سورة الأنفال الآية 61-75

وَ إِنْ جَنَحُوا: مالوا. ومنه الجناح. وقد يعتدى ب «اللام» و«الى».

لِلسَّلْمِ: للصّلح، أو الاستسلام.

و قرأ  أبو بكر، بالكسر.

فَاجْنَحْ لَها: وعاهد معهم.

و تأنيث الضّمير لحمل «السّلم» على نقيضها فيه. قال:

         السّلم تأخذ منها ما رضيت به             والحرب يكفيك من أنفاسها جرع‏

 وقرئ : «فاجنح» بالضّمّ.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم: وقوله: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها.قال: هي منسوخة بقوله: فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ.

و في أصول الكافي : الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن جمهور، عن صفوان، عن ابن مسكان، عن الحلبيّ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها. قلت: ما السّلم؟

قال: الدّخول في أمرنا.

وَ تَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ: ولا تخف من إبطانهم خداعا فيه. فإنّ اللَّه يعصمك من مكرهم، ويحيقه بهم.

إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ: لأقوالهم.

الْعَلِيمُ: : بنيّاتهم.

قيل : الآية مخصوصة بأهل الكتاب، لاتصالها بقصّتهم.

و قيل : عامّة، نسختها آية السّيف.

و في تفسير علي بن إبراهيم : أنّها منسوخة بقوله: فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ .

وَ إِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ: فإنّ محسبك اللَّه وكافيك.

قال جرير:

         إني وجدت من المكارم حسبكم             أن تلبسوا حرّ الثّياب وتشبعوا.

 

هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ : جميعا.

و في شرح الآيات الباهرة : وتأويله ما ذكره أبو نعيم في كتابه، حلية الأولياء، بإسناده إلى محمّد بن السّائب الكلبيّ، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- قال: مكتوب على العرش: لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، محمّد عبدي ورسولي، أيّدته بعليّ بن أبي طالب. وذلك قوله: هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ، يعني: عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.و يؤيده‏

ما رواه الشيخ أبو جعفر الطوسيّ- رحمه اللَّه- عن رجاله قال: أخبرنا الشّريف أبو نصر، محمّد بن محمّد الريسيّ ، بإسناده إلى أبي حمزة الثّماليّ، عن سعيد بن جبير، عن أبي النّجم، خادم رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- قال: سمعت رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- يقول: لمّا أسري بي إلى السماء، رأيت على ساق العرش: مكتوب لا إله إلا اللَّه، محمّد رسولي وصفيي من خلقي، أيّدته بعليّ ونصرته به.

وَ أَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ: مع ما فيهم من العصبيّة والضّغينة في أدنى شي‏ء، والتّهالك على الانتقام بحيث لا يكاد يأتلف فيهم قلبان حتّى صاروا كنفس واحدة. وهذا من معجزاته- عليه السّلام-.

و في مجمع البيان : عن الباقر- عليه السّلام-: أنّه أراد بالمؤمنين: الأنصار. وهم الأوس والخزرج.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر- عليه السّلام-: كان بين الأوس والخزرج حرب شديدة وعداوة في الجاهلية، فألّف اللَّه بين قلوبهم ونصرهم بنبيّه - صلّى اللَّه عليه وآله-.

و في أمالي شيخ الطّائفة ، بإسناده إلى أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال: سمعت رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- يقول: المؤمن غر  كريم، والفاجر خبث  لئيم. وخير المؤمنين من كان تألّفه للمؤمنين. ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف.

قال: سمعت رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- يقول: شرار النّاس من يبغض المؤمنين، وتبغضه قلوبهم. المشاءون  بالنّميمة، المفرّقون بين الأحبة، الباغون للنّاس العيب. أولئك لا ينظر اللَّه إليهم، ولا يزكّيهم يوم القيامة. ثمّ تلا- صلّى اللَّه عليه وآله-:

هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ.و في نهج البلاغة : قال- عليه السّلام-: وبلّغ برسالة ربّه. فلم [اللَّه‏]  به الصدع، ورتق به الفتق، وألف [به الشمل‏]  بين ذوي الأرحام بعد العداوة الواغرة في الصدور دون الضّغائن القارحة في القلوب.

لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ: تناهي عداوتهم على حدّ، لو أنفق منفق في إصلاح ذات بينهم ما في الأرض جميعا من الأموال لم يقدر على الألفة والإصلاح.

وَ لكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ: بقدرته البالغة. فإنّه المالك للقلوب، يقلّبها كيف يشاء.

إِنَّهُ عَزِيزٌ: تامّ القدرة والغلبة، لا يعصي عليه ما يريده.

حَكِيمٌ : يعلم أنّه كيف ينبغي أن يفعل ما يريده.

يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ: كافيك.

وَ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ : إمّا في محلّ النّصب على المفعول معه، كقوله:

         إذا كانت الهيجاء واشتجر القنا             فحسبك والضّحاك سيف مهنّد

 أو الجرّ، عطفا على المكنى، عند الكوفيّين.

أو الرّفع، عطفا على اسم اللَّه، أي: كفاك اللَّه والمؤمنون.

قيل : والآية نزلت بالبيداء في غزوة بدر.

و قيل: أسلم مع النّبيّ ثلاثة وثلاثون رجلا وستّ نسوة، ثمّ أسلم عمر، فنزلت.

فذلك قال ابن عبّاس: نزلت في إسلامه.

و في شرح الآيات الباهرة : ذكر أبو نعيم في حلية الأولياء، بطريقه وإسناده عن أبي هريرة قال: نزلت هذه الآية في عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- وهو المعنيّ بقوله:

 «المؤمنين».

يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ: بالغ في حثّهم عليه.و أصله: الحرض. وهو أن ينهكه المرض، حتّى يشفى على الموت.

و قرئ : «حرّص»، من الحرص.

إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا: شرط في معنى الأمر، بمصابرة الواحد للعشرة. والوعد بأنّهم إن صبروا، غلبوا بعون اللَّه وتأييده.

و قرأ  ابن كثير ونافع وابن عامر: «تكن» بالتّاء في الآيتين. ووافقهم البصريّان في «و إن تكن منكم مائة».

بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ : بسبب أنّهم جهلة باللّه واليوم الآخر. لا يثبتون ثبات المؤمنين رجاء الثّواب وعوالي الدّرجات قتلوا أو قتلوا، ولا يستحقّون من اللَّه إلّا الهوان والخذلان.

الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ: لمّا أوجب اللَّه على الواحد مقاومة العشرة والثّبات لهم، وثقل ذلك عليهم، خفّف عنهم.

و قيل . كان فيهم قلّة، أوّلا فأمروا بذلك. ثمّ لمّا كثروا، خفّف عنهم.

و تكرير المعنى الواحد بذكر الأعداد المتناسبة، للدّلالة على أنّ حكم القليل والكثير واحد.

و الضّعف، ضعف البدن. وقيل: ضعيف البصيرة، وكانوا متفاوتين فيها. وفيه لغتان: الفتح، وهو قراءة حمزة وعاصم. والضّمّ، وهو قراءة الباقين.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- حديث طويل. يقول فيه: اعلم  أنّ اللَّه- عزّ وجلّ- فرض على المؤمنين في أوّل الأمر أن يقاتل الرّجل منهم عشرة من المشركين، ليس له أن يولّي وجهه عنهم. ومن ولّاهم يومئذ دبره، فقد تبوأ مقعده من النّار. ثمّ حولهم [عن حالهم‏]  رحمة منهم لهم، فصار الرّجل منهم عليه أن يقاتل رجلين من المشركين تخفيفا من‏

اللّه- عزّ وجلّ- للمؤمنين فنسخ الرّجلان العشرة.

و في تفسير العيّاشيّ : عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل. يقول في آخره وقد اكره على بيعة أبي بكر مغضبا: اللّهم، إنّك تعلم أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قد قال لي: إن تمّوا عشرين فجاهدهم. وهو قولك في كتابك: إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ.

قال: وسمعته يقول: اللّهمّ، فإنّهم لا يتمّوا  عشرين. حتّى قالها ثلاثا، ثمّ انصرف.

عن فرات بن أحنف ، عن بعض أصحابه، عن عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- أنّه قال: ما نزل بالنّاس أزمة قطّ، إلّا كان شيعتي فيها أحسن حالا. وهو قول اللّه: الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً.

عن الحسين بن صالح  قال: سمعت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- يقول: كان عليّ- صلوات اللَّه عليه- يقول: من فرّ من رجلين في القتال من الزّحف، فقد فرّ من الزّحف.

و من فر من ثلاثة رجال في القتال، فلم يفرّ.

في تفسير عليّ بن إبراهيم ، يقرب من معنى الحديثين.

وَ اللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ : بالنّصر والمعونة، فلا محالة يغلبون.

ما كانَ لِنَبِيٍّ وقرئ : «للنبيّ» على العهد.

أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى.

و قرأ  البصريان، بالتّاء.

حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ: يكثر القتل ويبالغ فيه. حتّى يذلّ الكفر، ويقلّ حزبه، ويعزّ الإسلام ويستولي أهله.

من أثخنه المرض: إذا أثقله. وأصله: الثّخانة.و قرئ : «يثخّن» بالتّشديد، للمبالغة.

تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا: حطامها، بأخذكم الفداء.

وَ اللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ: واللَّه يريد لكم ثواب الآخرة. أو سبب نيل ثواب الآخرة، من إعزاز دينه وقمح أعدائه.

و قرئ بجرّ «الآخرة»، على إضمار المضاف، كقوله:

         أكلّ امرئ تحسبين امرأ             ونار توقد باللّيل نارا

 وَاللَّهُ عَزِيزٌ: يغلب أولياءه على أعدائه.

حَكِيمٌ : يعلم ما يليق بكلّ حال ويخصّه بها، كما أمر بالإثخان ومنع من الافتداء حين كانت الشوكة للمشركين، وخيّر بينه وبين المنّ لمّا تحوّلت الحال وصارت الغلبة للمؤمنين. وقد سبق لهذه الآية وما بعدها بيان في قصّة بدر.

لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ: لو لا حكم من اللَّه سبق إثباته في اللّوح المحفوظ بإباحة الغنائم لكم.

لَمَسَّكُمْ: لنالكم.

فِيما أَخَذْتُمْ: من الفدية.

عَذابٌ عَظِيمٌ  فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ: من الفدية. فإنّه من جملة الغنائم.

و قيل : أمسكوا عن الغنائم، فنزلت.

و «الفاء» للتسبب. والسّبب محذوف، تقديره: أبحت لكم الغنائم، فكلوا.

حَلالًا: حال من المغنوم. أو صفة للمصدر، أي: أكلا حلالا.

و فائدته إزاحة ما وقع في نفوسهم منه بسبب تلك المعاتبة. ولذلك وصفه بقوله:

طَيِّباً.

وَ اتَّقُوا اللَّهَ: في مخالفته.

إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ: غفر لكم ذنبكم.

رَحِيمٌ : أباح لكم ما أخذتم.

يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى‏و قرأ  أبو عمرو: «من الأسارى».

إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً: خلوص عقيدة، وصحّة نيّة في الإيمان.

يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ: من الفداء.

وَ يَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ :

قد مضى لهذه الآية بيان في قصّة بدر.

و في روضة الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: سمعته يقول في هذه الآية: إنّها نزلت في العبّاس وعقيل ونوفل.

و قال: إنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- نهى يوم بدر أن يقتل أحد من بني هاشم. فأسروا. فأرسل عليّا- عليه السّلام-. فقال: انظر من ها هنا من بني هاشم.

قال: فمرّ علي- عليه السّلام- على عقيل بن أبي طالب، فحاد عنه.

فقال له عقيل: يا ابن أمّ، عليّ. أما واللَّه، لقد رأيت مكاني.

قال: فرجع إلى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- وقال: هذا أبو الفضل في يد فلان، وهذا عقيل في يد فلان، وهذا نوفل بن الحارث في يد فلان.

فقام رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- حتّى انتهى إلى عقيل، فقال له: يا أبا يزيد، قتل أبو جهل.

فقال: إذا لا تنازعوا في تهامة. فقال: إن كنتم أثخنتم القوم، وإلّا فاركبوا أكتافهم.

قال: فجي‏ء بالعبّاس، فقيل له: أفد نفسك وأفد ابني أخيك.

فقال: يا محمّد، تتركني أسأل قريشا في كفي!؟

فقال: أعط ممّا خلّفت عند أمّ الفضل، وقلت لها: إن أصابني في وجهي هذا شي‏ء، فأنفقيه على ولدك ونفسك.

فقال له: يا ابن أخي، من أخبرك بهذا؟

فقال: أتاني به جبرئيل- عليه السّلام- من عند اللَّه- تعالى-.فقال: [ممّا محلوفه‏]  ما علم بهذا أحد إلّا أنا وهي. وأشهد أنّك رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-.

قال: فرجع الأسرى كلّهم مشركين، إلا عبّاس وعقيل ونوفل. وفيهم نزلت هذه الآية قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى (الآية).

و في مجمع البيان : وعن ابن عبّاس قال: لما أمسى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- يوم بدر والنّاس محبوسون بالوثاق، بات ساهرا أوّل اللّيل.

فقال له أصحابه: ما لك لا تنام؟

فقال: سمعت أنين  عمي العبّاس في وثاقه.

فأطلقوه، فسكت. فنام رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-.

و روى عبيدة السّلمانيّ، عن رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- أنّه قال لأصحابه يوم بدر في الأسارى: إن شئتم، قتلتموهم. وإن شئتم، فاديتموهم واستشهد منكم بعدّتهم.

و كانت الأسارى سبعين.

فقالوا: نأخذ الفداء ونتمتع به، ونتقوي به على عدوّنا ويستشهد منّا بعدّتهم.

ثمّ قال عبيدة: طلبوا الخيرتين كلتيهما، فقتل منهم يوم أحد سبعون.

و قال أبو جعفر الباقر - عليه السّلام-: كان الفداء يوم بدر عن كلّ رجل من المشركين بأربعين أوقيّة. والأوقيّة أربعون مثقالا، إلّا العبّاس فإنّ فداءه مائة أوقيّة.

و كان أخذ منه حين أسر عشرون أوقية ذهبا.

فقال النبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله-: ذلك غنيمة، ففاد نفسك وابني أخيك نوفلا وعقيلا.

فقال: أين الذّهب فقال النبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- أسلمته إلى أمّ الفضل، وقلت لها: إن حدث في حدث، فهو لك وللفضل ولعبد اللَّه؟

فقال: من أخبرك هذا؟

قال: اللَّه- تعالى-.فقال: أشهد أنّك رسول اللَّه. [و اللَّه‏]  ما اطّلع على هذا أحد إلّا اللَّه- تعالى-.

و في قرب الإسناد للحميريّ ، بإسناده إلى أبي جعفر : عن أبيه- عليه السّلام- قال: أوتي النبيّ بمال دراهم.

فقال: يا عبّاس، أبسط رداءك وخذ من هذا المال طرفا.

فبسط رداءه، فأخذ منه طائفة.

ثمّ قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- هذا من الّذي قال اللَّه- تبارك وتعالى-:

إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ (الآية).

و في تفسير العيّاشي : عن الصّادق- عليه السّلام- مثله.

 

وَ إِنْ يُرِيدُوا، يعني: الأسرى.

خِيانَتَكَ: نقض عهدك.

فَقَدْ خانُوا اللَّهَ: بالكفر، ونقض ميثاقه المأخوذ بالعقل.

مِنْ قَبْلُ.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ في عليّ فَقَدْ خانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فيك، كما مضى في قصّة بدر.

فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ، أي: أمكنك منهم يوم بدر. فإن أعادوا الخيانة، فسيمكّنك منهم.

وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ  إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا: هم المهاجرون.

هاجروا أوطانهم، حبّا للّه ولرسوله.

وَ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ: صرفوها في الكراع والسّلاح، وأنفقوها على المحاويج.

وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: بمباشرة القتال.

وَ الَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا: هم الأنصار، آووا المهاجرين إلى ديارهم، ونصروهم على أعدائهم.

أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ: في الميراث.قيل : كان المهاجرون والأنصار يتوارثون بالهجرة والنّصرة دون الأقارب، حتّى نسخ بقوله: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ. أو بالنصرة والمظاهرة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : لمّا هاجر رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- إلى المدينة، آخى بين [المهاجرين والمهاجرين وبين الأنصار والأنصار وبين‏]  المهاجرين والأنصار. وكان إذا مات الرّجل، يرثه أخوه في الدين ويأخذ المال و[كان له‏]  ما ترك دون ورثته. فلمّا كان بعد بدر، أنزل اللَّه النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ، وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ. فنسخت آية الأخوة [بقوله: أُولُوا الْأَرْحامِ‏]  بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ.

و في مجمع البيان : عن الباقر- عليه السّلام-: إنّهم كانوا يتوارثون بالمؤاخاة الأولى.

وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا، أي: من تولّيهم في الميراث.

و قرأ  حمزة: «ولايتهم» بالكسر. تشبيها لها بالعمل والصّناعة، كالكتابة والإمارة، كأنّه بتولّيه صاحبه يزاول عملا.

و في عيون الأخبار ، في باب جمل من أخبار موسى بن جعفر- عليهما السّلام- مع هارون الرشيد، ومع موسى المهديّ، حديث طويل بينه وبين هارون. وفيه: قال: فلم ادّعيتم أنّكم ورثتم النبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله-. والعمّ يحجب ابن العمّ. وقبض رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- وقد توفيّ أبو طالب قبله، والعبّاس عمّه حيّ؟

فقلت له: إن رأى أمير المؤمنين أن يعفيني من هذه المسألة، ويسألني عن كلّ باب سواه يريده.

فقال: لا، أو تجيب.

فقلت: فآمني.قال: آمنتك قبل الكلام.

فقلت: إنّ في قول عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-: إنّه ليس مع ولد الصّلب، ذكرا كان أو أنثى، لأحد سهم للأبوين والزّوج والزّوجة. ولم يثبت للعمّ مع ولد الصّلب ميراث، ولم ينطق به الكتاب. إلّا أنّ تيما وعديا وبني امية قالوا: العمّ والد.

رأيا منهم بلا حقيقة، ولا أثر عن الرّسول- صلّى اللَّه عليه وآله-.

إلى أن قال: زد لي يا موسى.

قلت: المجالس بالأمانات، وخاصّة مجلسك.

فقال: لا بأس عليك.

فقلت: إنّ النبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- لم يورث من لم يهاجر، ولا أثبت لهم ولاية حتّى يهاجروا.

فقال: ما حجّتك فيه؟

فقلت: قول اللَّه- تعالى-: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا. وإنّ عمي العبّاس لم يهاجر.

فقال: أسألك، يا موسى، هل أفتيت بذلك أحدا من أعدائنا أم أخبرت أحدا من الفقهاء في هذه المسألة بشي‏ء؟

فقلت: اللهمّ، لا. وما سألني عنها إلّا أمير المؤمنين.

و في تفسير العيّاشيّ : عن زرارة وحمران ومحمّد بن مسلم، عن أبي جعفر وأبي عبد اللَّه- عليهما السّلام- قالوا: سألناهما عن قوله: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا. قالا: إنّ أهل مكّة لا يولّون أهل المدينة.

وَ إِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ: فواجب عليكم أن تنصروهم على المشركين.

إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ: عهد. فإنّه لا ينقض عهدهم، لنصرهم عليهم.

و

في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ... وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ. فإنّها نزلت في‏الأعراب. وذلك أنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- صالحهم على أن يدعهم في ديارهم ولم يهاجروا إلى المدينة، وعلى أنه إذا أرادهم رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- غزا بهم، وليس لهم في الغنيمة شي‏ء. وأوجبوا على النبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- إن أرادهم الأعراب من غيرهم أو دعاهم دهم من عدوّهم، أن ينصرهم إلّا على قوم بينهم وبين الرسول عهد وميثاق إلى مدّة.

وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ  وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ: في الميراث، أو المؤازرة. وهو بمفهومه يدلّ على منع التّوارث، أو المؤازرة بينهم وبين المسلمين.

إِلَّا تَفْعَلُوهُ: إلّا تفعلوا ما أمرتم به من التّواصل بينكم، وتولي لبعض حتّى في التّوارث، وقطع العلائق بينكم وبين الكفّار.

تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ: تحصل فتنة فيها عظيمة. وهي ضعف الإيمان، وظهور الكفر.

وَ فَسادٌ كَبِيرٌ : في الدّين.

و قرئ : «كثير».

و في من لا يحضره الفقيه : وروى محمّد بن الوليد، عن الحسين بن بشّار قال: كتبت إلى أبي جعفر- عليه السّلام- في رجل خطب إليّ.

فكتب: من خطب إليكم فرضيتم دينه وأمانته، كائن من كان، فزوّجوه.

و إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ.

وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا: لمّا قسّم المؤمنين ثلاثة أقسام، بيّن أنّ الكاملين في الإيمان منهم هم الّذين حقّقوا إيمانهم بتحصيل مقتضاه من الهجرة والجهاد وبذل المال ونصرة الحقّ.

و وعد لهم موعده الكريم فقال: لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ : لا تبعة له ولا منّة فيه.

ثمّ ألحق بهم في الأمرين من سيلحق بهم ويتّسم بسمتهم، فقال: وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ، أي: من جملتكم، أيّهاالمهاجرون والأنصار.

وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ: في التّوارث من الأجانب.

فِي كِتابِ اللَّهِ: في حكمه، أو في اللّوح، أو في القرآن. وفيه دلالة على أنّ من كان أقرب إلى المسبب في النّسب، كان أولى بالميراث.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن أبي بصير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: الخال والخالة يرثان، إذا لم يكن معهما أحد يرث غيرهما. إنّ اللَّه يقول: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ.

حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن وهب ، عن أبي بصير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: الخال والخالة يرثان، إذا لم يكن معهما أحد يرث غيرهما، إنّ اللَّه يقول: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن الحسين بن ثوير بن أبي فاختة، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: لا تعود الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين [أبدا] . إنّما جرت من عليّ بن الحسين، كما قال اللَّه- تبارك وتعالى-: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ. فلا تكون بعد علي بن الحسين، إلّا في الأعقاب وأعقاب الأعقاب.

عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى، عن يونس عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- حديث طويل. يقول فيه- عليه السّلام-: كان الحسن أولى بها لكبره. فلمّا توفي، لم يستطع أن يدخل ولده ولم يكن ليفعل ذلك واللَّه- عزّ وجلّ- يقول: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ فيجعلها في ولده.

إذا لقال الحسين- عليه السّلام-: أمر اللَّه بطاعتي، كما أمر بطاعتك وطاعة أبيك. وبلّغ في رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-، كما بلّغ فيك وفي أبيك. وأذهب اللَّه عني الرّجس، كما أذهب عنك وعن أبيك.

فلما صار إلى الحسين، لم يكن أحد من أهل بيته يستطيع أن يدعي عليه، كماكان هو يدّعي على أخيه وعلى أبيه لو أرادا أن يصرفا الأمر عنه، ولم يكونا ليفعلا. ثمّ صارت حتّى أفضت إلى الحسين- عليه السّلام-. فجرى تأويل هذه الآية وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ. ثمّ صارت [من بعد [الحسين لعليّ بن الحسين. ثمّ صارت‏] . عليّ بن الحسين إلى محمد بن عليّ.

و قال: «الرّجس» هو الشّكّ. واللّه، لا نشك بربّنا  أبدا.

محمد  بن‏]  الحسين ، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن عيسى، عن صفوان بن يحيى، عن صباح الأزرق، عن أبي بصير قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام-: إنّ رجلا من المختاريّة لقيني، فزعم أنّ محمد بن الحنفية إمام.

فغضب أبو جعفر- عليه السّلام-. ثمّ قال: أفلا قلت له؟

قال: قلت: لا والله، ما دريت ما أقول.

قال: أفلا قلت له: إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أوصى إلى عليّ والحسن والحسين. فلمّا مضى علي- عليه السّلام- أوصى إلى الحسن والحسين. ولو ذهب يزويها عنهما، لقالا له: نحن وصيان مثلك. ولم يكن ليفعل ذلك. وأوصى [الحسن‏]  إلى الحسين. ولو ذهب يزويها عنه، لقال له: أنا وصيّ مثلك من رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ومن أبي. ولم يكن ليفعل ذلك. قال اللّه- عزّ وجلّ- وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ. هي فينا وفي أبنائنا.

و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى محمد بن قيس: عن ثابت الثّماليّ، عن عليّ بن الحسين، عن عليّ بن أبي طالب- عليهما السّلام- أنّه قال: فينا نزلت هذه الآية وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ.

و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى عبد الرّحمن بن كثير قال: قلت لأبي عبد الله- عليه السّلام-: ما عنى اللّه- عزّ وجلّ- بقوله- تعالى-:

إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً .

قال: نزلت هذه الآية في النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- وأمير المؤمنين والحسن والحسين وفاطمة- عليهم السّلام-. فلمّا قبض اللّه- عزّ وجلّ- نبيّه- صلّى اللّه عليه وآله- كان أمير المؤمنين- عليه السّلام-، ثمّ الحسن، ثمّ الحسين- عليهم السّلام-. ثمّ وقع تأويل هذه الآية وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ وكان عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- [اماما] . ثمّ جرت في الأئمة من ولده الأوصياء- عليهم السّلام-.

فطاعتهم طاعة اللَّه، ومعصيتهم معصية اللَّه- عزّ وجلّ-.

 [و بإسناده إلى عبد الأعلى بن أعين قال: سمعت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- يقول: إنّ اللَّه- عزّ وجلّ-]  خصّ عليا- عليه السّلام- بوصيّة رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- وما يصيبه له، فأقرّ الحسن والحسين له بذلك. ثمّ وصيّته للحسن وتسليم الحسين للمحسن ذلك. حتّى أقضى الأمر للحسين  لا ينازعه فيه أحد، ليس له  من السّابقة مثل ماله. واستحقّها عليّ بن الحسين بقول اللَّه- عزّ وجلّ-: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ. فلا تكون بعد عليّ بن الحسين إلّا في الأعقاب وأعقاب الأعقاب.

و في نهج البلاغة . من كتاب له- عليه السّلام- إلى معاوية: وكتاب اللَّه يجمع لنا ما شذّ عنّا. وهو قوله- تعالى-: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ.

و قوله: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا، وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ. فنحن مرّة أولى بالقرابة، وتارة أولى بالطّاعة.

و في كتاب الاحتجاج  للطبرسيّ- رحمه اللَّه-: وروى عبد اللَّه بن الحسن بإسناده، عن آبائه- عليهم السّلام-: أنّه لمّا أجمع أبو بكر [و عمر]  على منع فاطمة فدكا وبلغها ذلك، جاءت إليه وقالت: يا ابن أبي قحافة، أ في كتاب اللَّه أن ترث أباك ولا أرث

 أبي؟ لقد جئت شيئا فريا. [أ فتركتم‏]  كتاب اللَّه [و نبذتموه‏]  وراء ظهوركم إذ يقول:

وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و فيه  خطبة لأمير المؤمنين- عليه السّلام-. وفيها: قال اللَّه- عزّ وجلّ-: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ. وقال- عزّ وجلّ-: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ. فنحن أولى النّاس بإبراهيم، ونحن ورثناه، ونحن أولو الأرحام الّذين ورثنا الكعبة، ونحن آل ابراهيم.

و في تفسير العيّاشي : عن عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- عن أبيه، عن آبائه- عليهم السّلام- قال: دخل عليّ- عليه السّلام- على رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- في مرضه، وقد أغمي عليه، ورأسه في حجر جبرئيل، وجبرئيل على صورة دحية الكلبيّ.

فلمّا دخل عليّ- عليه السّلام- قال له جبرئيل: دونك رأس ابن عمك. فأنت أحقّ به مني، لأنّ اللَّه- تعالى- يقول في كتابه: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ.

فجلس- عليه السّلام- وأخذ رأس رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- فوضعه في حجره. فلم يزل رأس رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- [في حجره‏]  حتّى غابت الشّمس.

و أنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- أفاق، فرفع رأسه فنظر إلى عليّ.

فقال: يا عليّ، أين  جبرئيل؟

فقال: يا رسول اللَّه، ما رأيت إلّا دحية الكلبيّ رفع  إليّ رأسك وقال: يا عليّ، دونك رأس ابن عمّك فأنت أحق به مني، لأنّ اللَّه- تعالى- يقول: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ. فجلست وأخذت برأسك. فلم يزل  في حجري، حتّى غابت الشّمس.فقال له رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- أ فصلّيت العصر؟

قال: لا.

قال: فما منعك أن تصلي؟

فقال: قد أغمي عليك، وكان رأسك في حجري وكرهت أن أشقّ عليك، يا رسول اللَّه، وكرهت أن أقوم وأصلي وأضع رأسك.

فقال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: «اللّهمّ، إنّ عليا كان في طاعتك وطاعة رسولك حتّى فاتته صلاة العصر. اللّهمّ، فردّ عليه الشّمس حتّى يصلي العصر في وقتها.

قال: فطلعت الشّمس، فصارت في وقت العصر بيضاء نقيّة. ونظر إليها أهل المدينة، وإنّ عليا- عليه السّلام- قام وصلّى. فلمّا انصرف، غابت الشّمس وصلّى المغرب.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : ثمّ قال: وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ. وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ.

قال: نسخت قوله: وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن محمّد بن قيس، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قضى أمير المؤمنين في خالة جاءت تخاصم في مولى رجل [مات‏]  فقرأ هذه الآية: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ. فدفع الميراث إلى الخالة، ولم يعط المولى.

أبو عليّ الأشعريّ ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان بن يحيى، عن عبد اللَّه بن سنان قال: سمعت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- يقول: كان عليّ- عليه السّلام- إذا مات مولى له وترك ذات قرابة، لم يأخذ من ميراثه شيئا ويقول: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ.

و في من لا يحضره الفقيه : [و روى أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سهل،

 عن الحسن بن الحكم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- أنّه قال في رجل ترك خالتيه ومواليه، قال: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ‏]  المال بين الخالتين.

و روى أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن الحسن بن موسى الخياط، عن الفضيل بن يسار قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول: لا واللَّه، ما ورث رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- العبّاس ولا عليّ- عليه السّلام- [و لا ورثته إلّا فاطمة- عليها السّلام-.

و ما كان أخذ علي- عليه السّلام-]  السّلاح وغيره، إلا لأنه قضى عنه دينه.

ثمّ قال: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ.

و في تفسير العيّاشيّ : عن أبي بصير، عن أبي جعفر الباقر- عليه السّلام- قال: الخال والخالة يرثان، إذا لم يكن معهم أحد غيرهم. إنّ اللَّه يقول: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ. إذا التقت القرابات، فالسابق أحقّ بالميراث من قرابته.

عن زرارة ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللَّه- عزّ وجلّ-: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ. أنّ بعضهم أولى بالميراث من بعض. لأنّ أقربهم إليه [رحما]  أولى به.

عن ابن سنان - عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: لمّا اختلف علي بن أبي طالب- عليه السّلام- وعثمان بن عفّان في الرّجل يموت وليس له عصبة يرثونه، وله ذو قرابة يرثونه ، ليس له سهم مفروض.

فقال عليّ- عليه السّلام-: ميراثه لذوي قرابته. لأنّ اللَّه- تعالى- يقول: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ.

و قال عثمان: أجعل ميراثه في بيت مال المسلمين، ولا يرثه أحد من قرابته.

إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيمٌ : من المواريث والحكمة في إناطتها. بنسبة الإسلام والمظاهرة أوّلا، وباعتبار القرابة ثانيا.و في تفسير العيّاشي : عن سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: كان عليّ- عليه السّلام- لا يعطي الموالي شيئا مع ذي رحم، سمّيت له فريضة [أم لم تسمّ له فريضة] . وكان يقول: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيمٌ قد علم مكانهم. فلم يجعل لهم مع أولي الأرحام حيث قال:

وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ.