة  في النّار، وواحدة في الجنّة. وتعلوا أمّتي على الفريقين  جميعا بملّة، واحدة في الجنّة، واثنتان وسبعون في النّار.

قالوا: من هم، يا رسول اللّه؟قال: الجماعات، [الجماعات‏] .

قال يعقوب بن يزيد: كان عليّ بن أبي طالب إذا حدّث هذا الحديث عن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- تلا فيه قرآنا: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ- إلى قوله:- ساءَ ما يَعْمَلُونَ . وتلا- أيضا-: وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ، يعني: أمّة محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-.

و في مجمع البيان : عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: هذه لكم، وقد أعطى اللّه قوم موسى مثلها.

 [و روى ابن جريح  عن النبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه قال: هي لأمّتي.

بالحقّ يأخذون وبالحقّ يعطون. وقد أعطي القوم بين أيديكم مثلها]  وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ .

و فيه : عنه- صلّى اللّه عليه وآله-: إنّ من أمّتي قوما على الحقّ، حتّى ينزل عيسى بن مريم.

أقول: والجمع بين تلك الأخبار، الدّالّ بعضها على أنّ المراد: الأئمّة، وبعضها على أنّ المراد أعمّ منهم إن خلص اتّباعهم، لا يفارقهم في تينك الصّفتين. فكأنّهم نفسهم، وليسوا سواهم. والمراد: شدّة المتابعة.

وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ: سنستدنيهم إلى الهلاك، قليلا قليلا.

و أصل الاستدراج: الاستصعاد. أو الاستنزال، درجة بعد درجة.

مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ : ما نريد بهم. وذلك أن تتواتر عليهم النّعم، فيظنّوا أنّها لطف من اللّه بهم، فيزدادوا بطرا وانهماكا في الغيّ حتّى تحقّ عليهم كلمة العذاب.

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن عمّار بن مروان، عن سماعة بن مهران قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام-عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ.

فقال: هو العبد يذنب الذّنب فتجدّد له النّعمة معه، تلهيه تلك النّعمة عن الاستغفار من ذلك الذّنب.

عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد، وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه، جميعا عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن بعض أصحابه قال: سئل أبو عبد اللّه- عليه السّلام- عن الاستدراج.

فقال: هو العبد يذنب الذّنب، فيملى له ويجدّد له عندها النّعم، فتلهيه عن الاستغفار من الذّنوب. فهو مستدرج من حيث لا يعلم.

عليّ بن إبراهيم  [عن أبيه‏] ، عن القاسم بن محمّد، عن سليمان المنقريّ، عن حفص بن غياث، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: كم من مغرور [بما]  قد أنعم اللّه عليه. وكم من مستدرج يستر  اللّه عليه، وكم من مفتون بثناء  النّاس عليه.

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عبد اللّه بن جندب، عن سفيان بن السّمط قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: إنّ اللّه إذا أراد بعبد خيرا، فأذنب ذنبا، أتبعه بنقمة ويذكّره الاستغفار. وإذا أراد بعبد شرّا، فأذنب ذنبا، أتبعه بنعمة لينسيه الاستغفار ويتمادى  بها. وهو قول اللّه- عزّ وجلّ-: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ بالنّعم عند المعاصي.

و في روضة الكافي ، خطبة طويلة مسندة إلى أمير المؤمنين- عليه السّلام-. يقول- عليه السّلام- فيها: إنّه سيأتي عليكم من بعدي زمان، ليس في ذلك الزّمان شي‏ء أخفى من الحقّ، ولا أظهر من الباطل، ولا أكثر من الكذب على اللّه ورسوله- صلّى اللّه عليه وآله-.

... إلى أن قال: يدخل الدّاخل لما يسمع من حكم القرآن، فلا يطمئنّ جالسا حتّى يخرج من الدّين. ينتقل من دين ملك إلى دين ملك، ومن ولاية ملك إلى ولايةملك، ومن طاعة ملك إلى طاعة ملك، ومن عهود ملك إلى عهود ملك. فاستدرجهم اللّه من حيث لا يعلمون، وأنّ كيده متين بالأمل والرّجاء.

و في نهج البلاغة : إنّه من وسع عليه في ذات يده، فلم ير  ذلك استدراجا، فقد أمن مخوفا.

وَ أُمْلِي لَهُمْ: وأمهلهم. عطف على «سنستدرجهم».

إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ، أي: أخذي شديد.

و إنّما سمّاه: كيدا، لأنّ ظاهره إحسان وباطنه خذلان.

أَ وَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ، يعني: محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-.

مِنْ جِنَّةٍ: جنون.

نقل : أنّه- صلّى اللّه عليه وآله- علا  الصّفا، فدعاهم فخذا فخذا يحذّرهم بأس اللّه.

فقال قائلهم: إنّ صاحبكم لمجنون، بات يهوّت  إلى الصّباح. فنزلت.

إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ : موضح إنذاره بحيث لا يخفى على ناظر.

أَ وَلَمْ يَنْظُرُوا: نظر استدلال.

فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْ‏ءٍ: ممّا يقع عليه اسم الشّي‏ء من الأجناس، الّتي لا يمكن حصرها. ليدلّهم على كمال قدرة صانعها، ووحدة مبدعها، وعظم شأن مالكها ومتولّي أمرها. ليظهر لهم صحّة ما يدعوهم إليه.

وَ أَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ: عطف على «ملكوت». و«أن» مصدريّة، أو خفيفة من الثّقيلة. واسمه ضمير الشّأن، وكذا اسم «يكون».

و المعنى: أو لم ينظروا في اقتراب آجالهم وتوقّع حلولها، فيسارعوا إلى طلب الحقّ والتّوجّه إلى ما ينجيهم قبل معاينة الموت ونزول العذاب.

فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ: بعد القرآن.

يُؤْمِنُونَ : إذا لم يؤمنوا به وهو النّهاية في البيان، كأنّه إخبار عنهم‏بالطّبع والتّصميم على الكفر بعد إلزام الحجّة والإرشاد إلى النّظر.

و قيل : هو متعلّق بقوله: «عسى أن يكون»، كأنّه قيل: لعلّ أجلهم قد اقترب.

فما بالهم لا يبادرون الإيمان بالقرآن، وما ذا ينتظرون بعد وضوحه؟ فإن لم يؤمنوا به، فبأيّ حديث أحقّ منه يريدون أن يؤمنوا به؟

و قوله: مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ، كالتّقرير والتّعليل له.

وَ يَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ: بالرّفع على الاستئناف.

و قرأ أبو عامر وعاصم ويعقوب، بالياء، لقوله: «من يضلل اللّه». وحمزة والكسائيّ به وبالجزم، عطفا على محلّ «فلا هادي له»، كأنّه قيل: لا يهده غيره ويذرهم.

يَعْمَهُونَ : حال من «هم».

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: يكله إلى نفسه.

يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ: عن القيامة. وهي من الأسماء الغالبة. وإطلاقها عليها، إمّا لوقوعها بغتة، أو لسرعة حسابها، أو لأنّها على طولها عند اللّه، كساعة.

أَيَّانَ مُرْساها: متى إرساؤها، أي: إثباتها واستقرارها.

و رسوّ الشّي‏ء: ثباته واستقراره. ومنه: رسا الجبل، وأرسى السّفينة.

و اشتقاق «أيّان» من «أيّ»، لأنّ معناه: أيّ وقت. وهو من: أويت إليه، لأنّ البعض آو إلى الكلّ متساند إليه.

قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي: استأثر به. لم يطلع عليه ملكا مقرّبا، ولا نبيّا مرسلا.

لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها: لا يظهر أمرها في وقتها.

إِلَّا هُوَ:

و المعنى: أنّ الخفاء بها مستمرّ على غيره إلى وقت وقوعها.

و «اللّام» للتّوقيت، كاللّام في قوله: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ.

ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ: عظمت على أهلها، من الملائكة والثّقلين لهولها. وكأنّه إشارة إلى الحكمة في إخفائها.لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً: فجأة على غفلة.

في الجوامع : قال- عليه السّلام-: إنّ السّاعة تهيج بالنّاس والرّجل يصلح حوضه، والرّجل يسقي ماشيته، والرّجل يقوّم سلعته في سوقه، والرّجل يخفض ميزانه ويرفعه.

يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها: عالم بها. فعيل، من حفى عن الشّي‏ء: إذا سأل عنه. فإنّ من بالغ في السّؤال عن الشّي‏ء والبحث عنه، استحكم علمه فيه. ولذلك عدّي «بعن».

و قيل : هي صلة «يسألونك».

و قيل : هو من الحفاوة، بمعنى: الشّفقة. فإنّ قريشا قالوا له: إنّ بيننا وبينك قرابة، فقل لنا متى السّاعة. والمعنى: يسألونك عنها، كأنّك حفيّ تتحفّى بهم، فتخصّهم لأجل قرابتهم بك بتعليم وقتها.

و قيل : معناه: كأنّك حفيّ. بالسّؤال عنها تحبّه من حفي بالشّي‏ء: إذا فرح. لا أنّك تكره. لأنّه من الغيب الّذي استأثره اللّه بعلمه.

قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ: كرّره لتكرير «يسألونك»، لما نيط به من هذه الزّيادة، وللمبالغة.

وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ : أنّ علمها عند اللّه، لم يؤته أحدا من خلقه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : أنّ قريشا بعثت العاص بن وائل السّهميّ والنّضر بن الحارث بن كلدة وعقبة  بن أبي معيط إلى نجران، ليتعلّموا من علماء اليهود مسائل يسألوا بها رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-. وكان فيها: سلوا محمّدا: متى تقوم السّاعة؟

فإن ادّعى علم ذلك، فهو كاذب. فإنّ قيام السّاعة لم يطلع اللّه عليه ملكا مقرّبا ولا نبيّا مرسلا.

فلمّا سألوه، نزلت.

و في عيون الأخبار : عن الرّضا- عليه السّلام-: ولقد حدّثني أبي، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ- عليه السّلام- أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قيل له: يا رسول اللّه، متى يخرج القائم من ذرّيّتك؟

فقال: مثله، مثل السّاعة لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا: جلب نفع ودفع ضرّ. وهو إظهار للعبوديّة، والتّبريّ عن ادّعاء العلم بالغيوب.

إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ: من ذلك، فيلهمني إيّاه ويوفّقني له.

وَ لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ: ولو كنت أعلمه، لخالفت حالي ما هي عليه، من استكثار المنافع واجتناب المضارّ حتّى لا يمسّني سوء.

و في تفسير العيّاشيّ : عن الصّادق- عليه السّلام-: يعني: الفقر.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: كنت اختار لنفسي الصّحّة والسّلامة.

إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ: وما أنا إلّا عبد مرسل للإنذار والبشارة.

لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ : فإنّهم المنتفعون بهما.

و يجوز أن يكون متعلّقا «بالبشير»، ومتعلّق «النّذير» محذوفا.

هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ: هو آدم- عليه السّلام-.

وَ جَعَلَ مِنْها: من فضل طينتها. أو من جنسها، كقوله: جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً.

زَوْجَها: حوّاء.

لِيَسْكُنَ إِلَيْها: ليأنس بها، ويطمئنّ إليها اطمئنان الشي‏ء إلى جنسه.

و إنّما ذكر الضّمير، ذهابا إلى المعنى، ليناسب فَلَمَّا تَغَشَّاها، أي: جامعها.

حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً: خفّ عليها، ولم تلق منه ما تلقى منه الحوامل غالبا من الأذى. أو محمولا خفيفا، وهو النّطفة.فَمَرَّتْ بِهِ: فاستمرّت به، وقامت وقعدت.

و قرئ : «فمرت» بالتّخفيف. و«فاستمرت» و«فمارت» من المور: وهو المجي‏ء والذّهاب. أو من المرية، أي: فظنّت الحمل وارتابت به.

فَلَمَّا أَثْقَلَتْ: صارت ذات ثقل بكبر في بطنها.

و قرئ ، على البناء للمفعول، أي: أثقلها حملها.

دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً: ولدا سويّا قد صلح بدنه.

لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ : لك على هذه النّعمة المجدّدة.

فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ  أَ يُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ .

قيل : لمّا حملت حوّاء، أتاها إبليس في صورة رجل.

فقال لها: ما يدريك ما في بطنك، لعلّه بهيمة أو كلب. وما يدريك من أين يخرج؟

فخافت من ذلك، وذكرت لآدم، فهمّا  منه.

ثمّ عاد إليها وقال: إنّي من اللّه بمنزلة. فإن دعوت اللّه أن يجعله خلقا مثلك ويسهّل عليك خروجه، فسمّيه عبد الحارث.

و كان اسمه حارثا بين الملائكة.

فتقبّلت . فلمّا ولدت، سمّياه عبد الحارث، وأمثال ذلك لا يليق بالأنبياء.

قيل : يحتمل أن يكون الخطاب في «خلقكم» لآل قصيّ من قريش، فإنّهم خلقوا من نفس قصيّ. وكان له زوج من جنسه عربيّة قرشيّة. وطلبا من اللّه الولد، فأعطاهما أربعة بنين. فسمّياهم: عبد مناف، وعبد شمس، وعبد قصيّ، وعبد الدّار.

و يكون الضّمير في «يشركون» لهما ولأعقابهما المقتدين بهما.و في تفسير عليّ بن إبراهيم، والعيّاشيّ : عن الباقر- عليه السّلام-: هما  آدم وحوّاء. وإنّما كان شركهما شرك طاعة، وليس شرك عبادة.

و زاد في تفسير عليّ بن إبراهيم: قال: جعلا للحارث نصيبا في خلق اللّه، ولم يكن أشركا إبليس في عبادة اللّه.

ثمّ ذكر في ذلك حديثا مبسوطا رواه عن الباقر- عليه السّلام-، موافقا لما نقلناه من قول القائل: إنّها ممّا لا يليق بالأنبياء- عليهم السّلام-.

و قيل : معناه: التّسمية بعبد عزّى، وعبد مناة، وعبد يغوث، وما أشبه ذلك من [أسماء]  الأصنام.

و معنى «جعلا له»: جعل أولادهما له شركاء فيما أتى أولادهما. على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه في الموضعين.

و في عيون الأخبار ، في باب مجلس الرّضا- عليه السّلام- مع المأمون في عصمة الأنبياء- عليهم السّلام-: حدّثنا تميم بن عبد اللّه بن تميم القرشيّ- رضي اللّه عنه- قال:

 

حدّثني أبي، عن حمران  بن سليمان النّيشابوريّ، عن عليّ بن محمّد بن الجهم قال: حضرت مجلس المأمون وعنده الرّضا- عليه السّلام-.

فقال له المأمون: يا ابن رسول اللّه، أليس من قولك: إنّ الأنبياء معصومون؟

قال: بلى.

قال: فما معنى قول اللّه- عزّ وجلّ-: فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما؟

قال له الرّضا- عليه السّلام-: إنّ حوّاء ولدت لآدم خمسمائة بطن [في كلّ بطن‏]  ذكر وأنثى. وأنّ آدم وحوّاء عاهدا اللّه- تعالى- ودعواه وقالا: لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ، فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً من النّسل خلقا سويّا بريئا من الزّمانةو العاهة، كان ما آتاهما صنفين: صنفا ذكرانا ، وصنفا إناثا. فجعل الصّنفان للّه- سبحانه- شُرَكاءَ فِيما آتاهُما، ولم يشكراه، كشكر أبويهما له- عزّ وجلّ-. قال اللّه- تعالى-: فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ.

فقال المأمون: أشهد أنّك ابن رسول اللّه حقّا.

و ما يستفاد من هذا الخبر موافق للقول الأخير، إلّا في شيئين:

الأوّل، أنّه لا حاجة فيه إلى تقدير المضاف في الموضعين. لأنّ «صالحا» لمّا كان صنفين، يمكن إرجاع ضمير التّثنية في «جعلا» وفي «آتاهما» إليه، باعتبار المعنى.

بخلاف ذلك القول، فإنّه قدّر المضاف في الموضعين.

و الثّاني، أنّه جعل الشّرك عدم الشّكر على حدّ ما شكر أبواها. وهو أعمّ ممّا جعله هذا القائل عبارة منه.

وَ لا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً، أي: لعبدتهم.

وَ لا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ : فيدفعون عنها ما يعتريها.

وَ إِنْ تَدْعُوهُمْ، أي: المشركين.

إِلَى الْهُدى: إلى الإسلام.

لا يَتَّبِعُوكُمْ.

و قرأ  نافع، بالتّخفيف.

و قيل : الخطاب للمشركين. و«هم» ضمير الأصنام، أي: إن تدعوهم إلى أن يهدوكم، لا يتّبعوكم إلى مرادكم، ولا يجيبوكم، كما يجيبكم اللّه.

سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَ دَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ : وإنّما لم يقل: «أم صمتّم» للمبالغة في عدم إفادة الدّعاء. من حيث أنّه مسوّى بالثّبات على الصّمات، أو لأنّه ما كانوا يدعونها لحوائجهم. فكأنّه قيل: سواء عليكم إحداثكم دعاءكم لهم واستمراركم على الصّمات عن دعائهم.

إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، أي: تعبدونهم، وتسمّونهم آلهة.

عِبادٌ أَمْثالُكُمْ: من حيث أنّها مملوكة مسخّرة.

فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ : أنّهم آلهة.و يحتمل أنّهم لمّا نحتوها بصور الأناسيّ، قال لهم: إنّ قصارى أمرهم أن يكونوا أحياء عقلاء أمثالكم، فلا يستحقّون عبادتكم، كما لا يستحقّ بعضكم عبادة بعض. ثمّ عاد عليه بالنّقض فقال: أَ لَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها وقرئ : «إن الّذين». بتخفيف «إن»، ونصب «عباد». على أنّها نافية عملت عمل «ما» الحجازيّة، ولم يثبت مثله. و«يبطشون» بالضّمّ، ها هنا وفي القصص والدّخان.

قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ: واستعينوا بهم في عداوتي.

ثُمَّ كِيدُونِ: فبالغوا فيما تقدرون عليه من مكروهي، أنتم وشركاؤكم.

فَلا تُنْظِرُونِ : فلا تمهلوني. فإنّي لا أبالي بكم، لوثوقي على ولاية اللّه وحفظه.

إِنَّ وَلِيِّيَ: حافظي وناصري.

اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ: القرآن.

وَ هُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ، أي: ومن عادته- تعالى- أن يتولّى الصّالحين من عباده، فضلا عن أنبيائه.

وَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ : من إتمام التّعليل، لعدم مبالاته بهم.

وَ إِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ : يشبهون النّاظرين إليك، بأنّهم صوّروا بصورة من ينظر إلى من يواجهه.

خُذِ الْعَفْوَ، أي: خذ ما عفا لك من أفعال النّاس وتسهّل، ولا تطلب ما يشقّ عليهم.

و نحوه قوله- عليه السّلام-: يسّروا ولا تعسّروا.

من العفو، الّذي هو ضدّ الجهل.

أو خذ العفو من المذنبين، أو الفضل وما يسهّل من صدقاتهم.

و في تفسير العيّاشيّ : عن الحسن  بن عليّ بن النّعمان، عن أبيه، عمّن سمع أبا

 عبد اللّه- عليه السّلام- وهو يقول: إنّ اللّه- تعالى- أدّب رسوله بذلك، أي: خذ منهم ما ظهر وما تيسّر.

و قال: «العفو» الوسط.

و في من لا يحضره الفقيه : عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- أنّه قال لرجل من ثقيف: إيّاك أن تضرب مسلما أو يهوديّا أو نصرانيّا في درهم خراج، أو تبيع دابّة عمله  [في درهم‏]  فإنّا أمرنا أن نأخذ العفو.

وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ: المعروف المستحسن من الأفعال.

وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ : فلا تمارهم ولا تكافئهم بمثل أفعالهم.

و هذه الآية جامعة لمكارم الأخلاق، آمرة للرّسول- صلّى اللّه عليه وآله- باستجماعها.

في مجمع البيان : روي أنّه لمّا نزلت هذه الآية، سأل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- جبرائيل عن ذلك.

فقال: لا أدري، حتى أسأل العالم.

ثمّ أتاه فقال: يا محمّد، إنّ اللَّه يأمرك أن تعفو عمّن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك. وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ.

و في عيون الأخبار ، بإسناده إلى الحارث بن الدّلهاث، مولى الرّضا- عليه السّلام-. قال: سمعت أبا الحسن- عليه السّلام- يقول: لا يكون المؤمن مؤمنا حتّى يكون فيه ثلاث خصال: سنّة من ربّه، وسنّة من نبيّه، وسنّة من وليّه.

... إلى قوله: وأمّا السّنّة من نبيّه، فمداراة النّاس. [فإنّ اللّه- عزّ وجلّ- أمر نبيّه- صلّى اللّه عليه وآله- بمداراة النّاس‏]  فقال: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ.

و في جوامع الجامع : عن الصّادق- عليه السّلام-: أمر اللّه نبيّه- صلّى اللّه عليه‏و آله- [بمكارم الأخلاق. وليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق منها] .

وَ إِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ: ينخسنّك منه نخس، أي: وسوسة، نحملك على خلاف ما أمرت به، كاعتراض غضب.

و «النّزغ» و«النّسغ» و«النّخس» الغرز. شبّه وسوسته للنّاس، إغراء لهم على المعاصي وإزعاجا، بغرز السّائق وما يسوقه.

و في الجوامع: لمّا نزلت الآية السّابقة، قال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: كيف، يا ربّ، والغضب؟ فنزلت.

فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ: يسمع استعاذتك.

عَلِيمٌ : يعلم ما فيه صلاح أمرك، فيحملك عليه. أو سميع بأقوال من آذاك، عليم بأفعاله، فيجازيه عليها مغنيا إيّاك عن الانتقام ومتابعة الشّيطان.

و المراد بالنّزغ ومتابعة الشّيطان: ما ظاهر صورته ذلك، كالغضب. فإنّ غضب الشّي‏ء، وإن لم يكن نزغة ومتابعة، لكن ظاهر صورته ذلك. ولهذا أمره بالاستعاذة يدلّ عليه الآية.

و يحتمل أن يكون الخطاب له- عليه السّلام-. والمراد الأمّة، كما في أكثر القرآن.

و في كتاب الخصال : قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: إذا وسوس الشّيطان لأحدكم، فليستعد  باللّه، وليقل: آمنت باللّه وبرسوله مخلصا له الدّين.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ.

قال: إن عرض في قلبك منه شي‏ء ووسوسة ، فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.

إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ: لمّة  منه. وهو اسم فاعل من: طاف يطوف. كأنّها طافت بهم ودارت حولهم، فلم تقدر أن تؤثّر فيهم. أو من:طاف به الخيال، يطيف طيفا.

و قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائيّ ويعقوب: «طيف» على إنّه مصدر. أو تخفيف طيّف، كليّن وهيّن.

و المراد بالشّيطان: الجنس. ولذلك جمع ضمير «إخوانهم».

تَذَكَّرُوا: ما أمر اللّه به ونهى عنه.

فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ : بسبب التّذكّر مواقع الخطأ ومكائد الشّيطان، فيحترزون عنها ولا يتبعونه فيها.

و الآية تأكيد وتقرير لما قبلها.

و في روضة الكافي ، كلام لعليّ بن الحسين- عليهما السّلام- في الوعظ والزّهد في الدّنيا. يقول فيه- عليه السّلام-: واحذروا، أيّها النّاس، من الذّنوب والمعاصي ما قد نهاكم اللّه عنها وحذّركموها في كتابه الصّادق والبيان النّاطق. فلا تأمنوا مكر اللّه وتحذيره عند ما يدعوكم الشّيطان اللّعين إليه، من عاجل الشّهوات واللّذات في هذه الدّنيا.

فإن اللّه- عزّ وجلّ- يقول: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ. فأشعروا [قلوبكم خوف‏]  اللّه، وتذكّروا ما قد وعدكم اللّه في مرجعكم إليه من حسن ثوابه، كما قد خوّفكم من شديد العقاب.

و في كتاب الخصال : عن أبي بصير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: ثلاث من أشدّ ما عمل العباد: إنصاف المؤمن من نفسه، ومواساة [المرء أخاه‏] ، وذكر اللّه على كلّ حال. وهو أن يذكر اللّه عند المعصية [يهمّ بها، فيحول ذكر اللّه بينه وبين تلك المعصية] . وهو قوله- عزّ وجلّ-: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ.

و في أصول الكافي : أبو عليّ الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن ابن فضال، عن ثعلبة بن ميمون، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- [قال:

 سألته‏]  عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ.

قال: هو العبد يهمّ بالذّنب ثمّ يتّذكر، فيمسك، فذلك قوله: تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ.

وفي تفسير العيّاشي : عن عبد الأعلى ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ.

قال: هو الذّنب يهمّ به العبد، فيتذكّر، فيدعه.

عن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ.

ما ذلك [الطائف‏] ؟

فقال: هو السيّئ  يهمّ به العبد، ثمّ يذكر اللّه، فيبصر ويقصر.

أبو بصير ، عنه قال: هو الرّجل يهمّ بالذّنب ثمّ يتذكّر فيدعه .

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: إذا ذكّرهم الشّيطان المعاصي وحملهم عليها، يذكرون اسم اللّه فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ.

وَ إِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ، أي: وإخوان الشّياطين الّذين لم يتّقوا يمدّهم الشّياطين.

فِي الغَيِّ: بالتّزيين، والحمل عليه.

و قرئ : «يمدّونهم». من أمدّ.

و قرئ : «يمادّونهم»، كأنّهم يعينونهم بالتّسهيل والإغواء، وهؤلاء يعينونهم‏بالاتّباع والامتثال.

ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ : لا يمسكون عن إغوائهم حتّى يردّوهم.

و يجوز أن يكون الضّمير «للإخوان»، أي: لا يكفّون عن الغيّ ولا يقصرون، كالمتّقين.

و يجوز أن يراد «بالإخوان»: الشّياطين. ويرجع الضّمير إلى الجاهلين، فيكون الخبر جاريا على ما هو له.

وَ إِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ: من القرآن، أو ممّا اقترحوه.

قالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَها: هلا جمعتها تقوّلا من نفسك، كسائر ما تقرأه. أو هلّا طلبتها من اللّه.

قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي: لست بمختلق للآيات، أو لست بمقترح لها.

هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ: هذا القرآن بصائر للقلوب، بها تبصر الحقّ وتدرك الصّواب.

وَ هُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ : سبق تفسيره.

وَ إِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ .

قيل : نزلت في الصّلاة كانوا يتكلّمون فيها، فأمروا باستماع قراءة الإمام والإنصات له.

و في الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النّضر بن سويد، عن يحيى الحلبيّ، عن بريد بن معاوية، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في خطبة يوم الجمعة الخطبة الأولى: الحمد للّه نحمده ونستعينه- إلى أن قال عليه السّلام-: إنّ كتاب اللّه أصدق الحديث وأحسن القصص. وقال اللّه- عزّ وجلّ-: وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ. [فاستمعوا طاعته‏] ، وأنصتوا ابتغاء رحمته.

و في تفسير العيّاشيّ : عن أحدهما- عليهما السّلام- قال: إذا كنت خلف [الإمام تأتمّ‏]  به، فأنصت، وسبّح في نفسك.

و عن الصّادق - عليه السّلام-: يجب الإنصات للقرآن في الصّلاة وفي غيرها.

و إذا قرئ عندك القرآن، وجب عليك الإنصات والاستماع.

و في مجمع البيان : وروى زرارة، عن أحدهما- عليهما السّلام- قال: معناه: إذا كنت خلف إمام تأتمّ به، فأنصت وسبّح في نفسك فيما لا يجهر الإمام فيه بالقراءة.

و في من لا يحضره الفقيه : وفي رواية زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: وإن كنت خلف إمام، فلا تقرأنّ شيئا في الأوّلتين، وأنصت لقراءته، ولا تقرأنّ شيئا في الأخيرتين. فإنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول للمؤمنين: وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ، يعني: في الفريضة خلف الإمام. فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ. والأخيرتان تبعا للأوّلتين .

و في تهذيب الأحكام ، بإسناده إلى جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- أنّه سئل عن القراءة  خلف الإمام.

فقال: إذا [كنت خلف إمام تتولّاه‏]  وتثق به، فإنّه يجزيك قراءته. وإن أحببت أن تقرأ، فاقرأ فيما يخافت به. فإذا جهر، فأنصت. قال اللّه- تعالى-: وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ.

الحسين بن سعيد ، عن حمّاد بن عيسى، عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن الرّجل يؤمّ القوم، وأنت لا ترضى به في صلاة يجهر فيها بالقراءة.

فقال: إذا سمعت كتاب اللّه يتلى، فأنصت له.

قيل: فإنّه يشهد عليّ بالشّرك.

قال: إن عصى اللّه، فأطع اللّه. فرددت عليه، فأبى أن يرخّص لي.قيل: أصليّ إذن في بيتي، ثمّ أخرج إليه.

فقال: أنت وذاك.

و قال: إنّ عليّا- عليه السّلام- كان في صلاة الصّبح. فقرأ ابن الكواء وهو خلفه:

وَ لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ . فأنصت عليّ- عليه السّلام- تعظيما للقرآن حتّى فرغ من الآية. ثمّ عاد في قراءته. ثمّ أعاد ابن الكواء الآية. فأنصت عليّ- عليه السّلام- أيضا. ثمّ قرأ، فأعاد ابن الكواء. فأنصت عليّ- عليه السّلام- ثمّ قال: فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ  ثمّ أتمّ السّورة، ثمّ ركع.

قيل : هذان الحديثان وما في معناهما، ممّا يوافق ظاهر القرآن من عموم وجوب الاستماع والإنصات، محمول عند أصحابنا وعامّة الفقهاء على الاستحباب وتأكّده. بل قد ورد الأمر بالقراءة خلف المخالف، وإن سمعت قراءته، إذا لم تكن هناك تقيّة.

وَ اذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ: عامّ في الأذكار، من القراءة والدّعاء وغيرهما.

تَضَرُّعاً وَخِيفَةً: متضرّعا وخائفا.

وَ دُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ: متكلّما كلاما فوق السّرّ، ودون الجهر. فإنّه أدخل في الخشوع والإخلاص.

بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ: أوقات الغدوّ والعشيّات.

و قرئ: «الإيصال». وهو مصدر آصل: إذا دخل في الأصيل. مطابق للغدوّ.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد، عن حريز، عن زرارة، عن أحدهما- عليهما السّلام- قال: لا يكتب الملك إلّا ما سمع. وقال اللّه- عزّ وجلّ-: وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً. فلا يعلم ثواب ذلك الذّكر في نفس الرّجل غير اللّه- عزّ وجلّ- لعظمته.

و بإسناده  إلى أبي بصير: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال في آخر حديث: ودعاء التّضرّع، أن تحرّك إصبعك السّبّابة مما يلي وجهك. وهو دعاء الخيفة.عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن ابن فضّال، رفعه قال: قال اللّه- عزّ وجلّ- لعيسى- عليه السّلام-: اذكرني في نفسك، [أذكرك في نفسي‏]  واذكرني في ملئك، أذكرك  في ملأ خير من ملأ الآدميّين.

و بإسناده  إلى أبي المغرا الخصّاف، رفعه قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: من ذكر اللّه في السّرّ، فقد ذكر اللّه كثيرا. إنّ المنافقين كانوا يذكرون اللّه علانيّة، ولا يذكرونه في السّرّ. فقال اللّه- تعالى-: يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا

 .

و في تفسير العيّاشي : عن إبراهيم بن عبد الحميد، رفعه قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ، يعني: مستكينا. «و خيفة»، يعني:

خوفا من عذابه. وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ، يعني: دون الجهر من القراءة بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ [يعني: بالغداة]  بالغدوّ والعشيّ.

عن الحسين بن المختار ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-:

وَ اذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ.

قال: تقول عند المساء: لا إله إلّا اللّه، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت، ويميت ويحيي، وهو على كلّ شي‏ء قدير .

قلت: بيده الخير.

 [قال: إنّ بيده الخير]  ولكن قل كما أقول لك عشر مرّات. وأعوذ باللّه السّميع العليم من همزات الشّياطين وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ إن الله هو السميع العليم. [عشر مرّات حين تطلع الشمس وعشر مرّات حين تغرب.

عن محمّد بن مروان  عن بعض أصحابه قال: قال جعفر بن محمّد- عليه السّلام-: قل: أستعيذ باللّه السميع العليم من الشيطان الرجيم، وأعوذ باللّه أن يحضرون. إن الله‏هو السميع العليم. و]  قل: لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، ويميت ويحيي، وهو على كلّ شي‏ء قدير.

فقال له الرّجل: مفروض هو؟

قال: نعم، مفروض هو محدود. تقوله قبل طلوع الشّمس، وقبل الغروب عشر مرّات. فإن فاتك شي‏ء منها، فاقضه من اللّيل والنّهار.

و في كتاب الخصال : حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان قال: حدّثنا أحمد بن يحيى بن زبيرة القطّان، عن بكر بن عبد اللّه بن حبيب قال: حدّثنا تميم بن بهلول، عن أبيه قال: حدّثنا إسماعيل بن الفضل قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها .

فقال- عليه السّلام-: فريضة على كلّ مسلم أن يقول قبل طلوع الشّمس عشر مرّات: [و قبل غروبها عشر مرّات‏]  لا إله إلّا اللّه، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو حيّ لا يموت، بيده الخير، وهو على كلّ شي‏ء قدير.

قال: فقلت: لا إله إلّا اللّه، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، ويميت ويحيي.

فقال: [يا]  هذا، لا شكّ في أنّ اللّه يحيي ويميت ويميت ويحيي. ولكن قل كما أقول .

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً قال: في الظّهر والعصر. دُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ قال: بالغداة والعشيّ .

وَ لا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ : عن ذكر اللّه.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن جميل بن درّاج، عن بعض أصحابه، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: أيّما مؤمن حافظ على الصلوات‏المفروضة فصلّاها لوقتها، فليس هذا من الغافلين.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عمّن أخبره، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من كان معه كفنه في بيته، لم يكتب من الغافلين. وكان مأجورا كلّما نظر إليه.

و في كتاب الخصال : عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال لقمان لابنه:

يا بنيّ، لكلّ شي‏ء علامة يعرف بها ويشهد عليها- إلى أن قال-: وللغافل ثلاث علامات:

اللّهو، والسّهو، والنّسيان.

و في كتاب ثواب الأعمال ، بإسناده إلى أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: من قرأ عشر آيات في ليلة، لم يكتب من الغافلين.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النّوفليّ، عن السّكونيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: ذاكر اللّه في الغافلين، كالمقاتل عن الفارّين. والمقاتل عن الفارّين له الجنّة.

إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ قيل: يعني: الملائكة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، يعني: الأنبياء والرّسل والأئمّة- عليهم السّلام-.

لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ: وينزّهونه.

وَ لَهُ يَسْجُدُونَ : ويخصّونه بالعبادة والتّذلّل، لا يشركون به غيره. هذا أول سجدات القرآن.

و في الحديث : إذا قرأ ابن آدم السّجدة فسجد، اعتزل الشّيطان يبكي ويقول:

يا ويله، امر هذا بالسّجود فسجد، فله الجنّة. وأمرت بالسّجود فعصيت، فلي النّار.