سورة الحجّ‏ الآية 41-60

الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ:

قيل : وصف للّذين أخرجوا. وهو ثناء قبل بلاء.

وَ لِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ ، فإنّ مرجعها إلى حكمه.و فيه تأكيد لما وعده.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : ثمّ ذكر عبادة الأئمّة- صلوات اللّه عليهم- وسيرتهم، فقال: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ.

و في رواية أبي الجارود  عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ: فهذه لآل محمّد إلى آخر الأئمّة  والمهديّ وأصحابه. يملّكهم اللّه مشارق الأرض ومغاربها، ويظهر الدّين. ويميت اللّه به وبأصحابه  البدع  والباطل، كما أمات الشّقاة  الحقّ. حتّى لا يرى أثر الظّلم.

 [وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ. وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ.]

 

و في كتاب المناقب  لابن شهر آشوب: موسى بن جعفر والحسين بن عليّ- عليهم السّلام- في قوله- تعالى-: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ [وَ آتَوُا الزَّكاةَ] . قال: هذه فينا أهل البيت.

و في مجمع البيان : وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ

قال أبو جعفر- عليه السّلام-: نحن هم [و اللّه‏] .

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا أحمد بن محمّد بن سعيد، عن أحمد بن الحسن ، عن أبيه، عن حسين  بن مخارق، عن الإمام موسى بن جعفر عن أبيه، عن آبائه- عليهم السّلام- قال: قوله- عزّ وجلّ-: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ.

قال: نحن هم.

و قال أيضا : حدّثنا أحمد بن محمّد، عن أحمد  بن الحسن عن الحسين ، عن حصين بن مخارق، عن عمرو بن ثابت، عن عبد اللّه بن الحسن بن الحسين ، عن أمّه، عن أبيها، عن أبيه- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ. قال: هذه نزلت فينا أهل البيت.

و قال أيضا : حدّثنا محمّد بن همّام، عن محمّد بن إسماعيل العلويّ، عن عيسى بن داود، عن الإمام أبي الحسن موسى بن جعفر- عليهما السّلام- قال: كنت عند أبي يوما في المسجد إذ أتاه رجل، فوقف أمامه وقال: يا ابن رسول اللّه، أعيت عليّ آية في كتاب اللّه- عزّ وجلّ- سألت عنها جابر بن يزيد، فأرشدني إليك.

فقال: وما هي؟ قال: قوله- عزّ وجلّ-: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ. فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ.

فقال: إي نعم، فينا نزلت. وذاك لأنّ فلانا وفلانا وطائفة معهم- وسمّاهم- اجتمعوا إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فقالوا: يا رسول اللّه، إلى من يصير هذا الأمر بعدك؟ فو اللّه، لئن صار إلى رجل من أهل بيتك، إنّا لنخافهم على أنفسنا. ولو صار إلى غيرهم، لعلّ غيرهم أقرب وأرحم  بنا منهم! فغضب رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- من ذلك غضبا شديدا. ثمّ قال: أما وللّه لو آمنتم باللّه وبرسوله، ما أبغضتموهم، لأنّ بغضهم بغضي، وبغضي هو الكفر باللّه. ثمّ نعيتم إلى نفسي. فو اللّه، لئن مكّنهم اللّه في الأرض ليقيموا الصّلاة  لوقتها، وليؤتوا  الزّكاة لمحلّها، وليأمرنّ  بالمعروف، ولينهنّ عن المنكر. إنّما يرغم اللّه أنوف رجال يبغضوني، ويبغضون أهل بيتي وذرّيّتي.

فأنزل اللّه- عزّ وجلّ-: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ.فلم يقبل القوم ذلك، فأنزل اللّه- سبحانه-: وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ وَقَوْمُ إِبْراهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسى فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ.

و قال أيضا : حدّثنا محمّد بن الحسين  بن حميد، عن جعفر بن عبد اللّه، عن كثير بن عيّاش، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ. قال: هذه [الآية]  لآل محمّد. المهديّ وأصحابه، يملّكهم اللّه مشارق الأرض ومغاربها، ويظهر الدّين. ويميت اللّه- عزّ وجلّ- به وبأصحابه البدع والباطل، كما أمات السّفهة الحقّ. حتّى لا يرى أثر من الظّلم. وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ. وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ. وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ.

وَ إِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ  وَقَوْمُ إِبْراهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ  وَأَصْحابُ مَدْيَنَ:

تسلية له- صلّى اللّه عليه وآله- بأنّ قومه إن كذّبوه، فهو ليس بأوحديّ في التّكذيب، فإنّ هؤلاء قد كذّبوا رسلهم قبل قومه.

وَ كُذِّبَ مُوسى:  غيّر فيه النّظم، وبنى الفعل للمفعول، لأنّ قومه بنو  إسرائيل ولم يكذّبوه، وإنّما كذّبه القبط. ولأنّ تكذيبه كان أشنع، وآياته كانت أعظم وأشيع.

فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ: فأمهلتهم حتّى انصرمت آجالهم المقدّرة.

ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ : إنكاري عليهم بتغيير النّعمة محنة، والحياة هلاكا، والعمارة خرابا.

فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها بإهلاك أهلها.و قرأ  البصريّان: «أهلكتها» بغير لفظ التّعظيم .

وَ هِيَ ظالِمَةٌ، أي: أهلها.

فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها: ساقطة حيطانها على سقوفها، بأن تعطّل بنيانها، فخرّت سقوفها، ثمّ تهدّمت حيطانها، فسقطت فوقها. أو: خالية مع بقاء عروشها وسلامتها. فيكون الجارّ متعلّقا ب «خاوية».

و يجوز أن يكون خبرا بعد خبر. أي: هي خالية، وهي على عروشها. أي مطلّة عليها بأن سقطت وبقيت الحيطان مائلة مشرفة عليها.

و الجملة معطوفة على «أهلكناها» لا على وَهِيَ ظالِمَةٌ، فإنّها حال والإهلاك ليس حال خوائها. فلا محلّ لها إن نصبت «كأيّن» بمقدّر يفسّره «أهلكناها». وإن رفعته بالابتداء، فمحلّها الرّفع.

وَ بِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ:

عطف على «قرية». أي: وكم بئر عامرة في البوادي تركت لا يستقى منها، لهلاك أهلها.

و قرئ  بالتّخفيف. من: أعطله بمعنى عطله .

وَ قَصْرٍ مَشِيدٍ : مرفوع أو مجصّص أخليناه عن ساكنيه.

و ذلك يقوّي أنّ معنى خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها خالية مع بقاء عروشها.

و قيل : المراد ب «بئر» بئر على سفح جبل [بحضر موت‏] ، وب «قصر» قصر مشرف على قلّته، كانا لقوم حنظلة بن صفوان من بقايا قوم صالح. فلمّا قتلوه، أهلكهم اللّه وعطّلها.

و في مجمع البيان : وفي تفسير أهل البيت- عليهم السّلام- في قوله: وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ: أي: وكم من عالم لا يرجع إليه ولا ينتفع بعلمه.و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة  بإسناده إلى أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-: وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ قال: البئر المعطّلة الإمام الصّامت. والقصر المشيد الإمام النّاطق.

و في كتاب معاني الأخبار  بإسناده إلى إبراهيم بن زياد قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ. قال: البئر المعطّلة الإمام الصّامت. والقصر المشيد الإمام النّاطق.

حدّثنا أبي - رحمه اللّه- قال: حدّثنا أحمد بن إدريس، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن عليّ بن السّندي، عن محمّد بن عمرو، عن بعض أصحابنا، عن نصر بن قابوس قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ. قال: البئر المعطّلة الإمام الصّامت. والقصر المشيد الإمام النّاطق.

و بإسناده  إلى عبد اللّه بن القاسم البطل، عن صالح [بن سهل‏]  أنّه قال: أمير المؤمنين- عليه السّلام- هو القصر المشيد. والبئر المعطّلة فاطمة وولدها  معطّلين من الملك.

و في أصول الكافي : محمّد بن الحسن وعليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن موسى بن القاسم البجليّ، عن عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى- عليهما السّلام- في قوله- تعالى-: وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ. قال: البئر المعطّلة الإمام الصّامت. والقصر المشيد الإمام النّاطق.

و رواه محمّد بن يحيى ، عن العمركي، عن عليّ بن جعفر، عن أبي الحسن- عليه السّلام- مثله.

 

و في شرح الآيات الباهرة : روى أبو عبد اللّه الحسين بن جبير- رحمه اللّه- في كتاب نخب المناقب حديثا يرفعه إلى الصّادق- عليه السّلام- في تفسير قوله- تعالى-:وَ بِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ أنّه قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: القصر المشيد والبئر المعطّلة عليّ- عليه السّلام-.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وأمّا قوله- عزّ وجلّ-: وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ قال: هو مثل لآل محمّد- صلوات اللّه عليهم. قوله: بِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ هي الّتي  لا يستقى منها. وهو الإمام الّذي قد غاب، فلا يقتبس منه العلم إلى وقت ظهوره. والقصر المشيد هو المرتفع. وهو مثل لأمير المؤمنين- عليه السّلام- والأئمّة منهم - صلوات اللّه عليهم- وفضائلهم [المنتشرة في العالمين‏]  المشرقة  على الدّنيا. وهو قوله : لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ. وقال الشّاعر في ذلك:

         بئر معطّلة وقصر مشرف             مثل لآل محمّد مستطرف

 

         فالقصر مجدهم الّذي لا يرتقى             والبئر علمهم الّذي لا ينزف»

 

أَ فَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ:

حثّ لهم على أن يسافروا ليروا مصارع المهلكين، فيعتبروا. وهم، وإن كانوا قد سافروا، لم يسافروا لذلك.

و في كتاب الخصال : وسئل الصّادق- عليه السّلام- عن قول اللّه - تعالى-:

أَ وَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ. قال: معناه: أو لم ينظروا في القرآن.

فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها ما يجب أن يعقل من التّوحيد، بما حصل لهم من الاستبصار والاستدلال.

أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها ما يجب أن يسمع من الوحي والتّذكير بحال من شهد آثارهم.

فَإِنَّها:الضّمير للقصّة. أو مبهم يفسّره «الأبصار». وفي «تعمى» راجع إليه، والظّاهر أقيم مقامه.

لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ  عن الاعتبار.

أي: ليس الخلل في مشاعرهم، وإنّما إيفت  عقولهم باتّباع الهوى والانهماك في التّقليد. وذكر «الصّدور» للتأكيد ونفي التّجوّز، وفضل التّنبيه على أنّ العمى الحقيقيّ ليس المتعارف الّذي يخصّ البصر.

قيل : لمّا نزلت : وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى قال ابن أمّ مكتوم: يا رسول اللّه، أنا في الدّنيا أعمى، أ فأكون في الآخرة أعمى؟ فنزلت.

و في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عمّن ذكره، عن محمّد بن عبد الرّحمن بن أبي ليلى، عن أبيه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال: تاه من جهل. واهتدى من أبصر وعقل. إنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول: فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ. وكيف يهتدي من لم يبصر!؟

و كيف يبصر من لم يتدبّر!؟ اتّبعوا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وأهل بيته. وأقرّوا بما نزل من عند اللّه. واتّبعوا آثار الهدى، فإنّهم علامات الأمانة والتّقى.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في كتاب الخصال  عن عليّ بن الحسين- عليهما السلام- حديث طويل يقول فيه: [ألا]  إنّ للعبد أربع أعين: عينان يبصر بهما أمر دينه ودنياه. وعينان يبصر بهما أمر آخرته. فإذا أراد اللّه بعبد خيرا، فتح له العينين اللّتين في قلبه. فأبصر بهما الغيب و أمر آخرته. وإذا أراد به غير ذلك، ترك القلب بما فيه.

و في كتاب التّوحيد  عن الزّهريّ، عن عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- مثل ما في‏الخصال سواء. وزاد في آخره: ثمّ التفت إلى السّائل عن القدر فقال: هذا منه! [هذا منه!] .

و في تفسير عليّ بن إبراهيم  خطبة له- صلّى اللّه عليه وآله- وفيها: وأعمى العمى الضّلالة بعد الهدى. وشرّ العمى عمى القلب.

و في روضة الكافي : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الحسن بن شمّون، عن عبد اللّه بن عبد الرّحمن، عن عبد اللّه بن القاسم، عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال: إنّما شيعتنا أصحاب الأربعة الأعين: عينان في الرّأس، وعينان في القلب. ألا وإنّ  الخلائق كلّهم كذلك، إلّا أنّ اللّه- عزّ وجلّ- فتح أبصاركم، وأعمى أبصارهم.

حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمّد الكنديّ، عن أحمد بن عديس، عن أبان بن عثمان، عن أبي الصّباح، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه قال: وأعمى العمى عمى القلب.

و الحديثان طويلان. أخذت منهما موضع الحاجة.

و في من لا يحضره الفقيه : وقال أبو جعفر- عليه السّلام-: إنّما الأعمى أعمى  القلب. فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ.

و في مصباح الشريعة : قال الصادق- عليه السّلام-: ولا يصحّ الاعتبار إلّا لأهل الصّفا والبصيرة. قال اللّه - تعالى-: فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ. وقال- عزّ من قائل-: فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ] . فمن فتح اللّه عين قلبه، وبصّر عينيه  بالاعتبار فقد أعطاه منزلة رفيعة وملكا عظيما.و في عوالي الّلالي : وقال- صلّى اللّه عليه وآله-: إذا أراد اللّه بعبد خيرا، فتح عيني قلبه، فيشاهد بها ما كان غائبا عنه.

وَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ المتوعّد به.

و

في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله- عزّ وجلّ-: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ.

و ذلك أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أخبرهم أنّ العذاب قد أتاهم، فقالوا :

فأين العذاب!؟ فاستعجلوه.

وَ لَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ:

لامتناع الخلف في خبره. فيصيبهم ما أوعدهم به، ولو بعد حين. لكنّه صبور لا يعجل بالعقوبة.

وَ إِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ :

قرأ  ابن كثير وحمزة والكسائيّ بالياء.

بيان لتناهي صبره وتأنّيه، حتّى استقصر المدد الطّوال . أو لتمادي عذابه وطول أيّامه حقيقة. أو من حيث إنّ أيّام الشّدائد مستطالة .

و في كتاب معاني الأخبار : أبي- رحمه اللّه- قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن يعقوب بن يزيد ، عن جعفر بن محمّد بن عقبة، عن زرارة ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه - عزّ وجلّ-: لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً قال: الأحقاب ثمانية أحقاب. والحقب‏1»

 ثمانون سنة. والسّنة ثلاثمائة وستّون يوما. واليوم كألف سنة ممّا تعدّون.

و في إرشاد المفيد - رحمه اللّه- عن أبي بصير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- حديث طويل. وفيه قال- عليه السّلام-:

 إذا قام القائم- عليه السّلام- سار إلى الكوفة، فهدم فيها أربعة  مساجد. ولم يبق مسجد على وجه الأرض له شرف إلّا هدمها ، وجعلها جمّاء . ووسّع الطّريق الأعظم.

و كسر كلّ جناح خارج في الطّريق. وأبطل الكنف  والميازيب  إلى الطّرقات ولا يترك  بدعة إلّا أزالها، ولا سنّة إلّا أقامها. ويفتح قسطنطينة والصين  وجبال الدّيلم. فيمكث على ذلك سبع سنين مقدار  كلّ سنة عشر سنين من سنيكم  هذه. ثمّ يفعل اللّه ما يشاء.

قال: قلت: جعلت فداك، فكيف تطوّل السّنون ؟ قال: يأمر اللّه- تعالى- الفلك باللّبوث وقلّة الحركة. فتطول الأيّام لذلك والسّنون.

قال [قلت‏]  له: إنّهم يقولون: «إنّ الفلك إن تغيّر فسد»؟ قال: ذلك قول الزّنادقة.

فأمّا المسلمون، فلا سبيل لهم إلى ذلك. وقد شقّ اللّه القمر لنبيّه- صلّى اللّه عليه وآله- وردّ الشّمس من قبله ليوشع بن نون. وأخبر بطول يوم  القيامة، وأنّه كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ.

و في روضة الكافي : علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عليّ بن أسباط، عنهم- عليهم السّلام- قال: فيما وعظ اللّه به عيسى- صلّى اللّه عليه وآله-: واعبدني ليوم كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ. وفيه أجزي بالحسنة  أضعافها.

و في أمالي شيخ الطّائفة - قدّس سرّه- بإسناده إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال في كلام طويل: فإنّ في القيامة خمسين موقفا، كلّ موقف مثل ألف سنة ممّا تعدّون. ثمّ تلا هذه الآية : فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ.

وَ كَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ: وكم من أهل قرية. فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه‏مقامه في الإعراب، ورجع الضّمائر والأحكام الآتية  مبالغة في التّعميم والتّهويل.

قيل : وإنّما عطف الأولى بالفاء، وهذه بالواو، لأنّ الأولى بدل من قوله: فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ وهو في حكم ما تقدّمها من الجملتين، لبيان أنّ المتوعّد به يحيق بهم لا محالة، وأنّ تأخيره لعادته- تعالى.

أَمْلَيْتُ لَها، كما أمهلتكم وَهِيَ ظالِمَةٌ مثلكم.

ثُمَّ أَخَذْتُها بالعذاب. وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ : وإلى حكمي مرجع الجميع.

قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ  أوضّح لكم ما أنذركم به.

و الاقتصار على الإنذار، مع عموم الخطاب وذكر الفريقين، لأنّ صدر الكلام [و مساقه‏]  للمشركين. وإنّما ذكر المؤمنين  وثوابهم زيادة في غيظهم.

فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ لما بدر منهم وَرِزْقٌ كَرِيمٌ  هي الجنّة. والكريم من كلّ نوع: ما يجمع فضائله.

وَ الَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا بالرّدّ والإبطال مُعاجِزِينَ: مسابقين مشاقّين للسّاعين فيها بالقبول والتّحقيق. من: عاجزه فأعجزه وعجزه: إذا سابقه فسبقه. لأنّ كلّا من المتسابقين يطلب إعجاز الآخر عن اللّحاق به.

و قرأ  ابن كثير وأبو عمرو: «معجزين» على أنّه حال مقدّرة.

أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ : النّار الموقدة.

و قيل : اسم دركة.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا محمّد بن همّام، عن محمّد بن إسماعيل العلويّ، عن عيسى بن داود، عن الإمام موسى بن جعفر، عن أبيه- عليهما السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ قال: أولئك آل محمّد- صلوات اللّه عليهم. وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا

 

قطع مودّة آل محمّد مُعاجِزِينَ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ. قال:  الأربعة نفر. يعني:

التّيميّ، والعدويّ، والأمويّين.

وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ:

قيل : الرّسول من بعثه اللّه بشريعة مجدّدة يدعو النّاس إليها. والنّبيّ يعمّه ومن بعثه لتقرير شرع سابق، كأنبياء بني إسرائيل الّذين كانوا بين موسى وعيسى- عليهما السّلام.

و لذلك شبّه النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- علماء أمّته بهم. والنّبيّ أعمّ من الرّسول .

و يدلّ عليه‏

أنّه- عليه السّلام- سئل عن الأنبياء فقال: مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا.

قيل: فكم الرّسل منهم؟ قال: ثلاثمائة وثلاثة عشر جمّا غفيرا.

و قيل : الرّسول من جمع إلى المعجزة كتابا منزلا عليه. والنّبيّ غير الرّسول من لا كتاب له.

و قيل : الرّسول من يأتيه الملك بالوحي. والنّبيّ يقال له ولمن يوحى إليه في المنام.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا جعفر بن محمّد الحسنيّ، عن إدريس بن زياد الحنّاط ، عن الحسن بن محبوب، عن جميل بن صالح، عن زياد بن سوقة، عن الحكم بن عيينة قال:

 

قال لي عليّ بن الحسين- عليهما السّلام-: يا حكم، هل تدري ما كانت الآية الّتي كان يعرف بها عليّ- عليه السّلام- صاحب قتله، ويعرف بها الأمور العظام الّتي كان يحدّث بها النّاس؟

قال: قلت لا واللّه، فأخبرني بها يا ابن رسول اللّه. قال: هي قول اللّه- عزّ وجلّ-:

وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ ولا محدّث».

قلت: فكان عليّ- عليه السّلام- محدّثا؟ قال: نعم. وكلّ إمام منّا أهل البيت محدّث.و قال أيضا : حدّثنا الحسين بن عامر، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن صفوان بن يحيى، عن داود بن فرقد، عن الحارث بن المغيرة البصري ، قال: قال لي الحكم بن عيينة: إنّ مولاي عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- قال لي: إنّما علم عليّ- عليه السّلام- كلّه في آية واحدة.

قال: فخرج حمران  بن أعين ليسأله. فوجد عليّا- عليه السّلام- [قد قبض. فقال لأبي جعفر- عليه السّلام-: إنّ الحكم حدّثنا عن عليّ بن الحسين أنّه قال: إنّ علم عليّ- عليه السّلام- كلّه في آية واحدة. فقال أبو جعفر- عليه السّلام-:]  وما تدري ما هي؟ قلت: لا. قال: هي قوله- تعالى-: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ ولا محدّث». ثمّ أبان شأن الرّسول [و النبيّ‏]  والمحدّث- صلوات اللّه عليهم.

و قال : حدّثنا الحسين بن أحمد، عن محمّد بن عيسى، عن القاسم بن عروة، عن بريد العجليّ قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن الرّسول والنّبيّ والمحدّث. فقال:

الرّسول الّذي تأتيه الملائكة، ويعاينهم وتبلغه الرّسالة من اللّه. والنّبيّ يرى في المنام، فما رأى، فهو كما رأى. والمحدّث الّذي يسمع كلام الملائكة وحديثهم، ولا يرى شيئا، بل ينقر في أذنه وينكت في قلبه.

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن أبي يحيى الواسطيّ، عن هشام بن سالم، ودرست بن أبي منصور، عنه قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: الأنبياء والمرسلون على أربع طبقات: فنبيّ نبّئ  في نفسه لا يعدو غيرها. ونبيّ يرى في النّوم، ويسمع الصّوت، ولا يعاينه في اليقظة، ولم يبعث إلى أحد وعليه إمام، مثل ما كان إبراهيم على لوط- عليهما السّلام. ونبيّ يرى في منامه، ويسمع الصّوت، ويعاين الملك، وقد أرسل إلى طائفة، قلّوا أو كثروا. كيونس، قال اللّه  ليونس:وَ أَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ قال: يزيدون ثلاثين ألفا. وعليه إمام. والّذي يرى في منامه ، ويسمع الصّوت، ويعاين في اليقظة، وهو إمام، مثل أولي العزم.

و قد كان إبراهيم- عليه السّلام- نبيّا وليس بإمام، حتّى قال اللّه : إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي فقال اللّه: لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ. من عبد صنما أو وثنا، لا يكون إماما.

عدّة من أصحابنا ، [عن أحمد بن محمّد]  عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن ثعلبة بن ميمون، عن زرارة قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه - عزّ وجلّ-: وَكانَ رَسُولًا نَبِيًّا: ما الرّسول؟ وما النّبيّ؟ فقال: النّبيّ الّذي يرى في منامه، ويسمع الصّوت، ولا يعاين الملك. [و الرّسول الّذي يسمع الصّوت، ويرى في المنام، ويعاين الملك.

قلت: الإمام ما منزلته؟ قال: يسمع الصّوت، ولا يرى، ولا يعاين الملك‏] . ثمّ تلا هذه الآية: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ ولا محدّث».

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن إسماعيل بن مرار قال: كتب الحسن بن العبّاس المعروفيّ إلى الرّضا- عليه السّلام-: جعلت فداك، أخبرني ما الفرق بين الرّسول والنّبيّ والإمام؟ قال: فكتب [أو قال‏] :

الفرق بين الرّسول والنّبيّ والإمام أنّ الرّسول الّذي ينزل عليه جبرئيل- عليه السّلام- فيراه، ويسمع كلامه، وينزل عليه الوحي. وربّما رأى في منامه، نحو رؤيا إبراهيم- عليه السّلام-. والنّبيّ ربّما سمع الكلام، وربّما رأى الشّخص، ولم يسمع.

و الإمام هو الّذي يسمع الكلام ولا يرى الشّخص.

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن الأحول قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن الرّسول والنّبيّ والمحدّث. قال:

الرّسول الّذي يأتيه جبرئيل قبلا، فيراه، ويكلّمه. فهذا الرّسول. وأمّا النّبيّ، فهوالّذي يرى في منامه، نحو رؤيا إبراهيم، ونحو ما كان رأى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- من أسباب النّبوّة قبل الوحي، حتّى أتاه جبرئيل [من عند اللّه بالرّسالة.

و كان محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- حين جمع له النّبوّة وجاءته الرّسالة من عند اللّه، يجيئه بها جبرئيل- عليه السّلام‏]  ويكلّمه بها قبلا. ومن الأنبياء من جمع له النّبوّة، ويرى في منامه، ويأتيه الرّوح، ويكلّمه ويحدّثه من غير أن يكون يرى في اليقظة.

و أمّا المحدّث، فهو الّذي يحدّث، فيسمع ولا يعاين، ولا يرى في منامه.

أحمد بن محمّد  ومحمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن عليّ بن حسّان، عن ابن فضّال، عن عليّ بن يعقوب الهاشميّ، عن مروان بن مسلم، عن بريد ، عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه- عليهما السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ ولا محدّث».

قلت: جعلت فداك، ليست هذه قراءتنا. فما الرّسول والنّبيّ والمحدّث؟ قال:

الرّسول الّذي يظهر له الملك، فيكلّمه. والنّبيّ، هو الّذي يرى في منامه. وربّما اجتمعت النّبوّة والرّسالة لواحد. والمحدّث الّذي يسمع  الصّوت، ولا يرى الصّورة.

قال: قلت: أصلحك اللّه، كيف يعلم أنّ الّذي رأى في النّوم حقّ، وأنّه من الملك؟

قال: يوفّق لذلك حتّى يعرفه. لقد ختم اللّه بكتابكم الكتب، وختم بنبيّكم الأنبياء.

محمّد بن الحسن ، عمّن ذكره، عن محمّد بن خالد، عن محمّد بن سنان، عن زيد الشّحّام قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- اتّخذ إبراهيم عبدا، قبل أن يتّخذه نبيّا. وإنّ اللّه اتّخذه نبيّا، قبل أن يتّخذه رسولا. وإنّ اللّه اتّخذه رسولا، قبل أن يتّخذه خليلا. وإنّ اللّه اتّخذه خليلا، قبل أن يتّخذه  إماما.

عليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الحسين، عن إسحاق بن عبد العزيز أبي السّفاتج، عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: إنّ اللّه اتّخذ إبراهيم- عليه السّلام- عبدا، قبل أن يتّخذه نبيّا. واتّخذه نبيّا، قبل أنّ يتّخذه رسولا.و اتّخذه رسولا، قبل أن يتّخذه خليلا. واتّخذه خليلا، قبل أن يتّخذه إماما.

و هذان الحديثان طويلان. أخذت منهما موضع الحاجة.

محمّد ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن زياد بن سوقة، عن الحكم بن عتيبة  قال: دخلت على عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- يوما. فقال: يا حكم، هل تدري الآية الّتي كان عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- يعرف قاتله بها، ويعرف بها الأمور العظام الّتي كان يحدّث بها النّاس؟

قال الحكم: فقلت في نفسي: قد وقعت على علم من علم عليّ بن الحسين أعلم بذلك تلك الأمور العظام. قال: فقلت: لا واللّه، لا أعلم. قال: ثمّ قلت : الآية تخبرني بها يا ابن رسول اللّه؟ قال: هو واللّه قول اللّه- عزّ ذكره-: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ ولا محدّث». وكان عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- محدّثا.

فقال له رجل يقال له عبد اللّه بن زيد- كان أخا علي لأمّه-: سبحان اللّه! محدّثا!؟ كأنّه ينكر ذلك. فأقبل عليه  أبو جعفر فقال: أما واللّه إنّ ابن أمّك بعد قد كان يعرف ذلك.

قال: فلمّا قال له ذلك، سكت الرّجل. فقال: هي الّتي هلك فيها أبو الخطّاب، فلم يدر ما تأويل المحدّث والنّبيّ.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عبد الرّحمن بن كثير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: إنّ أوّل وصيّ كان على وجه الأرض هبة اللّه بن آدم. وما من نبيّ مضى، إلّا وله وصيّ. وكان جميع الأنبياء مائة ألف نبيّ وعشرين ألف نبيّ. منهم خمسة أولو العزم:

نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى ومحمّد- صلوات اللّه عليهم.

و إنّ عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- كان هبة اللّه لمحمّد- عليهما السّلام- وورث علم الأوصياء، وعلم من كان قبله. أما إنّ محمّدا ورث علم من كان قبله من الأنبياء والمرسلين. على قائمة العرش مكتوب: حمزة أسد اللّه، وأسد رسوله، وسيّدالشّهداء. وفي ذؤابة  العرش: عليّ أمير المؤمنين.

فهذه حجّتنا على من أنكر حقّنا وجحد ميراثنا. وما منعنا من الكلام وأمامنا اليقين. فأيّ حجّة تكون أبلغ من هذا!؟

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن يحيى الخثعميّ، عن هشام، عن ابن أبي يعفور قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: سادة النّبييّن والمرسلين خمسة، وهم أولو العزم من الرّسل. وعليهم دارت الرّحى: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمّد- صلّى اللّه عليه وآله، وعلى جميع الأنبياء.

و في تهذيب الأحكام  بإسناده إلى أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من أحبّ أن يصافحه مائة ألف نبيّ وعشرون ألف نبيّ، فليزر قبر الحسين بن عليّ- عليهما السّلام- في النّصف من شعبان. فإنّ أرواح النّبيّين تستأذن اللّه في زيارة قبره فيؤذن لهم.

و في كتاب الخصال  عن عتبة  بن عمير اللّيثيّ، عن أبي ذرّ- رحمه اللّه- قال: دخلت على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وهو جالس في المسجد  وحده. فاغتنمت خلوته- إلى أن قال:

قلت: يا رسول اللّه، كم النّبيّون؟ قال: مائة ألف وأربعة وعشرون ألف نبيّ.

قلت: كم المرسلون منهم؟ قال: ثلاثمائة وثلاثة عشر جمّا غفيرا .

قلت: من كان أوّل الأنبياء؟ قال: آدم.

قلت: من الأنبياء مرسلا؟ قال: نعم، خلقه اللّه بيده، ونفخ فيه من روحه.

ثمّ قال- عليه السّلام-: يا أبا ذرّ، أربعة من الأنبياء سريانيّون: آدم، وشيث وأخنوخ، وهو إدريس، وهو أوّل من خطّ بالقلم- ونوح- عليهم السّلام. وأربعة من الأنبياء من العرب: هود، وصالح، وشعيب وأنا . وأوّل نبيّ من بني إسرائيل موسى.و آخرهم عيسى وستّمائة نبيّ.

و بإسناده  إلى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- قال: خلق اللّه- عزّ وجلّ- مائة ألف نبيّ وأربعة وعشرين ألف نبيّ، أنا أكرمهم على اللّه، ولا فخر. وخلق اللّه- عزّ وجلّ- مائة ألف وصيّ وأربعة وعشرين ألف وصيّ. فعليّ أكرمهم وأفضلهم.

و بإسناد آخر  إلى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- نحوه.

 

و في عيون الأخبار ، في باب ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- من خبر الشّاميّ، وما سأل عنه أمير المؤمنين- عليه السّلام- في جامع الكوفة، حديث طويل. وفيه: وسأله عن ستّة من الأنبياء لهم اسمان. فقال: يوشع [بن نون وهو ذو الكفل‏] ، ويعقوب، وهو إسرائيل ، والخضر، وهو خليقا ، ويونس، وهو ذو النّون، وعيسى، وهو المسيح، ومحمّد- صلّى اللّه عليه وآله- وهو أحمد. صلوات اللّه عليهم.

و سأله [عن خمسة من الأنبياء تكلّموا بالعربيّة. فقال: هود، وشعيب، وصالح، وإسماعيل، ومحمّد- صلوات اللّه عليهم‏] .

و سأله عمّن خلق اللّه- تعالى- من الأنبياء مختونا. فقال: خلق اللّه آدم مختونا.

و ولد شيث مختونا. وإدريس، ونوح، وسام بن نوح، وإبراهيم، وداود، وسليمان، ولوط، وإسماعيل، وموسى، وعيسى، ومحمّد- صلوات اللّه عليهم أجمعين.

و في بصائر الدرجات : [عليّ بن إسماعيل عن محمّد بن عمرو، عن يونس بن يعقوب، [عن عبد الأعلى‏] ، عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: ما من نبيّ  ولا رسول  أرسل، الّا بولايتنا وبفضلنا على من  سوانا] .عليّ بن إسماعيل ، عن صفوان بن يحيى، عن الحارث بن المغيرة، عن حمران قال:

 

حدّثنا الحكم بن عتيبة ، عن عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- أنّه قال: إنّ علم عليّ- عليه السّلام- في آية من القرآن. وكتمنا الآية.

قال: فكنّا نجتمع فنتدارس القرآن، فلا نعرف الآية.

قال: فدخلت على أبي جعفر- عليه السّلام- فقلت: إنّ الحكم بن عتيبة حدّثنا  عن عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- أنّ علم عليّ- عليه السّلام- في آية من القرآن، وكتمنا الآية. قال: اقرأ يا حمران. فقرأت: وما أرسلنا من رسول ولا نبي.

قال: فقال أبو جعفر- عليه السّلام-: وما أرسلنا من رسول ولا نبي ولا محدّث». قال: [قلت: وكان عليّ محدّثا؟ قال: نعم.

فجئت إلى أصحابنا فقلت: قد أصبت الّذي كان الحكم يكتمنا. قال: قلت: قال أبو جعفر- عليه السّلام-!]  كان عليّ محدّثا . فقالوا لي: ما صنعت شيئا! ألا سألته من يحدّثه !؟

قال: [فبعد ذلك أنّي أتيت أبا جعفر- عليه السّلام- فقلت: أليس حدّثتني أن عليّا- عليه السّلام- كان محدّثا؟ قال: بلى‏] . قلت: من يحدّثه؟ قال: ملك يحدّثه.

قلت: أقول إنّه نبيّ أو رسول؟ قال: لا، ولكن قل : مثله مثل صاحب سليمان، ومثل صاحب موسى. و[مثله‏]  مثل ذي القرنين .

العبّاس بن معروف ، عن القاسم بن عروة، عن بريد العجليّ قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن الرّسول والنّبيّ والمحدّث. قال: الرّسول الّذي تأتيه الملائكة [و يعاينه‏] ، فتبلّه عن اللّه- تبارك وتعالى. والنّبيّ الّذي يرى في منامه، [فما رأى‏]  فهو كما رأى. والمحدّث الّذي يسمع كلام الملائكة، وينقر في أذنه، وينكت في قلبه .

محمّد بن الحسين ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن حمّاد بن عثمان، عن زرارة قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن النّبيّ والرّسول والمحدّث. قال:

الرّسول يأتيه جبرئيل فيكلّمه [قبلا]  فيراه كما يرى الرّجل صاحبه الّذي يكلّمه.

فهذا الرّسول. والنّبيّ الّذي يؤتى في منامه، نحو رؤيا إبراهيم ، ونحو ما كان يأتي رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- من السّبات  إذا  أتاه جبرئيل. هكذا النّبيّ. ومنهم من يجمع له الرّسالة والنّبوّة.

و كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- نبيّا يأتيه جبرئيل قبلا، فيكلّمه ويراه ويأتيه  في النّوم. والنّبيّ الّذي يسمع كلام الملك حتى يعاينه فيحدّثه. فأمّا  المحدّث هو الّذي يسمع، ولا يعاين، ولا يؤتى في المنام .

إِلَّا إِذا تَمَنَّى: إذا قدّر في نفسه ما يهواه أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ: في تشهّيه ما ينافيه.

فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ، فيبطله ويذهب به.

ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ: ثمّ يثبّت آياته الدّالّة على حقّيّة ما هواه النّبيّ.

وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بأحوال الإنسان حَكِيمٌ  فيما يفعله لهم.

قيل : حدّث نفسه بزوال المسكنة فنزلت.

و في كتاب الاحتجاج  للطبرسيّ- رحمه اللّه- عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل. وفيه: فيذكر- جلّ ذكره- لنبيّه- صلّى اللّه عليه وآله- ما يحدثه عدوّه‏في كتابه من بعده، بقوله: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ. يعني: أنّه ما من نبيّ تمنّى مفارقة ما يعاينه من نفاق قومه وعقوقهم والانتقال عنهم إلى دار الإقامة ، «إلّا ألقى الشّيطان» المعرض بعداوته عند  فقده، في الكتاب الّذي [أنزل‏]  عليه ذمّه والقدح فيه والطّعن عليه: فَيَنْسَخُ اللَّهُ ذلك من قلوب المؤمنين، فلا تقبله، ولا تصغي إليه غير قلوب المنافقين والجاهلين. ويُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ بأن يحمي أولياءه من الضّلال والعدوان، ومشايعة  أهل الكفر والطّغيان الّذين لم يرض اللّه أن يجعلهم كالأنعام، حتّى  قال : بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا.

و في مجمع البيان : روي عن ابن عبّاس وغيره أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- لمّا تلا سورة والنجم  وبلغ إلى قوله : أَ فَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى ألقى الشّيطان في تلاوته: وتلك الغرانيق العلى وإنّ شفاعتهنّ لترتجى. فسرّ بذلك المشركون. [فلمّا انتهى إلى السّجدة، سجد المسلمون، وسجد أيضا المشركون‏]  لما سمعوا من ذكر آلهتهم ما  أعجبهم.

و هذا الخبر- إن صحّ- محمول على أنّه كان يتكرّر . فلمّا بلغ إلى هذا الموضع وذكر أسماء آلهتهم- وقد علموا من عادته عليه السّلام أنّه [كان‏]  يعيبها- قال بعض الحاضرين من الكافرين: تلك الغرانيق العلى. وألقى ذلك في تلاوته، فوهم  أنّ ذلك من القرآن. فأضافه [اللّه‏] - سبحانه- إلى الشّيطان، لأنّه إنّما حصل بإغوائه ووسوسته.

و هذا، أورده المرتضى- قدّس اللّه روحه- في كتاب التّنزيه، وهو قول النّاصر للحقّ من أئمّة الزّيديّة. وهو وجه حسن في تأويله.

و قيل : إنّ المراد بالغرانيق الملائكة. وقد جاء ذلك في بعض الحديث.

و قيل : إنّه كان- عليه السّلام- إذا تلا القرآن على قريش، توقّف في فصول الآيات، وأتى بكلام على سبيل الحجاج لهم. فلمّا تلا الآيات قال: «تلك الغرانيق العلى» على سبيل الإنكار عليهم، وعلى أنّ الأمر بخلاف ما قالوه وظنّوه.

و ليس يمتنع أن يكون هذا في الصّلاة، لأنّ الكلام في الصّلاة حينئذ كان مباحا، وإنّما نسخ من بعد.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وأمّا قوله- عزّ وجلّ-: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ- إلى قوله:- وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ‏

فإنّ العامّة رووا أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- كان في الصّلاة، فقرأ سورة النّجم في المسجد الحرام، وقريش يسمعون لقراءته. فلمّا انتهى إلى هذه الآية: أَ فَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى أجرى إبليس على لسانه: فإنّها الغرانيق العلى ، وإنّ شفاعتهنّ لترتجى.

ففرحت قريش، وسجدوا. وكان في القوم الوليد بن المغيرة المخزوميّ- وهو شيخ كبير- فأخذ كفّا من حصى، فسجد عليه وهو قاعد. فقالت قريش: قد أقرّ محمّد بشفاعة اللّات والعزّى. قال: فنزل جبرئيل- عليه السّلام- فقال له: قد قرأت ما لم انزل عليك! وأنزل عليه: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ.

و أمّا الخاصّة فإنّهم رووا عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أصابه خصاصة. فجاء إلى رجل من الأنصار، فقال له: هل عندك من طعام؟ قال: نعم يا رسول اللّه! وذبح له عناقا وشواه. فلمّا أدناه منه، تمنّى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أن يكون معه عليّ وفاطمة والحسن والحسين- صلوات اللّه عليهم. فجاء أبو بكر وعمر ، ثمّ جاء عليّ بعدهما. فأنزل اللّه- عزّ وجلّ- في ذلك:

وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ ولا محدّث إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ يعني أبا بكر وعمر»

. فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ. يعني لمّا جاء علي- صلّى اللّه عليه- بعدهما. ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ للنّاس». يعني ينصر اللّه أمير المؤمنين‏- صلوات اللّه عليه.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا محمّد بن الحسين  بن عليّ قال: حدّثني [أبي‏] ، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في هذه الآية قال أبو جعفر- عليه السّلام-: خرج رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وقد أصابه جوع شديد. فأتى رجلا من الأنصار.

فذبح له عناقا، وقطع له عذق بسر ورطب. فتمنّى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- عليّا- عليه السّلام- وقال: يدخل عليكم رجل من أهل الجنّة. قال: فجاء أبو بكر. ثمّ [جاء]  عمر. ثمّ [جاء]  عثمان. ثمّ جاء عليّ- عليه السّلام-. فنزلت هذه الآية إلى قوله- عزّ وجلّ-: عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ.

لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ علّة لتمكّن الشّيطان منه.

و ذلك يدلّ على أنّ الملقى أمر ظاهر عرفه المحقّ والمبطل.

فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ: شكّ ونفاق.

وَ الْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ: المشركين.

وَ إِنَّ الظَّالِمِينَ:

يعني الفريقين، فوضع الظاهر موضع ضميرهم، قضاء عليهم بالظّلم.

لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ  عن الحقّ، أو عن الرّسول والمؤمنين.

وَ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ: أنّ القرآن هو الحقّ النّازل من عند اللّه.

فَيُؤْمِنُوا بِهِ: بالقرآن أو باللّه.

فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ بالانقياد والخشية.

وَ إِنَّ اللَّهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا فيما أشكل.

إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ :

هو نظر صحيح يوصلهم إلى ما هو الحقّ فيه.

وَ لا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ: في شكّ مِنْهُ: من القرآن، أو الرّسول،أو ممّا ألقى الشّيطان في أمنيّته.

حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ: القيامة، أو الموت، أو أشراطها بَغْتَةً: فجأة.

أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ : يوم حرب يقتلون فيه، كيوم بدر.

سمّي به، لأنّ أولاد النّساء يقتلون فيه، فيصرن كالعقيم. أو: لأنّ المقاتلين أبناء الحرب، فإذا قتلوا، صارت عقيما. فوصل اليوم بوصفها، اتّساعا. أو لأنّه لا خير لهم فيه.

و منه: «الرّيح العقيم» لما لم تنشئ مطرا، ولم تلقح شجرا. أو: لأنّه لا مثل له، لقتال الملائكة فيه.

أو يوم القيامة، على أنّ المراد بالسّاعة غيره، أو على وضعه موضع ضميرها للتّهويل.

الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ:

التّنوين فيه منوب عن الجملة الّتي دلّت عليها  الغاية. أي: يوم تزول مريتهم.

يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ بالمجازاة.

و الضّمير يعمّ المؤمنين والكافرين لتفصيله بقوله: فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ  وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ . وإدخال الفاء في خبر الثّاني دون الأوّل، تنبيه على أنّ إثابة المؤمنين بالجنّات تفضّل من اللّه- تعالى- وأنّ عقاب الكافرين مسبّب عن أعمالهم.

و لذلك قال: لَهُمْ عَذابٌ ولم يقل: هم في عذاب.

وَ الَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا في الجهاد أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً: الجنّة ونعيمها.

و إنّما سوّى بين من قتل في الجهاد ومن مات حتف أنفه، في الوعد، لاستوائهما في القصد وأصل العمل.

وَ إِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ، فإنّه يرزق بغير حساب.

لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ: هو الجنّة، فيها ما يحبّونه.

وَ إِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ بأحوالهم وأحوال معاديهم حَلِيمٌ  لا يعاجل في العقوبة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً يعني فلانا وفلانالِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ. يعني إلى الامام المستقيم. ثمّ قال: وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ، أي: في شكّ من أمير المؤمنين- صلوات اللّه عليه- حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ. قال: العقيم الّذي لا مثل له في الأيّام. ثمّ قال: الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا. قال: ولم يؤمنوا بولاية أمير المؤمنين- عليه السّلام- والأئمّة- صلوات اللّه عليهم- فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ. ثمّ ذكر أمير المؤمنين والمهاجرين من أصحاب النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- فقال- جلّ ذكره-: وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً- إلى قوله- تعالى:- لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ.

و في جوامع الجامع : الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ- إلى قوله:- وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ. و

روي أنّهم قالوا: يا رسول اللّه، هؤلاء الّذين قتلوا قد علمنا ما أعطاهم اللّه من الخير، ونحن نجاهد معك كما جاهدوا، فما لنا إن متنا معك؟ فأنزل اللّه هاتين الآيتين.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا محمّد بن همّام، عن محمّد بن إسماعيل، عن عيسى بن داود، عن موسى بن جعفر، عن أبيه- عليهما السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَالَّذِينَ هاجَرُوا- إلى قوله:- إِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ.

قال: نزلت في أمير المؤمنين- صلوات اللّه عليه- خاصّة.

ذلِكَ: الأمر ذلك.

وَ مَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ولم يزد في الاقتصاص.

و إنّما سمّي الابتداء بالعقاب الّذي هو الجزاء، للازدواج، أو لأنّه سببه.

ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ بالمعاودة إلى العقوبة، لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ لا محالة.

إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ  للمنتصر، حيث اتّبع هواه في الانتقام، وأعرض عمّا ندب اللّه إليه بقوله : وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ.

و فيه تعريض بالحثّ على العفو والمغفرة. فإنّه- تعالى- مع كمال قدرته وتعالى شأنه، لمّا كان يعفو ويغفر، فغيره بذلك أولى. وتنبيه على أنّه- تعالى- قادر على العقوبة، إذ لا يوصف بالعفو إلّا القادر على ضدّه.و في مجمع البيان : وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ (الآية).

روي أنّ الآية نزلت في قوم من مشركي مكّة لقوا قوما من المسلمين لليلتين بقيتا من المحرّم. فقالوا: إنّ أصحاب محمّد لا يقاتلون في هذا الشّهر. فحملوا عليهم. فناشدهم المسلمون ألّا يقاتلوهم في الشّهر الحرام  فأبوا. فأظفر اللّه المسلمين بهم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وأمّا قوله- عزّ وجلّ-: ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ فهو رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- لمّا أخرجته قريش من مكّة، وهرب منهم إلى الغار. وطلبوه ليقتلوه، فعاقبهم اللّه- تعالى- يوم بدر، وقتل عتبة وشيبة والوليد وأبو جهل وحنظلة بن أبي سفيان وغيرهم.

فلمّا قبض رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- طلب يزيد بدمائهم. فقتل الحسين وآل محمّد- صلوات اللّه عليهم- بغيا وعدوانا وظلما . وهو قول يزيد حين تمثّل بهذا الشّعر:

         ليت أشياخي ببدر شهدوا             جزع الخزرج من وقع الأسل‏

 

         لأهلّوا واستهلّوا فرحا             ثمّ قالوا يا يزيد لا تشل‏

 

         لست من خندف إن لم أنتقم             من بني أحمد ما كان فعل‏

 

         قد قتلنا القوم  من ساداتهم             وعدلناه  ببدر فاعتدل‏

 

         وكذاك الشّيخ أوصاني  به             فاتّبعت الشّيخ فيما قد سأل‏

 وقال يزيد لعنه اللّه:

         يقول والرّأس مطروح يقلّبه             يا ليت أشياخنا الماضين  بالحضر

 

         حتّى يقيسوا قياسا لو  يقاس به             أيّام بدر لكان الوزن بالقدر

 فقال اللّه- تبارك وتعالى-: وَمَنْ عاقَبَ يعني رسول اللّه- صلّى اللّه عليه‏و آله- بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ يعني حسينا - عليه السّلام- أرادوا أن يقتلوه ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ  اللَّهُ. يعني بالقائم- صلوات اللّه عليه- من ولده.

و في شرح الآيات الباهرة  بالإسناد المتقدّم عن الإمام موسى بن جعفر عن أبيه- عليهما السّلام- قال: سمعت أبي محمّد بن عليّ- صلوات اللّه عليه- كثيرا ما يردّد هذه الآية: وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ فقلت: يا أبة، جعلت فداك، أحسب هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين خاصّة. [قال: نعم‏] .