سورة النّحل الآية 21-40

أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ: أموات لا تعتريهم الحياة. أو أموات حالا أو مآلا غير أحياء بالذّات، ليتناول كلّ معبود. والإله ينبغي أن يكون حيّا بالذّات لا يعتريه الممات.

وَ ما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ : ولا يعلمون وقت بعثهم أو بعث عبدتهم، فكيف يكون لهم وقت جزاء على عبادتهم. والإله ينبغي أن يكون عالما بالغيوب، مقدّر للثّواب والعقاب.

إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ: تكرير للمدّعي بعد إقامة الحجّة.

فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ : بيان لما اقتضى إصرارهم بعد وضوح الحقّ، وذلك عدم إيمانهم بالآخرة. فإنّ المؤمن بها يكون طالبا للدّلائل متأمّلا فيما يسمع فينتفع به، والكافر بها يكون حاله بالعكس. وإنكار قلوبهم ما لا يعرف إلّا بالبرهان اتّباعا للأسلاف وركونا إلى المألوف، فإنّه ينافي النّظر والاستكبار عن اتّباع الرّسول وتصديقه والالتفات إلى قوله. والأوّل هو العمدة في الباب، فلذلك رتّب عليه ثبوت الآخرين.

لا جَرَمَ: حقّا.

أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ: فيجازيهم. وهو في موضع الرّفع «بجرم». لأنّه مصدر، أو فعل.

إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ : فضلا عن الّذين استكبروا عن توحيده واتّباع رسوله.

و في تفسير العيّاشي : عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سألته عن هذه الآية.

قال: الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ الأوّل والثّاني والثّالث، كذّبوا رسول اللّه بقوله: والوا عليّا واتّبعوه. فعادوا عليّا ولم يوالوه، ودعوا النّاس إلى ولاية أنفسهم. فذلك‏قول اللّه: الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ. قال: وأمّا قوله: لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً فإنّه يعني:

لا يعبدون شيئا. وَهُمْ يُخْلَقُونَ فإنّه يعني: وهم يعبدون.

و أمّا قوله: أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ، [يعني كفار غير احياء]  يعني: كفّار غير مؤمنين.

و أمّا قوله: وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ فإنّه يعني: أنّهم لا يؤمنون، أنّهم يشركون إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ. فإنّه، كما قال اللّه.

و أمّا قوله: فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ [فإنّه يعني: لا يؤمنون‏]  بالرّجعة أنّها حقّ.

و أمّا قوله: قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ [فإنّه‏]  يعني: قلوبهم كافرة.

و أمّا قوله: وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ فإنّه يعني: عن ولاية عليّ- عليه السّلام- [مستكبرون. قال اللّه لمن فعل ذلك، وعيدا منه. لا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ عن ولاية علي- عليه السّلام-] .

عن أبي حمزة الثّماليّ ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- مثله سواء.

 

عن مسعدة  قال: مرّ الحسين بن عليّ- عليه السّلام- بمساكين قد بسطوا كساء لهم، فألقوا عليه كسرا.

فقالوا: هلمّ، يا ابن رسول اللّه.

فثنى وركه، فأكل معهم. ثمّ تلا: إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني جعفر بن أحمد قال: حدّثنا عبد الكريم بن عبد الرّحيم، عن محمّد بن عليّ، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة الثّماليّ قال:

 

سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول في قوله- تعالى-: فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ، يعني: أنّهم لا يؤمنون بالرّجعة أنّها حق. قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ، يعني: أنّها كافرة. وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ، يعني: أنّهم عن ولاية عليّ مستكبرون. لا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ عن ولاية عليّ- عليه السّلام-.

و في روضة الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمّد، [و علي بن محمد، عن القاسم بن محمد]  عن سليمان بن داود المنقريّ، عن حفص بن غياث، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال: ومن ذهب يرى أنّ له على الآخر فضلا، فهو من المستكبرين.

فقلت له: إنّما يرى أنّ له عليه فضلا بالعافية  إذا رآه مرتكبا للمعاصي.

قال: هيهات هيهات، فلعلّه أن يكون قد غفر له ما أتى وأنت موقوف تحاسب .

أما تلوت قصّة سحرة موسى- صلوات اللّه عليه-.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ: القائل بعضهم على التّهكّم. أو الوافدون عليهم. أو المسلمون.

قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ ، أي: ما تدّعون نزوله، أو المنزل أساطير الأوّلين. وإنّما سمّوه: منزلا، على التّهكّم. أو على الفرض، أي: على تقدير أنّه منزل، فهو أساطير الأوّلين لا تحقيق فيه. والقائلون له قيل : هم المقتسمون.

لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ، أي: قالوا ذلك إضلالا للنّاس، فحملوا أوزار ضلالهم كاملة. فإنّ إضلالهم نتيجة رسوخهم في الضّلال.

وَ مِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ: وبعض أوزار ضلال من يضلّونهم. وهو حصّة التّسبّب.

بِغَيْرِ عِلْمٍ: حال من المفعول، أي: يضلّون من لا يعلم أنّهم ضلّال. وفائدتها الدّلالة على أنّ جهلهم لا يعذرهم، إذ كان عليهم أن يبحثوا ويميّزوا بين المحقّ والمبطل.

أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ : بئس شيئا يزرونه فعلهم.

و في تفسير العيّاشي : عن أبي حمزة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: نزّل جبرئيل- عليه السّلام- هذه الآية هكذا: وإذا قيل لهم ما ذا أنزل ربكم في علي قالوا أساطير الأولين لِيَحْمِلُوا، يعني: بني إسرائيل. [عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: وإذا قيل لهم ما ذا أنزل ربكم في علي قالوا أساطير الأولين، يعني: بني إسرائيل.] .

عن جابر ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: وإذا قيل لهم ما ذا أنزل ربكم في علي قالوا أساطير الأولين سجع  أهل الجاهليّة في جاهليّتهم. فذلك قوله:

أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ.

و أمّا قوله: لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ فانّه يعني: ليستكملوا  الكفر يوم القيامة.

و أمّا قوله: وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ، يعني: يتحمّلون كفر الّذين يتولّونهم. قال اللّه: أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ.

 [عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ، يعني ليستكملوا  الكفر يوم القيامة وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ، يعني: كفر الّذين يتولّونهم  قال اللّه- تعالى-: أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ‏] .

و في تفسير علي بن إبراهيم: قال: يحملون آثامهم، يعني: الّذين غصبوا أمير المؤمنين- عليه السّلام- وآثام كلّ من اقتدى بهم. وهو قول الصادق- عليه السّلام-: واللّه ما أهريقت محجمة  من دم ولا قرع عصا بعصا ولا غصب فرج حرام ولا أخذ مال من غير حلّه، إلّا ووزر ذلك في أعناقهما  من غير أن ينقص من أوزار العاملين شي‏ء.

حدّثني  أبي، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: خطب أمير المؤمنين- صلوات اللّه عليه- بعد ما بويع له بخمسة أيّام خطبة.

فقال فيها: اعلموا أنّ لكلّ حقّ طالبا ولكلّ دم ثائرا . والطّالب [بحقّنا] ، كقيام الثّائربدمائنا». والحاكم في حقّ نفسه، هو العادل الّذين لا يحيف. والحاكم الّذي لا يجور، فهو اللّه الواحد القهّار. واعلموا أنّ على كلّ شارع بدعة وزره ووزر كلّ مقتد من بعده، من غير أن ينقص من أوزار العاملين شي‏ء. وسينتقم اللّه من الظلمة، مأكلا بمأكل ومشربا بمشرب، من لقم العلقم  ومشارب الصبر  الأدهم. فليشربوا بالصّلب  من الرّاح السّمّ المذاق، وليلبسوا دثار الخوف دهرا طويلا، ولهم بكلّ ما أتوا وعملوا من أفاويق الصّبر الأدهم فوق ما أتوا وعملوا. أما إنّه لم يبق إلّا الزّمهرير من شتائهم ، وما لهم من الصّيف إلّا رقدة. ويحهم  ما تزوّدوا  وحملوا  على ظهورهم من الآثام، فيا مطايا الخطايا ويا زور الزّور  وأوزار الآثام  مع الّذين ظلموا.

اسمعوا واعقلوا وتوبوا وابكوا على أنفسكم ف سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ. فأقسم ثمّ أقسم ليتحمّلنّها بنو أميّة من بعدي وليعرفنّها في دار غيرهم عمّا قليل، فلا يبعد اللّه إلّا من ظلم وعلى البادي، يعني: الأوّل، ما سهل ، لهم من سبل الخطايا، مثل أوزارهم وأوزار كلّ من عمل بوزرهم إلى يوم القيامة. وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ.

و في مجمع البيان : روي عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه قال: أيّما داع دعا إلى الهدى فاتّبع، فله مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شي‏ء. وأيّما داع دعا إلى ضلالة فاتّبع، عليه مثل أوزار من اتّبعه من غير أن ينقص من أوزارهم.

قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، أي: سوّوا منصوبات وحيلا ليمكروا بها رسل اللّه.

فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ: فأتاها أمره من جهة العمد الّتي بنوا عليها بأن ضعضعت.فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ: فصار سبب هلاكهم.

وَ أَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ : لا يحتسبون ولا يتوقّعون.

قيل : هو على سبيل التّمثيل. وفي الأمثال: من حفر لأخيه جبّا، وقع فيه منكبّا.

و قيل : المراد به: نمرود بن كنعان. بنى الصّرح ببابل سمكه خمسة آلاف  ذراع ليترصّد أمر السّماء، فأهبّ اللّه الرّيح فخرّ عليه وعلى قومه، فهلكوا.

و في تفسير العيّاشي : عن الحسن  بن زياد الصّيقل، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ولم يعلم الّذين آمنوا فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ.

قال محمّد بن كليب ، عن أبيه قال: إنّما كان بيتا.

عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ.

قال: كان بيت غدر يجتمعون فيه إذا أرادوا الشّرّ.

عن أبي السّفاتج ، [عن كليب‏]  عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ. قال: [لا]  فأتى اللّه بيتهم من القواعد، وإنّما كان بيتا.

و في مجمع البيان : وروي عن أهل البيت- عليهم السّلام- فأتى الله بيتهم  من القواعد.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن محمّد بن أبي عمير، عن أبي أيّوب، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ‏

  (الآية). قال بيت  مكرهم، أي: ماتوا فألقاهم اللّه في النّار. وهو مثل لأعداء آل محمّد- عليهم السّلام-.

و في كتاب التّوحيد ، حديث طويل عن عليّ- عليه السّلام-. يقول فيه وقد سأله رجل عمّا اشتبه عليه من الآيات: وكذلك إتيانه  بنيانهم. قال- عزّ وجلّ-: فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ. فإتيانه [بنيانهم‏]  من القواعد إرسال العذاب [عليهم‏] .

و في كتاب الخصال : عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قام رجل إلى أمير المؤمنين- عليه السّلام- في الجامع بالكوفة. فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن يوم الأربعاء والتّطيّر منه وثقله. وأيّ أربعاء هو؟

فقال- عليه السّلام-: آخر أربعاء في الشّهر، وهو المحاق، وفيه قتل قابيل هابيل أخاه. ويوم الأربعاء القي إبراهيم في النّار. ويوم الأربعاء خر عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ. (الحديث).

و في عيون الأخبار ، مثله سواء.

 

ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ: يذلّهم. أو يعذّبهم بالنّار، لقوله: رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ.

وَ يَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ: أضافه إلى نفسه استهزاء، أو حكاية لإضافتهم زيادة في توبيخهم.

الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ: تعادون المؤمنين في شأنهم.

و قرأ  نافع، بكسر النّون، بمعنى: أي تشاقّونني فإن مشاقّة المؤمنين، كمشاقّة اللّه.

قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ.

قيل : أي: الأنبياء، أو العلماء الّذين كانوا يدعونهم إلى التّوحيد فيشاقّونهم‏و يتكبّرون عليهم، أو الملائكة.

إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ: الذّلّة والعذاب.

عَلَى الْكافِرِينَ .

و في تفسير عليّ بن إبراهيم  الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الأئمّة. يقولون لأعدائهم:

أين شركاؤكم ومن أطعتموهم في الدّنيا.

و فائدة قولهم: إظهار الشّماتة وزيادة الإهانة، وحكايته لأن يكون لطفا لمن سمعه.

الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ وقرأ  حمزة، بالياء.

و قرئ ، بإدغام التّاء في التّاء. وموضع الموصول يحتمل الأوجه الثّلاثة.

ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ: بأن عرّضوها للعذاب المخلّد.

فَأَلْقَوُا السَّلَمَ: فسالموا وأخبتوا حين عاينوا العذاب، أو الموت.

ما كُنَّا: قائلين ما كنا.

نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ: كفر وعدوان. جحدوا ما عملوا منهما.

قيل : ويجوز أن يكون تفسيرا «للسّلم». على أنّ المراد به: القول الدّال على الاستسلام.

بَلى: ردّ عليهم من أولي العلم.

إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ : وهو يجازيكم عليه. وهذا- أيضا- من الشّماتة.

و قيل : قوله: فَأَلْقَوُا السَّلَمَ (إلى آخر الآية) استئناف ورجوع إلى شرح حالهم يوم القيامة. وعلى هذا أوّل من لم يجوّز الكذب يومئذ ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بأنّا لم نكن في زعمنا واعتقادنا عاملين سوءا. واحتمل أن يكون الرّادّ عليهم هو اللّه- تعالى- والملائكة.

فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ‏قيل : كلّ صنف بابها المعدّ له.

و قيل : أبواب جهنّم أصناف عذابها.

خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ : جهنم.

وَ قِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا، يعني: المؤمنين.

ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً، أي: أنزل خيرا.

و في نصبه دليل على أنّهم لم يتلعثموا في الجواب، وأطبقوه على السّؤال معترفين بالإنزال على خلاف الكفرة.

و نقل : أنّ أحياء العرب كانوا يبعثون أيّام الموسم من يأتيهم بخبر النّبيّ. فإذا جاء الوافد : المقتسمين قالوا له ما قالوا. وإذا جاء المؤمنين، قالوا له ذلك.

لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ: مكافأة في الدّنيا.

وَ لَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ، أي: ولثوابهم في الآخرة خير منها. وهو عدة للّذين اتّقوا على قولهم.

و يجوز أن يكون بما بعده حكاية لقولهم، بدلا وتفسيرا «لخيرا» على أنّه منتصب «بقالوا».

وَ لَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ : دار الآخرة، فحذفت لتقدّم ذكرها. وقوله:

جَنَّاتُ عَدْنٍ: خبر مبتدأ محذوف. ويجوز أن يكون المخصوص بالمدح.

يَدْخُلُونَها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ: من أنواع المشتهيات. وفي تقديم الظّرف تنبيه على أنّ الإنسان لا يجد جميع ما يريده إلّا في الجنّة.

كَذلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ ، مثل هذا الجزاء يجزيهم فيها.

و في أمالي الصّدوق : عن أمير المؤمنين- عليه السّلام-: عليكم بتقوى اللّه، فإنّها تجمع الخير ولا خير غيرها، ويدرك بها من الخير مالا يدرك بغيرها من خير الدّنيا والآخرة.

قال اللّه- عزّ وجلّ-: وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا وتلا هذه الآية.

و في تفسير العيّاشي : ابن مسكان، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قوله:وَ لَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ الدّنيا.

الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ قيل : أي: طاهرين من ظلم أنفسهم بالكفر والمعاصي. لأنّه في مقابلة «ظالمي أنفسهم».

و قيل : فرحين ببشارة الملائكة إيّاهم بالجنّة. أو طيّبين بقبض أرواحهم لتوجّه نفوسهم بالكلّيّة إلى حضرة القدس.

يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ: لا يحيقكم بعد مكروه.

ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ : حين تبعثون، فإنّها معدّة لكم على أعمالكم.

و قيل : هذا التّوفّي وفاة الحشر، لأنّ الأمر بالدّخول حينئذ.

و في كتاب التّوحيد ، حديث طويل عن عليّ- عليه السّلام-. يقول فيه وقد سأله رجل عمّا اشتبه عليه من الآيات. وأما قوله: يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ.

و قوله: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها. وقوله: تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ. وقوله:

الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ. وقوله: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ فإنّ اللّه- تبارك وتعالى- يدبّر الأمور كيف يشاء، ويوكل من خلقه [من يشاء بما يشاء، أمّا ملك الموت فإن اللّه يوكّله بخاصّة من يشاء من خلقه ويوكّل رسله من الملائكة خاصّة بمن يشاء من خلقه والملائكة الّذين سمّاهم اللّه- عزّ ذكره- وكلّهم بخاصّة من يشاء من خلقه. إنّه- تبارك وتعالى-]  يدبّر الأمور كيف يشاء. وليس كلّ العلم يستطيع صاحب العلم أن يفسّره لكلّ النّاس لأنّ فيهم القويّ والضعيف، ولأنّ منه ما يطاق حمله ومنه ما لا يطاق حمله إلّا لمن سهّل اللّه له  حمله وأعانه عليه من خاصّة أوليائه.

و إنّما يكفيك أن تعلم أنّ اللّه هو المحيي والمميت وأنّه يتوفّى الأنفس على يد من يشاء من خلقه من ملائكة وغيرهم.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رضي اللّه عنه-: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام-

 حديث طويل. يقول مجيبا لبعض الزّنادقة- وقد قال: أجد اللّه- تعالى- يقول: يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ  واللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها  والَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ  وما أشبه ذلك. فمرّة يجعل الفعل لنّفسه ومرّة لملك الموت ومرّة للملائكة-: فأمّا قوله - عزّ وجلّ-: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها. وقوله يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ. وتَوَفَّتْهُ رُسُلُنا والَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ. والَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فهو- تبارك وتعالى- أجلّ وأعظم من أن يتولّى ذلك بنفسه، وفعل رسله وملائكته فعله لأنّهم بأمره يعملون. فاصطفى- تعالى ذكره- من الملائكة رسلا وسفرة بينه وبين خلقه، وهم الّذين قال اللّه فيهم: اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ. فمن كان من أهل الطّاعة تولّت قبض روحه ملائكة الرّحمة، ومن كان من أهل المعصية تولّت قبض روحه ملائكة العذاب والنّقمة. ولملك الموت أعوان من ملائكة الرّحمة والنّقمة يصدرون عن أمره، وفعلهم فعله، وكلّ ما يأتونه منسوب إليه. وإذا كان فعلهم فعل ملك الموت وفعل ملك الموت فعل اللّه لأنّه يتوفّى الأنفس على يد من يشاء ويعطى ويمنع ويثيب.

و في من لا يحضره الفقيه : وسئل الصّادق- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-:

 [اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها  وعن قول اللّه- عزّ وجلّ- قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ  وعن قول اللّه- عزّ وجلّ-]  الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ والَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ  وعن قول اللّه- عزّ وجلّ-: تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا  وعن قوله- عزّ وجلّ-: وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ  وقد يموت [في الدنيا]  في الساعة الواحدة في جميع الآفاق ما لا يحصيه إلّا اللّه- عزّ وجلّ-. فكيف هذا؟

فقال: إنّ اللّه- تبارك وتعالى- جعل لملك الموت أعوانا من الملائكة يقبضون‏الأرواح، بمنزلة صاحب الشّرطة له أعوان من الأنس يبعثهم في حوائجه. فتتوفاهم  الملائكة، ويتوفّاهم ملك الموت من الملائكة مع ما يقبض هو، ويتوفّاها اللّه- تعالى- من ملك الموت.

و في أمالي شيخ الطّائفة - قدّس سرّه-، بإسناده إلى أمير المؤمنين حديث طويل.

 

يقول فيه- عليه السّلام-: إنّه ليس من أحد من النّاس تفارق روحه جسده حتّى يعلم إلى أيّ المنزلين  يصير، إلى الجنّة أم إلى النّار، أعدوّ هو للّه أو وليّ. فإن كان وليّا [للّه‏]  فتحت له أبواب الجنّة وشرع طرقها، ونظر إلى ما أعدّ اللّه له فيها، ففرغ من كلّ شغل ووضع عنه كلّ ثقل. وإن كان عدوّا للّه فتحت له أبواب النّار وشرع له طرقها، ونظر إلى ما أعدّ اللّه له فيها، فاستقبل كلّ مكروه وترك كلّ سرور . كلّ هذا يكون عند الموت، وعنده يكون بيقين. قال اللّه- تعالى-: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ- إلى قوله- فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ.

و يقول - عليه السّلام- أيضا: عليكم بتقوى اللّه، فإنّها تجمع الخير ولا خير غيرها، ويدرك بها من الخير ما لا يدرك بغيرها من خير الدّنيا والآخرة. قال اللّه- عزّ وجلّ-: وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا (الآية).

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله: طَيِّبِينَ. قال: هم المؤمنون الّذين طابت مواليدهم [في الدنيا] .

و فيه  قوله: الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ. قال: [البشرى‏]  في الحياة الدّنيا  الرّؤيا الحسنة يراها المؤمن، وفي الآخرة عند الموت. وهو قوله: تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ.

ْ يَنْظُرُونَ‏

: ما ينتظر الكفّار المارّ ذكرهم.

َّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ

: لقبض أرواحهم.

و قرأ  حمزة والكسائي، بالياء.

ْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ‏

: القيامة. أو العذاب المستأصل.

لِكَ‏

، مثل ذلك الفعل من الشّرك والتّكذيب.

َلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ‏

: فأصابهم ما أصابهم.

ما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ‏

: بتدميرهم.

لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ‏

 : بكفرهم، ومعاصيهم المؤدّية إليه.

فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا، أي: جزاء سيّئات أعمالهم. على حذف المضاف، أو تسمّية الجزاء باسمها.

وَ حاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ : وأحاط بهم جزاؤه. والحيق لا يستعمل إلّا في الشّرّ.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ من العذاب في الرّجعة.

وَ قالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْ‏ءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْ‏ءٍ: إنّما قالوا ذلك استهزاء أو منعا للبعثة والتّكليف، متمسّكين بأنّ ما شاء اللّه يجب وما لم يشأ يمتنع، فما الفائدة فيهما. أو إنكارا لقبح ما أنكر عليهم من الشّرك وتحريم البحائر ونحوها، محتجّين بأنّها لو كانت مستقبحة لما شاء اللّه صدورها عنهم وشاء خلافه، ملجئا إليه لا اعتذارا إذ لم يعتقدوا قبح أعمالهم.

كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ: فأشركوا باللّه، وحرموا حلّه، وردّوا رسله.

فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ : الموضح للحقّ.

وَ لَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ: يأمر بعبادة اللّه واجتناب الطّاغوت.

فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ: وفّقهم للإيمان بإرشادهم.

وَ مِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ: إذ لم يوفّقهم، لتصميمهم على الكفر.

و في تفسير العيّاشي : عن خطّاب بن مسلمة قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام-:

 ما بعث اللَّه نبيّا قطّ إلّا بولايتنا والبراءة من عدوّنا. وذلك قول اللّه- عزّ وجلّ- في كتابه:

وَ لَقَدْ بَعَثْنا (الآية) إلى قوله: عَلَيْهِ الضَّلالَةُ، يعني بتكذيبهم آل محمّد- صلوات اللّه عليهم-.

فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ: يا معشر قريش.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم  [أي: انظروا]  في أخبار من هلك قبله.

فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ : من عاد وثمود وغيرهم. لعلّكم تعتبرون.

إِنْ تَحْرِصْ: يا محمّد.

عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ: من يخذله، وهو المعنيّ: بمن حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ.

وَ ما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ : من ينصرهم ويدفع العذاب عنهم.

وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ: عطف على وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا إيذانا بأنّهم، كما أنكروا التّوحيد أنكروا البعث، مقسمين عليه زيادة في البتّ على فساده. ولقد ردّ اللّه عليهم أبلغ ردّ فقال: «بلى»: يبعثهم.

وَعْداً: مصدر مؤكّد لنفسه، وهو ما دلّ عليه «بلى». فإنّ «يبعث» موعد من اللّه.

عَلَيْهِ: إنجازه لامتناع الخلف في وعده أو لأنّ البعث مقتضي حكمته.

حَقًّا: صفة أخرى للوعد.

وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ : أنّهم يبعثون. إمّا لعدم علمهم بأنّهم من مواجب الحكمة الّتي جرت عادته بمراعاتها، وإمّا لقصور نظرهم بالمألوف فيتوهّمون امتناعه.

ثمّ أنّه- تعالى- بيّن الأمرين، فقال: لِيُبَيِّنَ لَهُمُ، أي: يبعثهم ليبيّن لهم.

الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ: وهو الحقّ.

وَ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ : فيما كانوا يزعمون. وهو إشارة إلى السّبب الدّاعي إلى البعث المقتضي له من حيث الحكمة، وهو التّميز بين الحقّ‏و الباطل والمحقّ والمبطل بالثّواب والعقاب.

ثمّ قال: إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْ‏ءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ : وهو بيان إمكانه وتقريره، أنّ تكوين اللّه بمحض قدرته ومشيئته لا توقف له على سبق الموادّ والمدد والإلزام والتّسلسل. فكما أمكن له تكوين الأشياء ابتداء بلا سبق مادّة ومثال، أمكن له تكوينها إعادة بعده.

و نصب ابن عامر والكسائي هنا وفي بس «فيكون» عطفا على «نقول»، أو جوابا للأمر.

و في تفسير العيّاشي : عن صالح بن ميثم قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه: وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً.

قال: [ذلك حين يقول- عليه السّلام-: أنا أولى النّاس‏]  بهذه الآية وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ- إلى قوله-: كاذِبِينَ.

عن سيرين ، قال: كنت عند أبي عبد اللّه- عليه السّلام- إذ قال: ما يقول النّاس في هذه الآية وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ؟

قال: يقولون: لا قيامة ولا بعث ولا نشور .

فقال: كذبوا، واللّه، إنّما ذلك إذا قام القائم- عليه السّلام- وكرّ معه المكرّون.

فقال أهل خلافكم: قد ظهرت دولتكم، يا معشر الشّيعة، وهذا من كذبكم، يقولون:

رجع فلان [و فلان‏]  وفلان تعظيما ، لا واللّه لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ. ألا ترى أنّه  قال : وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ. كان المشركون أشدّ تعظيما  للّات والعزّى من أن يقسموا بغيرها، فقال اللّه: بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا (الآية).

و في روضة الكافي : عن سهل، عن محمّد، عن أبيه، عن أبي بصير قال: قلت‏لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: قوله- تبارك وتعالى-: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ (الآية).

قال: فقال لي: يا أبا بصير، ما تقول في هذه الآية؟

قال: قلت: إنّ المشركين يزعمون ويحلفون لرسول اللّه [إنّ اللّه‏]  لا يبعث الموتى.

قال: فقال: تبّا لمن قال هذا. سلهم هل كان المشركون يحلفون باللّه أم باللّات والعزّى؟

قال: قلت: جعلت فداك، فأوجدنيه.

قال: فقال : يا أبا بصير، لو  قد قام قائمنا بعث اللّه قوما من شيعتنا قباع سيوفهم  على عواتقهم. فيبلغ ذلك قوما من شيعتنا لم يموتوا فيقولون: [بعث فلان وفلان من قبورهم، وهم مع القائم. فيبلغ ذلك قوما من عدوّنا فيقولون:]  يا معشر، الشّيعة، ما أكذبكم  هذه دولتكم وأنتم تقولون فيها الكذب، لا واللّه ما عاش هؤلاء ولا يعيشون إلى يوم القيامة.

قال: فحكى  اللّه قولهم، فقال: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ (الآية). فإنّه حدّثني أبي، عن بعض رجاله رفعه  إلى أبي عبد اللّه قال: ما يقول النّاس فيها؟

قال: يقولون: نزلت في الكفّار.

قال: إنّ الكفّار لا يحلفون باللّه، وإنّما نزلت في قوم من أمّة محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-. قيل لهم: ترجعون  بعد الموت قبل القيامة فيحلفون  أنّهم لا يرجعون، فردّ اللّه عليهم فقال: لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ، يعني:في الرّجعة، يردّهم فيقتلهم ويشفي صدور المؤمنين منهم .

 [قال- عزّ من قائل-: إنما أمرنا لِشَيْ‏ءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ.] .