سورة الأنبياء الآية 21-40

أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً: بل اتّخذوا. والهمزة لإنكار اتّخاذهم.

مِنَ الْأَرْضِ: صفة «آلهة». أو متعلّقة بالفعل، على معنى الابتداء. وفائدتها التّحقير دون التّخصيص.

هُمْ يُنْشِرُونَ  الموتى.

و هم، وإن لم يصرّحوا به، لكنّه من لوازم ادّعائهم لها الإلهيّة، فإنّ من لوازمها الاقتدار على جميع الممكنات. والمراد تجهيلهم والتّهكّم بهم. وللمبالغة في ذلك زيد الضّمير الموهم لاختصاص الإنشار بهم.

لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ: غير اللّه.

وصف ب «إلّا» لمّا تعذّر الاستثناء، لعدم شمول ما قبلها لما بعدها ، ودلالته  على ملازمة الفساد، لكون الآلهة فيهما دونه، والمراد ملازمته لكونها مطلقا أو معه، حملا لها على غير، كما استثنى بغير، حملا عليها. ولا يجوز الرّفع على البدل، لأنّه متفرّع على الاستثناء، ومشروط بأن يكون في كلام غير موجب .

لَفَسَدَتا: لبطلتا، لما يكون بينها من الاختلاف والتّمانع. فإنّها إن توافقت في المراد، تطاردت عليه القدر. وإن تخالفت فيه، تعاوقت عنه.في كتاب التّوحيد  بإسناده إلى هشام بن الحكم في حديث الزّنديق الّذي أتي أبا- عبد اللّه- عليه السّلام- وكان من قول أبي عبد اللّه- عليه السّلام- له: لا يخلو قولك إنّهما اثنان من أن يكونا قديمين قويّين، أو يكونا ضعيفين، أو يكون أحدهما قويّا، والآخر ضعيفا.

فإن كانا قويّين، فلم لا يدفع كلّ واحد منهما صاحبه، وينفرد بالتّدبير!؟

و إن زعمت أنّ أحدهما قويّ، والآخر ضعيف، ثبت أنّه واحد، كما نقول للعجز الظّاهر في الثّاني.

و إن قلت: إنّهما اثنان. لا يخلو من أن يكونا متّفقين من كلّ جهة، أو متفرّقين من كلّ جهة. فلمّا رأينا الخلق منتظما، والفلك جاريا، واختلاف اللّيل والنّهار والشّمس والقمر، دلّ  صحّة الأمر والتّدبير وائتلاف الأمر [على‏]  أنّ المدبّر واحد.

ثمّ يلزمك، إنّ ادّعيت اثنين، فلا بدّ من فرجة بينهما، حتّى يكونا اثنين. فصارت الفرجة ثالثا بينهما قديما معهما. فيلزمك ثلاثة.

فإن ادّعيت ثلاثة، لزمك ما قلنا في الاثنين، حتّى يكون بينهم فرجتان. فيكون خمسا. ثمّ يتناهى في العدد إلى ما لا نهاية له في الكثرة.

حدّثنا  محمّد بن الحسن  بن أحمد بن الوليد قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصّفّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن أبي عمير، عن هشام بن الحكم قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: ما الدّليل على أنّ اللّه واحد؟ قال: اتّصال التّدبير وتمام الصّنع. كما قال- عزّ وجلّ-: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا .فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ المحيط بجميع الأجسام الّذي هو محلّ التّدابير ومنشأ المقادير.

عَمَّا يَصِفُونَ  من اتّخاذ الشّريك والصّاحبة والولد.

لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ، لعظمته وقوّة سلطانه، وتفرّده بالألوهيّة والسّلطنة الذّاتيّة.

وَ هُمْ يُسْئَلُونَ ، لأنّهم مملوكون مستعبدون.

و الضّمير للآلهة أو للعباد.

و في كتاب التّوحيد  بإسناده إلى ابن أذينة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قلت: جعلت فداك، ما تقول في القضاء والقدر؟ قال: أقول: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- إذا جمع العباد يوم القيامة، سألهم عمّا [عهد إليهم، ولم يسألهم عمّا]  قضى عليهم.

و بإسناده  إلى عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد الجعفيّ قال: قلت لأبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر- عليهما السّلام-: يا ابن رسول اللّه، إنّا نرى الأطفال منهم من يولد ميّتا. ومنهم من يسقط غير تامّ. ومنهم من يولد أعمى، أو أخرس، أو أصمّ. ومنهم من يموت من ساعته، إذا سقط إلى الأرض. ومنهم من يبقى إلى الاحتلام. ومنهم من يعمّر حتّى يصير شيخا. فكيف ذلك؟ وما وجهه؟

فقال- عليه السّلام-: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- أولى بما يدبّره من أمر خلقه‏منهم. وهو الخالق والمالك لهم. فمن منعه التّعمير، فإنّما منعه ما ليس له . ومن عمّره، فإنّما أعطاه ما ليس له. فهو المتفضّل بما أعطى، وعادل فيما منع ولا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ.

قال جابر: فقلت له: يا ابن رسول اللّه، فكيف لا يسال عمّا يفعل؟

قال: لأنّه لا يفعل إلّا ما كان حكمة وصوابا، وهو المتكبّر الجبّار، والواحد القهّار.

فمن وجد في نفسه حرجا في شي‏ء ممّا قضى، كفر. ومن أنكر شيئا من أفعاله، جحد.

عن أبي الحسن الرّضا - عليه السّلام- قال: قال اللّه- تبارك وتعالى-:

يا ابن آدم، بمشيئتي كنت أنت الّذي تشاء لنفسك ما تشاء. وبقوّتي أدّيت إليّ فرائضي. وبنعمتي قويت على معصيتي . جعلتك سميعا بصيرا قويّا. ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ .

و ذلك أنّي أولي بحسناتك منك. وأنت أولى بسيّئاتك منّي. وذلك أنّي أسأل عمّا أفعل، وهم يسألون.

و في عيون الأخبار  بإسناده إلى محمّد بن أبي يعقوب البلخيّ قال: سألت أبا الحسن- عليه السّلام- فقلت: لأيّ علّة صارت الإمامة في ولد الحسين دون [ولد]  الحسن؟

فقال: لأنّ اللّه- تعالى- جعلها في ولد الحسين، ولم يجعلها في ولد الحسن. واللّه لا يسال عمّا يفعل.

و في كتاب الخصال  عن المفضّل بن عمر، عن الصّادق جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- حديث طويل. وفيه قال: فقلت له: يا ابن رسول اللّه، كيف صارت الإمامة في ولد الحسين دون [ولد]  الحسن؟ وهما جميعا ولدا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وسبطاه وسيّدا شباب أهل الجنّة.فقال- عليه السّلام-: إنّ موسى وهارون كانا نبيّين مرسلين أخوين، فجعل اللّه النّبوّة في صلب هارون دون صلب موسى- عليه السّلام- ولم يكن لأحد أن يقول:

لم فعل اللّه ذلك؟

و إنّ الإمامة خلافة [من‏]  اللّه- عزّ وجلّ. ليس لأحد أن يقول: لم جعلها في صلب الحسين دون صلب  الحسن. لأنّ اللّه هو الحكيم في أفعاله لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ.

و في كتاب علل الشّرائع  عن عليّ- عليه السّلام- حديث طويل، يقول- عليه السّلام- في أثنائه- وقد ذكر خلقة آدم-:

فاغترف- تبارك وتعالى- غرفة من الماء العذب الفرات. فصلصلها. فجمدت.

ثمّ قال لها: منك أخلق النّبييّن والمرسلين، وعبادي الصّالحين، والأئمّة المهتدين الدّعاة إلى الجنّة، وأتباعهم إلى يوم القيامة، ولا أبالي. ولا أسال عمّا أفعل وهم يسألون. يعني بذلك خلقه [أنّهم يسألون‏] .

و في إرشاد المفيد  قال- رحمه اللّه- وقد ذكر أبا عبد اللّه جعفر بن محمّد عليهما السّلام-: وممّا حفظ عنه من موجز القول في العدل قوله لزرارة بن أعين: يا زرارة، أعطيك جملة في القضاء والقدر؟ قال له زرارة: نعم، جعلت فداك. قال: له: إذا كان يوم القيامة، وجمع اللّه الخلائق، سألهم عمّا عهد إليهم، ولم يسألهم عما قضى عليهم.

أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً:

كرّره استعظاما لكفرهم، واستفظاعا لأمرهم، وتبكيتا وإظهارا لجهلهم. أو ضمّا لإنكار ما يكون لهم مسندا من النّقل إلى إنكار ما يكون لهم دليلا من العقل، على معنى:

أ وجدوا آلهة ينشرون الموتى، فاتّخذوهم آلهة لما وجدوا فيهم من خواصّ الألوهيّة؟ أو وجدوا في الكتب الإلهيّة الأمر بإشراكهم، فاتّخذوهم متابعة للأمر؟

و يعضد ذلك أنّه رتّب على الأوّل ما يدلّ على فساده عقلا. وعلى الثّاني ما يدلّ على فساده نقلا.

قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ على ذلك، إمّا من العقل، أو من النّقل. فإنّه لا يصحّ القول بما لا دليل عليه. كيف، وقد تطابقت الحجج على بطلانه عقلا ونقلا!؟

هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي من الكتب السّماويّة، فانظروا هل تجدون فيها إلّا الأمر بالتّوحيد، والنّهي عن الإشراك.

و التّوحيد، لمّا لم يتوقّف على صحّته بعثة الرّسل وإنزال الكتب، صحّ الاستدلال فيه بالنّقل.

و «من معي» أمّته. و«من قبلي» الأمم المتقدّمة. وإضافة الذّكر إليهم، لأنّه عظتهم.

و قرئ  بالتّنوين والإعمال. وبه، وب «من» الجارّة ، على أنّ «مع» اسم هو ظرف، كقبل وبعد.

و في مجمع البيان : هذا ذِكْرُ [مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ]  مَنْ قَبْلِي. قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: يعني ب ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ  ما هو كائن، وب ذِكْرُ مَنْ قَبْلِي ما قد كان.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس: حدّثنا محمّد بن همّام، عن محمّد بن إسماعيل العلويّ، عن عيسى بن داود [النجّار] ، عن مولانا أبي الحسن موسى بن جعفر- عليهما السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي قال:

ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ عليّ- عليه السّلام-. وذِكْرُ مَنْ قَبْلِي الأنبياء  [و الأوصياء] - عليهم السّلام.

بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ ولا يميّزون بينه وبين الباطل.

و قرئ : «الحقّ»- بالرّفع- على أنّه خبر محذوف وسّط للتّأكيد بين السّبب‏و المسبّب.

فَهُمْ مُعْرِضُونَ  عن التّوحيد واتّباع الرّسول من أجل ذلك.

وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ :

تعميم بعد تخصيص. فإنّ ذِكْرُ مَنْ قَبْلِي من حيث إنّه خبر لاسم الإشارة مخصوص بالموجود بين أظهرهم وهو الكتب الثّلاثة.

وَ قالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً:

قيل : نزلت في خزاعة حيث قالوا: الملائكة بنات اللّه.

سُبْحانَهُ:

تنزيه له عن ذلك.

بَلْ عِبادٌ: بل هم عباد من حيث إنّهم مخلوقون وليسوا بأولاد.

مُكْرَمُونَ : مقرّبون.

و فيه تنبيه على مدحض القوم.

و قرئ  بالتّشديد.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله- عزّ وجلّ-: وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ قال:

هو ما قالت النّصارى إنّ المسيح ابن اللّه. وما قالت اليهود: عزير ابن اللّه. وقالوا في الأئمّة ما قالوا. فقال اللّه- عزّ وجلّ-: سُبْحانَهُ [أنفة له‏]  بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ يعني هؤلاء الّذين زعموا أنّهم ولد اللّه. وجواب هؤلاء الّذين زعموا ذلك في سورة الزّمر في قوله - عزّ وجلّ-: لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ سُبْحانَهُ.

لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ: لا يقولون شيئا حتّى يقوله، كما هو ديدن العبيد المؤدّبين.

و أصله: لا يسبق قولهم قوله . فنسب السّبق إليه وإليهم، وجعل القول محلّه وأداته، تنبيها على استهجان السّبق المعرّض به للقائلين على اللّه ما لم يقله. وأنيبت اللّام عن‏الإضافة، اختصارا وتجافيا عن تكرير الضّمير.

و قرئ : «لا يسبقونه»- بالضّمّ- من: سابقته  فسبقته  أسبقه.

وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ : لا يعلمون قطّ ما لم يأمرهم به.

و في عيون الأخبار  في الزّيارة الجامعة للأئمّة- عليهم السّلام- المنقولة عن الجواد - عليه السّلام-: السّلام على الدّعاة إلى اللّه- إلى قوله:- والمظهرين لأمر اللّه ونهيه، وعباده المكرمين الّذين لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رحمه اللّه- عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل. وفيه: وألزمهم الحجّة بأن خاطبهم خطابا يدلّ على انفراده وتوحيده. وبأنّ لهم أولياء تجري أفعالهم وأحكامهم مجرى فعله، فهم العباد المكرمون لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ.

قال السّائل: من هؤلاء الحجج؟ قال: هم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ومن حلّ محلّه من أصفياء اللّه الّذين قال : فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ. الّذين قرنهم اللّه بنفسه وبرسوله، وفرض على العباد من طاعتهم، مثل الّذي فرض عليهم منها لنفسه.

و في الخرائج والجرائح  في أعلام أمير المؤمنين- عليه السّلام- في روايات الخاصّة: اختصم رجل وامرأة إليه. فعلا صوت الرّجل على المرأة. فقال له عليّ- عليه السّلام-:

اخسأ! وكان خارجيّا. فإذا رأسه رأس الكلب.

فقال له رجل: يا أمير المؤمنين! صحت بهذا الخارجيّ فصار رأسه رأس الكلاب‏] ، فما يمنعك عن معاوية!؟

فقال: ويحك! لو أشاء أن آتي بمعاوية إلى هاهنا على سريره، لدعوت اللّه حتّى‏فعل، ولكن للّه خزّان، لا على ذهب ولا فضّة، ولكن  على أسرار. هذا تدبير اللّه. أما تقرأ: بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ!؟

و روي الأصبغ بن نباتة  قال: كنّا نمشي خلف عليّ- عليه السّلام- ومعنا رجل من قريش. فقال لأمير المؤمنين- عليه السّلام-: قد قتلت الرّجال، وأيتمت الأطفال، وفعلت وفعلت!! فالتفت إليه- عليه السّلام- وقال: اخسأ! فإذا هو كلب أسود.

فجعل يلوذ به، ويبصبص. فرآه- عليه السّلام- فرحمه. فحرّك شفتيه. فإذا هو رجل كما كان.

فقال رجل من القوم: يا أمير المؤمنين! أنت تقدر على مثل هذا، ويناوئك  معاوية!؟ فقال: نحن عباد مكرمون، لا نسبقه بالقول، ونحن بأمره عاملون.

و في شرح الآيات  الباهرة: قال محمّد بن العبّاس: حدّثنا محمّد بن الحسن  بن عليّ بن مهزيار قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن عليّ بن حديد، عن منصور بن يونس، عن أبي السّفابح، عن جابر الجعفيّ قال:

 

سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول: وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ وأومأ بيده إلى صدره وقال: لا يَسْبِقُونَهُ (الآية).

يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ: لا يخفى عليه خافية ممّا قدّموا وأخّروا.

و هو كالعلّة لما قبله، والتّمهيد لما بعده. فإنّهم لإحاطتهم بذلك، يضبطون أنفسهم، ويراقبون أحوالهم.

وَ لا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى أن يشفع له، مهابة منه.

وَ هُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ: عظمته ومهابته مُشْفِقُونَ : مرتعدون.

و أصل الخشية: خوف  مع تعظيم. ولذلك خصّ بها العلماء. والإشفاق خوف  مع اعتناء. فإن عدّي بمن، فمعنى الخوف فيه أظهر. وإن عدّي بعلى، فبالعكس.

و في مصباح شيخ الطّائفة - قدّس سرّه- في خطبة مرويّة عن أمير المؤمنين- عليه السّلام-: وأنّ اللّه اختصّ لنفسه بعد نبيّه- صلّى اللّه عليه وآله- من بريّته خاصّة علاهم بتعليته، وسما بهم إلى رتبته. وجعلهم الدّعاة بالحقّ إليه، والأدلّاء بالرّشاد عليه لقرن قرن وزمن زمن.

أنشأهم في القدم قبل كلّ مذروّ ومبروّ أنوارا أنطقها بتحميده، وألهمها شكره وتمجيده. وجعلها الحجج على كلّ معترف له بملكة الرّبوبيّة وسلطان العبوديّة.

و استنطق بها الخرسات بأنواع اللّغات نجوعا له بأنّه  فاطر الأرضين والسّموات.

و أشهدهم  خلقه، وولّاهم ما شاء به من أمره.

جعلهم تراجمة مشيئته، وألسن إرادته، عبيدا لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ.

و في تهذيب الأحكام  بإسناده إلى أبي الحسن الثّالث- عليه السّلام- زيارة لأمير المؤمنين- عليه السّلام- وفيها يقول الزّائر:

يا وليّ اللّه، إنّ لي ذنوبا كثيرة، فاشفع لي إلى ربّك- عزّ وجلّ. فإنّ لك عند اللّه مقاما محمودا. وإنّ لك عند اللّه جاها وشفاعة. وقال اللّه- تعالى-: وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى.

و في الكافي  مثله سواء.

 

و في عيون الأخبار  بإسناد إلى الحسين بن خالد، عن عليّ بن موسى الرّضا- عليه السّلام- عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين- صلوات اللّه عليهم أجمعين- قال:

 

قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: من لم يؤمن بحوضي، فلا أورده اللّه حوضي. ومن لم يؤمن  بشفاعتي، فلا أنا له اللّه شفاعتي. ثمّ قال- صلّى اللّه عليه وآله-:إنّما شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي. فأمّا المحسنون، فما عليهم من سبيل.

قال الحسين بن خالد: فقلت للرّضا- عليه السّلام- يا ابن رسول اللّه، فما معنى قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى؟ قال: لا يشفعون إلّا لمن ارتضى اللّه دينه.

و في كتاب الخصال : عن الأعمش، عن جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- قال: هذه شرائع الدّين- إلى أن قال- عليه السّلام-:

و أصحاب الحدود فسّاق، لا مؤمنون، ولا كافرون. لا يخلّدون في النّار، ويخرجون منها يوما. والشّفاعة جائزة لهم، وللمستضعفين إذ ارتضى اللّه دينهم.

و في كتاب التّوحيد : حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمذانيّ  قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن موسى بن جعفر- عليهما السّلام- حديث طويل، وفيه: فقلت له: يا ابن رسول اللّه، فالشّفاعة لمن تجب من المذنبين؟

فقال: حدّثني أبي، عن آبائه، عن عليّ- عليهم السّلام- قال: سمعت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يقول: إنّما شفاعتي لأهل الكبائر [من أمّتي. فأمّا المحسنون منهم، فما عليهم من سبيل.

قال ابن أبي عمير: فقلت له: يا ابن رسول اللّه، كيف تكون الشّفاعة لأهل الكبائر]  واللّه- تعالى- يقول: وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا [لِمَنِ ارْتَضى‏] !؟ ومن يرتكب الكبيرة ، لا يكون مرتضى! فقال: يا محمّد، ما من مؤمن يرتكب ذنبا، إلّا ساءه ذلك، وندم عليه. وقد قال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: كفى بالنّدم توبة. وقال- عليه السّلام-: من سرّته‏حسنته، وساعته سيّئته ، فهو مؤمن. فمن لم يندم على ذنب يرتكبه، فليس بمؤمن، لم تجب  له الشّفاعة، وكان ظالما. واللّه- تعالى- ذكره- يقول : ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ.

فقلت له: يا ابن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وكيف لا يكون مؤمنا من لم يندم على ذنب يرتكبه؟

فقال: يا أبا أحمد، ما من أحد يرتكب كبيرة من المعاصي- وهو يعلم أنّه سيعاقب عليها- إلّا ندم على ما ارتكب. ومتى ندم، كان تائبا مستحقّا للشّفاعة. ومتى لم يندم عليها، كان مصرّا. والمصرّ لا يغفر له، لأنّه غير مؤمن بعقوبة ما ارتكب. ولو كان مؤمنا بالعقوبة ، لندم. وقد قال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار.

و أمّا قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى فإنّهم لا يشفعون إلّا لمن ارتضى دينه. والدّين الإقرار بالجزاء على الحسنات والسّيّئات. فمن ارتضى اللّه دينه، ندم على ما ارتكبه من الذّنوب، لمعرفته بعاقبته  في القيامة.

وَ مَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ: من الملائكة، أو من الخلائق.

إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ:

يريد به نفي الرّبوبيّة وادّعاء ذلك عن الملائكة في تهديد المشركين بتهديد مدّعي الرّبوبيّة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله: وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ قال: من زعم أنّه إمام، وليس بإمام.

كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ : من ظلم بالإشراك وادّعاء الرّبوبيّة.

أَ وَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا: أو لم يعلموا.و قرأ  ابن كثير بغير واو.

أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً: ذات رتق، أو مرتوقتين. وهو: الضّمّ والالتحام.

قيل : أي كانتا شيئا واحدا وحقيقة متّحدة.

فَفَتَقْناهُما بالتّنويع والتّمييز. أو: كانت السّموات واحدة، ففتقت بالتّحريكات المختلفة، حتّى صارت أفلاكا. وكانت الأرضون واحدة، فجعلت باختلاف كيفيّاتها وأحوالها طبقات أو أقاليم.

و قيل : كانت بحيث لا فرجة بينهما، ففرج.

و قيل : كانَتا رَتْقاً لا تمطر ولا تنبت فَفَتَقْناهُما بالمطر والنّبات. فيكون المراد ب «السّموات» سماء الدّنيا، وجمعها باعتبار الآفاق. أو السّموات بأسرها، على أنّ لها مدخلا في الأمطار. والكفرة- وإن لم يعلموا ذلك- فهم متمكّنون من العلم به نظرا.

فإنّ الفتق عارض مفتقر الى مؤثّر واجب ابتداء، أو بواسط، أو استفسارا من العلماء ومطالعة الكتب. وإنّما قال: «كانتا» ولم يقل: كنّ، لأنّ المراد جماعة السّموات وجماعة الأرض.

و قرئ : «رتقا»- بالفتح- على تقدير: شيئا رتقا، أي: مرتوقا. كالرفض بمعنى المرفوض.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسي- رحمه اللّه-: وروى [بعض أصحابنا]

 أنّ عمرو بن عبيد وفد على محمّد بن عليّ الباقر- عليهما السّلام- لامتحانه بالسّؤال عنه.

فقال له: جعلت فداك، ما معنى قول اللّه- تعالى-: أَ وَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما؟ ما هذا الرّتق والفتق؟

فقال أبو جعفر- عليه السّلام-: كانت السّماء رتقا لا تنزل القطر. وكانت الأرض رتقا لا تخرج النّبات. ففتق اللّه السّماء بالقطر. وفتق الأرض بالنّبات.

فانقطع عمرو، ولم يجد اعتراضا ومضى.و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرميّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: خرج هشام بن عبد الملك حاجّا، ومعه الأبرش الكلبيّ. فلقيا أبا عبد اللّه- عليه السّلام- في المسجد الحرام.

فقال هشام للأبرش: تعرف هذا؟ قال: لا. قال: هذا الّذي تزعم الشّيعة أنّه نبيّ من كثرة علمه. فقال الأبرش: لأسألنّه عن مسألة  لا يجيبني فيها إلّا نبيّ أو وصيّ نبيّ. فقال هشام: وددت أنّك فعلت ذلك.

فلقي الأبرش أبا عبد اللّه- عليه السّلام- فقال: يا أبا عبد اللّه، أخبرني عن قول اللّه: أَ وَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما. فما كان رتقهما؟

و ما كان فتقهما؟

فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: يا أبرش، هو كما وصف نفسه. وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ ، والماء على الهواء، والهواء لا يحدّ. ولم يكن يومئذ خلق غيرهما. والماء يومئذ عذب فرات.

فلمّا أراد اللّه أن يخلق الأرض، أمر الرّياح. فضربت الماء، حتّى صار موجا. ثمّ أزبد، فصار زبدا واحدا. فجمعه في موضع البيت. ثمّ جعله جبلا من زبد. ثمّ دحا الأرض من تحته. فقال اللّه - تبارك وتعالى-: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً. ثمّ مكث الرّبّ- تبارك وتعالى- ما شاء.

فلمّا أراد أن يخلق السّماء، أمر الرّياح. فضربت البحور، حتّى أزبدتها . فخرج من ذلك الموج والزّبد من وسطه دخان ساطع من غير نار. فخلق منه السّماء، وجعل فيها البروج والنّجوم، ومنازل الشّمس والقمر، وأجراها في الفلك.

و كانت السّماء خضراء على لون الماء الأخضر. وكانت الأرض غبراء على لون الماء العذب. وكانتا مرتوقتين ليس لهما أبواب. ولم يكن للأرض أبواب، وهو النّبت، ولم تمطر السّماء عليها فتنبت. ففتق السّماء بالمطر. وفتق الأرض بالنّبات. وذلك قوله:أَ وَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما.

فقال الأبرش: واللّه ما حدّثني بمثل هذا الحديث أحد قطّ! أعده عليّ. فأعاده عليه- وكان الأبرش ملحدا- فقال: وأنا أشهد أنّك ابن بنيّ- ثلاث  مرّات.

و في روضة الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن داود، عن محمّد بن عطيّة قال: قال رجل من أهل الشّام لأبي جعفر- عليه السّلام-: يا أبا جعفر، قول اللّه- عزّ وجلّ-: أَ وَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما.

فقال له أبو جعفر- عليه السّلام-: فلعلّك تزعم أنّهما كانتا رتقا ملتزقتين ملتصقتين  ففتقت إحداهما  من الأخرى؟ فقال: نعم.

فقال أبو جعفر- عليه السّلام-: استغفر ربّك. فإنّ قول اللّه- عزّ وجلّ-:

كانَتا رَتْقاً يقول: كانت السّماء رتقا لا تنزل المطر. وكانت الأرض رتقا لا تنبت الحبّ. فلمّا خلق اللّه- تبارك وتعالى- الخلق، وبثّ فيها من كل دابّة، فتق السّماء بالمطر، والأرض بنبات الحبّ.

فقال الشّاميّ: أشهد أنّك من ولد الأنبياء، وأنّ علمك علمهم.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن الحسن بن محبوب، عن أبي حمزة ثابت بن دينار الثّماليّ، وأبو منصور، عن أبي الرّبيع قال: حججنا مع أبي جعفر- عليه السّلام- في السّنة الّتي كان حجّ فيها هشام بن عبد الملك، وكان معه نافع مولى عمر بن الخطّاب. فقال: يا أبا جعفر، فأخبرني عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: أَ وَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما.

قال: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- أهبط  آدم  إلى الأرض وكانت السّماء  [رتقا

لا تمطر شيئا، وكانت الأرض رتقا لا تنبت شيئا. فلمّا تاب اللّه- عزّ وجلّ- على آدم- صلّى اللّه عليه- أمر السّماء]  فتقطّرت بالغمام. ثمّ أمرها، فأرخت عزاليها . ثمّ أمر الأرض، فأنبتت الأشجار، وأثمرت الثّمار، وتفيّهت  بالأنهار. فكان ذلك رتقها، وهذا فتقها.

فقال نافع: صدقت يا ابن رسول اللّه.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في نهج البلاغة : قال- عليه السّلام-: وفتق بعد الارتقاق  صوامت أبوابها.

وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْ‏ءٍ حَيٍّ: وخلقنا من الماء كلّ حيوان، لقوله :

وَ اللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ.

و ذلك لأنّه من أعظم موادّه، ولفرط احتياجه إليه، وانتفاعه به بعينه. أو: صيّر كلّ شي‏ء بسبب من الماء لا يحيا دونه.

و قرئ : «حيّا» على أنّه صفة «كلّ» أو مفعول ثان، والظّرف لغو، والشّي‏ء مخصوص بالحيوان.

أَ فَلا يُؤْمِنُونَ  مع ظهور الآيات!؟

و في كتاب طبّ الأئمّة : عبد اللّه بن بسطام قال: حدّثنا إسحاق  بن إبراهيم، عن أبي الحسن العسكريّ- عليه السّلام- قال: حضرته يوما، وقد شكا إليه بعض إخواننا فقال: يا ابن رسول اللّه، إنّ أهلي يصيبهم كثيرا هذا الوجع الملعون.

قال: وما هو؟ قال: وجع الرّأس.

قال: خذ قدحا من ماء، واقرأ عليه: أَ وَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْ‏ءٍ حَيٍّ أَ فَلا يُؤْمِنُونَ. ثمّ أشربه. فإنّه‏لا يضرّه- إن شاء اللّه تعالى.

و بإسناده  إلى حمّاد بن عيسى يرفعه إلى أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال: إذا اشتكى أحدكم وجع الفخذين، فليجلس في تور  كبير أو طشت في الماء المسخّن. وليضع يده عليه، وليقرأ: أَ وَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْ‏ءٍ حَيٍّ أَ فَلا يُؤْمِنُونَ.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله: وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْ‏ءٍ حَيٍّ أَ فَلا يُؤْمِنُونَ قال: نسب كلّ شي‏ء إلى الماء، ولم ينسب الماء إلى غيره .

و في تفسير العيّاشي : [عن سيف بن عميرة] ، عن شيخ من أصحابنا، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: كنّا عنده. فسأله شيخ فقال: لي وجع وأنا أشرب له النّبيذ. ووصفه له الشّيخ. فقال له: ما يمنعك من الماء الّذي جعل اللّه منه كلّ شي‏ء حيّ!؟ [قال:]  لا يوافقني (الحديث).

و في مجمع البيان : وروى العيّاشيّ بإسناده‏]  عن الحسين بن علوان  قال: سئل أبو عبد اللّه- عليه السّلام- عن طعم الماء. فقال له: سل تفقّها، ولا تسأل تعنّتا. طعم الماء طعم الحياة. قال اللّه- سبحانه-: وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْ‏ءٍ حَيٍّ.

و في قرب الإسناد  للحميريّ بإسناده إلى الحسين بن علوان، عن جعفر - عليه السّلام- قال: كنت عنده جالسا، إذ جاعه رجل، فسأله عن طعم الماء. وكانوا يظنّون أنّه زنديق.

فأقبل أبو عبد اللّه- عليه السّلام- يضرب فيه ويصعد. ثمّ قال له: ويلك! طعم الماء طعم الحياة. إنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول: وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْ‏ءٍ حَيٍّ أَ فَلا يُؤْمِنُونَ.و في مصباح الشّريعة : قال الصّادق- عليه السّلام-: وقال اللّه- عزّ وجلّ-:

وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْ‏ءٍ حَيٍّ . فكما أحي به كلّ شي‏ء من نعيم الدّنيا، كذلك بفضله ورحمته حياة  القلوب والطّاعات.

وَ جَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ ثابتات. من: رسا الشّي‏ء: إذا ثبت.

أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ: كراهة أن تميل بهم وتضطرب.

و قيل : أن لا تميد. فحذف «لا» لأمن اللّبس.

وَ جَعَلْنا فِيها للأرض أو الرّواسي فِجاجاً سُبُلًا: مسالك واسعة.

و إنّما قدّم «فجاجا» وهو وصف له، ليصير حالا، فيدلّ على أنّه حين خلقها كذلك. أو ليبدّل منها «سبلا» فيدلّ ضمنا على أنّه خلقها ووسّعها للسّابلة، مع ما يكون فيه من التّوكيد.

لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ  إلى مصالحهم.

وَ جَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً [عن الوقوع بقدرته، أو الفساد والانحلال إلى الوقت المعلوم بمشيئته، أو استراق السّمع بالشّهب.

وَ هُمْ عَنْ آياتِها  الدّالّة أحوالها على وجود الصّانع ووحدته، وكمال قدرته وتناهي حكمته الّتي يحسّ ببعضها ويبحث عن بعضها في علمى الطّبيعة والهيئة، مُعْرِضُونَ  غير متفكّرين.

و في نهج البلاغة : قال عليه السّلام- بعد ذكره السّموات السّبع-: جعل سفلاهنّ موجا مكفوفا، وعلياهنّ سقفا محفوظا وسمكا مرفوعا.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : [قوله: وَجَعَلْنَا السَّماءَ]  سَقْفاً مَحْفُوظاً. يعني: من الشّياطين، أي لا يسترقون السّمع.

وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ:

بيان لبعض تلك الآيات.كُلٌّ فِي فَلَكٍ، أي: كلّ واحد منهما.

و التّنوين بدل المضاف إليه. والمراد بالفلك الجنس، كقولهم: كساهم الأمير حلّة.

يَسْبَحُونَ : يسرعون على سطح الفلك، إسراع السّابح على سطح الماء.

و هو خبر «كلّ». والجملة حال من الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ. وجاز انفرادهما بها لعدم اللّبس . والضّمير لهما، وإنّما جمع باعتبار المطالع، وجعل واو العقلاء، لأنّ السّباحة فعلهم .

وَ ما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَ فَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ :

قيل»

: نزلت حين قالوا: نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ .

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : انّه لمّا أخبر اللّه- عزّ وجلّ- نبيّه- صلّى اللّه عليه وآله- بما يصيب أهل بيته بعده صلّى اللّه عليه وآله- وادّعاء من ادّعى الخلافة دونهم، اغتمّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله. فأنزل اللّه- عزّ وجلّ- هذه الآية.

و الفاء لتعلّق الشّرط بما قبله. والهمزة لإنكاره  بعد ما تقرّر ذلك.

كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ: ذائقة مرارة مفارقتها جسدها.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال أمير المؤمنين- عليه السّلام- يوما، وقد تبع جنازة فسمع رجلا يضحك فقال:

كأنّ الموت فيها على غيرنا كتب! وكأنّ الحقّ فيها على غيرنا وجب! وكأن الّذي نشيّع  من الأموات سفر عمّا قليل إلينا راجعون. ننزلهم أجداثهم، ونأكل تراثهم، كأنّا مخلّدون بعدهم! قد نسينا كلّ واعظة، ورمينا بكلّ جائحة .

و في تفسير العيّاشي : عن زرارة قال: كرهت أن أسأل أبا جعفر- عليه السّلام-عن الرّجعة، واستخفيت ذلك.

قلت: لأسألنّ مسألة لطيفه أبلغ فيها حاجتي، فقلت: أخبرني عمّن قتل أمات؟ قال:

لا، الموت موت، والقتل قتل.

قلت: ما أحد يقتل إلّا وقد مات!؟ فقال: قول اللّه أصدق من قولك. فرّق بينهما في القرآن فقال : أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ وقال : وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ.

و ليس كما قلت يا زرارة! الموت موت، والقتل قتل.

قلت: فإنّ اللّه يقول: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ؟ قال: من قتل، لم يذق الموت. ثمّ قال: لا بدّ من أن يرجع حتّى يذوق الموت.

وَ نَبْلُوكُمْ: ونعاملكم معاملة المختبر بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ: بالبلايا والنّعم، فِتْنَةً: ابتلاء- مصدر من غير لفظه- وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ  فنجازيكم حسب ما يوجد منكم من الصّبر والشّكر.

في مجمع البيان : وروي عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّ أمير المؤمنين- عليه السّلام- مرض. فعاده إخوانه فقالوا: كيف تجدك  يا أمير المؤمنين؟ قال: بشرّ. قالوا: ما هذا كلام مثلك! قال: إنّ اللّه يقول: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً. فالخير: الصّحّة والغنى. والشّرّ: المرض والفقر.

وَ إِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً:

ما يتّخذونك إلّا هزوا ويقولون:

أَ هذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ، أي: بسوء.

و إنّما أطلقه، لدلالة الحال. فإنّ ذكر العدوّ لا يكون إلا بسوء.

وَ هُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ: بالتّوحيد. أو: بإرشاد الخلق ببعث الرّسل وإنزال الكتب رحمة عليهم. أو: بالقرآن.

هُمْ كافِرُونَ  منكرون. فهم أحقّ بأن يهزأ بهم.

و تكرير الضّمير للتّأكيد والتّخصيص، ولحيلولة الصّلة بينه وبين الخبر.

خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ:كأنّه خلق منه، لفرط استعجاله وقلّة تأنّيه، كقولك: خلق زيد من الكرم. جعل  ما طبع عليه بمنزلة المطبوع هو منه، مبالغة في لزومه. ولذلك قيل: إنّه على القلب. ومن عجلة مبادرته إلى الكفر واستعجال الوعيد.

قيل : إنّه نزلت في النّضر بن الحارث، حين استعجل [العذاب‏] .

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: لمّا أجرى اللّه في آدم الرّوح من قدميه، فبلغت إلى ركبتيه، أراد أن يقوم. فلم يقدر. فقال اللّه- عزّ وجلّ-: خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ.

و في مجمع البيان : قيل في «عجل» ثلاث تأويلات. منها أنّ آدم- عليه السّلام- لمّا خلق وجعلت الرّوح في أكثر جسده، وثب عجلان مبادرا إلى ثمار الجنّة.

و قيل : همّ بالوثوب. فهذا معنى قوله: «من عجل». وروي ذلك عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام.

سَأُرِيكُمْ آياتِي: نقماتي في الدّنيا- كوقعة بدر- وفي الآخرة عذاب النّار.

فَلا تَسْتَعْجِلُونِ  بالإتيان بها.

و النّهي عمّا جبلت عليه نفوسهم، ليقعدوا بها عن مرادها.

و في نهج البلاغة : قال- عليه السّلام-: إيّاك والعجلة بالأمور قبل أوانها. أو التسقّط  فيها عند إمكانها. أو اللّجاجة فيها، إذا تنكّرت. أو الوهن عنها، إذا استوضحت.

فضع كلّ أمر موضعه. وأوقع كلّ أمر  موقعه.

و في كتاب الخصال  عن أبان بن تغلب قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: مع التثبّت تكون السّلامة. ومع العجلة تكون النّدامة. ومن ابتدأ العمل في غير وقته، كان بلوغه في غير حينه.

و عن عليّ- عليه السّلام- قال في كلام طويل : لا تعاجلوا الأمر قبل بلوغه،فتندموا.

وَ يَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ: وقت وعد العذاب، أو القيامة.

إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ :

يعنون النّبيّ- عليه الصّلاة والسّلام- وأصحابه- رضي اللّه عنهم.

لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ :

محذوف الجواب. و«حين» مفعول [به ل «يعلم»] . أي: لو يعلمون الوقت الّذي يستعجلون منه بقولهم: مَتى هذَا الْوَعْدُ- وهو حين تحيط بهم النّار من كلّ جانب، بحيث لا يقدرون على دفعها، ولا يجدون ناصرا يمنعها- لمّا استعجلوا.

و يجوز أن يترك مفعول «يعلم» ويضمر ل «حين» فعل. بمعنى: لو كان لهم علم لما استعجلوا، يعلمون بطلان ما هم عليه، حين لا يكفّون. وإنّما وضع الظّاهر فيه موضع الضّمير، للدّلالة على ما أوجب لهم ذلك.

بَلْ تَأْتِيهِمْ العدة أو النّار أو السّاعة بَغْتَةً: فجأة- مصدر أو حال. وقرئ  بفتح الغين- فَتَبْهَتُهُمْ: فتغلبهم، أو تحيّرهم.

و قرئ  الفعلان بالياء.

و الضّمير للوعد أو الحين. وكذا الضّمير في قوله: فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها. لأنّ الوعد بمعنى النّار أو العدة، والحين بمعني السّاعة. ويجوز أن يكون للنّار أو للبغتة.

وَ لا هُمْ يُنْظَرُونَ : ولا يمهلون. وفيه تذكير بإمهالهم في الدّنيا.