سورة الأنبياء الآية 101-112

إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى: الخصلة الحسنى، وهي السّعادة، أو التّوفيق للطّاعة، أو البشرى بالجنّة. 

أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ :

لأنّهم يرفعون إلى أعلا علّيّين.

و في شرح الآيات الباهرة : محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه- قال: حدّثنا أبو جعفر الحسن بن عليّ بن الوليد الفسويّ بإسناده عن النّعمان بن بشير قال: كنّا ذات ليلة عند عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- سمارا إذا قرأ هذه الآية:إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ. فقال: أنا منهم. وأقيمت الصّلاة. فوثب، ودخل المسجد، وهو يقول: لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ. ثمّ كبّر للصّلاة.

و قال أيضا : حدّثنا إبراهيم بن محمّد بن سهل  النّيسابوريّ حديثا يرفعه بإسناده إلى ربيع  بن قريع قال:

كنّا عند عبد اللّه بن عمر. فقال له رجل من بني تيم اللّه - يقال له حسّان بن رابصة -: يا [أبا]  عبد الرّحمن، لقد رأيت رجلين ذكرا عليّا وعثمان فنالا  منهما. فقال ابن عمر: إن كانا لعناهما، فلعنهما اللّه- تعالى.

ثمّ قال: ويلكم يا أهل العراق! كيف تسبّون رجلا هذا منزله من منزل رسول اللّه!؟ وأشار بيده إلى بيت عليّ- عليه السّلام- في المسجد [و قال‏] : فو ربّ هذه الحرمة ، إنّه من الّذين سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى. مالها مردود. يعني بذلك عليّا- عليه السّلام.

 

و في قرب الإسناد  للحميريّ بإسناده إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- عن أبيه أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قال: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- يأتي يوم القيامة بكلّ شي‏ء يعبد من دونه، من شمس، أو قمر، أو غير ذلك. ثمّ يسأل كلّ إنسان عمّا كان يعبد. فيقول كلّ من عبد غير اللّه :

ربّنا إنّا كنّا نعبدها لتقرّبنا  إليك زلفى.

قال: فيقول اللّه- تبارك وتعالى- للملائكة: اذهبوا بهم وبما كانوا يعبدون إلى النّار، ما خلا من استثنيت. فأولئك عنها مبعدون.

و في محاسن البرقيّ : وروي ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال:

 إنّ اللّه يأتي بكلّ شي‏ء يعبد من دونه، من شمس، أو قمر، أو تمثال، أو صورة. فيقال:

اذهبوا [بهم‏]  وبما كانوا يعبدون من دون اللّه إلى  النار.

لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها:

و هو بدل من «مبعدون» أو حال من ضميره. سيق للمبالغة في إبعادهم عنها.

و الحسيس: صوت يحسّ به.

وَ هُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ : دائمون في غاية التّنعّم.

و تقديم الظّرف للاختصاص والاهتمام به.

و في شرح الآيات الباهرة : وروى الشّيخ الصّدوق أبو جعفر محمّد بن عليّ بن بابويه- رحمه اللّه- قال: حدّثني محمّد بن عليّ ماجيلويه، عن أبيه بإسناده عن جميل بن درّاج، عن أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: يبعث اللّه شيعتنا يوم القيامة، على ما فيهم من ذنوب وعيوب، مبيضّة [منتضرة  مسفرة]  وجوههم، مستورة عوراتهم، آمنة روعاتهم. قد سهّلت لهم الموارد، وذهبت عنهم الشّدائد. يركبون نوقا من ياقوت. فلا يزالون يدورون خلال الجنّة، عليهم شرك من نور يتلألأ. توضع  لهم الموائد. فلا يزالون يطعمون، والنّاس في الحساب. وهو قول اللّه- عزّ وجلّ-: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ.

لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ: النّفخة الأخيرة، لقوله : وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ. أو: الانصراف إلى النّار. أو: حين يطبق عليها ، أو يذبح الموت.

وَ تَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ: تستقبلهم مهنّئين.

هذا يَوْمُكُمُ- أي: يوم ثوابكم. وهو مقدّر بالقول-الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ  في الدّنيا.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا حميد بن زياد بإسناده  يرفعه إلى أبي جميلة، عن عمر بن رشيد، عن أبي جعفر- عليه السّلام- أنّه قال في حديث: إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قال: إنّ عليّا وشيعته يوم القيامة على كثبان المسك الأذفر. يفزع النّاس، ولا يفزعون.

و يحزن النّاس، ولا يحزنون. وهو قول اللّه- عزّ وجلّ-: لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ.

و روي الصّدوق  أبو جعفر محمّد بن بابويه- رحمه اللّه- عن أبيه قال: حدّثني سعد بن عبد اللّه بإسناده يرفعه إلى أبي بصير، عن أبي عبد اللّه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين- صلوات اللّه عليهم أجمعين- قال: قال لي رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: يا عليّ! بشّر إخوانك بأنّ اللّه قد رضي عنهم، إذ رضيك  لهم قائدا، ورضوا بك وليّا. يا عليّ! أنت أمير المؤمنين، وقائد الغرّ المحجّلين. يا عليّ! شيعتك المنتجبون . ولو لا أنت وشيعتك، ما قام للّه دين. ولولا من في الأرض منكم، لما أنزلت السّماء قطرها.

يا عليّ! لك كنز في الجنّة ، وأنت ذو قرنيها . وشيعتك تعرف بحزب اللّه. يا عليّ! أنت وشيعتك القائمون بالقسط وخيرة اللّه من خلقه. يا عليّ! أنا أوّل من ينفض التّراب عن رأسه، وأنت معي، ثمّ سائر الخلائق .

يا عليّ! أنت وشيعتك على الحوض، تسقون من أحببتم، وتمنعون من كرهتم.

و أنتم الآمنون يوم الفزع الأكبر، في ظلّ العرش. يفزع النّاس، ولا تفزعون. ويحزن النّاس، ولا تحزنون.

و فيكم نزلت هذه الآيات: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ.يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ:

مقدّر باذكر. أو ظرف «لا يحزنهم» أو «تتلقّاهم». أو حال مقدّرة من الضّمير المحذوف من «توعدون».

و المراد بالطّيّ ضد النّشر، أو المحو، من قولك: اطو عنّي هذا الحديث. وذلك لأنّها نشرت مظلّة لبني آدم، فإذا انتقلوا، قوّضت عنهم.

و قرئ  بالياء والتّاء، والبناء للمفعول.

كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ:

قيل : كطيّ الطّومار لأجل الكتابة. أو لما يكتب أو كتب فيه. ويدلّ عليه قراءته على الجمع. أي: للمعاني الكثيرة المكتوبة فيه.

و قيل : «السّجلّ» ملك يطوي كتب الأعمال إذا رفعت إليه. أو كاتب كان لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: السِّجِلِّ اسم الملك الّذي يطوي الكتب.

و معني يطويها: يفنيها، فتتحوّل دخانا والأرض نيرانا.

و قرئ : «السّجل»- كالدّلو- و«السّجلّ»- كالعتلّ- وهما لغتان فيه.

كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ، أي: نعيد ما خلقناه مبتدأ إعادة مثل بدئنا إيّاه في كونهما إيجادا عن العدم، أو جمعا من الأجزاء المتبدّدة.

و المقصود بيان صحّة الإعادة، بالقياس علي الإبداء، لشمول الإمكان الذّاتيّ المصحّح للمقدوريّة، وتناول القدرة القديمة لهما.

و «ما» كافّة أو مصدريّة، و«أوّل» مفعول «بدأنا» أو لفعل يفسّره «نعيده» . أو موصولة، والكاف متعلّقة بمحذوف يفسّره «نعيده». أي: نعيد مثل الّذي بدأنا. و«أوّل خلق» ظرف ل «بدأنا» أو حال من ضمير الموصول المحذوف.

وَعْداً:

مقدّر بفعله، تأكيدا ل «نعيده» أو منتصب به، لأنّه عدة بالإعادة.عَلَيْنا: أي علينا إنجازه.

إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ  ذلك لا محالة.

و في كتاب جعفر بن محمّد الدّوريستي  بإسناده إلى ابن عبّاس قال: لمّا نزلت هذه الآية  على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً  عشي عليه، وحمل إلى حجرة أمّ سلمة. فانتظره أصحابه وقت الصّلاة. فلم يخرج. فاجتمع المسلمون فقالوا: ما لنبيّ اللّه؟ فقالت أمّ سلمة: إنّ نبيّ اللّه عنكم مشغول.

ثمّ خرج بعد ذلك، فرقى المنبر فقال: يا أيّها النّاس! إنّكم تحشرون إلى اللّه كما خلقتم حفاة عراة. ثمّ قرأ على أصحابه: وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً. ثمّ قرأ: كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ.

 

و في نهج البلاغة : استبدلوا بظهر الأرض بطنا، وبالسّعة ضيقا، [و بالأهل غربة، وبالنّور ظلمة. فجاءوها، كما فارقوها، حفاة عراة. قد ظعنوا عنها بأعمالهم إلى الحياة الدّائمة]  [و الدّار الباقية، كما قال- سبحانه-: كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ‏] .

و في مجمع البيان : ويروى عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه قال: يحشرون يوم القيامة حفاة عراة غرلا . كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ.

وَ لَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ:

قيل : في كتاب داود- عليه السّلام.

مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ:

قيل : أي التّوراة.و قيل : المراد بالزّبور جنس الكتب المنزلة، وبالذّكر اللّوح المحفوظ.

أَنَّ الْأَرْضَ:

قيل : أرض الجنّة، أو الأرض المقدّسة.

يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ :

قيل : يعني عامّة المؤمنين. أو الّذين [كانوا]  يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها.

أو أمّة محمّد- صلّى اللّه عليه وآله.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: الكتب كلّها ذكر. وأَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ قال: القائم- عليه السّلام- وأصحابه. قال : والزّبور فيه ملاحم وتوحيد  وتمجيد ودعاء.

و فيه : قال: أعطى اللّه داود وسليمان- عليهما السّلام- ما لم يعط أحدا من أنبياء اللّه، من الآيات: علّمهما منطق الطّير. وألان لهما الحديد والصّفر من غير نار. وجعلت الجبال يسبحّن مع داود- عليه السّلام. وأنزل اللّه- عزّ وجلّ- عليه الزّبور فيه توحيد وتمجيد ودعاء، وأخبار رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وأمير المؤمنين والأئمّة- عليهم السّلام- من ذرّيّتهما- عليهما السّلام- وأخبار الرّجعة وذكر  القائم- صلوات اللّه عليه.

و في تفسير العيّاشي  عن أبي حمزة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- حديث طويل.

 

و فيه يقول- عليه السّلام-: فلما دنا عمر آدم- عليه السّلام- هبط عليه ملك الموت ليقبض روحه. فقال له آدم: يا ملك الموت، قد بقي من عمري ثلاثون سنة . فقال له ملك الموت: ألم تجعلها لابنك داود [النّبيّ‏]  وطرحتها  من عمرك، حيث عرض [اللّه‏]  عليك [أسماء]

 الأنبياء من ذرّيّتك، وعرض عليك أعمارهم، وأنت يومئذ بوادي الروحا !؟ فقال آدم:

 [يا ملك الموت‏]  ما أذكر هذا. فقال له ملك الموت: يا آدم، لا تجهل. ألم تسأل اللّه أن يثبّتها لداود، ويمحوها من عمرك، فأثبتها لداود في الزّبور، ومحاها من عمرك من الذّكر!؟

و في أصول الكافي : محمّد عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النّضر بن سويد، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه سأله عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ، ما الزّبور؟ وما الذّكر؟ قال:

الذّكر عند اللّه. والزّبور الّذي أنزل على داود. وكلّ كتاب نزل، فهو عند أهل العلم.

و نحن هم!

و في مجمع البيان : أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ. وقال أبو جعفر- عليه السّلام-: هم أصحاب المهديّ في آخر الزّمان. ويدلّ على ذلك ما رواه الخاصّ والعامّ عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه قال: لو لم يبق من الدّنيا إلّا يوم واحد، لطوّل اللّه ذلك اليوم حتّى يبعث رجلا [صالحا]  من أهل بيتي يملأ الأرض قسطا وعدلا، كما ملئت ظلما وجورا.

و قد أورد  الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقيّ، في كتاب البعث والنّشور، أخبارا كثيرة في المعنى، حدّثنا بجميعها عنه، حافده أبو الحسن عبيد اللّه بن محمّد بن أحمد في شهور سنة ثماني عشرة وخمسمائة. ثمّ قال في آخر الباب: فأمّا الحديث الّذي أخبرنا به أبو عبد اللّه الحافظ بالإسناد عن محمّد بن خالد الجنديّ، عن أبان بن صالح، عن الحسن، عن أنس بن مالك أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: لا يزداد  الأمر شدّة، ولا النّاس إلّا شحّا، ولا الدّنيا إلّا إدبارا. ولا تقوم السّاعة إلّا على شرار  النّاس. ولا مهديّ إلّا عيسى بن مريم. فهذا حديث تفرّد به محمّد بن خالد الجنديّ .

 

 [قال أبو عبد اللّه الحافظ: ومحمّد بن خالد رجل مجهول واختلف عليه في إسناده. فرواه‏

مرّة]  عن أبان بن صالح، عن الحسن، عن أنس [بن مالك‏] ، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله. ومرّة عن أبان بن أبي عيّاش- وهو متروك- عن الحسن، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله. [و هو منقطع، والأحاديث في التّنصيص على خروج المهديّ- عليه السّلام- أصحّ إسنادا، وفيها بيان كونه من عترة النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله‏] .

هذا لفظه.

و من جملتها ما حدّثنا به أبو الحسن حافده عنه قال: حدّثنا أبو عليّ الرّودباريّ  قال: حدّثنا أبو بكر بن داسة  قال: حدّثنا أبو داود السّجستانيّ، في كتاب السّنن، عن طرق كثيرة ذكرها، ثمّ قال: كلّهم عن عاصم المقريّ عن ذرّ ، عن عبد اللّه، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: لو لم يبق من الدّنيا إلّا يوم [واحد] ، لطوّل اللّه ذلك اليوم، حتّى يبعث فيه رجلا منّي و من أهل بيتي- وفي بعضها: يواطئ اسمه اسمي- يملأ الأرض قسطا وعدلا، كما ملئت ظلما وجورا.

و بالإسناد حدّثنا أبو داود قال: حدّثنا أحمد بن إبراهيم قال: حدّثني عبد اللّه بن جعفر الرقيّ  قال: حدّثني أبو المليح الحسن بن عمر، عن زياد بن بيان ، عن عليّ بن‏

 نفيل ، عن سعيد بن المسيّب، عن أمّ سلمة قالت: سمعت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يقول: المهديّ من عترتي، من ولد فاطمة.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا أحمد بن محمّد، عن أحمد بن الحسن  [عن أبيه‏]  عن الحسين  بن مخارق، عن أبي الورد، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قوله- عزّ وجلّ-: أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ هم آل محمّد- صلوات اللّه عليهم.

و قال أيضا : حدّثنا محمّد بن عليّ قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن عليّ بن الحكم، عن سفيان بن إبراهيم الجريريّ ، عن أبي صادق قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ (الآية). قال: نحن هم. قال: قلت:

إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ؟ قال: هم شيعتنا.

و قال أيضا : حدّثنا محمّد بن همام، عن محمّد بن إسماعيل، عن عيسى بن داود، عن أبي الحسن موسى بن جعفر- عليهما السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ قال: آل محمّد- صلوات اللّه عليهم- ومن تابعهم على منهاجهم. والأرض أرض الجنّة.

و قال أيضا : حدّثنا أحمد بن محمّد عن أحمد بن الحسن ، عن أبيه، عن حسين بن محمّد بن عبد اللّه بن الحسن، عن أبيه، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قوله- عزّ وجلّ-: أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ هم أصحاب المهديّ- عليه السّلام- آخر الزّمان.

إِنَّ فِي هذا.- أي: فيما ذكر من الأخبار والمواعظ والمواعيد- لَبَلاغاً، أي: لكافية. أو: لسبب بلوغ إلى البغية.لِقَوْمٍ عابِدِينَ : هممهم العبادة دون العادة.

وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ ، لأنّ ما بعثت به سبب لإسعادهم، وموجب لصلاح معاشهم ومعادهم.

و قيل : كونه رحمة للكفّار أمنهم به من الخسف والمسخ وعذاب الاستئصال.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رحمه اللّه- عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل. وفيه يقول- عليه السّلام- مجيبا لبعض الزّنادقة: وأمّا قوله لنبيّه- صلّى اللّه عليه وآله-: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ وأنّك ترى أهل الملل المخالفة للإيمان، ومن يجري مجراهم من الكفّار، مقيمين على كفرهم إلى هذه الغاية، وأنّه لو كان رحمة عليهم، لاهتدوا به  جميعا، ونجوا من عذاب السّعير، فإنّ اللّه- تبارك اسمه- إنّما عني بذلك أنّه جعله سببا لإنظار  أهل هذه الدّار.

لأنّ الأنبياء قبله بعثوا بالتّصريح، لا بالتّعريض. وكان النّبيّ منهم إذا صرع بأمر اللّه، وأجابه قومه، سلموا وسلم أهل دارهم من سائر الخليقة. وإن خالفوه، هلكوا، وهلك أهل دارهم [بالآفة الّتي‏]  كان نبيّهم  يتوعّدهم بها، ويخوّفهم حلولها ونزولها بساحتهم ، من خسف، أو قذف، أو رجف، أو ريح، أو زلزلة، وغير ذلك من أصناف العذاب الّتي هلكت بها الأمم الخالية.

و إنّ  اللّه علم من نبيّنا- صلّى اللّه عليه وآله- ومن الحجج في الأرض الصّبر على ما لم يطق من تقدّمهم من الأنبياء الصّبر على مثله، فبعثه اللّه بالتّعريض، لا بالتّصريح.

و أثبت حجّة اللّه تعريضا، لا تصريحا، بقوله في وصيّه : من كنت مولاه، فهذا مولاه. وهو منّي بمنزلة هارون من موسى، إلّا أنّه لا نبيّ بعدي. وليس من خليقة النّبيّ ولا من شيمته ، أن يقول قولا لا معنى له. فلزم الأمّة أن تعلم أنّه لمّا كانت النّبوّة والأخوّةموجودتين في خلفه  هارون  معدومتين فيمن جعله النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- بمنزلته، أنّه قد استخلفه على أمّته، كما استخلف موسى هارون، حيث قال: اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي . ولو قال لهم: «لا تقلّدوا الإمامة إلّا فلانا بعينه، وإلّا نزل بكم العذاب» لأتاهم العذاب، وزال باب الإنظار والإمهال.

و في مجمع البيان : وروي أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال لجبرئيل- لمّا نزلت هذه الآية-: هل أصابك من هذه الرّحمة شي‏ء؟ قال: نعم. إنّي كنت أخشى عاقبة الأمر، فأمنت بك لمّا أثنى اللّه عليّ بقوله : ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ. وقد قال- صلّى اللّه عليه وآله-: أنا رحمة مهداة.

و في كتاب علل الشّرائع» بإسناده إلى عبد الرّحيم  القصير قال: قال لي أبو جعفر- عليه السّلام-: أما لو قام قائمنا، ردّت الحميراء حتّى يجلدها الحدّ، وحتّى ينتقم لابنة محمّد فاطمة- عليها السّلام- منها.

قلت: جعلت فداك، ولم يجلدها [الحدّ] ؟ قال: لفريتها على أمّ إبراهيم.

قلت: فكيف أخّره اللّه للقائم؟ فقال: لأنّ اللّه- تبارك وتعالى- بعث محمّدا- صلّى اللّه عليه وآله- رحمة، وبعث القائم- عليه السّلام- نقمة.

و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن بعض أصحابنا، عن أبي الحسن الأوّل- عليه السّلام- قال: بعث اللّه- عزّ وجلّ- محمّدا رحمة للعالمين في سبع وعشرين من رجب. فمن صام ذلك اليوم، كتب اللّه له صيام ستّين شهرا.

قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ، أي: ما يوحى إليّ إلّا أنّه لا إله لكم إلّا إله واحد.و ذلك أنّ المقصود الأصليّ من بعثته مقصور على التّوحيد. فالأولى لقصر الحكم على الشي‏ء، والثّانية على العكس.

فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ :

قيل : مخلصون العبادة للّه، على مقتضى الوحي المصدّق بالحجّة.

و في كتاب المناقب  لابن شهر آشوب: أبو بصير عن الصّادق- عليه السّلام- في هذه الآية: فهل أنتم مسلّمون الوصيّة [لعليّ‏]  بعدي. نزلت مشدّدة.

فَإِنْ تَوَلَّوْا عن التّوحيد أو الوصيّة، فَقُلْ آذَنْتُكُمْ: أعلمتكم ما أمرت به، أو حربي لكم، عَلى سَواءٍ على عدل.

و قيل : أي مستوين في الإعلام به. أو: مستوين أنا وأنتم في العلم بما أعلمتكم به، أو في المعاداة. أو: إيذانا على سواء.

وَ إِنْ أَدْرِي: ما أدري.

أَ قَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ :

قيل : من غلبة المسلمين، أو من الحشر لكنّه كائن لا محالة .

إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ: ما تجهرون به من الطّعن في الإسلام.

وَ يَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ  من الإحن والأحقاد للمسلمين، فيجازيكم عليه.

وَ إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ: وما أدري لعلّ تأخير جزائكم  استدراج لكم وزيادة في افتنانكم. أو امتحان لينظر كيف تعملون.

وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ : وتمتيع إلى أجل مقدّر تقتضيه مشيئته.

و في عيون الأخبار ، في باب جمل من أخبار موسى بن جعفر- عليهما السّلام- مع هارون الرّشيد ومع موسى بن المهديّ، حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام-: رأيت النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- ليلة الأربعاء في النّوم. فقال لي: يا موسى،أنت محبوس مظلوم. فقلت: نعم يا رسول اللّه، محبوس مظلوم. فكرّر ذلك عليّ ثلاثا. ثمّ قال: وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رحمه اللّه-: روي أنّه لمّا قدم معاوية إلى الكوفة قيل له: إنّ الحسن بن عليّ- عليهما السّلام- مرتفع في  أنفس  النّاس. فلو أمرته أن يقوم دون مقامك على المنبر، فتدركه الحداثة والعيّ، فيسقط من أنفس النّاس [و أعينهم‏] . فأبي عليهم. وأبوا عليه، إلّا أن يأمره بذلك. فأمره. فقام دون مقامه في المنبر.

فحمد اللّه وأثنى عليه. ثمّ قال: أمّا بعد، [أيّها النّاس!]  فإنّكم لو طلبتم ما بين كذا وكذا، لتجدوا رجلا جدّه نبيّ، لم تجدوه  غيري وغير أخي. وإنّا أعطينا صفقتنا هذه الطّاغية - وأشار بيده إلى أعلى المنبر، إلى معاوية، وهو في مقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله من المنبر- ورأينا حقن دماء المسلمين أفضل من إهراقها. وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ- وأشاره بيده إلى معاوية.

فقال له معاوية: ما أردت بقولك هذا؟ فقال: أردت  به ما أراد اللّه- عزّ وجلّ.

و في كتاب المناقب  لابن شهر آشوب: وروي أنّه قال الحسن- عليه السّلام- في صلح معاوية: أيّها النّاس! إنّكم لو طلبتم ما بين جابلق وجابرس  رجلا جدّه رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ما وجدتموه  غيري وغير أخي. وإنّ معاوية نازعني حقّا هو لي.

فتركته لصلاح الأمّة وحقن دمائها. وقد بايعتموني على أن تسالموا من سالمت. وقد رأيت أن أسالمه وأن يكون ما صنعت حجّة على من كان يتمنّى هذا الأمر. وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ.

قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ:قيل : اقض بيننا وبين أهل مكّة بالعدل المقتضي لاستعجال العذاب والتّشديد عليهم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: معناه: لا تدع الكفّار ، والحقّ  الانتقام من الظّالمين. قال: ومثله في سورة آل عمران : لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْ‏ءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ.

و قرئ : «قال» على حكاية قول الرّسول- صلّى اللّه عليه وآله.

و قرئ : «ربّ» بالضّمّ. و«ربّي أحكم» على بناء التّفضيل. و«أحكم» من الإحكام.

وَ رَبُّنَا الرَّحْمنُ: كثير الرّحمة على خلقه.

الْمُسْتَعانُ: المطلوب منه المعونة عَلى ما تَصِفُونَ  الحال، بأنّ الشّوكة تكون لهم، وأنّ راية الإسلام تخفق أيّاما، ثمّ تسكن وأنّ الموعد به، لو كان حقّا، لنزل بهم.

فأجاب اللّه دعوة الرّسول، فخيّب أمانيّهم، ونصر رسوله عليهم.

و قرئ  بالياء.