سورة الأعراف الآية 141-160

وَ إِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ: واذكروا صنيعه معكم في هذا الوقت.

و قرأ  ابن عامر: «أنجاكم».

يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ: استئناف لبيان ما أنجاهم. أو حال من المخاطبين. أو من آل فرعون، أو منهما، أي: يبغونكم ويكلّفونكم شدّة العذاب.

يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ: بدل مبيّن منه.

و قرأ نافع: «يقتلون» بفتح الياء، وإسكان القاف، وضمّ التّاء، مخفّفا.

وَ فِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ : وفي الإنجاء أو العذاب، نعمة أو محنة عظيمة.

وَ واعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً: ذا العقدة.

و قرأ  أبو عمرو ويعقوب: «و وعدنا».

وَ أَتْمَمْناها بِعَشْرٍ: من ذي الحجّة.

و في مجمع البيان : وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ ولم يقل:

أربعين [ليلة، كما قاله في سورة البقرة لفائدة]  زائدة ذكر فيها وجوه- إلى قوله-:

و ثالثها، أنّ موسى- عليه السّلام- قال لقومه: إنّي أتأخّر عنكم ثلاثين يوما، ليسهّل عليكم. ثمّ زاد عليهم عشرا  وليس في ذلك خلف، لأنّه إذا تأخّر عنهم أربعين [ليلة]  فقد تأخّر ثلاثين قبلها. عن أبي جعفر- عليه السّلام-.

و في تفسير العيّاشيّ : عن محمّد بن عليّ  عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله:

وَ واعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ.

قال: بعشر ذي الحجّة.فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً: بالغا أربعين.

نقل : أنّه- عليه السّلام- وعد بني إسرائيل بمصر، أن يأتيهم بعد مهلك فرعون بكتاب من اللّه، فيه بيان ما يؤتون وما يذرون. فلمّا هلك، سأل ربّه. فأمره بصوم ثلاثين. فلمّا أتمّ، أنكر خلوف  فيه فتسوّك.

فقالت الملائكة: كنّا نشمّ منك رائحة المسك، فأفسدته بالسّواك. فأمره اللّه أن يزيد عليها عشرا.

و قيل : أمره بتخلّي  ثلاثين بالصّوم والعبادة. ثمّ أنزل اللّه عليه التّوراة في العشر، وكلّمه فيها.

في أصول الكافي : الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الخزّاز، عن عبد الكريم بن عمرو الخثعميّ، عن الفضيل  بن يسار، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قلت: لهذا الأمر وقت؟

فقال: كذب الوقّاتون، كذب الوقّاتون. كذب الوقّاتون. إنّ موسى- عليه السّلام- لمّا خرج وافدا إلى ربّه، واعدهم ثلاثين يوما، فلمّا زاده اللّه على الثّلاثين عشرا، قال قومه: قد أخلفنا موسى. فضيعوا بما صنعوا  فإذا حدّثناكم الحديث فجاء على ما حدّثناكم [به‏]، فقولوا: صدق اللّه [و رسوله‏] . وإذا حدّثناكم الحديث فجاء على خلاف ما حدّثناكم به، فقولوا: صدق اللّه. تؤجروا  مرّتين.

و في كتاب معاني الأخبار ، بإسناده إلى [محمّد بن يعقوب بن‏]  شعيب: عن أبيه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: ذو القعدة ثلاثون يوما، لقول اللّه- عزّ وجلّ-:وَ واعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً. والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن إسماعيل، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-. في حديث طويل نحوه.

 

وَ قالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي: كن خليفتي فيهم.

وَ أَصْلِحْ: ما يجب أن يصلح من أمورهم.

وَ لا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ : ولا تتّبع من سلك الإفساد، ولا تطع من دعاك إليه.

و في أمالي شيخ الطّائفة - قدّس سرّه-، بإسناده إلى أبي سعيد الخدريّ قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- لعليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- في غزوة تبوك: اخلفني في أهلي.

فقال عليّ- عليه السّلام-: يا رسول اللّه، إنّي أكره أن تقول العرب: خذل ابن عمّه وتخلّف عنه.

فقال: أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى؟

قال: بلى.

قال: فاخلفني.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن الحسن بن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام-. وذكر حديثا طويلا فيه ذكر موسى وهارون- عليهما السّلام-. وفيه: فقلت له: أخبرني عن الأحكام والقضايا  والأمر والنّهي، [أ]  كان ذلك إليهما؟

قال: كان موسى الّذي يناجي ربّه ويكتب العلم ويقضي بين بني إسرائيل، وهارون يخلفه إذا غاب من قومه للمناجاة.

و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى سليم بن قيس الهلاليّ: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- أنّه قال في أثناء كلام له في جمع من المهاجرين والأنصار في‏المسجد أيّام خلافة عثمان: أنشدكم باللّه ، أ تعلمون أنّي قلت لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- في غزوة تبوك: لم خلّفتني [مع الصبيان والنساء] ؟

فقال: إنّ المدينة لا تصلح إلّا بي أو بك. وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي؟

قالوا: اللّهم، نعم.

و في روضة الكافي ، خطبة لأمير المؤمنين- عليه السّلام-. وهي خطبة الوسيلة.

 

يقول- عليه السّلام- فيها بعد أن ذكر النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: واختصّني بوصيّته، واصطفاني بخلافته في أمّته. فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وقد حشده المهاجرون والأنصار وانعصّت بهم المحافل: أيّها النّاس، إنّ عليّا منّي، كهارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي. فعقل المؤمنون عن اللّه نطق الرّسول. إذ عرفوني أنّي لست بأخيه لأبيه وأمّه، كما كان هارون أخا موسى لأبيه وأمّه. ولا كنت نبيّا، فاقتضى نبوّة. ولكن كان ذلك منه استخلافا لي، كما استخلف موسى هارون- عليه السّلام- حيث يقول:

اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ.

وَ لَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا: لوقتنا الّذي وقّتناه.

و «اللّام» للاختصاص، أي: اختصّ بميقاتنا.

وَ كَلَّمَهُ رَبُّهُ: من غير وسط، كما يكلّم الملائكة.

قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ: بأن تمكّنني من رؤيتك. أو تتجلّى لي، فأنظر إليك وأراك.

قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ: لمّا تجلّيت عليه.

فَسَوْفَ تَرانِي: استدراك، يريد أن يبيّن به أنّه لا يطيقه.

و استدلّت الأشاعرة بهذه الآية على جواز الرّؤية من وجهين:

الأوّل، أنّ موسى طلب الرّؤية. وطلب المستحيل من الأنبياء محال، خصوصا ما يقتضي الجهل باللّه.

و الثّاني، أنّه- تعالى- علّق الرّؤية باستقرار الجبل، وهو ممكن. والمعلّق على‏

الممكن، يكون ممكنا.

و ردّ الأوّل، بأنّ سؤال موسى لقومه، وإتمام الحجّة عليهم فإنّهم اقترحوا منه أن يسأل الرّؤية، فسأل لتمام الحجّة، كما قال في الخبر.

و الثّاني، بأن المعلّق عليه استقرار الجبل بعد التّجلّي. وكونه ممكنا، غير ممكن.

فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ: ظهر له عظمته، وتصدّى له اقتداره وأمره.

و في مجمع البيان : وقيل: إنّ «تجلّى» بمعنى: جلّى، كقولهم: حدّث وتحدّث.

في تقديره: جلّى ربّه أمره للجبل، أي: أبرزه من  ملكوته للجبل ما تدكدكه به. ويؤيّده ما جاء في الخبر: أنّ اللّه- تعالى- أبرز من العرش مقدار الخنصر ، فتدكدك به الجبل.

و في علل الشرائع ، بإسناده إلى إسحاق بن غالب: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- كلام طويل. يقول فيه- عليه السّلام-: فتجلّى لخلقه من غير أن يكون يرى، وهو يرى.

جَعَلَهُ دَكًّا: مدكوكا مفتّتا.

و الدّكّ والدّق أخوان، كالشّكّ والشّقّ.

و قرأ  حمزة والكسائي: «دكّا»، أي: أرضا مستوية. ومنه: ناقة دكّاء، للّتي لا سنام لها.

و قرئ: «دكّا» أي: قطعا. و«دكّا» جمع، دكّاء.

و في تفسير العيّاشيّ : عن حفص بن غياث قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول في قوله: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً.

قال: ساخ الجبل في البحر، فهو يهوي حتّى السّاعة.

و في مجمع البيان : عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: صار الجبل ستّة أجبل.

وقعت ثلاثة بالمدينة، وهي أحد ورقان  ورضوى. وثلاثة بمكّة، وهي ثور وثبير وحراء.و في علل الشّرائع ، بإسناده إلى عمر بن عليّ: عن أبيه عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-. أنّه سئل: ممّا خلق اللّه- عزّ وجلّ- الذّرّ الّذي يدخل في كوّة البيت؟

فقال: إنّ موسى- عليه السّلام- لمّا قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قال اللّه- عزّ وجلّ-: إن استقرّ الجبل لنوري، فإنّك ستقوى  على أن تنظر إليّ. وإن لم يستقرّ، فلا تطيق إبصاري لضعفك. فلمّا تجلّى اللّه للجبل تقطّع ثلاث قطع: قطعة ارتفعت في السّماء، وقطعة ساخت في  تحت الأرض، وقطعة تفتّت . فهذا الذرّ من ذاك الغبار، غبار الجبل.

و يأتي، أنّه تقطّع فصار رميما.

وَ خَرَّ مُوسى صَعِقاً: مغشيا عليه من هول ما رأى.

فَلَمَّا أَفاقَ قالَ: تعظيما لما رأى.

سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ: من الجرأة، والإقدام على مثل هذا السّؤال.

وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ : بأنّك لا ترى.

و في مجمع البيان : عن الصّادق- عليه السّلام-: معناه: أنا أوّل من آمن بك ، وصدّق بأنّك لا ترى.

و في عيون الأخبار ، في باب ذكر مجلس الرّضا- عليه السّلام- عند المأمون في عصمة الأنبياء- عليهم السّلام-: حدّثنا الحسين بن عبد اللّه القرشيّ  قال: حدّثني أبي، عن أحمد  بن سليمان النّيشابوريّ، عن عليّ [بن محمد]  بن الجهم قال: حضرت مجلس المأمون، وعنده الرّضا- عليه السّلام-.

فقال له المأمون: يا ابن رسول اللّه، أليس من قولك: إنّ الأنبياء معصومون؟

قال: بلى.

قال: فما معنى قول اللّه- عزّ وجلّ- إلى أن قال: فما معنى قول اللّه- عزّ وجلّ-:وَ لَمَّا  جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي (الآية).

كيف يجوز أن يكون كليم اللّه، موسى بن عمران أن  لا يعلم أنّ اللّه- تعالى ذكره- لا يجوز عليه الرّؤية حتّى يسأله هذا السّؤال؟

فقال- عليه السّلام-: إنّ كليم اللّه، موسى بن عمران علم أنّ اللّه منزّه عن أن يرى بالأبصار. ولكنّه لمّا كلّمه اللّه- عزّ وجلّ- وقرّبه نجيّا، رجع إلى قومه فأخبرهم أنّ اللّه كلّمه وقرّبه وناجاه.

فقالوا: لن نؤمن لك حتّى نسمع كلامه، كما سمعته.

و كان القوم سبعمائة ألف رجل. فاختار منهم سبعين ألفا، ثمّ اختار منهم سبعة آلاف، ثمّ اختار منهم سبعمائة، ثمّ اختار منهم سبعين رجلا لميقات ربّه.

فخرج بهم إلى طور سيناء، فأقامهم في سفح الجبل. وصعد موسى- عليه السّلام- إلى الطّور، وسأل اللّه- عزّ وجلّ- أن يكلّمه ويسمعهم كلامه. فكلّمه  اللّه، وسمعوا كلامه من فوق ومن  أسفل ويمين وشمال ووراء وأمام. لأنّ اللّه- عزّ وجلّ- أحدثه في الشّجرة، ثمّ  جعله منبعثا منها حتّى سمعوه من جميع الوجوه.

فقالوا: لن نؤمن بأنّ هذا الّذي سمعناه كلام اللّه، حتّى نرى اللّه جهرة.

فلمّا قالوا هذا القول العظيم واستكبروا وعتوا، بعث اللّه عليهم صاعقة.

فأخذتهم الصّاعقة بظلمهم، فماتوا.

فقال موسى: يا ربّ، ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم وقالوا: إنّك ذهبت بهم فقتلتهم، لأنّك لم تك صادقا فيما ادّعيت من مناجاة اللّه- عزّ وجلّ- إيّاك؟

فأحياهم وبعثهم معه.

فقالوا: إنّك لو سألت اللّه أن يريك تنظر  إليه، لأجابك. فتخبرنا  كيف هو، ونعرفه حقّ معرفته.

فقال موسى: يا قوم، إنّ اللّه لا يرى بالأبصار، ولا كيفيّة له. وإنّما يعرف‏بآياته، ويعلم بأعلامه.

فقالوا: لن نؤمن لك حتّى تسأله.

فقال موسى: يا ربّ، إنّك قد سمعت مقالة بني إسرائيل، وأنت أعلم بصلاحهم.

فأوحى اللّه إليه: يا موسى، سلني ما سألوك، فلن أؤاخذك بجهلهم.

فعند ذلك قال موسى: رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ  فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ بآية من آياته جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً، فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ يقول: رجعت إلى معرفتي بك عن جهل قومي وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ منهم بأنّك لا ترى.

قال المأمون: للّه درك، يا أبا الحسن.

و في كتاب التّوحيد : عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- في حديث طويل. يقول فيه، وقد سأله رجل عمّا اشتبه عليه من الآيات: وسأل موسى- عليه السّلام- وجرى على لسانه من حمد اللّه- عزّ وجلّ- رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ. فكانت مسألته تلك أمرا عظيما وسأل أمرا جسيما، فعوقب.

فقال اللّه- تبارك وتعالى-: لَنْ تَرانِي في الدّنيا حتّى تموت فتراني في الآخرة.

و لكن إن أردت أن تراني في الّدنيا، فانظر إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي.

فأبدى اللّه- سبحانه- بعض آياته، وتجلّى ربّنا للجبل، فتقطّع الجبل فصار رميما. وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً [يعني ميّتا، فكان عقوبته الموت‏]  ثمّ أحياه اللّه وبعثه [و تاب عليه‏] . فقال: سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ، يعني: أوّل من آمن بك منهم أنّه لن يراك.

و في تفسير العيّاشيّ : عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: إنّ موسى بن عمران لمّا سأل ربّه النّظر إليه، وعده اللّه أن يقعد في موضع. ثمّ أمرالملائكة أن تمرّ عليه موكبا موكبا، بالبرق والرّعد والرّيح والصّواعق. فكلّما مرّ به موكب من المواكب، ارتعدت فرائصه. فيرفع رأسه، فيسأل: أ فيكم ربّي؟

فيجاب: هو آت، وقد سألت عظيما، يا ابن عمران.

عن أبي بصير ، عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه- عليهما السّلام- قال: لمّا سأل موسى ربّه- تبارك وتعالى-: قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ، قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي.

فلمّا صعد موسى على  الجبل، فتحت أبواب السّماء، وأقبلت الملائكة أفواجا في أيديهم العمد، وفي رأسها النّور، يمرّون به فوجا بعد فوج. يقولون: يا ابن عمران، أثبت فقد سألت أمرا عظيما.

قال: فلم يزل موسى واقفا حتّى تجلّى ربّنا- جلّ جلاله-. فجعل الجبل دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً. فلمّا أن ردّ اللّه إليه روحه وأَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ.

و في رواية : أنّ النّار أحاطت بموسى، لئلّا يهرب لهول ما رأى.

و قال: لمّا خَرَّ مُوسى صَعِقاً مات. فلمّا أن ردّ اللّه إليه روحه، أفاق فقال:

سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : في قوله: وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ.

قال: فرفع اللّه الحجاب ونظر إلى الجبل، فساخ الجبل في البحر. فهو يهوي حتّى السّاعة. ونزلت الملائكة، وفتحت أبواب السّماء.

فأوحى اللّه إلى الملائكة: أدركوا موسى لا يهرب.

فنزلت الملائكة وأحاطت بموسى، وقالت تب ، يا ابن عمران، فقد سألت اللّه عظيما.

فلمّا نظر موسى إلى الجبل قد ساخ والملائكة قد نزلت، وقع على وجهه. فمات من خشية اللّه، وهول ما رأى. فردّ اللّه- عزّ وجلّ- عليه روحه. فرفع رأسه وأفاق وقالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ، أي: أوّل من صدّق أنّك لا ترى.

و في بصائر الدّرجات : بعض أصحابنا، عن أحمد بن محمّد السّياريّ قال: وقد سمعت أنا من أحمد بن محمّد قال: حدّثني أبو محمّد، عبيد بن أبي عبد اللّه القاري أو  غيره، رفعوه إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ الكرّوبين قوم من شيعتنا من الخلق الأوّل، جعلهم اللّه خلف العرش. لو قسّم نور واحد منهم على أهل الأرض، لكفاهم.

ثمّ قال: إنّ موسى- عليه السّلام- لمّا سأل ربّه ما سأل، أمر واحدا من الكروبيّين فتجلّى للجبل فجعله دكّا.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رحمه اللّه-: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل. يقول فيه- عليه السّلام- مجيبا لبعض الزّنادقة، وقد قال: وأجده قد شهر هفوات أنبيائه بتهجينه موسى حيث قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي (الآية):

و أما هفوات الأنبياء- عليهم السّلام- وما بيّنه اللّه في كتابه، فإنّ ذلك من أدلّ  الدلائل على حكمته- عزّ وجلّ- الباهرة وقدرته القاهرة وعزّته الظّاهرة. لأنّه علم أنّ براهين الأنبياء- عليهم السّلام- تكبر في صدور أممهم، وأنّ منهم من يتّخذ بعضهم إلها، كالّذي كان من النّصارى في ابن مريم. فذلك دلالة على تخلّفهم عن الكمال الّذي انفرد به- عزّ وجلّ-.

قال في الجوامع: وقيل : في الآية وجه آخر، وهو أن يكون المراد بقوله: أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ: عرّفني نفسك تعريفا واضحا جليّا، بإظهار بعض الآيات الأخر الّتي تضطرّ الخلق إلى معرفتك. «أنظر إليك»: أعرفك معرفة ضروريّة، كأنّي أنظر إليك، كما جاء في الحديث: سترون ربّكم، كما ترون القمر ليلة البدر، بمعنى: ستعرفونه معرفة جليّة.

و هي في الجلاء، مثل إبصاركم القمر إذا امتلأ واستوى بدرا. قالَ لَنْ تَرانِي: لن تطيق معرفتي على هذه الطّريقة، ولن تحتمل قوّتك تلك الآية. لكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فإنّي أورد عليه آية من تلك الآيات. فإن ثبتت  لتجلّيها واستقرّ مكانه، فسوف تثبت‏بها  وتطيقها. فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ: فلمّا ظهرت للجبل آية من آيات ربّه، جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً لعظم ما رأى. فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ ممّا اقترحت.

وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ بعظمتك وجلالك.

و عن أمير المؤمنين - عليه السّلام-: لم تره العيون بمشاهدة الأبصار ، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان. لا يعرف بالقياس، ولا يدرك بالحواسّ، ولا يشبه بالنّاس.

موصوف بالآيات، معروف بالعلامات.

و قال - عليه السّلام-: لم أعبد  ربّا لم أره.

و في كتاب التّوحيد : عن الصّادق- عليه السّلام- أنّه سئل عن اللّه- عزّ وجلّ-:

هل يراه المؤمنون يوم القيامة؟

قال: نعم، وقد رأوه قبل يوم القيامة.

فقيل: متى؟

قال: حين قال لهم: أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قالُوا: بَلى.

ثمّ سكت ساعة. ثمّ قال: وإنّ المؤمنين ليرونه في الدّنيا قبل يوم القيامة. أ لست تراه في وقتك هذا؟

قيل: فأحدّث بهذا عنك؟

فقال: لا. فإنّك إذا حدّثت به، فأنكره منكر جاهل بمعنى ما تقوله ثمّ قدّر أنّ ذلك تشبيه، كفر. وليست الرّؤية بالقلب كالرّؤية بالعين. تعالى اللّه عمّا يصفه المشبّهون والملحدون.

أقول: ومن هذا ظهر معنى‏

قوله- عليه السّلام- في الحديث المنقول عنه- عليه السّلام- من كتاب التّوحيد: لن تراني في الدنيا حتى تموت فتراني في الآخرة

، أي: ما تراني بنهاية عظمتي في الدّنيا، ممّا يمكنك أن تراني به في الآخرة.

قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ: اخترتك.عَلَى النَّاسِ، أي: الموجودين في زمانك. وهارون، وإن كان نبيّا، كان مأمورا باتّباعه. ولم يكن كليما، ولا صاحب شرع.

بِرِسالاتِي، يعني: أسفار التّوراة.

و قرأ  ابن كثير ونافع: «برسالتي».

وَ بِكَلامِي: إيّاك.

فَخُذْ ما آتَيْتُكَ: أعطيتك من الرّسالة.

وَ كُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ : على النّعمة فيه.

نقل : أنّ سؤال الرّؤية كان يوم عرفة، وإعطاء التّوراة يوم النّحر.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عليّ بن يقطين، عن زرارة ، عن أبي عبد الّله- عليه السّلام- قال: أوحى اللّه- عزّ وجلّ- إلى موسى: أن، يا موسى، أ تدري لم اصطفيتك بكلامي دون خلقي؟

قال: يا ربّ، ولم ذاك؟

قال: فأوحى اللّه- تبارك وتعالى- إليه: يا موسى، إنّي قلّبت عبادي ظهرا لبطن، فلم أجد فيهم أحدا أذلّ لي نفسا منك. يا موسى، إنّك إذا صلّيت وضعت حدّك على التّراب. أو قال: على الأرض.

و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى محمّد بن سنان: عن إسحاق بن عمّار قال: سمعت أبا عبد الّله- عليه السّلام- يقول: إنّ موسى- عليه السّلام- احتبس عنه الوحي أربعين أو ثلاثين صباحا.

قال: فصعد على جبل بالشّام، يقال له: أريحا.

فقال: يا ربّ، إن كنت حبست عنّي وحيك وكلامك لذنوب بني إسرائيل، فغفرانك القديم.

قال: فأوحى اللّه- عزّ وجلّ- إليه أن: يا موسى بن عمران، أ تدري لم اصطفيتك لوحيي وكلامي دون خلقي؟فقال: لا علم لي، يا ربّ.

فقال: يا موسى، إنّي اطّلعت إلى خلقي اطّلاعة، فلم أجد في خلقي أشدّ تواضعا لي منك، فمن ثمّ خصصتك بوحيي وكلامي من بين خلقي.

قال: وكان موسى- عليه السّلام- إذا صلّى، لم ينفتل حتّى يلصق خدّه الأيمن بالأرض والأيسر.

وَ كَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ: ممّا يحتاجون إليه في أمر الدّين.

مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ: بدل من الجار والمجرور، أي: كتبنا كلّ شي‏ء من المواعظ وتفصيل الأحكام.

و اختلف في أنّ الألواح كانت عشرة، أو سبعة. وكانت من زمرّد، أو زبرجد، أو ياقوت أحمر، أو صخرة صمّاء لينّها اللّه لموسى فقطعها بيده أو شقّها بأصابعه وكان فيها التّوراة، أو غيرها.

و في تفسير العيّاشي : عن الصّادق- عليه السّلام-: أنّها كانت زبرجدة من الجنّة.

و في بصائر الدّرجات : عن أمير المؤمنين- عليه السّلام-: أنّها كانت [ألواح موسى‏]  من زمرّد أخضر.

و يمكن الجمع بين الرّوايتين، بأنّهما واحدة. أو كان بعضها من زبرجدة، وبعضها من زمرّد.

فَخُذْها: على إضمار القول عطفا على «كتبنا». أو بدل من قوله: فَخُذْ ما آتَيْتُكَ. و«الهاء» للألواح، أو لكلّ شي‏ء. فإنّه بمعنى: الأشياء. أو للرّسالات.

بِقُوَّةٍ: بجد وعزيمة، أي: قوّة القلب.

وَ أْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها، أي: بأحسن ما فيها، كالصّبر والعفو.

بالإضافة إلى الانتصار والاقتصاص، على طريقة النّدب والحثّ على الأفضل، كقوله- تعالى-: وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ. أو بواجباتها، فإنّ الواجب أحسن من غيره.

و يجوز أن يراد بالأحسن: البالغ في الحسن مطلقا، لا بالإضافة. وهو المأمور به،كقولهم: الصّيف أحرّ من الشّتاء.

سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ : دار فرعون وقومه بمصر خاوية على عروشها. أو منازل عاد وثمود وأضرابهم، لتعتبروا ولا تفسقوا. أو دارهم في الآخرة، وهي جهنّم.

و قرئ : «سأريكم»، بمعنى: سأبيّن لكم. من: أوريت الزّند.

و «سأورثكم». ويؤيّده قوله: «و أورثنا القوم».

و في تفسير العيّاشيّ : عن أبي حمزة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- [قال‏]  في الجفر، إنّ اللّه- عزّ وجلّ- لمّا أنزل الألواح على موسى- عليه السّلام- أنزلها عليه وفيها تبيان كلّ شي‏ء كان، أو هو كائن إلى أن تقوم السّاعة.

فلمّا انقضت أيّام موسى- عليه السّلام-، أوحى اللّه إليه: أن استودع الألواح، وهي زبرجدة من الجنّة، جبلا يقال له: زينة.

فأتى موسى الجبل، فانشقّ له الجبل، فجعل فيه الألواح ملفوفة. فلمّا جعلها فيه، انطبق الجبل عليها. فلم تزل في الجبل حتّى بعث اللّه نبيّه محمّدا- صلّى اللّه عليه وآله-.

فأقبل ركب من اليمن يريدون الرّسول- صلّى اللّه عليه وآله-. فلمّا انتهوا إلى الجبل، انفرج الجبل وخرجت الألواح ملفوفة، كما وضعها موسى- عليه السّلام-.

فأخذها القوم. فلمّا وقعت في أيديهم، ألقى [اللّه‏]  في قلوبهم [الرعب‏]  أن لا ينظروا إليها وهابوها حتّى يأتوا بها رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-. فأنزل جبرئيل على نبيّه- صلّى اللّه عليه وآله- فأخبره بأمر القوم وبالّذي أصابوه.

فلمّا قدموا على النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- [و سلّموا عليه‏]  ابتدأهم فسألهم عمّا وجدوا.

فقالوا: وما علمك بما وجدنا؟

قال: أخبرني به ربّي، وهو الألواح.

قالوا: نشهد أنّك لرسول اللّه.

فأخرجوها، فوضعوها إليه. فنظر إليها وقرأها، وكانت بالعبرانيّ. ثمّ دعا أمير المؤمنين- عليه السّلام- فقال: دونك هذه، ففيها علم الأوّلين والآخرين. وهي ألواح موسى. وقد أمرني ربّي أن أدفعها إليك.

فقال: [يا رسول اللّه‏]  لست أحسن قراءتها.

فقال: إنّ جبرئيل أمرني أن آمرك أن تضعها تحت رأسك ليلتك هذه. فإنّك تصبح وقد علمت قراءتها.

فقال: فجعلها تحت رأسه. فأصبح وقد علّمه اللّه كلّ شي‏ء فيها. فأمره رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- بنسخها في جلد [شاة] . وهو الجفر. وفيه علم الأوّلين والآخرين.

و هو عندنا، والألواح عندنا، وعصا موسى عندنا. ونحن ورثنا النّبيّين- صلّى اللّه عليهم أجمعين-.

قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام-: تلك الصّخرة الّتي حفظت ألواح موسى تحت شجرة في واد، يعرف بكذا.

و في بصائر الدّرجات : أنّ الباقر- عليه السّلام- عرّف تلك الصّخرة ليمانيّ دخل عليه.

و فيه : محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن محمّد بن عمرو ، عن عبد اللّه بن الوليد السّمان  قال: قال لي أبو جعفر- عليه السّلام-: يا عبد اللّه ما تقول الشّيعة في عليّ وموسى وعيسى؟

قلت: جعلت فداك، وعن أيّ حالات تسألني؟

قال: سألتك عن العلم. [فامّا الفضل، فهم سواء.قال: قلت: جعلت فداك، فما عسى أقول فيهم؟] .

قال: هو [- واللّه-]  أعلم منهما.

ثمّ قال: يا عبد اللّه، أليس يقولون: إنّ لعليّ ما لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- من العلم؟

قلت: نعم.

فقال: فخاصمهم فيه، أنّ اللّه قال لموسى: وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ. وعلّمنا  أنّه لم يبيّن له الأمر كلّه. وقال- تبارك وتعالى- لمحمّد- صلّى اللّه عليه وآله-: وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ .

عليّ  بن إسماعيل ، عن محمّد بن عمر الزّيّات، عن عبد اللّه بن الوليد قال:

 

قال لي أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: أيّ شي‏ء يقول الشّيعة في عيسى وموسى وأمير المؤمنين؟

قلت: يقولون: إنّ عيسى وموسى أفضل من أمير المؤمنين- عليه السّلام-.

فقال: أ تزعمون أنّ أمير المؤمنين قد علم ما علم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-؟

قلت: نعم، ولكن لا يقدّمون على أولي العزم من الرّسل أحدا.

قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: فخاصمهم بكتاب اللّه.

قلت: في أيّ موضع منه أخاصمهم؟

قال: قال اللّه [لموسى‏]  وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ علمنا  أنّه لم يكتب لموسى كلّ شي‏ء. وقال اللّه- تعالى- لعيسى: وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ . وقال- تبارك وتعالى- لمحمّد- صلّى اللّه عليه وآله-: وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ

 

و في كتاب الاحتجاج : محمّد بن أبي عمير الكوفيّ، عن عبد اللّه بن الوليد

 السّمانّ  قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: ما تقول الشّيعة  في أولي العزم وصاحبكم أمير المؤمنين؟

قال: قلت: ما يقدّمون على أولي العزم أحدا.

قال: فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- قال لموسى:

وَ كَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ مَوْعِظَةً ولم يقل: كلّ شي‏ء. وقال لعيسى - عليه السّلام-: وَلِأُبَيِّنَ  لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ  ولم يقل: كلّ شي‏ء. وقال لصاحبكم أمير المؤمنين: قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ .

و قال اللّه- عزّ وجلّ-: وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ . وعلم هذا الكتاب عنده.

سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ: المنصوبة في الآفاق والأنفس.

الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ: بالطّبع على قلوبهم. فلا يتفكّرون فيها، ولا يعتبرون بها.

و قيل : سأصرفهم عن إبطالها وإن اجتهدوا، كما فعل فرعون، فعاد عليه بإعلائها أو بإهلاكهم.

بِغَيْرِ الْحَقِّ: [صلة «يتكبّرون»] : أي: يتكبّرون بما ليس بحقّ، وهو دينهم الباطل. أو حال من فاعله.

وَ إِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ: منزلة، أو معجزة.

لا يُؤْمِنُوا بِها: لعنادهم أو اختلال عقلهم، بسبب انهماكهم في الهوى والتّقليد. وهو يؤيّد الوجه الأوّل.

في الحديث : إذا عظّمت أمّتي الدّنيا، نزعت عنها سنة  الإسلام. وإذا تركواالأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، حرمت بركة الوحي.

وَ إِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا: لاستيلاء الشّيطنة عليهم.

و قرأ  حمزة والكسائيّ: «الرّشد» بفتحتين.

و قرئ : «الرّشاد». وثلاثتها لغات، كالسّقم والسّقم والسّقام.

وَ إِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا.

في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: إذا رأوا الإيمان والصّدق والوفاء والعمل الصّالح، لا يتّخذوه سبيلا. وإن يروا الشّرك والزّنا والمعاصي، يأخذوا بها ويعملوا بها.

ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ ، أي: ذلك الصّرف، لسبب تكذيبهم وعدم تدبّرهم للآيات.

و يجوز أن ينتصب «ذلك» على المصدر، أي: سأصرف ذلك الصّرف بسببها.

وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ، أي: ولقائهم الدّار الآخرة، أو ما وعد اللّه في الآخرة.

حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ: لا ينتفعون بها.

هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ : إلّا جزاء أعمالهم.

وَ اتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ، أي: بعد ذهابه للميقات.

مِنْ حُلِيِّهِمْ: الّتي استعاروا من القبط حين همّوا بالخروج من مصر.

و إضافتها إليهم، لأنّها كانت في أيديهم أو ملكوها بعد هلاكهم. وهو جمع، حلي، كثدي وثديّ.

و قرأ  حمزة والكسائيّ، بالكسر، بالاتباع، كدلي. ويعقوب، على الإفراد.

عِجْلًا جَسَداً: بدنا ذا لحم ودم. أو جسدا من الذّهب خاليا من الرّوح.

و نصبه، على البدل.

لَهُ خُوارٌ: صوت البقر.نقل : أنّ السّامريّ لمّا صاغ العجل ألقى في فمه من تراب أثر فرس جبرئيل، فصار حيّا.

و قيل : صاغه بنوع من الحيل، فتدخل الرّيح جوفه وتصوّت. وإنّما نسب الاتّخاذ إليهم، وهو فعله، إمّا لأنّهم رضوا به. أو لأنّ المراد اتّخاذهم إيّاه إلها.

و قرئ: «جؤار»، أي: صياح.

و في تفسير العيّاشي : عن ابن مسكان، عن [الوصاف‏]  الباقر- عليه السّلام-: إنّ فيما ناجى موسى ربّه، أن قال: يا ربّ، هذا السّامريّ صنع العجل، فالخوار من صنعه؟

قال: فأوحى اللّه إليه: يا موسى، إن تلك فتنتي. فلا تفحّص  عنها.

و عن محمّد بن أبي حمزة ، عن الصّادق- عليه السّلام- قال: يا ربّ، ومن أخار الصّنم؟

فقال اللّه- تعالى-: يا موسى، أنا  أخرته.

فقال موسى: إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ.

و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى جميل بن أنس قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: أكرموا البقرة، فإنّها سيّد البهائم. ما رفعت طرفها إلى السّماء حياء من اللّه- عزّ وجلّ- منذ عبد العجل.

أَ لَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا: تقريع على فرط ضلالتهم وإخلالهم بالنّظر.

و المعنى: أ لم يروا حين اتّخذوه إلها أنّه لا يقدر على كلام ولا على إرشاد سبيل، كآحاد البشر؟ حتّى حسبوا أنّه خالق الأجسام والقوى والقدر.

اتَّخَذُوهُ: تكرير للّذمّ، أي: اتّخذوه إلها.

وَ كانُوا ظالِمِينَ : واضعين الأشياء في غير موضعها. فلم يكن اتّخاذالعجل بدعا منهم.

وَ لَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ: كناية من أن اشتدّ ندمهم. فإنّ النّادم المتحسّر يعضّ يده غمّا، فتصير يده مسقوطا فيها.

و قرئ : «سقط» على بناء الفاعل، بمعنى: وقع العضّ فيها.

و قيل : معناه: سقط النّدم في أنفسهم.

وَ رَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا: باتّخاذ العجل.

قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا: بإنزال التّوراة.

وَ يَغْفِرْ لَنا: بالتّجاوز عن الخطيئة.

لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ .

و قرأهما  حمزة والكسائي: ترحمنا وتغفر لنا بالتّاء. و«ربّنا» على النّداء.

وَ لَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً: شديد الغضب.

و قيل : حزينا.

قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي: فعلتم من بعدي، حيث عبدتم العجل.

و الخطاب للعبدة. أو قمتم مقامي، فلم تكفّوا العبدة. والخطاب لهارون والمؤمنين معه.

و «ما» نكرة موصوفة تفسّر المستكنّ في «بئس». والمخصوص بالذّمّ محذوف، تقديره: بئس خلافة خلفتمونيها بعدي خلافتكم.

و معنى «من بعدي»: من بعد انطلاقي. أو من بعد ما رأيتم منّي من التّوحيد، والتّنزيه، والحمل عليه، والكفّ عمّا ينافيه.

أَ عَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ: أ تركتموه غير تامّ، كأنّه ضمّن «عجل» معنى: سبق، فعدّى تعديته. أو أ عجلتم وعد ربّكم الّذي وعدنيه من الأربعين وقدّرتم موتي وغيّرتم بعدي، كما غيّرت الأمم بعد أنبيائهم.

وَ أَلْقَى الْأَلْواحَ: طرحها من شدّة الغضب وفرط الضّجر، حميّة للدّين.

نقل : أنّ التّوراة كانت سبعة أسباع في سبعة ألواح. فلمّا ألقاها، انكسرت.

فرفعت ستّة أسباعها، وكان فيها تفصيل كلّ شي‏ء. وبقي سبع، كان فيه المواعظو الأحكام.

و في بصائر الدّرجات : عن أمير المؤمنين- عليه السّلام-: أنّ منها ما تكسّر، ومنها ما بقي، ومنها ما ارتفع.

و عن الباقر - عليه السّلام-: أنّه عرّف يمانيّا صخرة باليمن، ثمّ قال: تلك الصّخرة الّتي [التقمت ما ذهب من التّوراة حين ألقى موسى الألواح‏] . فلمّا بعث اللّه رسوله، ردّته إليه. وهي عندنا.

و في مجمع البيان : عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: رحم اللّه أخي، موسى.

ليس المخبر، كالمعاين. لقد أخبره اللّه بفتنة قومه. ولقد عرف أنّ ما أخبره ربّه حقّ، وأنّه على ذلك لمتمسّك  بما في يديه. فرجع إلى قومه ورآهم، فغضب وألقى الألواح.

و في تفسير العيّاشي : عن الصّادق- عليه السّلام- ما في معناه.

 

وَ أَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ: بشعر رأسه.

يَجُرُّهُ إِلَيْهِ.

قيل : توهّما بأنّه قصّر في كفّهم. وهارون كان أكبر منه بثلاث سنين، وكان حمولا ليّنا. ولذلك كان أحبّ إلى بني إسرائيل.

قالَ ابْنَ أُمَّ: ذكر الأمّ ليرفقه عليه، وإلّا كانا من أب وأمّ.

في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى عليّ بن سالم: عن أبيه قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: أخبرني عن هارون، لم قال لموسى: يا ابن أمّ لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي. ولم يقل: يا ابن أبي؟

فقال: إنّ العدوان  بين الإخوة أكثرها تكون إذا كانوا بني علّات  يكون بني‏أمّهات. ومتى كانوا بني أمّ، قلّت العداوة بينهم، إلّا أن ينزغ الشّيطان بينهم فيطيعوه.

فقال هارون لأخيه موسى: يا أخي الّذي ولدته أمّي ولم تلدني غير أمّه، لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي. ولم يقل: يا ابن أبي. لأنّ بني الأب إذا كانت [من أمّهات‏]  شتّى، لم تستبعد  العداوة بينهم إلّا من عصمه اللّه منهم. وإنّما تستبعد  العداوة بين بني أمّ واحدة.

قال: قلت له: فلم أخذ برأسه يجرّه إليه وبلحيته، ولم يكن  في اتّخاذهم العجل وعبادته له ذنب؟ فقال: إنّما فعل ذلك، لأنّه لم يفارقهم لمّا فعلوا ذلك ولم يلحق بموسى. وكان إذا فارقهم، نزل بهم العذاب. ألا ترى أنّه قال لهارون: ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَ فَعَصَيْتَ أَمْرِي. قال هارون: لو فعلت ذلك لتفرّقوا ونِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي‏

.

و في روضة الكافي : عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- في خطبة الوسيلة: أنّه كان أخاه لأبيه وأمّه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، مثله عن الباقر وعن الصّادق- عليهما السّلام-.

 

و عن الباقر - عليه السّلام-: أنّ الوحي ينزل على موسى، وموسى يوحيه إلى هارون. وكان موسى الّذي يناجي ربّه، ويكتب العلم، ويقضي بين بني إسرائيل.

قال: ولم يكن لموسى ولد، وكان الولد لهارون.

و قرأ  ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر، عن عاصم، هنا وفي طه: «قال ابن أمّ» بالكسر. وأصله: يا ابن أمّي. فحذفت الياء اكتفاء بالكسرة تخفيفا، كالمنادى المضاف إلى الياء. والباقون، بالفتح، زيادة في التّخفيف لطوله. أو تشبيها بخمسة عشر.

إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي: إزالة لتوهّم التّقصير في حقّه.

و المعنى: بذلت وسعي في كفّهم، حتّى قهروني واستضعفوني، وقاربوا قتلي.في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى ابن مسعود قال: احتجّوا في مسجد الكوفة، فقالوا: ما لأمير المؤمنين- عليه السّلام- لم ينازع الثّلاثة، كما نازع طلحة والزّبير وعائشة ومعاوية.

فبلغ ذلك عليّا- عليه السّلام-. فنادى: الصّلاة الصّلاة جامعة. فلمّا اجتمعوا، صعد المنبر. فحمد اللّه وأثنى عليه. فقال: معاشر النّاس، إنّه بلغني عنكم كذا وكذا.

قالوا: صدق أمير المؤمنين، قد قلنا ذلك.

قال: إنّ لي بسنّة الأنبياء أسوة فيما فعلت. قال اللّه- تعالى- في محكم كتابه:

لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ .

قالوا: ومن هم، يا أمير المؤمنين؟

قال: أوّلهم إبراهيم- عليه السّلام- إلى أن قال: ولي بأخي هارون- عليه السّلام- إسوة، إذ قال لأخيه: يا ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي. فإن قلتم لم يستضعفوه ولم يشرفوا على قتله، فقد كفرتم. وإن قلتم: استضعفوه وأشرفوا على قتله فلذلك سكت عنهم، فالوصيّ أعذر.

و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى سلمان الفارسيّ: عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- حديث طويل. يقول فيه لعليّ- عليه السّلام-: يا أخي، إنّك ستبقى بعدي. وستلقى من قريش شدّة من تظاهرهم عليك، وظلمهم لك. فإن وجدت عليهم أعوانا، فجاهدهم وقاتل من خالفك بمن وافقك. وإن لم تجد أعوانا، فاصبر وكفّ يدك ولا تلق بها إلى التّهلكة. فإنّك منّي بمنزلة هارون من موسى. ولك بهارون إسوة حسنة، إذ استضعفه قومه وكادوا يقتلونه. فاصبر لظلم قريش إيّاك وتظاهرهم عليك. فإنّك بمنزلة هارون من موسى  ومن تبعه، وهم بمنزلة العجل ومن تبعه.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رحمه اللّه-: وفي رواية سليم بن قيس الهلاليّ:

 

عن سلمان الفارسيّ حديث طويل. وفيه قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام- لأبي بكرو أصحابه: أما واللّه، لو أنّ أولئك الأربعين رجلا الّذين بايعوني وفوا لجاهدتكم  في اللّه حقّ جهاده. أما واللّه، لا ينالها أحد من عقبكم إلى يوم القيامة. ثمّ نادى [قبل أن يبايع‏]  يا ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي.

و بإسناده  إلى محمّد بن عليّ الباقر- عليه السّلام- قال: حجّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- من المدينة. وبلغ من حجّ مع رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- من أهل المدينة وأهل الأطراف والأعراب سبعين ألف إنسان أو يزيدون، على نحو عدد أصحاب موسى- عليه السّلام- السّبعين ألف الّذين أخذ عليهم بيعة هارون- عليه السّلام-. فنكثوا، واتّبعوا العجل والسّامريّ. [و كذلك أخذ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- البيعة لعليّ- عليه السّلام- بالخلافة على عدد أصحاب موسى- عليه السّلام-. فنكثوا البيعة، واتّبعوا العجل والسّامريّ،]  سنّة بسنّة، ومثلا بمثل. والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ: فلا تفعل بين ما يشمتون بي لأجله.

وَ لا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ : معدودا في عدادهم بالمؤاخذة عليّ، أو نسبة التّقصير إليّ.

قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي: ما صنعت بأخي.

وَ لِأَخِي: إن فرّط في كفّهم. ضمّ إليه نفسه بالاستغفار ترضية له ودفعا للشّماتة عنه.

وَ أَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ: بمزيد الإنعام علينا.

وَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ : فأنت أرحم بنا منّا على أنفسنا.

إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ قيل : هو ما أمرهم به من قتل أنفسهم.

وَ ذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا.

قيل : هي خروجهم من ديارهم.

و قيل: الجزية.

وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ : على اللّه. ولا فرية أعظم من فريتهم هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى. ولعلّه لم يفتر مثلها أحد قبلهم ولا بعدهم.

في الكافي : عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمّد، عن المنقريّ، عن سفيان بن عيينة، عن السّديّ ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: ما أخلص عبد الإيمان للّه  أربعين صباحا.

أو قال: وما أجلّ  عبد ذكر اللّه أربعين يوما، إلّا أن هداه»

 اللّه في الدّنيا، وبصّره داءها ودواءها، وأثبت  الحكمة في قلبه وأنطق بها لسانه.

ثمّ تلا هذه الآية، فقال: فلا ترى صاحب بدعة إلّا ذليلا، ولا مفتريا  على اللّه وعلى رسوله وأهل بيته- صلّى اللّه عليه وآله- إلّا ذليلا.

و في تفسير العيّاشيّ : عن داود بن فرقد قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: عرضت لي  إلى اللّه حاجة، فهجّرت  فيها إلى المسجد. وبينا أنا أصلّي في الرّوضة، إذا رجل على رأسي.

قال: قلت: ممّن الرّجل؟

فقال: من أهل الكوفة.

قال: قلت: ممّن الرّجل؟

قال: من أسلم.

قال: قلت: ممّن الرّجل؟

قال: من الزيديّة.

 قال: قلت: يا أخا أسلم، من تعرف منهم؟

قال: أعرف صبورهم  ورشيدهم وأفضلهم، هارون بن سعد.

قلت: يا أخا أسلم، ذاك من  العجليّة. أما  سمعت اللّه يقول: إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا.

وَ الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ: من الكفر والمعاصي.

ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها: من بعد السّيّئات.

وَ آمَنُوا: واشتغلوا بالإيمان، وما هو مقتضاه من الأعمال الصّالحة.

إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها: من بعد التّوبة.

لَغَفُورٌ رَحِيمٌ : وإن عظم الذّنب، كجريمة عبدة العجل. وكثر، كجرائم بني إسرائيل.

وَ لَمَّا سَكَتَ: سكن. وقد قرئ  به.

عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ: باعتذار هارون، أو بتوبتهم. وفي هذا الكلام مبالغة وبلاغة، من حيث أنّه جعل الغضب الحامل له على ما فعل، كالآمر به والمغري عليه.

حتّى عبّر عن سكونه بالسّكوت.

و قرئ : «سكت» و«أسكت». على أنّ المسكّت هو اللّه، أو أخوه، أو الّذين تابوا.

أَخَذَ الْأَلْواحَ: الّتي ألقاها.

وَ فِي نُسْخَتِها: وفيما نسخ فيها، أي: كتب. فعلة، بمعنى: مفعول، كالخطبة.

و قيل : فيما نسخ منها، أي: من الألواح المنكسرة.

هُدىً: بيان للحقّ.

وَ رَحْمَةٌ: إرشاد إلى الصّلاح والخير.

لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ :دخلت اللّام على المفعول، لضعف الفعل بالتّأخير. أو حذف المفعول واللّام للتّعليل. والتقدير: يرهبون معاصي اللّه لربّهم.

و في بصائر الدّرجات : محمّد بن الحسين، عن موسى بن سعدان، عن عبد اللّه بن القاسم، عن صباح المزنيّ، عن الحارث بن حصيرة، عن حبّة [بن جوين‏]  العرنيّ قال: سمعت عليّا- عليه السّلام- يقول: إنّ يوشع بن نون كان وصيّ موسى بن عمران، وكانت ألواح موسى من زمرّد أخضر. فلمّا غضب موسى- على نبيّنا وعليه السّلام- ألقى  الألواح من يده. فمنها ما تكسّر، ومنها ما بقي، ومنها ما ارتفع.

فلمّا ذهب عن موسى الغضب، قال يوشع بن نون: عندك تبيان ما في الألواح؟

قال: نعم.

فلم يزل يتوارثها  رهط بعد رهط، حتّى وقعت في أيدي أربعة رهط من اليمن.

و بعث اللّه محمّدا- صلّى اللّه عليه وآله- [بتهامة]  وبلغهم الخبر.

فقالوا: ما يقول هذا النّبيّ؟

قيل: ينهى عن الخمر والزّنا، ويأمر بمحاسن الأخلاق وكرم الجوار.

فقالوا: هذا أولى بما في أيدينا منّا.

فاتّفقوا أن يأتوه شهر كذا وكذا.

فأوحى اللّه إلى جبرئيل- عليه السّلام-: أن ائت النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فأخبره الخبر.

فأتاه، فقال: إنّ فلانا وفلانا وفلانا وفلانا ورثوا ما كان في  ألواح موسى- عليه السّلام-. وهم يأتونك  في شهر كذا وكذا، في ليلة كذا وكذا.

فسهر لهم تلك اللّيلة.

فجاء الرّكب. فدقّوا عليه الباب، وهم يقولون: يا محمّد.قال: نعم، يا فلان بن فلان. [و]  يا فلان بن فلان. [و]  يا فلان بن فلان.

 [و]  يا فلان بن فلان. أين الكتاب الّذي توارثتموه من يوشع بن نون وصيّ موسى بن عمران؟

قالوا: نشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، وأنّك رسول اللّه. واللّه، ما علم به أحد قطّ منذ وقع عندنا أحد  قبلك.

قال: فأخذه النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- وإذا هو كتاب بالعبرانيّة دقيق، فدفعه إليّ. ووضعته عند رأسي، فأصبحت بالكتاب  وهو كتاب بالعربيّة  جليل. فيه علم ما خلق اللّه منذ قامت السّموات والأرض إلى أن تقوم السّاعة، فعلمت ذلك.

وَ اخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ: أي: من قومه. فحذف الجار، وأوصل الفعل إليه.

سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقاتِنا: سبقت قصّتهم عند سؤال الرّؤية.

فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ.

نقل : أنّه- تعالى- أمره بأن يأتيه في سبعين من بني إسرائيل. فاختار من كلّ بني سبط ستّة، فزاد اثنان.

فقال: ليتخلّف منكم رجلان. فتشاحّوا .

فقال: إنّ لمن قعد أجر من خرج.

فقعد كالب ويوشع، وذهب مع الباقين. فلمّا دنوا من الجبل، غشيه غمام.

فدخل موسى بهم [الغمام‏]  وخرّوا سجّدا. فسمعوه يكلّم موسى، يأمره وينهاه، ثمّ انكشف الغمام. فأقبلوا إليه وقالوا: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ، أي: الصّاعقة. أو رجفة الجبل، فصعقوا منها.

قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ: تمنّى هلاكهم وهلاكه قبل أن يرى ما رأى، أو بسبب آخر. أو عنى به: أنّك قدرت على إهلاكهم قبل ذلك بحمل فرعون على إهلاكهم، أو بإغراقهم في البحر وغيرها، فترّحمت عليهم بالإنقاذ. فإن‏ترّحمت عليهم مرّة أخرى، لم يبعد من عميم إحسانك.

أَ تُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا: من العناد والتّجاسر على طلب الرّؤية.

و كأنّ ذلك قاله بعضهم.

و قيل : المراد بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ: عبادة العجل.

في كتاب التّوحيد : عن الرّضا - عليه السّلام-: أنّ السّبعين لمّا صاروا معه إلى الجبل، قالوا له: إنّك قد رأيت اللّه- سبحانه-. فأرناه، كما رأيته.

فقال: إنّي لم أره.

فقالوا: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ. واحترقوا عن آخرهم وبقي موسى وحيدا.

فقال: يا ربّ، اخترت سبعين رجلا من بني إسرائيل فجئت بهم وأرجع وحدي.

فكيف يصدّقني قومي بما أخبرتهم ؟ فلو شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ، أَ تُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا. فأحياهم اللّه بعد موتهم.

و في عيون الأخبار ، ما يقرب منه، كما مرّ.

و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى سعد بن عبد اللّه القمّي: عن الحجّة القائم- عليه السّلام- حديث طويل. وفيه: قلت: فأخبرني يا مولاي عن العلّة الّتي تمنع القوم من اختيار إمام لأنفسهم.

قال: مصلح، أم مفسد؟

قلت: مصلح.

قال: فهل يجوز أن تقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحد ما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد؟

قلت: بلى.

قال: فهي العلّة. وأوردها لك ببرهان ينقاد له» عقلك. [ثمّ قال- عليه السّلام-:]  أخبرني عن الرّسل الّذين اصطفاهم اللّه- عزّ وجلّ- وأنزل عليهم الكتب  وأيّدهم بالوحي والعصمة، إذ هم أعلام الأمّم وأهدى إلى الاختيار منهم، مثل موسى وعيسى- عليهما السّلام-. هل يجوز مع وفور عقلهما وكمال علمهما، إذ همّا بالاختيار، أن تقع خيرتهما على المنافق وهما يظنّان أنه مؤمن؟

قلت: لا.

فقال: هذا موسى كليم اللّه، مع وفور عقله وكمال علمه ونزول الوحي عليه، اختار من أعيان [قومه ووجوه‏]  عسكره لميقات ربّه- عزّ وجلّ- سبعين رجلا ممّن لا يشكّ في إيمانهم وإخلاصهم، فوقعت خيرته على المنافقين. قال اللّه- عزّ وجلّ-: وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقاتِنا- إلى قوله-: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ. فلمّا وجدنا اختيار من قد اصطفاه اللّه- عزّ وجلّ- بالنّبوّة واقعا على الأفسد دون الأصلح، وهو يظنّ أنّه الأصلح دون الأفسد، علمنا أن [لا اختيار إلّا لمن يعلم ما تخفي الصدور وما تكنّ الضمائر وتتصرّف عليه السرائر، وأن لا خطر لاختيار]  المهاجرين والأنصار بعد وقوع خيرة الأنبياء على ذوي الفساد لمّا أرادوا أهل الصّلاح.

إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ: ابتلاؤك، حين أسمعتهم كلامك حتّى طمعوا في الرّؤية. أو أوجدت في العجل خوارا، فزاغوا به.

تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ: ضلاله بالتّجاوز عن حدّه، أو باتّباع المخايل.

وَ تَهْدِي مَنْ تَشاءُ: هداه، فيقوى بها إيمانه.

و في تفسير العيّاشي : عن محمّد بن أبي حمزة، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ.

فقال موسى- عليه السّلام-: يا ربّ، ومن أخار الصّنم؟

فقال اللّه: أنا يا موسى ، أخرته.

فقال موسى: إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ.عن أبي بصير ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: لمّا ناجى موسى ربّه، أوحى اللّه إليه: أن يا موسى، فتنت قومك.

قال: وبماذا، يا ربّ؟

قال: بالسّامريّ، صاغ لهم من حليّهم عجلا.

قال: ربّ، إنّ حليّهم لا تحتمل أن يصاغ منها غزال [أ]  وتمثال [أ]  وعجل.

فكيف فتنتهم؟

قال: صاغ لهم عجلا، فخار.

قال: يا ربّ، ومن أخاره؟

قال: أنا.

قال موسى: إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ.

أَنْتَ وَلِيُّنا: القائم بأمرنا.

فَاغْفِرْ لَنا: بمغفرة ما قارفنا.

وَ ارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ : تغفر السّيّئة، وتبدّلها بالحسنة.

وَ اكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً: حسن معيشة، وتوفيق طاعة.

وَ فِي الْآخِرَةِ: الجنّة.

إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ: تبنا إليك. من هاد يهود: إذا رجع.

و قرئ ، بالكسرة. من هاده يهيده: إذا أماله.

و يحتمل أن يكون مبنيّا للفاعل وللمفعول، [بمعنى: أملنا أنفسنا، أو أملنا إليك ويجوز أن يكون المضموم- أيضا- مبنيّا للمفعول‏]  منه. على لغة من يقول: عود المريض.

قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ: تعذيبه.

وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ‏ءٍ: في الدّنيا، المؤمن والكافر، بل المكلّف وغيره.و في روضة الواعظين  للمفيد- رحمه اللّه-: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: أوحى اللّه إلى داود- عليه السّلام-: يا داود، كما لا تضيق الشّمس على من جلس فيها، كذلك لا تضيق رحمتي على من دخل فيها.

و في مجمع البيان : وفي الحديث: أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قام في الصّلاة.

فقال أعرابيّ، وهو في الصّلاة: اللّهم، ارحمني ومحمّدا، [و لا ترحم معنا أحدا] .

فلمّا سلّم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قال: مهلا لك، يا أعرابيّ، تحجّرت  واسعا، يريد: رحمة اللّه- عزّ وجلّ-. أورده البخاريّ في الصّحيح.

فَسَأَكْتُبُها: فسأثبتها في الآخرة. أو فاكتبها كتبة خاصّة منكم، يا بني إسرائيل.

لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ: الكفر والمعاصي.

وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ: خصّها بالذّكر، لأنافتها. ولأنّها كانت أشقّ عليهم.

وَ الَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ : فلا يكفرون بشي‏ء منها.

الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ: مبتدأ خبره «يأمرهم». أو خبر مبتدأ، تقديره:

هم الّذين. أو بدل من «الّذين يتّقون» بدل البعض أو الكلّ. والمراد: من آمن بمحمّد- صلّى اللّه عليه وآله-. وإنّما سمّاه: رسولا، بالإضافة إلى اللّه- تعالى-. ونبيًّا، بالإضافة إلى العباد.

في الكافي  عنهما- عليهما السّلام-: «الرّسول» الّذي يظهر له الملك، فيكلّمه. و«النّبيّ» هو الّذي يرى في منامه. وربّما اجتمعت النّبوّة والرّسالة لواحد.

الْأُمِّيَّ، أي: المنسوب إلى أمّ القرى، وهي مكّة. [كذا]  في مجمع البيان ، عن الباقر- عليه السّلام-.

 و في تفسير العيّاشي : عنه- عليه السّلام- أنّه سئل: لم سمّي النّبيّ: الأمّيّ؟

قال: نسب إلى مكّة. وذلك من قول اللّه: لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها . وأمّ القرى مكّة، فقيل: أمّيّ، لذلك.

و في علل الشّرائع ، بإسناده إلى جعفر بن محمّد الصّوفيّ قال: سألت أبا جعفر محمّد بن عليّ الباقر - عليه السّلام- فقلت: يا ابن رسول اللّه، لم سمّي النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: الأمّيّ؟

فقال: ما يقول النّاس؟

قلت: يزعمون أنّه إنّما سمّي: الأمّيّ، لأنّه لم يحسن أن يكتب.

فقال: كذبوا، عليهم لعنة اللّه. أنّى ذلك واللّه يقول: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ . فكيف كان يعلّمهم ما لا يحسن؟ واللّه، لقد كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يقرأ ويكتب باثنين وسبعين- أو قال: بثلاثة وسبعين- لسانا. وإنّما سمّي: الأمّيّ، لأنّه كان من أهل مكّة، [و مكّة]  من أمّهات القرى. وذلك قول اللّه- عزّ وجلّ- لِتُنْذِرَ  أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها.

و بإسناده  إلى عليّ بن حسّان وعليّ بن أسباط وغيره، رفعوه: عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قلت: إنّ النّاس يزعمون أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- لم يكتب ولا يقرأ.

فقال: كذبوا، لعنهم اللّه. أنّى ذلك، وقد قال- عزّ وجلّ-: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ.

 [أ فيكون‏]  يعلّمهم الكتاب والحكمة وليس يحسن أن يقرأ ويكتب!؟

قال: قلت: فلم سمّي النّبيّ الأمّيّ؟قال: لأنّه نسب إلى مكّة. وذلك قول اللّه- عزّ وجلّ-: لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها. فأمّ القرى مكّة، فقيل: أمّيّ، لذلك.

و بإسناده  إلى أحمد بن محمّد بن أبي نصر: عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: كان ممّا منّ اللّه- عزّ وجلّ- على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه كان يقرأ ولا يكتب. فلمّا توجّه أبو سفيان إلى أحد، كتب العبّاس إلى النّبيّ. فجاءه الكتاب وهو في بعض حيطان المدينة، فقرأه ولم يخبر أصحابه، وأمرهم أن يدخلوا المدينة.

فلمّا دخلوا المدينة، أخبرهم.

و حدّثنا  محمّد بن الحسن الصّفّار- رضي اللّه عنه- قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد ومحمّد بن خالد البرقيّ، عن محمّد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: كان النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- يقرأ الكتاب، ولا يكتب.

أبي - رضي اللّه عنه- قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبان بن عثمان، عن الحسن بن زياد الصّيقل قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: كان ممّا منّ اللّه- عزّ وجلّ- به على نبيّه- صلّى اللّه عليه وآله- [أنّه كان‏]  أمّيّا لا يكتب ولا يقرأ الكتاب.

الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ: اسما وصفة.

في تفسير العيّاشيّ : عن الباقر- عليه السّلام- [في قوله: «يجدونه»]  يعني:

اليهود والنّصارى صفة محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- واسمه.

و في أمالي الصّدوق : عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- في حديث طويل. قال يهوديّ لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: إنّي قرأت نعتك  في التّوراة: محمّد بن عبد اللّه،

مولده بمكّة، ومهاجره بطيبة. ليس بفظّ ولا غليظ ولا سخاب  ولا مترنّن  بالفحش ولا قول الخنا. وأنا أشهد أن لا إله إلّا اللّه، وأنّك رسول اللّه. وهذا مالي، فاحكم فيه بما أنزل اللّه.

و في روضة الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- عهد إلى آدم.

- إلى أن قال-: فلمّا أنزلت  لتّوراة على موسى- عليه السّلام-، بشّر بمحمّد- صلّى اللّه عليه وآله-.

قال: فلم تزل الأنبياء تبشّر به، حتّى بعث اللّه المسيح عيسى بن مريم فبشّر بمحمّد- صلّى اللّه عليه وآله-. وذلك قوله- تعالى-: «يجدونه»، يعني: اليهود والنّصاري.

 «مكتوبا»، يعني: صفة محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-. «عندهم»، يعني: في التّوراة والإنجيل . وهو قول اللّه- عزّ وجلّ- يخبر عن عيسى: «و مبشّرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد» . وبشّر موسى وعيسى بمحمّد، كما بشّر الأنبياء- صلوات اللّه عليهم- بعضهم ببعض.

و فيه : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عمرو بن عثمان ، عن عليّ بن عيسى رفعه، قال: إنّ موسى- عليه السّلام- ناجاه ربّه- تبارك وتعالى-.

فقال له في مناجاته: أوصيك، يا موسى، وصيّة الشّفيق المشفق بابن البتول، عيسى بن مريم . ومن بعده بصاحب الجمل الأحمر، الطيّب الطّاهر المطهّر. فمثله في كتابك، أنّه [مؤمن‏]  مهيمن على الكتب كلّها، وأنّه راكع ساجد راغب راهب. إخوانه‏المساكين، وأنصاره قوم آخرون. والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في الخرائج والجرائح : عن الرّضا- عليه السّلام- حديث طويل. وفيه، فقال الرّضا- عليه السّلام-: أنت، يا جاثليق، آمن في ذمّة اللّه وذمّة رسوله. لأنّك لا يبدأك منّا شيئا يكره ممّا تخافه وتحذره.

فقال: أنا إذا آمنتني، فإنّ هذا النّبيّ اسمه أحمد. وهذا الوصيّ الّذي اسمه عليّ. وهذا البنت الّتي اسمها فاطمة. وهذان السّبطان اللّذان اسمهما الحسن والحسين، في التّوراة والإنجيل والزّبور.

و في كتاب التّوحيد، وعيون الأخبار ، في باب مجلس الرّضا- عليه السّلام- مع أصحاب الملل والمقالات. قال الرّضا- عليه السّلام- لرأس الجالوت: لتسألني أو أسألك؟

فقال: بل أسألك. ولست أقبل منك حجّة إلّا من التّوراة، أو من الإنجيل، أو من زبور داود، أو ممّا في صحف إبراهيم وموسى.

قال الرّضا- عليه السّلام-: لا تقبل منّي حجّة إلّا بما تنطق به التّوراة على لسان موسى بن عمران، والإنجيل على لسان عيسى بن مريم، والزّبور على لسان داود.

فقال رأس الجالوت: من أين تثبت  نبوّة محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-؟

قال الرّضا- عليه السّلام-: بنبوّة موسى  بن عمران، وعيسى بن مريم، وداود خليفة اللّه في الأرض.

فقال له: أثبت  قول موسى بن عمران.

قال الرّضا- عليه السّلام-: هل تعلم- يا يهوديّ- أنّ موسى أوصى بني إسرائيل فقال لهم: إنّه سيأتيكم نبيّ هو من إخوانكم، فبه فصدّقوا، ومنه فاسمعوا؟ فهل تعلم أن لبني إسرائيل إخوة غير ولد إسماعيل، إن كنت تعرف قرابة إسرائيل من إسماعيل والنّسب الّذي بينهما من قبل إبراهيم- عليه السّلام-؟

فقال رأس الجالوت: هذا قول موسى، لا ندفعه.

فقال له الرّضا- عليه السّلام-: هل جاءكم من إخوة بني إسرائيل نبيّ غير محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-؟

قال: لا.

قال الرّضا- عليه السّلام-: أ فليس قد صحّ هذا عندكم؟

قال: نعم، ولكنّي أحبّ أن تصحّحه  لي من التّوراة.

فقال له الرّضا- عليه السّلام-: هل تنكر أنّ التّوراة تقول لكم: جاء النّور من جبل طور سيناء، وأضاء للنّاس  من جبل ساعير، واستعلن علينا من جبل فاران؟

قال رأس الجالوت: أعرف هذه الكلمات، وما أعرف تفسيرها.

قال الرّضا- عليه السّلام-: أنا أخبرك به. أمّا قوله: جاء النور منا جبل طور سيناء فذلك وحي اللّه- تبارك وتعالى- الّذي أنزله على موسى على جبل طور سيناء.

و أمّا قوله: وأضاء للناس  منك جبل ساعير فهو الجبل الّذي أوحى اللّه- تعالى- إلى عيسى بن مريم، وهو عليه. وأمّا قوله: واستعلن علينا من جبل فاران فذلك جبل من جبال مكّة، بينه وبينها يوم.

و قال شعياء  النّبيّ فيما تقول أنت وأصحابك في التّوراة: رأيت راكبين أضاء لهما  الأرض: أحدهما [راكب‏]  على حمار، والآخر على جمل. فمن راكب الحمار، ومن راكب الجمل؟

قال رأس الجالوت: لا أعرفهما، فأخبرني بهما.

قال: أمّا راكب الحمار، فعيسى. وأمّا راكب الجمل، فمحمّد- صلّى اللّه عليه وآله-. أ تنكر هذا من التّوراة؟

قال: لا، ما أنكره.

قال الرّضا- عليه السّلام-: هل تعرف حيقوق النّبيّ؟

قال: نعم، إنّي به لعارف.

 [قال- عليه السّلام-: فإنّه‏]  قال وكتابكم ينطق به: جاء اللّه بالبيّنات  من‏جبل فاران، وامتلأت السّموات من تسبيح أحمد وأمّته. تحمل خيله في البحر، كما تحمل في البرّ. يأتينا بكتاب جديد بعد خراب بيت المقدس. يعني بالكتاب: القرآن.

أتعرف هذا وتؤمن به؟

قال رأس الجالوت: قد قال ذلك حيقوق [النبيّ‏] ، ولا ننكر قوله.

قال الرّضا- عليه السّلام-: وقد قال داود في زبوره، وأنت تقرأه: اللّهم ابعث مقيم السّنّة بعد الفترة. فهل تعرف نبيّا أمّام السّنّة بعد الفترة غير محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-؟

قال رأس الجالوت: هذا قول داود نعرفه ولا ننكره. ولكن عنى بذلك: عيسى.

و أيّامه هي الفترة.

قال الرّضا- عليه السّلام-: جهلت. إنّ عيسى لم يخالف السّنّة، وقد كان موافقا لسنّة التّوراة حتّى رفعه اللّه إليه. وفي الإنجيل مكتوب: إنّ ابن البرّة لذاهب، والفارقليطا جاء من بعده. وهو الّذي [يخفّف الآصار]  ويفسّر لكم كلّ شي‏ء ويشهد لي، كما شهدت له. أنا جئتكم بالأمثال، وهو يأتيكم بالتّأويل. أ تؤمن بهذا في الإنجيل؟

قال: نعم، لا أنكره.

و في كتاب التوحيد ، بإسناده إلى عبد الرّحمن بن الأسود: عن جعفر بن محمّد، عن أبيه- عليه السّلام- قال: كان لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- صديقان يهوديّان، قد آمنا بموسى رسول اللّه- صلّى اللّه على نبيّنا وعليه-. وأتيا محمّدا [رسول اللّه‏] - صلّى اللّه عليه وآله- وسمعا منه. وقد كانا قرءا التّوراة وصحف إبراهيم وموسى- عليهما السّلام-. وعلما علم الكتب الأولى.

فلما قبض اللّه- تبارك وتعالى- رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أقبلا يسألان عن صاحب الأمر بعده.

و قالا: إنّه لم يمت نبيّ قطّ إلّا وله خليفة يقوم بالأمر في أمّته من بعده، قريب القرابة إليه، من أهل بيته، عظيم القدر، جليل الشّأن.

فقال أحدهما لصاحبه: هل تعرف صاحب هذا الأمر من بعد هذا النّبيّ؟قال الآخر: لا أعلمه إلّا بالصّفة الّتي أجدها في التّوراة. وهو الأصلع المصفّر .

فإنّه كان أقرب القوم من رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.

فلمّا دخلا المدينة وسألا عن الخليفة، أرشدا إلى أبي بكر.

فلمّا نظرا إليه، قالا: ليس هذا صاحبنا. ثمّ قالا له: ما قرابتك من رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-؟

قال: إنّي رجل من عشيرته، وهو زوج ابنتي عائشة.

قالا: هل غير هذا؟

قال: لا.

قالا: ليست هذه بقرابة. فأخبرنا أين ربّك؟

قال: فوق سبع سموات.

قالا: هل غير هذا؟

قال: لا.

قالا: دلّنا على من هو أعلم منك. فإنّك لست بالرّجل الّذي نجد صفته في التّوراة، إنّه وصيّ هذا النّبيّ وخليفته.

 [قال: فتغيّظ من قولهما وهمّ بهما] . ثمّ أرشدهما إلى عمر. [و ذلك أنّه عرف من عمر أنّهما إن استقبلاه بشي‏ء، بطش بهما] .

فلمّا أتياه، قالا: ما قرابتك من هذا النّبيّ؟

قال: أنا من عشيرته، وهو زوج ابنتي حفصة.

قالا: هل غير ذلك؟

قال: لا.

قالا: ليست بقرابة، وليست هذه الصّفة الّتي نجدها في التّوراة.

ثمّ قالا له: فأين ربّك؟

قال: فوق سبع سموات.

قالا: هل غير هذا؟قال: لا.

قالا: دلّنا على من هو أعلم منك.

فأرشدهما إلى عليّ- عليه السّلام-.

فلمّا جاءاه فنظرا إليه، قال أحدهما لصاحبه: إنّه الرّجل الّذي نجد صفته في التّوراة. إنّه وصيّ هذا النّبيّ، وخليفته، وزوج بنته، وأبو السّبطين، والقائم بالحقّ من بعده.

ثمّ قالا لعليّ- عليه السّلام-: أيّها الرّجل، ما قرابتك من رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-؟

قال: هو أخي، وأنا وارثه ووصيّه، أوّل من آمن به، وزوج ابنته فاطمة.

قالا له: هذه القرابة الفاخرة، والمنزلة القريبة. وهذه الصّفة الّتي نجدها في التّوراة.

قال اليهوديّان: فما منع صاحبيك أن يكونا جعلاك في موضعك الّذي أنت أهله؟ فو الّذي أنزل التّوراة على موسى، إنّك لأنت الخليفة حقّا. نجد صفتك في كتبنا، ونقرأه في كنائسنا .

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن حريز، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: نزلت هذه الآية في اليهود والنّصارى. يقول اللّه- تبارك وتعالى-: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ، يعني: رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-. كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ  لأنّ اللّه- عزّ وجلّ- قد أنزل عليهم في التّوراة والإنجيل والزّبور صفة محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-، وصفة أصحابه، ومبعثه، ومهاجره.

و هو قوله- تعالى-: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ، تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً، سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ، ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ . فهذه صفة رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- في التّوراة والإنجيل، وصفة أصحابه.

فلمّا بعثه اللّه- عزّ وجلّ- عرفه أهل الكتاب، كما قال- جلّ جلاله-:فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ .

يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ: ممّا حرّم عليهم، كالشّحوم.

وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ، كالدّم ولحم الخنزير. أو، كالرّبا والرّشوة.

وَ يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ: ويخفّف عليهم ما كلّفوا به من التّكاليف الشّاقة، كتعيين القصاص في العمد والخطأ، وقطع الأعضاء الخاطئة، وقرض موضع النّجاسة.

و أصل الإصر: الثّقل الّذي يأصر صاحبه، أي: يحبسه من الحراك لثقله.

و قرأ  ابن عامر: «إصارهم».

فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ: عظّموه بالتّقوى.

و قرئ ، بالتّخفيف. وأصله: المنع. ومنه: التّعزير.

وَ نَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ، أي: مع نبوّته.

قيل : يعني: القرآن. وإنّما سمّاه: نورا، لأنّه بإعجازه ظاهر أمره مظهر غيره.

أو لأنّه كاشف الحقائق مظهر لها.

و يجوز أن يكون معه متعلّقا «باتّبعوا»، أي: واتّبعوا النّور المنزل مع اتّباع النّبيّ.

فيكون إشارة إلى اتّباع الكتاب والسّنّة.

و في تفسير العيّاشيّ : عن أبي بصير، عن الباقر- عليه السّلام-: «النّور» عليّ- عليه السّلام-.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، بإسناده إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: «النّور» في هذا الموضع عليّ [أمير المؤمنين‏]  والأئمّة- عليهم السّلام-.

أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ : الفائزون بالرّحمة الأبديّة. ومضمون الآية جواب دعاء موسى- عليه السّلام-.و في تأويل هذه الآية،

روى في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن حمّاد بن عثمان، عن أبي عبيدة الحذّاء قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن الاستطاعة وقول النّاس. فقال- وتلا هذه الآية وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ -: يا أبا عبيدة الناس مختلفون في إصابة القول وكلّهم هالك.

قال: قلت: قوله إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ؟

قال: هم شيعتنا ولرحمته خلقهم. وهو قوله وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ، يقول: لطاعة الامام، الرحمة التي يقول: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ‏ءٍ، يقول: علم الإمام ووسع علمه الذي هو من علمه كلّ شي‏ء هم شيعتنا.

ثمّ قال: فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ، يعني: ولاية غير الامام وطاعته.

ثمّ قال: يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ، يعني: النّبيّ والوصيّ والقائم. يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ إذا قام. وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ. [و المنكر]  من أنكر فضل الإمام وجحده. وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ أخذ العلم من أهله. وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ والخبائث، قول من خالف. وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وهي الذّنوب الّتي كانوا فيها قبل معرفتهم فضل الإمام. وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ والأغلال، ما كانوا يقولون ممّا لم يكونوا أمروا به من ترك فضل الإمام. فلمّا عرفوا فضل الإمام، وضع عنهم إصرهم. والإصر: الذّنب. وهي الإصار.

ثمّ نسبهم فقال: فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ، يعني: النّبيّ . وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ وهو أمير المؤمنين والأئمّة- عليهم السّلام- . أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.

محمّد بن يحيى  ومحمّد بن عبد اللّه [عن عبد اللّه‏]  بن جعفر، عن الحسن بن‏

 ظريف  وعليّ بن محمّد، عن صالح بن أبي حمّاد، عن بكر بن صالح، عن عبد الرّحمن بن سالم، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-: أنّ أبا جعفر- عليه السّلام- قرأ اللّوح الّذي أهداه اللّه إلى رسوله- صلّى اللّه عليه وآله-. الّذي فيه اسم النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- وأسماء الأئمّة- عليهم السّلام-.

في آخره، بعد أن ذكر عليّ بن محمّد- عليهما السّلام-: أخرج منه الدّاعي إلى سبيلي، والخازن لعلمي الحسن، وأكمل ذلك بابنه «م ح م د» رحمة للعالمين. عليه كمال موسى، وبهاء عيسى، وصبر أيّوب. فيذلّ أوليائي في زمانه، وتتهادى رؤوسهم، كما تتهادى رؤوس الدّيلم والتّرك. فيقتلون ويحرّقون، ويكونون خائفين مرعوبين وجلين.

تصبغ الأرض بدمائهم، ويفشوا الويل والرّنّة  في نسائهم. أولئك أوليائي حقّا. بهم أدفع  كلّ فتنة عمياء حندس ،  وبهم أكشف الزّلازل وأرفع  الآصار والأغلال.

أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ، وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ .

قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ: الخطاب عام. وكان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- مبعوثا إلى كافّة الثّقلين، وسائر الرّسل إلى أقوامهم.

جَمِيعاً: حال من «إليكم».

في أمالي الصّدوق : عن الحسن المجتبى- عليه السّلام- قال: جاء نفر من اليهود إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.

فقالوا: يا محمّد، أنت الّذي تزعم أنّك رسول اللّه، وأنّك الّذي يوحى إليك، كما أوحي  إلى موسى.

فسكت النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- ساعة. ثمّ قال: نعم، أنا سيّد ولد آدم ولا فخر. وأنا خاتم النّبيّين، وإمام المتّقين، ورسول ربّ العالمين.

قالوا: إلى من، إلى العرب أم إلى العجم أم إلينا؟فأنزل اللّه هذه الآية.

الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ: صفة للّه، وإن حيل بينهما بما هو متعلّق المضاف إليه، لأنّه، كالمتقدّم عليه.

أو مدح منصوب، أو مرفوع.

أو مبتدأ خبره لا إِلهَ إِلَّا هُوَ.

و هو على الوجوه الأول بيان لما قبله. فإنّ من ملك العالم، كان هو الإله لا غيره.

و في يُحيِي وَيُمِيتُ: مزيد تقدير لاختصاصه بالألوهيّة.

فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ: ما أنزل عليه، وعلى سائر الرّسل من كتبه ووحيه.

و قرئ  «و كلمته» على إرادة الجنس أو القرآن، أو عيسى. تعريضا لليهود، وتنبيها على أنّ من لم يؤمن به لم يعتبر إيمانه. وإنّما عدل عن التّكلم إلى الغيبة، لإجراء هذه الصّفات الدّاعية إلى الإيمان والاتّباع له.

وَ اتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ : جعل رجاء الاهتداء أثر الأمرين، تنبيها على أنّ من صدّقه ولم يتابعه بالتزام شرعه فهو يعدّ في خطط الضّلالة.

وَ مِنْ قَوْمِ مُوسى، يعني: بني إسرائيل.

أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ: يهدون النّاس محقّين، أو بكلمة الحقّ.

وَ بِهِ: وبالحقّ.

يَعْدِلُونَ : بينهم في الحكم.

قيل : هم مؤمنو أهل الكتاب.

و قيل: المراد بها: الثّابتون على الإيمان، القائمون بالحقّ من أهل زمانه. أتبع ذكرهم ذكر أضدادهم على ما هو عادة القرآن، تنبيها على أنّ تعارض الخير والشّرّ وتزاحم أهل الحقّ والباطل أمر مستمرّ.

و في تفسير العيّاشيّ : عن عبد اللّه بن سنان، عن الصّادق- عليه السّلام- في هذه الآية: قوم موسى، هم أهل الإسلام.

و قيل : قوم وراء الصّين. رآهم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ليلة المعراج، فآمنوا به.

عن المفضّل بن عمر ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إذا قام قائم آل محمّد، استخرج من ظهر الكعبة سبعة وعشرين رجلا، خمسة عشر من القوم الّذين يهدون  بالحقّ وبه يعدلون، وسبعة من أصحاب الكهف، ويوشع وصيّ موسى، ومؤمن آل فرعون، وسلمان الفارسيّ- رضي اللّه عنه-، وأبا دجانة الأنصاريّ، ومالك الأشتر.

عن أبي الصّهبان  البكريّ  قال: سمعت عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- ودعا رأس الجالوت وأسقف النّصارى فقال: إنّي سائلكما  عن أمر وأنا أعلم به منكما [فلا تكتماني‏] . يا رأس الجالوت، بالّذي أنزل التّوراة على موسى، وأطعمكم المنّ والسّلوى، وضرب لكم في البحر طريقا [يبسا] ، وفجّر لكم من الحجر الطّوريّ أثنتي عشرة  عينا لكلّ سبط من بني إسرائيل عينا، إلّا ما أخبرتني، على كم افترقت بنو إسرائيل بعد موسى؟

فقال: [لا و]  فرقة واحدة.

فقال: كذبت. والّذي لا إله غيره، لقد افترقت على إحدى وسبعين فرقة، كلّها في النّار إلّا واحدة. فإنّ اللّه يقول: وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ [فهذه الّتي تنجو] .

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-. وقال بعده، وبهذا الإسناد قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول وسئل عن الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، أ واجب هو على الأمّةجميعا؟

فقال: لا.

فقلت له: ولم؟

قال: إنّما هو على القويّ المطاع، العالم بالمعروف من المنكر. لا على الضّعيف الّذي لا يهتدي سبيلا إلى أيّ من أيّ، يقول من الحقّ إلى الباطل. والدّليل على ذلك كتاب اللّه- تعالى- [قوله: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ . فهذا خاصّ غير عامّ، كما قال اللّه- تعالى-:]  وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ. ولم يقل: على أمّة موسى، ولا على كلّ قوم. وهم يومئذ أمم مختلفة. والأمّة واحدة فصاعدا، كما قال اللّه- تعالى-: إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ . يقول: مطيعا للّه والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في مجمع البيان : عن الباقر- عليه السّلام-: أنّ هذه الأمّة قوم من وراء الصّين.

بينهم وبين الصّين واد جار من الرّمل، لم يغيّروا ولم يبدّلوا.

 [قالوا و]  ليس لأحد منهم مال دون صاحبه. يمطرون باللّيل، ويضحون بالنّهار، ويزرعون. لا يصل إليهم منّا أحد، ولا منهم إلينا. وهم على الحقّ.

قال : وقيل : إنّ جبرئيل انطلق بالنّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- ليلة المعراج إليهم. فقرأ عليهم من القرآن عشر سور نزلت بمكّة، فآمنوا به وصدّقوه. وأمرهم أن يقيموا مكانهم، ويتركوا السّبت. وأمرهم بالصّلاة والزّكاة، ولم يكن نزلت فريضة غيرهما، ففعلوا.

قال : وروى أصحابنا، أنّهم يخرجون مع قائم آل محمّد- عليهم السّلام-.

و روي: أنّ ذا القرنين رآهم. قال: لو أمرت بالمقام، ليسرّني أن أقيم بين أظهركم».و يمكن الجمع بين الرّوايتين، بالحمل على عموم الفريقين.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رحمه اللّه-، بإسناده إلى الإمام محمّد بن عليّ الباقر- عليه السّلام-: عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- حديث طويل في خطبة الغدير.

 

و فيها: معاشر النّاس، أنا الصّراط المستقيم، الّذي أمركم اللّه باتّباعه. ثمّ عليّ من بعدي. ثمّ ولدي من صلبه، أئمّة يهدون بالحقّ وبه يعدلون.

و فيه : عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل. وفيه: لم يخل أرضه من عالم بما يحتاج الخليقة إليه ومعلّم  على سبيل النّجاة. أولئك هم الأقلّون عددا. وقد بيّن اللّه ذلك من أمم الأنبياء، وجعلهم مثلا لمن تأخّر، مثل قوله فيمن آمن من قوم  موسى:

وَ مِنْ قَوْمِ  مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ.

وَ قَطَّعْناهُمُ: وصيّرناهم قطعا متميّزا، بعضهم عن بعض.

اثْنَتَيْ عَشْرَةَ: مفعول ثان «لقطّع»، فإنّه متضمّن معنى: صيّر. أو حال، وتأنيثه للحمل على الأمّة أو القطعة.

أَسْباطاً: بدل منه، ولذلك جمع. أو تمييز له، على أنّ كلّ واحدة من اثنتي عشرة أسباط. أو كأنّه قيل: اثنتي عشرة قبيلة.

و قرئ : بكسر السّين . وإسكانها.

و الأسباط: أولاد الأولاد.

و الأسباط في ولد يعقوب، بمنزلة القبائل في ولد إسماعيل.

و في كتاب التّوحيد : عن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن الحسن بن جعفر بن الحسن [بن الحسن‏]  بن عليّ قال: سألت عليّ بن موسى بن جعفر- عليهم السّلام- عمّا يقال في بني الأفطس.

فقال: إنّ اللّه أخرج من بني إسرائيل، وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم- عليه السّلام- اثني عشر سبطا، [و جعل فيهم النّبوّة والكتاب‏] . وأنشر من الحسن والحسين‏ابني أمير المؤمنين لفاطمة بنت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- اثني عشر سبطا.

ثمّ عدّد الاثني عشر من ولد إسرائيل فقال: زيلون  بن يعقوب، وشمعون بن يعقوب، ويهودا بن يعقوب، [و يشاجر بن يعقوب‏]  وريكون  بن يعقوب، ويوسف بن يعقوب، وبنيامين بن يعقوب، ونشاحن  بن يعقوب، وتفشال بن يعقوب ، وداني  بن يعقوب. وسقط عن [أبي‏]  الحسن النّسابة ثلاثة منهم.

ثمّ عدّد الاثني عشر من ولد الحسن والحسين- عليهما السّلام- فقال: وأمّا الحسن، فانتشر منه ستّة أبطن: بنو الحسن بن زيد بن الحسن بن عليّ، وبنو عبد اللّه بن الحسن بن الحسن بن عليّ، وبنو إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن عليّ، وبنو الحسن بن الحسن بن عليّ، وبنو داود بن الحسن بن الحسن بن عليّ، وبنو جعفر بن الحسن بن الحسن بن عليّ. فعقب الحسن- عليه السّلام- من هذه السّتّة الأبطن.

ثمّ عدّ بني الحسين- عليه السّلام- فقال: بنو محمّد بن عليّ الباقر بن عليّ بن الحسين بن عليّ ، وبنو عبد اللّه الباهر  بن عليّ، وبنو زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ، وبنو الحسين  بن عليّ بن الحسين بن [عليّ، وبنو عمر بن عليّ بن الحسين بن عليّ، وبنو عليّ [بن عليّ‏]  بن الحسين بن‏]  عليّ. فهؤلاء السّتّة الأبطن نشر اللّه منهم ولد الحسين  بن عليّ- عليهما السّلام-.أُمَماً: على الأوّل، بدل بعد بدل، أو نعت «أسباط». وعلى الثّاني، بدل من «أسباط».

وَ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ: في التّيه.

أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ، أي: فضرب، فانبجست. [و حذفه للايماء على‏]  أنّ موسى لم يتوقّف في الامتثال، وأنّ ضربه لم يكن مؤثّرا يتوقّف عليه الفعل في ذاته.

مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ: سبط.

مَشْرَبَهُمْ، وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ: ليقيهم حرّ الشّمس.

وَ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا، أي: وقلنا لهم: كلوا.

مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ :

مضى تفسيره في سورة البقرة.

و في أصول الكافي : عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابنا، عن ابن محبوب، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن الماضي- عليه السّلام- أنّه قال في قول اللّه- عزّ وجلّ-:

وَ ما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ.

فقال: إنّ اللّه أعزّ وأمنع من أن يظلم، أو ينسب نفسه إلى ظلم. ولكنّ اللّه خلطنا بنفسه، فجعل ظلمنا ظلمه، وولايتنا ولايته. ثمّ أنزل بذلك قرآنا على نبيّه، فقال: وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ. والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

بعض أصحابنا ، عن محمّد بن أبي عبد اللّه، عن عبد الوهّاب بن بشر، عن موسى بن قادم، عن سليمان، عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ.

قال: إنّ اللّه أعظم وأعزّ وأجلّ وأمنع من أن يظلم. ولكنّه خلطنا بنفسه، فجعل ظلمنا ظلمه، وولايتنا ولايته. حيث يقول: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا

 

  [يعني الأئمّة منّا] . والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في كتاب الاحتجاج  للطبرسيّ- رحمه اللّه-: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل. وفيه: وأمّا قوله: وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ فهو- تبارك وتعالى اسمه- أجلّ وأعظم من أن يظلم. ولكنّه قرن أمناءه على خلقه بنفسه، وعرّف الخليقة جلالة قدرهم عنده، وأنّ ظلمهم ظلمه [بقوله:]  «و ما ظلمونا» ببغضهم أولياءنا وبمعونة أعدائهم عليهم وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ، إذ حرموها الجنّة وأوجبوا عليها خلود النّار.