سورة الأعراف الآية 41-60

لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ: فراش.

وَ مِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ: أغطية.

و التّنوين فيه، للبدل عن الإعلال، عند سيبويه. وللصّرف، عند غيره.

و قرئ : «غواش» على إلغاء المحذوف.

وَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ : عبّر عنهم بالمجرمين تارة وبالظّالمين أخرى، إشعارا بأنّهم بتكذيبهم الآيات اتّصفوا بهذه الأوصاف الذّميمة. وذكر الجرم مع الحرمان من الجنّة والظّلم مع التّعذيب بالنّار، تنبيها على أنّه أعظم الإجرام.

وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ : جرى على عادته- سبحانه- في أن يشفع الوعيد بالوعد.

و لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها اعتراض بين المبتدأ وخبره، للتّرغيب في اكتساب النّعيم المقيم بما يسعه طاقتهم ويسهل عليهم.و قرئ : «لا تكلّف نفس».

وَ نَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ، أي: نخرج من قلوبهم أسباب الغلّ. أو يطهّروا منه، حتّى لا يكون بينهم إلّا التّوادّ.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : عن الباقر- عليه السّلام-: العداوة تنزع منهم، أي:

من المؤمنين في الجنّة.

تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ: زيادة في لذّتهم وسرورهم.

وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا: لما جزاؤه هذا.

وَ ما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللَّهُ: لو لا هداية اللّه وتوفيقه.

و «اللّام» لتأكيد النّفي. وجواب «لولا» محذوف دلّ عليه ما قبله.

و قرأ ابن عامر: «ما كنّا» بغير واو، على أنّها مبيّنة للأولى.

و في أصول الكافي : الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن أحمد بن محمّد، عن ابن هلال، عن أبيه، عن أبي الصّباح ، عن أبي يعقوب ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في هذه الآية: إذا كان يوم القيامة دعي بالنّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- وبأمير المؤمنين- عليه السّلام- وبالأئمّة من ولده- عليهم السّلام- فينصبون للنّاس. فإذا رأتهم شيعتهم قالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا (الآية)، يعني: هدانا اللّه- تعالى- في ولاية أمير المؤمنين والأئمّة من ولده- عليهم السّلام-.

و في كتاب الاحتجاج ، للطّبرسيّ- رحمه اللّه- عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- حديث طويل في خطبة الغدير. وفيها: معاشر النّاس، سلّموا على عليّ بإمرة المؤمنين، وقولوا  الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللَّهُ.

و في مجمع البيان : عن عاصم بن ضمرة ، عن عليّ- عليه السّلام- أنّه ذكر أهل الجنّة، فقال: يجيئون ويدخلون، فإذا أساس بيوتهم من جندل الّلؤلؤ وسرر مرفوعةو أكواب موضوعة ونمارق مصفوفة وزرابيّ مبثوثة. ولو لا أنّ اللّه قدّرها لهم، لالتمعت أبصارهم بما يرون. يعانقون الأزواج ويقعدون على السّرر، ويقولون: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن الدّهقان، عن درست، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي الحسن- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: من قال إذا ركب الدّابّة: بسم اللّه لا حول ولا قوّة إلّا باللّه الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ (الآية) سبحان اللّه  سُبْحانَ  الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ، إلّا  حفظت له دابّته ونفسه [حتّى ينزل‏] .

لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ: فاهتدينا بإرشادهم. يقولون ذلك اغتباطا وتبجّحا، بأنّ ما علموه يقينا في الدّنيا صار لهم عين اليقين في الآخرة.

وَ نُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ: إذا رأوها من بعيد، أو بعد دخولها والمنادى له بالذّات.

أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ .

قيل : أي: أعطيتموها بسبب أعمالكم.

و في مجمع البيان : عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: ما من أحد إلّا وله منزل في الجنّة ومنزل في النّار. فأمّا الكافر، فيرث المؤمن منزله في النّار. والمؤمن يرث الكافر منزله من الجنّة. فذلك قوله: أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.

و هو حال من «الجنّة»، والعامل فيها معنى الإشارة. أو خبر، والجملة صفة «تلكم». و«أن» في المواقع الخمسة هي المخفّفة، أو المفسّرة. لأنّ المناداة والتّأذين من القول.

وَ نادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا: إنّما قالوه، تبجّحا بحالهم وشماتة بأصحاب النّار وتحسيرالهم. وإنّما لم يقل: ما وعدكم، كما قال: «ما وعدنا»، لأنّ ما ساءهم من الموعود لم يكن بأسره مخصوصا وعده بهم، كالبعث والحساب ونعيم أهل الجنّة لأهلها.

قالُوا نَعَمْ.

و قرأ  الكسائيّ حيث وقع، بكسر العين. وهما لغتان.

فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ.

قيل : هو صاحب الصّور.

و في أصول الكافي : الحسن بن محمّد ، عن معلى بن محمّد، عن الوشّاء، عن أحمد بن عمر  الحلّال قال: سألت أبا الحسن- عليه السّلام- عن قوله: فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ.

قال: «المؤذن» أمير المؤمنين- عليه السّلام-.

و في مجمع البيان : روى الحاكم أبو القاسم الحسكانيّ، بإسناده، عن محمّد بن الحنفيّة، عن عليّ- عليه السّلام- أنّه قال: أنا ذلك المؤذّن.

و في كتاب معاني الأخبار ، خطبة لعليّ- عليه السّلام- يذكر فيها نعم اللّه- عزّ وجلّ- عليه. وفيها يقول- عليه السّلام-: ألا وإنّي مخصوص في القرآن بأسماء، احذروا أن تغلبوا عليها فتضلّوا في دينكم. وأنا المؤذّن في الدّنيا والاخرة. قال اللّه- عزّ وجلّ- فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ. أنا ذلك المؤذن. وقال اللّه:

وَ أَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ  فأنا ذلك الأذان.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن محمّد بن الفضل ، عن أبي الحسن- عليه السّلام- وفي تفسير العياشي . عن الرّضا- عليه السّلام-: المؤذن

 أمير المؤمنين. يؤذّن أذانا يسمع الخلائق.

و في مجمع البيان - أيضا- بإسناده: عن أبي صالح، عن ابن عبّاس أنّه قال:

لعليّ- عليه السّلام- في كتاب اللّه أسماء لا يعرفونها النّاس. قوله- تعالى-: فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ. وهو المؤذّن أن لعنة اللّه على الظّالمين .

بَيْنَهُمْ: بين الفريقين.

أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ .

و قرأ  ابن كثير، برواية البزّيّ، وابن عامر وحمزة والكسائيّ: «أنّ لعنة اللّه» بالتّشديد والنّصب.

و قرئ ، بالكسر، على إرادة القول. أو أجراء «أذّن» مجرى قال.

الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ: صفة للظّالمين مقرّرة. أو ذمّ مرفوع أو منصوب.

وَ يَبْغُونَها عِوَجاً: زيغا وميلا عمّا هو عليه.

و «العوج» بالكسر، في المعاني والأعيان، ما لم تكن منتصبة. وبالفتح في المنتصبة، كالحائط والرّمح.

وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ  وَبَيْنَهُما حِجابٌ، أي: بين الفريقين، لقوله- تعالى-: فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ. أو بين الجنّة والنّار، ليمنع وصول أثر إحداهما إلى الاخرى.

وَ عَلَى الْأَعْرافِ، أي: على أعراف الحجاب، أي: أعاليه. وهو السّور المضروب بينهما. جمع، عرف. مستعار من عرف الفرس.

و قيل : العرف، ما ارتفع من الشّي‏ء. فإنّه يكون بظهوره أعرف من غيره.

رِجالٌ: من الموحّدين العارفين المعروفين، كالأنبياء والأوصياء وخيار المؤمنين.

و قيل : طائفة من الموحّدين قصّروا في العمل، فيحبسون بين الجنّة والنّار حتّى‏يقضي اللّه فيهم ما يشاء.

و قيل : أو ملائكة يرون في صورة الرّجال.

يَعْرِفُونَ كُلًّا: من أهل الجنّة والنّار.

بِسِيماهُمْ: بعلامتهم الّتي أعلمهم اللّه بها. لأنّهم من المتوسّمين أهل الفراسة.

في كتاب معاني الأخبار ، خطبة لعليّ- عليه السّلام- يذكر فيها نعم اللّه- عزّ وجلّ- عليه. وفيها يقول- عليه السّلام-: ونحن أصحاب الأعراف، أنا وعمّي وأخي وابن عمّي. واللّه فالق الحبّ والنّوى، لا يلج النّار لنا محبّ ولا يدخل الجنّة لنا مبغض.

لقول اللّه- عزّ وجلّ-: عَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ.

و في مصباح الشّريعة : قال الصّادق- عليه السّلام-: ولأهل التّواضع سيماء يعرفه أهل السّماء من الملائكة، وأهل الأرض من العارفين. قال اللّه- تعالى-: وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ.

و في مجمع البيان  والجوامع : عن أمير المؤمنين- عليه السّلام-: نحن نوقف يوم القيامة بين الجنّة والنّار. فمن نصرنا، عرفناه بسيماه فأدخلناه الجنّة. ومن أبغضنا، عرفناه بسيماه فأدخلناه النّار.

و فيهما ، وفي تفسير عليّ بن إبراهيم : عن الصّادق- عليه السّلام-: «الأعراف» كثبان بين الجنّة والنّار. و«الرّجال» الأئمّة- صلوات اللّه عليهم-. ويأتي تمام الحديث.

و في الكافي ، عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- في هذه الآية: نحن على الأعراف، نعرف أنصارنا بسيماهم. ونحن الأعراف الّذين لا يعرف اللّه- عزّ وجلّ- إلّا بسبيل معرفتنا. ونحن الأعراف يوقفنا  اللّه- عزّ وجلّ- يوم القيامة على الصّراط. فلا يدخل الجنّة

إلّا من عرفنا وعرفناه، ولا يدخل النّار إلّا من أنكرنا وأنكرناه.

و مثله في بصائر الدّرجات .

و في كتاب الاحتجاج ، إلّا أنّه قال: نوقف  يوم القيامة بين الجنّة والنّار. فلا يدخل الجنّة (الحديث). وزاد في آخره: وذلك بأنّ اللّه- تبارك وتعالى- لو شاء، عرّف للنّاس نفسه حتّى يعرفوه وحده  ويأتوه من بابه. ولكن جعلنا أبوابه وصراطه وسبيله وبابه الّذي  يؤتى منه.

و في تفسير العيّاشيّ : عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ- عليه السّلام- قال: أنا يعسوب المؤمنين. وأنا أوّل السّابقين، وخليفة رسول اللّه ربّ العالمين. وأنا قسيم الجنّة والنّار. وأنا صاحب الأعراف.

عن هشام ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللّه- عزّ وجلّ-:

وَ عَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ ما يعني بقوله: وَعَلَى الْأَعْرافِ.

قال: ألستم تعرفون عليكم عرفاء على قبائلكم، لتعرفون من فيها من صالح أو طالح؟

قلت: بلى.

قال: فنحن أولئك الرّجال الّذين يعرفون كلّا بسيماهم.

عن زاذان ، عن سلمان قال: سمعت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يقول لعليّ- عليه السّلام- أكثر من عشر مرّات: يا عليّ، إنّك والأوصياء من بعدك أعراف بين الجنّة والنّار. ولا يدخل الجنّة إلّا من عرفكم وعرفتموه، ولا يدخل النّار إلّا من أنكركم وأنكرتموه.

عن سعد بن طريف ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في هذه الآيةوَ عَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ.

قال: يا سعد، هم آل محمّد. لا يدخل الجنّة إلّا من عرفهم وعرفوه، ولا يدخل النّار إلّا من أنكرهم وأنكروه.

و عن الثّماليّ  قال: سئل أبو جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه: وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ.

فقال أبو جعفر- عليه السّلام-: نحن على  الأعراف الّذين لا يعرف اللّه إلّا بسبب معرفتنا. ونحن الأعراف الّذين لا يدخل الجنّة إلّا من عرفنا وعرفناه، ولا يدخل النّار إلّا من أنكرنا وأنكرناه. وذلك بأنّ اللّه لو شاء أن يعرّف النّاس نفسه، لعرّفهم.

و لكن جعلنا سببه وسبيله وبابه الّذي يؤتى منه.

و في بصائر الدّرجات ، عنه- عليه السّلام-: «الرّجال» هم الأئمّة من آل محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-. و«الأعراف» صراط بين الجنّة والنّار. فمن شفع له الأئمّة منّا من المؤمنين المذنبين، نجا. ومن لم يشفعوا له، هوى.

و عنه - عليه السّلام- قال: نحن أولئك الرّجال. الأئمّة منّا يعرفون من يدخل الجنّة ومن يدخل النّار، كما تعرفون في قبائلكم. الرّجل منكم يعرف من فيها من صالح أو طالح.

و الأخبار في هذا المعنى كثيرة. وزاد في بعضها : لأنّهم عرفاء العباد، عرّفهم اللّه إيّاهم عند أخذ المواثيق عليهم بالطّاعة لهم. فوصفهم في كتابة فقال: وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ. وهم الشّهداء على النّاس، والنّبيّون شهداء لهم بأخذهم  لهم مواثيق العباد بالطّاعة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، عن الصّادق- عليه السّلام-: كلّ أمّة يحاسبها إمام زمانها، ويعرف الأئمّة أولياءهم وأعداءهم بسيماهم. وهو قوله: وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ. فيعطون أولياءهم كتابهم بيمينهم، فيمرّون إلى الجنّة بلاحساب. ويعطون أعداءهم كتابهم بشمالهم، فيمرّون إلى النّار بلا حساب.

و روى الشّيخ أبو جعفر الطّوسيّ ، عن رجاله، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- وقد سئل عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَبَيْنَهُما حِجابٌ.

فقال: سور بين الجنّة والنّار قائم عليه محمّد وعليّ والحسن والحسين وفاطمة وخديجة- عليهم السّلام- فينادون: أين محبّونا، وأين شيعتنا؟ فيقبلون إليهم، فيعرفونهم بأسمائهم وأسماء آبائهم. وذلك قوله: يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ. فيأخذون بأيديهم، فيجوزون بهم على الصّراط ويدخلونهم الجنّة.

و في بصائر الدّرجات، وفي تفسير عليّ بن إبراهيم : عن الباقر- عليه السّلام- أنّه سئل عن أصحاب الأعراف.

فقال: إنّهم قوم استوت حسناتهم وسيّئاتهم، فقصرت بهم الأعمال. وإنّهم لكما قال اللّه- عزّ وجلّ-.

و في الكافي ، عن الصّادق- عليه السّلام- أنّه سئل عنهم.

فقال: قوم استوت حسناتهم وسيّئاتهم. فإن أدخلهم النّار، فبذنوبهم. وإن أدخلهم الجنّة، فبرحمته.

و في رواية العيّاشي : فإن أدخلهم اللّه الجنّة، فبرحمته. وإن عذّبهم، لم يظلمهم.

قيل : لا منافاة بين هاتين الرّوايتين وبين ما تقدّمهما من الأخبار، كما زعمه الأكثرون. لأنّ هؤلاء القوم يكونون مع الرّجال الّذين على الأعراف، وكلاهما أصحاب الأعراف. يدلّ على ما قلناه صريحا حديث الجوامع.

وَ نادَوْا، يعني: ونادى أصحاب الأعراف. أريد بهم من كان مع الأئمّة على الأعراف من مذنبي شيعتهم، الّذين استوت حسناتهم وسيّئاتهم.

أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ، أي: إذا نظروا عليهم، سلّموا عليهم.

لَمْ يَدْخُلُوها: استئناف لا محلّ له. كأنّ سائلا سأل عن دخولهم الجنّة.فقيل: «لم يدخلوها».

وَ هُمْ يَطْمَعُونَ : حال من «الواو»، أو من «الأصحاب».

و في تفسير العيّاشي : عن كرام قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: إذا كان يوم القيامة، أقبل سبع قباب من نور يواقيت خضر وبيض. في كلّ قبّة إمام دهره، قد أحفّ  به أهل دهره برّها وفاجرها حتّى يقفون بباب الجنّة . فيطّلع أوّلها [صاحب‏]  قبّة اطّلاعة، فيميّز أهل ولايته من عدوّه. ثمّ يقبل على عدوّه فيقول: أنتم الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ اليوم. [يقوله‏]  لأصحابه، فتسوّد وجوه الظّالمين. فيصير  أصحابه إلى الجنّة، وهم يقولون: رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ.

فإذا نظر أهل القبّة الثّانية إلى قلّة من يدخل الجنّة وكثرة من يدخل النّار، خافوا أن لا يدخلوها. وذلك قوله: لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ.

وَ إِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا: تعوّذا باللّه.

رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ، أي: في النّار.

و في مجمع البيان : أنّ في قراءة الصّادق- عليه السّلام-: قالوا ربنا عائذا بك أن لا  تجعلنا مع القوم الظالمين.

وَ نادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ، أي: الأئمّة منهم. والإسناد، كما في قولهم:

بنو تميم قتلوا زيدا. وإنّما قتلوه بعضهم.

رِجالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ: من رؤساء الكفرة.

قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ: كثرتكم، أو جمع المال.

وَ ما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ : عن الحقّ، أو على الخلق.و قرئ : «تستكثرون» من الكثرة.

أَ هؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ: من تتمّة قولهم للرّجال.

و الإشارة إلى شيعتهم الّذين كانوا معهم على الأعراف، الّذين كانت الكفرة يحتقرونهم في الدّنيا ويحلفون أنّ اللّه لا يدخلهم الجنّة.

ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ ، أي: فالتفتوا إلى أصحاب الجنّة وقالوا لهم: «ادخلوا». وهو أوفق.

و قيل : فقيل لأصحاب الأعراف: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بفضل اللّه، بعد أن حبسوا حتّى أبصروا الفريقين وعرفوهم وقالوا لهم ما قالوا.

و قيل : لمّا عيّروا أصحاب النّار، أقسموا أنّ أصحاب الأعراف لا يدخلون الجنّة. فقال اللّه أو بعض الملائكة: أَ هؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ.

و قرئ : «ادخلوا» أو «دخلوا» على الاستئناف وتقديره: دخلوا الجنّة مقولا لهم: «لا خوف عليكم».

في الجوامع : عن الصّادق- عليه السّلام-: «الأعراف» كثبان بين الجنّة والنّار.

يوقف عليها كلّ نبيّ وكلّ خليفة نبيّ مع المذنبين من أهل زمانه، كما يقف صاحب الجيش مع الضّعفاء من جنده، وقد سبق المحسنون إلى الجنّة.

فيقول ذلك الخليفة للمذنبين الواقفين معه: انظروا إلى إخوانكم المحسنين قد سبقوا  إلى الجنّة.

فيسلّم عليهم المذنبون. وذلك قوله: سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ.

أن يدخلهم اللّه إيّاها بشفاعة النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- والإمام. وينظر هؤلاء إلى أهل النّار فيقولون: رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ.

و ينادي «أصحاب الأعراف» وهم الأنبياء والخلفاء. «رجالا» من أهل النّار ورؤساء الكفّار، يقولون لهم مقرّعين: ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ واستكباركم. أَ هؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ. إشارة إلى أهل الجنّة الّذين كان الرّؤساء

يستضعفونهم ويحتقرونهم بفقرهم، ويستطيلون عليهم بدنياهم، ويقسمون أنّ اللّه لا يدخلهم الجنّة. ادْخُلُوا الْجَنَّةَ يقول أصحاب الأعراف لهؤلاء المستضعفين عن أمر من اللّه- عزّ وجلّ- لهم بذلك: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ، أي: لا خائفين ولا محزونين.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن الحسن بن محبوب، [عن أبي أيوب‏]  عن بريد ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-: «الأعراف» كثبان  بين الجنّة والنّار. و«الرّجال» الأئمّة- صلوات اللّه عليهم- يقفون على الأعراف مع شيعتهم، وقد سبق  المؤمنون إلى الجنّة. [بلا حساب‏]  فيقول الأئمّة لشيعتهم من أصحاب الذّنوب:

انظروا إلى إخوانكم في الجنّة قد سبقوا  إليها بلا حساب. وهو قول اللّه- تعالى-: سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ.

ثمّ يقال لهم: انظروا إلى أعدائكم في النّار. وهو قوله: وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ في النّار. قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ في الدّنيا. وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ.

ثمّ يقولون لمن في النّار من أعدائهم: هؤلاء شيعتي وإخواني الّذين كنتم أنتم تحلفون في الدّنيا لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ.

ثمّ يقول الأئمّة لشيعتهم: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ.

وَ نادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا، أي: صبّوا. وهو دليل على أنّ الجنّة فوق النّار.

مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ: من سائر الأشربة، ليلائم الإفاضة. أو من المطاعم، كقوله:

         علفتها تبنا وماء باردا

 

 و في تفسير العيّاشيّ : عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أحدهما- عليهما السّلام- قال: إنّ أهل النّار يموتون عطاشا [، ويدخلون قبورهم عطاشا (، ويحشرون عطاشا)]  ويدخلون جهنّم عطاشا. فيرفع لهم قراباتهم من الجنّة، فيقولون: أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ.

عن الزّهريّ ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-: يوم التّناد، يوم ينادي أهل النّار أهل الجنّة أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ.

و في كتاب الاحتجاج ، للطّبرسيّ- رحمه اللّه-: عن عبد الرّحمن بن عبد اللّه الزّهريّ قال: حجّ هشام بن عبد الملك. فدخل المسجد الحرام متّكئا على يد سالم مولاه، ومحمّد بن عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- جالس في المسجد.

فقال له سالم: يا أمير المؤمنين هذا محمّد بن عليّ بن الحسين.

فقال هشام: المفتون به أهل العراق؟

فقال: نعم.

قال: اذهب إليه فقل له: يقول لك أمير المؤمنين: ما الّذي يأكل النّاس ويشربون إلى أن يفصل بينهم يوم القيامة؟

فقال أبو جعفر- عليه السّلام-: يحشر النّاس على مثل قرصة البرّ النّقي ، فيها أنهار مفجّرة، يأكلون ويشربون حتّى يفرغ النّاس من الحساب.

قال: فرأى هشام أنه ظفر به، فقال: اللّه أكبر، اذهب  إليه فقل له: ما أشغلهم عن الأكل والشّرب يومئذ! فقال أبو جعفر- عليه السّلام-: هم في النّار أشغل [و لم يشغلوا]  عن أن قالوا:

أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ.

فسكت هشام لا يرجع كلاما.و في تفسير عليّ بن إبراهيم . حدّثني أبي، عن الحسن بن محبوب، عن أبي حمزة الثّماليّ، عن أبي الربيع قال: سأل نافع مولى عمر بن الخطّاب أبا جعفر محمّد بن عليّ- عليه السّلام-.

فقال: يا أبا جعفر، أخبرني عن قول اللّه- تبارك وتعالى-: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ. أي أرض تبدّل؟

فقال أبو جعفر- عليه السّلام-: بخبزة  بيضاء، يأكلون منها حتّى يفرغ اللّه من حساب الخلائق.

فقال نافع: إنّهم عن الأكل لمشغولون.

فقال أبو جعفر- عليه السّلام-: أ هم حينئذ أشغل أم هم في النّار؟

فقال نافع: بل وهم في النّار.

قال: فقد قال اللّه: وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ. ما شغلهم إذ دعوا الطّعام، فأطعموا الزّقّوم. ودعوا الشّراب، فسقوا الحميم.

فقال: صدقت، يا ابن رسول اللّه.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

قالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ : منعهما عنهم، منع المحرّم عن المكلّف.

الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً:

و «اللّهو» صرف الهمّ بما لا يحسن أن يصرف به. و«اللّعب» طلب الفرح بما لا يحسن أن يطلب به.

وَ غَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ: نفعل بهم فعل النّاسين، فنتركهم في النّار.

كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا: فلم يخطروه ببالهم، ولم يستعدّوا له.

في عيون الأخبار ، عن الرّضا- عليه السّلام- حديث طويل. وفيه: وإنّما يجازي من نسيه ونسي لقاء يومه بأن ينسيهم  أنفسهم، كما قال- تعالى-:وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ . وقال- عزّ وجلّ-: فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا، أي: نتركهم، كما تركوا الاستعداد للقاء يومهم هذا.

و في كتاب التّوحيد ، عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- في تفسيره: يعني بالنّسيان:

أنّه لم يثبهم، كما يثيب أولياءه الّذين كانوا في دار الدّنيا مطيعين ذاكرين حين آمنوا به وبرسله وخافوه بالغيب. وقد يقول العرب في باب النّسيان: قد نسينا فلان فلا يذكرنا، أي: أنّه لا يأمر لهم بخير ولا يذكرهم به.

وَ ما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ : ولما كانوا منكرين أنّها من عند اللّه.

وَ لَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ: بيّنّا معانيه من العقائد والأحكام والمواعظ مفصّلة.

عَلى عِلْمٍ: عالمين بوجه تفصيله حتّى جاء حكيما. وفيه دليل على أنّه- تعالى- عالم بعلمه. أو مشتملا على علم، فيكون حالا من المفعول.

و قرئ : «فضّلناه»، أي: على سائر الكتب، عالمين بأنّه حقيق بذلك.

هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ : حال من «الهاء».

هَلْ يَنْظُرُونَ: هل ينتظرون.

إِلَّا تَأْوِيلَهُ: إلّا ما يؤول إليه أمره، من تبيين صدقه بظهور ما نطق به من الوعد والوعيد.

يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ: قبل يوم القيامة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : ذلك في قيام القائم- عليه السّلام-.

يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ: تركوه ترك النّاسي.

قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ، أي: قد تبيّن أنّهم جاؤوا بالحقّ.

فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا: اليوم.

أَوْ نُرَدُّ: أو هل نردّ إلى الدّنيا؟و قرئ ، بالنّصب، عطفا على «فيشفعوا». أو لأنّ «أو» بمعنى: «إلى أن».

فعلى الأوّل المسئول أحد الأمرين. وعلى الثّاني المسئول أن يكون لهم شفعاء، إمّا لأحد الأمرين أو لأمر واحد وهو الرّدّ.

فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ: جواب الاستفهام الثّانيّ.

و قرئ ، بالرّفع، أي: فنحن نعمل.

قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ: بصرف أعمارهم في الكفر.

وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ : بطل عنهم، فلم ينفعهم.

إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، أي: في ستّة أوقات، كقوله وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ. أو في مقدار ستّة أيّام، فإنّ المتعارف في اليوم زمان طلوع الشّمس إلى غروبها ولم تكن حينئذ. وفي خلق الأشياء مدرجا مع القدرة على إيجادها دفعة، دليل الاختيار واعتبار النّظام  وحثّ على التأنيّ في الأمور.

في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: في ستّة أوقات.

و في الاحتجاج  للطّبرسيّ: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل. وفيه: وأمّا قوله: إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ  فإنّ اللّه- عزّ وجلّ ذكره- أنزل عزائم الشّرائع وآيات الفرائض في أوقات مختلفة، كما خلق السّموات والأرض في ستّة أيّام. ولو شاء أن يخلقهما في أقلّ من لمح البصر، لخلق. ولكنّه جعل الأناة والمداراة أمثالا  لأنبيائه وإيجابا للحجّة على خلقه.

و في عيون الأخبار : عن الرّضا- عليه السّلام-: وكان قادرا على أن يخلقهما في طرفة عين. ولكنّه- عزّ وجلّ- خلقها في ستّة أيّام، ليظهر على الملائكة  ما يخلقه منها شيئا بعد شي‏ء، فيستدلّ بحدوث ما يحدث على اللّه- تعالى- مرّة بعد مرّة.

و في روضة الواعظين ، للمفيد- رحمه اللّه- وروى أنّ اليهود أتت النّبيّ- صلّى اللّه‏

عليه وآله-. فسألته عن خلق السّموات والأرض.

قال: خلق اللّه الأرض يوم الأحد والإثنين. وخلق الجبال وما فيهنّ يوم الثّلاثاء. وخلق يوم الأربعاء الشّجر والماء والمدائن والعمران والخراب. وخلق يوم الخميس السّماء.

 [و خلق يوم الجمعة النّجوم والشّمس والقمر و]  الملائكة.

قالت اليهود: ثمّ ما ذا يا محمّد؟

قال: ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ.

و فيها  قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: خلق اللّه الجنه يوم الخميس، وسمّاه مؤنسا.

و في الكافي ، عن الصّادق- عليه السّلام-: أنّ اللّه خلق الخير يوم الأحد، وما كان ليخلق الشّرّ قبل الخير. وفي [يوم‏]  الأحد والإثنين خلق الأرضين، وخلق أقواتها يوم الثّلاثاء. وخلق السّموات يوم الأربعاء ويوم الخميس، وخلق أقواتها يوم الجمعة.

و ذلك قوله- تعالى-: خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ.

قيل : هذه الآية المشتملة على قوله: «و ما بينهما» إنّما هي في سورة الفرقان وفي سورة السّجدة التّالية للقمان. ويستفاد منها ومن هذا الحديث وأمثاله ممّا ورد من هذا القبيل، أنّ «ما بينهما»- أيضا- داخل في المقصود من الآية الّتي نحن بصدد تفسيرها.

و في الكافي ، عن الصّادق- عليه السّلام-: أنّ اللّه- تبارك وتعالى- خلق الدّنيا في ستّة أيّام، ثمّ اختزلها عن أيّام السّنة. والسنّة ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوما.

و في من لا يحضره الفقيه  والتّهذيب ، عنه- عليه السّلام-: أنّ اللّه- تبارك وتعالى- خلق السنّة ثلاثمائة وستّين يوما، وخلق السّموات والأرض في ستّة أيّام، فحجزها من ثلاثمائة وستّين يوما. فالسّنة ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوما. (الحديث).و في كتاب الخصال ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ اللّه- تعالى- خلق الشهور اثني عشر شهرا. وهو ثلاثمائة وستّون يوما. فحجز  منها ستّة أيّام خلق فيها السّموات والأرض، فمن ثمّ تقاصرت الشّهور.

عن بكر بن عليّ  بن عبد العزيز ، عن أبيه قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن السّنة، كم يوما هي؟

قال: هي ثلاثمائة وستّون يوما. منها ستّة أيّام خلق اللّه فيها السّموات والأرض، فطرحت من أصل السنّة، فصارت السنّة ثلاثمائة وأربعة وخمسين يوما.

و في تفسير العيّاشيّ ، عن الباقر- عليه السّلام- ما يقرب منه.

قيل : فإن قيل: إنّ الأيّام إنّما تتقدّر وتتمايز بحركة الفلك، فكيف خلقت السّموات والأرض في الأيّام المتمايزة قبل تمايزها؟ قلنا: مناط تمايز الأيّام وتقدّرها، إنّما هو حركة الفلك الأعلى دون السّموات السّبع [و المخلوق في الأيّام المتمايزة، إنّما هو السموات السبع‏]  والأرض وما بينهما [دون ما فوقها]  ولا يلزم من ذلك خلاء لتقدّم الماء الّذي خلق منه الجميع على الجميع.

و فيه نظر. لأنّ مناط تقدّر الزّمان، إنّما هو الفلك الأعلى. وأمّا مناط تقدّر الأيّام، فإنّما هو الشّمس المنوط بغيره من الأفلاك. فافهم. وليعلم أنّ هذه الآية وأمثال هذه الأخبار من المتشابهات، الّتي تأويلها عند الرّاسخين في العلم.

ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ.

في كتاب الاحتجاج ، للطّبرسيّ- رحمه اللّه-: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام-: استوى تدبيره وعلا أمره.

و عن أبي الحسن موسى - عليه السّلام-: استولى على ما رقّ  وجلّ.و في الكافي ، عن الصّادق- عليه السّلام-: ثمّ استوى على كلّ شي‏ء، فليس شي‏ء أقرب إليه من شي‏ء.

و في رواية أخرى : استوى في كلّ شي‏ء، فليس شي‏ء أقرب إليه من شي‏ء. لم يبعد منه بعيد ولم يقرب منه قريب، استوى  في كلّ شي‏ء.

قيل : قد يراد «بالعرش» الجسم المحيط بجميع الأجسام. وقد يراد به ذلك الجسم مع جميع ما فيه من الأجسام، أعني: العالم الجسمانيّ بتمامه. وقد يراد به ذلك المجموع مع جميع ما يتوسّط بينه وبين اللّه- سبحانه- من الأرواح الّتي لا تتقوّم الأجسام إلّا بها، أعني: العوالم كلّها بتمامها بملكها وملكوتها وجبروتها، وبالجملة ما سوى اللّه- عزّ وجلّ-. وقد يراد علم اللّه- سبحانه- المتعلّق بما سواه. وقد يراد به علم اللّه الّذي اطّلع عليه أنبياؤه ورسله وحججه- صلوات اللّه عليهم-. وقد وقعت الإشارة إلى كلّ منها في كلامهم- عليهم السّلام-. وربّما يفسّر بالملك. و«الاستواء» بالاحتواء، كما يأتي في سورة «طه» ويرجع إلى ما ذكر.

ثمّ قال : أقول: فسّر الصّادق- عليه السّلام- «الاستواء» في روايات الكافي باستواء النّسبة، و«العرش» بمجموع الأشياء.

ضمّن الاستواء [في الرواية الأولى‏]  ما يتعدّى «بعلى»، كالاستيلاء والإشراف ونحوهما لموافقة القرآن. فيصير المعنى: استوى نسبته إلى كلّ شي‏ء حال كونه مستوليا على الكلّ. ففي الآية دلالة على نفي المكان عنه- سبحانه- خلاف ما يفهمه الجمهور منها.

و فيها- أيضا- إشارة إلى معيّته  القيّوميّة واتّصاله المعنويّ بكلّ شي‏ء على السّواء، على الوجه الّذي لا ينافي أحديّته وقدس جلاله. وإلى إفاضة الرّحمة العامّة على الجميع على نسبة واحدة، وإحاطة علمه بالكلّ على نحو واحد، وقربه من كلّ شي‏ء على نهج سواء.

و أتى بلفظة «من» في الرّواية الثّانية، تحقيقا لمعنى الاستواء في القرب والبعد.

و بلفظة «في» في الثّالثة، تحقيقا لمعنى ما يستوي فيه.و أمّا اختلاف المقرّبين، كالأنبياء والأولياء مع المبعدين، كالشّياطين والكفّار في القرب والبعد، فليس ذلك من قبله- سبحانه- بل من جهة تفاوت أرواحهم في ذواتها.

و في التّوحيد : عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- في حديث الجاثليق قال: إنّ الملائكة تحمل العرش. وليس العرش كما تظنّ كهيئة السّرير، ولكنّه شي‏ء [محدود]  مخلوق مدبّر وربّك- عزّ وجلّ- مالكه. لا أنّه عليه، ككون الشّي‏ء على الشّي‏ء.

يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ: يغطّيه به. ولم يذكر عكسه للعلم به، أو لأنّ اللّفظ يحتملها. ولذلك قرئ  بنصب «اللّيل» وبرفع «النّهار».

و قرأ  حمزة والكسائيّ ويعقوب وأبو بكر عن عاصم، بالتّشديد، فيه وفي الرّعد للدّلالة على التّكرار. والجملة في موضع الحال من فاعل «خلق». ويحتمل كونها خبرا بعد خبر ل «إنّ».

و إيراد الخبرين مختلفين بالمضيّ والمضارعة، للتّنبيه على تقدّم أحدهما على الآخر.

يَطْلُبُهُ حَثِيثاً: يعقبه سريعا، كالطّالب له لا يفصل بينهما شي‏ء.

و «الحثيث» فعيل، من الحثّ. وهو صفة مصدر محذوف. أو حال من الفاعل بمعنى: حاثّا. أو المفعول بمعنى: محثوثا.

وَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ: بقضائه وتصريفه. ونصبها بالعطف على «السّموات». ونصب «مسخرات» على الحال.

و قرأ  ابن عامر كلّها، بالرّفع، على الابتداء والخبر.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، بإسناده إلى عليّ بن الحسين- عليه السّلام- حديث طويل. وفي آخره: وقال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: الأرض مسيرة خمسمائة سنة، الخراب منها مسيرة أربعمائة عام والعمران منها مسيرة مائة عام. والشّمس ستّون فرسخا في ستّين فرسخا. والقمر أربعون فرسخا في أربعين فرسخا. بطونهما يضيئان لأهل السّماء، وظهورهما لأهل الأرض. والكواكب، كأعظم جبل على الأرض. وخلق‏الشّمس قبل القمر.

و قال سلام بن المستنير: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام-: لم صارت الشّمس أحرّ من القمر؟

قال: إنّ اللّه خلق الشّمس من نور النّار وصفو الماء، طبق من هذا وطبق من هذا، حتّى إذا صارت سبعة أطباق ألبسها لباسا من نار. فمن هنالك صارت [الشّمس‏]  أحرّ من القمر.

قلت: فالقمر.

قال: إنّ اللّه خلق القمر من ضوء نور النّار وصفو الماء، طبق من هذا وطبق من هذا، حتّى إذا صارت سبعة أطباق ألبسها لباسا من ماء. فمن هنالك صار القمر أبرد من الشّمس.

أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ: فإنّه الموجد والمتصرّف، إذ له عالم الأجسام وعالم الأرواح.

تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ : تعالى بالوحدانيّة في الألوهيّة، وتعظّم بالتّفرّد في الرّبوبيّة، لكونه- تعالى- متباركا بكلّ ما هو من لوازم الألوهيّة وخصائص الرّبوبيّة. فإنّه خلق العالم على ترتيب قويم وتدبير حكيم، كما فصّله أوّلا وأجمله ثانيا في قوله- تعالى-: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ.

و في الخرائج والجرائح : قال أبو همام: سأل محمّد بن صالح أبا محمّد- عليه السّلام- عن قوله- تعالى-: لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ .

فقال: له الأمر من قبل أن يأمر به، وله الأمر من بعد أن يأمر به ممّا يشاء.

فقلت في نفسي: هذا قول اللّه: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ.

فأقبل عليّ وقال: هو كما أسررت في نفسك أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ.

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن عبد اللّه بن جعفر، عن السّيّاريّ، عن‏

 محمّد بن بكر ، عن أبي الجارود، عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- أنّه قال: من بات بأرض قفر فقرأ هذه الآية إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ إلى قوله: تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ، حرسته الملائكة وتباعدت عنه الشّياطين.

قال: فمضى الرّجل، فإذا هو بقرية خراب فبات فيها ولم يقرأ هذه الآية.

فتغشّاه الشّيطان ، فإذا هو آخذ بخطمه . فقال له صاحبه: أنظره. واستيقظ الرّجل، فقرأ الآية. فقال الشّيطان لصاحبه: أرغم اللّه أنفك واحرسه الآن حتّى يصبح.

فلمّا أصبح رجع إلى أمير المؤمنين- عليه السّلام- وأخبره، وقال له: رأيت في كلامك الشّفاء والصّدق. ومضى بعد طلوع الشّمس، فإذا هو بأثر  شعر الشّيطان مجتمعا في الأرض.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في من لا يحضره الفقيه ، في وصيّة النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- لعليّ- عليه السّلام-: يا عليّ، من يخاف ساحرا أو شيطانا، فليقرأ: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ (الآية).

ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً، أي: ذوي تضرّع وخفية. فإنّ الإخفاء أدعى إلى الإخلاص.

و يجوز أن يكون التّقدير: دعوة تضرّع وخفية.

و في أصول الكافي ، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال: دعاء التّضرّع، أن تحرّك أصبعك السّبّابة ممّا يلي وجهك. وهو دعاء الخفية

  والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ : المجاوزين ما أمروا به في الدّعاء وغيره.

و في مجمع البيان : عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه كان في غزاة، فأشرف

 على واد. فجعل النّاس يهلّلون ويكبّرون ويرفعون أصواتهم.

فقال: أيّها النّاس، أربعوا  على أنفسكم. أما إنّكم لا تدعون أصمّ ولا غائبا، إنّكم تدعون سميعا قريبا، إنّه معكم.

و في مصباح الشّريعة ، عن الصّادق- عليه السّلام-: استعن باللّه في جميع أمورك متضرّعا إليه آناء اللّيل والنّهار. قال اللّه- تعالى-: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ.

و لا يخفى دلالة الآية والخبر. على أنّ الإجهار المفرط بالدّعاء وغيره، اعتداء لا يحبّه اللّه. والّذي يحبّه هو الإخفاء والتّضرّع. فالّذين ينتحبون إلى اللّه بالتّرنّم بالأصوات والإجهار بالأشعار والأبيات، عن الصّراط لناكبون، ولطريق الاعتداء سالكون.

وَ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ: بالكفر والمعاصي.

بَعْدَ إِصْلاحِها: ببعث الأنبياء، ونصب الأوصياء، وشرع الأحكام.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : أصلحها برسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وأمير المؤمنين- عليه السّلام- فأفسدوها حين تركوا أمير المؤمنين [و ذريته- عليهم السّلام-] .

وَ ادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً: ذوي خوف من الرّدّ لقصور أعمالكم وعدم استحقاقكم، وطمع في إجابته تفضّلا وإحسانا لفرط رحمته.

إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ : ترجيح للطّمع، وتنبيه على ما يتوصّل به إلى الإجابة، وتذكير قريب، لأنّ الرّحمة، بمعنى: الرّحم. أو لأنّه صفة محذوف، أي: أمر قريب. أو على تشبيهه بفعيل، الّذي بمعنى: المفعول. أو الّذي هو مصدر، كالنّقيض. أو للفرق بين القريب من النّسب والقريب من غيره.

وَ هُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ وقرأ  ابن كثير وحمزة والكسائيّ: «الرّيح» على الوحدة.

بُشْراً: جمع، بشور، بمعنى: باشر.و قرأ  ابن عامر: «نشرا» بالتّخفيف حيث وقع. وحمزة والكسائيّ: «نشرا» بفتح النّون حيث وقع، على أنّه مصدر في موضع الحال، بمعنى: ناشرات. أو مفعول مطلق، فإنّ الإرسال والنّشر متقاربان.

و عاصم: «بشرا». وهو تخفيف «بشر». جمع، بشير. وقد قرئ به. و«بشرا» بفتح الباء مصدر، بشره، أي: باشرات. أو للبشارة.

بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ: قدّام رحمته، يعني: المطر. فإنّ الصّبا تثير السّحاب، والشّمال تجمعه، والجنوب تحلبه، والدّبور تفرّقه.

حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ، أي: حملت. واشتقاقه من القلّة، فإنّ المقلّ للشّي‏ء يستقلّه.

سَحاباً ثِقالًا: بالماء.

و «السّحاب» اسم جمع، بمعنى: السّحائب.

سُقْناهُ، أي: السّحاب. وإفراد الضّمير، باعتبار اللّفظ. وفيه تلوين الخطاب.

لِبَلَدٍ مَيِّتٍ: لأجله ولإحيائه، أو لسقيه.

و قرئ : «ميت».

فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ: بالبلد، أو بالسّحاب، أو بالسّوق، أو بالرّيح. وكذلك فَأَخْرَجْنا بِهِ.

و يحتمل فيه عود الضّمير إلى الماء. وإذا كان للبلد، فالباء للإلصاق في الأوّل، وللظّرفيّة في الثّاني. وإذا كان لغيره، فهي للسّببية.

مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ: من كلّ أنواعها.

كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى: الإشارة فيه إلى إخراج الثّمرات، أو إلى إحياء البلد الميّت، أي: كما نحييه بإحداث القوّة النّباتيّة  فيه وتطرئتها بأنواع النّبات والثّمرات، نخرج الموتى من الأجداث ونحييها بردّ النّفوس إلى موادّ أبدانها بعد جمعها وتجزءتها بالقوى والحواسّ.لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ : فتعلمون أنّ من قدر على ذلك، قدر على هذا.

وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ: الأرض الكريمة التّربة.

يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ: بأمره وتيسيره. عبّر به عن كثرة النّبات وحسنه وغزارة نفعه، بقرينة المقابلة.

وَ الَّذِي خَبُثَ، كالحرّة»

 والسّبخة.

لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً: قليلا، عديم النّفع. ونصبه على الحال.

و تقدير الكلام: والبلد الّذي خبث لا يخرج نباته إلّا نكدا. فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، فصار مرفوعا مستترا.

و قرئ : «يخرج»، أي: يخرجه البلد. فيكون «إلّا نكدا» مفعولا. ونكدا على المصدر، أي: ذا نكد. أو بالإسكان، للتّخفيف.

كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ: نردّدها ونكررّها.

لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ : نعمة اللّه. فيتفكّرون فيها، ويعتبرون بها.

قيل : والآية مثل لمن تدبّر في الآيات وانتفع بها، ولمن لم يرفع إليها رأسا ولم يتأثّر بها.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : [و هو]  مثل للأئمّة- عليهم السّلام- يخرج علمهم بإذن ربّهم. «و [الذي خبث» مثل‏]  لأعدائهم. «لا يخرج» علمهم إلّا «نكدا» كذبا  فاسدا.

و في كتاب المناقب  لابن شهر آشوب قال عمرو بن العاص للحسين- عليه السّلام- ما بال لحاكم أوقر من لحانا ؟

فقرأ هذه الآية.

لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ: جواب قسم محذوف. ولا تكاد تطلق هذه‏ «اللّام» إلّا مع «قد»، لأنّها مظنّة التّوقّع. فإن المخاطب إذا سمعها، توقّع وقوع ما صدر بها.

قيل : هو نوح بن لمك بن متوشلخ بن إدريس. أوّل نبيّ بعث بعده. وهو ابن خمسين سنة، أو أربعين.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : روي في الخبر، أنّ اسم نوح عبد الغفّار. وإنّما سمّي: نوحا، لأنّه كان ينوح على نفسه.

و في علل الشّرائع : عن الصّادق- عليه السّلام- مثله.

 

قال : وفي رواية اسمه عبد الأعلى.

و في  أخرى: عبد الملك.

و في رواية : إنّما سمّي: نوحا، لأنّه بكى خمسمائة عام.

و في روضة الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن محمّد بن الفضيل ، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر - عليه السّلام- حديث طويل. وفيه يقول- عليه السّلام-: وبشّر آدم بنوح- عليه السّلام-. فقال: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- باعث نبيّا اسمه نوح، وأنّه يدعو إلى اللّه- عزّ وجلّ-. ويكذّبه قومه، فيهلكهم اللّه بالطّوفان. وكان بين آدم وبين نوح- عليه السّلام- عشرة آباء، أنبياء وأوصياء كلّهم. وأوصى آدم- عليه السّلام- إلى هبة اللّه: أنّ من أدركه منكم فليؤمن به وليتّبعه وليصدّق به، فإنّه ينجو من الغرق. ثمّ أنّ آدم- عليه السّلام- مرض المرضة الّتي مات فيها- إلى قوله: ثمّ أنّ هبة اللّه لمّا دفن أباه، أتاه قابيل.

فقال: يا هبة اللّه، إنّي قد رأيت أبي آدم قد خصّك من العلم ما لم أخصّ به أنا. وهو العلم الّذي دعا به أخوك هابيل فقبل قربانه. وإنّما قتلته، لكي لا يكون له عقب فيفتخرون على عقبي، فيقولون: نحن أبناء الّذي تقبّل قربانه، وأنتم أبناء الّذي‏

ترك قربانه. فإنّك إن أظهرت من العلم الّذي اختصّك به أبوك شيئا قتلتك، كما قتلت أخاك هابيل.

فلبث هبة اللّه والعقب منه مستخفين بما عندهم من العلم والإيمان والاسم الأكبر وميراث النّبوّة وآثار علم النّبوّة، حتّى بعث اللّه نوحا- عليه السّلام- وظهرت وصيّة هبة اللّه حين نظروا في وصيّة آدم، فوجدوا نوحا- عليه السّلام- نبيّا قد بشر به آدم- عليه السّلام-. فآمنوا به واتّبعوه وصدّقوه.

و كان آدم- عليه السّلام- وصّى هبة اللّه أن يتعاهد هذه الوصيّة عند رأس كلّ سنة فيكون يوم عيدهم، ويتعاهدون نوحا وزمانه الّذي يخرج فيه. وكذلك جاء في وصيّة كلّ نبيّ حتّى بعث اللّه محمّدا- صلّى اللّه عليه وآله-. وإنّما عرفوا نوحا بالعلم الّذي عندهم.

و هو قول اللّه- عزّ وجلّ-: لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ (إلى آخر الآية). وكان من بين آدم ونوح من الأنبياء مستخفين. ولذلك خفي ذكرهم في القرآن فلم يسمّوا، كما سمّي من استعلن من الأنبياء- عليهم السّلام-.

و في مجمع البيان : روى الشّيخ أبو جعفر بن بابويه، بإسناده في كتاب النّبوّة، مرفوعا إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: لمّا أن بعث اللّه- عزّ وجلّ- نوحا، دعا قومه علانية. فلمّا سمع عقب هبة اللّه من نوح تصديق ما في أيديهم من العلم وعرفوا أنّ العلم الّذي في أيديهم هو العلم الّذي جاء به نوح، صدّقوه وسلّموا له. فأمّا ولد قابيل فإنّهم كذّبوه، وقالوا: إنّ الجنّ كانت قبلنا، فبعث اللّه إليهم ملكا. فلو أراد اللّه أن يبعث إلينا، لبعث إلينا ملكا من الملائكة.

و في تفسير العسكري- عليه السّلام-: كانت شريعة نوح، أن يعبد اللّه بالتّوحيد والإخلاص وخلع الأنداد. وهي الفطرة الّتي فطر النّاس عليها. وأخذ اللّه ميثاقه على نوح والنّبيّين أن يعبدوا اللّه، ولا يشركوا به شيئا. وأمر بالصّلاة والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر والحلال والحرام، ولم يفرض عليهم أحكام حدود ولا فرض مواريث.

فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ، أي: اعبدوه وحده، لقوله: ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ.و قرأ  الكسائي: «غيره» بالجرّ [نعتا أو بدلا]  على اللّفظ.

و قرئ ، بالنّصب، على الاستثناء.

إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ : إن لم تؤمنوا. وهو وعيد وبيان للدّاعي إلى عبادته- تعالى-.

و «اليوم» يوم القيامة، أو يوم نزول الطّوفان.

قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ، أي: الأشراف. فإنّهم يملئون العيون رواء.

إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ: زوال عن الحقّ والصّواب.

مُبِينٍ : بيّن.