سورة المؤمنون‏ الآية 101-119

فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ لقيام السّاعة.

قيل : والقراءة بفتح الواو، وبه وبكسر الصّاد، يؤيد أنّ الصّور أيضا، جمع الصّورة.فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ تنفعهم، لزوال التّعاطف والتّراحم، من فرط الحيرة واستيلاء الدّهشة، بحيث يفرّ المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه . أو: يفتخرون بها يَوْمَئِذٍ كما يفعلون اليوم.

وَ لا يَتَساءَلُونَ : ولا يسأل بعضهم بعضا، لاشتغاله بنفسه.

و هو لا يناقض قوله: وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ . لأنّه عند النّفخ، وذاك بعد المحاسبة، أو دخول أهل الجنّة الجنّة وأهل النّار النّار.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن حنان بن سدير، عن أبيه، عن أبي جعفر- عليه السّلام-: انّ صفيّة بنت عبد المطّلب مات ابن لها. فأقبلت. فقال لها عمر : غطّي قرطك! فإنّ قرابتك من رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- لا تنفعك شيئا.

فقالت له: هل رأيت لي قرطا يا بن اللّخناء!؟

ثمّ دخلت على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله. فأخبرته بذلك وبكت. فخرج رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- فنادى: الصّلاة جامعة! فاجتمع النّاس. فقال:

ما بال أقوام يزعمون أنّ قرابتي لا تنفع!؟ لو قد قمت المقام المحمود، لشفعت في أحوجكم.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في مجمع البيان : وقال- صلّى اللّه عليه وآله-: كلّ حسب ونسب منقطع، إلّا حسبي ونسبي.

و في كتاب المناقب  لابن شهر آشوب، في مناقب زين العابدين- عليه السّلام-:

 

قال طاوس الفقيه: رأيته يطوف من العشاء إلى السّحر ويتعبّد. فلمّا لم ير أحدا، رمق إلى السّماء بطرفه وقال:

إلهي! غارت نجوم سماواتك، وهجعت عيون أنامك، وأبوابك مفتّحات للسّائلين.

جئتك لتغفر لي وترحمني، وتريني وجه جدّي محمّد- صلّى اللّه عليه وآله- في عرصات القيامة.ثمّ بكى وقال:

و عزّتك وجلالك! ما أردت بمعصيتي مخالفتك. وما عصيتك [إذ عصيتك‏]  وأنا بك شاكّ، ولا بنكالك جاهل، ولا لعقوبتك متعرّض. ولكن سوّلت لي نفسي، وأعانني على ذلك سترك المرخى به عليّ. فالآن من عذابك من يستنقذني!؟ وبحبل من أعتصم إن قطعت حبلك عنّي!؟

فوا سوأتاه غدا من الوقوف بين يديك، إذا قيل للمخفّين: جوزوا! وللمثقلين:

حطّوا! أ مع المخفّين أجوز! أم مع المثقلين أحطّ؟ ويلي! كلّما طال عمري، كثرت خطاياي، ولم أتب. أما آن لي أن أستحي من ربّي!؟

ثمّ بكى وأنشأ يقول:

         أ تحرقني بالنّار يا غاية المنى             فأين رجائي، ثمّ أين محبّتي‏

 

 

         أتيت بأعمال قباح رديّة             وما في الورى خلق جنى كجنايتي‏

 ثمّ بكى وقال:

سبحانك! تعصى كأنّك لا ترى! وتحلم كأنّك لم تعص! تتودّد إلى خلقك بحسن الصّنيع، كأنّ لك  الحاجة إليهم. وأنت- يا سيّدي!- الغنيّ عنهم.

ثمّ خرّ إلى الأرض ساجدا.

قال: فدنوت منه، وشلت رأسه، فوضعته على ركبتي. وبكيت حتّى جرت دموعي على خدّه. فاستوى جالسا وقال: من الّذي أشغلني عن ذكر ربّي؟ فقلت له: أنا طاوس، يا ابن رسول اللّه. ما هذا الجزع والفزع!؟ ونحن يلزمنا أن نفعل مثل هذا، ونحن عاصون جافون. أبوك الحسين بن عليّ! وأمّك فاطمة الزّهراء! وجدّك رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-! قال: فالتفت إليّ وقال: هيهات! هيهات! يا طاوس. دع عنّي حديث أبي وأمّي وجدّي! خلق اللّه الجنّة لمن أطاعه، وأحسن، ولو كان عبدا حبشيّا. وخلق  النّار لمن عصاه ولو كان ولدا  قرشيّا. أما سمعت قول اللّه- تعالى-: فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ!؟ واللّه [لا ينفعك غدا إلّا تقدمة تقدّمها من عمل‏صالح.

و في أصول الكافي ، حديث طويل عن أمير المؤمنين- عليه السّلام-]  جواب لرسالة طلحة والزّبير إليه- عليه السّلام. وفيه: زعمتما أنكما أخواي في الدّين وابنا عمّي في النّسب؟ فأمّا النّسب فلا أنكره، وإن كان النّسب مقطوعا، إلّا ما وصله اللّه بالإسلام.

و في كتاب مقتل الحسين - عليه السّلام- [لأبي مخنف- رحمه اللّه- من كلامه- عليه السّلام- في موقف كربلاء: أما أنا ابن بنت نبيّكم- صلوات اللّه عليه؟

فو اللّه‏]  ما بين المشرق والمغرب لكم ابن بنت نبيّ غيري.

و من أشعاره- عليه السّلام- فيه أيضا :

         أنا ابن عليّ الحرّ من آل هاشم             كفاني بهذا مفخر حين أفخر

 

 

         وفاطمة أمّي ثمّ جدّي محمّد             وعمّي يدعى ذا الجناحين جعفر

 

 

         ونحن ولاة الحوض نسقي محبّنا             بكأس رسول اللّه ما ليس ينكر

 

 

         إذا ما أتى يوم القيامة ظامئا             إلى الحوض يسقيه بكفّيه حيدر

 ومن أشعاره- عليه السّلام- أيضا :

         خيرة اللّه من الخلق أبي             بعد جدّي فأنا ابن الخيرتين‏

 

 

         أمّي الزّهراء حقّا وأبي             وارث العلم ومولى الثّقلين‏

 

 

         فضّة قد صفّيت من ذهب             فأنا الفّضّة وابن الذّهبين‏

 

 

         والدي شمس وأمّي قمر             فأنا الكوكب وابن القمرين‏

 

 

         عبد اللّه غلاما يافعا             وقريش يعبدون الوثنين‏

 

 

         من له جدّ كجدّي في الورى             أو كأمّي في جميع المشرقين‏

 

          خصّه اللّه بفضل وتقى             فأنا الأزهر وابن الأزهرين‏

 

 

         جوهر من فضّة مكنونة             فأنا الجوهر وابن الدّرّتين‏

 

 

         جدّي المرسل مصباح الدّجى             وأبي الموفي له بالبيعتين‏

 

 

         والدي خاتمه جاد به             حين وافى رأسه للرّكعتين‏

 

 

         أيده اللّه لطهر طاهر             صاحب الأمر ببدر وحنين‏

 

 

         ذاك واللّه عليّ المرتضى             ساد بالفضل على اهل الحرمين‏

 

 

فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ: موزونات عقائده واعماله. أي: فمن كانت له عقائد واعمال صالحة، يكون لها وزن عند اللّه وقدر.

فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ : الفائزون بالنّجاة والدّرجات العلى .

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه- حدّثا محمّد بن همّام، عن محمّد بن إسماعيل، عن عيسى بن داود قال: حدّثنا أبو الحسن عليّ بن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن أبي جعفر- عليهم السّلام- قال: سألته عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. قال: نزلت فينا.

وَ مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ: ومن لم يكن له وزن.

و هم الكفّار، لقوله : فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً.

فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ: غبنوها، حيث ضيّعوا زمان استكمالها، وأبطلوا استعدادها لنيل كمالها.

فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ :

بدل من الصّلة. أو خبر ثان ل «أولئك».

و في عيون الأخبار ، في باب قول الرّضا- عليه السّلام- لأخيه زيد بن موسى، حين افتخر على من في مجلسه، بإسناده إلى إبراهيم بن محمّد الثّقفيّ ، قال: سمعت الرّضا- عليه السّلام- يقول: من أحبّ عاصيا، فهو عاص. ومن أحبّ مطيعا، فهو مطيع. ومن أعان ظالما، فهوظالم. ومن خذل ظالما، فهو عادل. [و من خذل عادلا، فهو ظالم‏] . إنّه ليس بين اللّه وبين أحد قرابة. ولا ينال أحد ولاية اللّه إلّا بالطّاعة.

و لقد قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- لبني عبد المطّلب: ائتوني بأعمالكم، لا بأحسابكم وأنسابكم. قال اللّه- تبارك وتعالى-: فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ.

و في تفسير علي بن إبراهيم»: قال الصّادق- عليه السّلام-: لا يتقدّم يوم القيامة أحد إلّا بالأعمال. والدّليل على ذلك قول رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-:

يا أيّها النّاس! إنّ العربيّة ليست بأب وجدّ. وإنّما هو لسان ناطق. فمن تكلّم به، فهو عربيّ. ألا إنّكم ولد آدم. وآدم من تراب. [و اللّه، لعبد حبشيّ حين أطاع، خير من سيّد قرشيّ عصى اللّه. وإِنَ‏]  أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ .

و الدّليل على ذلك قول اللّه: فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ- قال : بالأعمال الحسنة- فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ- قال: من الأعمال الحسنة- فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ.

تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ: تحرقها.

و اللّفح كالنّفح، إلّا أنّه أشدّ تأثيرا.

وَ هُمْ فِيها كالِحُونَ  من شدّة الاحتراق.

و الكلوح: تقلّص الشّفتين عن الأسنان.

و قرئ : «كلحون».

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رحمه اللّه- عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل، يذكر فيه أحوال أهل القيامة. وفيه:

 و منهم أئمّة الكفر وقادة الضّلالة، فأولئك لا يقيم لهم يوم القيامة وزنا . ولا يعبأ بهم- لأنّهم لم يعبئوا بأمره ونهيه- يوم القيامة. أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله- عزّ وجلّ-: تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ قال: أي:

تلهب عليهم، فتحرقهم. وَهُمْ فِيها كالِحُونَ، أي: مفتوحي الفم، متربّدي الوجوه.

أَ لَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ: على إضمار القول. أي: يقال لهم: ألم تكن.

فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ :

تأنيب وتذكير لهم، عمّا استحقّوا هذا العذاب لأجله.

قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا: ملكتنا، بحيث صارت أحوالنا مؤدّية إلى سوء العاقبة.

و قرأ  حمزة والكسائي: «شقاوتنا»- بالفتح- كالسّعادة.

و قرئ  بالكسر، كالكتابة.

و في كتاب التّوحيد  بإسناده إلى عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا قال:

بأعمالهم [شقوا] .

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رحمه اللّه- عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل، يذكر فيه أحوال أهل المحشر. يقول فيه- وقد ذكر النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: ويشهد على منافقي قومه وأمّته وكفّارهم، بإلحادهم وعنادهم ونقضهم عهوده  وتغييرهم سنّته، واعتدائهم على أهل بيته وانقلابهم على أعقابهم، وارتدادهم على أدبارهم، واحتذائهم في ذلك سنّة من تقدمهم من الأمم الظّالمة الخائنة بأنبيائها فيقولون‏بأجمعهم: رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا.

وَ كُنَّا قَوْماً ضالِّينَ : عن الحقّ.

رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها: من النّار.

فَإِنْ عُدْنا إلى التّكذيب فَإِنَّا ظالِمُونَ : لأنفسنا.

قالَ اخْسَؤُا فِيها: اسكتوا سكوت هوان، إنّها ليست مقام سؤال. من: خسأت الكلب: إذا زجرته فخسأ.

وَ لا تُكَلِّمُونِ : في رفع العذاب، فأنّه لا يرفع ولا يخفّف العذاب. أو:

لا تكلّمون رأسا.

و قيل : إنّ أهل النّار يقولون ألف سنة: رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا . فيجابون: حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي . فيقولون ألفا: رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ . فيجابون: ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ  . فيقولون [ألفا: يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ . فيجابون: إِنَّكُمْ ماكِثُونَ . فيقولون ألفا: رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ . فيجابون: أَ وَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ . فيقولون ألفا] : رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً . فيجابون: أَ وَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ . فيقولون ألفا: رَبِّ ارْجِعُونِ . فيجابون: اخْسَؤُا فِيها . ثمّ لا يكون لهم فيها إلّا زفير وشهيق وعواء.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قالوا رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ. فبلغني- واللّه أعلم- أنّهم تداركوا  بعضهم على بعض سبعين عاما، حتّى انتهوا إلى قعر جهنّم.

إِنَّهُ: إنّ الشّأن.

و قرئ  بالفتح، أي: لأنّه.

كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي: يعني المؤمنين.

و قيل : الصّاحبة.

و قيل : أهل الصّفّة.

يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ .

فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا: هزوا.

و قرأ  نافع وحمزة والكسائي بالضّمّ. وهما مصدرا سخر، زيدت فيهما ياء النّسب للمبالغة. وعند الكوفيّين، المكسور بمعنى الهزء، والمضموم- من السّخرة- بمعنى الانقياد والعبوديّة.

حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي: من فرط تشاغلكم بالاستهزاء بهم، فلم تخافوني في أوليائي.

وَ كُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ  استهزاء بهم.

إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا على أذاكم أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ  فوزهم بمجامع مراداتهم، مخصوصين به. وهو ثاني مفعولي جَزَيْتُهُمُ.

و قرأ  حمزة وابن كثير والكسائيّ بالكسر، استئنافا.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا محمّد بن همّام، عن محمّد بن إسماعيل، عن عيسى بن داود قال: حدّثنا الإمام موسى بن جعفر، عن أبيه، عن أبي جعفر- عليهم السّلام- قال في قول اللّه- عزّ وجلّ-: أَ لَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ في علي فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ : معناه أن يقال لمن خفّت موازينه: أَ لَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ في علي، فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ؟ فإذا قيل لهم ذلك، قالوا: رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ- إلى قوله:- هُمُ الْفائِزُونَ. وهم شيعة آل محمّد- صلوات اللّه عليهم.

و في إرشاد المفيد»- رحمه اللّه- بإسناده إلى أمّ سلمة، قالت: سمعت رسول اللّه‏

 - صلّى اللّه عليه وآله- يقول: إنّ عليّا وشيعته هم الفائزون.

و في كتاب ثواب الأعمال  بإسناده عن سعد بن طريف، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: من قرأ عشر آيات في ليلة، لم يكتب من الغافلين- إلى أن قال:- ومن قرأ مائة  آية، كتب من الفائزين.

قالَ، أي اللّه، أو الملك المأمور بسؤالهم.

و قرأ  ابن كثير وحمزة والكسائيّ على الأمر للملك، أو لبعض رؤساء أهل النّار.

كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ أحياء أو أمواتا في القبور؟

عَدَدَ سِنِينَ : تمييز ل «كم».

قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ استقصارا لمدّة لبثهم فيها بالنّسبة إلى خلودهم في النّار. أو لأنّها كانت أيّام سرورهم، وأيّام السّرور قصار. أو لأنّها منقضية، والمنقضي في حكم المعدوم.

فَسْئَلِ الْعادِّينَ : الّذين يتمكّنون من عدّ أيّامها، إن أردت تحقيقها، فإنّا لما نحن فيه من العذاب مشغولون عن تذكّرها وإحصائها. أو: الملائكة الّذين يعدّون أعمار النّاس ويحصون أعمالهم.

و قرئ : «العادين»- بالتّخفيف- أي: الظّلمة، فإنّهم يقولون ما نقول.

و «العاديين»، أي: القدماء المعمّرين، فإنّهم أيضا يستقصرون.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله: قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّينَ قال: فاسأل  الملائكة الّذين يعدّون علينا الأيّام، ويكتبون ساعتنا وأعمالنا الّتي اكتسبناها فيها.

قالَ:

و في قراءة الكوفيّين : «قل ».

إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ :تصديق لهم في مقالهم.

أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً:

توبيخ على تغافلهم. و«عبثا» حال بمعنى عابثين. أو مفعول له. أي: لم نخلقكم تلهّيا بكم، وإنّما خلقناكم لنتعبّدكم ونجازيكم على أعمالكم. وهو كالدّليل على البعث.

و في كتاب علل الشّرائع  بإسناده إلى جعفر بن محمّد بن عمّارة ، عن أبيه قال: سألت الصّادق جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- فقلت له: لم خلق اللّه الخلق؟ فقال:

إنّ اللّه- تبارك وتعالى- لم يخلق خلقه عبثا، ولم يتركهم سدى، بل خلقهم لإظهار قدرته، وليكلّفهم طاعته، فيستوجبوا بذلك رضوانه. وما خلقهم ليجلب منهم منفعة، ولا ليدفع بهم مضرّة، بل خلقهم لينفعهم، ويوصلهم إلى نعيم الأبد.

و بإسناده  إلى مسعدة بن زياد، قال: قال رجل لجعفر بن محمّد- عليهما السّلام-: يا أبا عبد اللّه، إنّا خلقنا للعجب! قال وما ذلك، للّه أنت!؟ قال: خلقنا للفناء. قال: مه! يا ابن أخ! خلقنا للبقاء. وكيف تفنى جنّة لا تبيد، ونار لا تخمد. ولكن قل: إنّما نتحوّل من دار إلى دار.

وَ أَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ :

معطوف على أَنَّما خَلَقْناكُمْ أو «عبثا».

و قرأ  حمزة والكسائيّ ويعقوب بفتح التّاء وكسر الجيم.

فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ: الّذي يحقّ له الملك مطلقا. فإنّ من عداه مملوك بالذّات، مالك بالعرض، من وجه دون وجه وفي حال دون حال.

لا إِلهَ إِلَّا هُوَ: فإنّ من عداه عبيد.

رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ : الّذي يحيط بالأجرام، وينزل منه محكمات الأقضية والأحكام. ولذلك وصفه بالكرم، أو لنسبته إلى أكرم الأكرمين.

و قرئ  بالرّفع، على أنّه صفة الرّبّ.وَ مَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ: يعبده إفرادا، أو إشراكا.

لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ:

صفة أخرى ل «إله»، لازمة له، فإنّ الباطل لا برهان له به. جي‏ء بها للتّأكيد وبناء الحكم عليه، تنبيها على أنّ التّديّن بما لا دليل عليه ممنوع، فضلا عمّا دلّ الدّليل على خلافه. أو اعتراض بين الشّرط والجزاء لذلك.

فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ فهو مجاز له، مقدار ما يستحقّه.

إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ : إنّ الشّأن.

و قرئ  بالفتح، على التّعليل أو الخبر. أي: حسابه عدم الفلاح.

بدأ السّورة بتقرير فلاح المؤمنين، وختمها بنفي الفلاح عن الكافرين. ثمّ أمر رسوله بأن يستغفره ويسترحمه فقال:

وَ قُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ