سورة الكهف‏ الآية 61-80

فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما، أي: مجمع البحرين.

و «بينهما» ظرف أضيف إليه على الاتّساع. أو بمعنى: الموصل .

نَسِيا حُوتَهُما: نسي موسى أن يطلبه ويتعرّف حاله، ويوشع أن يذكر له ما رأى من حياته ووقوعه في البحر.نقل : أنّ موسى رقد فاضطرب الحوت المشويّ ووثب في البحر، معجزة لموسى أو للخضر.

و قيل : توضّأ يوشع من عين الحياة فانتضح الماء عليه فعاش ووثب في الماء.

و قيل : نسيا تفقّد أمره وما يكون منه أمارة على الظّفر بالمطلوب .

فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً : فاتّخذ الحوت طريقه في البحر مسلكا، من قوله: وَسارِبٌ بِالنَّهارِ.

و قيل : أمسك اللّه جرية الماء على الحوت فصار كالطّاق عليه .

و نصبه  على المفعول الثّاني، وفي «البحر» حال منه أو من «السّبيل». ويجوز تعلّقه «باتّخذ».

فَلَمَّا جاوَزا: مجمع البحرين.

قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا: ما نتغدّى به. لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً .

و قيل : لم ينصب حتّى جاوز الموعد، فلمّا جاوزه وسار اللّيلة والغد إلى الظّهر القي عليه الجوع والنّصب.

و قيل : لم يعي موسى في سفر غيره ، ويؤيّده التّقييد باسم الإشارة.

قالَ أَ رَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا: أ رأيت ما دهاني إذ أو ينا إِلَى الصَّخْرَةِ يعني:

الصّخرة الّتي رقد عندها موسى.

و قيل : وهي الصّخرة الّتي دون نهر الزّيت.

فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ: فقدته. أو نسيت ذكره بما رأيت منه.

وَ ما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ، أي: وما أنساني ذكره إلّا الشّيطان،فإنّ «أن أذكره» بدل من الضّمير.

و قرئ : «أن أذكركه». وهو اعتذار عن نسيانه بشغل الشّيطان له بوساوسه، والحال وإن كانت عجيبة لا ينسى مثلها، لكنّه لمّا ضري  بمشاهدة أمثالها عند موسى وألفها قلّ اهتمامه بها. ولعلّه نسي ذلك لاستغراقه في الاستبصار وانجذاب شراشره إلى جناب القدس بما عراه من مشاهدة الآيات الباهرة، وإنّما نسبه إلى الشّيطان هضما لنفسه ، أو لأنّ عدم احتمال القوّة للجانبين واشتغالها بأحدهما عن الآخر يعدّ من نقصان.

وَ اتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً : سبيلا عجبا، وهو كونه كالسّرب. أو اتّخاذا عجبا، والمفعول الثّاني هو الظّرف .

و قيل : هو مصدر فعله المضمر ، أي: قال في آخر كلامه، أو موسى في جوابه:

عجبا تعجّبا من تلك الحال.

و قيل : الفعل لموسى، أي: اتّخذ موسى سبيل الحوت في البحر عجبا.

قالَ ذلِكَ، أي: أمر الحوت.

ما كُنَّا نَبْغِ: نطلب، لأنّه أمارة المطلوب.

فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما: فرجعا في الطّريق الّذي جاءا فيه.

قَصَصاً ، أي: يتّبعان آثارهما اتّباعا. أو مقتصّين حتّى أتيا الصّخرة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : فلمّا أخبر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قريشا بخبر أصحاب الكهف، قالوا: أخبرنا عن العالم الّذي أمر اللّه- عزّ وجلّ- موسى أن‏يتبعه، وما قصّته؟

فأنزل اللّه- عزّ وجلّ-: وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً.

قال: وكان سبب ذلك، أنّه لمّا كلّم اللّه موسى تكليما وأنزل عليه الألواح وفيها، كما قال اللّه- عزّ وجلّ-: وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ. رجع موسى- عليه السّلام- إلى بني إسرائيل، فصعد المنبر فأخبرهم أنّ اللّه- عزّ وجلّ- قد أنزل عليّ التّوراة وكلّمه، قال في نفسه: ما خلق اللّه- تعالى- خلقا أعلم منّي.

فأوحى اللّه- عزّ وجلّ- إلى جبرئيل- عليه السّلام-: أن أدرك موسى فقد هلك، وأعلمه أنّ عند ملتقى البحرين عند الصّخرة رجلا أعلم منك فصر إليه وتعلّم من علمه.

فنزل جبرئيل- عليه السّلام- [على موسى‏]  وأخبره، فذلّ موسى في نفسه، وعلم أنّه أخطأ، ودخله الرّعب، وقال لوصيّه يوشع بن نون: إنّ اللّه- عزّ وجلّ- قد أمرني أن اتّبع رجلا عند ملتقى البحرين وأتعلّم منه.

فتزوّد يوشع حوتا مملوحا وخرجا، ولمّا خرجا وبلغا ذلك المكان وجدا رجلا مستلقيا على قفاه فلم يعرفاه، فأخرج وصيّ موسى- عليه السّلام- الحوت وغسله بالماء ووضعه على الصّخرة ومضيا ونسي الحوت، وكان ذلك الماء ماء الحيوان فحيي الحوت ودخل في الماء، فمضى موسى- عليه السّلام- ويوشع معه حتّى عييا .

فقال [موسى‏]  لوصيه: آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً، أي:

عناء.

فذكر وصيّه السّمكة، فقال لموسى- عليه السّلام-: إنّي نسيت الحوت على الصّخرة.

فقال موسى- عليه السّلام-: ذلك الرّجل الّذي رأينا عند الصّخرة هو الّذي نريده. فرجعا على آثارهما قصصا إلى عند الرّجل وهو في صلاته، فقعد موسى- عليه السّلام- حتّى فرغ من صلاته فسلّم عليهما.فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا: وهو الخضر، واسمه، بليا بن ملكان.

و قيل : اليسع.

و قيل : إلياس.

و في مجمع البيان : وإنّما سمّي خضرا، لأنّه إذا صلّى في مكان اخضرّ ما حوله.

و روي مرفوعا : أنّه قعد على فروة  بيضاء فاهتزّت تحته خضراء.

و قيل : إنّه رآه على طنفسة خضراء فسلّم عليه، فقال: عليك السّلام، يا نبيّ بني إسرائيل.

فقال له موسى: وما أدراك من أنا، ومن أخبرك أنّي نبيّ؟

قال: من دلّك عليّ.

و اختلف في هذا العبد، فقال بعضهم إنّه كان ملكا أمر اللّه موسى أن يأخذ عنه ما حمّله إيّاه من علم بواطن الأشياء.

و قال الأكثرون: إنّه كان من البشر، ثمّ اختلفوا، فقال الجبّائيّ وغيره: إنّه كان نبيّا، لأنّه لا يجوز أن يتّبع النّبيّ من ليس بنبيّ ليتعلّم منه العلم، لما في ذلك من الغضاضة  على النّبيّ.

و كان ابن الأخشيد  يجوّز أن لا يكون نبيّا ويكون عبدا صالحا، أودعه اللّه من علم باطن الأمور ما لم يودعه غيره. (انتهى) آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا: هي العلم، أو النّبوّة.

وَ عَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً : ممّا يختصّ بنا ولا يعلم إلّا بتوفيقنا، وهو علم الغيوب.

قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ: على شرط أن تعلّمني.

و هو في موضع الحال من الكاف.

مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً : علما ذا رشد، وهو إصابة الخير.و قرأ  البصريّان، بفتحتين، وهما لغتان، كالبخل والبخل. وهو مفعول «تعلّمني»، ومفعول «علّمت» العائد المحذوف، وكلاهما منقولان  من «علم» الّذي له مفعول واحد .

و يجوز أن يكون [رشدا]  علّة  «لأتّبعك»، أو مصدر بإضمار فعله.

قيل : ولا ينافي نبوّته وكونه صاحب شريعة أن يتعلّم من غيره ما لم يكن شرطا في أبواب الدّين، فإنّ الرّسول ينبغي أن يكون أعلم ممّن أرسل إليه فيما بعث به من أصول الدّين وفروعه لا مطلقا، وقد راعى في ذلك غاية  التّواضع والأدب، فاستجهل نفسه، واستأذن أن يكون تابعا له وسأل منه [أن يرشده‏]  وينعم عليه بتعليم بعض  ما أنعم اللّه عليه.

قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً : نفي عنه استطاعة الصّبر معه على وجوه من التّأكيد ، كأنّها ممّا [لا يصحّ و]  لا يستقيم، وعلّل ذلك واعتذر عنه بقوله:

وَ كَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً ، أي: كيف تصبر، وأنت نبيّ، على ما أتولّى من أمور ظاهرها مناكير وباطنها لم يحط بها خبرك.

و «خبرا» تمييز. أو مصدر، لأنّ «لم تحط به» بمعنى: لم تخبره.

قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً: غير منكر عليك. وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً : عطف على «صابرا»، أي: ستجدني صابرا وغير عاص. أو على «ستجدني».

و تعليق الوعد بالمشيئة إمّا للتّيمّن أو لعلمه بصعوبة الأمر، فإنّ مشاهدة الفسادو الصّبر على خلاف المعتاد شديد بلا خلاف.

قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْ‏ءٍ: فلا تفاتحني بالسّؤال عن شي‏ء أنكرته منّي ولم تعلم وجه صحّته.

حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً : حتّى أبتدئك ببيانه.

و قرأ  نافع وابن عامر: «فلا تسالنّي» بالنّون الثّقيلة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني محمّد بن عليّ بن بلال، عن يونس قال: اختلف يونس وهشام بن إبراهيم في العالم الّذي أتاه موسى- عليه السّلام- أيّهما كان أعلم، وهل يجوز أن يكون على موسى حجّة في وقته وهو حجّة اللّه- عزّ وجلّ- على خلقه؟

فقال قاسم الصّيقل: فكتبوا إلى أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- يسألونه عن ذلك.

فكتب في الجواب: أتى موسى العالم فأصابه في جزيرة من جزائر البحر إمّا جالسا وإمّا متّكئا، فسلّم عليه موسى- عليه السّلام- فأنكر السّلام، إذ كان بأرض ليس فيها سلام.

قال: من أنت؟

قال: أنا موسى بن عمران.

قال: أنت موسى بن عمران الّذي كلّمه اللّه تكليما؟

قال: نعم.

 [قال‏] : فما حاجتك؟

قال: جئت لتعلّمني ممّا علّمت رشدا.

قال: إنّي وكّلت بأمر لا تطيقه، ووكّلت أنت بأمر لا أطيقه.

ثم حدّثه العالم بما يصيب آل محمّد- صلوات اللّه عليهم- من البلاء وكيد الأعداء حتّى اشتدّ بكاؤهما، ثمّ حدّثه عن فضل آل محمّد- صلوات اللّه عليهم-. حتّى ذكر فلانا وفلانا [و فلانا] ، ومبعث رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إلى قومه وما يلقى منهم ومن تكذيبهم إيّاه، وذكر له تأويل هذه الآية: وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ

 حين أخذ الميثاق عليهم.

فقال له موسى: هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً.

فقال الخضر: إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً، وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً.

فقال موسى- عليه السّلام-: سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً.

قال الخضر: فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْ‏ءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً يقول: لا تسألني عن شي‏ء أفعله ولا تنكره عليّ حتّى أخبرك أنا بخبره.

قال: نعم.

و في تفسير العيّاشي : عن زرارة وحمران ومحمّد بن مسلم، عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه- عليهما السّلام- قال: إنّه لمّا كان من أمر موسى- عليه السّلام- ما كان أعطي مكتل  فيه حوت مملّح، قيل له: هذا يدلّك على صاحبك عند عين عند  مجمع البحرين، لا يصيب منها شي‏ء ميّت إلّا حيي  يقال له: الحياة. فانطلقا  حتّى بلغا الصّخرة، فانطلق الفتى يغسل الحوت في العين فاضطرب في يده حتى خدشه وانفلت  منه ونسيه الفتى. فَلَمَّا جاوَزا الوقت الّذي وقّت فيه، أعني: موسى قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً، قالَ أَ رَأَيْتَ- إلى قوله- عَلى آثارِهِما قَصَصاً. فلمّا أتياها وجدا  الحوت ، قد خرّ في البحر، فاقتصّا الأثر حتّى أتيا صاحبهما في جزيرة من جزائر البحر، إمّا متّكئا وإمّا جالسا في كساء له، فسلّم عليه موسى، فعجب من السّلام وهو في أرض ليس فيها السّلام.

فقال: من أنت؟

قال: أنا موسى بن عمران.

قال: أنت موسى بن عمران الّذي كلّمه اللّه تكليما؟

قال: نعم.

قال: فما حاجتك؟

قال: أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً.

قال إنّي وكّلت بأمر لا تطيقه، ووكّلت بأمر لا أطيقه، وقد  قال: إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً، وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً» [، قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً] . فحدّثه عن آل محمّد وعمّا يصيبهم حتّى اشتدّ بكاؤهما، ثمّ حدّثه عن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وعن أمير المؤمنين وعن ولد فاطمة، وذكر له من فضلهم وما اعطوا حتّى جعل يقول: يا ليتني من آل محمّد. وعن مبعث  رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إلى قومه  وما يلقى منهم  ومن تكذيبهم إيّاه، وتلا هذه الآية: وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ. فإنّه أخذ عليهم الميثاق.

عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: كان وصي موسى بن عمران يوشع بن نون، وهو فتاه الّذي ذكر اللّه في كتابه.

و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، مثل هذا الأخير سواء.

 

و في عيون الأخبار : عن الرّضا- عليه السّلام- قال: قال عليّ- عليه السّلام- وقد سأله بعض اليهود عن مسائل: وأنتم تقولون: إنّ أوّل عين نبعت على وجه الأرض العين الّتي ببيت المقدس. وكذبتم، هي عين الحيوان الّتي غسل فيها يوشع بن نون السّمكة، وهي العين الّتي شرب منها الخضر- صلوات اللّه عليه- وليس يشرب منها أحد إلّا حيي.

قال: صدقت، واللّه إنّه لبخطّ هارون وإملاء موسى- عليه السّلام-.

و في كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى أبي الطّفيل، عامر بن واثلة: عن عليّ- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه لبعض اليهود وقد سأله عن مسائل: وأمّا أوّل عين نبعت على وجه الأرض فإنّ اليهود يزعمون أنّها العين الّتي تحت صخرة بيت المقدس، وكذبوا، ولكنّها عين الحيوان الّتي نسي عندها صاحب موسى السّمكة المالحة،فلمّا أصابها ماء العين عاشت وسربت ، فاتّبعها موسى- عليه السّلام- وصاحبه [فلقيا]  الخضر. بلغنا .

قال اليهوديّ: أشهد باللّه، لقد صدقت.

و بإسناده  إلى إبراهيم بن يحيى المدائنيّ: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام-: إنّ عليّا- عليه السّلام- قال لبعض اليهود وقد سأله عن مسائل: وأمّا قولك: أوّل عين نبعت على وجه الأرض، فإنّ اليهود يزعمون أنّها العين الّتي ببيت المقدس تحت الحجر، وكذبوا، هي عين الحيوان الّتي انتهى موسى وفتاه إليها فغسل فيها السّمكة المالحة فحييت، وليس من ميّت يصيبه ذلك الماء إلّا حيي، وكان الخضر على مقدمة ذي القرنين يطلب عين الحياة، فوجدها الخضر- عليه السّلام- وشرب منها، ولم يجدها ذو القرنين.

و بإسناده  إلى الحكم بن مسكين: عن صالح، عن جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- حديث طويل، يقول فيه: إنّ عليّا- عليه السّلام- قال لبعض اليهود وقد سأله عن مسائل: وأنتم تقولون: إنّ أوّل عين نبعت على وجه الأرض العين الّتي ببيت المقدس.

و كذبتم، هي عين الحياة الّتي غسل يوشع بن نون فيها السّمكة، [و هي الّتي‏]  شرب منها الخضر، وليس يشرب منها أحد إلّا حيي.

قال: صدقت، واللّه، إنّه لبخطّ هارون وإملاء موسى.

و في تفسير العيّاشي : عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: كان موسى أعلم من الخضر.

عن بريد ، عن أحدهما قال: قلت له: ما منزلتكم في الماضين، أو بمن تشبّهون منهم؟

قال: الخضر وذو القرنين، كانا عالمين ولم يكونا نبيّين.عن إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّما مثل عليّ ومثلنا من بعده من هذه الأمّة، كمثل [موسى‏]  النّبيّ والعالم حين لقيه واستنطقه وسأله الصّحبة، فكان من أمرهما ما اقتصّه اللّه لنبيّه في كتابه، وذلك أنّ اللّه قال لموسى: إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ. ثمّ قال:

وَ كَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ.

و قد كان عند العالم علم لم يكتب لموسى في الألواح، وكان موسى يظنّ أنّ جميع الأشياء الّتي يحتاج إليها في تابوته وجميع العلم [قد كتب له في الألواح، كما يظنّ هؤلاء الذين يدّعون أنّهم فقهاء وعلماء، وأنّهم قد أثبتوا جميع العلماء]  والفقه في الدّين ممّا تحتاج هذه الأمّة إليه وصحّ لهم عن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- [و علموه ولفظوه، وليس كلّ علم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- علموه ولا صار إليهم عن رسول اللّه‏]  ولا عرفوه، وذلك أنّ الشّي‏ء من الحلال والحرام والأحكام يرد عليهم فيسألون  عنه، ولا يكون عندهم فيه أثر عن رسول اللّه، ويستحيون أن ينسبهم النّاس إلى الجهل، ويكرهون أن يسألوا فلا يجيبوا فيطلب النّاس العلم من معدنه، فلذلك استعملوا الرّأي والقياس في دين اللّه وتركوا الآثار ودانوا  اللّه بالبدع، وقد قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: كلّ بدعة ضلالة.

فلو أنّهم إذا سئلوا عن شي‏ء من دين اللّه فلم يكن عندهم منه أثر عن رسول اللّه، ردّوه إلى اللّه وإلى الرّسول وإلى أولي الأمر منهم، لعلمه الّذين يستنبطونه منهم من آل محمّد- عليهم السّلام-. والّذي منعهم من طلب العلم منّا العداوة والحسد لنا، ولا واللّه ما حسد موسى العالم، وموسى نبي اللّه يوحى إليه حيث لقيه واستنطقه وعرفه بالعلم ولم يحسده، كما حسدتنا هذه الأمّة بعد رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- [على ما]  علمنا وما ورثنا عن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-. ولم يرغبوا إلينا في علمنا، كما رغب موسى إلى العالم وسأله [الصحبة]  ليتعلّم منه العلم ويرشده.فلمّا أن سأل العالم ذلك، علم العالم أنّ موسى لا يستطيع صحبته ولا يحتمل  عليه ولا يصبر معه، فعند ذلك قال العالم: وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً.

فقال له موسى، وهو خاضع له يستنطقه  على نفسه كي يقبله: سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً.

و قد كان العالم يعلم أنّ موسى لا يصبر على علمه، فكذلك واللّه، يا إسحاق بن عمّار، حال قضاة هؤلاء وفقهائهم وجماعتهم اليوم لا يحتملون ، واللّه، علمنا ولا يقبلونه ولا يطيقونه ولا يأخذون به ولا يصبرون عليه، كما لم يصبر موسى على علم العالم حين صحبه ورأى ما رأى من علمه، وكان ذلك عند موسى مكروها وكان عند اللّه رضاء، وهو الحقّ، وكذلك علمنا عند الجهلة مكروه لا يؤخذ وهو عند اللّه الحقّ.

عن عبد اللّه بن ميمون القدّاح ، عن أبي عبد اللّه، عن أبيه- عليه السّلام- قال: بينما موسى قاعد في ملأ من بني إسرائيل إذ قال له رجل: ما أرى أحدا أعلم باللّه منك.

قال موسى: ما أرى.

فأوحى اللّه إليه: بل عبدي، الخضر. فسأل السّبيل إليه، فكان له آية الحوت إن افتقده، وكان من شأنه ما قصّ اللّه.

عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: كان سليمان أعلم من آصف، وكان موسى أعلم من الّذي اتّبعه.

و في أصول الكافي : أحمد بن محمّد ومحمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن إبراهيم بن إسحاق الأحمر، عن عبد اللّه بن حمّاد، عن سيف التّمّار قال: كنّا مع أبي عبد اللّه- عليه السّلام- جماعة من الشّيعة في الحجر.

فقال: علينا عين.

فالتفتنا يمنة  ويسرة فلم نر أحدا، فقلنا: ليس علينا عين.

فقال: وربّ الكعبة وربّ البيت ، ثلاث مرّات، لو كنت بين موسى والخضرلأخبرتهما  أنّي أعلم منهما وأنبأتهما

 بما ليس في أيديهما، لأنّ موسى والخضر- عليهما السّلام- أعطيا علم ما كان، ولم يعطيا علم ما يكون وما هو كائن حتّى تقوم السّاعة، وقد ورثناه من رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وراثة.

أبو عليّ الأشعري ، عن [محمد بن‏]

 عبد الجبّار، عن صفوان بن يحيى، عن حمران بن أعين قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام- ما موضع العلماء؟

قال: مثل ذي القرنين  وصاحب موسى- عليهما السّلام-.

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد بن عيسى، عن الحسين بن المختار، عن الحارث بن المغيرة قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام-: إنّ عليّا- عليه السّلام- كان محدّثا.

فقلت: فتقول نبيّ؟

قال: فحرّك بيده هكذا، ثمّ قال: أو كصاحب سليمان، أو كصاحب موسى، أو كذي القرنين، او ما بلغكم أنّه قال: وفيكم مثله.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه [عن ابن أبي عمير]

، عن ابن أذينة، عن بريد بن معاوية، عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه- عليهما السّلام- قال: قلت له: ما منزلتكم، ومن تشبهون ممّن مضى؟

قال: صاحب موسى وذو القرنين كانا عالمين، ولم يكونا نبيّين.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين، عن حمّاد بن عيسى، عن الحسين بن المختار، عن الحارث بن المغيرة، عن حمران بن أعين قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام-: إنّ عليّا- عليه السّلام- كان محدّثا.

فخرجت إلى أصحابي فقلت: جئتكم بعجيبة.

فقالوا: وما هي؟قلت: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول: كان عليّ  محدّثا.

فقالوا: ما صنعت شيئا، ألا سألته من كان يحدّثه؟

فرحت  إليه فقلت: إنّي حدّثت أصحابي بما حدّثتني، فقالوا: ما صنعت شيئا، ألا سألته من كان يحدّثه؟

فقال لي: يحدّثه ملك.

قلت: تقول: إنّه نبيّ؟

 [قال‏]  فحرّك يده هكذا: أو كصاحب سليمان، أو كصاحب موسى، أو كذي القرنين، او ما بلغكم أنّه قال: وفيكم مثله.

و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى جعفر بن محمّد بن عمّارة: عن أبيه، عن جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- أنّه قال: إنّ الخضر كان نبيّا مرسلا بعثه اللّه- تبارك وتعالى- إلى قومه، فدعاهم إلى توحيده والإقرار بأنبيائه ورسله وكتبه، وكانت آيته أنّه كان لا يجلس على خشبة يابسة ولا أرض بيضاء إلّا أزهرت خضراء

، وإنّما سمّي:

خضرا لذلك، وكان [اسمه‏]  باليا بن ملكان بن عامر بن أرفخشيد

 بن سام بن نوح- عليه السّلام-.

و في تفسير العيّاشي : عن حفص بن البختريّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول موسى لفتاه: آتِنا غَداءَنا. وقوله: رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ. فقال: إنّما عنى الطّعام.

فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: إنّ موسى لذو جوعات.

عن ليث بن سليم ، عن أبي جعفر- عليه السّلام-: شكا موسى إلى ربّه الجوع في ثلاثة مواضع: آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً. لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ. [فقال: إنّما عني الطّعام‏]

 

.و في عيون الأخبار ، بإسناده إلى محمّد بن أبي عبّاد قال: سمعت الرّضا- عليه السّلام- يقول يوما

: يا غلام، آتنا

 الغداء. فكأنّي أنكرت ذلك فتبيّن

 الإنكار فيّ، فقرأ

: قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا.

فقلت: الأمير أعلم النّاس وأفضلهم.

فَانْطَلَقا: على السّاحل يطلبان السّفينة.

حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها: أخذ الخضر فأسا فخرق السّفينة، بأن قلع لوحين من ألواحها.

قالَ أَ خَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها: فإنّ خرقها سبب لدخول الماء فيها، المفضي إلى غرق أهلها.

و قرى

: «لتغرّق» بالتّشديد للتّكثير.

و قرأ

 حمزة والكسائيّ: «ليغرق أهلها» على إسناده إلى الأهل.

لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً : أتيت أمرا عظيما. من أمر الأمر: إذا عظم.

قالَ أَ لَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً : تذكير لما ذكره قبل.

قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ: بالّذي نسيته. أو بشي‏ء نسيته

، يعني:

وصيّته بأن لا يعترض عليه.

أو نسياني إيّاها، وهو اعتذار بالنّسيان، أخرجه في معرض النّهي عن المؤاخذة مع قيام المانع لها.

و قيل: أراد بالنّسيان التّرك، أي: لا تؤاخذني بما تركت من وصيّتك أوّل مرّة.

و قيل

: إنّه من معاريض الكلام، والمراد: شي‏ء آخر نسيه

.وَ لا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً : ولا تغشني عسرا من أمري بالمضايقة والمؤاخذة على المنسي، فإنّ ذلك يعسر عليّ متابعتك.

و «عسرا» مفعول ثان «لترهق»، فإنّه يقال: رهقه: إذا غشيه، وأرهقه إيّاه.

و قرئ

: «عسرا» بضمّتين.

فَانْطَلَقا، أي: بعد ما خرجا من السّفينة.

حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ.

قيل

: ضرب

 عنقه.

و قيل

: ضرب برأسه الحائط.

و قيل

: أضجعه فذبحه.

و «الفاء»

 للدّلالة على أنّه، كما لقيه، قتله من غير تروّ واستكشاف حال، ولذلك قالَ أَ قَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ، أي: طاهرة من الذّنوب.

و قرأ  ابن كثير ونافع وأبو عمرو ورويس، عن يعقوب: «زاكية» والأوّل أبلغ.

و قال  أبو عمرو: الزّاكية  الّتي لم تذنب قطّ، والزّكيّة  الّتي أذنبت ثمّ غفرت. ولعلّه اختار الأوّل لذلك، فإنّها كانت صغيرة لم تبلغ الحلم، أو أنّه لم يرها قد أذنبت ذنبا يقتضي قتلها، أو قتلت نفسا فتقاد بها، نبّه به على أنّ القتل  إنّما يباح حدّا أو قصاصا وكلا الأمرين منتف .

قيل : ولعلّ تغيير النّظم بأن جعل خرقها جزاء واعتراض موسى- عليه السّلام- مستأنفا [في الأولى‏] ، وفي الثّانية قتله من جملة الشّرط واعتراضه جزاء، لأنّ القتل أقبح والاعتراض عليه أدخل فكان جديرا بأن يجعل عمدة الكلام ، ولذلك فصّله بقوله:لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً ، أي: منكرا .

و قرأ  نافع في رواية قالون وورش وابن عامر ويعقوب وأبو بكر: «نكرا»  بضمّتين.

قالَ أَ لَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً : زاد فيه «لك» مكافحة بالعتاب على رفض الوصيّة، ووسما بقلّة الثّبات والصّبر لمّا تكرّر منه الاشمئزاز  والاستنكار، ولم يرعو  بالتّذكير أوّل مرّة حتّى زاد في الاستنكار ثاني مرّة.

قالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْ‏ءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي: وإن سألت صحبتك.

عن يعقوب : «فلا تصحبني»، أي: فلا تجعلني صاحبك.

قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً : قد وجدت عذرا من قبلي لما خالفتك ثلاث مرّات.

و عن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- : رحم اللّه أخي، موسى، استحيا  فقال ذلك، لو لبث مع صاحبه لأبصر أعجب الأعاجيب .

و قرأ  نافع: «لدني» بتحريك النّون [و الاكتفاء بها عن نون الدّعامة  كقوله:

قدني  من نصر الخبيبين قدي وأبو بكر «لدني» بتحريك النّون‏]  وإسكان الدّال إسكان الضّاد من «عضد».

فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍقيل : قرية أنطاكية.

و قيل : أبلة البصرة.

و قيل : باجروان أرمينية.

اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما.

و قرئ : «يضيفوهما» من أضافه، يقال: ضافه: إذا نزل به ضيفا. وأضافه وضيّفه: أنزله. وأصل التّركيب للميل، يقال: ضاف السّهم عن الغرض: إذا مال.

فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ: تدانى  أن يسقط. فاستعيرت الإرادة للمشارفة، كما استعير لها الهمّ والعزم .

و «انقضّ» انفعل، من قضضته: إذا كسرته. ومنه انقضاض الطّير والكواكب، لهويه. أو افعلّ، من النّقض.

و قرئ : «أن ينقضي». و«أن ينقاص» بالصّاد المهملة، من انقاصت السّنّ:

إذا انشقت طولا.

فَأَقامَهُ قيل: بعمارته، أو بعمود عمده به.

و قيل : مسحه بيده فقام.

و قيل : نقضه وبناه.

قالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً : تحريضا على أخذ الجعل لينتعشا  به. أو تعريضا  بأنّه فضول لما في «لو» من معنى النّفي، كأنّه لمّا رأى الحرمان ومساس الحاجة واشتغاله بما لا يعنيه لم يتمالك نفسه.

و «اتّخذ» افتعل، من تخذ، كاتّبع من تبع، وليس من الأخذ عند البصريّين.

و قرأ  ابن كثير والبصريّان: «لتخذت»، أي: لأخذت.

و أظهر ابن كثير ويعقوب وحفص الذّال، وأدغمه الباقون.

و في تفسير العيّاشي : عن عبد الرّحمن بن سيابة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ موسى صعد المنبر، وكان منبره ثلاث مراق ، فحدّث نفسه أنّ اللّه لم يخلق خلقا أعلم منه. فأتاه جبرئيل فقال له: إنّك قد ابتليت فأنزل ، فإنّ في الأرض من هو أعلم منك فاطلبه. فأرسل إلى يوشع: إنّي قد ابتليت فاصنع لنا زادا وانطلق بنا. واشترى حوتا [من حيتان الحية]  فخرج بآذربيجان  ثمّ شواه ثمّ حمله في مكتل، ثمّ انطلقا يمشيان [في ساحل البحر، والنّبيّ إذا امر أن يذهب إلى مكان لم يعي أبدا حتّى يجوز ذلك الوقت.

قال: فبينما هما يمشيان‏]  فانتهيا إلى شيخ مستلق معه عصاه موضوعة إلى جانبه وعليه كساء، إذا قنّع رأسه خرجت رجلاه، وإذا غطّى رجليه خرج رأسه.

قال: فقام موسى يصلّي، وقال ليوشع: احفظ عليّ.

قال: فقطرت قطرة من الماء  في المكتل فاضطرب الحوت، ثمّ جعل يثب من المكتل [إلى البحر]  قال: وهو قوله: فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً.

قال: ثمّ أنّه جاء طير فوقع على ساحل البحر، ثمّ أدخل منقاره فقال: يا موسى، ما أخذت  من علم ربّك ما حمل ظهر منقاري من جميع البحر.

قال: ثمّ قام يمشي فتبعه  يوشع.

قال موسى وقد نسي [الزبيل‏]  يوشع، وإنّما أعيى  حيث جاز الوقت فيه، فقال: آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً- إلى قوله- فِي الْبَحْرِ عَجَباً. فرجع موسى يقصّ  أثره حتّى انتهى إليه، وهو على حاله مستلق.

فقال له موسى: السّلام عليك. [فقال: وعليك السّلام،]  يا عالم بني إسرائيل.

قال: ثمّ وثب فأخذ عصاه بيده، قال: فقال له موسى: إنّي قد أمرت أن أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً فقال كما قصّ عليكم: إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً.

قال: فانطلقا حتّى انتهيا إلى معبر ، فلمّا نظر  إليهم أهل المعبر»

 قالوا: واللّه، لا نأخذ من هؤلاء أجرا اليوم [نحملهم‏]  فحمل عليهم، فلمّا ذهب السّفينة كثرة  الماء خرقها، قال له موسى، كما أخبرتم، ثمّ قال له: أَ لَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً، قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً.

قال: وخرجا على ساحل البحر فإذا غلام يلعب مع غلمان ، عليه قميص حرير أخضر، في أذنيه درّتان ، فتورّكه  العالم فذبحه، قال له موسى: أَ قَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً، قال فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ قالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً خبزا نأكله فقد جعنا.

قال: وهي قرية على ساحل يقال لها: ناصرة، وبها سمّي  النّصارى:

نصارى، فلم يضيّفوهما ولا يضيّفون بعدهما  أحدا حتّى تقوم السّاعة، وكان مثل السّفينة فيكم وفينا ترك الحسين البيعة لمعاوية، وكان مثل الغلام فيكم قول الحسن بن عليّ لعبد اللّه بن عليّ: لعنك  اللّه من كافر. فقال له : قد قتلته ، يا أبا محمّد. وكان مثل الجدار فيكم عليّ والحسن والحسين.و في مجمع البيان : سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس قال: أخبرني ابيّ بن كعب قال: خطبنا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فقال: إنّ موسى قام خطيبا في بني إسرائيل، فسئل: أيّ النّاس أعلم؟

قال: أنا.

فعتب اللّه عليه إذ لم يردّ العلم إليه ، فأوحى اللّه إليه: إنّ لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك.

قال موسى يا ربّ، فكيف لي به؟

قال: تأخذ معك حوتا فتجعله في مكتل.

ثمّ انطلق وانطلق معه فتاه يوضع بن نون، حتّى إذا أتيا الصّخرة وضعا رؤوسهما  فناما، واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر فاتخذ سبيله في البحر سربا، وأمسك اللّه عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق . فلمّا استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت، فانطلقا بقيّة يومهما وليلتهما حتّى إذا كان من الغد «قال» موسى لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً.

قال: ولم يجد موسى النّصب حتّى جاوز المكان الّذي أمر اللّه- تعالى- به.

فقال فتاه: أَ رَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ (الآية) قال: وكان للحوت سربا ولموسى وفتاه عجبا، فقال موسى: ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ (الآية) قال: رجعا يقصّان الأثر  حتّى انتهيا إلى الصّخرة، فوجدا رجلا مسجّى  بثوب فسلّم عليه موسى.

فقال الخضر: وأنّى بأرضك السّلام.

قال: أنا موسى.

قال: موسى نبيّ  بني إسرائيل؟

قال: نعم، قال  أتيتك لتعلمني مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً، قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً.يا موسى، إنّي على علم من [علم‏]  اللّه لا تعلمه علّمنيه، وأنت على علم من [علم‏]  اللّه علّمك لا أعلمه أنا.

فقال له موسى- عليه السّلام-: سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً.

فقال له الخضر: فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْ‏ءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً.

فانطلقا يمشيان على ساحل البحر، فمرّت سفينة وكلّموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوه بغير نول ، فلمّا ركبا في السّفينة لم يفجأ إلّا والخضر [قد قلع لوحا من ألواح السّفينة بالقدّوم .

فقال له موسى: قوم حملونا بغير نول‏]  عمدت إلى سفينتهم أَ خَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً، قالَ أَ لَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً، قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً.

 

قال: وقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: كانت الأولى من موسى نسيانا.

قال: وجاء عصفور فوقع على حرف  السّفينة، فنقر في البحر نقرة.

فقال له الخضر: ما علمي وعلمك من علم اللّه إلّا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر.

ثمّ خرجا من السّفينة، فبينا هما يمشيان على السّاحل إذ أبصر الخضر غلاما يلعب بين  الغلمان، فأخذ الخضر رأسه فأقطعه  فقتله، فقال له موسى: أَ قَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً، قالَ أَ لَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً. قال: وهذه أشدّ من الأولى قالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْ‏ءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً إلى قوله: يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ قال: كان مائلا فقال الخضر بيده  فأقامه.فقال موسى: قوم قد أتيناهم لم يطعمونا ولم يضيّفونا ف لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً، قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ.

فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: وددنا أنّ موسى كان صبر حتّى يقصّ علينا من خبرهما.

و في مصباح الشّريعة : قال الصّادق- عليه السّلام-: والصّبر أوّله مرّ وآخره حلو [لقوم، ولقوم مرّ أوّله وآخره‏]  فمن دخله من أواخر فقد دخل، ومن دخله  من أوائله فقد خرج، ومن عرف قدر الصبر  لا يصبر عمّا منه الصّبر، قال اللّه- تعالى- في قصّة موسى والخضر- عليهما السّلام-: وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً.

و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى جعفر بن محمّد بن عمّارة: عن أبيه، عن جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- أنّه قال: إنّ موسى بن عمران- عليه السّلام- لمّا كلّمه اللّه تكليما، وأنزل عليه التّوراة، وكتب له في الألواح من كلّ شي‏ء موعظة وتفصيلا لكلّ شي‏ء، وجعل آيته في يده وعصاه وفي الطّوفان والجراد والقمل والضّفادع والدّم وفلق البحر، وغرّق اللّه- عزّ وجلّ- فرعون وجنوده، وعملت البشريّة فيه حتى قال في نفسه: ما أرى أنّ اللّه- عزّ وجلّ- خلق خلقا أعلم منّي.

فأوحى اللّه- عزّ وجلّ- إلى جبرئيل: يا جبرئيل، أدرك عبدي، موسى، قبل أن يهلك وقل له: إنّ عند ملتقى البحرين رجلا عابدا فاتّبعه وتعلّم منه.

فهبط جبرئيل- عليه السّلام- على موسى بما أمره اللّه به ربّه- عزّ وجلّ- فعلم موسى أنّ ذلك لما حدّثت به نفسه ، فمضى هو وفتاه، يوشع بن نون- عليهما السّلام- حتّى انتهيا إلى ملتقى البحرين، فوجد  هناك الخضر- عليه السّلام- يعبد  اللّه- عزّ وجلّ-، كما قال اللّه- عزّ وجلّ- في كتابه: فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً، قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً.

قال له الخضر- عليه السّلام-: إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً [لأني وكّلت بعلم‏لا تطيقه ووكّلت بعلم لا أطيقه.

قال موسى له: بل أستطيع معك صبرا] .

فقال له الخضر: إنّ القياس لا مجال  له في علم اللّه وأمره وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً.

قال موسى: سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً.

فلمّا استثنى المشيئة قبله قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْ‏ءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً.

فقال موسى- عليه السّلام-: لك ذلك عليّ فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها الخضر- عليه السّلام-. فقال له موسى- عليه السّلام-: أَ خَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً، قالَ أَ لَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً قال موسى: لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ [، أي: بما تركت من أمرك‏]  وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً، فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ الخضر- عليه السّلام- فغضب موسى وأخذ بتلابيبه  وقال له: أَ قَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً.

قال له الخضر: إنّ العقول لا تحكم على أمر اللّه- تعالى ذكره- بل أمر اللّه- تعالى ذكره- يحكم عليها، فسلّم لما ترى منّي واصبر عليه، فقد كنت علمت إنّك لن تستطيع معي صبرا.

قال موسى: إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْ‏ءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً، فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ هي النّاصرة، وإليها ينسب النّصارى اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فوضع الخضر- عليه السّلام- يده فأقامه، فقال له موسى: لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً.

و في مجمع البيان : فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما روى أبيّ بن كعب، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: قال كانوا أهل قرية لئام.

و في الشّواذّ

 قراءة النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَ‏

 

بضمّ‏الياء.

و قراءة عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-: «ينقاص» بالصّاد غير معجمه وبالألف.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، متّصلا بما نقلنا عنه سابقا من قصّة الخضر وموسى ويوشع- عليهم السّلام-: فمرّوا ثلاثتهم حتّى انتهوا إلى ساحل البحر، وقد شحنت سفينة وهي تريد أن تعبر، فقال أرباب  السّفينة: نحمل  هؤلاء الثّلاثة نفر فإنّهم قوم صالحون. فحملوهم، فلمّا جنحت السّفينة في البحر قام الخضر- عليه السّلام- إلى جوانب السّفينة فكسرها وحشّاها  بالخرق والطّين، فغضب موسى- عليه السّلام- غضبا شديدا وقال للخضر- عليه السّلام-: أَ خَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً.

فقال له الخضر- عليه السّلام-: أَ لَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً.

قال موسى: لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً.

فخرجوا من السّفينة [فمرّوا] ، فنظر الخضر- عليه السّلام- إلى غلام يلعب بين الصبيان حسن الوجه، كأنّه قطعة قمر، وفي أذنيه درّتان ، فتأمّله الخضر ثمّ أخذه فقتله، فوثب موسى على الخضر وجلد به الأرض، فقال: أَ قَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً.

فقال الخضر: أَ لَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً.

قال موسى: إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْ‏ءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً، فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ [اسْتَطْعَما أَهْلَها وكان وقت العشاء، والقرية]  تسمّى النّاصرة، وإليها ينسب النّصارى، ولم يضيّفوا أحدا قطّ ولم يطعموا غريبا، فاستطعموهم فلم يطعموهم ولم يضيّفوهم.

فنظر الخضر- عليه السّلام- [إلى حائط قد زال لينهدم، فوضع الخضر- عليه السّلام- يده عليه وقال: قم بإذن اللّه. فقام، فقال موسى- عليه السّلام-] : لم ينبغ أن‏تقيم  الجدار حتّى يطعمونا ويأوونا. وهو قوله- عزّ وجلّ-: لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً.

قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ الإشارة إلى الفراق الموعود بقوله: «فلا تصاحبني». أو إلى الاعتراض الثّالث، أو الوقت، أي هذا الاعتراض، أو هذا الوقت وقته.

و إضافة الفراق إلى «البين» إضافة المصدر إلى الظّرف على الاتساع، وقد قرئ على الأصل.

سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً : بالخبر الباطن ممّا لم تستطع الصّبر عليه، لكونه منكرا من حيث الظّاهر.

أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ: لمحاويج.

قيل : وهو دليل على أنّ المسكين يطلق على من ملك شيئا إذا لم يكفه.

و قيل : سمّوا مساكين لعجزهم عن دفع الملك. أو لزمانتهم، فإنّها كانت لعشرة إخوة، خمسة زمنى ، وخمسة يعملون في البحر.

فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها: أجعلها ذات عيب.

وَ كانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ: قدّامهم. أو خلفهم وكان رجوعهم عليه، واسمه:

جلندا بن كركر.

و قيل : هولة بن جليد الأزديّ.

يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً : من أصحابها.

و كان حقّ النّظم أن يتأخّر قوله: فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها عن قوله: وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ لأنّ إرادة التّعيّب مسبّبة عن خوف الغصب وإنّما قدّم للعناية، أو لأنّ السّبب لمّا كان مجموع الأمرين خوف الغصب ومسكنة الملّاك رتّبه على أقوى الجزأين وادعاهما، وعقّبه بالآخر على سبيل التّقييد والتّعميم .و قرئ : «كلّ سفينة صالحة» والمعنى عليها .

و في تفسير العيّاشي : عن حريز، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنه كان يقرأ:

 «كان وراءهم ملك»، يعني: أمامهم «يأخّذ كلّ سفينة صالحة غصبا».

و روي  ذلك- أيضا- عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: وهي قراءة أمير المؤمنين- عليه السّلام-.

و في كتاب تلخيص الأقوال في تحقيق أحوال الرّجال ، في ترجمة زرارة بن أعين:

 

روي في الصّحيح، أنّ أبا عبد اللّه- عليه السّلام- أرسل إليه: إنّما أعيبك دفاعا منّي عنك، فإنّ النّاس والعدوّ يسارعون إلى كلّ من قرّبناه وحمدنا مكانه لإدخال الأذى فيمن نحبّه ونقرّبه، ويذمّونه لمحبّتنا له وقربه  ودنوّه منّا، ويرون إدخال الأذى عليه وقتله، ويحمدون كلّ من عيّبناه، فأعيبك لأنّك رجل اشتهرت بنا وبميلك إلينا وأنت في ذلك مذموم عند النّاس، فيكون ذلك دافع شرّهم عنك لقول اللّه- عزّ وجلّ-: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً. هذا الرّسل من عند اللّه صالحة، لا واللّه، ما عابها إلّا لكي تسلم من الملك فافهم المثل، يرحمك اللّه، فإنّك واللّه أحبّ النّاس إليّ وأحبّ أصحاب أبي إليّ حيّا وميّتا، فإنّك أفضل سفن ذلك البحر القمقام، وأنّ من ورائك لملكا ظلوما غصوبا يرقب عبور كلّ سفينة صالحة ترد من بحر الهدى ليغصبها وأهلها، فرحمة اللّه عليك حيّا ورحمته ورضوانه عليك ميّتا.

وَ أَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ‏

في مجمع البيان : وروي عن ابيّ وابن عبّاس أنّهما كانا يقرآن: «أمّا الغلام‏فكان كافرا وأبواه مؤمنين». وروي ذلك عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-.

فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما: أن يغشيهما طُغْياناً وَكُفْراً : لنعمتهما  بعقوقه، فيلحقهما شرّا. أو يقرن بإيمانها طغيانه وكفره، فيجتمع في بيت واحد مؤمنان وطاغ كافر. وإنّما خشي ذلك، لأنّ اللّه أعلمه.

و قرئ : «فخاف ربّك»، أي: كره كراهة. من: خاف سوء عاقبته.

قيل : ويجوز أن يكون قوله: «فخشينا» حكاية قول اللّه- عزّ وجلّ-»