سورة الإسراء الآية 81-100

وَ قُلْ جاءَ الْحَقُّ: الإسلام.

وَ زَهَقَ الْباطِلُ: وذهب وهلك الشّرك. من زهق روحه: إذا خرج.

إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً : مضمحل غير ثابت.

و في روضة الكافي : عليّ بن محمّد، عن عليّ بن العبّاس، عن الحسن بن‏

 عبد الرّحمن، عن عاصم بن حميد  [عن أبي حمزة] ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ قال: إذا قام القائم ذهبت دولة الباطل.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رحمه اللّه-، بإسناده إلى محمّد بن عليّ الباقر- عليه السّلام- حديث طويل، يذكر فيه خطبة الرّسول- صلّى اللّه عليه وآله- يوم الغدير، وفيها: معاشر النّاس، لا تضلّوا عنه ولا تنفروا منه ولا تستنكفوا  من ولايته، فهو الّذي يهدي إلى الحقّ ويعمل به ويزهق الباطل وينهى عنه.

و في مجمع البيان : قال ابن مسعود: دخل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- مكّة وحول البيت ثلاثمائة وستّون صنما، فجعل يطعنها [بعود في يده‏]  ويقول: جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً.

و في الخرائج والجرائح : عن حكيمة خبر طويل، وفيه: ولمّا ولد القائم كان نظيفا مفروغا منه، وعلى ذراعه الأيمن مكتوب: جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً.

و في أمالي شيخ الطّائفة - قدّس سرّه-، بإسناده إلى سليمان بن خالد  قال:

 

حدّثنا عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه قال: دخل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يوم فتح مكّة والأصنام حول الكعبة، وكانت ثلاثمائة وستّين صنما ، فجعل يطعنها بمخصرة  في يده، ويقول: جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ فجعلت تنكبّ  لوجهها.

و في شرح الآيات الباهرة : ذكر الشّيخ أبو جعفر الطوسيّ- رحمه اللّه- في معنى تأويله حديثا بإسناده، عن رجاله، عن نعيم بن حكيم، عن أبي مريم الثّقفيّ ، عن‏

 أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال: انطلق بي رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- حتّى أتى بي إلى الكعبة [فقال لي: اجلس. فجلست إلى جنب الكعبة]  فصعد رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- على منكبي، ثمّ قال لي: انهض. فنهضت، فلمّا رأى منّي ضعفا قال:

اجلس. فنزل [و جلس‏] ، ثمّ قال لي: يا عليّ، اصعد على منكبي. فصعدت على منكبه، ثمّ نهض بي رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-. [فلمّا نهض بي‏]  خيّل لي أن لو شئت لنلت أفق السّماء، فصعدت فوق الكعبة وتنحّى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وقال لي: ألق صنمهم الأكبر [صنم قريش‏] . وكان من نحاس موتّد بأوتاد من حديد [إلى الأرض‏]  فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: عالجه. فعالجته  ورسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قول: [إيه إيه‏]  جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً فلم أزل أعالجه حتّى استمكنت منه، فقال لي: اقذفه. فقذفته فتكسّر ونزلت  من فوق الكعبة، وانطلقت أنا ورسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- [نسعى‏]  وخشينا  [من ابتداء الفتنة]  أن يرانا أحد من قريش وغيرهم .

و روي  في معنى حمل النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- لعليّ- عليه السّلام- عند حطّ الأصنام عن البيت الحرام خبر حسن أحببنا ذكره هاهنا، لأنّ هذا التّأويل يحتاج إليه،

و هو: ما روي بحذف الإسناد، عن الرّجال الثّقات، عن عبد الجبّار  بن كثير التّميميّ اليمانيّ قال: قلت لمولاي، جعفر بن محمّد الصّادق- عليهما السّلام-: يا ابن رسول اللّه، في نفسي مسألة أريد أن أسألك عنها.

فقال: إن شئت أخبرتك بمسألتك قبل أن تسألني، وإن شئت فاسأل.

قال : فقلت: يا ابن رسول اللّه، وبأيّ شي‏ء تعلم ما في نفسي قبل سؤالي؟

قال: بالتّوسّم والتّفرّس، أما سمعت قول اللّه - عزّ وجلّ-: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ. وقول رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: اتّقوا فراسة المؤمن فإنّه ينظر بنور اللّه.

فقلت: يا ابن رسول اللّه، أخبرني بمسألتي.

فقال: مسألتك عن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: لم لم يطق حمله عليّ بن أبي طالب عند حطّه الأصنام عن سطح الكعبة، مع قوّته وشدّته وما ظهر منه في قلع [باب‏]  خيبر ورميها  أربعين ذراعا، وكان لا يطيق حملها  أربعون رجلا، وكان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يركب النّاقة والفرس والبغلة والحمار وركب البراق ليلة المعراج، وكلّ ذلك دون عليّ- عليه السّلام- في القوّة والشّدة؟

قال: فقلت له: عن هذا أردت أن أسألك ، يا ابن رسول اللّه، فأخبرني.

فقال: نعم، إنّ عليّا- عليه السّلام- برسول اللّه شرّف وبه ارتفع وبه  فضّل، وبه وصل إلى إطفاء [نار]  الشرّك وإبطال كلّ معبود من دون اللّه، ولو علاه النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- لكان النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- بعليّ مرتفعا شريفا وواصلا  في حطّ الأصنام، ولو كان ذلك لكان عليّ أفضل من النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-.

ألا ترى أنّ عليّا لمّا علا ظهر النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: شرفت وارتفعت حتّى لو شئت أن أنال السّماء لنلتها؟

أو  ما علمت أنّ المصباح هو الّذي يهتدى به في الظّلم وانبعاث فرعه من أصله؟

و قال عليّ- عليه السّلام-: أنا من أحمد، كالضّوء من الضّوء.

أو ما علمت أنّ محمّدا وعليّا  كانا نورا بين يدي اللّه- عزّ وجلّ- قبل أن يخلق‏الخلق بألفي عام، وأنّ الملائكة لمّا رأت ذلك النّور أنّ له أصلا قد انشقّ  منه شعاع لامع قالت: إلهنا وسيّدنا، ما هذا النّور؟

فأوحى اللّه- تبارك وتعالى- إليهم : هذا نور أصله نبوّة وفرعه إمامة، أمّا النّبوة فلمحمّد عبدي ورسولي، وأمّا الإمامة فلعليّ نجيّي  ووليي، ولولاهما ما خلقت خلقي.

او ما علمت أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- رفع بيد عليّ- عليه السّلام- في غدير خمّ حتّى نظر النّاس إلى بياض إبطيهما، فجعله أمير المؤمنين وإمامهم ؟

و حمل الحسن والحسين يوم حظيرة بني النّجّار، فقال له بعض أصحابه: ناولني أحدهما، يا رسول اللّه.

فقال: نعم المحمولان ونعم الرّاكبان، وأبو هما خير منهما.

و كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يصلّي بأصحابه فأطال سجدة من سجداته، فلمّا سلّم قيل له: يا رسول اللّه، لقد أطلت هذه السّجدة؟

فقال: رأيت [ابني‏]  الحسين قد علا ظهري، فكرهت أن أعالجه حتّى ينزل  من قبل نفسه، فأراد بذلك رفعهم وتشريفهم.

فالنّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- رسول نبيّ، وعليّ إمام ليس برسول ولا نبيّ، فهو غير مطيق لحمل  أثقال النّبوّة.

قال : فقلت: زدني، يا ابن رسول اللّه.

فقال: نعم، إنّك لأهل للزّيادة . اعلم أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- حمل عليّا على ظهره يريد بذلك أنّه أبو ولده، وأنّ الأئمّة من ولده، كما حوّل رداءه  في صلاة الاستسقاء ليعلم أصحابه بذلك أنّه لطلب  الخصب.

فقلت: يا ابن رسول اللّه، زدني.فقال: نعم، حمل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- عليّا- عليه السّلام- يريد به أن يعلم قومه أنه هو الّذي يخفّف عن ظهره ما عليه من الديون  والعدات  والأداء عنه ما حمل من بعده.

فقلت: يا ابن رسول اللّه، زدني.

فقال: حمله ليعلم بذلك أنّه ما حمله  إلّا لأنّه معصوم لا يحمل وزرا، فتكون أفعاله عند النّاس حكمة وصوابا.

و قد قال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- لعليّ: يا عليّ، إنّ اللّه- تبارك وتعالى- حمّلني ذنوب شيعتك ثمّ غفرها [لي‏] ، وذلك قوله - تعالى-: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ.

و لمّا أنزل اللّه - تبارك وتعالى-: عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ. قال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: وعليّ نفسي وأخي، فإنّه مطهّر معصوم ولا يضلّ ولا يشقي. ثمّ تلا هذه الآية : قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ.

و لو أخبرتك بما في حمل النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- لعليّ- عليه السّلام- من المعاني الّتي أرادها به لقلت: إنّ جعفر بن محمّد مجنون! فحسبك من ذلك ما قد سمعت.

قال: فقمت إليه وقبّلت رأسه ويديه، وقلت: اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ.

وَ نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ: ما هو في تقويم دينهم واستصلاح نفوسهم، كالدّواء الشّافي للمرضى.

و «من» للبيان، فإنّه كلّه كذلك.

و قيل : إنّه للتّبعيض، والمعنى: أنّ منه ما يشفي من المرض، كالفاتحة وآيات الشّفاء.

و قرأ  البصريّان: «و ننزل» بالتّخفيف.وَ لا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً : لتكذيبهم وكفرهم به.

و في تفسير العيّاشي : عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه : وإنّما الشّفاء  في علم القرآن، لقوله: نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ [لِلْمُؤْمِنِينَ فهو شفاء ورحمة]  لأهله لا شكّ فيه ولا مرية، وأهله [أئمّة  الهدى الّذين قال اللّه : ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا.

عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال : إنّما الشّفاء في علم القرآن، لقوله: ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ لأهله لا شكّ فيه ولا مرية]  إلى آخر ما سبق.

عن محمّد بن أبي حمزة ، رفعه إلى أبي جعفر- عليه السّلام- قال: نزل جبرئيل على محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-: وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ آل محمّد حقّهم إِلَّا خَساراً.

و في كتاب طبّ الأئمّة - عليهم السّلام-: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: ما اشتكى أحد من المؤمنين شكاية  قطّ وقال بإخلاص نيّة ومسح موضع العلّة: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ [لِلْمُؤْمِنِينَ‏]  وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً إلّا عوفي من تلك العلّة أيّة علّة كانت، ومصداق ذلك في الآية حيث يقول: شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ.

و بإسناده  إلى عبد اللّه بن سنان: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: يا ابن سنان لا بأس بالرّقية والعوذة والنّشرة إذا كانت من القرآن، ومن لم يشفه القرآن فلا شفاه اللّه، وهل شي‏ء أبلغ في  هذه الأشياء من القرآن، أليس اللّه يقول: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ؟و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس: حدّثنا محمّد بن خالد البرقيّ، عن محمّد بن عليّ الصّيرفيّ، عن ابن فضيل ، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ- ظالمي آل محمّد حقّهم - إِلَّا خَساراً.

و قال- أيضا- : حدّثنا محمّد بن همام، عن محمّد بن إسماعيل العلويّ، عن عيسى بن داود، عن أبي الحسن، موسى، عن أبيه- عليهما السّلام- قال: نزلت هذه الآية وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ- لآل محمّد- إِلَّا خَساراً.

وَ إِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ: بالصّحّة والسّعة.

أَعْرَضَ: عن ذكر اللّه.

وَ نَأى بِجانِبِهِ: لوى عطفه وبعد بنفسه عنه، [كأنّه مستغن‏]  مستبدّ بأمره.

و يجوز أن يكون كناية عن الاستكبار، لأنّه من عادة المستكبرين.

و قرأ  ابن عامر برواية ابن  ذكوان هنا وفي فصّلت: «وناء» على القلب، أو على أنّه بمعنى: نهض.

و أمال الكسائي وخلف فتحة النّون والهمزة في السّورتين. وأمال خلّاد والبسوسي فتحة الهمزة فيهما فقط. وأمال أبو بكر فتحة الهمزة هاهنا، وأخلص فتحتها هناك.

و ورش على أصله وذرأت الياء.

وَ إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ: من مرض أو فقر.

كانَ يَؤُساً : شديد اليأس من روح اللّه.

قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ: قل كلّ أحد يعمل على طريقته الّتي تشاكل حاله في الهدى والضّلالة، أو جوهر روحه وأحواله التّابعة لمزاج بدنه.

فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلًا : أسدّ طريقا وأبين منهجا.

و قد فسرّت «الشّاكلة» بالطّبيعة، والعادة، والدّين.و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمّد، عن المنقريّ، عن سفيان بن عينيه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: النّيّة أفضل من العمل، ألا وإنّ النّيّة هي العمل. ثمّ تلا قوله- تعالى-: قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ، يعني: على نيّته.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن القاسم بن محمّد، عن المنقريّ، عن أحمد بن يونس، عن أبي هاشم قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: إنّما خلّد أهل النّار في النّار لأنّ نيّاتهم كانت في الدّنيا [أن‏]  لو خلّدوا فيها أن يعصوا اللّه أبدا، وإنّما خلّد أهل الجنّة في الجنّة لأنّ نيّاتهم كانت في الدّنيا أن لو بقوا فيها  أن يطيعوا اللّه أبدا، فبالنّيّات خلّد هؤلاء وهؤلاء. ثمّ تلا قوله- تعالى-: قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ.

و في من لا يحضره الفقيه : وقال صالح بن الحكم: سئل الصّادق- عليه السّلام- عن الصّلاة في البيع والكنائس.

فقال: صلّ فيها.

قلت: أصلّي فيها وإن كانوا يصلّون فيها؟

قال: نعم، أما تقرأ القرآن قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلًا. صلّ على القبلة ودعهم.

و في تهذيب الأحكام : الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن حمّاد الناب ، عن الحكم  بن الحكم قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول، وسئل عن الصّلاة في البيع والكنائس.

فقال: صلّ فيها، قد رأيتها ما أنظفها! قلت: أصلي فيها وإن كانوا يصلّون فيها؟

فقال: نعم، أما تقرأ القرآن قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلًا

 صلّ على القبلة وغرّبهم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله- عزّ وجلّ-: قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ، أي : على نيّته.

فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلًا

فإنّه حدّثني أبي، عن جعفر بن إبراهيم، عن أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- قال: إذا كان يوم القيامة، أوقف المؤمن بين يديه فيكون هو الّذي يتولّى حسابه، فيعرض عليه عمله فينظر في صحيفته، فأوّل ما يرى سيّئاته فيتغيّر لذلك لونه وترتعد  فرائصه وتفزع نفسه، ثمّ يرى حسناته فتقرّ عينه وتسرّ نفسه وتفرح روحه، ثمّ ينظر إلى ما أعطاه من الثّواب فيشتدّ فرحه، ثمّ يقول اللّه- عزّ وجلّ- للملائكة: هلمّوا بالصّحف  الّتي فيها الأعمال الّتي لم يعملوها.

قال: فيقرءونها ثمّ يقولون : وعزّتك، إنّا لنعلم أنّا لم نعمل منها شيئا.

فيقول: صدقتم نويتموها فكتبناها لكم. ثمّ يثابون عليها.

وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ، أي: الّذي يحيا به بدن الإنسان ويدبّره.

قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي: من الابداعيّات الكائنة «بكن» من غير مادّة، وتولد من أصل، كأعضاء جسده. أو وجد بأمره وحدث بتكوينه، على أنّ السّؤال عن قدمه وحدوثه.

و قيل : ممّا استأثره اللّه- تعالى- بعلمه، لما نقل: أنّ اليهود قالوا لقريش: سلوه عن أصحاب الكهف وعن ذي القرنين وعن الرّوح، فإن أجاب عنها أو سكت فليس بنبيّ، وإن أجاب عن بعض وسكت عن بعض فهو نبيّ. فبيّن لهم القصّتين، وأبهم أمر الرّوح، وهو مبهم في التّوراة.

و قيل : الرّوح جبرئيل.

و قيل : خلق أعظم من الملك.

و قيل : القرآن، و«من أمر ربّي» معناه: من وحيه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وأمّا قوله: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي‏

فإنّه حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: هو ملك أعظم من جبرئيل وميكائيل، وكان مع رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-، وهو مع الأئمّة- عليهم السّلام-.

و في خبر آخر : هو من الملكوت.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن ابن مسكان، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-:

وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي.

قال: خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل [كان مع رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وهو مع الأئمّة، وهو من الملكوت.

عليّ ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيّوب الخزّاز، عن أبي بصير قال:

 

سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي قال: خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل،]  لم يكن مع أحد ممّن مضى غير محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-، وهو مع الأئمّة يسدّدهم، وليس كلّ ما طلب وجد.

و في تفسير العيّاشي : عن زرارة قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي.

قال: خلق من خلق اللّه. وإنّه  يزيد في الخلق ما يشاء.

حمران ، عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه- عليهما السّلام- عن قوله: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ.قالا: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- أحد صمد، والصَّمَدُ الشّي‏ء الّذي ليس له جوف، فإنما الرّوح خلق من خلقه، له بصر وقوّة وتأييد يجعله في قلوب المؤمنين والرّسل.

و في رواية أبي أيّوب الخزّاز  قال: [أعظم من جبرائيل، وليس كما ظننت.

عن أبي بصير ، عن أحدهما، قال:]  سألته عن قوله: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي؟ ما الرّوح؟

قال: الّتي في الدّوابّ والنّاس.

قلت: وما هي؟

قال: هي من الملكوت، من القدرة.

و في كتاب التّوحيد ، بإسناده إلى عبد الحميد الطّائيّ: عن محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه - عزّ وجلّ-: وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي كيف هذا النّفخ؟

فقال: إنّ الرّوح متحرّك، كالرّيح، وإنّما سمّي روحا لأنّه اشتقّ اسمه من الرّيح، وإنّما أخرجت  على لفظ الرّوح لأنّ الرّوح مجانس  للرّيح، وإنّما أضافه إلى نفسه لأنّه اصطفاه على سائر الأرواح، كما اصطفى بيتا من البيوت، فقال: بيتي. وقال لرسول من الرّسل: خليلي. وأشباه ذلك، وكلّ ذلك مخلوق مصنوع محدث مربوب مدبّر.

و في الكافي ، مثله سواء.

 

و في قرب الإسناد  للحميريّ، بإسناده إلى مسعدة بن زياد قال: حدّثني جعفر بن محمّد، عن أبيه أنّ روح آدم لمّا أمرت أن تدخل [فيه‏]  فكرهته ، فأمرها أن تدخل كرها وتخرج كرها.

و في كتاب علل الشّرائع : أخبرني عليّ بن حاتم قال: أخبرنا القاسم بن محمّد

 قال: حدّثنا حمدان بن الحسين، عن الحسن بن الوليد، عن عمران الحجّاج، عن عبد الرّحمن، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قلت: لأيّ علّة إذا خرج الرّوح من الجسد  وجد له مسّا، وحيث ركّبت لم يعلم  به؟

قال: لأنّه نما عليه البدن.

و في نهج البلاغة : قال- عليه السّلام-: وخرجت الرّوح من جسده فصار جيفة بين أهله.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسي- رحمه اللّه-: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل، وفيه قال السّائل: أخبرني عن السّراج إذا انطفأ أين يذهب نوره؟

قال: يذهب فلا يعود.

قال: فما أنكرت أن يكون الإنسان مثل ذلك، إذا مات وفارق [الروح‏]  البدن لم يرجع إليه أبدا، كما لا يرجع ضوء السّراج إليه أبدا إذا انطفأ؟

قال: لم تصب القياس، لأنّ النّار في الأجسام  كامنة، والأجساد  قائمة بأعيانها، كالحجر والحديد، فإذا ضرب أحدهما بالآخر سطعت  من بينهما نار يقتبس  منها [سراج‏]  له ضوء، فالنّار ثابتة في أجسامها والضّوء ذاهب، والرّوح جسم رقيق قد البس قالبا كثيفا وليس بمنزلة السّراج الّذي ذكرت، إنّ الّذي خلق في الرّحم جنينا من ماء صاف وركّب فيه ضروبا مختلفة من عروق وعصب وأسنان وشعر وعظام وغير ذلك، هو يحييه بعد موته، ويعيده  بعد فنائه.

قال: فأين الرّوح؟

قال: في بطن الأرض حيث مصرع البدن إلى وقت البعث.

قال: فمن صلب أين روحه؟

قال: في كفّ الملك الّذي قبضها حتّى يودعها الأرض.

قال: فأخبرني عن الرّوح أغير الدّم؟

قال: نعم، الرّوح على ما وصفت لك مادّتها  من الدّم، [و من الدّم‏]  رطوبة الجسم وصفاء اللّون وحسن الصّوت وكثرة الضّحك، فإذا جمد الدّم فارق الرّوح البدن.

قال: فهل توصف  بخفّة وثقل ووزن؟

قال: الرّوح بمنزلة الرّيح [في الزّقّ‏]  إذا نفخت فيه امتلأ الزّقّ منها ، فلا يزيد في وزن الزّقّ وولوجها فيه ولا ينقصه  خروجها منه، كذلك الرّوح ليس لها ثقل ولا وزن.

و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة : أبي ومحمّد بن الحسن- رضي اللّه عنهما- قالا: حدثنا سعد بن عبد اللّه [و عبد اللّه‏]  بن جعفر الحميريّ ومحمّد بن يحيى العطّار وأحمد بن إدريس، جميعا، قالوا: حدّثنا أحمد بن أبي عبد اللّه البرقيّ قال : حدّثنا أبو هاشم داود بن القاسم الجعفريّ، عن محمّد بن عليّ الثّاني- عليه السّلام- قال: أقبل أمير المؤمنين- عليه السّلام- ذات يوم ومعه الحسن بن عليّ وسلمان الفارسي، وأمير المؤمنين- عليه السّلام- متّك على يد سلمان- رحمه اللّه- فدخل المسجد الحرام فجلس، إذ أقبل رجل حسن الهيئة واللّباس فسلّم على أمير المؤمنين- عليه السّلام- فردّ عليه السّلام، فجلس ثمّ قال:

يا أمير المؤمنين، أسألك عن ثلاث مسائل، إن أخبرتني بهنّ علمت أن القوم ركبوا من أمرك ما أقضي عليهم أنّهم ليسوا بمأمونين في دنياهم ولا في آخرتهم، وإن تكن الأخرى علمت أنّك وهم شرع سواء.

فقال له أمير المؤمنين- عليه السّلام-: سلني عمّا بدا لك.

قال: أخبرني عن الرّجل إذا نام أين تذهب روحه، وعن الرّجل كيف  يذكر وينسى، وعن الولد كيف يشبه الأعمام والأخوال.

فالتفت أمير المؤمنين إلى أبي محمّد الحسن بن عليّ- عليهما السّلام- فقال: يا أبا محمّد، أجبه.فقال: أمّا ما سألت عنه من [أمر]  الإنسان إذا نام أين تذهب روحه، فإنّ روحه معلّقة  بالرّيح، والرّيح معلّقة  في الهواء إلى وقت ما يتحرّك صاحبها لليقظة ، فإذا أذن اللّه- عزّ وجلّ- بردّ تلك الرّوح  على صاحبها جذبت تلك الرّوح الرّيح وجذبت تلك الرّيح الهواء فرجعت الرّوح فأسكنت في بدن صاحبها، وإن لم يأذن اللّه- عزّ وجلّ- بردّ تلك الرّوح على صاحبها، [جذب الهواء الرّيح، وجذبت الرّيح الرّوح، فلم تردّ إلى صاحبها]  إلى وقت ما يبعث.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في أمالي الشّيخ الصّدوق - رحمه اللّه-، بإسناده إلى النّوفليّ قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: إنّ المؤمن إذا نام، خرجت من روحه حركة ممدودة صاعدة  إلى السّماء.

فقلت له: وتصعد روح المؤمن إلى السّماء؟

قال: نعم؟

قلت: حتّى لا يبقى منه شي‏ء في بدنه؟

قال: لا، لو خرجت كلّها  حتّى لا يبقى منه شي‏ء إذا لمات.

 [قلت‏]  فكيف تخرج؟

فقال: أما ترى الشّمس في السّماء في موضعها وضوؤها وشعاعها في الأرض؟

فكذلك الرّوح أصلها في البدن وحركتها ممدودة.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في مجمع البيان : يجوز أن يكون الرّوح الّذي سألوا عنه جبرئيل ... على  قول الحسن [و قتادة] . أم ملك من الملائكة له سبعون ألف وجه، لكلّ وجه سبعون ألف لسان، يسبّح اللّه بجميع ذلك ... على ما روي عن عليّ- عليه السّلام-.وَ ما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا : تستفيدونه بتوسّط حواسّكم، فإنّ اكتساب العقل للمعارف النّظرية إنّما هو من الضّروريّات المستفادة من إحساس الجزئيّات، ولذلك قيل: من فقد حسّا فقد فقد علما. ولعلّ أكثر الأشياء لا يدركه الحسّ، ولا شيئا من أحواله المعرّفة لذاته. وهو إشارة إلى أن الرّوح [ممّا]  لا يمكن معرفة ذاته إلّا بعوارض تميّزه عمّا يلتبس به، فلذلك اقتصر على هذا الجواب، كما اقتصر موسى في جواب: وَما رَبُّ الْعالَمِينَ  بذكر بعض صفاته.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله : وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. وذلك أنّ اليهود سألوا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- عن الرّوح.

فقال: الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا.

قالوا: نحن خاصة؟

قال: بل النّاس عامّة.

فقالوا: فكيف يجتمع هذان، يا محمّد، تزعم أنّك لم تؤت من العلم إلّا قليلا وقد  أوتيت القرآن وأوتينا التّوراة، وقد قرأت: وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ وهي التّوراة فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً .

فأنزل اللّه- تبارك وتعالى-: وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ. يقول: علم اللّه أكثر  من ذلك، وما أوتيتم كثير فيكم قليل عند اللّه.

و في تفسير العيّاشي : عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللّه- تعالى-: وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا. قال: تفسيرها في الباطن: أنّه لم يؤت من  العلم إلّا أناس يسير، فقال: وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا

 منكم.

و في كتاب التّوحيد ، بإسناده إلى حنان بن سدير: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه: ووصف الّذين لم يؤتوا من اللّه فوائد العلم فوصفوا ربّهم بأدنى الأمثال، وشبّهوه بالمتشابه منهم فيما جهلوا به، فلذلك قال: وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا. فليس له شبه ولا مثل ولا عدل.

وَ لَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ «الّلام» الأولى موطّئة للقسم «و لنذهبنّ» جوابه النّائب مناب جزاء الشّرط، والمعنى: إن شئنا ذهبنا بالقرآن ومحوناه من المصاحف والصّدور.

ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلًا : من يتوكّل علينا استرداده مسطورا محفوظا.

إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ: [فإنّها إن نالتك فلعلّها تستردّه عليك.

و يجوز أن يكون استثناء منقطعا، بمعنى: ولكن رحمة من ربّك‏]  تركته غير مذهوب به، فيكون امتنانا بإبقائه بعد المنّة في تنزيله.

إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً : كإرساله، وإنزال الكتاب عليك، وإبقائه في حفظه.

قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ: في البلاغة وحسن النّظم وكمال المعنى.

لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ: وفيهم العرب العرباء، وأرباب اللّسان، وأهل التّحقيق.

و هو جواب قسم محذوف دلّ عليه الّلام الموطّئة، ولو لا هي لكان جواب الشّرط بلا جزم لكون الشّرط ماضيا، كقول زهير:

         وإن أتاه خليل يوم مسغبة             يقول لا غائب مالي ولا حرم‏

 وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً : ولو تظاهروا على الإتيان به.

و لعلّه لم يذكر الملائكة، لأنّ إتيانهم بمثله لا يخرجه عن كونه معجزا، ولأنّهم كانوا وسائط في إتيانه.و يجوز أن تكون الآية تقريرا لقوله: ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلًا.

و في عيون الأخبار ، في باب مجلس الرّضا- عليه السّلام- مع سليمان المروزيّ حديث طويل، وفيه قال الرّضا- عليه السّلام-: يا جاهل، فإذا علم الشّي‏ء فقد أراده.

قال سليمان: أجل.

قال: فإذا لم يرده لم يعلمه.

قال [سليمان‏] : أجل.

قال: من أين قلت ذاك، وما الدّليل على أنّ إرادته علمه، وقد يعلم ما لا يريده أبدا؟ وذلك قوله - عزّ وجلّ-: وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ. فهو يعلم كيف يذهب به وهو لا يذهب به  أبدا؟

قال سليمان: [لأنّه قد فرغ من الأمر، فليس يزيد فيه شيئا.

قال الرّضا- عليه السّلام-: هذا قول اليهود، فكيف قال : ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ؟ قال سليمان:]  إنّما عنى بذلك أنّه قادر عليه.

قال: أ فيعد ما لا يفي به، فكيف قال : يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ. وقال - عزّ وجلّ-: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ. وقد فرغ من الأمر؟

فلم يحر جوابا.

و في كتاب التّوحيد ، مثله سواء.

 

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رحمه اللّه-: عن الرّضا- عليه السّلام- حديث طويل، وفي آخره: فآل  الأمر إلى أن قال سليمان: إنّ الإرادة هي القدرة.

قال الرّضا- عليه السّلام-: وهو يقدر على ما لا يريد أبد الآبدين . من ذلك، لأنّه قال: وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ. فلو كانت الإرادة هي القدرة كان‏قد أراد أن يذهب به لقدرته .

فانقطع سليمان وترك الكلام عند هذا الانقطاع، ثمّ تفرّق القوم.

و في عيون الأخبار ، في باب ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- من الأخبار بالتّوحيد حديث طويل: عن عليّ- عليه السّلام- يذهب فيه تفسير حروف المعجم، وفي آخره قال عليّ- عليه السّلام-: إنّ اللّه- تعالى- نزّل  هذا القرآن بهذه الحروف الّتي يتداولها جميع العرب. ثمّ قال: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً.

و بإسناده  إلى الرّضا- عليه السّلام-: أنّه- عليه السّلام- ذكر القرآن يوما، فعظم الحجّة فيه والآية المعجزة في نظمه.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في الخرائج والجرائح ، في أعلام أبي عبد اللّه- عليه السّلام-: أنّ ابن أبي العوجاء وثلاثة نفر من الدّهريّة اتّفقوا على أن يعارض كلّ واحد منهم ربع القرآن، وكانوا بمكّة، وعاهدوا على أن يجيئوا بمعارضته في العام القابل.

فلمّا حال الحول، واجتمعوا في مقام إبراهيم- أيضا- قال أحدهم: إنّي لمّا رأيت [قوله : يا أَرْضُ‏]  ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ. كففت عن المعارضة.

و قال الآخر: وكذا أنا لمّا وجدت قوله : فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا أيست من المعارضة.

و كانوا يسترون  ذلك إذ مرّ عليهم الصّادق- عليه السّلام-، فالتفت إليهم وقرأ عليهم: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ.

فبهتوا.

وَ لَقَدْ صَرَّفْنا: كرّرنا بوجوه مختلفة زيادة في التّقرير والبيان.

لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ: من كلّ معنى، هو كالمثل في غرابته‏و وقوعه موقعا في الأنفس.

فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً : إلّا جحودا. وإنّما جاز ذلك ولم يجز:

ضربت إلّا زيدا، لأنّه متأوّل بالنّفي .

و في أصول الكافي : أحمد بن عبد العظيم، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: نزل جبرئيل بهذه الآية هكذا: فأبى اكثر الناس بولاية علي  إلا كفورا.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس: حدّثنا عليّ بن عبد اللّه بن أسد، عن إبراهيم الثّقفيّ، عن عليّ بن هلال الأحمر، عن الحسن  بن وهب بن عليّ بن بحيرة، عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً قال: نزلت الآية في عليّ - عليه السّلام-.

و قال- أيضا- : أحمد بن هوذة، عن إبراهيم بن إسحاق النّهاونديّ، عن عبد اللّه بن حمّاد الأنصاريّ، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال: فأبى أكثر الناس بولاية عليّ- عليه السّلام- إلا كفورا.

وَ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً : تنعّتا واقتراحا بعد ما ألزمهم الحجّة ببيان إعجاز القرآن، وانضمام غيره من المعجزات إليه.

و قرأ . الكوفيّون ويعقوب: «تفجر» بالتّخفيف.

و «الأرض» أرض مكّة. و«الينبوع» عين لا ينضب ماؤها، يفعول، من نبع الماء، كيعبوب، من عبّ الماء: إذا زخر.

أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً : أو يكون لك بستان يشتمل على ذلك.

أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً، يعنون: قوله- تعالى-:إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ. وهو «كقطع» لفظا ومعنى.

و قد سكّنه  ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائيّ ويعقوب في جميع القرآن إلّا في الرّوح، وابن عامر إلّا في هذه السّورة، وأبو بكر ونافع وغيرهما وحفص فيما عد الطّور.

و هو إمّا مخفّف من المفتوح، كسدرة وسدر، أو فعل، بمعنى: مفعول، كالطّحن.

أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا : كفيلا بما تدّعيه، أي: شاهدا على صحّته ضامنا لدركه.

أو مقابلا، كالعشير، بمعنى: المعاشر. وهو حال من «اللّه»، وحال «الملائكة» محذوفة لدلالتها عليها، كما حذف الخبر في قوله:

         فإنّي وقيار بها لغريب.

 

 

أو جماعة، فيكون حالا من «الملائكة».

أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ: من ذهب. وقد قرئ به، وأصله الزّينة.

أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ: في معارجها.

وَ لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ: وحده.

حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ: وكان فيه تصديقك.

قُلْ سُبْحانَ رَبِّي: تعجّبا من اقتراحاتهم. أو تنزيها للّه من أن يأتي أو يتحكّم عليه، أو أن يشاركه أحد في القدرة.

هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً، كسائر النّاس.

رَسُولًا ، كسائر الرّسل، وكانوا لا يأتون قومهم إلّا بما يظهره اللّه عليهم على ما يلائم حال قومهم، ولم يكن أمر الآيات إليهم، ولا لهم أن يتحكّموا على اللّه حتّى يتخيّروها عليّ. هذا هو الجواب المجمل، وأمّا التّفصيل فقد ذكر في آيات اخر، كقوله: وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ  وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً .

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رحمه اللّه-: عن أبي محمّد، الحسن العسكريّ- عليه السّلام- قال: قلت لأبي، عليّ بن محمّد- عليهما السّلام-: هل كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- يناظر اليهود والمشركين إذا عاتبوه ويحاجّهم؟قال: [بلى‏]  مرارا كثيرة، إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- كان قاعدا ذات يوم بمكّة بفناء الكعبة، إذ اجتمع جماعة من رؤساء قريش، منهم: الوليد بن المغيرة المخزوميّ، وأبو البختريّ بن هشام، وأبو جهل ، والعاص بن وائل  السّهمي، وعبد اللّه بن [أبي‏]  أميّة المخزوميّ، وكان معهم جمع ممّن يليهم كثير ، ورسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- في نفر من أصحابه يقرأ عليهم كتاب اللّه، ويؤدّي إليهم عن اللّه أمره ونهيه.

فقال المشركون بعضهم لبعض: لقد استفحل  أمر محمّد وعظم خطبه، فتعالوا  نبدأ بتقريعه وتبكيته وتوبيخه والاحتجاج عليه وإبطال ما جاء به ليهون خطبه على أصحابه ويصغر قدره [عندهم‏] ، فلعلّه ينزع عمّا هو فيه من غيّه  وباطله وتمرّده وطغيانه، فإن انتهى وإلّا عاملناه بالسّيف الباتر.

قال أبو جهل: فمن ذا الّذي يلي كلامه ومجادلته؟

قال عبد اللّه بن [أبي‏]  أميّة المخزوميّ: أنا [إلى ذلك. أ فما ترضاني له قرنا حسيبا ومجادلا كفيّا؟

قال أبو جهل: بلى. فأتوه بأجمعهم.

فابتدأ عبد اللّه بن أبي أميّة المخزوميّ‏]  فقال: يا محمّد، لقد ادّعيت دعوى عظيمة وقلت مقالا هائلا، زعمت أنّك رسول ربّ العالمين [و ما ينبغي لربّ العالمين‏]  وخالق الخلق أجمعين أن يكون مثلك رسوله بشرا مثلنا تأكل ، كما نأكل [و تشرب كما نشرب‏] ، وتمشي  في الأسواق، كما نمشي. فهذا ملك الرّوم وهذا ملك الفرس  لا يبعثان رسولا إلّا كثير المال عظيم الحال، له قصور ودور وفساطيط وخيام وعبيد وخدّام،و ربّ العالمين فوق هؤلاء كلّهم فهم عبيده، ولو كنت نبيّا لكان معك ملك يسدّدك  ونشاهده، بل لو أراد اللّه أن يبعث إلينا نبيّا لكان إنّما يبعث إلينا ملكا لا بشرا مثلنا ما أنت، يا محمّد، إلّا مسحور  ولست بنبيّ.

فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: هل بقي من كلامك شي‏ء؟

قال: بلى، لو أراد اللّه أن يبعث إلينا رسولا لبعث أجلّ من فيما بيننا، [أكثره‏]  مالا وأحسنه حالا، فهلّا أنزل  هذا القرآن الّذي تزعم أنّ اللّه أنزله عليك وابتعثك  به رسولا على رجل من القريتين عظيم، إمّا الوليد بن المغيرة بمكّة وإمّا عروة بن مسعود الثّقفيّ بالطّائف.

فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: هل بقي من كلامك شي‏ء [، يا عبد اللّه‏] ؟

فقال بلى، لن نؤمن لك حتّى تفجر لنا من الأرض ينبوعا بمكّة هذه، فإنّها ذات أحجار وعرة  وجبال، تكسح أرضها وتحفرها  وتجري منها العيون، فإننّا إلى ذلك محتاجون. أو تكون لك جنّة من نخيل وأعناب  [فتأكل‏]  منها وتطعمنا، وتفجر الأنهار خلال تلك النّخيل والأعناب [تفجيرا] . أو تسقط السّماء، كما زعمت، علينا كسفا فإنّك قلت لنا: وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ . فلعلّنا نقول  ذلك، ثمّ قال: أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا تأتي به وبهم  وهم لنا مقابلون. أو يكون لك بيت من زخرف تعطينا منه وتغنينا به فلعلّنا نطغى، فإنّك قلت: كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى، أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى .

ثمّ قال: أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ، أي تصعد في السّماء وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ، أي:

لصعودك حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ من اللّه العزيز الحكيم إلى عبد اللّه بن [أبي‏]  أميّة المخزوميّ ومن معه، بأن آمنوا بمحمّد بن عبد اللّه بن عبد المطّلب فإنّه رسولي فصّدقوه في مقاله فإنّه من عندي. ثمّ لا أدري، يا محمّد، إذا فعلت هذا كلّه نؤمن  بك أو لا نؤمن  بك، بل لو رفعتنا إلى السّماء وفتحت أبوابها وأدخلتناها لقلنا: إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا  أو سحرتنا.

فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: [أمّا قولك: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ‏]  حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً إلى آخر ما قلته، فإنّك قد اقترحت على محمّد رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أشياء : منها [ما]  لو جاءك به لم يكن برهانا  لنبوّته، ورسول اللّه  يرتفع عن أن يغتنم جهل الجاهلين ويحتجّ عليهم بما لا حجّة فيه. ومنها [ما]  لو جاءك به لكان معه هلاكك، وإنّما يؤتى بالحجج والبراهين ليلزم عباد اللّه الإيمان بها لا ليهلكوا بها، فإنّما اقترحت هلاكك وربّ العالمين أرحم بعباده وأعلم بمصالحهم من أن يهلكهم، كما يقترحون . ومنها المحال الّذي لا يصحّ ولا يجوز كونه، ورسول ربّ العالمين يعرّفك ذلك، ويقطع معاذيرك، ويضيّق [عليك‏]  سبيل مخالفته، ويلجئك بحجج اللّه إلى تصديقه، حتّى لا يكون لك عنه محيد ولا محيص. [و منها ما قد اعترفت على نفسك‏]  أنّك فيه معاند متمرّد لا تقبل حجّة ولا تصغي إلى برهان، ومن كان كذلك فدواؤه عذاب اللّه  النّازل من سمائه أو  في حميمه أو بسيوف أوليائه.

و أمّا قولك، يا عبد اللّه: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً بمكّة هذه، فإنّها ذات أحجار وصخور وجبال، تكسح أرضها وتحفرها وتجري فيها العيون، فإنّاإلى ذلك محتاجون، فإنّك سألت هذا وأنت جاهل بدلائل اللّه، يا عبد اللّه، لو فعلت هذا أ كنت من أجل هذا نبيّا؟

قال: لا.

قال: [رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أ]  رأيت الطّائف الّتي لك فيها بساتين، أما كان هناك مواضع فاسدة صعبة أصلحتها وذلّلتها وكسحتها وأجريت  فيها عيونا استنبطتها؟

قال: بلى.

قال: وهل لك في هذا نظراء ؟

قال: بلى.

قال : أ فصرت أنت وهم [بذلك‏]  أنبياء؟

قال: لا.

قال: فكذلك [لا يصير]  هذا حجّة لمحمّد لو فعله  على نبوّته، فما هو إلّا كقولك : لن نؤمن لك حتّى تقوم وتمشي على الأرض [كما يمشي الناس‏]  أو حتّى تأكل الطّعام، كما يأكل النّاس.

و أمّا قولك، يا عبد اللّه: أو تكون لك جنّة من نخيل أو عنب فتأكل منها وتطعمنا وتفجّر الأنهار خلالها تفجيرا، [أو ليس لأصحابك ولك جنان من نخيل وعنب بالطّائف فتأكلون  وتطعمون منها وتفجّرون الأنهار خلالها تفجيرا،]  أ فصرتم أنبياء بهذا؟

قال: لا.

قال: فما بال اقتراحكم على رسول اللّه أشياء لو كانت، كما تقترحون، لما دلّت على صدقه؟ بل لو تعاطاها لدلّ تعاطيها على كذبه، لأنّه يحتج بما لا حجّة فيه ويختدع الضّعفاء عن عقولهم وأديانهم، ورسول ربّ العالمين يجلّ ويرتفع عن هذا.ثمّ قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: يا عبد اللّه، وأمّا قولك: أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ، كَما زَعَمْتَ، عَلَيْنا كِسَفاً فإنّك قلت: وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ. فإنّ في سقوط السّماء عليكم هلاككم وموتكم، فإنّما تريد بهذا من رسول اللّه أن يهلكك  ورسول ربّ العالمين أرحم من ذلك لا  يهلكك، ولكنّه يقيم عليك حجج اللّه لنّبيّه وحده لا  على حسب اقتراح عباده، لأنّ العباد جهّال بما يجوز من الصّلاح وما لا يجوز منه من الفساد، وقد يختلف اقتراحهم ويتضادّ حتّى يستحيل وقوعه، واللّه [طبيبكم‏]  لا يجري تدبيره على ما يلزم به المحال .

ثمّ قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: وهل رأيت، يا عبد اللّه، طبيبا كان دواؤه للمرضى على حسب اقتراحهم؟ وإنّما يفعل به ما يعلم به  صلاحه فيه، أحبّه العليل أو كرهه، فأنتم المرضى واللّه طبيبكم، فإن انقدتم لدوائه شفاكم، وإن تمرّدتم عليه أسقمكم، وبعد فمتى رأيت، يا عبد اللّه، مدّعي حقّ من قبل رجل أوجب عليه [حاكم من حكّامهم فيما مضى بيّنة على دعواه على حسب اقتراح المدّعى عليه‏] ؟ إذا ما كانت تثبت لأحد على أحد دعوى ولا حقّ، ولا كان بين ظالم ومظلوم ولا بين صادق وكاذب فرق.

ثمّ قال [رسول اللّه‏] : يا عبد اللّه، وأمّا قولك: أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا يقابلوننا ونعاينهم، فإنّ هذا من المحال الّذي لا خفاء به، لأنّ  ربّنا- عزّ وجلّ- ليس كالمخلوقين يجي‏ء ويذهب ويتحرّك ويقابل [شيئا]  حتّى يؤتى به، فقد سألتم بهذا المحال، [و إنّما هذا]  الّذي دعوت إليه صفة أصنامكم الضّعيفة المنقوصة الّتي لا تسمع ولا تبصر [و لا تعلم‏]  ولا تغني عنكم شيئا ولا عن أحد، يا عبد اللّه، أو ليس لك ضياع وجنان بالطّائف وعقار بمكّة وقوّام عليها؟قال: بلى.

قال: أ فتشاهد جميع أحوالها بنفسك أو بسفراء بينك وبين معامليك؟

قال: بسفراء.

قال: أ رأيت لو قال معاملوك وأكرتك  وخدمك لسفرائك: لا نصدّقكم  في هذه السّفارة إلّا أن تأتونا  بعبد اللّه بن أبي أميّة نشاهده فنسمع منه ما تقولون عنه شفاها.

تسوغهم  هذا، أو كان يجوز لهم عند ذلك؟

قال: لا.

قال: فما الّذي يجب على سفرائك، أليس أن يأتوهم عنك بعلامة صحيحة  تدلّهم على صدقهم يجب عليهم أن يصدّقوهم ؟

قال: بلى.

قال: يا عبد اللّه، أ رأيت سفيرك لو أنّه [لمّا]  سمع منهم [هذا]  عاد إليك وقال لك: قم معي، فإنّهم اقترحوا عليّ مجيئك معي. أليس  يكون لك أن تقول : إنّما أنت رسول لا مشير ولا  آمر؟

قال: بلى.

قال: فكيف صرت تقترح على رسول ربّ العالمين ما لا تسوّغ لأكرتك ومعامليك أن يقترحوه على رسولك إليهم، وكيف أردت من رسول ربّ العالمين أن يستندم إلى ربّه بأن يأمر عليه وينهى وأنت لا تسوغ مثل هذا [على‏]  رسولك إلى أكرتك وقوّامك؟ هذه حجّة قاطعة لإبطال [جميع‏]  ما ذكرته في كلّ ما اقترحته، يا عبد اللّه.و أمّا قولك: أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ. وهو الذّهب، أما بلغك أنّ لعظيم مصر  بيوتا من زخرف؟

قال: بلى.

قال: أ فصار  بذلك نبيّا؟

قال: لا.

قال: فكذلك لا يوجب لمحمّد نبوّة لو كان له بيوت ، ومحمّد لا يغتنم  جهلك بحجج اللّه.

و أمّا قولك، يا عبد اللّه: أو ترقى في السماء ثمّ قلت: ولن نؤمن برقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه. يا عبد اللّه، الصّعود إلى السّماء أصعب من النّزول عنها ، وإذا اعترفت على نفسك أنّك لا تؤمن إذا صعدت فكذلك حكم النّزول.

ثمّ  قلت: حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ من بعد ذلك، ثمّ لا أدري أؤمن بك [أو لا أؤمن‏] . فإنّك، يا عبد اللّه، مقرّ أنّك معاند  حجّة اللّه عليك، فلا دواء لك إلّا تأديبه لك  على يد أوليائه من البشر  أو ملائكته الزّبانية، وقد أنزل اللّه  عليّ حكمة [بالغة]  جامعة لبطلان كلّما اقترحته، فقال- تعالى-: قُلْ يا محمّد سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا ما أبعد ربّي [عن‏]  أن يفعل الأشياء على ما يقترحه  الجهّال ممّا يجوز وممّا  لا يجوز! وهَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا لا يلزمني إلّا إقامة حجّة اللّه الّتي أعطاني، فليس  لي أن آمر على ربّي ولا أنهى ولا أشير، فأكون كالرّسول‏الّذي بعثه ملك إلى قوم [من‏]  مخالفيه، فرجع إليه يأمره  أن يفعل بهم ما اقترحوه عليه.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و

في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله: وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً. فإنّها نزلت في عبد اللّه بن أبي أميّة، أخي أمّ سلمة- رحمة اللّه عليها-.

و ذلك أنّه قال هذا لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- بمكّة قبل الهجرة.

فلمّا خرج رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إلى فتح مكّة استقبله عبد اللّه بن أبي أميّة، فسلم على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فلم يردّ عليه السّلام، فأعرض عنه ولم يجبه بشي‏ء، وكانت أخته، أمّ سلمة مع رسول اللّه فدخل إليها، فقال: يا أختي، إنّ رسول اللّه قد قبل إسلام النّاس كلّهم وردّ عليّ إسلامي، فليس يقبلني، كما قبل غيري.

فلمّا دخل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- [إلى أمّ سلمة]  قالت: بأبي أنت وأمّي يا رسول اللّه، سعد بك جميع النّاس إلّا أخي من بين قريش والعرب، رددت إسلامه وقبلت إسلام النّاس كلّهم.

فقال رسول اللّه: يا أمّ سلمة، إنّ أخاك كذّبني تكذيبا لم يكذّبني أحد من النّاس، هو الّذي قال لي: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً (الآيات) إلى قوله: نَقْرَؤُهُ.

قالت أمّ سلمة: بأبي أنت وأمّي يا رسول اللّه، ألم تقل إنّ الإسلام يجبّ ما كان قبله؟

قال: نعم. فقبل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إسلامه.

و في رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-:

حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً، أي: عينا. أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ، أي: بستان.

مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً من تلك العيون.أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً وذلك أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قال: إنّه سيسقط من السّماء [كسفا] ، لقوله : وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ .

أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا والقبيل: الكثير. أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ، أي:

المزخرف بالذّهب أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ يقول: من اللّه إلى عبد اللّه بن أبي أميّة، إنّ محمّدا صادق، وإنّي أنا بعثته. ويجي‏ء معه أربعة من الملائكة يشهدون أنّ اللّه هو كتبه، فأنزل اللّه- سبحانه-: قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا.

وَ ما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى، أي: وما منعهم الإيمان بعد نزول الوحي وظهور الحقّ.

إِلَّا أَنْ قالُوا أَ بَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا : إلّا قولهم هذا، والمعنى: لم يبق لهم شبهة تمنعهم عن الإيمان بمحمّد- صلّى اللّه عليه وآله- والقرآن إلّا إنكارهم أن يرسل اللّه بشرا.

قُلْ: جوابا لشبهتهم.

لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ، كما يمشي بنو آدم.

مُطْمَئِنِّينَ: ساكنين فيها.

لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولًا : لتمكّنهم من الاجتماع به والتّلقّي منه، وأمّا الإنس فعامّتهم عماة عن إدراك الملك أو التّلقّف منه، فإنّ ذلك مشروط بنوع من التّناسب والتّجانس.

و «ملكا» يحتمل أن يكون حالا من «رسولا»، وأن يكون موصوفا به، وكذلك «بشرا» والأوّل أوفق .

قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ: على أنّي رسول اللّه إليكم بإظهاره‏المعجزة على وفق دعواي، وعلى أنّي بلّغت ما أرسلت به إليكم وأنّكم عاندتم.

و «شهيدا» نصب على الحال، أو التّمييز.

إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً : يعلم أحوالهم الباطنة منها والظّاهرة، فيجازيهم عليه. وفيه تسلية للرّسول، وتهديد للكفّار.

و في تفسير العيّاشي : عن عبد الحميد بن أبي الدّيلم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قالُوا أَ بَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا قالوا: إنّ الجنّ كانوا في الأرض قبلنا فبعث اللّه إليهم ملكا، فلو أراد  اللّه أن يبعث إلينا لبعث  ملكا من الملائكة، وهو قول اللّه: وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا (الآية).

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله: وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا (الآية) قال:

قال الكفّار: لم لم يبعث اللّه إلينا الملائكة؟ فقال اللّه: لو بعثنا ملكا ولم يؤمنوا لهلكوا .

و لو كانت الملائكة في الأرض يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولًا.

فإنّه حدّثني أبي، عن أحمد بن النّضر، عن عمرو بن شمر، [عن جابر،]  عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: بينما رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- جالس  وعنده جبرئيل  إذ حانت من جبرئيل نظرة قبل السّماء، فامتقع لونه  حتّى صار كأنّه كركمة ، ثمّ لاذ برسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-. [فنظر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-]  إلى حيث نظر جبرئيل فإذا شي‏ء قد ملأ ما بين الخافقين مقبلا، حتّى كان كقاب قوسين  من الأرض.

ثمّ قال: يا محمّد، إنّي رسول اللّه إليك أخيّرك أن تكون ملكا رسولا أحبّ إليك أو تكون عبدا رسولا.

فالتفت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إلى جبرئيل، وقد رجع إليه لونه، فقال‏جبرئيل: [بل‏]  كن عبدا رسولا.

فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: بل أكون عبدا رسولا.

فرفع الملك رجله اليمنى فوضعها في كبد السّماء الدّنيا، ثمّ رفع الأخرى فوضعها في الثّانية، ثمّ رفع اليمنى فوضعها في الثّالثة، ثمّ هكذا حتى انتهى إلى السّابعة، كلّ سماء خطوة، وكلّما ارتفع صغر حتّى صار آخر ذلك مثل الصّرّ .

فالتفت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إلى جبرئيل فقال: لقد رأيتك ذعرا [ما رأيت مثله‏] ، وما رأيت شيئا أذعر لي من تغيّر لونك! فقال: يا نبيّ اللّه، لا تلمني، أ تدري من هذا؟

قال: لا.

قال: هذا إسرافيل حاجب الرّبّ، ولم ينزل من مكانه منذ خلق اللّه السّماوات والأرض. فلمّا رأيته منحطّا ظنّنت أنّه جاء بقيام السّاعة، فكان الّذي رأيته من تغيّر لوني لذلك، فلمّا رأيت ما اصطفاك اللّه به رجع إليّ لوني ونفسي. أما رأيته كلّما ارتفع صغر؟ إنّه ليس شي‏ء يدنو من الرّبّ إلّا صغر  لعظمته. إنّ هذا حاجب الرّبّ وأقرب خلق اللّه منه واللّوح بين عينيه من ياقوتة حمراء، فإذا تكلّم الرّبّ- تبارك وتعالى- بالوحي ضرب اللّوح جبينه فنظر فيه، ثمّ ألقاه  إلينا فنسعى به في السّماوات والأرض. إنّه لأدنى خلق الرّحمن منه بينه وبينه سبعون حجابا من نور ينقطع دونها الأبصار ما لا يعدّ ولا يوصف، وأنا لأقرب الخلق منه بيني وبينه [مسيرة ألف عام‏] .

وَ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ:

يهدونهم.

وَ نَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ: يسحبون عليها، أو يمشون بها.

و في مجمع البيان : عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أنّ رجلا قال: يا نبيّ اللّه، كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة؟قال: إنّ الّذي أمشاه على رجليه [في الدّنيا]  قادر على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة.

و في تفسير العيّاشي : عن إبراهيم، [رفعه إلى أحدهما- عليهما السّلام-]

 في قول اللّه: وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ قال: على جباههم.

عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا: لا يبصرون ما يقرّ أعينهم، ولا يسمعون ما يلذّ مسامعهم، ولا ينطقون بما يقبل منهم، لأنّهم [في دنياهم‏]  لم يستبصروا بالآيات والعبر، وتصامّوا عن استماع الحقّ، وأبوا أن ينطقوا بالصّدق.

و يجوز أن يحشروا بعد الحساب من الموقف إلى النّار مؤوفي القوى والحواسّ.

مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ: سكن لهبها، بأن أكلت جلودهم ولحومهم.

زِدْناهُمْ سَعِيراً : توقّدا، بأن تبدّل جلودهم ولحومهم فتعود ملتهبة مستعرة بهم، كأنّهم لمّا كذّبوا بالإعادة بعد الإفناء جزاهم اللّه بأن لا يزالوا على الإعادة والإفناء، وإليه أشار بقوله: ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا وَقالُوا أَ إِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَ إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً : لأنّ الإشارة إلى ما تقدّم من عذابهم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله- عزّ وجلّ-: وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا.

قال: على جباههم.

و مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً، أي: كلّما انطفت.

فإنّه حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن سيف بن عميرة، يرفعه إلى عليّ بن الحسين- صلوات اللّه عليهما- قال: إنّ في جهنّم واديا يقال له: سعير، إذا خبت جهنّم فتح سعيرها، و[هو]  قوله: كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً، أي: كلّما انطفت.

و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى عليّ بن سليمان بن راشد، بإسناده رفعه إلى أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال: تحشر المرجئة عميانا إمامهم أعمى، فيقول بعض من‏

يراهم من غير أمّتنا: ما يكون  أمّة محمّد [إلّا]  عميانا. فأقول لهم: ليسوا من أمّة محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- لأنّهم بدّلوا فبدّل [ما]  بهم، وغيّروا فغيّر ما بهم.

و في كتاب المناقب  لابن شهر آشوب: أبو ذرّ في خبر، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: يا أبا ذر، يؤتى بجاحد عليّ يوم القيامة أعمى أبكم يتكبكب في ظلمات يوم القيامة، ينادي: يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ.  وفي عنقه طوق من نار.

أَ وَلَمْ يَرَوْا: أ ولم يعلموا.

أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ: فإنّهم ليسوا أشدّ خلقا منهنّ، ولا الإعادة أصعب عليه من الإبداء.

وَ جَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لا رَيْبَ فِيهِ: هو الموت، أو القيامة.

فَأَبَى الظَّالِمُونَ: مع وضوح الحقّ إِلَّا كُفُوراً : إلّا جحودا.

قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي: خزائن رزقه وسائر نعمه.

و «أنتم» مرفوع بفعل يفسّره ما بعده، كقول حاتم: لو ذات سوار لطمتني.

و فائدة هذا الحذف والتّفسير المبالغة مع الإيجاز، والدّلالة على الاختصاص .

إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ: لبخلتم مخافة النّفاد بالإنفاق [إذ لا أحد إلّا]  ويختار النّفع لنفسه، ولو آثر غيره بشي‏ء، فإنّما يؤثره لعوض يفوقه، فهو إذن بخيل بالإضافة إلى جود اللّه وكرمه، هذا وأنّ البخلاء أغلب فيهم.

وَ كانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً : بخيلا، لأنّ بناء أمره على الحاجة والضّنّة بما يحتاج إليه وملاحظة العوض فيما يبذل.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : في هذه الآية قال: لو كانت الأمور  بيد النّاس لما أعطوا النّاس شيئا مخافة الفقر . وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً أي: بخيلا.