سورة الأعراف الآية 81-100

إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ: بيان لقوله: أَ تَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ. وهو أبلغ في الإنكار والتّوبيخ.

و قرأ  نافع وحفص: «إنّكم» على الإخبار المستأنف. و«شهوة» مفعول له، أو مصدر وقع موقع الحال. وفي التّقييد بها، وصفهم بالبهيمة الصّرفة، وتنبيه على أنّ العاقل ينبغي أن يكون الدّاعي له إلى المباشرة طلب الولد وبقاء النّوع لا قضاء الوطر.بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ : إضراب عن الإنكار إلى الإخبار عن حالهم الّتي أدّت بهم إلى ارتكاب أمثالها، وهي اعتياد الإسراف في كلّ شي‏ء. أو عن الإنكار عليها إلى الذّم على جميع معايبهم. أو عن محذوف، مثل لا عذر لكم فيه، بل أنتم قوم عادتكم الإسراف.

و في عيون الأخبار ، في باب ما كتب الرّضا- عليه السّلام- إلى محمّد بن سنان في جواب مسائله في العلل: وعلّة تحريم الذّكران [للذكران‏]  والإناث للإناث، لما ركّب في الإناث وما طبع عليه الذّكران. ولما في إتيان الذّكران [الذّكران‏]  والإناث [الإناث‏]  من انقطاع النّسل وفساد التّدبير وخراب الدّنيا.

و في تفسير العيّاشي ، عن عبد الرّحمن بن الحجّاج قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- ذكر عنده إتيان النّساء في أدبارهنّ.

قال: ما أعلم آية في القرآن أحلّت ذلك إلّا واحدة إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ (الآية).

و في كتاب الخصال ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: فما كان من شيعتنا، فلا يكون فيهم ثلاثة- إلى قوله-: فلا يكون فيهم من يؤتى في دبره.

وَ ما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ، أي: ما جاؤوا بما يكون جوابا عن كلامه، ولكنهم قابلوا النّصيحة بالأمر بإخراجه فيمن معه من المؤمنين من قريتهم والاستهزاء بهم. فقالوا: إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ ، أي: من الفواحش.

فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ، أي: من آمن به.

إِلَّا امْرَأَتَهُ: واهلة . فإنّها كانت تسرّ الكفر.

كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ : من الّذين بقوا في ديارهم، فهلكوا. والتّذكير، لتغليب الذّكور.

وَ أَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً، أي: نوعا من المطر عجيبا. وهو مبيّن بقوله:

وَ أَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ.فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ .

نقل : أنّ لوط بن هاران بن تارخ لما هاجر مع عمّه إبراهيم إلى الشّام، نزل بالأردنّ. فأرسله اللّه إلى أهل سدوم، ليدعوهم إلى اللّه وينهاهم عمّا اخترعوه من الفاحشة. ولم ينتهوا عنها. فأمطر اللّه عليهم الحجارة، فهلكوا.

و قيل : خسف اللّه بالمقيمين منهم، وأمطرت الحجارة على مسافريهم.

و في مجمع البيان ، قصّة لوط- عليه السّلام- على ما روي، عن أبي حمزة الثّماليّ وأبي بصير، عن أبي جعفر- عليه السّلام-: أنّ لوطا لبث في قومه ثلاثين سنة، وكان نازلا فيهم ولم يكن منهم، يدعوهم إلى اللّه وينهاهم عن الفواحش ويحثّهم على الطّاعة. فلم يجيبوه، ولم يطيعوه. وكانوا لا يتطهّرون من الجنابة، بخلاء أشحّاء على الطّعام، فأعقبهم البخل الدّاء الّذي لا دواء له في فروجهم. وذلك لأنّهم على طريق السّيّارة إلى الشّام ومصر، وكان ينزل بهم الضّيفان. فدعاهم البخل إلى أن كانوا إذا نزل بهم الضّيف، فضحوه. وإنّما فعلوا ذلك، لينكل النّازلة عليهم من غير شهوة بهم إلى ذلك. فأوردهم البخل هذا الدّاء، حتّى صاروا يطلبونه من الرّجال ويعطون عليه الجعل. وكان لوط سخيا كريما يقري الضيف إذا نزل به. [فنهوه عن ذلك وقالوا: لا تقرينّ ضيفا جاء ينزل بك، فإنّك إن فعلت فضحنا ضيفك. فكان لوط إذا نزل به‏]  الضيف كتم أمره، مخافة أن يفضحه قومه وذلك أنه لم يكن للوط عشيرة فيهم.

و في علل الشرايع ، وتفسير العيّاشي ، عنه- عليه السّلام- مثله.

 

وَ إِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً، أي: وأرسلنا إليهم. وهم أولاد مدين بن إبراهيم [بن شعيب بن ميكيل بن بشخر بن مدين. وكان يقال له: خطيب الأنبياء، لحسن مراجعته قومه. وكان شعيب منهم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم :]  قال: بعث اللّه شعيبا إلى مدين، وهي قرية على طريق الشّام، فلم يؤمنوا به.و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى محمّد بن الفضيل : عن أبي حمزة الثّماليّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- حديث طويل. يقول في آخره: وإنّ الأنبياء بعثوا خاصّة وعامّة. أمّا شعيب، فإنّه أرسل إلى مدين وهي لا تكمل  أربعين بيتا.

قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ:

يريد المعجزة الّتي كانت له، وليس في القرآن أنّها ما هي. وما روي من محاربة عصا موسى التّنين حين دفع إليه غنمه، وولادة الغنم الّتي دفعها إليه، الدّرع خاصّة وكانت الموعودة له من أولادها، ووقوع عصا آدم على يده في المرّات السّبع، متأخّر عن هذه المقاولة. ويحتمل أن تكون كرامة لموسى، أو إرهاصا لنبوّته.

فَأَوْفُوا الْكَيْلَ، أي: آلة الكيل على الإضمار. أو إطلاق الكيل على المكيال، كالعيش على المعاش لقوله: وَالْمِيزانَ. أو الكيل ووزن الميزان.

و يجوز أن يكون «الميزان» مصدرا، كالميعاد.

وَ لا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ: ولا تنقصوهم حقوقهم. وإنّما قال:

 «أشياءهم»، للتّعميم. تنبيها على أنّهم كانوا يبخسون الجليل والحقير، والقليل والكثير.

و قيل : كانوا مكّاسين، لا يدعون شيئا إلّا مكسوة.

وَ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ: بالكفر والحيف.

بَعْدَ إِصْلاحِها: بعد ما أصلح أمرها وأهلها الأنبياء وأتباعهم بالشّرائع وأصلحوا فيها. والإضافة إليها، كالإضافة في بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ.

ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ : إشارة على العمل، بما أمرهم به ونهاهم عنه.

و معنى الخيريّة: إمّا الزّيادة مطلقا، أو في الإنسانيّة وحسن الأحدوثة وجمع المال.

وَ لا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ: بكلّ طريق من طريق الدّين، كالشّيطان.

و صراط الحقّ وإن كان واحدا، لكنّه يتشعّب إلى معارف وحدود وأحكام‏و كانوا إذا رأوا أحدا يسعى في شي‏ء منها، منعوه.

و قيل : كانوا يجلسون على المراصد، فيقولون لمن يريد شعيبا: إنّه كذّاب، فلا يفتننّك عن دينك. ويوعدون من آمن به.

و قيل : كانوا يقطعون الطّريق.

وَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، يعني: الّذي قعدوا عليه.

وضع الظّاهر موضع المضمر، بيانا لكلّ صراط، ودلالة على عظم ما يصدّون عنه، وتقبيحا لما كانوا عليه. أو الإيمان، أي: باللّه.

مَنْ آمَنَ بِهِ، أي: باللّه. أو بكلّ صراط، على الأوّل.

و «من» مفعول «تصدّون»، على إعمال الأقرب. ولو كان مفعول «توعدون» لقال: وتصدّونهم وتوعدون، بما عطف عليه في موقع الحال من الضّمير في «لا تقعدوا».

وَ تَبْغُونَها عِوَجاً: وتطلبون لسبيل اللّه عوجا بإلقاء الشّبهة. أو وصفها للنّاس بأنّها معوجّة.

وَ اذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا: عددكم.

فَكَثَّرَكُمْ: بالبركة في النّسل والمال.

قيل : إنّ مدين بن إبراهيم الخليل تزوّج بنت لوط، فولدت له. فرمى اللّه في نسلها بالبركة والنّماء  والبقاء، فكثروا.

وَ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ : من الأمم قبلكم، كقوم نوح وهود وصالح ولوط، وكانوا قريبي العهد بهم.

وَ إِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا:

فتربّصوا.

حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا، أي: بين الفريقين بنصر المحقّين على المبطلين. فهو وعد للمؤمنين، ووعيد للكافرين.

وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ : إذ لا معقّب لحكمه، ولا حيف فيه.

قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ‏مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا، أي: ليكوننّ أحد الأمرين: إمّا إخراجكم عن القرية، أو عودكم في الكفر.

و شعيب لم يكن في ملّتهم قطّ، لأنّ الأنبياء لا يجوز عليهم الكفر مطلقا. لكن غلّبوا الجماعة على الواحد، فخوطب هو وقومه بخطابهم. وعلى ذلك أجري الجواب في قوله: قالَ أَ وَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ ، أي: وكيف نعود فيها ونحن كارهون لها، أو أ تعيدوننا في حال كراهتنا؟

قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً: قد اختلقنا عليه.

إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها: شرط جوابه محذوف، دل عليه «قد افترينا». وهو بمعنى المستقبل، لأنّه لم يقع. لكنّه جعل كالواقع، للمبالغة. وأدخل عليه «قد»، ليقرّبه من الحال، أي: قد افترينا الآن إن هممنا بالعود بعد الخلاص منها، حيث نزعم أنّ للّه ندّا. وأنّه قد بيّن لنا أنّ ما كنّا عليه باطل، وما أنتم عليه حقّ.

و قيل : إنّه جواب قسم، تقديره: واللّه لقد افترينا.

وَ ما يَكُونُ لَنا: وما يصحّ لنا.

أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا: خذلاننا ومنعنا الإلطاف، بأن يعلم أنّه لا ينفع فينا. أو أراد به حسم طمعهم في العود، بالتّعليق على ما لا يكون.

وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْ‏ءٍ عِلْماً، أي: أحاط علمه بكلّ شي‏ء ممّا كان وما يكون منّا ومنكم.

عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا: في أن يثبّتنا على الإيمان، ويخلّصنا من الأشرار.

رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ: أحكم بيننا. والفتّاح، القاضي.

و الفتّاحة، الحكومة. أو أظهر أمرنا حتّى ينكشف ما بيننا وبينهم، وتمييز المحقّ من المبطل. من فتح المشكل: إذا بيّنه.

وَ أَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ : على المعنيين.

وَ قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً: وتركتم دينكم.

إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ : لاستبدالكم ضلالته بهداكم. أو لفوات ما يحصل لكم بالبخس والتّطفيف. وهو سادّ مسدّ جواب الشّرط، والقسم الموطّأ باللّام.فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ: الزّلزلة.

و في سورة الحجر فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ. ولعلّها كانت من مبادئها.

في مجمع البيان : عن الصّادق- عليه السّلام-: بعث اللّه عليهم صيحة واحدة، فماتوا.

و قد سبق نظيره.

فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ ، أي: في مدينتهم.

الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً: مبتدأ خبره كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا، أي: استؤصلوا، كأن لم يقيموا.

و المغني: المنزل.

الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ : دينا ودنيا. لا الّذين صدّقوه واتّبعوه، كما زعموا، فإنّهم الرّابحون في الدّارين. وللتّنبيه على هذا والمبالغة فيه، كرّر الموصول واستأنف بالجملتين وأتى بهما اسميّتين.

فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ: قاله تأسّفا بهم، لشدّة حزنه عليهم.

ثمّ أنكر على نفسه فقال: فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ : ليسوا أهل حزن، لاستحقاقهم ما نزل عليهم بكفرهم. وقاله اعتذارا عن عدم شدّة حزنه عليهم.

و المعنى: لقد بالغت في الإبلاغ والإنذار وبذلت وسعي في النّصح والإشفاق، فلم تصدّقوا قولي «فكيف آسى» عليكم.

و قرئ : «فكيف آيسي» بإمالتين.

وَ ما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ: بالبؤس والضّرّ.

لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ : كي يتضرّعوا ويتذلّلوا.

ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ، أي: أعطيناهم بدل ما كانوا فيه من الشّدّة السّلامة والسّعة، ابتلاء لهم بالأمرين.

حَتَّى عَفَوْا: كثروا عددا، فلم ينتقلوا عمّا كانوا عليه.يقال: عفا النّبات: إذا كثر. ومنه: إعفاء اللّحى.

وَ قالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ: كفرانا لنعمة اللّه، ونسيانا لذكره، واعتقادا بأنّه من عادة الدّهر يعاقب في النّاس بين السّرّاء والضّرّاء. وقد مسّ آباءنا منه، مثل ما مسّنا.

فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً: فجأة.

وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ : بنزول العذاب.

وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى، يعني: المدلول عليها بقوله: ما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ.

و قيل : مكّة وما حولها.

آمَنُوا وَاتَّقَوْا: مكان كفرهم وعصيانهم.

لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ: لوسّعنا عليهم الخير، ويسرّناه لهم من كلّ جانب.

و قيل : المراد: المطر والنّبات.

و قرأ  ابن عامر: «لفتّحنا» بالتّشديد.

وَ لكِنْ كَذَّبُوا: الرّسل.

فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ : من الكفر والمعاصي.

و في الخرائج والجرائح ، عن الحسن بن عليّ - عليه السّلام- حديث طويل في الرّجعة. وفيه: ولتنزلنّ البركة من السّماء والأرض، حتّى أنّ الشّجرة لتصيف بما يريد اللّه فيها من الثّمرة، وليؤكل ثمرة الشّتاء في الصّيف وثمرة الصّيف في الشّتاء. وذلك قوله: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا.

أَ فَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى: عطف على قوله: فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ.

و ما بينهما اعتراض.

و المعنى: أبعد ذلك أمن أهل القرى.أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً: تبييتا، أو وقت بيات، أو مبيتا، أو مبيتين. وهو في الأصل مصدر، بمعنى: البيتوتة. ويجي‏ء بمعنى: التّبييت، كالسّلام بمعنى: التّسليم.

وَ هُمْ نائِمُونَ : حال من ضميرهم البارز، أو المستتر في «بياتا».

أَ وَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى وقرأ  ابن كثير ونافع وابن عامر: «أو» بالسّكون على التّرديد.

أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى: ضحوة النّهار. وهو في الأصل ضوء الشّمس إذا ارتفعت.

وَ هُمْ يَلْعَبُونَ : يلهون من فرط الغفلة. أو يشتغلون بما لا ينفعهم.

أَ فَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ: تقدير لقوله: أَ فَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى.

و «مكر اللّه» استعارة، لاستدراج العبد وأخذه من حيث لا يحتسب.

فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ : الّذين خسروا بالكفر، وترك النّظر والاعتبار. وفيه تنبيه على ما يجب أن يكون عليه العبد من الخوف لعقاب اللّه واجتناب معصيته.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله: أَ فَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ.

قال: المكر من اللّه، العذاب.

و في نهج البلاغة : وقال- عليه السّلام-: لا تأمننّ على خير هذه الأمّة عذاب اللّه، لقوله- سبحانه-: فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ.

و فيه : قال- عليه السّلام-: الفقيه كلّ الفقيه، من لم يقنّط النّاس من رحمة اللّه، ولم يؤيسهم من روح اللّه، ولم يؤمنهم من مكر اللّه.

و في تفسير العيّاشيّ ، عن صفوان الجمّال قال: جلست خلف أبي عبد اللّه- عليه السّلام-. ثمّ قال: اللّهم، لا تؤمنّي مكرك. ثمّ جهم فقال: فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ.

أَ وَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها، أي: يخلفون من خلا قبلهم‏

و يرثون ديارهم. وإنّما عدّي «يهدي» باللّام، لأنّه بمعنى: يبيّن.

أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ: أن الشّأن لو نشاء أصبناهم بجزاء ذنوبهم، كما أصبنا من قبلهم. وهو فاعل «يهد».

و من قرأه بالنّون، جعله مفعولا.

وَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ: عطف على ما دلّ عليه «أو لم يهد»، أي: يغفلون عن الهداية. أو منقطع عنه، بمعنى: ونحن نطبع. ولا يجوز عطفه على «أصبناهم» على أنّه بمعنى: وطبعنا. لأنّه في سياقه جواب «لو» لإفضائه إلى نفي الطّبع عنهم.

فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ : سماع تفهّم واعتبار.