سورة الإسراء الآية 41-60

وَ لَقَدْ صَرَّفْنا: ولقد كرّرنا هذا المعنى بوجوه من التّقرير.

فِي هذَا الْقُرْآنِ: في مواضع منه.و يجوز أن يراد ب «هذا القرآن»: إبطال إضافة البنات إليه ، بتقدير: ولقد صرّفنا القول في هذا المعنى، أو أوقعنا التّصريف فيه .

و قرئ : «صرفنا» بالتّخفيف.

لِيَذَّكَّرُوا:

و قرأ  حمزة والكسائيّ هنا وفي الفرقان: «ليذكروا» من الذّكر، الّذي هو بمعنى: التّذكّر.

وَ ما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً : عن الحقّ وقلّة طمانينة إليه.

و في تفسير العيّاشيّ : عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي جعفر- عليه السّلام-: وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ، يعني: [و لقد]  ذكرنا عليّا- عليه السّلام- في القرآن، وهو الذكر ، فما زادهم إلّا نفورا.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله: وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً قال: إذا سمعوا القرآن ينفرون منه ويكّذبونه.

قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ: أيّها المشركون.

و قرأ  ابن كثير وحفص، بالياء، فيه وفي ما بعده، على أنّ الكلام مع الرّسول، ووافقهما نافع وابن عامر وأبو عمرو وأبو بكر ويعقوب في الثّانية، على أنّ الأولى ممّا أمر الرّسول أن يخاطب به المشركين، والثّانية ممّا نزّه به نفسه عن مقالتهم.

إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا : جواب عن قولهم، وجزاء «للو».

و المعنى: لطلبوا إلى من هو مالك الملك سبيلا للمعازّة، كما يفعل الملوك بعضهم مع‏بعض. أو بالتّقرّب إليه والطّاعة لعلمهم بقدرته وعجزهم، كقوله : أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ.

سُبْحانَهُ: ينزّه تنزيها.

وَ تَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً : متباعدا غاية البعد عمّا يقولون فإنّه- سبحانه وتعالى- في أعلى مراتب الوجود، وهو كونه واجب الوجود والبقاء لذاته واتّخاذ الولد من أدنى مراتبه فإنّه من خواصّ ما يمتنع  بقاؤه.

تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْ‏ءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ: ينزّهه ممّا هو من لوازم الإمكان وتوابع الحدوث بلسان الحال، حيث تدلّ بإمكانها وحدوثها على الصّانع القديم الواجب لذاته.

وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ: أيّها المشركون، لاخلالكم بالنّظر الصّحيح الّذي به يفهم تسبيحهم.

و يجوز أن يحمل التّسبيح على المشترك بين اللّفظ والدّلالة لإسناده إلى ما يتصوّر منه اللّفظ وإلى ما لا يتصوّر منه ، وعليهما عند من جوّز إطلاق اللّفظ على معنييه.

و قرأ  ابن كثير وابن عامر وأبو بكر: «يسبّح» بالياء.

و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن أسباط، عن داود الرّقيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَإِنْ مِنْ شَيْ‏ءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ.

قال: تنقضّ الجدر تسبيحها .

و في تفسير العيّاشيّ : عن أبي الصّباح، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قلت: قول اللّه: وَإِنْ مِنْ شَيْ‏ءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ.قال: كلّ شي‏ء يسبّح بحمده، وإنّا لنرى أن تنقضّ الجدار وهو تسبيحها .

و في رواية الحسين بن سعيد ، عنه وَإِنْ  مِنْ شَيْ‏ءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ قال: كلّ شي‏ء يسبّح بحمده.

 [و قال:]  وإنّا لنرى أن ينقضّ الجدار وهو تسبيحها.

عن زرارة  قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه: وَإِنْ مِنْ شَيْ‏ءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ.

فقال: ما ترى أن تنقضّ الحيطان تسيحها .

عن الحسن  [عن‏]  النّوفليّ، عن السّكونيّ، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه- عليهما السّلام- قال: نهى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- عن أن توسم  البهائم في وجوهها وأن تضرب وجوهها، لأنّها تسبّح بحمد ربّها.

عن إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: ما من صيد  يصاد [في برّ ولا بحر، ولا شي‏ء يصاد من الوحش‏]  إلّا بتضييعه التّسبيح.

عن مسعدة بن صدقة ، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه- عليهما السّلام- أنّه دخل عليه رجل فقال له: فداك أبي وأمّي، إنّي أجد اللّه يقول في كتابه: وَإِنْ مِنْ شَيْ‏ءٍ، إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ.

فقال له: هو كما قال.

فقال: أ تسبّح الشّجرة اليابسة؟

فقال: نعم، أمّا سمعت خشب البيت كيف ينقضّ؟ وذلك تسبيحه، فسبحان  اللّه على كلّ حال.إِنَّهُ كانَ حَلِيماً: حين لم يعاجلكم بالعقوبة على غفلتكم وشرككم.

غَفُوراً : لمن تاب منكم.

وَ إِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً:

يحجبهم عن فهم ما تقرأه عليهم.

مَسْتُوراً : ذا ستر، كقوله : «وعده مأتيّا» ، وقولهم: سيل مفعم. أو مستورا عن الحسّ. أو بحجاب آخر، لا يفهمون، ولا يفهمون أنّهم لا يفهمون.

نفى عنهم أن يفهموا ما أنزل عليهم من الآيات، بعد ما نفى عنهم التفقه للدّلالات المنصوبة في الأنفس والآفاق، تقريرا له وبيانا لكونهم مطبوعين على الضّلالة، كما صرّح به بقوله: وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً: تكنّها وتحول دونها عن إدراك الحقّ وقبوله.

 

أَنْ يَفْقَهُوهُ: كراهة أن يفقهوه.

و يجوز أن يكون مفعولا لما دلّ عليه قوله: وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً، أي:

منعناهم أن يفقهوه.

وَ فِي آذانِهِمْ وَقْراً: يمنعهم عن استماعه. ولمّا كان القرآن معجزا من حيث اللّفظ والمعنى، أثبت لمنكريه ما يمنع عن فهم المعنى وإدراك اللّفظ.

وَ إِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ: واحدا غير مشفوع به آلهتهم. مصدر وقع موقع الحال، وأصله: يحد وحده، بمعنى: واحدا وحده.

وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً : هربا من استماع التّوحيد ونفرة، أو تولية.

و يجوز أن يكون جمع نافر، كقاعد وقعود.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رضي اللّه عنه-: عن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه- عليهم السّلام-، عن الحسين بن عليّ- عليهما السّلام- قال: إنّ يهوديّا من يهودالشّام وأحبارهم قال لأمير المؤمنين- عليه السّلام-: فإنّ إبراهيم- عليه السّلام- حجب عن نمرود بحجب ثلاث.

قال عليّ- عليه السّلام-: لقد كان كذلك، ومحمّد- صلّى اللّه عليه وآله- حجب عمّن أراد قتله بحجب خمس.

... إلى قوله: [ثمّ قال:]  وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً. فهذا الحجاب الرابع. وستقف على تمام الكلام- إنشاء اللّه تعالى- عند قوله : وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا (الآية).

و في مجمع البيان ، عند قوله- تعالى-: فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ:

عن سعيد بن المسيّب ويروى عن أسماء بنت أبي بكر قالت: لمّا نزلت هذه السّورة، أقبلت العوراء، أمّ جميل بنت حرب، ولها ولولة وفي يدها فهر  وهي تقول: «مذمّما أبينا، ودينه قلينا، وأمره عصينا» والنّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- جالس في المسجد ومعه أبو بكر.

فلمّا رآها أبو بكر قال: يا رسول اللّه، قد أقبلت وأنا أخاف أن تراك.

قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: إنّها لا تراني . وقرأ قرآنا فاعتصم به، كما قال : وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً. فوقفت على أبي بكر ولم تر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- (الحديث).

و في أصول الكافي : عليّ بن محمّد، عن إبراهيم الأحمر، عن عبد اللّه بن حمّاد، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: اقرؤوا القرآن بألحان العرب وأصواتها، وإيّاكم ولحون أهل الفسوق  وأهل الكبائر  فإنّه سيجي‏ء من بعدي أقوام يرجّعون القرآن ترجيع الغناء، والنّوح والرّهبانيّة، لا يجوز تراقيهم، قلوبهم مقلوبة  وقلوب من يعجبه شأنهم.عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ القرآن نزل بالحزن، فاقرؤوه بالحزن.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام-: إذا قرأت القرآن فرفعت به صوتي جاءني الشّيطان.

فقال: إنّما ترائي بهذا أهلك والنّاس.

قال: يا أبا محمّد، اقرأ قراءة ما بين القراءتين تسمع أهلك، ورجّع بالقرآن صوتك فإنّ اللّه- عزّ وجلّ- يحبّ الصّوت الحسن يرجّع به ترجيعا.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن النّوفليّ، عن السّكونيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: إنّ الرّجل الأعجمي من أمّتي ليقرأ القرآن بعجميّة  فترفعه الملائكة على عربيّة .

عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن سليمان، عن بعض أصحابه، عن أبي الحسن- عليه السّلام- قال: قلت له: جعلت فداك، إنّا نسمع [الآيات‏]  في القرآن ليس هي عندنا، كما نسمعها، ولا نحسن أن نقرأها، كما بلغنا عنكم، فهل نأثم؟

فقال: لا، اقرؤوا كما تعلّمتم، فسيجيئكم من يعلّمكم.

محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين، عن عبد الرّحمن بن أبي هاشم، عن سالم بن سلمة  قال: قرأ رجل على أبي عبد اللّه- عليه السّلام- وأنا أسمع  حروفا من القرآن ليس [على‏]  ما يقرؤها النّاس.

فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: كفّ عن هذه القراءة، اقرأ كما يقرأ النّاس‏حتّى يقوم القائم- عليه السّلام-. فإذا قام القائم، قرأ  كتاب اللّه- عزّ وجلّ- على حدّه، وأخرج المصحف الّذي كتبه عليّ- عليه السّلام-.

و قال: أخرجه عليّ- عليه السّلام- إلى النّاس حين فرغ منه وكتبه، فقال لهم:

هذا كتاب اللّه- عزّ وجلّ- كما أنزله اللّه على محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- قد جمعته من اللّوحين.

فقالوا: هو ذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن، لا حاجة لنا فيه.

فقال: أما، واللّه، لا ترونه بعد يومكم هذا أبدا، إنّما كان عليّ أن أخبركم حين جمعته لتقرؤوه.

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، [عن الحسن بن عليّ‏]  عن الحسن بن الجهم، عن إبراهيم بن مهزم، عن رجل سمع أبا الحسن- عليه السّلام- يقول: إذا خفت أمرا فاقرأ مائة آية من القرآن من حيث شئت، ثمّ قل: الّلهمّ، اكشف عنّي البلاء [- ثلاث مرّات-] .

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه عن القاسم بن محمّد، عن سليمان بن داود المنقريّ، عن حفص قال: سمعت موسى بن جعفر- عليه السّلام- يقول لرجل: أ تحبّ البقاء في الدّنيا؟

فقال: نعم.

فقال: ولم؟

قال: لقراءة «قل هو اللّه أحد».

فسكت عنه، فقال له بعد ساعة: يا حفص، من مات من أوليائنا وشيعتنا ولم يحسن القرآن، علّم في قبره ليرفع اللّه به من درجته، فإنّ درجات الجنّة على عدد  آيات القرآن، يقال له: اقرأ وارق. فيقرأ ثمّ يرقى .

قال حفص: فما رأيت أحدا أشدّ خوفا على نفسه من موسى بن جعفر- عليه‏السّلام- ولا أرجأ للنّاس  منه، وكانت قراءته حزنا، فإذا قرأ فكأنّه يخاطب إنسانا.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه. وعدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد وسهل بن زياد، جميعا، عن ابن محبوب، عن مالك بن عطيّة، عن يونس بن عمّار قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: إنّ الدّواوين يوم القيامة ثلاثة: ديوان فيه النّعم، وديوان فيه الحسنات، وديوان فيه السّيّئات. فيقابل بين ديوان النّعم وديوان الحسنات فتستغرق [النعم‏]  عامّة الحسنات، ويبقى ديوان السّيّئات، فيدعى بابن آدم المؤمن للحساب، فيتقدّم  القرآن أمامه في أحسن صورة فيقول: يا ربّ، أنا القرآن، وهذا عبدك المؤمن قد كان يتعب نفسه بتلاوتي ويطيل ليله  بترتيلي وتفيض عيناه إذا تهجّد، فأرضه، كما ارضاني.

قال: فيقول العزيز الجبّار: عبدي، ابسط يمينك. فيملأها من رضوان اللّه العزيز الجبّار ويملأ شماله من رحمة اللّه. ثمّ يقال: هذه الجنّة مباحة لك، اقرأ واصعد. فإذا قرأ آية، صعد درجة.

و في كتاب الخصال : عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال: سبعة لا يقرءون القرآن: الرّاكع، والسّاجد، وفي الكنيف، وفي الحمّام، والجنب، والنّفساء، والحائض.

و في عيون الأخبار ، في باب ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- من خبر الشّاميّ وما سأل عنه أمير المؤمنين- عليه السّلام- في جامع الكوفة حديث طويل. وفيه: سأله:

كم حجّ آدم من حجّة؟

فقال له: سبعين حجّة ماشيا على قدميه ، وأوّل حجّة حجّها كان معه الصّرد يدلّه على مواضع الماء، وخرج معه من الجنّة، وقد نهي عن أكل الصّرد والخطّاف .و سأله: ما باله لا يمشي؟

قال : لأنّه ناح على بيت المقدس فطاف حوله أربعين عاما يبكي عليه، ولم يزل يبكي مع آدم، فمن هناك سكن البيوت، ومعه آيات من كتاب اللّه- تعالى- ممّا كان آدم يقرأ  في الجنّة وهي إلى يوم القيامة، ثلاث آيات من أوّل الكهف، وثلاث آيات من سبحان [الّذي أسرى، وهي:]  فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ وثلاث آيات من يس  [و هي:]  وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا (الآية).

و في كتاب الاحتجاج  للطبّرسيّ- رضي اللّه عنه-: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل، وفيه: ولو علم المنافقون- لعنهم اللّه- ما عليهم من ترك هذه الآيات الّتي بيّنت لك تأويلها لأسقطوها مع ما أسقطوا منه، ولكنّ اللّه- تبارك اسمه- ماض حكمه بإيجاب الحجّة على خلقه، كما قال : فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ أغشى أبصارهم وجعل على قلوبهم أكنّة عن تأمّل ذلك فتركوه بحاله ، وحجبوا عن تأكيده الملتبس بإبطاله، فالسّعداء يتنبّهون عليه والأشقياء يعمهون  عنه.

و في روضة الكافي : أحمد بن محمّد الكوفيّ، عن عليّ بن الحسين  بن عليّ، عن عبد الرّحمن بن أبي نجران، عن هارون، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال  لي:

كتموا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فنعم، واللّه، الأسماء كتموها، كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إذا دخل إلى منزله واجتمعت عليه قريش يجهر ب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ويرفع بها صوته، فتولّي قريش فرارا، فأنزل اللّه- عزّ وجلّ- في ذلك: وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً.

و في مجمع البيان : قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: إنّ اللّه- تعالى- منّ عليّ‏

بفاتحة الكتاب، فيها من كنز الجنّة  بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الآية الّتي يقول اللّه- تعالى-: وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً .

في تفسير عليّ بن إبراهيم : وعن ابن أذينة قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-:

 

قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أحقّ ما أجهر به، وهي الآية الّتي قال اللّه- عزّ وجلّ-: وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً.

و فيه : قال: كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إذا صلّى تهجّد بالقرآن ويستمع له قريش لحسن صوته، فكان إذا قرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فرّوا عنه.

و في تفسير العيّاشيّ : عن أبي حمزة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يجهر ب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ويرفع صوته بها، وإذا سمعها المشركون ولّوا مدبرين، فأنزل اللّه وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً.

عن زيد بن عليّ  قال: دخلت على أبي جعفر- عليه السّلام- فذكر بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.

فقال: أ  تدري ما نزل في بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ؟

فقلت: لا.

فقال: إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- كان أحسن النّاس صوتا [بالقرآن‏] ، وكان يصلّي بفناء الكعبة فرفع صوته، وكان عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو جهل بن هشام وجماعة منهم يستمعون قراءته.

قال: وكان يكثر قراءة  بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فيرفع بها صوته.قال: فيقولون: إنّ محمّدا ليردّد اسم ربّه تردادا، إنّه ليحبّه . فيأمرون من يقوم فيتسمّع عليه ويقولون: إذا جاز  بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فأعلمنا حتّى نقوم فنستمع قراءته. فأنزل اللّه [في ذلك‏] : وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً.

عن زرارة ، عن أحدهما- عليهما السّلام- قال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ  هو أحقّ ما جهر به، وهي الآية الّتي قال اللّه: وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً. كان المشركون يستمعون إلى قراءة النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فإذا قرأ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ نفروا وذهبوا، وإذا فرغ منه، عادوا وتسمّعوا.

عن منصور بن حازم ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إذا صلّى بالنّاس  جهر بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فتخلّف  من خلفه من المنافقين عن الصّفوف، فإذا جازها في السّورة ، عادوا إلى مواضعهم، وقال بعضهم لبعض: إنّه ليردّد  اسم ربّه تردادا، إنّه ليحبّ ربّه. فأنزل اللّه وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً.

عن أبي حمزة الثّماليّ  قال: قال لي أبو جعفر- عليه السّلام-: يا ثماليّ، إنّ الشّيطان ليأتي قرين الإمام فيسأله: هل ذكر ربّه؟ فإن قال: نعم. اكتسع  وذهب، وإن قال: لا. ركب كتفه ، وكان إمام القوم حتّى ينصرفوا.

قال: قلت: جعلت فداك، وما معنى قوله: ذكر ربّه؟

قال: الجهر ب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ: بسببه ولأجله، من الهزء بك وبالقرآن.

إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ: ظرف «لأعلم» وكذا وَإِذْ هُمْ نَجْوى، أي: نحن أعلم بغرضهم من الاستماع حين هم مستمعون إليك مضمرون له، وحين هم ذو ونجوى يتناجون به.

و «نجوى» مصدر، ويحتمل أن يكون جمع «نجيّ».

إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً : مقدر «با ذكر». أو بدل من «إذ هم نجوى» على وضع «الظّالمون» موضع الضّمير، للدّلالة على أنّ تناجيهم بقولهم هذا [من باب الظّلم‏] .

و «المسحور» هو الّذي سحر به فزال عقله.

و قيل : الّذي له سحر، وهو الرّئة، أي: إلّا رجلا يتنفّس ويأكل ويشرب مثلكم.

انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ: مثّلوك بالشّاعر والسّاحر والكاهن والمجنون.

فَضَلُّوا: عن الحقّ في جميع ذلك.

فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا : إلى طعن موجّه، فيتهافتون ويخبطون كالمتحيّر في أمره لا يدري ما يصنع. أو إلى الرّشاد.

وَ قالُوا أَ إِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً: وحطاما.

أَ إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً : على الإنكار والاستبعاد، لما بين غضاضة الحيّ ويبوسة الرّميم من المباعدة والمنافاة .

و العامل في «إذا» ما دلّ عليه «مبعوثون»  لا نفسه، لأنّ ما بعد «إنّ» لا يعمل فيما قبلها. و«خلقا» مصدر أو حال.و في تفسير العيّاشي: عن الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: جاء أبيّ بن خلف  فأخذ عظما باليا من حائط ففتّه ، ثمّ قال: يا محمّد أَ إِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَ إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً. فأنزل اللّه: مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ.

قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً  أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ قيل : أي: ممّا يكبر عندكم عن قبول الحياة لكونه أبعد شي‏ء منها، فإنّ قدرته- تعالى- لا تقصر عن إحيائكم لاشتراك الأجسام في قبول الأعراض، فكيف إذا كنتم عظاما مرفوته وقد كانت غضّه موصوفة بالحياة قبل، والشّي‏ء أقبل لما عهد فيه ممّا لم يعهد.

و في تفسير  عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه‏

 السّلام- قال: الخلق الّذي يكبر في صدورهم  الموت.

فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ: وكنتم ترابا، وما هو أبعد شي‏ء من الحياة.

فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ: فسيحرّكونها نحوك تعجّبا واستهزاء.

وَ يَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً : فإنّ كلّ ما هو آت قريب.

و انتصابه على الخبر. أو الظّرف، أي: يكون في زمان قريب.

و «أن يكون» اسم «عسى». أو خبره، والاسم مضمر.

يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ، أي: يوم يبعثكم فتنبعثون. استعار لهما الدّعاء والاستجابة للتّنبيه على سرعتهما وتيسّر أمرهما، وإنّ المقصود منهما الإحضار للمحاسبة والجزاء.

بِحَمْدِهِ: حال منهم، أي: حامدين اللّه على كمال قدرته، كما قيل: إنّهم ينفضون التّراب عن رؤوسهم ويقولون: سبحانك الّلهمّ وبحمدك. أو منقادين لبعثه انقياد الحامدين له.

و في الجوامع : روي أنّهم ينفضون التّراب عن رؤوسهم ويقولون: سبحانك الّلهمّ وبحمدك.

وَ تَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا : وتستقصرون مدّة لبثكم في القبور، كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ. أو مدّة حياتكم لما ترون من الهول.

وَ قُلْ لِعِبادِي، يعني: المرضيّين.

يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ: الكلمة الّتي هي أحسن، ولا يخاشنوا المشركين.

إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ: يهيّج بينهم المراء والشّرّ، فلعلّ المخاشنة بهم تفضي إلى العناد وازدياد الفساد.

إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً : ظاهر العداوة.

رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ: تفسير «للّتي هي‏أحسن» وما بينهما اعتراض، أي: قولوا لهم هذه الكلمة ونحوها ولا تصرّحوا بأنّهم من أهل النّار، فإنّ ذلك يهيّجهم على الشّرّ، مع أنّ ختام أمرهم غيب لا يعلمه إلّا اللّه.

وَ ما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا : موكولا إليك أمرهم حتّى تقسرهم على الإيمان، وإنّما أرسلناك مبشّرا ونذيرا، فدارهم ومر أصحابك بالاحتمال منهم.

وَ رَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ: وبأحوالهم، فيختار منهم لنبوّته وولايته من يشاء. وهو ردّ لاستبعاد قريش أن يكون يتيم أبي طالب نبيّا، وأن يكون العراة والجوّع أصحابه.

وَ لَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ: بالفضائل النّفسانيّة والتبرّي عن العلائق الجسمانيّة لا بكثرة الأموال والأتباع، حتّى داود فإنّ شرفه بما أوحى إليه من الكتاب لا بما أوتي من الملك.

و قيل : هو إشارة إلى تفضيل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-. وقوله: وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً : تنبيه على  وجه تفضيله، وهو أنّه خاتم الأنبياء وأمّته خير الأمم المدلول عليه بما كتب في الزّبور من أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها  عِبادِيَ الصَّالِحُونَ .

و تنكيره هاهنا وتعريفه في قوله: وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ لأنّه في الأصل فعول للمفعول، كالحلوب، أو المصدر، كالقبول، ويؤيّده قراءة حمزة، بالضّمّ، فهو كالعبّاس أو الفضل . أو لأنّ المراد: وآتينا داود بعض الزّبور، أو بعضا من الزّبور فيه ذكر الرّسول- صلّى اللّه عليه وآله-.

و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى عبد السّلام  بن صالح: [عن عليّ بن‏

 موسى الرضا- عليه السّلام-]  عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: ما خلق اللّه خلقا أفضل منّي ولا أكرم [عليه‏]  منّي.

قال عليّ- عليه السّلام-: فقلت: يا رسول اللّه، أ فأنت أفضل أم جبرئيل؟

فقال: [يا عليّ‏]  إنّ اللّه- تبارك وتعالى- فضّل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقرّبين، وفضّلني على جميع النّبيّين والمرسلين، والفضل بعدي لك، يا عليّ، وللأئمّة من ولدك ، فإنّ  الملائكة لخدّامنا وخدّام محبّينا.

و الحديث طويل أخذت. منه موضع الحاجة.

و بإسناده  إلى صالح بن سهل: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ بعض قريش قال لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: بأيّ شي‏ء سبقت الأنبياء وفضّلت عليهم، وأنت بعثت آخرهم وخاتمهم؟

قال: إنّي كنت أوّل من أقرّ بربّي- جلّ جلاله- وأوّل من أجاب حيث أخذ اللّه ميثاق النّبيّين وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى فكنت أوّل نبيّ قال:

بلى، فسبقتهم إلى الإقرار باللّه- عزّ وجلّ-.

و في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن [محمّد، عن‏]  محمّد بن يحيى الخثعميّ، عن هشام، عن ابن أبي يعفور قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: سادة النّبيّين والمرسلين خمسة، وهم أولوا العزم من الرّسل وعليهم دارت الرّحا:

نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمّد- صلّى اللّه عليه وآله- وعلى جميع الأنبياء.

و في الخرائج والجرائح ، بإسناده إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ اللّه فضّل أولي العزم من الرّسل على الأنبياء بالعلم، [و أورثنا علمهم‏]  وفضّلنا عليهم في فضلهم، وعلّم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ما لا يعلمون، وعلّمنا علم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فروينا لشيعتنا، فمن قبله منهم فهو أفضلهم، وأينما نكون فشيعتنا معنا.و في عيون الأخبار ، بإسناده إلى الرّضا- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام- وقد ذكر نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدا- صلوات اللّه عليهم-: فهؤلاء الخمسة أولوا العزم، وهم أفضل الأنبيّاء والرّسل- عليهم السّلام.

قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ: أنّها آلهة.

مِنْ دُونِهِ، كالملائكة والمسيح وعزير.

فَلا يَمْلِكُونَ: فلا يستطيعون.

كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ، كالمرض والفقر والقحط.

وَ لا تَحْوِيلًا : ولا تحويل ذلك منكم إلى غيركم.

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عبد الرّحمن بن أبي نجران وابن فضّال، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: كان يقول عند العلّة: الّلهمّ، إنّك عيّرت أقواما فقلت: قلت ادعوا الّذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف ضرّي  ولا تحويله عنّي أحد غيره، صلّ  على محمّد وآله، واكشف ضرّي، وحوّله إلى من يدعو معك إلها آخر، لا إله غيرك.

أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ، أي يدعونهم.

يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ: هؤلاء الآلهة يبتغون إلى اللّه  القربة بالطّاعة.

أَيُّهُمْ أَقْرَبُ: بدل من واو «يبتغون»، أي: يبتغي من هو أقرب منهم إلى اللّه الوسيلة، فكيف بغير الأقرب.

وَ يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ: كسائر العباد، فكيف تزعمون، أنّهم آلهة.

و في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن [حديد، عن‏]  منصور بن يونس، عن الحارث بن المغيرة أو أبيه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قلت له: ما كان في وصيّة لقمان؟قال: كان فيها الأعاجيب، وكان أعجب ما فيها أن قال لابنه: خف اللّه- عزّ وجلّ- خيفة لو جئته ببرّ الثّقلين لعذّبك، وأرج اللّه رجاء لو جئته بذنوب الثّقلين لرحمك.

ثمّ قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: كان أبي يقول: إنّه ما من عبد مؤمن إلّا وفي قلبه نوران: نور خيفة ونور رجاء، لو وزن هذا لم يزد على هذا. [و لو وزن هذا لم يزد على هذا] .

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن الهيثم بن واقد قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول : من خاف اللّه، أخاف اللّه منه كلّ شي‏ء، ومن لم يخف اللّه أخافه اللّه من كلّ شي‏ء.

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن أبيه، عن حمزة بن عبد اللّه الجعفريّ، عن جميل بن درّاج، عن أبي حمزة قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: [من عرف اللّه، خاف اللّه، ومن خاف اللّه سخت نفسه عن الدنيا .

عنه ، عن ابن أبي نجران، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-]  قال: قلت له: قوم يعملون بالمعاصي، ويقولون: نرجو، فلا يزالون كذلك حتّى يأتيهم الموت.

فقال: هؤلاء قوم يترجّحون في الأمانيّ . كذبوا ليسوا براجين، من رجا شيئا طلبه، ومن خاف من شي‏ء هرب منه.

و رواه عليّ بن محمّد ، رفعه، قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: إنّ قومامن مواليك يلمّون  بالمعاصي، ويقولون: نرجو.

فقال: كذبوا، ليسوا لنا بموال، أولئك قوم ترجّحت بهم الأمانيّ، من رجا شيئا عمل له، ومن خاف من شي‏ء هرب منه.

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن بعض أصحابه، عن صالح بن حمزة، رفعه، قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: إنّ حبّ الشّرف  والذّكر لا يكونان  في قلب الخائف الرّاهب.

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن نعمان، عن حمزة بن حمران قال:  سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: إنّ ممّا حفظ من خطب النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه قال:

أيّها النّاس، إنّ لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم، وإنّ لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم. ألا إنّ المؤمن يعمل بين مخافتين: بين أجل قد مضى لا يدري ما اللّه صانع فيه، وبين أجل قد بقي لا يدري ما اللّه قاض فيه، فليأخذ العبد المؤمن [من‏]  نفسه [لنفسه‏] ، ومن دنياه لآخرته، وفي الشّبيبة قبل الكبر، وفي الحياة قبل الممات.

فو الّذي نفس محمّد بيده، ما بعد الدّنيا من مستعتب ، وما بعدها من دار إلّا الجنّة أو النّار.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن سنان، عن ابن مسكان، عن الحسين بن أبي سارة قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: لا يكون [المؤمن‏]  مؤمنا حتّى يكون خائفا راجيا، ولا يكون راجيا حتّى يكون عاملا لما يخاف ويرجو.

عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن فضيل بن عثمان، عن‏

 أبي عبيدة الحذّاء، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: المؤمن بين مخافتين: ذنب قد مضى لا يدري ما صنع اللّه فيه، وعمر قد بقي لا يدري ما يكتسب  فيه من المهالك، فهو لا يصبح إلّا خائفا، ولا يصلحه إلّا الخوف.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثنا أحمد بن محمّد، عن المعلّى بن محمّد، عن عليّ بن محمّد، عن بكر بن صالح، عن جعفر بن يحيى، عن عليّ بن النّضر، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- وذكر حديثا طويلا، يذكر فيه لقمان ووعظه لابنه، وفيه: يا بنيّ، لو استخرج قلب المؤمن فشقّ لوجد فيه نوران: نور للخوف ونور للرّجاء، لو وزنا لما رجح أحدهما على الآخر بمثقال ذرّة.

إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً : حقيقا بأن يحذره كلّ أحد حتّى الرّسل والملائكة.

وَ إِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ: بالموت والاستئصال.

أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً، نحو القتل وأنواع البليّة.

كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ: في اللّوح المحفوظ.

مَسْطُوراً : مكتوبا.

و في من لا يحضره الفقيه : وسئل الصّادق- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-:

وَ إِنْ مِنْ قَرْيَةٍ [إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها.

قال: هو الفناء  بالموت.

العيّاشيّ : عن محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر - عليه السّلام- وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها  (الآية).

قال: إنّما  أمّة محمّد من الأمم فمن  مات فقد هلك.

عن ابن سنان ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه: وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ قال: بالقتل والموت وغيره.

وَ ما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ: وما صرفنا عن إرسال الآيات الّتي اقترحتها قريش.

إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ: إلّا تكذيب الّذين هم أمثالهم في الطّبع، كعاد وثمود، وأنّها لو أرسلت لكذّبوا بها تكذيب أولئك، واستوجبوا الاستئصال على ما مضت به سنّتنا، وقد قضينا أن لا نستأصلهم لأنّ فيهم من يؤمن أو يلد من يؤمن.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ وذلك أنّ محمّدا- صلّى اللّه عليه وآله- تسأله قومه أن يأتيهم [بآية] ، فنزل جبرئيل فقال: إنّ اللّه يقول: وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ- إلى قوله- أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ. وكنّا إذا أرسلنا إلى قرية آية فلم يؤمنوا بها أهلكناهم، فلذلك أخّرنا عن قومك الآيات.

وَ آتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ: بسؤالهم.

مُبْصِرَةً: بيّنة ذات إبصار، أو بصائر ، أو جاعلتهم ذوي بصائر.

و قرئ ، بالفتح.

فَظَلَمُوا بِها: فكفروا بها. أو فظلموا أنفسهم بسبب عقرها.

وَ ما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً : بالآيات المقترحة من نزول العذاب المستأصل، فإن لم يخافوا نزل العذاب. أو بغير المقترحة، كالمعجزات وآيات القرآن، إلّا تخويفا بعذاب الآخرة، فإنّ أمر من بعثت إليهم مؤخّر إلى يوم القيامة.

و «الباء» مزيدة. أو في موقع الحال، والمفعول محذوف .وَ إِذْ قُلْنا لَكَ: واذكر إذ أوحينا إليك.

إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ: فهم في قبضة قدرته. أو أحاط بقريش، بمعنى:

أهلكهم، من: أحاط بهم العدوّ، فهو بشارة بوقعة بدر، والتّعبير بلفظ الماضي لتحقّق وقوعه.

وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ.

قيل : ليلة المعراج، وتعلّق به من قال: إنّه كان في المنام، ومن قال: إنّه كان في اليقظة، فسرّ الرّؤيا بالرّؤية. أو عام الحديبية حين رأى أنّه دخل مكّة، وفيه أنّ الآية مكّيّة، إلّا أن يقال: رآها بمكّة وحكاها حينئذ.

و قيل : لعلّ رؤيا رآها في وقعة بدر، لقوله: إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلًا، ولما نقل: أنّه لمّا ورد ماءه قال: واللّه، لكأنّي أنظر إلى مصارع القوم، هذا مصرع فلان وهذا مصرع فلان. فتسامعت به قريش، واستسخروا منه.

و قيل:  رأى قوما من بني أميّة يرقون منبره وينزون  عليه نزو القردة، فقال: هو حظّهم من الدّنيا يعطونه بإسلامهم.

و في الأخبار عن الأئمّة- عليهم السّلام- ما يوافق هذا القول، كما سيأتي.

و على هذا كان المراد بقوله: إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ: ما حدث في أيّامهم من الابتلاء.

وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ: عطف على «الرّؤيا» وهي شجرة الزّقّوم.

لمّا سمع المشركون ذكرها قالوا: إنّ محمّدا يزعم أنّ الجحيم تحرق الحجارة، ثمّ يقول: ينبت فيها الشّجر. ولم يعلموا أنّ من قدر أن يحمي وبر السّمندل من أن تأكله النّار، وأحشاء النّعامة من أذى الجمر وقطع الحديد المحماة الحمر الّتي تبتلعها، قدر أن يخلق في النّار شجرة لا تحرقها.

و لعنها في القرآن لعن طاعميها، وصفت به على المجاز للمبالغة. أو وصفها بأنّها في أصل الجحيم، فإنّه أبعد مكان من الرّحمة. أو بأنّها مكروهه مؤذية، من قولهم: طعام‏ملعون، لمّا كان ضارّا. ولقد أوّلت بالشّيطان وأبي جهل والحكم بن أبي العاصي.

و قرئ  على الابتداء والخبر محذوف، أي: والشّجرة الملعونة في القرآن كذلك.

وَ نُخَوِّفُهُمْ: بأنواع التّخويف.

فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً : إلّا عتوّا متجاوز الحدّ.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ: عن الحسن بن عليّ- عليهما السّلام- حديث طويل، يقول لمروان بن الحكم: أمّا أنت، يا مروان، فلست أنا سبتك ولا سبت  أباك، ولكن اللّه- عزّ وجلّ- لعنك ولعن أباك  وأهل بيتك وذرّيّتك، وما خرج من صلب أبيك  إلى يوم القيامة على لسان نبيّه محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-. [و اللّه،]»

 يا مروان، ما تنكر أنت ولا أحد ممّن حضر هذه اللّعنة من رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- لك ولأبيك من قبلك، وما زادك اللّه، يا مروان، بما خوّفك إلّا طغيانا كبيرا، وصدق اللّه وصدق رسوله، يقول اللّه- تبارك وتعالى-: وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ [وَ نُخَوِّفُهُمْ‏]  فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً. وأنت، يا مروان، وذرّيّتك الشّجرة الملعونة في القرآن.

و عن أمير المؤمنين - عليه السّلام- حديث طويل، وفيه: وجعل أهل الكتاب القائمين  به والعاملين بظاهره وباطنه من شجرة أصلها ثابت وفرعها في السّماء تؤتي أكلها كلّ حين بإذن ربّها، أي: يظهر مثل هذا العلم المحتملة في الوقت بعد الوقت، وجعل أعداءها أهل الشّجرة الملعونة الّذين حاولوا إطفاء نور اللّه بأفواههم ويأبى  اللّه إلّا أن يتمّ نوره، ولو علم المنافقون- لعنهم اللّه- ما عليهم من ترك هذه الآيات الّتي بيّنت لك تأويلها، لأسقطوها مع ما أسقطوا منه.

و في تفسير العيّاشيّ : عن حريز، عمّن سمع، عن أبي جعفر- عليه السّلام-: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لهم ليعمهوا فيها وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ،يعني: بني أميّة.

عن عليّ بن سعيد  قال: كنت بمكّة، فقدم  علينا معروف بن خربوذ، فقال:

 

قال  لي أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: إنّ عليّا- عليه السّلام- قال لعمر: يا أبا حفص، ألا أخبرك بما نزل في بني أميّة؟

قال: بلى.

قال: فإنّه نزل فيهم وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ.

قال: فغضب عمر وقال: كذبت، بنو أميّة خير منك وأوصل للرّحم.

عن الحلبيّ ، عن زرارة وحمران ومحمّد بن مسلم قالوا: سألناه عن قوله: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ.

قال إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- رأى أنّ رجالا على المنابر يردّون  النّاس ضلّالا، زريق  وزفر.

و قوله: وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ قال: هم بنو أميّة.

و في رواية أخرى ، عنه: أن رسول ا- صلّى اللّه عليه وآله- قد رأى رجالا من نار على منابر من نار يردّون النّاس على أعقابهم القهقرى، ولسنا نسميّ أحدا.

و في رواية سلام الجعفيّ ، عنه أنّه قال: إنّا لا نسمّي الرّجال بأسمائهم، ولكنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- رأى قوما على منبره يضلّون النّاس بعده عن الصّراط القهقرى.

عن القاسم  بن سليمان، عن عبد اللّه- عليه السّلام- قال : أصبح رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يوما حاسرا حزينا.

فقيل له: مالك، يا رسول اللّه؟فقال: إنّي رأيت اللّيلة صبيان بني أميّة يرقون على منبري هذا، فقلت: يا ربّ، معي؟

فقال: لا، ولكن بعدك.

عن أبي الطّفيل  قال: كنت في مسجد الكوفة فسمعت عليّا- عليه السّلام- يقول وهو على المنبر، وناداه ابن الكواء وهو في مؤخّر  المسجد فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن قول اللّه- تعالى-: وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ.

فقال: الأفجران من قريش وبني أميّة.

عن عبد الرّحيم القصير ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ. قال: أري رجالا من بني تميم وعدي على المنابر يردّون النّاس عن الصّراط القهقرى.

قلت: وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ.

قال: هم بنو أميّة، يقول [اللّه‏] : وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً.

عن يونس بن عبد الرّحمن الأشلّ  قال: سألته عن قول اللّه: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ (الآية).

فقال: إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- نام فرأى أنّ بني أميّة يصعدون المنابر ، كلمّا صعد منهم رجل رأى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- الذّلّة والمسكنة، فاستيقظ جزوعا من ذلك، وكان الّذين رآهم  اثني عشر رجلا من بني أميّة، فأتاه جبرئيل بهذه الآية.

ثمّ قال جبرئيل: إنّ بني أميّة لا يملكون شيئا إلّا ملك أهل البيت ضعفيه .

و في مجمع البيان : وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ (الآية) فيه أقوال.... إلى قوله: وثالثها، أنّ ذلك رؤيا رآها النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- في منامه وأنّ قرودا تصعد منبره وتنزل، فساءه ذلك واغتمّ به، رواه  سهل بن سعيد، عن أبيه، أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- رأى ذلك، وقال: إنّه- صلّى اللّه عليه وآله- لم يستجمع بعد ذلك ضاحكا حتّى مات، ورواه  سعيد بن يسار- أيضا-. وهو المرويّ عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه- عليهما السّلام-.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقال عليّ بن إبراهيم في قوله: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ قال: نزلت لمّا رأى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- في نومه كأنّ قرودا تصعد منبره فساءه ذلك وغمّه غمّا شديدا، فأنزل اللّه:

وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ ليعمهوا فيها وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ كذا نزلت وهم بنو أميّة.

و في كتاب الخصال : عن أبي جعفر- عليه السّلام-، عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه وقد ذكر معاوية بن حرب : ويشترط عليّ شروطا لا يرضاها اللّه- تعالى- ورسوله [و لا المسلمون‏] ، ويشترط  في بعضها أن أدفع إليه أقواما من أصحاب محمّد  أبرارا، فيهم عمّار بن ياسر، وأين مثل عمّار؟ واللّه، لقد رأيناه»

 مع النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- وما يعدّ  منّا خمسة إلّا كان سادسهم ولا أربعة إلّا كان خامسهم، اشترط دفعهم  إليه ليقتلهم ويصلبهم، وانتحل دم عثمان، ولعمر  اللّه، ما ألّب على عثمان ولا جمع  النّاس على قتله إلّا هو  وأشباهه من أهل بيته، أغصان الشّجرة الملعونة في القرآن.