سورة الأعراف الآية 21-40

وَ قاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ ، أي: أقسم لهما على ذلك.

و أخرجه على زنة المفاعلة، للمبالغة.

و قيل : أقسما له بالقبول.

و قيل : أقسما عليه باللّه أنّه لمن النّاصحين، فأقسم لهما. فجعل ذلك مقاسمة.

فَدَلَّاهُما: فنزّلهما إلى الأكل من الشّجرة. نبه به على أنّه أهبطهما بذلك من درجة عالية إلى رتبة سافلة. فإنّ التّدلية والإدلاء: إرسال الشّي‏ء من أعلى إلى أسفل.

بِغُرُورٍ: بما غرّهما به من القسم، فإنّهما ظنّا أنّ أحدا لا يحلف باللّه كاذبا. أو ملتبسين بغرور.

و في عيون الأخبار ، في ذكر مجلس الرّضا- عليه السّلام- عند المأمون في قصّة الأنبياء- عليهم السّلام-: حدّثنا تميم بن عبد اللّه بن تميم القرشيّ قال: حدّثني أبي، عن حمدان بن سليمان النّيشابوريّ، عن عليّ بن محمّد بن الجهم قال: حضرت مجلس المأمون وعنده الرّضا- عليه السّلام-.

قال: فقال له المأمون: يا ابن رسول اللّه، أليس من قولك: إنّ الأنبياء معصومون؟قال: بلى.

قال: فما معنى قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى ؟

فقال- عليه السّلام-: إنّ اللّه- تعالى- قال لآدم- عليه السّلام-: اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ. وأشار لهما إلى شجرة الحنطة فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ . ولم يقل: ولا تأكلا من هذه الشّجرة ولا ممّا كان من جنسها. فلم يقربا تلك الشّجرة [و لم يأكلا منها] . وإنّما أكلا من غيرها لمّا أن وسوس الشّيطان إليهما، وقال: ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ وإنّما نهاكما أن تقربا غيرها، [و لم ينهكما]  عن الأكل منها إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ، وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ.

و لم يكن آدم وحوّاء شاهدا قبل ذلك من يحلف باللّه كاذبا. فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ فأكلا منها ثقة بيمينه باللّه. وكان ذلك من آدم قبل النّبوّة. ولم يكن ذلك بذنب كبير استحقّ به دخول النّار، وإنّما كان من الصّغائر الموهوبة الّتي تجوز على الأنبياء قبل نزول الوحي عليهم. فلمّا اجتباه اللّه- تعالى- وجعله نبيّا كان معصوما لا يذنب صغيرة ولا كبيرة. قال اللّه- تعالى-: وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى، ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى .

و قال- عزّ وجلّ-: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ .

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وروي عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: لمّا أخرج اللّه آدم من الجنّة، نزل عليه جبرئيل- عليه السّلام- فقال: يا آدم، أليس اللّه خلقك بيده ونفخ فيك من روحه وأسجد لك ملائكته وزوّجك أمته حوّاء وأسكنك الجنّة وأباحها لك ونهاك مشافهة أن تأكل  من هذه الشّجرة، فأكلت منها وعصيت اللّه؟

فقال آدم- عليه السّلام-: يا جبرئيل، إنّ إبليس حلف باللّه أنّه لي ناصح، فما ظننت أنّ أحدا من الخلق يحلف باللّه كاذبا.و في تفسير العياشيّ : عن جميل بن درّاج ، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما- عليهما السّلام- قال: سألته: كيف أخذ اللّه آدم بالنّسيان؟

فقال: إنّه لم ينس، وكيف ينسى وهو يذكّره ويقول له إبليس: ما نهاكما عن تلكما الشّجرة إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ.

عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- رفعه إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: أنّ موسى- عليه السّلام- سأل ربّه أن يجمع بينه وبين آدم حيث عرج إلى السّماء في أمر الصّلاة، ففعل.

فقال له موسى- عليه السّلام-: [يا آدم‏]  أنت الّذي خلقك اللّه بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته، وأباح لك جنّته، وأسكنك جواره، وكلّمك قبلا.

ثمّ نهاك عن شجرة واحدة، فلم تصبر عنها حتّى أهبطت إلى الأرض بسببها. فلم تستطع أن تضبط نفسك عنها حتّى أغراك  إبليس، فأطعته. فأنت الّذي أخرجتنا من الجنّة بمعصيتك.

فقال له آدم: ارفق بأبيك، أي بنيّ، محنة ما لقي في أمر هذه الشّجرة. يا بنيّ، إنّ عدوّي أتاني من وجه المكر والخديعة، فحلف لي باللّه أنّ مشورته عليّ «لمن النّاصحين». وذلك أنّه قال مستنصحا : إنّي لشأنك، يا آدم، لمغموم.

قلت: وكيف؟

قال: قد كنت أنست بك وبقربك منّي، وأنت تخرج ممّا أنت فيه إلى ما ستكرهه .

فقلت: وما الحيلة؟

فقال: إنّ الحيلة هو ذا معك، قال  أفلا أدلّك على شجرة الخلد وملك لا يبلى؟

فكلا منها أنت وزوجك فتصيرا معي في الجنّة أبدا «من الخالدين».و حلف باللّه كاذبا أنّه «لمن النّاصحين». ولم أظنّ، يا موسى، أنّ أحدا يحلف باللّه كاذبا. فوثقت بيمينه. فهذا عذري. فأخبرني، يا بنيّ، هل تجد فيما أنزل اللّه إليك أنّ خطيئتي كائنة من قبل أن أخلق.

قال له موسى: بدهر طويل .

قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: فحجّ آدم موسى- عليه السّلام-. قال ذلك ثلاثا.

عن عبد اللّه بن سنان  قال: سئل أبو عبد اللّه- عليه السّلام- وأنا حاضر: كم لبث آدم وزوجته في الجنّة حتّى أخرجهما منها بخطيئتهما؟

فقال: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- لمّا  نفخ في آدم من روحه بعد زوال الشّمس من يوم الجمعة، برأ  زوجته من أسفل أضلاعه. ثمّ أسجد له ملائكته، واسكنه جنّته من يومه ذلك. فو اللّه، ما استقرّ فيها إلّا ستّ ساعات في يومه ذلك حتّى عصى اللّه، فأخرجهما اللّه منها بعد غروب الشّمس. وما باتا فيها وصيّرا بفناء الجنّة حتّى أصبحا فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَناداهُما رَبُّهُما أَ لَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ. فاستحى آدم من ربّه وخضع، وقال: رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا واعترفنا بذنوبنا فاغفر لنا. قال اللّه لهما: اهبطا من سمواتي إلى الأرض، فإنّه لا يجاورني في جنّتي عاص ولا في سمواتي.

ثمّ قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: إنّ آدم لمّا أكل من الشّجرة ذكر ما نهاه اللّه عنها، فندم. فذهب ليتنحّى  من الشّجرة، فأخذت الشّجرة برأسه فجرّته إليها وقالت له: أفلا كان فراقي  من قبل أن تأكل منّي.

فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما، أي: فلمّا وجدا طعمها آخذين في الأكل منها، أخذتهما العقوبة فتهافت عنهما لباسهما فظهرت لهما عوراتهما.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، والعيّاشيّ ، عن الصّادق- عليه السّلام-: كانت‏سوءاتهما لا تبدو لهما فبدت ، يعني: كانت من داخل.

و اختلف في أنّ الشّجرة كانت السّنبلة أو الكرم أو غيرهما، وقد مرّ في سورة البقرة توجيهه، وأنّ اللّباس كان نورا أو حلّة أو ظفرا.

وَ طَفِقا يَخْصِفانِ: أخذا يرقعان ويلزقان ورقة فوق ورقة.

عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ: يغطّيان سوءاتهما به.

قيل : كان ورق التّين.

و قرئ : «يخصفان» من أخصف، أي: يخصفان أنفسهما. و«يخصفان» من خصّف. و«يخصفان» أصله: يختصفان.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي- رحمه اللّه- رفعه قال: سئل الصّادق- عليه السّلام- عن جنّة آدم: أمن جنان الدّنيا كانت أم من جنان الآخرة؟

فقال: كانت من جنان الدّنيا تطلع فيها الشّمس والقمر. ولو كانت من جنان الآخرة، ما اخرج  منها أبدا لمّا أسكنه اللّه الجنّة وأباحها له إلّا الشّجرة لأنّه خلق خلقه لا يبقى إلّا بالأمر والنّهي والغذاء واللّباس والأكنان  والتّناكح. ولا يدرك ما ينفعه ممّا يضرّه إلّا بالتّوقيف. فجاءه إبليس فقال له إن أكلتما من هذه الشّجرة الّتي نهاكما اللّه عنها، صرتما ملكين وبقيتما  في الجنّة أبدا. وإن لم تأكلا منها، أخرجكما من الجنّة. وحلف لهما، أنّه لهما ناصح. فقبل آدم قوله، فأكلا من الشّجرة. وكان، كما حكى اللّه بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما. وسقط عنهما ما ألبسهما اللّه من لباس الجنّة، وأقبلا يستتران من ورق الجنّة.

وَ ناداهُما رَبُّهُما أَ لَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ : عتاب على مخالفة النّهي، وتوبيخ على الاغترار بقول العدوّ.

قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا: أضررناها بالمخالفة، والتّعريض للإخراج عن الجنّة.

وَ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ : إنّما قالا ذلك،على عادة المقرّبين في استعظام الصّغير من العثرات، واستحقار العظيم من الحسنات.

و في كتاب معاني الأخبار ، بإسناده إلى محمّد بن سنان، عن المفضّل بن عمر، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل. وفيه قال- عليه السّلام-: فلمّا أسكن اللّه- عزّ وجلّ- آدم وزوجته الجنّة قال لهما: كُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ، يعني: شجرة الحنطة . فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ. فنظرا  إلى منزلة محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة بعدهم- عليهم السّلام- فوجداها أشرف منازل أهل الجنّة.

فقالا: ربّنا، لمن هذه المنزلة؟

فقال اللّه- جلّ جلاله-: ارفعا رأسكما  إلى ساق العرش .

فرفعا رؤوسهما، فوجدا أسماء محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة [بعدهم‏] - عليهم السّلام- مكتوبة على ساق العرش بنور من نور اللّه الجبّار- جلّ جلاله-. [فقالا: يا ربنا، ما أكرم أهل هذه المنزلة عليك، وما أحبّهم إليك، وما أشرفهم لديك؟ فقال اللّه- جلّ جلاله-:]  لولاهم ما خلقتكما. هؤلاء خزنة علمي وأمنائي على سرّي. إيّاكما أن تنظرا إليهم بعين الحسد وتتمنّيا  منزلتهم عندي ومحلّهم من كرامتي، فتدخلا  بذلك في نهيي وعصياني فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ.

قالا: ربّنا، ومن الظّالمون؟

قال: المدّعون لمنزلتهم بغير حقّ.

قالا: ربّنا، فأرنا منزلة ظالميهم في نارك حتّى نراها، كما رأينا منزلتهم في جنّتك.

فأمر اللّه- تبارك وتعالى- النّار، فأبرزت جميع ما فيها من ألوان النّكال والعذاب.

و قال- عزّ وجلّ-: مكان الظّالمين لهم المدّعين لمنزلتهم في أسفل درك منهاكُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها وكُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بدّلناها  سواها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ الأليم. يا آدم ويا حوّاء، لا  تنظرا إلى أنواري وحججي بعين الحسد فأهبطكما عن جواري وأحلّ بكما هواني.

فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ، وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ، فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ، وحملهما على تمنّي منزلتهم. فنظرا إليهم بعين الحسد، فخذلا حتّى أكلا من شجرة الحنطة. فعاد مكان ما أكلا شعيرا. فأصل الحنطة كلّها ممّا لم يأكلاه. وأصل الشّعير كلّه ممّا عاد مكان ما أكلاه.

فلمّا أكلا من الشّجرة طار الحلي والحلل عن أجسادهما، وبقيا عريانين وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَ لَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ. قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ.

قال: اهبطا من جواري، فلا يجاورني في جنّتي من يعصيني. فهبطا موكولين إلى أنفسهما في طلب المعاش.

قالَ اهْبِطُوا: الخطاب لآدم وحوّاء وذرّيّتهما، أو لهما ولإبليس. كرّر الأمر له تبعا، ليعلم أنّهم قرناء أبدا. وأخبر عمّا قال لهم متفرّقا.

بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ: في موضع الحال، أي: متعادين.

وَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ: استقرارا، أو موضع استقرار.

وَ مَتاعٌ: وتمتّع.

إِلى حِينٍ : إلى أن تنقضي آجالكم.

قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ : للجزاء.

و قرأ  حمزة والكسائيّ وابن ذكوان: «و منها تخرجون». وفي الزّخرف «كذلك تخرجون»  بفتح التّاء وضمّ الرّاء.

يا بَنِي آدَمَ‏في تفسير العياشيّ ، عنهما- عليهما السّلام- قالا: هي عامّة.

قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً، أي: خلقناه لكم بتدبيرات سماويّة وأسباب نازلة. ونظيره قوله- تعالى-: وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ. وقوله: وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ.

يُوارِي سَوْآتِكُمْ: الّتي قصد الشّيطان إبداءها، ويغنيكم عن خصف الورق.

قيل : روي أنّ العرب كانوا يطوفون بالبيت عراة، ويقولون: لا نطوف في ثياب عصينا اللّه فيها. فنزلت. ولعلّه ذكر قصّة آدم تقدمة لذلك، حتّى يعلم أنّ انكشاف العورة أوّل سوء أصاب الإنسان من الشّيطان، وأنّه أغواهم في ذلك، كما أغوى أبويهم.

وَ رِيشاً: ولباسا تتجمّلون به.

و «الرّيش» الجمال.

و قيل : مالا. ومنه، ترّيش الرّجل: إذا تموّل.

و قرئ : «رياشا». وهو جمع، ريش، كشعب وشعاب.

وَ لِباسُ التَّقْوى: خشية اللّه.

و قيل : الإيمان. الحسن .

و قيل : السّمت الحسن.

و قيل : لباس الحرب.

و رفعه بالابتداء، وخبره ذلِكَ خَيْرٌ. أو «خير»، و«ذلك» صفته، كأنّه قيل: وَلِباسُ التَّقْوى المشار إليه «خير».

و قرأ  نافع وابن عامر والكسائيّ: وَلِباسُ التَّقْوى بالنّصب، عطفا على «ريشا» .

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: لِباسُ التَّقْوى الثّياب البيض.

و عن الباقر- عليه السّلام- : فأمّا اللّباس، فالثّياب الّتي تلبسون. وأمّا الرّياش، فالمتاع والمال. وأمّا «لباس التّقوى»، فالعفاف. لأنّ العفيف لا تبدو له عورة وإن كان عاريا من الثّياب، والفاجر بادي العورة وإن كان لابسا  من الثّياب. «ذلك خير» يقول: العفاف  خير.

و في كتاب الخصال ، فيما علّم أمير المؤمنين- عليه السّلام- أصحابه من الأربعمائة باب: البسوا ثياب القطن، فإنّها لباس رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- [و هو لباسنا] . ولم نكن نلبس  الشّعر والصّوف إلّا من علّة.

و قال: إنّ اللّه جميل يحبّ الجمال، ويحبّ أن يرى أثر نعمته على عبده.

عن أمّ الدّرداء قالت : قال  رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: من أصبح معافى في جسده آمنا في سربه عنده قوت يومه، فكأنّما حيزت له الدّنيا. يا ابن آدم ، يكفيك من الدّنيا ما سدّ جوعتك ووارى عورتك. فإن لكن لك بيت يكنّك، فذاك. وإن يكن لك دابّة تركبها، فبخ. بخ والخير وما الخير  وما بعد ذلك حساب عليك وعذاب.

عن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي ، بإسناده يرفعه إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: [يكره السواد إلّا في ثلاثة: العمامة والخفّ والكساء.

عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-  قال: سمعت أبي يحدّث عن أبيه، عن جدّه- عليهم السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-:]  خمس لا أدعهنّ حتّى‏الممات: الأكل على الحضيض  مع العبيد، وركوب الحمار مردفا ، وحلب العنز بيدي، ولبس الصوف، والتسليم على الصّبيان لتكون سنّة [من‏]  بعدي.

و في الكافي : أحمد بن محمّد بن سعيد، عن جعفر بن عبد اللّه العلويّ وأحمد بن محمّد الكوفيّ، عن عليّ بن العبّاس، عن إسماعيل بن إسحاق جميعا، عن أبي روح فرج بن قرّة، عن مسعدة  بن صدقة قال: حدّثني ابن أبي ليلى، عن عبد الرّحمن السّلميّ قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: أمّا بعد، فإنّ الجهاد باب من أبواب الجنّة فتحه اللّه لخاصّة أوليائه، ومنحهم  كرامة منه لهم ونعمة ذخرها. والجهاد لباس التّقوى، ودرع اللّه الحصينة، وجنّته الواقية

 . والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في نهج البلاغة ، نحوه من غير حذف مغيّر للمعنى.

ذلِكَ، أي: إنزال اللّباس.

مِنْ آياتِ اللَّهِ: الدّالّة على فضله ورحمته.

لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ : فيعرفون نعمته. أو يتّعظون، فيتورّعون عن القبائح.

يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ: لا يمحننّكم، بأن يمنعكم من دخول الجنّة بإغوائكم.

كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ، كما محن أبويكم، بأن أخرجهما منها.

و النّهي في اللّفظ للشّيطان. والمعنى: نهاهم عن اتّباعه والافتتان به.

يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما: حال من «أبويكم». أو من فاعل «أخرج». وإسناد النّزع إليه، للتّسبّب.

إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ: تعليل للنّهي، وتأكيد للتّحذير من فتنته.

 «و قبيله» جنوده.و رؤيتهم إيّانا من حيث لا نراهم في الجملة، لا تقتضي امتناع رؤيتهم وتمثّلهم لنا.

و في الحديث : إنّ الشّيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدّم منه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : عن العالم- عليه السّلام- حديث طويل. وفيه ذكر طلب إبليس من اللّه وإجابته. ومن جملة الطّلب قال: قال: وأراهم ولا يروني، وأتصوّر لهم في كلّ صورة شئت.

فقال: قد أعطيتك.

إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ : بما أوجدنا بينهم من التّناسب. أو بإرسالهم عليهم، وتمكينهم من خذلانهم، وحملهم على ما سوّلوا لهم.

و الآية مقصود القصّة، وفذلكة الحكاية.

وَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً: فعلة متناهية في القبح، كعبادة الأصنام، والائتمام بإمامة الجور، وكشف العورة في الطّواف.

قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها: اعتذروا واحتجّوا بأمرين: تقليد الآباء، والافتراء على اللّه. فأعرض عن الأوّل، لظهور فساده. وردّ الثّاني بقوله: قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ: لأنّ عادته جرت على الأمر بمحاسن الأفعال، والحثّ على مكارم الخصال.

قيل : ولا دلالة فيه على أنّ قبح الفعل، بمعنى ترتّب الذّمّ عليه [عاجلا والعقاب‏]  آجلا، عقليّ. فإنّ المراد بالفاحشة، ما ينفر عنه الطّبع السّليم ويستنقصه  العقل المستقيم.

و فيه: أنّه يدلّ على أنّ قبح الفعل، بمعنى أنّ فيه شيئا يقتضي النّهي عنه وترتّب الذّمّ آجلا، عقليّ. وهو المدعى.

و قيل : هما جوابا سؤالين مترتّبين، كأنّه قيل لهم لمّا فعلوها: لم فعلتم؟ فقالوا:

وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا. فقيل: ومن أين أخذ آباؤكم؟ فقالوا: اللَّهُ أَمَرَنا بِها. وعلى‏الوجهين يمنع التّقليد مطلقا إلّا ما دلّ دليل على جوازه.

و في الكافيّ  مضمرا، وفي تفسير العيّاشي : عن عبد صالح قال: هل رأيت أحدا زعم، أنّ اللّه أمر بالزّنا وشرب الخمر وشي‏ء من هذه المحارم؟

فقيل: لا.

قال: ما هذه الفاحشة الّتي يدّعون أنّ اللّه أمرهم بها؟

قيل: اللّه أعلم ووليّه.

فقال: فإنّ هذا في أئمّة الجور، ادّعوا أنّ اللّه أمرهم بالائتمام [بقوم لم يأمرهم اللّه بالائتمام‏]  بهم. فردّ اللّه ذلك عليهم. فأخبر أنّهم قد قالوا عليه الكذب، ويسمّى ذلك منهم فاحشة.

و في أصول الكافي:  الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسين بن عليّ الوشّاء، عن حمّاد بن عثمان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من زعم أنّ اللّه أمر بالفحشاء، فقد كذب على اللّه. ومن زعم أنّ الخير والشّرّ إليه، فقد كذب على اللّه.

أَ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ : إنكار يتضمّن النّهي عن الافتراء.

قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ: بالعدل. وهو الوسط من كلّ أمر، للتّجافي عن طرفي الإفراط والتّفريط.

وَ أَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ: وتوجّهوا إلى عبادته مستقيمين غير عادلين إلى غيرها. أو أقيموها نحو القبلة.

عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ: في كلّ وقت سجود. أو مكانه، وهو الصلاة. أو في أيّ مسجد حضرتكم الصلاة. ولا تؤخّروها حتّى تعودوا إلى مساجدكم.

و في كتاب تهذيب الأحكام : علي بن الحسن  الطاطريّ، عن [ابن‏]

 

 أبي حمزة، عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-: هذه في  القبلة.

و عنه - عليه السّلام-: مساجد محدثة، فأمروا أن يقيموا وجوههم شطر المسجد الحرام.

و في تفسير العياشي  مثل الحديثين وزاد في الاوّل: ليس فيها عبادة الأوثان خالصا مخلصا.

و عنه - عليه السّلام-: «كلّ مسجد»، يعني: الأئمّة- عليهم السّلام-.

وَ ادْعُوهُ: واعبدوه.

مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، أي: الطّاعة. فإنّ إليه مصيركم.

كَما بَدَأَكُمْ، كما أنشأكم ابتداء.

تَعُودُونَ : بإعادته، فيجازيكم على أعمالكم. وإنّما شبّه الإعادة بالإبداء . تقريرا لإمكانها والقدرة عليها.

و قيل : كَما بَدَأَكُمْ من التّراب. «تعودون» إليه.

و قيل : كَما بَدَأَكُمْ حفاة عراة غرلا . «تعودون».

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : عن الباقر- عليه السّلام- في هذه الآية: خلقهم من طينتهم  مؤمنا وكافرا وشقيّا وسعيدا. وكذلك يعودون يوم القيامة مهتد وضالّ.

فَرِيقاً هَدى: بأن وفّقهم للإيمان.

وَ فَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ، أي: الخذلان، إذ لم يقبل الهدى. وانتصابه بفعل يفسّره ما بعده، أي: وخذل فريقا.

إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ: تعليل لخذلانهم، أو تحقيق‏لضلالتهم.

وَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ : يدلّ على أنّ الكافر المخطئ والمعاند سواء في استحقاق الذّمّ. وللفارق أن يحمله على المقصّر في النّظر.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وهم القدريّة، الّذين يقولون: لا قدر. ويزعمون أنّهم قادرون  على الهدى والضّلال. وذلك إليهم إن شاءوا اهتدوا، وإن شاءوا ضلّوا.

و هم مجوس هذه الأمّة. وكذب أعداء اللّه، المشيئة والقدرة للّه كما بدأهم يعودون من خلقه اللّه شقيّا يوم خلقه، كذلك يعود إليه [شقيّا]  ومن خلقه سعيدا يوم خلقه، كذلك يعود إليه سعيدا.

قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: الشّقيّ، من شقي في بطن أمّه. والسّعيد، من سعد في بطن أمّه.

و

في العلل ، عنه- عليه السّلام-: إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، يعني: أئمّة [الجور]  دون أئمّة الحقّ.

يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ: ثيابكم لمواراة عوراتكم.

عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ: لصلاة أو طواف.

قيل : كانوا يطوفون عراة بالبيت، الرّجال بالنّهار والنّساء باللّيل، فأمرهم اللّه بلبس الثّياب.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: في العيدين والجمعة يغتسل ويلبس ثيابا بيضا .

و روي - أيضا-: المشط عند كلّ صلاة.

و في الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن‏

 سعيد، عن فضالة بن أيّوب، عن ابن سنان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ.

قال: في العيدين والجمعة.

و في مجمع البيان : عن الباقر- عليه السّلام-: أي: خذوا ثيابكم الّتي تتزيّنون بها للصّلاة في الجمعات والأعياد.

و في تفسير العيّاشي : عن محمّد بن الفضل ، عن أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- قال: الثّياب.

و عن الصّادق- عليه السّلام- : هي الأردية في العيدين والجمعة.

و في الجوامع  وفي تفسير العيّاشيّ : كان الحسن بن عليّ- عليهما السّلام- إذا قام إلى الصّلاة، لبس أجود ثيابه.

فقيل له في ذلك.

فقال: إنّ اللّه جميل يحبّ الجمال، فأتجمّل لربّي. وقرأ الآية.

و في من لا يحضره الفقيه ، عن الرّضا- عليه السّلام-: من ذلك التّمشّط عند كلّ صلاة.

و في تفسير العيّاشيّ ، عن الصّادق- عليه السّلام- مثله.

 

و في كتاب الخصال ، عنه- عليه السّلام- في هذه الآية: تمشّط، فإنّ التّمشّط يجلب الرّزق ويحسن الشّعر وينجز الحاجة ويزيد في ماء الصّلب ويقطع البلغم. وكان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يسرح لحيته أربعين مرّة ويمرّ  فوقها سبع مرّات، ويقول:

إنّه يزيد في الذّهن ويقطع البلغم.و في تهذيب الأحكام ، عنه- عليه السّلام- في هذه الآية قال: الغسل عند لقاء كلّ إمام.

و في تفسير العيّاشيّ ، عنه- عليه السّلام-: يعني: الأئمّة.

و في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عمّن ذكره، عن محمّد بن عبد الرّحمن بن أبي ليلى، عن أبيه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال: وصل  اللّه طاعة وليّ أمره بطاعة رسوله، و[طاعة رسوله‏]  بطاعته.

فمن ترك طاعة ولاة الأمر، لم يطع اللّه ولا رسوله. وهو الإقرار بما أنزل من عند اللّه- عزّ وجلّ-: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ. والتمسوا  البيوت الّتي أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ . فإنّه أخبركم أنّهم رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ، يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وَ كُلُوا وَاشْرَبُوا: ما طاب لكم.

نقل : أنّ بني عامر في أيّام حجّهم كانوا لا يأكلون الطّعام إلّا قوتا، ولا يأكلون دسما. يعظّمون بذلك حجّهم، فهم المسلمون به. فنزلت.

وَ لا تُسْرِفُوا: بالإفراط والإتلاف والتّعدّي إلى الحرام، وبتحريم الحلال وغير ذلك.

قال عليّ بن الحسين بن واقد : قد جمع اللّه- تعالى- الطّبّ في نصف آية، فقال:

كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا.

إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ، أي: لا يرضى فعلهم.

و في تفسير العيّاشي ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: أ ترى اللّه أعطى من‏أعطى من كرامته  عليه، ومنع من منع من هوان به عليه؟ لا، ولكنّ المال مال اللّه يضعه عند الرّجل ودائع. وجوّز لهم أن يأكلوا قصدا، ويشربوا قصدا، ويلبسوا قصدا، وينكحوا قصدا، ويركبوا قصدا، ويعودوا بما سوى ذلك على فقراء المؤمنين ويلمّوا به شعثهم. فمن فعل ذلك، كان ما يأكل حلالا ويشرب حلالا ويركب [حلالا]  وينكح حلالا. ومن عدا ذلك كان عليه حراما. ثمّ قال: وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ. أ ترى اللّه ائتمن رجلا على ما  خوّل له أن يشتري فرسا بعشرة آلاف درهم ويجزئه فرس بعشرين درهما، ويشتري جاريته  بألف دينار ويجزئه [جارية]  بعشرين دينارا؟ وقال: وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ.

و في عيون أخبار الرّضا - عليه السّلام- بإسناده قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: ليس شي‏ء أبغض على اللّه من بطن ملآن .

و بإسناده  قال: قال عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-: أتى أبو جحيفة النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- وهو يتجشّأ.

فقال: اكفف جشأك، فإنّ أكثر النّاس في الدّنيا شبعا أكثرهم يوم القيامة جوعا.

قال: فما ملأ أبو حنيفة بطنه من طعام حتّى لحق باللّه- تعالى-.

و في كتاب الخصال ، عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال: أبعد ما يكون العبد من اللّه إذا كان همّه فرجه وبطنه.

عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام - قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: المؤمن يأكل في معاء واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء.

و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى عمر بن عليّ، عن أبيه، عن  عليّ بن‏

 أبي طالب- عليه السّلام-: أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: مرّ أخي عيسى - عليه السّلام- بمدينة فيها رجل وامرأة يتصايحان .

فقال: ما شأنكما؟

فقال: يا نبيّ اللّه، هذه امرأتي وليس بها بأس صالحة، ولكنّي أحبّ فراقها.

قال: فأخبرني على كلّ حال، ما شأنها؟

قال: هي خلقة الوجه من غير كبر.

قال لها: يا امرأة، أ تحبّين أن يعود ماء وجهك طريّا؟

قالت: نعم.

قال لها: إذا أكلت، فإيّاك أن تشبعي . لأنّ الطّعام إذا تكاثر على الصّدر فزاد في القدر، ذهب ماء الوجه.

ففعلت ذلك، فعاد وجهها طريّا.

قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ: من الثّياب، وسائر ما يتجمّل به.

الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ: من الأرض، كالقطن والكتّان والأبريسم والصّوف والمعادن والجواهر.

وَ الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ: المستلذّات من المآكل والمشارب. وفيه دلالة على أنّ الأصل في المطاعم والملابس وأنواع التّجمّلات، الإباحة، لأنّ الاستفهام في «من» للإنكار. وكذا في قوله- تعالى-: كُلُوا وَاشْرَبُوا، دلالة على أنّ الأصل في كلّ المأكولات والمشروبات الإباحة إلّا ما أخرجه الدّليل.

و في الكافي : محمّد بن يحيى، عن عبد اللّه بن محمّد عن  عليّ بن الحكم، عن أبان بن عثمان، عن يحيى بن أبي العلاء، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: بعث أمير المؤمنين- عليه السّلام- عبد اللّه بن عبّاس إلى ابن الكوّاء وأصحابه وعليه قميص رقيق وحلّة. فلمّا نظروا إليه، قالوا: يا ابن عبّاس، أنت خيرنا في أنفسنا وأنت تلبس هذااللّباس! فقال: وهذا أوّل ما أخاصمكم فيه قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ . وقال اللّه: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ.

و في تفسير العيّاشي ، عنه- عليه السّلام- ما في معناه.

 

و في الكافي : عليّ بن محمّد بن بندار، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن محمّد بن عليّ [رفعه‏]  قال: مرّ سفيان الثّوريّ في المسجد الحرام، فرأى أبا عبد اللّه- عليه السّلام- وعليه ثياب كثيرة القيمة حسان.

فقال: واللّه، لآتينّه ولأوبّخنّه.

فدنا منه فقال: يا ابن [رسول اللّه، ما لبس‏]  رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- مثل هذا اللّباس ولا عليّ ولا أحد من آبائك.

فقال- عليه السّلام-: كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- في زمان قتر مقتر، وكان يأخذ لقتره وإقتاره . وأنّ الدّنيا بعد ذلك أرخت عزاليها ، فأحقّ أهلها بها أبرارها. ثمّ تلا: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي (الآية) فنحن أحقّ من أخذ منها ما أعطاه اللّه. غير أنّي، يا ثوريّ، ما ترى عليّ من ثوب إنّما لبسته للنّاس.

ثمّ اجتذب  يد سفيان، فجرّها إليه. ثمّ رفع الثّوب الأعلى، وأخرج ثوبا تحت ذلك على جلده غليظا فقال: هذا لبسته لنفسي، وما رأيته للنّاس.

ثمّ اجتذب ثوبا على سفيان أعلاه غليظ خشن وداخل ذلك ثوب ليّن، فقال:

لبست هذا الأعلى للنّاس، ولبست هذا لنفسك تسرّها.

عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعريّ، عن ابن القدّاح قال: كان أبو عبد اللّه- عليه السّلام- متّكئا على بعض أصحابه، فلقيه عبّاد بن‏

كثير وعليه ثياب مزيّنة  حسان.

فقال: يا أبا عبد اللّه، إنّك من أهل بيت النبوّة وكان أبوك وكان. فما لهذه الثياب المزيّنة  عليك؟ فلو لبست دون هذه الثّياب.

فقال له- عليه السّلام-: ويلك، يا عبّاد، مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ. إنّ اللّه- عزّ وجلّ- إذا أنعم على عبد نعمة، أحبّ أن يراها عليه ليس بها بأس. ويلك، يا عبّاد، إنّما أنا بضعة من رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فلا تؤذني .

و كان عباد يلبس ثوبين من قطن .

و عنه- عليه السّلام - أنّه قيل له: أصلحك اللّه، ذكرت أنّ عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- كان يلبس الخشن، يلبس القميص بأربعة دراهم وما أشبه ذلك، ونرى عليك اللّباس الجيّد.

فقال له- عليه السّلام-: إنّ عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- كان يلبس ذلك في زمان لا ينكر. ولو لبس مثل ذلك اليوم، لشهّر به. فخير لباس كلّ زمان لباس أهله. غير أنّ قائمنا- عليه السّلام- إذا قام، لبس لباس عليّ وسار بسيرته.

سهل بن زياد ، عن محمّد بن عيسى، عن العبّاس بن هلال الشّامي مولى أبي الحسن- عليه السّلام-، عنه قال: قلت: جعلت فداك، ما أعجب إلى النّاس من يأكل الجشب ويلبس الخشن ويتخشّع.

فقال: أما علمت أنّ يوسف النّبيّ- عليه السّلام- [نبي ابن نبي‏]  كان يلبس أقبية الدّيباج مزرورة  بالذّهب، ويجلس في مجالس آل فرعون ويحكم. فلم يحتج النّاس إلى لباسه، وإنّما احتاجوا إلى قسطه. وإنّما يحتاج من الإمام إلى أن إذا قال صدق، وإذا وعد أنجز، وإذا حكم عدل. إنّ اللّه لم يحرّم طعاما ولا شرابا من حلال، وإنّماحرّم الحرام قلّ أو كثر. وقد قال- عزّ وجلّ-: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : عن الحكم بن عيينة قال: رأيت أبا جعفر- عليه السّلام- وعليه إزار أحمر. قال: فأحددت»

 النّظر إليه.

فقال: يا أبا محمّد، إنّ هذا ليس به بأس. ثمّ تلا: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ.

عن الوشّاء ، عن الرّضا- عليه السّلام- قال: كان عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- يلبس الجبّة والمطرف والخزّ والقلنسوة، ويبيع المطرف ويتصدّق بثمنه ويقول:

قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ.

عن يوسف بن إبراهيم  قال: دخلت على أبي عبد اللّه- عليه السّلام- وعليّ جبّة خزّ وطيلسان خزّ، فنظر إليّ.

فقلت: جعلت فداك، عليّ جبّة خزّ وطيلسان خزّ، ما تقول فيه؟

قال: ولا بأس بالخزّ.

قلت: وسداه أبريسم.

فقال: [لا بأس به، فقد]  أصيب الحسين بن عليّ- عليه السّلام- وعليه جبّة خزّ.

عن أحمد بن محمّد ، عن أبي الحسن- عليه السّلام- قال: كان عليّ بن الحسين- عليه السّلام- يلبس الثّوب بخمسمائة [دينار]  والمطرف بخمسين دينارا يشتو  فيه. فإذا ذهب الشّتاء، باعه وتصدّق بثمنه.

و في خبر  عمر بن عليّ ، عن أبيه، عليّ بن الحسين  أنّه كان يشتري الكساءالحسن بخمسين دينارا، فإذا صاف تصدّق به. ولا يرى بذلك بأسا ويقول: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ.

قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا: بالأصالة. والكفرة وإن شاركوهم، فتبع.

خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ: لا يشاركهم فيها غيرهم. وانتصابها، على الحال.

و قرأ  نافع، بالرّفع، على أنّها خبر بعد خبر.

و في أمالي الصّدوق ، عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- في حديث: واعلموا، يا عباد اللّه، إنّ المتّقين حازوا عاجل الخير وآجله. شاركوا أهل الدّنيا في دنياهم، ولم يشاركهم أهل الدّنيا في آخرتهم. أباحهم اللّه في الدّنيا ما كفاهم به وأغناهم. قال اللّه- عزّ وجلّ-:

قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ (إلى آخر الآية). سكنوا الدّنيا بأفضل ما سكنت، وأكلوها  بأفضل ما أكلت. شاركوا أهل الدّنيا في دنياهم فأكلوا معهم من طيّبات ما يأكلون، وشربوا من طيّبات ما يشربون، ولبسوا من أفضل ما يلبسون، وسكنوا من أفضل ما يسكنون، وتزوّجوا من أفضل ما يتزوّجون، وركبوا من أفضل ما يركبون. وأصابوا لذّة الدّنيا مع أهل الدّنيا، وهم غدا جيران اللّه، يتمنّون عليه فيعطيهم ما يتمنّون، لا تردّ لهم دعوة ولا ينقص لهم نصيب من اللّذّة. فإلى هذا، يا عباد اللّه، يشتاق إليه من كان له عقل.

كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ، أي: كتفصيلنا هذا الحكم نفصّل سائر الأحكام لهم.

قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ: [ما تزايد قبحه.

و قيل : ما يتعلّق بالفروج.]

ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ: [جهرها وسرّها.و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ.]

قال: من ذلك أئمّة الجور.

وَ الْإِثْمَ: وما يوجب الإثم. تعميم بعد تخصيص.

و قيل : شرب الخمر.

وَ الْبَغْيَ: الظّلم، أو الكبر. أفرده بالذّكر، للمبالغة.

بِغَيْرِ الْحَقِّ: متعلّق «بالبغي» مؤكّد له معنى.

وَ أَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً: تهكّم بالمشركين، وتنبيه على حرمة اتّباع ما لا يدلّ عليه برهان.

وَ أَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ : بالإلحاد في صفاته والافتراء عليه، كقولهم: وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها.

و في الكافي : أبو عليّ الأشعريّ، عن بعض أصحابنا وعليّ بن إبراهيم، عن أبيه جميعا، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة، عن أبيه، عن عليّ بن يقطين قال: سأل المهديّ أبا الحسن- عليه السّلام- عن الخمر: هل محرّمة في كتاب اللّه- جلّ اسمه-؟

فقال: نعم، يا أمير المؤمنين.

فقال له: في أيّ موضع محرّمة في كتاب اللّه- جلّ اسمه- يا أبا الحسن؟

فقال: قول اللّه- عزّ وجلّ-: قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ. وأمّا قوله: ما ظهر منها، يعني: الزّنا المعلن، ونصب الرّايات الّتي كانت ترفعها الفواجر للفواحش في الجاهليّة. وأمّا قوله- عزّ وجلّ-: «و ما بطن»، يعني: ما نكح من أزواج الآباء. لأنّ النّاس كانوا قبل أن يبعث النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- إذا كان للرّجل زوجة ومات عنها، تزوّجها ابنه من بعده إذا لم تكن أمّه، فحرّم اللّه- عزّ وجلّ- ذلك. وأمّا «الإثم» فإنّها الخمر بعينها وقد قال اللّه- عزّ وجلّ- في‏موضع آخر: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ . فأمّا «الإثم» في كتاب اللّه، فهي الخمر والميسر.

و في تفسير العيّاشيّ ، مثله سواء.

 

إلّا أنّه بعد قوله: «و الميسر» أخيرا: فهي النّرد فقال: [و الشطرنج‏]  وإثمهما كبير [كما قال اللّه‏]  وأمّا قوله: «و البغي»، فهو الزّنا سرا.

و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن أبي وهب، عن محمّد بن منصور قال: سألت [أبا عبد اللّه- عليه السّلام-]  عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ.

قال: فقال: إنّ القرآن له ظهر وبطن. فجميع ما حرّم اللّه في القرآن هو الظّاهر، والباطن من ذلك أئمّة الجور. وجميع ما أحلّ اللّه في الكتاب هو الظّاهر، والباطن من ذلك أئمّة الحقّ.

 [وَ أَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ أي تتقوّلوا وتفتروا فيه‏] .

و في كتاب الخصال ، عن مفضّل بن يزيد  قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: أنهاك عن خصلتين فيهما هلك الرّجال: أن تدين اللّه بالباطل، وتفتي النّاس بما لا تعلم.

عن عبد الرّحمن بن الحجّاج  قال: قال لي أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: إيّاك وخصلتين فيهما هلك من هلك: إيّاك أن تفتي النّاس برأيك، وتدين بما لا تعلم.

و في كتاب التّوحيد ، بإسناده إلى جعفر بن [محمّد: عن‏]  سماعة، عن غير واحد، عن زرارة قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام-: ما حجّة اللّه على العباد؟فقال: أن يقولوا ما يعلمون، ويقفوا عند ما لا يعلمون.

و في من لا يحضره الفقيه ، عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- في وصيّته لابنه محمّد ابن الحنفيّة: يا بنيّ، لا تقل ما لا تعلم، بل لا تقل كلّ ما تعلم.

و في عيون الأخبار ، بإسناده، عن عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: من أفتى النّاس بغير علم، لعنته ملائكة السّموات والأرض.

و في نهج البلاغة : وقال- عليه السّلام- علامة الإيمان أن تؤثر الصّدق حيث يضرّك على الكذب حيث ينفعك، وأن لا يكون في حديثك فضل عن علمك ، وأن تتّقي اللّه في حديث غيرك.

وَ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ: مدّة، أو وقت لنزول العذاب بهم.

قيل : وهو وعيد لأهل مكّة.

فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ: انقرضت مدّتهم، أو حان وقتهم.

لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ ، أي: لا يتأخّرون ولا يتقدّمون أقصر وقت. أو لا يطلبون التّأخّر والتّقدّم، لشدّة الهول.

و في تفسير العيّاشيّ : عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قوله:

ثُمَّ قَضى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ.

قال: الأجل الّذي غير مسمّى موقوف، يقدّم منه ما شاء ويؤخّر ما شاء. وأمّا الأجل المسمّى، فهو الّذي ينزل ممّا يريد أن يكون من ليلة القدر إلى مثلها من قابل.

فذلك قول اللّه: فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ.

عن حمران ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللّه: ثُمَّ قَضى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ.

قال: المسمّى، ما يسمّى لملك الموت في تلك اللّيلة. وهو الّذي قال اللّه:فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ. وهو الّذي سمّي لملك الموت في ليلة القدر.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن محمّد الأزديّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ إلى قوله:

 «تعملون» . قال: تعد  السّنين، ثمّ تعد  الشّهور، ثمّ تعد الأيّام، ثمّ تعد النّفس فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ.

و في كتاب التّوحيد : حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان قال: حدّثنا أحمد بن يحيى بن زكريّا القطّان قال: حدّثنا بكر بن عبد اللّه بن حبيب قال: حدّثنا عليّ بن زياد قال:

 

حدّثنا مروان بن معاوية، عن الأعمش، عن أبي حسّان  التّيميّ، عن أبيه، وكان مع عليّ- عليه السّلام- يوم صفّين، وفيما بعد ذلك قال: بينما عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- يعبّأ الكتائب يوم صفّين ومعاوية مستقبله على فرس له يتأكّل له  تحته تأكّلا وعليّ- عليه السّلام- على فرس رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- المرتجز وبيده حربة رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وهو متقلّد سيفه ذا الفقار، فقال رجل من أصحابه:

احترس، يا أمير المؤمنين. فإنّا نخشى أن يغتالك هذا الملعون.

فقال- عليه السّلام-: لئن قلت ذلك إنّه غير مأمون على دينه، وأنّه لأشقى  القاسطين وألعن الخارجين على الأئمّة المهتدين، ولكن كفى بالأجل حارسا. إنّه ليس أحد من النّاس إلّا ومعه ملائكة حفظة، يحفظونه من أن يتردّى في بئر أو يقع عليه حائط أو يصيبه سوء. فإذا جاء  أجله، خلّوا بينه وبين ما يصيبه. وكذا إذا حان أجلي، انبعث أشقاها فخضّب هذه من هذا- وأشار إلى لحيته ورأسه- عهدا معهودا ووعدا غير مكذوب.

و بإسناده إلى الأصبغ بن نباتة  قال: إنّ أمير المؤمنين- عليه السّلام- عدل من عند حائط مائل إلى حائط آخر.فقيل له: يا أمير المؤمنين، أ تفرّ من قضاء اللّه.

قال: [أفرّ من قضاء اللّه‏]  إلى قدر اللّه- عزّ وجلّ-.

و بإسناده إلى عمرو بن جميع ، عن جعفر بن محمّد قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن جدّه- عليهما السّلام- قال: دخل الحسين بن عليّ- عليهما السّلام- على معاوية.

فقال له: ما حمل أباك على أن قتل أهل البصرة ثمّ دار عشيا  في طرقهم في ثوبين؟

فقال- عليه السّلام-: حمله على ذلك علمه أنّ ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأنّ ما أخطأه لم يكن ليصيبه.

قال: صدقت.

قال: وقيل لأمير المؤمنين لمّا أراد قتال الخوارج: لو احترزت يا أمير المؤمنين.

فقال- عليه السّلام-:

         أيّ يوميّ من الموت أفرّ             يوم لم يقدر أو يوم قدر

 

 

         يوم لم يقدر لا أخشى الرّدى             وإذا قدّر لم يغن الحذر

 

 

و بإسناده  إلى يحيى بن [أبي‏]  كثير قال: قيل لأمير المؤمنين- عليه السّلام-: ألا نحرسك؟

قال: كلّ  حرس كلّ امرئ أجله.

و بإسناده إلى سعيد بن وهب  قال: كنّا مع سعيد بن قيس بصفّين ليلا، والصّفان ينظر كلّ واحد منهما إلى صاحبه حتّى جاء أمير المؤمنين- عليه السّلام-. فنزلنا على فنائه .

فقال له سعيد بن قيس: أ في هذه السّاعة، يا أمير المؤمنين، أما خفت شيئا؟قال: وأيّ شي‏ء أخاف؟ إنّه ليس من أحد إلّا ومعه ملكان موكّلان به، أن يقع في بئر أو تضربه دابّة أو يتردّى من جبل حتّى يأتيه القدر. فإذا أتى القدر، خلّوا بينه وبينه.

يا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي قيل : شرط ذكره بحرف الشّكّ، للتّنبيه على أنّ إتيان الرّسل أمر جائز غير واجب، كما يظنّه أهل التّعليم.

و فيه، أنّ الإتيان بحرف الشّكّ إنّما هو بالنّظر إلى كون الرّسل كثيرة، كما يدلّ عليه الجمع. وكونهم منكم، كما يدلّ عليه تقييده به. فلا تنبيه فيه على ما ادّعاه.

و ضمّت إليها «ما»، لتأكيد معنى الشّرط. ولذلك أكّد فعلها بالنّون. وجوابه فَمَنِ اتَّقى: التّكذيب.

وَ أَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ . وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ .

و المعنى: فمن اتّقى التّكذيب وأصلح عمله منكم، والّذين كذّبوا بآياتنا منكم.

و إدخال «الفاء» في الخبر الأوّل دون الثّاني، للمبالغة في الوعد والمسامحة في الوعيد.

فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ: ممّن تقوّل على.

اللّه- تعالى- ما لم يقله، أو كذّب ما قاله.

أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ: ممّا كتب  لهم من الأرزاق والآجال.

و قيل : «الكتاب» اللّوح، أي: ما أثبت لهم فيه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، أي: ينالهم ما في كتابنا من عقوبات المعاصي.

حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ، أي: يتوفّون أرواحهم.

و هو حال من الرّسل.

و «حتّى» غاية نيلهم. وهي الّتي يبتدأ بعدها الكلام.

قالُوا: جواب «إذا».أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ: أين الآلهة الّتي كنتم تعبدونها؟

و «ما» وصلت «بأين» في خطّ المصحف ، وحقّها الفصل. لأنّها موصولة.

قالُوا ضَلُّوا عَنَّا: غابوا عنّا.

وَ شَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ : اعترفوا بأنّهم كانوا ضالّين فيما كانوا عليه.

قالَ ادْخُلُوا، أي: قال اللّه لهم يوم القيامة. أو واحد من الملائكة.

فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ، أي: كائنين في جملة أمم مصاحبين لهم يوم القيامة.

مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، يعني: كفّار الأمم الماضية من النّوعين.

فِي النَّارِ: متعلّق «بادخلوا».

كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ، أي: في النّار.

لَعَنَتْ أُخْتَها: الّتي ضلّت بالاقتداء بها.

حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً، أي: تداركوا وتلاقوا في النّار.

في أصول الكافي : عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابه، عن آدم بن إسحاق، عن عبد الرزّاق بن مهران، عن الحسين بن ميمون، عن محمّد بن سالم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- حديث طويل. يقول فيه- عليه السّلام-: وَما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ ، يعنون:

المشركون  الّذين اقتدوا بهم هؤلاء، فاتّبعوهم على شركهم. وهم قوم محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-. ليس فيهم من اليهود والنّصارى. وتصديق ذلك قول اللّه- عزّ وجلّ-:

كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ . وكَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ . كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ . ليس فيهم  اليهود الّذين قالوا: عزيز ابن اللّه. ولا النّصارى الّذين قالوا: المسيح ابن اللّه.

و سيدخل اللّه اليهود والنّصارى النّار، ويدخل [كلّ‏]  قوم بأعمالهم.

و قولهم: وَما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ إذ دعونا إلى سبيلهم. ذلك قول اللّه- عزّ وجلّ- فيهم حين جمعهم إلى النّار: قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ. وقوله: كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً بري‏ء بعضهم من بعض ولعن بعضهم بعضا، يريد بعضهم أن يحجّ بعضا رجاء  الفلج فيفلتوا  من عظيم ما نزل بهم. وليس بأوان بلوى ولا اختبار  ولا قبول معذرة.

و لات حين نجاة.

قالَتْ أُخْراهُمْ: دخولا ومنزلة.

لِأُولاهُمْ، أي: لأجل أولاهم. إذ الخطاب مع اللّه، لا معهم. وهم القادة والرّؤساء.

و في مجمع البيان : عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-: يعني: أئمّة الجور.

رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا: سنّوا لنا الضّلال، فاقتدينا بهم.

فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ: مضاعفا، لأنّهم ضلّوا وأضلّوا.

قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ: أمّا القادة، فبكفرهم وتضليلهم. أمّا الأتباع، فبكفرهم وتقليدهم.

وَ لكِنْ لا تَعْلَمُونَ : ما لكم، أو لكلّ فريق.

و قرأ  عاصم برواية أبي بكر، بالياء، على الانفصال.

وَ قالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ: عطفوا كلامهم على جواب اللّه لأخراهم ورتّبوه عليه، أي: فقد ثبت أن لا فضل علينا، إنّا وإيّاكم متساوون في الضّلال واستحقاق العذاب.

فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ : من قول القادة. أو من قول اللّه للفريقين. أو من قول الفريقين.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: شماتة بهم.إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها، أي: عن الإيمان بها.

لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ: لأدعيتهم وأعمالهم أو لأرواحهم، كما تفتّح لأعمال المؤمنين وأرواحهم لتتّصل بالملائكة.

و في مجمع البيان : عن الباقر- عليه السّلام-: أمّا المؤمنون، فترفع أعمالهم وأرواحهم إلى السّماء فتفتح لهم أبوابها. وأمّا الكافر ، فيصعد بعمله وروحه حتّى إذا بلغ السّماء نادى مناد: اهبطوا به إلى سجّين. وهو واد بحضرموت يقال له: برهوت.

و «التّاء» في «تفتّح» لتأنيث الأبواب، والتّشديد لكثرتها.

و قرأ  أبو عمرو، بالتّخفيف. وحمزة والكسائي، به وبالياء. لأنّ التّأنيث غير حقيقيّ، والفعل مقدّمة.

و قرئ ، على البناء للفاعل، ونصب «الأبواب» على أنّ الفعل «للآيات».

و بالتّاء، على أنّ الفعل للّه- تعالى-.

وَ لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ، أي: حتّى يدخل ما هو مثل في عظم الجرم وهو البعير، فيما هو مثل في ضيق المسلك وهو ثقبة الإبرة. وذلك ممّا لا يكون، فكذا ما نوقف عليه.

و قرئ : «الجمّل» كالقمّل. و«الجمل»، كالقفل. و«الجمل»، كالنّصب. و«الجمل»، كالحبل. وهي الحبل الغليظ من القنب. وقيل : حبل السّفينة.

و «سمّ» بالضّمّ والكسر.

و «في سمّ المخيط». وهو «الخياط» ما يخاط به، كالحزام والمحزم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن فضالة بن أيّوب، عن أبان بن عثمان، عن ضريس، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: نزلت هذه الآية في أهل الجمل ، طلحة وزبير. و«الجمل» جملهم.و في تفسير العيّاشيّ : عن منصور بن يونس، عن رجل، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ: نزلت في طلحة والزّبير. و«الجمل» جملهم.

و في كتاب الخصال ، عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال: تفتح أبواب السّماء في خمس مواقيت: عند نزول الغيث، وعند الزّحف، وعند الأذان، وعند قراءة القرآن مع زوال الشّمس، وعند طلوع الفجر.

و عن عليّ- عليه السّلام-  وقد سأله بعض اليهود عن مسائل: أمّا أقفال السّموات، فالشّرك باللّه. ومفاتيحها، قول: لا إله إلّا اللّه.

و في شرح الآيات الباهرة : في بيان ذلك، أنّ أهل الجمل هم الّذين كذّبوا بآياته، وأعظم آياته أمير المؤمنين- صلوات اللّه عليه-. «و استكبروا عنها» وبغوا عليها .

لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ، أي: لأرواحهم الخبيثة وأعمالهم القبيحة. [فهي الّتي لا تفتح لها أبواب السّماء] .

كما

جاء في تفسير مولانا الإمام أبي محمّد الحسن العسكريّ- عليه السّلام- قول رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وقد حكى لأصحابه عن حال من يبخل بالزّكاة.

فقالوا له: ما أسوء حال هذا! فقال قال  رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: أو لا أنبّئكم بأسوإ حالا من هذا؟

فقالوا: بلى، يا رسول اللّه.

قال: رجل حضر الجهاد في سبيل اللّه، فقتل مقبلا غير مدبر. وحور العين يطّلعن إليه، وخزّان الجنان يتطّلعون ورود روحه عليهم، وأملاك الأرض يتطّلعون نزول حور العين إليه والملائكة وخزّان الجنان فلا يأتونه.

فتقول ملائكة الأرض حوالي ذلك المقتول: ما بال الحور العين  لا ينزلن، ومابال خزّان الجنان لا يردون؟

فينادون من فوق السّماء السّابعة: أيّتها الملائكة، انظروا إلى آفاق السّماء دوينها.

فينظرون، فإذا توحيد هذا العبد وإيمانه برسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وصلاته وزكاته وصدقته وأعمال برّه كلّها محبوسات دوين السّماء. قد أطبقت آفاق السّماء كلّها، كالقافلة العظيمة، قد ملأت ما بين أقصى المشارق والمغارب ومهابّ الشّمال والجنوب.

و تنادي أملاك تلك الأفعال الحاملون لها الواردون بها: ما بالنا لا تفتّح لنا أبواب السّماء، فندخل إليها أعمال هذا الشّهيد؟

فيأمر اللّه- عزّ وجلّ- بفتح أبواب السّماء، فتفتّح. ثمّ ينادى هؤلاء الأملاك:

ادخلوها إن قدرتم.

فلم تقلّها أجنحتهم، ولا يقدرون على الارتفاع بتلك الأعمال. فيقولون:

يا ربّنا، لا نقدر على الارتفاع بهذه الأعمال.

فيناديهم منادي ربّنا- عزّ وجلّ-: يا أيّتها الملائكة، لستم حمّالي هذه الأثقال الصّاعدين بها. إذ حملتها الصّاعدون بها مطاياها الّتي ترفعها إلى دوين العرش، ثمّ تقرّها في درجات الجنان.

فتقول الملائكة: يا ربّنا، وما مطاياها؟

فيقول اللّه- تعالى-: وما الّذي حملتم من عنده؟

فيقولون: توحيده لك وإيمانه بنبيّك.

فيقول اللّه- تعالى-: فمطاياها موالاة عليّ أخ نبيّي وموالاة الأئمّة الطّاهرين.

فإن أوتيت، فهي الحاملة الرّافعة الواضعة  لها في الجنان.

فينظرون، فإذا الرّجل مع ماله من هذه الأشياء ليس له موالاة عليّ والطّيّبين من آله ومعاداة أعدائهم.

فيقول اللّه- تبارك وتعالى- للأملاك الّذين كانوا حامليها: اعتزلوها والحقوا بمراكزكم من ملكوتي، ليأتيها من هو أحقّ بحملها ووضعها في موضع استحقاقها.فتلحق تلك الأملاك بمراكزها المجعولة لها.

ثمّ ينادي منادي ربّنا- عزّ وجلّ-: يا أيّتها الزّبانية، تناوليها وحطّيها إلى سواء الجحيم. لأنّ صاحبها لم يجعل لها [مطايا]  من مطايا موالاة عليّ والطّيّبين من آله.

قال: فتنادى تلك الأملاك، ويقلب  اللّه- عزّ وجلّ- تلك الأثقال أوزارا وبلايا على باعثها  لما فارقتها مطاياها من موالاة عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-. ونوديت تلك الأملاك إلى مخالفته لعليّ وموالاته لأعدائه. فيسلّطها  اللّه- عزّ وجلّ- وهي في صورة الأسد على تلك الأعمال وهي كالقربان والقوقس . فيخرج من أفواه تلك الأسد نيران تحرقها، ولا يبقى له عمل إلّا حبط، ويبقى عليه موالاة أعداء عليّ وجحد ولايته فيقرّ ذلك في سواء الجحيم. فإذا هو قد حبطت أعماله وعظمت أوزاره وأثقاله. فهذا أسوأ حالا من مانع الزّكاة.

وَ كَذلِكَ: ومثل ذلك الجزاء القطيع.

نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ