سورة الأعراف الآية 161-180

وَ إِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ: بإضمار «اذكر».

و «القرية» بيت المقدس.

وَ كُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً.

قيل : معناه مثل ما [مرّ]  في البقرة. غير أنّ قوله: «فكلوا منها» بالفاء، أفاد تسبّب سكناهم للأكل منها. ولم يتعرّض له ها هنا اكتفاء بذكره ثمّة، أو بدلالة الحال عليه. وأمّا تقديم «قولوا» على «و ادخلوا» فلا أثر له في المعنى، لأنّه لا يوجب التّرتيب.

و كذا «الواو» العاطفة بينهما.

نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ، سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ : وعد بالغفران، والزّيادة عليه بالإثابة. وإنّما أخرج الثّاني مخرج الاستئناف، للدّلالة على أنّه تفضّل محض ليس في مقابلة ما أمروا به.

و قرأ  نافع وابن عامر ويعقوب: «تغفر» بالتّاء والبناء للمفعول. و«خطيئاتكم» بالرّفع والجمع. غير ابن عامر، فإنّه وحّد.

و قرأ  أبو عمر: «و خطاياكم».فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَظْلِمُونَ : مرّ تفسيرها فيها.

وَ سْئَلْهُمْ: سؤال تقريع بتقديم كفرهم وعصيانهم، إعلاما بما هو من علومهم الّتي لا تعلم إلّا بتعليم أو وحي. ليكون ذلك معجزة عليهم.

عَنِ الْقَرْيَةِ: عن خبرها، وما وقع بأهلها.

الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ: قريبة منه.

قيل : هي إيلة، قرية بين مدين والطّور على شاطى البحر.

و قيل : مدين.

و قيل : طبريّة.

إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ: يتجاوزون حدود اللّه، بالصّيد يوم السّبت.

و «إذ» ظرف «لكانت» أو «حاضرة». أو للمضاف المحذوف، أو بدل منه بدل الاشتمال.

إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ: ظرف «ليعدون»، أو بدل منه.

و قرئ  «يعدون». وأصله: يعتدون. ويعدّون من الإعداد، أي: يعدّون آلات الصّيد يوم السّبت، وقد نهوا أن يشتغلوا فيه بغير العبادة.

يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً: يوم تعظيمهم أمر سبتهم. مصدر سبتت اليهود: إذا عظّمت سبتها بالتّجرّد للعبادة.

و «الشرع» جمع، شارع. من شرع عليه: إذا دنا منه وأشرف، أي: ظاهره على وجه الماء.

و قيل : السّبت اسم لليوم، والإضافة لاختصاصهم بأحكام فيه. ويؤكد الأوّل أن قرئ: «يوم إسباتهم». وقوله: وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ.

و قرئ : «لا يسبتون» من أسبت. و«لا يسبتون» على البناء للمفعول، بمعنى:

لا يدخلون في السّبت.

كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ ، أي: مثل ذلك البلاء الشديد نبلوهم بسبب فسقهم.و قيل : «كذلك» متّصل بما قبله، أي: لا تأتيهم مثل إتيانهم يوم السّبت.

و الباء متعلّقه «بيعدون».

وَ إِذْ قالَتْ: عطف على «إذ يعدون».

أُمَّةٌ مِنْهُمْ: جماعة من أهل القرية، يعني: صلحاءهم الّذين اجتهدوا في موعظتهم، حتّى أيسوا من إيقاظهم.

لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ: محترمهم في الدّنيا.

أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً: في الآخرة، لتماديهم في العصيان. قالوه مبالغة في أنّ الموعظة لا تنفع فيهم، أو سؤالا عن علّة الوعظ ونفعه وكأنّه تقاول بينهم، أو قول من ارعوى  من الوعظ لمن لم يرعو منهم.

و قيل : المراد طائفة من الفرقة الهالكة أجابوا به وعّاظهم ردّا عليهم، وتهكّما بهم.

قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ: جواب للسّؤال، أي: موعظتنا إنهاء عذر إلى اللّه- تعالى- حتّى لا تنسب إلى تفريط في النّهي عن المنكر.

و قرأ  حفص: «معذرة» بالنّصب على المصدر أو العلّة، أي: اعتذرنا به معذرة أو وعظهم معذرة.

وَ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ : إذ اليأس لا يحصل إلّا بالهلاك.

فَلَمَّا نَسُوا: تركوا ترك النّاسي.

ما ذُكِّرُوا بِهِ: ما ذكّرهم به الواعظون.

أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا: بالاعتداء ومخالفة أمر اللّه.

بِعَذابٍ بَئِيسٍ: شديد. فعيل، من بؤس يبأس بأسا: إذا اشتدّ.

و قرأ  أبو بكر: «بيئس» على فيعل، كضيغم.

و ابن عامر: «بئس» بكسر الباء وسكون الهمزة، على أنّه «بيس»، كحذر،كما قرئ به، فخفّف عينه بنقل حركتها إلى الفاء، ككبد في كبد.

و نافع: «بيس» على قلب الهمزة ياء، كما قلبت في ذئب. أو على أنّه فعل الذّم وصف به، فجعل اسما.

و قرئ : «بيّس»، كريّس، على قلب الهمزة ياء ثمّ إدغامها. و«بيس» على التّخفيف للبيس، كهين، وبائس.

بِما كانُوا يَفْسُقُونَ : بسبب فسقهم.

فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ: تكبّروا عن ترك ما نهوا عنه، كقوله: «و عتوا عن أمر ربّهم». أو تكبّروا عن النّهي.

قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ : مطرودين مبعدين من كلّ خير، كقوله: إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْ‏ءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ.

قيل : الظّاهر يقتضي أنّ اللّه- تعالى- عذّبهم أوّلا بعذاب شديد، فعتوا بعد ذلك، فمسخهم.

و يجوز أن تكون الآية الثّانية تقريرا وتفصيلا للأولى.

و عن مجاهد: مسخت قلوبهم، لا أبدانهم.

و في تفسير الإمام  في سورة البقرة عند قوله: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ.

قال عليّ بن الحسين- عليهما السّلام-: كان هؤلاء قوم يسكنون على شاطئ بحر، نهاهم اللّه وأنبياؤه عن اصطياد السّمك في يوم السّبت. فتوصّلوا إلى حيلة، ليحلّوا بها لأنفسهم ما حرّم اللّه. فخدّوا أخاديد وعملوا طرقا تؤدّي إلى حياض تتهيّأ للحيتان الدّخول فيها من تلك الطّرق، ولا يتهيّأ لها الخروج إذا همّت بالرّجوع [منها إلى اللّجج‏]  فجاءت الحيتان يوم السّبت جارية على أمان لها، فدخلت الأخاديد وحصلت في الحياض والغدران.

فلمّا كانت عشيّة اليوم، همّت بالرّجوع منها إلى اللّجج لتأمن من صائدها.فرامت الرّجوع فلم تقدر. وبقيت ليلها في مكان يتهيّأ أخذها [يوم الأحد]  بلا اصطياد، لاسترسالها فيه وعجزها عن الامتناع لمنع المكان لها. فكانوا يأخذونها يوم الأحد، ويقولون: ما اصطدنا في السّبت، بل اصطدنا في الأحد. وكذب أعداء اللّه، بل كانوا آخذين لها بأخاديدهم الّتي عملوها يوم السّبت. حتّى كثر من ذلك مالهم وشراؤهم، وتنعّموا»

 بالنّساء وغيرهم لاتّساع أيديهم به.

و كانوا في المدينة نيفا وثمانين ألفا، فعل هذا منهم سبعون ألفا وأنكر عليهم الباقون، كما قصّ اللّه: وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ (الآية).

و ذلك أنّ طائفة منهم وعظوهم وزجروهم، ومن عذاب اللّه- تعالى- خوّفوهم، ومن انتقامه وشدائد بأسه حذّروهم.

فأجابوهم عن وعظهم: لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ بذنوبهم هلاك الاصطلام، أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً. أجابوا القائلين لهم هذا: مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ.

هذا القول منا لهم معذرة إلى ربّكم، إذ كلّفنا الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر. فنحن ننهى عن المنكر، ليعلم ربّنا مخالفتنا لهم وكراهتنا لفعلهم. قالوا: وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ.

و نعظهم - أيضا- لعلّهم تنجع فيهم المواعظ، فيتّقوا هذه الموبقة ويحذروها عقوبتها.

قال اللّه- عزّ وجلّ-: «فلمّا عتوا» حادوا وأعرضوا وتكبّروا عن قبول الزّجر عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ. مبعدين من الخير، مقصين .

فلمّا نظر العشرة آلاف والنّيف أنّ السّبعين ألفا لا يقبلون مواعظهم ولا يخافون بتخويفهم إيّاهم وتحذيرهم لهم، اعتزلوهم إلى قرية [أخرى قريبة]  من قريتهم. وقالوا:

نكره أن ينزل بهم عذاب ونحن في خلالهم.

فأمسوا ليلة، فمسخهم اللّه كلّهم قردة. وبقي باب المدينة مغلقا لا يخرج منه أحد، ولا يدخله أحد. وتسامع بذلك أهل القرى، فقصدوهم وتسلّقوا حيطان البلد.

فاطّلعوا عليهم، فإذا هم كلّهم رجالهم ونساؤهم قردة يموج بعضهم في بعض. يعرف هؤلاء النّاظرين معارفهم وقراباتهم وخلطاءهم، يقول المطّلع لبعضهم: أنت فلان، أنت فلانة.

فتدمع عينه ويؤمئ برأسه، أو بفمه  بلا ونعم. فما زالوا كذلك ثلاثة أيّام، ثمّ بعث اللّه- تعالى- عليهم مطرا وريحا فجرفهم إلى البحر. وما بقي مسخ بعد ثلاثة أيّام. وإنّما الّذين ترون من هذه المصوّرات بصورها، فإنّما هي أشباهها لا هي بأعيانها ولا من نسلها.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن أبي عبيدة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: وجدنا في كتاب عليّ- عليه السّلام- أنّ قوما من أهل إيلة من ثمود، وأنّ الحيتان كانت سيقت إليهم يوم السّبت ليختبر اللّه طاعتهم في ذلك. فشرعت إليهم يوم سبتهم في ناديهم وقدّام أبوابهم في أنهارهم وسواقيهم، فبادروا إليها فأخذوا يصطادونها.

فلبثوا في ذلك ما شاء اللّه، لا ينهاهم عنها الأحبار ولا يمنعهم العلماء من صيدها. ثمّ إنّ الشّيطان أوحى إلى طائفة منهم: إنّما نهيتم عن أكلها يوم السّبت ولم تنهوا عن صيدها. فاصطادوها يوم السّبت، وأكلوها فيما سوى ذلك من الأيّام.

فقالت طائفة منهم: الآن نصطادها. فعتت.

و انحازت طائفة أخرى منهم ذات اليمين، فقالوا: ننهاكم من عقوبة اللّه أن تتعرّضوا لخلاف أمره.

و اعتزلت طائفة منهم ذات الشّمال ، فسكتت فلم تعظهم، فقالت للطّائفة الّتي وعظتهم: لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً.

فقالت الطّائفة الّتي وعظتهم: مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ.

قال: فقال اللّه- تعالى-: فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ، يعني: لمّا تركوا ما وعظوا به، مضوا على الخطيئة.

فقالت الطّائفة الّتي وعظتهم: لا واللّه، لا نجامعكم ولا نبايتكم اللّيلة في مدينتكم هذه الّتي عصيتم اللّه فيها، مخافة أن ينزل بكم البلاء فيعمّنا معكم.

قال: فخرجوا عنهم من المدينة، مخافة أن يصيبهم البلاء. فنزلوا قريبا من المدينة، فباتوا تحت السّماء. فلمّا أصبح أولياء اللّه المطيعون لأمر اللّه- تعالى-، غدوالينظروا ما حال أهل المعصية. فأتوا باب المدينة، فإذا هو مصمت. فدقّوه، فلم يجابوا ولم يسمعوا منها حسّ أحد . فوضعوا سلّما على سور المدينة، ثمّ أصعدوا رجلا منهم.

فأشرف على المدينة فنظر، فإذا هو بالقوم قردة يتعاوون، [لها أذناب‏] .

فقال الرّجل لأصحابه: يا قوم، [أرى واللّه‏]  عجبا.

قالوا: وما ترى؟

قالوا: أرى القوم [قد صاروا]  قردة [يتعاوون لها أذناب‏] .

فكسروا الباب ودخلوا المدينة .

قال: فعرفت القردة أنسابها من الإنس، ولم تعرف الإنس أنسابها من القردة.

فقال القوم للقردة: ألم ننهكم؟

قال: فقال عليّ- عليه السّلام-: واللّه الّذي خلق الحبّة وبرأ النّسمة، إنّي لأعرف أنسابها من هذه الأمّة. لا ينكرون ولا يغيّرون، بل تركوا ما أمروا به فتفرّقوا. وقد قال اللّه- عزّ وجلّ-: فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ. فقال اللّه: أَنْجَيْنَا  الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ.

و في تفسير العيّاشي : عن عليّ بن عقبة، عن رجل، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ اليهود أمروا بالإمساك يوم الجمعة. فتركوا يوم الجمعة، وأمسكوا  يوم السّبت.

عن  هارون بن [عبيد، رفعه‏]  إلى أحدهم قال: جاء نفر إلى أمير المؤمنين- عليه السّلام- بالكوفة، وقالوا: يا أمير المؤمنين، إنّ هذه الجراري تباع في أسواقنا.

قال: فتبسّم أمير المؤمنين- عليه السّلام- ضاحكا. ثمّ قال: قوموا لأريكم عجبا.

و لا تقولوا في وصيّكم إلّا خيرا.

فقاموا معه، فأتوا بشاطئ. فتفل فيه تفلة وتكلّم بكلمات، فإذا بجرّيّة رافعةرأسها فاتحة فاها.

فقال له أمير المؤمنين- عليه السّلام-: من أنت؟ الويل لك ولقومك.

فقال: نحن من أهل القرية الّتي كانت حاضرة البحر. إذ يقول اللّه في كتابه:

إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً (الآية). فعرض اللّه علينا ولايتك، فقعدنا عنها، فمسخنا اللّه. فبعضنا في البرّ، وبعضنا في البحر. فأمّا الّذين في البحر، فنحن الجراري.

و أمّا الّذين في البرّ، فالضّبّ واليربوع.

قال: ثمّ التفت أمير المؤمنين- عليه السّلام- إلينا فقال: أسمعتم مقالتها؟

قلنا: اللّهم، نعم.

قال: والّذي بعث محمّدا- صلّى اللّه عليه وآله-، لتحيض، كما تحيض نساؤكم.

عن طلحة بن زيد ، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه- عليه السّلام- في قول اللّه:

فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا  أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ .

قال: افترق القوم ثلاث فرق: فرقة نهت  واعتزلت، وفرقة أقامت ولم تقارف الذّنوب، وفرقة قارفت الذّنوب. فلم تنج من العذاب إلّا من نهى .

قال جعفر: قلت لأبي جعفر: ما صنع بالّذين أقاموا ولم يقارفوا الذّنوب؟

قال: بلغني أنّهم صاروا ذرّا.

و في روضة الكافي : سهل بن زياد، عن عمرو بن عثمان، عن عبد اللّه بن المغيرة، عن طلحة بن زيد، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في هذه الآية قال: كانوا ثلاثة أصناف: صنف ائتمروا وأمروا، فنجوا وصنف ائتمروا ولم يأمروا، فمسخوا ذرّا، وصنف لم يأتمروا ولم يأمروا، فهلكوا.

و في كتاب الخصال : عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللّه- تعالى-: فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ.قال: كانوا ثلاثة أصناف: فصنف ائتمروا وأمروا، [فنجوا] ، وصنف ائتمروا ولم يأمروا، [فمسخوا ذرّا]  وصنف لم يأمروا ولم يأتمروا، فهلكوا.

و في مجمع البيان : وردت الرّواية عن ابن مسعود قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: إنّ اللّه- تعالى- لم يمسخ  شيئا فجعل له نسلا وعقبا.

و في من لا يحضره الفقيه : وقد روي أنّ المسوخ لم يبق أكثر من ثلاثة أيّام. وأنّ هذه مثلها ، فنهى اللّه- عزّ وجلّ- عن أكلها.

وَ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ: أي: أعلم. تفعّل، من الإيذان بمعناه، كالتّوعّد والإيعاد.

أو عزم، لأنّ العازم على الشّي‏ء يؤذن نفسه بفعله. فأجري مجرى فعل القسم، كعلم اللّه، وشهد اللّه. ولذلك أجيب بجوابه، وهو: لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ.

و المعنى: وإذ أوجب ربّك على نفسه ليسلطنّ على اليهود.

مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ: كالإذلال وضرب الجزية.

بعث اللّه  عليهم بعد سليمان- عليه السّلام- بخت نصّر. فقتل مقاتليهم، وخرّب ديارهم، وسبى نساءهم وذراريّهم، وضرب الجزية على من بقي منهم. وكانوا يؤدّونها إلى المجوس حتّى بعث اللّه محمّدا- صلّى اللّه عليه وآله- ففعل ما فعل بهم، ثمّ ضرب عليهم الجزية فلا تزال مضروبة إلى آخر الدّهر.

و في مجمع البيان : عن الباقر- عليه السّلام-: إنّ المعنيّ بهم: أمّة محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-.

إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ: عاقبهم في الدّنيا.

وَ إِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ : لمن تاب وآمن.

وَ قَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً: وفرّقناهم فيها، بحيث لا يكاد يخلو قطر منهم تتمّة لأدبارهم حتّى لا يكون لهم شوكة قطّ.

و «أمما» مفعول ثان، أو حال.مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ: صفة، أو بدل منه. وهم الّذين آمنوا بالمدينة، ونظراؤهم.

وَ مِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ:

تقديره: ومنهم ناس دون ذلك منحطّون عن الصّلاح، وهم كفرتهم وفسقتهم.

وَ بَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ: بالنّعم والنّقم.

لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ : ينتهون، فيرجعون عمّا كانوا عليه.

فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ: من بعد المذكورين.

خَلْفٌ: بدل سوء. مصدر نعت به ولذلك يقع على الواحد والجمع.

و قيل : جمع. وهو، بالتّسكين، شائع في الشّرّ. وبالفتح في الخير. والمراد به:

الّذين كانوا في عصر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.

وَرِثُوا الْكِتابَ: التّوراة من أسلافهم، يقرءونها ويقفون على ما فيها.

يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى: حطام هذا الشّي‏ء الأدنى، يعني: الدّنيا. وهو من الدّنو، أو الدّناءة.

قيل : هو ما كانوا يأخذون من الرّشا في الحكومة، وعلى تحريف الكلم.

 [للتّسهيل على العامّة]»

 والجملة حال من «الواو».

وَ يَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا، أي: لا يؤاخذنا اللّه بذلك ويتجاوز عنه.

و هو يحتمل العطف والحال على تقدير المبتدأ، أي: وهم يقولون. والفعل مسند إلى الجارّ والمجرور، أو مصدر «يأخذون».

وَ إِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ: حال من الضّمير في «لنا»، أي: يرجون المغفرة، مصرّين على الذّنب، عائدين إلى مثله، غير تائبين عنه.

أَ لَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ، أي: في الكتاب.

أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ: عطف بيان «للميثاق». أو متعلّق به، أي: بأن لا يقولوا.

و المراد: توبيخهم على البتّ بالمغفرة مع عدم التّوبة، والدّلالة على أنّه افتراءعلى اللّه وخروج عن ميثاق الكتاب.

وَ دَرَسُوا ما فِيهِ: عطف على «ألم يؤخذ» من حيث المعنى، فإنّه تقرير. أو على «ورثوا» وهو اعتراض.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن يونس [بن عبد الرحمن‏] ، عن أبي يعقوب، إسحاق بن عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-: إنّ اللّه خصّ عباده بآيتين من كتابه. أن لا يقولوا حتّى يعلموا ولا يردّوا ما لم يعلموا. قال- عزّ وجلّ-: أَ لَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ. وقال: بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ .

و في تفسير العيّاشيّ : عن إسحاق بن عبد العزيز قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: خصّ اللّه هذه الأمّة بآيتين من كتابه، أن لا يقولوا ما لا يعلمون [و ألّا يردّوا ما لا يعلمون‏] . ثمّ قرأ: أَ لَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ (الآية). وقوله: بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ- الى قوله-: الظَّالِمِينَ.

عن أبي السفاتج  قال : قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: آيتان  في كتاب اللّه خصّ اللّه النّاس، ألّا يقولوا ما لا يعلمون. قول اللّه: أَ لَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ. وقوله: بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ.

و في نهج البلاغة : ولن تأخذوا بميثاق الكتاب حتّى تعرفوا الّذي [نقضه، ولن تمسّكوا به حتّى تعرفوا الّذي نبذه‏]  فالتمسوا ذلك عند أهله، فإنّهم عيش العلم وموت الجهل. هم الّذين يخبركم حكمهم عن علمهم، وصمتهم عن منطقهم، وظاهرهم عن باطنهم. لا يخالفون الدّين ولا يختلفون فيه، فهو بينهم شاهد صدق وصامت ناطق.

وَ الدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ: محارم اللّه ممّا يأخذ هؤلاء.أَ فَلا تَعْقِلُونَ : فيعلموا ذلك، ولا يستبدلوا الأدنى الدّني‏ء المؤدّي إلى العقاب بالنّعيم المخلّد.

و قرأ  نافع وابن عامر وحفص ويعقوب، بالتّاء، على التّلوين.

وَ الَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ: عطف على «الّذين يتّقون».

و قوله: «أفلا تعقلون» اعتراض، أو مبتدأ خبره إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ ، على تقدير منهم. أو وضع الظّاهر موضع المضمر، تنبيها على أنّ الإصلاح، كالمانع من التّضييع.

و قرأ  أبو بكر: «يمسكون» بالتّخفيف. وإفراد الإقامة، لأنافتها على سائر أنواع التّمسّكات.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام-: نزلت في آل محمّد وأشياعهم.

وَ إِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ، أي: قلعناه ورفعناه فوقهم.

و أصل النّتق: الجذب.

كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ: سقيفة. وهي كلّ ما أظلّك.

وَ ظَنُّوا: وتيقّنوا.

أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ: ساقط عليهم. لأنّ الجبل لا يثبت في الجوّ، ولأنّهم كانوا يوعدون به.

و إنّما أطلق الظّنّ، لأنّه لم يقع متعلّقه. وذلك أنّهم أبوا أن يقبلوا أحكام التّوراة لثقلها، فرفع اللّه الطّور فوقهم. وقيل لهم: إن قبلتم ما فيها وإلّا ليقعنّ عليكم.

خُذُوا: على إضمار القول، وقلنا: خذوا. أو قائلين: خذوا.

ما آتَيْناكُمْ: من الكتاب.

بِقُوَّةٍ: بجدّ وعزم على تحمّل مشاقّه. وهو حال من «الواو».

و في تفسير العيّاشي : وفي رواية إسحاق بن عمّار، عن الصّادق- عليه السّلام- أنّه سئل عن هذه الآية: أ قوّة في الأبدان أم قوّة في القلوب؟قال: فيهما جميعا.

عن محمّد بن أبي حمزة ، عمّن أخبره، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ.

قال: السّجود، ووضع [اليدين على‏]  الركبتين في الصّلاة.

وَ اذْكُرُوا ما فِيهِ: بالعمل به، ولا تتركوه، كالمنسيّ.

لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ : قبائح الأعمال ورذائل الأخلاق.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : عن الصّادق- عليه السّلام-: لمّا أنزل اللّه التّوراة على بني إسرائيل، لم يقبلوه. فرفع اللّه عليهم جبل طور سيناء، فقال لهم موسى- عليه السّلام-: إن لم تقبلوا، وقع عليكم الجبل. فقبلوه وطأطئوا  رؤوسهم.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رحمه اللّه-: عن أبي عبد اللّه - عليه السّلام- حديث طويل. وفيه قال السّائل: أخبرني عن طائر طار مرّة ولم يطر قبلها ولا بعدها ذكره اللّه في القرآن، ما هو؟

فقال: طور سيناء، أطاره اللّه- عزّ وجلّ- على بني إسرائيل حين أظلّهم بجناح منه فيه ألوان العذاب حتّى قبلوا التّوراة. وذلك قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ (الآية).

وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ قيل : أي: أخرج من أصلابهم نسلهم على ما يتوالدون قرنا بعد قرن.

و «من ظهورهم» بدل من «بني آدم» بدل البعض.

و قرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب: «ذرّيّاتهم».

وَ أَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ.

قيل : أي: نصب لهم دلائل ربوبيّته وركّب في عقولهم ما يدعوهم إلى الإقرار بها، حتّى صاروا بمنزلة من قيل لهم: أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى. فنزّل تمكينهم من العلم‏بها وتمكنّهم منه بمنزلة الإشهاد والاعتراف على طريقة التّمثيل. ويدلّ عليه قالُوا بَلى شَهِدْنا.

و قيل : لا يبعد أن يكون ذلك النّطق باللّسان الملكوتيّ في العالم المثاليّ، الّذي دون عالم العقل. فإنّ لكلّ شي‏ء ملكوتا في ذلك العالم، كما أشير إليه بقوله- سبحانه-:

فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْ‏ءٍ. والملكوت باطن الملك، وهو كلّه حياة. ولكلّ ذرّة لسان ملكوتي ناطق بالتّسبيح والتّمجيد والتّوحيد والتّحميد. وبهذا اللّسان نطق الحصى في كفّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-، وبه تنطق الأرض يوم القيامة يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها، وبه تنطق الجوارح. أنطقنا اللّه، الّذي أنطق كلّ شي‏ء.

أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ، أي: كراهة أن تقولوا.

إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ : لم ننبّه عليه.

أَوْ تَقُولُوا: عطف على «أن تقولوا».

و قرأ أبو عمرو  كليهما، بالياء. لأنّ أوّل الكلام على الغيبة.

إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ: فاقتدينا بهم. لأنّ التّقليد عند قيام الدّليل والتّمكّن من العلم به لا يصلح عذرا.

أَ فَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ، يعني: آباءهم المبطلين بتأسيس الشّرك.

و قيل : لمّا خلق اللّه آدم، أخرج من ظهره ذرّيّة، كالذّرّ. وأحياهم وجعل لهم العقل والنّطق، وألهمهم ذلك.

و على هذا تدلّ صريحا الأحاديث الإماميّة.

و المقصود من إيراد هذا الكلام- ها هنا- إلزام اليهود بمقتضى الميثاق العامّ بعد ما ألزمهم بالميثاق المخصوص بهم، والاحتجاج عليهم بالحجج السّمعيّة والعقليّة، ومنعهم عن التّقليد، وحملهم على النّظر والاستدلال، كما قال:

وَ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ : عن التّقليد واتّباع الباطل.

و في كتاب التّوحيد : أبي- رحمه اللّه- قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن إبراهيم‏

 بن هاشم ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ويعقوب بن يزيد جميعا، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سألته عن هذه الآية.

فقال: أخرج من ظهر آدم ذرّيّته إلى يوم القيامة، فخرجوا، كالذّرّ. فعرّفهم نفسه، وأراهم صنعه. ولو لا ذلك، لم يعرف أحد ربّه.

أبي - رحمه اللّه- قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن أحمد بن محمّد، عن أبيه، عن عبد اللّه بن المغيرة، عن ابن مسكان، عن زرارة قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام-:

أصلحك اللّه، قول اللّه- عزّ وجلّ- في كتابه: فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها.

قال: فطرهم على التّوحيد عند الميثاق، وعلى معرفة  أنّه ربّهم.

قلت: وخاطبوه؟

قال: فطأطأ رأسه. ثمّ قال: لولا ذلك، لم يعلموا من ربّهم ولا من رازقهم.

و فيه ، بإسناده إلى أبي بصير: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قلت له:

أخبرني عن اللّه- عزّ وجلّ- هل يراه المؤمنون  يوم القيامة؟

قال: نعم، وقد رأوه  قبل يوم القيامة.

فقلت متى؟

قال: حين قال لهم: أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى.

ثمّ سكت ساعة. ثمّ قال: وإنّ المؤمنين ليرونه في الدّنيا قبل يوم القيامة. أ لست تراه في وقتك هذا!؟

قال أبو بصير: فقلت له: جعلت فداك، فأحدّث بهذا عنك؟

فقال: لا. فإنّك إذا حدّثت به فأنكره منكر جاهل بمعنى ما تقول، ثمّ قدّر أنّ ذلك تشبيه، كفر. وليست الرّؤية بالقلب كالرّؤية بالعين. تعالى اللّه عمّا يصفه المشبّهون والملحدون.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن زرارة: أنّ رجلا سأل أبا جعفر- عليه السّلام- عن هذه الآية.

فقال، وأبوه يسمع: حدّثني أبي، أنّ اللّه- عزّ وجلّ- قبض قبضة من تراب التربة الّتي خلق منها آدم- عليه السّلام-. فصبّ عليها الماء العذب الفرات، ثمّ تركها أربعين صباحا. ثمّ صبّ عليها الماء المالح الأجاج، فتركها أربعين صباحا. فلمّا اختمرت الطّينة أخذها فعركها عركا شديدا. فخرجوا، كالذّرّ من يمينه وشماله. وأمرهم جميعا أن يقعوا في النّار. فدخل أصحاب اليمين، فصارت عليهم بردا وسلاما. وأبى أصحاب الشّمال أن يدخلوها.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: كيف أجابوا وهم ذرّ؟

فقال: جعل فيهم ما إذا سألهم أجابوه، يعني: في الميثاق.

محمّد بن الحسن»، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن عبد الرّحمن بن كثير، عن داود الرّقيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال: لمّا أراد اللّه أن يخلق الخلق، نثرهم  بين يديه.

فقال لهم: من ربّكم؟

فأول من نطق رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وأمير المؤمنين- عليه السّلام- والأئمّة- عليهم السّلام-، فقالوا: أنت ربّنا.

فحمّلهم العلم والدّين.

ثمّ قال للملائكة: هؤلاء حملة ديني وعلمي، وأمنائي في خلقي، وهم المسئولون.

ثمّ قال لبني آدم: أقرّوا للّه بالربوبيّة ، ولهؤلاء النّفر بالولاية والطّاعة.

فقالوا: نعم، ربّنا، أقررنا.

فقال اللّه للملائكة: اشهدوا.

قال الملائكة: شهدنا.

قال: على أن لا يقولوا غدا: إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا (الآية).يا داود، ولايتنا مؤكّدة عليهم في الميثاق.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن بكير بن أعين قال: كان أبو جعفر- عليه السّلام- يقول: إنّ اللّه أخذ ميثاق شيعتنا بالولاية لنا، وهم ذرّ، يوم أخذ الميثاق على الذّرّ. بالإقرار له بالرّبوبيّة، ولمحمّد- صلّى اللّه عليه وآله- بالنّبوّة. وعرض اللّه- عزّ وجلّ- على محمّد أمّته في الطّين، وهم أظلّة. وخلقهم من الطّينة الّتي خلق منها آدم. وخلق اللّه أرواح شيعتنا قبل أبدانهم بألفي عام، وعرضهم عليهم ، وعرّفهم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-، وعرّفهم عليّا. ونحن نعرفهم في لحن القول.

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن صالح بن سهل، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-: إنّ بعض قريش قال لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-:

بأيّ شي‏ء سبقت الأنبياء، وأنت بعثت آخرهم وخاتمهم؟

قال: إنّي كنت أوّل من آمن بربّي، وأوّل من أجاب حين أخذ اللّه ميثاق.

النّبيّين وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى. فكنت أنا أوّل نبيّ قال:

بلى. فسبقتهم بالإقرار باللّه.

محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين، عن عليّ بن إسماعيل، عن محمّد بن إسماعيل، عن سعدان بن مسلم، عن صالح بن سهيل، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سئل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: بأيّ شي‏ء سبقت ولد آدم؟

قال: إنّني أوّل من أقرّ بربّي. إنّ اللّه أخذ ميثاق النّبيّين وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى. فكنت أوّل من أجاب.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن داود العجليّ، عن زرارة، عن حمران، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- حيث خلق الخلق، خلق ماء عذبا وماء مالحا [أجاجا] ، فامتزج الماءان. فأخذ طينا من أديم الأرض، فعركه عركا شديدا.

فقال لأصحاب اليمين، وهم كالذّرّ يدبّون: إلى الجنّة بسلام. وقال لأصحاب‏الشّمال: إلى النّار. ولا أبالي.

ثمّ قال: أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ، قالُوا بَلى شَهِدْنا، أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ.

ثمّ أخذ الميثاق على النّبيّين فقال: أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ، وأنّ  هذا محمّد رسولي، وأنّ هذا عليّ أمير المؤمنين؟

قالُوا بَلى.

فثبتت لهم النّبوّة. وأخذ الميثاق على أولي العزم، إنّي ربّكم ومحمّد رسولي وعليّ أمير المؤمنين. وأوصياؤه من بعده ولاة أمري، وخزّان علمي- عليهم السّلام-. وأنّ المهديّ أنتصر به لديني، وأظهر به دولتي، وأنتقم به من أعدائي، وأعبد به طوعا وكرها.

قالوا: أقررنا به، يا ربّ، وشهدنا.

و لم يجحد آدم ولم يعزم ، فثبت العزيمة لهؤلاء الخمسة في المهديّ. ولم يكن لآدم عزم على الإقرار به، وهو قوله- عزّ وجلّ-: وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً .

قال: إنّما هو فترك.

ثمّ أمر نارا فأجّجت، فقال لأصحاب الشّمال: ادخلوها.

فهابوها.

فقال لأصحاب اليمين: ادخلوها.

فدخلوها، فكانت عليهم بردا وسلاما.

فقال أصحاب الشّمال: يا ربّ، أقلنا.

فقال: قد أقلتكم، اذهبوا فادخلوها.

فهابوها. فثمّ  ثبتت الطّاعة والولاية والمعصية.

عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللّه- عزّ وجلّ-:فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها. ما تلك الفطرة؟

قال: هي الإسلام. فطرهم اللّه حين أخذ ميثاقهم على التّوحيد، قال: أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ. وفيه المؤمن والكافر.

محمّد بن يحيى،  عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن صالح بن سهل، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-: أنّ رجلا جاء أمير المؤمنين- عليه السّلام- وهو مع أصحابه، فسلّم عليهم. ثمّ قال له: أنا، واللّه، أحبّك وأتولّاك.

 [فقال له أمير المؤمنين- عليه السّلام-: كذبت. قال: بلى، واللّه إني أحبّك وأتولّاك. فكرّر ثلاثا.]  فقال له أمير المؤمنين- عليه السّلام-: كذبت، ما أنت كما قلت. إنّ اللّه خلق الأرواح قبل الأبدان بألفي عام. ثمّ عرض علينا المحبّ لنا. فو اللّه، ما رأيت روحك فيمن عرض. فأين كنت!؟ فسكت الرّجل عند ذلك، ولم يراجعه.

و في رواية أخرى: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: كان في النّار.

و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى حبيب قال: حدّثني الثّقة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- أخذ ميثاق العباد وهم أظلّة قبل الميلاد. فما تعارف من الأرواح، ائتلف. وما تناكر منها، اختلف.

و بإسناده  إلى حبيب، عمّن رواه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: ما تقول في [الأرواح‏]  أنّها جنود مجنّدة. فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف.

اختلف.

قال: فقلت: إنّا نقول ذلك.

قال : فإنّه كذلك. إنّ اللّه- عزّ وجلّ- أخذ من العباد ميثاقهم، وهم أظلّة قبل الميلاد. وهو قوله- عزّ وجلّ-: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ (إلى آخر الآية).

قال: فمن أقرّ به يومئذ، جاءت إلفته  ها هنا. ومن أنكره يومئذ [جاء]  خلافه‏ها هنا.

أبي - رحمه اللّه- قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن ابن بكير، عن زرارة قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى.

قال: ثبتت المعرفة ونسوا الوقت ، وسيذكرونه يوما. ولولا ذلك، لم يدر أحد من خالقه ولا من رازقه.

و في أمالي  شيخ الطّائفة- قدّس سرّه-، بإسناده إلى جابر: عن أبي جعفر، عن أبيه، عن جدّه- عليهم السّلام-: أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قال لعليّ- عليه السّلام-: أنت الّذي احتجّ اللّه بك في ابتدائه الخلق، حيث أقامهم أشباحا.

فقال لهم: أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟

قالُوا بَلى.

قال ومحمّد رسولي؟

قالوا: بلى.

قال: وعليّ أمير المؤمنين  فأبى الخلق جميعا إلّا استكبارا، وعتوّا عن ولايتك إلّا نفر قليل. وهم أقلّ القليل. وهم أصحاب اليمين.

و في عوالي اللئالي : وقال- عليه السّلام- أخذ اللّه الميثاق من ظهر آدم بنعمان ، يعني: عرفه. فأخرج من صلبه كلّ ذرّيّة ذرأها، فنشرهم بين يديه كالذّرّ. ثمّ كلّمهم.

و تلا: أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ، قالُوا بَلى.

و في تهذيب الأحكام ، في الدّعاء بعد صلاة الغدير المسند إلى الصّادق- عليه السّلام-: ومننت علينا بشهادة الإخلاص لك بموالاة أوليائك الهداة المهديّين  من بعدالنّذير المنذر والسّراج المنير، وأكملت الدّين بموالاتهم والبراءة من عدوّهم، وأتممت علينا النّعمة الّتي جدّدت لنا عهدك وذكّرتنا ميثاقك المأخوذ منّا في مبدأ خلقك إيّانا، وجعلتنا من أهل الإجابة، وذكّرتنا العهد والميثاق ولم تنسنا ذكرك. فإنّك قلت: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ، قالُوا بَلى  شَهِدْنا بمنّك ولطفك، بأنّك أنت اللّه لا إله إلّا أنت ربّنا، ومحمّد عبدك ورسولك نبيّنا، وعليّ أمير المؤمنين والحجّة العظمى وآيتك الكبرى والنّبأ العظيم الّذي هم فيه مختلفون.

و في تفسير العيّاشي : عن جابر قال: قال لي أبو جعفر- عليه السّلام-: يا جابر، لو يعلم الجهّال متى سمّي أمير المؤمنين عليّ لم ينكروا حقّه.

قال: قلت: جعلت فداك، متى سمّي؟

فقال لي: قوله: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ أنّي  أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ، وأنّ محمّدا  رسول اللّه، وأنّ عليّا أمير المؤمنين.

قال: ثمّ قال لي: يا جابر، هكذا واللّه جاء بها محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-.

عن ابن مسكان ، عن بعض أصحابه، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: إنّ أمّتي عرضت عليّ في الميثاق. فكان أوّل من آمن بي عليّ، وهو أوّل من صدّقني حين بعثت. وهو الصّدّيق الأكبر والفاروق، يفرق بين الحقّ والباطل.

عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه: أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى. قالوا بألسنتهم؟

قال: نعم، وقالوا بقلوبهم.

فقلت: وأيّ شي‏ء كانوا يومئذ؟

قال: صنع منهم ما اكتفى به.عن جابر  قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام-: من  سمّي أمير المؤمنين [أمير المؤمنين‏] ؟

قال: قال: اللّه ، أنزلت هذه الآية على محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-:

وَ أَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ وأن محمدا رسول الله  وأن عليا أمير المؤمنين.

فسمّاه اللّه- واللّه- أمير المؤمنين.

عن الأصبغ بن نباتة ، عن عليّ- عليه السّلام- قال: أتاه ابن الكواء، فقال:

يا أمير المؤمنين، أخبرني عن اللّه- تبارك وتعالى-. هل كلّم أحدا من ولد آدم قبل موسى؟

فقال عليّ- عليه السّلام-: قد كلّم اللّه جميع خلقه، برّهم وفاجرهم، وردّوا عليه الجواب.

فثقل ذلك على ابن الكواء ولم يعرفه، فقال له: كيف كان ذلك يا أمير المؤمنين؟

فقال له: أو ما تقرأ كتاب اللّه إذ يقول  لنبيّه: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى؟ فقد أسمعهم كلامه.

و ردّوا عليه الجواب، كما تسمع في قول اللّه- يا ابن الكواء- قالُوا بَلى. فقال لهم: إنّي أنا اللّه. لا إله إلّا أنا. وأنا الرّحمن [الرحيم‏] . فأقرّوا له بالطّاعة والرّبوبيّة. وميّز الرّسل والأنبياء والأوصياء، وأمر الخلق بطاعتهم، وأقرّوا بذلك في الميثاق . فقالت الملائكة عند إقرارهم [بذلك‏] : شهدنا عليكم يا بني آدم أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ.

عن رفاعة  قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ.قال: نعم ، للّه الحجّة على جميع خلقه يوم الميثاق هكذا. وقبض يده.

و في الكافي : أبو عليّ الأشعريّ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان، عن ابن أبي عمير، عن عبد الرّحمن الحذّاء، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: كان عليّ بن الحسين- عليه السّلام- لا يرى بالعزل بأسا. فقرأ  هذه الآية: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى. فكلّ شي‏ء أخذ اللّه منه الميثاق، فهو خارج، وإن كان على صخرة صمّاء.

محمّد بن يحيى  وغيره، عن أحمد، عن موسى بن عمر، عن ابن سنان، عن أبي سعيد القمّاط، عن بكير بن أعين قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام-: لأيّ علّة وضع  الحجر في الرّكن الّذي هو فيه ولم يوضع في غيره، ولأيّ علّة يقبّل ، ولأيّ علّة أخرج من الجنّة، و[لأيّ علّة]  وضع ميثاق العباد والعهد فيه ولم يوضع في غيره، وكيف السّبب في ذلك؟ تخبرني، جعلني اللّه فداك. فإنّ تفكّري فيه لعجب .

قال: فقال: سألت وأعضلت في المسألة  واستقصيت، فافهم الجواب، وفرّغ قلبك، وأصغ سمعك، أخبرك إن شاء اللّه. إنّ اللّه- تبارك وتعالى- وضع الحجر الأسود، وهي جوهرة، أخرجت من الجنّة إلى آدم- عليه السّلام- فوضعت في ذلك الرّكن لعلّة الميثاق. وذلك أنّه لمّا أخذ من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم، حين أخذ اللّه عليهم الميثاق، في ذلك المكان. [و في ذلك المكان‏]  تراءى لهم. وفي  ذلك المكان يهبط الطّير على القائم- عليه السّلام-. فأوّل من يبايعه ذلك الطّير. وهو- واللّه- جبرئيل- عليه السّلام-. وإلى ذلك المكان يسند القائم ظهره. وهو الحجّة والدّليل على القائم. وهو الشّاهد لمن وافى  في ذلك المكان، والشّاهد على من أدّى إليه الميثاق والعهد الّذي أخذ اللّه- عزّ وجلّ- على العباد.فأمّا القبلة والالتماس، فلعلّة العهد، تجديدا لذلك العهد والميثاق، وتجديدا للبيعة، ليؤدّوا إليه العهد الّذي أخذ اللّه عليهم في الميثاق، فيأتوه في كلّ سنة ويؤدّوا إليه ذلك العهد والأمانة اللّذين أخذ اللّه عليهم. أ لا ترى أنّك تقول: أمانتي أدّيتها وميثاقي تعاهدته، لتشهد لي بالموافاة. واللّه، ما يؤدّي ذلك أحد غير شيعتنا. ولا حفظ ذلك العهد والميثاق أحد غير شيعتنا. وإنّهم ليأتوه، فيعرفهم [و يصدّقهم‏] . ويأتيه غيرهم، فينكرهم ويكذّبهم. وذلك أنّه لم يحفظ ذلك غيركم. فلكم- واللّه- يشهد، وعليهم- واللّه- يشهد بالخفر  والجحود والكفر.

و هو الحجّة البالغة من اللّه عليهم يوم القيامة. يجي‏ء وله لسان ناطق وعينان في صورته الأولى، يعرفه الخلق ولا ينكره. يشهد لمن وافاه، وجدّد العهد والميثاق عنده، بحفظ العهد والميثاق وأداء الأمانة. ويشهد على كلّ من أنكر وجحد ونسى الميثاق، بالكفر والإنكار.

فأمّا علّة ما أخرجه اللّه من الجنّة، فهل تدري ما كان الحجر؟

قلت: لا.

قال: كان ملكا من عظماء الملائكة عند اللّه. فلمّا أخذ اللّه من الملائكة الميثاق، كان أوّل من آمن به، وأقرّ ذلك الملك. فاتّخذه اللّه أمينا على جميع خلقه. فألقمه الميثاق وأودعه عنده، واستعبد  الخلق أن يجدّدوا عنده في كلّ سنة الإقرار بالميثاق والعهد الّذي خذ اللّه- عزّ وجلّ- عليهم. ثمّ جعله اللّه مع آدم في الجنّة يذكّره الميثاق، ويجدّد عنده الإقرار في كلّ سنة.

فلمّا عصى آدم وأخرج من الجنّة، أنساه اللّه العهد والميثاق الّذي أخذ اللّه عليه وعلى ولده لمحمّد- صلّى اللّه عليه وآله- ولوصيّه- عليه السّلام-، وجعله تائها حيرانا.

فلمّا تاب اللّه على آدم، حوّل ذلك الملك في صورة درّة بيضاء. فرماه من الجنّة إلى آدم، وهو بأرض الهند. فلمّا نظر إليه، أنس إليه. وهو لا يعرفه بأكثر من أنّه جوهرة.

و أنطقه اللّه- عزّ وجلّ- فقال له: يا آدم، أ تعرفني؟

قال: لا.قال: أجل، استحوذ عليك الشّيطان، فأنساك ذكر ربّك.

ثمّ تحوّل إلى صورته الّتي كان مع آدم في الجنّة، فقال لآدم: أين العهد والميثاق؟

فوثب آدم إليه، وذكر الميثاق، وبكى وخضع وقبّله، وجدّد الإقرار بالعهد والميثاق. ثمّ حولّه اللّه- عزّ وجلّ- إلى جوهرة الحجر، درّة بيضاء صافية تضي‏ء. فحمله آدم- عليه السّلام- على عاتقه، إجلالا له وتعظيما. فكان إذا أعيا، حمله عنه جبرئيل- عليه السّلام- حتّى وافى به مكّة. فما زال يأنس به بمكّة، ويجدّد الإقرار له كلّ يوم وليلة.

ثمّ إنّ اللّه- عزّ وجلّ- لمّا بنى الكعبة، وضع الحجر في ذلك المكان. لأنّه- تبارك وتعالى- حين أخذ الميثاق من ولد آدم، أخذه في ذلك المكان. وفي ذلك [المكان‏]  ألقم اللّه الملك الميثاق، ولذلك وضع في ذلك الرّكن. ونحّى  آدم من مكان البيت إلى الصّفا، وحوّاء إلى المروة ووضع الحجر في ذلك الرّكن.

فلمّا نظر آدم من الصّفا، وقد وضع الحجر في الرّكن، كبّر اللّه وهلّله ومجّده.

فلذلك جرت السّنّة بالتّكبير واستقبال الرّكن الّذي فيه الحجر من الصّفا. فإنّ اللّه أودعه الميثاق والعهد دون غيره من الملائكة. لأنّ اللّه- عزّ وجلّ- لمّا أخذ الميثاق له بالرّبوبيّة، ولمحمّد- صلّى اللّه عليه وآله- بالنّبوّة، ولعليّ- عليه السّلام- بالوصيّة، اصطكّت  فرائص  الملائكة. فأوّل من أسرع إلى الإقرار ذلك الملك، ولم يكن فيهم أشدّ حبّا لمحمّد وآل محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- منه. فلذلك اختاره اللّه من بينهم، وألقمه الميثاق. وهو يجي‏ء يوم القيامة وله لسان ناطق وعين ناظرة، ليشهد لكلّ من وافاه إلى ذلك المكان وحفظ الميثاق.

محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن موسى، عن العبّاس بن معروف، عن ابن أبي نجران، عن عبد اللّه بن سنان، عن ابن أبي يعفور، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قال له رجل: كيف سمّيت الجمعة؟

قال: إنّ اللّه- عزّ وجلّ- جمع فيها خلقه لولاية محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- ووصيّه في الميثاق. فسمّاه يوم الجمعة، لجمعه فيه خلقه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن النّضر بن سويد، عن يحيى الحلبيّ، عن ابن سنان قال: قال لي أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: أوّل من سبق  إلى «بلى» رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-. وذلك أنّه كان أقرب الخلق إلى اللّه- تبارك وتعالى-. وكان بالمكان الّذي قال له جبرئيل- عليه السّلام- لمّا أسري به إلى السّماء:

تقدّم، يا محمّد. فقد وطئت موطنا لم يطأه ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل. ولولا أنّ روحه ونفسه كانت من ذلك المكان، لما قدر أن يبلغه. فكان من اللّه- عزّ وجلّ-، كما قال:

قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى، أي: بل أدنى.

و حدّثني  أبي، عن ابن أبي عمير، عن ابن مسكان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في هذه الآية. قلت: معاينة كان هذا؟

قال: نعم فثبتت المعرفة ونسوا الموقف، وسيذكرونه. ولو لا ذلك، لم يدر أحد من خالقه ورازقه. فمنهم من أقرّ بلسانه في الذّر ولم يؤمن بقلبه، فقال اللّه: فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ .

و في شرح الآيات الباهرة : وفي تفسير عليّ بن إبراهيم قال: قال الصّادق- عليه السّلام-: إنّ اللّه أخذ الميثاق على النّاس للّه  بالرّبوبيّة، ولرسوله- صلّى اللّه عليه وآله- بالنّبوّة، ولعليّ أمير المؤمنين  والأئمّة- عليهم السّلام- بالإمامة. ثمّ قال: أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ ومحمّد نبيّكم وعليّ أميركم والأئمّة الهادون أولياؤكم؟ قالُوا بَلى. فمنهم من أقرّ باللّسان، ومنهم من أقرّ بالقلب .

و روى  من طريق العامّة، في كتاب الفردوس لابن شيرويه حديثا، يرفعه إلى حذيفة اليمانيّ قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: لو يعلم النّاس متى سمّي عليّ أمير المؤمنين، ما أنكروا فضله. سمّي أمير المؤمنين، وآدم بين الرّوح والجسد. [و قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى‏

 و قالت الملائكة: بلى. فقال- تبارك وتعالى-: أنا ربّكم و]  محمّد نبيّكم وعليّ أميركم.

و روى الشّيخ محمّد بن يعقوب- رحمه اللّه-: عن عليّ بن إبراهيم، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن أبي الرّبيع الفرّاز، عن جابر، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قلت له: لم سمّي عليّ- عليه السّلام-: أمير المؤمنين؟

قال: اللّه سمّاه، وهكذا أنزل اللّه في كتابه. وهو قول اللّه- عزّ وجلّ-: «و إذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم وأشهدهم على أنفسهم أ لست بربّكم وأنّ محمّدا نبيّكم رسولي وأنّ عليّا أمير المؤمنين قالوا بلى».

و ممّا ورد في تسميته بأمير المؤمنين- صلّى اللّه عليه وعلى ذرّيته الطّيبين- ما روى الشّيخ المفيد- رحمه اللّه-، بإسناده إلى أنس بن مالك قال: كنت خادم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-. فلمّا كانت ليلة أمّ حبيبة بنت أبي سفيان، أتيت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- بوضوء.

فقال: يا أنس، يدخل عليك السّاعة من هذا الباب أمير المؤمنين وخير الوصيّين، أقدم النّاس إسلاما  وأكثرهم علما وأرجحهم حلما.

فقلت: اللّهمّ اجعله من قومي. [قال‏]  فلم ألبث أن دخل عليّ بن أبي طالب من الباب، ورسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يتوضّأ. فرمى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- الماء على وجهه حتّى امتلأت عيناه منه.

فقال: يا رسول اللّه، أحدث فيّ حدث؟

فقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: ما حدث فيك إلّا خير. أنت منّي، وأنا منك. تؤدّي عنّي [أمانتي‏] ، وتفي بذمّتي، وتغسّلني، وتواريني في لحدي، وتسمع النّاس عنّي، وتبيّن لهم ما يختلفون فيه بعدي.

و ذكر- أيضا- حديثا أسنده إلى ابن عبّاس: أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال لأمّ سلمة: اسمعي واشهدي، هذا عليّ أمير المؤمنين  وسيّد المسلمين .و روى- أيضا- حديثا مسندا إلى معاوية بن ثعلبة  قال: قيل لأبي ذرّ- رضي اللّه عنه-: أوص.

قال: أوصيت.

قيل: إلى من؟

قال: إلى أمير المؤمنين.

قيل: عثمان؟

قال: لا، ولكنّه أمير المؤمنين حقّا، عليّ بن أبي طالب. [إنّه لربّ هذه الأرض وربّ هذه الأمّة] . لو فقدتموه، لأنكرتكم  الأرض ومن عليها.

و روى حديثا مسندا، [عن أبي بريدة بن الخصيب‏] . الأسلميّ- وهو المشهور بين العلماء- قال: قال: إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أمرني في سابع سبعة، فيهم أبو بكر وعمر وطلحة والزّبير، فقال: سلّموا على عليّ بإمرة المؤمنين. فسلّمنا عليه بذلك ورسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- حيّ بين أظهرنا.

و في تفسير مجاهد، من طريق العامّة قال: ما في القرآن يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إلّا ولعليّ- عليه السّلام- سابقة في ذلك. لأنّه سبقهم إلى الإسلام. فسمّاه اللّه- سبحانه- في تسعة وثمانين موضعا: أمير المؤمنين، وسيّد المخاطبين إلى يوم الدّين.

و روى الحسين بن جبير ، صاحب كتاب النخب ، في كتابه حديثا مسندا إلى الباقر- عليه السّلام- [قال: سئل الباقر- عليه السّلام-]  عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ من هؤلاء؟

فقال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: لمّا أسري بي إلى السّماء الرّابعة،أذّن جبرئيل وأقام، وجمع النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والملائكة، وتقدّمت وصلّيت بهم.

فلمّا انصرفت، قال جبرئيل: قل لهم: بم تشهدون؟

قالوا: نشهد، أن لا إله إلّا اللّه، وأنّك رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-، وأنّ عليّا أمير المؤمنين.

و روى أخطب خوارزم حديثا مسندا، يرفعه إلى سعيد بن جبير: عن ابن عبّاس قال: كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- في بيته، فغدا عليه عليّ بن أبي طالب بالغداة، وكان يحبّ أن لا يسبقه إليه أحد. فدخل، فإذا النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- في صحن الدّار، وإذا رأسه في حجر دحية.

فقال: السّلام عليك، كيف أصبح رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-؟

فقال له دحية: وعليك السّلام، أصبح بخير، يا أخا رسول اللّه.

فقال له عليّ: جزاك اللّه عنّا أهل البيت خيرا.

فقال له دحية: إنّي أحيّيك  وإن لك عندي مدحة أزفّها إليك، أنت أمير المؤمنين، وقائد الغرّ المحجّلين. وأنت سيّد ولد آدم ما خلا النّبيّين والمرسلين. لواء الحمد بيدك يوم القيامة، تزفّ أنت وشيعتك مع محمّد وحزبه إلى الجنان. قد أفلح من تولّاك، وخسر من قلاك . محبّو محمّد محبّوك، ومبغضوه مبغضوك. لن تنالهم شفاعة محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-. ادن منّي- يا  صفوة اللّه- وخذ رأس ابن عمّك، فأنت أحقّ به منّي.

فأخذ رأس رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.

فانتبه، وقال: ما هذه الهمهمة؟

فأخبره الخبر.

فقال: لم يكن دحية، وإنّما كان جبرئيل. سمّاك باسم سمّاك اللّه. وهو الّذي ألقى محبّتك في صدور المؤمنين، ورهبتك في صدور الكافرين.

و روى الشّيخ الفقيه محمّد بن جعفر- رحمه اللّه- حديثا مسندا: عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- لعليّ- عليه السّلام-: يا عليّ، طوبى لمن أحبّك‏و ويل لمن أبغضك وكذّب بك. يا عليّ، أنت العلم  لهذه الأمّة. من أحبّك، فاز. ومن أبغضك، هلك. يا عليّ، أنا مدينة العلم، وأنت الباب. يا عليّ، أنت أمير المؤمنين، وقائد الغرّ المحجّلين. يا عليّ، ذكرك في التّوراة وذكر شيعتك قبل أن يخلقوا بكلّ خير، وكذلك ذكرك في الإنجيل، وما أعطاك اللّه من علم الكتاب. فإنّ أهل الإنجيل [يعظّمون عليّا]  وشيعته، وما يعرفونهم، وأنت وشيعتك مذكورون في كتبهم. يا عليّ، خبّر أصحابك، أنّ ذكرهم في السّماء أفضل وأعظم من ذكرهم في الأرض. فليفرحوا بذلك، وليزدادوا اجتهادا. فإنّ شيعتك على  منهاج الحقّ والاستقامة. (الحديث).

و في كتاب [حلية الأولياء لأبي نعيم‏] ، من الجمهور، روى حديثا رفعه إلى أنس بن مالك قال: قال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: يا أنس، اسكب لي  وضوء. ثمّ صلّى ركعتين. ثمّ قال: يا أنس، يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين وسيّد المسلمين وقائد الغرّ المحجّلين وخاتم الوصيّين.

قال أنس: فقلت: اللّهم، اجعله رجلا من الأنصار. وكتمته إذ جاء عليّ- عليه السّلام-.

فقال: من هذا، يا أنس؟

قلت: عليّ.

فقام مستبشرا، واعتنقه. ثمّ جعل يمسح عرق وجه عليّ بوجهه.

فقال عليّ- عليه السّلام-: يا رسول اللّه، رأيتك صنعت شيئا لم تصنعه من قبل.

قال: وما يمنعني وأنت تؤدّي عنّي، وتسمعهم صوتي، وتبيّن لهم ما اختلفوا فيه من بعدي.

و روى الشّيخ الفقيه محمّد بن جعفر- رحمه اللّه- حديثا مسندا إلى أنس بن مالك وعبد اللّه بن عبّاس. قال: قالا جميعا: كنّا جلوسا مع النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- إذ جاء عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.

فقال: السّلام عليك، يا رسول اللّه.قال: و عليك السّلام، يا أمير المؤمنين، ورحمة اللّه وبركاته.

فقال عليّ: وأنت حيّ، يا رسول اللّه؟

قال: نعم، وأنا حيّ. إنّك، يا عليّ، مررت بنا أمس يومنا وأنا وجبرئيل في حديث ولم تسلّم. فقال جبرئيل: ما بال أمير المؤمنين مرّ بنا ولم يسلّم؟ أما واللّه لو سلّم، لسررنا ورددنا عليه.

فقال عليّ- عليه السّلام-: يا رسول اللّه، لقد  رأيتك ودحية قد استخليتما في حديث، فكرهت أن أقطعه عليكما.

فقال له النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: إنّه لم يكن دحية، وإنّما كان جبرئيل.

فقلت: يا جبرئيل، كيف سمّيته أمير المؤمنين؟

فقال: إنّ اللّه- عزّ وجلّ- أوحى إليّ في غزاة بدر أن اهبط إلى محمّد، فمره أن يأمر أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- يجول بين الصّفّين. فإنّ الملائكة يحبّون أن ينظروا إليه  وهو يجول بين الصّفين. فسمّاه اللّه في السّماء أمير المؤمنين.

فأنت ، يا عليّ، أمير من في السّماء، وأمير من في الأرض، [و أمير من مضى‏] ، وأمير من بقي. ولا أمير قبلك، ولا أمير بعدك. إنّه لا يجوز أن يسمّى بهذا الاسم من لم يسمّه اللّه- تعالى- به.

و روى الشّيخ محمّد بن يعقوب- رحمه اللّه-: عن محمّد بن يحيى، عن جعفر بن محمّد، بإسناده إلى عمر بن أبي نصر، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال، وقد سأله رجل عن القائم- عليه السّلام-: يسلّم عليه بإمرة المؤمنين؟

قال: لا. ذاك اسم سمّى اللّه به أمير المؤمنين، ولم يتسمّ  به أحد قبله، ولم  يتسمّ  به أحد  بعده [إلّا كافر] .

قال: قلت: فكيف نسلّم على القائم- عليه السّلام-؟قال: تقول: السّلام عليك، يا بقيّة اللّه.

قال: ثمّ قرأ: بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ .

و روى- أيضا- عن  سهل بن زياد، بإسناده: عن سنان بن ظريف، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّا أهل بيت نوّه اللّه بأسمائنا لمّا خلق السّموات والأرض، وأمر مناديا ينادي: أشهد أن لا إله إلّا اللّه، ثلاثا. [أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه، ثلاثا.

أشهد أنّ عليّا أمير المؤمنين حقّا، ثلاثا.]

 

و روى الكراجكيّ- رحمه اللّه- في كنز الفوائد حديثا مسندا إلى ابن عبّاس قال:

قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: والّذي بعثني بالحقّ مبشّرا  ونذيرا، ما استقرّ الكرسيّ والعرش ولا دار الفلك ولا قامت السّموات والأرض إلّا بأن كتب عليها: لا إله إلّا اللّه، محمّد رسول اللّه، عليّ أمير المؤمنين. إنّ اللّه- تعالى- لمّا عرج بي إلى السّماء واختصّني بلطيف ندائه قال: يا محمّد.

قلت: لبيّك وسعديك.

قال: أنا المحمود، وأنت محمّد. شققت اسمك من اسمي، وفضّلتك على جميع بريّتي، فانصب أخاك عليّا [علما]  لعبادي يهديهم إلى ديني. يا محمّد، إنّي قد جعلت عليّا أمير المؤمنين. فمن تأمّر عليه، لعنته. ومن خالفه، عذّبته. ومن أطاعه، قرّبته.

يا محمّد، إنّي قد جعلت عليّا إمام المسلمين. فمن تقدّم عليه، أخّرته، ومن عصاه، استخففته . إنّ عليّا سيّد الوصيّين، وقائد الغرّ المحجّلين، وحجّتي على الخلائق أجمعين. انتهى ما في شرح الآيات الباهرة.

وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ، أي اليهود.

نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا.

قيل : هو أحد علماء بني إسرائيل. أو أميّة بن أبي الصّلت. فإنّه كان قد قرأ الكتب، وعلم أنّ اللّه- تعالى- يرسل رسولا في ذلك الزّمان، ورجا أن يكون هو. فلمّاأوتي علم بعض كتب اللّه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : نزلت في بلعم بن باعوراء، وكان من بني إسرائيل.

 [أوتي علم بعض كتب اللّه‏] .

و في مجمع البيان : عن الباقر- عليه السّلام-: الأصل فيه بلعم. ثمّ ضربه اللّه مثلا لكلّ مؤثر هواه على هدى اللّه من أهل القبلة.

و في تفسير العيّاشيّ : عن سليمان النّبّال قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام-: أ تدري ما مثل المغيرة بن سعيد  مثل؟

قال: [قلت:]  لا.

قال: مثله، مثل بلعم الّذي أوتي الاسم الأعظم، الّذي قال اللّه- تعالى-:

آتَيْناهُ آياتِنا.

فَانْسَلَخَ مِنْها: من الآيات، بأن كفر بها، وأعرض عنها.

فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ: حتّى لحقه.

و قيل : استتبعه.

فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ : فصار من الضّالّين.

قيل : روي أنّ قومه سألوه أن يدعو على موسى ومن معه.

فقال: كيف أدعو على من معه الملائكة؟! فألحّوا عليه، حتّى دعا عليهم، فبقوا في التّيه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن الحسين بن خالد، عن أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام-: أنّه أعطي بلعم بن باعوراء الاسم الأعظم. فكان يدعو به، فيستجاب  له. فمال إلى فرعون. فلمّا مرّ  فرعون في طلب موسى وأصحابه، قال فرعون‏لبلعم: ادع  اللّه على موسى وأصحابه، ليحبسه علينا.

فركب حمارته، ليمرّ في طلب موسى- عليه السّلام- [و أصحابه‏]  فامتنعت عليه حمارته. فأقبل يضربها، فأنطقها اللّه- عزّ وجلّ- فقالت: ويلك، على ما تضربني!؟

أ تريد أن أجي‏ء معك لتدعو على نبيّ اللّه وقوم مؤمنين!؟

فلم يزل يضربها حتّى قتلها. وانسلخ الاسم [الأعظم‏]  من لسانه. وهو قوله:

فَانْسَلَخَ مِنْها.

وَ لَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ: إلى منازل الأبرار من العلماء.

بِها: بسبب تلك الآيات وملازمتها.

وَ لكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ: مال إلى الدّنيا، أو إلى السّفل.

وَ اتَّبَعَ هَواهُ: في إيثار الدّنيا واسترضاء قومه، وأعرض عن مقتضى الآيات.

قيل : وإنّما علّق رفعه بمشيئة اللّه ثمّ استدرك عنه بفعل العبد، تنبيها على أنّ المشيئة سبب لفعله الموجب لرفعه، وأنّ عدمه دليل عدمها، دلالة انتفاء المسبّب على انتفاء سببه. لأنّ  السّبب الحقيقيّ هو المشيئة، وأنّ ما نشاهده من الأسباب وسائط معتبرة في حصول المشيئة، من حيث إنّ المشيئة تعلّقت به كذلك. وكان من حقّه أن يقول ولكنّه أعرض عنها، فأوقع موقعه أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ مبالغة، وتنبيها على ما حمله عليه. وأنّ حبّ الدّنيا رأس كلّ خطيئة.

فَمَثَلُهُ: فصفته الّتي هي مثل في الخسّة.

كَمَثَلِ الْكَلْبِ، كصفته في أخسّ أحواله. وهو إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ، أي: يلهث دائما، سواء حمل عليه بالزّجر والطّرد أو ترك ولم يتعرّض له، لضعف فؤاده. بخلاف سائر الحيوانات، فإنّه إذا هيّج وحرّك لهث وإلّا لم يلهث.

و «اللّهث» إدلاع اللّسان من التّنفّس الشّديد.

و الشّرطيّة في موضع الحال، والمعنى: لاهثا في الحالتين.

و خلاصة المعنى: إن وعظته، فهو ضالّ. وإن لم تعظه، فهو ضالّ في كلّ حال.و التّمثيل واقع موقع لازم التّركيب، الّذي هو نفي الرّفع ووضع المنزلة، للمبالغة في البيان.

و قيل : لمّا دعا على موسى- عليه السّلام-، خرج لسانه فوقع على صدره.

و جعل يلهث، كالكلب.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، في الحديث السابق فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ وهو مثل ضربه اللّه .

فقال الرّضا- عليه السّلام-: فلا يدخل الجنّة من البهائم إلّا ثلاث : حمارة بلعم، وكلب أصحاب الكهف، والذّئب. فكان سبب الذّئب، أنّه بعث ملك ظالم رجلا شرطيّا ليحشر قوما من المؤمنين ويعذّبهم. وكان للشّرطيّ ابن يحبّه. فجاء ذئب، فأكل ابنه، فحزن الشّرطيّ عليه. فأدخل اللّه ذلك الذّئب الجنّة لما أحزن الشّرطيّ.

ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ: المذكورة على اليهود. فإنّها، نحو قصصهم.

لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ : تفكّرا، يؤدّي بهم إلى الاتّعاظ.

ساءَ مَثَلًا الْقَوْمُ، أي: مثل القوم.

و قرئ : «ساء مثل القوم» على حذف المخصوص بالذّمّ.

الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا: بعد قيام الحجّة عليها، وعلمهم بها.

وَ أَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ :

إمّا أن يكون داخلا في الصّلة معطوفا على «كذّبوا»، بمعنى: الّذين جمعوا بين تكذيب الآيات وظلمهم أنفسهم. أو منقطعا عنها، بمعنى: وما ظلموا بالتّكذيب إلّا أنفسهم، فإنّ وباله لا يتخطّاها. ولذلك قدّم المفعول.

مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ :

فيه تصريح بأنّ الهدى والضّلالة مطلقا من اللّه، لأنّ الموصول تضمّن معنى الشّرط.

و المعنى: إن يهد اللّه شخصا، فهو المهتدي. وإن يضله، فهو الخاسر.

و ليس فيه، أنّه يهديه ويضلّه قطعا. ولكنّ هداية اللّه بمعنى: الإيصال إلى الحقّ. قد يختصّ ببعض دون بعض، وأنّها مستلزمة للاهتداء، وإن لم تكن في تلك الآية دلالة على ذلك فتبصر.

و الإفراد في الأوّل والجمع في الثّاني، باعتبار اللّفظ. والمعنى: تنبيه على أنّ المهتدين، كواحد، لاتّحاد طريقهم، بخلاف الضّالّين.

و الاقتصار في الإخبار عمّن هداه اللّه بالمهتدي، تعظيم لشأن الاهتداء، وتنبيه على أنّه كمال في نفسه كمال جسيم ونفع عظيم. لو لم يحصل له غيره، لكفاه، وأنّه المستلزم للفوز بالنّعم الآجلة، والعنوان لها.

وَ لَقَدْ ذَرَأْنا: خلقنا.

لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، يعني: المصرّين على الكفر في علمه- تعالى-.

لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها: إذ لا يلقونها إلى معرفة الحقّ، والنّظر في دلائله.

وَ لَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها، أي: لا ينظرون إلى ما خلق اللّه- تعالى- نظر اعتبار.

وَ لَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها: الآيات والمواعظ سماع تأمّل وتذكّر.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن الباقر- عليه السّلام- [في قوله:]  لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها.

يقول: طبع اللّه عليها، فلا تعقل. وَلَهُمْ أَعْيُنٌ عليها غطاء عن الهدى. لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها، أي: جعل في آذانهم وقرا فلم يسمعوا الهدى.

أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ: في عدم الفقه، والإبصار للاعتبار، والاستماع للتّدبّر. أو في أنّ مشاعرهم وقواهم متوجّهة إلى أسباب التّعيّش، مقصورة عليها.

بَلْ هُمْ أَضَلُّ: فإنّها تدرك ما يمكن لها أن تدرك من المنافع والمضارّ وتجتهد في جذبها ودفعها ، وهم ليسوا كذلك، بل أكثرهم يعلم أنّه معاند فيقدم على النّار.

أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ : الكاملون في الغفلة.و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى عبد اللّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللّه جعفر بن محمّد الصّادق- عليه السّلام- فقلت: الملائكة أفضل أم بنو آدم؟

فقال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: إنّ اللّه ركّب في الملائكة عقلا بلا شهوة، وركّب في البهائم شهوة بلا عقل، وركّب في بني آدم كليهما. فمن غلب عقله شهوته، فهو خير من الملائكة. ومن غلبت شهوته عقله، فهو شرّ من البهائم.

وَ لِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى قيل : لأنّها دالّة على معان هي أحسن المعاني. والمراد بها: الألفاظ. وقيل:

الصّفات.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: الرّحمن الرّحيم.

فَادْعُوهُ بِها: فسمّوه بتلك الأسماء.

و في تفسير العيّاشيّ : عن الرضا- عليه السّلام- قال: إذا نزلت بكم شدّة، فاستعينوا بنا على اللّه. وهو قول اللّه: وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها.

و في أصول الكافي : الحسين بن محمّد الاشعريّ ومحمّد بن يحيى جميعا، عن أحمد بن إسحاق، عن سعدان بن مسلم، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها.

قال: نحن، واللّه، الأسماء الحسنى الّتي لا يقبل اللّه من العباد عملا إلّا بمعرفتنا.

و في كتاب التّوحيد ، بإسناده إلى الحسين بن سعيد الحزّاز: عن رجاله، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: اللّه غاية من  ما غيّاه، والمغييّ غير الغاية، توحّد بالرّبوبيّة، ووصف نفسه بغير محدوديّة. فالذّاكر اللّه، غير اللّه. واللّه، غير أسمائه. وكلّ شي‏ء وقع عليه اسم شي‏ء سواه، فهو مخلوق. ألا ترى إلى قوله: العزّة للّه، العظمة للّه.

و قال: وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها. وقال:قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى . فالأسماء مضافة إليه، وهو التّوحيد الخالص.

وَ ذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ: واتركوا تسمية الزّائغين فيها، الّذين يسمّونه ويصفونه بما يوهم معنى فاسدا، كقولهم: يا أبا المكارم، يا أبيض الوجه.

أو لا تبالوا بإنكارهم ما يسمّي به نفسه، كقولهم: ما نعرف إلّا رحمن اليمامة.

أو ذروهم وإلحادهم فيها بإطلاقها على الأصنام واشتقاق أسمائها منها، كالّلات، من اللّه. والعزّى، من العزيز. ولا توافقوهم عليه.

أو أعرضوا عنهم. فإنّ اللّه مجازيهم، كما قال: سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ .

و قرأ  حمزة هنا وفي حم السّجدة: «يلحدون» بالفتح. يقال: لحد، وألحد: إذا مال عن القصد.

و في أصول الكافي : أحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان بن يحيى قال: سألني أبو قرّة المحدّث، أن أدخله على أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام-.

فاستأذنته، فأذن لي.

فدخل، فسأله عن الحلال والحرام. ثمّ قال له: أفتقرّ أنّ اللّه محمول؟

فقال أبو الحسن- عليه السّلام-: كلّ محمول مفعول به، مضاف إلى غيره، محتاج، والمحمول اسم نقص في اللّفظ. والحامل فاعل، وهو في اللّفظ مدحة. وكذلك قول القائل: فوق، وتحت، وأعلى، وأسفل. وقد قال اللّه: لِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها  ولم يقل في كتبه، أنّه المحمول. بل قال، أنّه الحامل في البرّ والبحر والممسك السّموات والأرض أن تزولا. والمحمول ما سوى اللّه. ولم يسمع أحد آمن باللّه وعظمته قطّ قال في دعائه: يا محمول.

عليّ بن إبراهيم ، عن المختار بن محمّد المختار ومحمّد بن الحسن، عن عبد اللّه بن الحسن العلويّ جميعا، عن الفتح بن يزيد الجرجانيّ، عن أبي الحسن- عليه السّلام- أنّه قال: إنّ الخالق لا يوصف، إلّا بما وصف به نفسه. وأنّى يوصف، الّذي تعجز الحواسّ‏أن تدركه والأوهام أن تناله والخطرات أن تحدّه والأبصار عن الإحاطة به. جلّ عمّا يصفه الواصفون، وتعالى عمّا ينعته النّاعتون.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في كتاب التّوحيد ، بإسناده إلى حنان بن سدير: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل. يقول فيه: وله الأسماء الحسنى، الّتي لا يسمّى بها غيره. وهي الّتي وصفها  في الكتاب، فقال: فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ جهلا بغير علم. فالّذي يلحد في أسمائه بغير علم يشرك وهو لا يعلم، ويكفر به وهو يظنّ أنّه يحسن. ولذلك  قال: وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ . فهم الّذين يلحدون في أسمائه بغير علم، فيضعونها غير مواضعها.

و إذ قد عرفت ممّا روي من بطون الآية، أنّ المراد بأسمائه الحسنى: الأئمّة- عليهم السّلام-، عرفت بقرينة المقابلة أنّ المراد بالّذين يلحدون في أسمائه: هم الّذين يعدلون عنهم إلى أعدائهم الظّالمين لهم، الغاصبين لحقّهم. فإنّهم سيجزون بما كانوا يعملون.