سورة النّحل الآية 41-60

وَ الَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا قيل : هم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وأصحابه المهاجرون، ظلمهم قريش فهاجر بعضهم إلى الحبشة ثمّ إلى المدينة، وبعضهم إلى المدينة. أو المحبوسون المعذّبون بمكّة بعد هجرة رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-. وهم بلال وصهيب وخبّاب وعمّار وعابس وأبو جندل وسهيل. وقوله: «في اللّه»، أي: في حقّه ولوجهه.

لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً: مباءة حسنة، وهي المدينة حيث آواهم الأنصار ونصروهم أو تبوئة حسنة.

و في مجمع البيان : وروي عن عليّ «لنثوّئنّهم» بالثّاء المثلثة .

وَ لَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ: ممّا يعجّل لهم في الدّنيا.

لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ : الضّمير للكفّار، أي: لو علموا أنّ اللّه يجمع  لهؤلاء المهاجرين خير الدّارين لوافقوهم، أو للمهاجرين [، أي: لو علموا ذلك لزادوا في اجتهادهم وصبرهم الَّذِينَ صَبَرُوا: على الشّدائد،]  كأذى الكفرة ومفارقة الوطن.

و محله النّصب، أو الرّفع على المدح.

وَ عَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ : منقطعين إلى اللّه، مفوّضين إليه الأمر كلّه.

وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ قيل : ردّ لقول قريش: اللّه أعظم من أن يكون رسوله بشرا، أي: جرت السّنّة الإلهيّة بأن لا يبعث للدّعوة العامّة إلّا بشرا يوحى إليه على ألسنة الملائكة. والحكمة في ذلك قد ذكرت في سورة الأنعام عن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ.

قيل : أهل الكتاب، أو علماء الأحبار، ليعلّموكم.

إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ .

قيل : وفي الآية دليل على أنّه- تعالى- لم يرسل امرأة ولا صبية للدّعوة  العامّة. وأما قوله: جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا معناه: رسلا إلى  الملائكة، إلى الأنبياء.

و قيل : لم يبعثوا إلى الأنبياء إلّا متمثلّين بصورة الرّجال. وردّ بما نقل : أنّه- عليه السّلام- رأى جبرئيل- عليه السّلام- على صورته الّتي هو عليها مرّتين.

و على وجوب المراجعة إلى العلماء فيما لا يعلم.

و في أصول الكافي : محمّد، عن أحمد، عن ابن فضّال، عن ابن بكير ، عن مره بن الطّيّار أنّه عرض على أبي عبد اللّه- عليه السّلام- بعض خطب أبيه، حتّى إذا بلغ موضعا منها فقال له: كفّ واسكت.

ثمّ قال  أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: لا يسعكم فيما ينزل بكم ممّا لا تعلمون، إلّا الكفّ عنه والتّثبّت والرّدّ إلى  الائمّة الهدى. حتّى يحملوكم فيه على القصد، ويجلوا عنكم فيه العمى، ويعرّفوكم فيه الحقّ. قال اللّه- تعالى-: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ.

الحسين بن محمّد ، عن معلى بن محمّد، عن الوشّاء، عن عبد اللّه عجلان، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ.

قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: الذّكر أنا، والأئمّة- عليهم السّلام- أهل الذّكر.

الحسين [بن محمّد ، عن معلى بن محمّد بن أورمة، عن عليّ بن حسّان، عن‏

 عمّه، عبد الرّحمن‏]  بن كثير قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ.

قال: الذّكر محمّد- صلّى اللّه عليه وآله-. ونحن أهله  المسئولون.

الحسين بن محمّد ، عن معلى بن محمّد، عن الوشّاء قال: سألت الرّضا- عليه السّلام- فقلت : جعلت فداك فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ.

فقال: نحن أهل الذّكر، ونحن المسئولون.

فقلت: أنتم المسئولون ونحن السّائلون؟

قال: نعم.

قلت: حقّا علينا أن نسألكم؟

قال: نعم.

قلت: حقّا عليكم أن تجيبونا؟

قال: لا ذاك  إلينا، إن شئنا فعلنا وإن شئنا لم نفعل. ألم تسمع قول اللّه- تبارك وتعالى-: هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ.

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النّضر بن سويد، عن عاصم بن حميد، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ. فرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- الذّكر. وأهل بيته- عليهم السّلام- المسئولون، وهم أهل الذّكر.

محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل، عن منصور بن يونس، عن أبي بكر الحضرميّ قال: كنت عند أبي جعفر- عليه السّلام- ودخل عليه الورد، أخو الكميت.

فقال: جعلني اللّه فداك، اخترت لك سبعين مسألة له تحضرني منها مسألة واحدة.قال: ولا واحدة، يا ورد.

قال: بلى، قد حضرني منها واحدة.

قال: وما هي؟

قال: قول اللّه- تبارك وتعالى-: «فاسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون». من هم؟

قال: نحن.

قال: قلت: علينا أن نسألكم؟

قال: نعم.

قلت: عليكم أن تجيبونا؟

قال: ذاك إلينا.

محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين، عن صفوان بن يحيى، عن العلى بن رزين، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ من عندنا يزعمون أنّ قول اللّه- عزّ وجلّ-: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ أنّهم اليهود والنّصارى.

قال: إذا يدعونكم إلى دينهم. ثمّ قال  بيده إلى صدره : [قال و]  نحن أهل الذّكر، ونحن المسئولون.

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن الوشّاء، عن أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: قال عليّ بن الحسين- عليه السّلام-: على الأئمّة من الفرض ما ليس على شيعتهم، وعلى شيعتنا ما ليس علينا، أمرهم اللّه- عزّ وجلّ- أن يسألونا.

قال: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ. فأمرهم أن يسألونا وليس علينا الجواب، إن شئنا أجبنا وإن شئنا أمسكنا.

أحمد بن محمّد  [عن أحمد بن محمد]  بن أبي نصر قال: كتبت إلى الرّضا- عليه السّلام- كتابا. فكان في بعض ما كتبت: قال اللّه- عزّ وجلّ-:فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ. وقال اللّه: وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ. فقد فرضت عليهم المسألة، ولم يفرض عليكم الجواب؟

قال: قال اللّه- تبارك وتعالى-: فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ .

محمّد بن الحسين وغيره ، عن سهل، عن  محمّد بن عيسى ومحمّد بن يحيى ومحمّد بن الحسين جميعا، عن محمّد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر وعبد الكريم بن عمرو، عن عبد الحميد بن أبي الدّيلم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- ونقل حديثا طويلا. وفيه يقول- عليه السّلام-: وقال اللّه- عزّ وجلّ-: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ.

قال: الكتاب [هو]  الذّكر. وأهله آل محمّد- عليهم السّلام-. أمر اللّه- عزّ وجلّ- بسؤالهم، ولم يؤمروا بسؤال الجهّال. وسمّى اللّه- عزّ وجلّ القرآن- ذكرا، فقال- تبارك وتعالى-: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ.

و في عيون الأخبار ، في باب ذكر مجلس الرّضا- عليه السّلام- مع المأمون في الفرق بين العترة والأمّة حديث طويل. وفيه قالت العلماء: فأخبرنا، هل فسّر اللّه- تعالى- الاصطفاء في الكتاب؟

فقال الرّضا- عليه السّلام-: فسّر الاصطفاء في الظّاهر سوى الباطن في اثني عشر موطنا وموضعا. فأوّل ذلك قوله- عزّ وجلّ-.

إلى أن قال: وأمّا التّاسعة، فنحن أهل الذّكر الّذين قال اللّه- تعالى-:

فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ. فنحن أهل الذّكر فاسألونا إن كنتم لا تعلمون.

فقالت العلماء: إنّما عنى بذلك: اليهود والنّصارى.فقال أبو الحسن- عليه السّلام-: سبحان اللّه، وهل يجوز ذلك؟

إذا يدعونا إلى دينهم ويقولون : إنّه أفضل من دين الإسلام.

فقال المأمون: فهل عندك في ذلك شرح بخلاف ما قالوه . يا أبا الحسن؟

فقال- عليه السّلام-: نعم، الذّكر رسول اللّه ونحن أهله. وذلك بيّن في كتاب اللّه- عزّ وجلّ- حيث يقول في سورة الطّلاق: فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً، رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللَّهِ مُبَيِّناتٍ  فالذّكر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ونحن أهله. فهذه التّاسعة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثنا محمّد بن جعفر [قال: حدّثنا عبد اللّه بن محمّد،]  عن أبي داود، عن سليمان بن سفيان . عن ثعلبة، عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ من المعنيّون  بذلك؟

فقال: نحن، واللّه.

فقلت: فأنتم المسئولون؟

قال: نعم.

قلت: ونحن السّائلون؟

قال: نعم.

قلت: فعلينا أن نسألكم؟

قال: نعم.

قلت: وعليكم أن تجيبونا؟

قال: ذلك إلينا، إن شئنا فعلنا وإن شئنا تركنا. ثمّ قال: هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ.

و في روضة الكافي : حدّثني عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن فضّال، عن‏

 

حفص المؤذّن، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال في رسالة طويلة إلى أصحابه: واعلموا أنّه ليس من علم اللّه ولا من  أمره، أن يأخذ أحد من خلق اللّه في دينه بهوى ولا رأي ولا مقائيس. فقد أنزل اللّه القرآن، وجعل فيه تبيان كلّ شي‏ء، وجعل للقرآن وتعلّم القرآن أهلا، لا يسع أهل علم القرآن الّذين آتاهم اللّه علمه أن يأخذوا فيه بهوى ولا رأي ولا مقايس، أغناهم اللّه عن ذلك بما آتاهم من علمه وخصّهم به ووضعه عندهم، كرامة من اللّه أكرمهم بها. وهم أهل الذّكر الّذين أمر اللّه هذه الأمّة بسؤالهم، وهم الّذين من سألهم- وقد سبق في علم اللّه أن يصدّقهم ويتّبع أثرهم- أرشدوه وأعطوه من علم القرآن ما يهتدى به إلى اللّه بإذنه إلى جميع سبل الحقّ. وهم الّذين لا يرغب عنهم وعن مسألتهم وعن علمهم ، الّذين أكرمهم اللّه به وجعله عندهم، إلّا من سبق عليه في علم اللّه الشّقاء في أصل الخلق تحت الأظلّة، فأولئك الّذين يرغبون عن سؤال أهل الذّكر.

و الّذين آتاهم [اللّه‏]  علم القرآن ووضعه عندهم وأمر بسؤالهم. وأولئك الّذين يأخذون بأهوائهم  ومقاييسهم حتّى دخلهم الشّيطان، لأنّهم جعلوا أهل الإيمان في علم القرآن عند اللّه كافرين، وجعلوا أهل الضّلالة في علم القرآن عند اللّه مؤمنين . وحتّى جعلوا ما أحلّ اللّه في كثير من الأمر حراما، وجعلوا ما حرّم اللّه في كثير من الأمر حلالا، فذلك أصل ثمرة أهوائهم.

و فيها خطبة  لأمير المؤمنين- عليه السّلام- وهي الخطبة الطّالوتية. قال فيها- عليه السّلام-: إذا ذكر الأمر سألتم أهل الذّكر. فإذا أفتوكم، قلتم: هو العلم بعينه. فكيف وقد تركتموه ونبذتموه وخالفتموه.

و في تفسير العيّاشي : عن أحمد بن محمّد بن أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- قال: كتب إليّ إنّما  شيعتنا من تابعنا ولم يخالفنا، وإذا خفنا خاف، وإذا أمنا أمن.قل اللّه: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ. [قال:]  فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ (الآية). فقد فرضت  عليكم المسألة والرّدّ إلينا، ولم يفرض علينا الجواب.

بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ، أي: أرسلناهم بالبيّنات والزّبر، أي: المعجزات والكتب، كأنّه جواب قائل: بم أرسلوا؟

و يجوز أن يتعلّق ب «ما أرسلنا» داخلا في الاستثناء مع «رجالا»، أي: وما أرسلنا إلّا رجالا بالبيّنات. أو «بنوحي»، كقولك: ما ضربت إلّا زيدا بالسّوط. أو صفة لهم، أي: رجالا ملتبسين بالبيّنات. أو «بنوحي» على المفعوليّة، أو الحال من القائم مقام فاعله. على أن قوله: «فاسألوا» اعتراض. أو ب «لا تعلمون» على أنّ الشّرط للتّبكيت والإلزام.

وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ، أي: القرآن. وإنّما سمّي ذكرا، لأنّه موعظة وتنبيه .

لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ: في الذّكر، بتوسّط إنزاله إليك ممّا  أمروا به ونهوا عنه، أو  ممّا تشابه عليهم.

وَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ : وإرادة أن يتأمّلوا فيه فيتنبّهوا للحقائق.

أَ فَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ، أي: المكرات السّيّئات. وهم الّذين احتالوا لهلاك الأنبياء، أو الّذين مكروا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وراموا صدّ أصحابه عن الإيمان.

أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ: كما خسف بقارون.

أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ : بغتة من جانب السّماء، كما فعل بقوم لوط.

أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ، أي: متقلّبين في مسايرهم ومتاجرهم.

فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ  أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ: على مخافة بأن يهلك قوما قبلهم، فيتخوّفوا فيأتيهم العذاب وهم متخوّفون. أو على أن ينقصهم شيئا فشيئا في‏أنفسهم وأموالهم حتّى يهلكوا. من تخوّفته: إذا تنقّصته.

و في تفسير العيّاشي : عن إبراهيم بن عمر، عمّن سمع أبا جعفر- عليه السّلام- يقول: إنّ عهد نبيّ اللّه صار عند عليّ بن الحسين، ثمّ صار عند محمّد بن عليّ، ثمّ يفعل اللّه ما يشاء. فألزم هؤلاء. فإذا خرج رجل منهم معه ثلاثمائة رجل ومعه راية رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- عامدا إلى المدينة حتّى يمرّ بالبيداء، فيقول: هذا مكان القوم الّذين خسف بهم وهي الآية الّتي قال اللّه: أَ فَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ- إلى قوله-: فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ.

عن ابن سنان ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- سئل عن قول اللّه: أَ فَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ.

قال: هم أعداء اللّه، وهم يمسخون ويقذفون ويسيحون في الأرض.

و في روضة الكافي ، كلام لعليّ بن الحسين- عليه السّلام- في الوعظ والزّهد في الدّنيا: ولا تكونوا من الغافلين المائلين إلى زهرة الدّنيا، الّذين مكروا السيّئات. [فإنّ اللّه يقول في محكم كتابه: أَ فَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ‏]  أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ. [أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون أو يأخذهم في تقلّبهم فما هم، بمعجزين أو يأخذهم على تخوّف‏]  فاحذروا ما حذّركم اللّه بما فعل بالظّلمة في كتابه، ولا تأمنوا أن ينزل بكم بعض  ما توعّد به القوم الظّالمين في الكتاب. واللّه، لقد وعظكم اللّه في كتابه بغيركم. فإنّ السّعيد من وعّظ بغيره.

فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ : حيث لا يعاجلكم بالعقوبة.

أَ وَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْ‏ءٍ: استفهام إنكار، أي: قد رأوا أمثال هذه الصّنائع، فما بالهم لم يتفكّروا فيها؟ ليظهر لهم كمال قدرته وقهره، فيخافوا منه.

و «ما» موصولة مبهمة، بيانها يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ، أي: أو لم ينظروا إلى المخلوقات الّتي لها ظلال متفيّئة.

و قرأ  حمزة والكسائي: «تروا» بالتّاء. وأبو عمرو: «تتفيّؤ» بالتّاء.عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ، أي: عن أيمانها وعن شمائلها، أي: عن جانبي كلّ واحد منها. استعارة من يمين الإنسان وشماله.

و لعلّ توحيد «اليمين» وجمع «الشّمائل» باعتبار اللّفظ والمعنى، كتوحيد الضّمير في «ظلاله» وجمعه في قوله: سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ . وهما حالان من الضّمير في «ظلاله».

و المراد من السّجود، الاستسلام، سواء كان بالطّبع أو الاختيار. يقال: سجدت النّخلة: إذا مالت، لكثرة الحمل. وسجد البعير: إذا طأطأ رأسه، ليركب.

أو و«سجّدا» حال من «الظّلال»، «و هم داخرون» حال من الضّمير، والمعنى: يرجع الظّلال، بارتفاع الشّمس وانحدارها باختلاف مشارقها ومغاربها، بتقدير اللّه- تعالى- من جانب إلى جانب منقادة لما قدّر لها من التّفيّؤ. أو واقعة على الأرض ملتصقة بها على هيئة السّاجد. والأجرام في أنفسها- أيضا- داخرة، أي: صاغرة منقادة لأفعال اللّه- تعالى- فيها.

و جمع «داخرون» بالواو، لأنّ من جملتها من يعقل، أو  لأنّ الدّخور من أوصاف العقلاء.

و قيل : المراد باليمين والشّمائل: يمين الفلك، وهو جانبه الشّرقي، لأنّ الكواكب تظهر منه آخذة في الارتفاع والسّطوع. و[شماله، وهو]  الجانب الغربي المقابل له [من الأرض‏] . فإنّ الظّلال في أوّل النّهار تبتدئ من المشرق واقعة على الرّبع الغربي، وعند الزّوال تبتدئ من المغرب واقعة على الرّبع الشّرقي من الأرض.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: تحويل كلّ ظلّ خلقه اللّه فهو سجود للّه. لأنّه ليس شي‏ء إلّا له ظلّ يتحرّك يتحريكه، وتحويله  سجوده.

وَ لِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ، أي: ينقاد انقيادا. يعمّ الانقياد لإرادته وتأثيره طبعا، والانقياد لتكليفه وأمره طوعا. ليصحّ إسناده إلى عامّة أهل السّماوات والأرض. وقوله: مِنْ دابَّةٍ: بيان لهما. لأنّ الدّبيب: هو الحركةالجسمانيّة، سواء كان في أرض أو سماء.

وَ الْمَلائِكَةُ: عطف على المبيّن به عطف جبرئيل على الملائكة، للتّعظيم.

أو عطف المجرّدات على الجسمانيّات، وبه احتجّ من قال: إنّ الملائكة أرواح مجرّدة.

أو بيان لما في الأرض، والملائكة لما في السّماوات وتعيين له، أجلالا وتعظيماً.

أو المراد بها: ملائكتها من الحفظة وغيرهم.

و «ما» لمّا استعمل للعقلاء، كما استعمل لغيرهم، كان استعماله حيث اجتمع القبيلان أولى من إطلاق «من» تغليبا للعقلاء.

وَ هُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ : من عبادته.

يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ: يخافونه أن يرسل عليهم عذابا من فوقهم. أو يخافونه وهو فوقهم بالقهر، كقوله: وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ.

و الجملة حال من الضّمير في «لا يستكبرون». أو بيان له وتقرير، لأنّ من خاف اللّه لم يستكبر عن عبادته.

وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ : من الطّاعة والتّدبير. وفيه دليل على أنّ الملائكة مكلّفون، مدارون بين الخوف والرّجاء.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: الملائكة ما قدّر اللّه لهم يمرّون فيه.

و في مجمع البيان : قد صحّ عن النبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه  قال: إنّ للّه ملائكة في السّماء السّابعة سجودا منذ خلقهم إلى يوم القيامة، ترعد فرائصهم من مخافة اللّه، لا تقطر من دموعهم قطرة إلا صارت ملكا. فإذا كان يوم القيامة، رفعوا رؤوسهم وقالوا: ما عبدناك حقّ عبادتك. أورده الكلبي في تفسيره.

وَ قالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ ذكر العدد مع أنّ المعدود يدلّ عليه دلالة، على أنّ مساق النّهي إليه، أو إيماء بأن الاثنينيّة تنافي الإلهيّة، كما ذكر الواحد في قوله: إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ. للدّلالة على أنّ المقصود إثبات الوحدانيّة دون الإلهيّة، أو للتّنبيه على أنّ الوحدة من لوازم‏الإلهيّة.

و في تفسير العيّاشي : عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ، يعني بذلك: ولا تتّخذوا إمامين، إنّما هو إمام واحد.

فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ .

نقل من الغيبة إلى التّكلّم، مبالغة في التّرهيب وتصريحا بالمقصود، كأنّه قال:

فأنا ذلك الإله الواحد، فإيّاي فارهبون لا غير.

وَ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ: خلقا وملكا.

وَ لَهُ الدِّينُ، أي: الطّاعة.

واصِباً: لازما.

لما تقرّر من أنّه الإله وحده، والحقيق بأن يرهب منه.

و قيل : «واصبا» من الوصب، أي: وله الدّين ذا كلفة.

و قيل : «الدّين» الحزاء، [أي: وله الجزاء]  دائما، لا ينقطع ثوابه لمن آمن وعقابه لمن كفر.

و في تفسير العيّاشي : عن الصّادق- عليه السّلام- قال: واجبا.

أَ فَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ : ولا ضارّ سواه، كما لا نافع غيره، كما قال: وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ، أي: وأيّ شي‏ء اتّصل بكم من نعمة فهو من اللّه.

و «ما» شرطيّة. أو موصولة متضمّنة معنى الشّرط. باعتبار الإخبار دون الحصول فإنّ استقرار النّعمة بهم يكون سببا للإخبار بأنّها من اللّه، لا لحصولها منه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- حديث طويل.

 

و فيه يقول: ومن لم يعلم أنّ للّه عليه نعمة إلّا في مطعم أو ملبس، فقد قصر عمله  ودنى عذابه.و فيه: «النّعمة» [هي‏]  الصّحة والسّعة والعافية.

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن عليّ بن الحسين الدّقاق، عن عبد اللّه بن محمّد، عن أحمد بن عمر، عن زيد القتّات، عن أبان بن تغلب قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: ما من عبد أذنب ذنبا فندم عليه، إلّا غفر اللّه له قبل أن يستغفر. وما من عبد أنعم اللّه عليه نعمة فعرف  أنّها من عند اللّه، إلّا غفر اللّه له قبل أن يحمده.

ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ : فما تتضرّعون إلّا إليه.

و «الجوار» رفع الصوت في الدّعاء والاستغاثة.

ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ : هم كفّاركم.

لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ: من نعمة الكشف عنهم، كأنّهم قصد وبشركهم كفران النّعمة وإنكار كونها من اللّه.

فَتَمَتَّعُوا: أمر تهديد.

فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ : أغلظ وعيده.

و قرئ : «فيمتعوا» مبنيّا للمفعول، عطفا على «ليكفروا». وعلى هذا جاز أن تكون «اللّام» لام الأمر الوارد للتّهديد، و«الفاء» للجواب.

وَ يَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ، أي: لآلهتهم الّتي لا علم لها، لأنّها جماد، فيكون الضّمير ل «ما» أو الّتي لا يعلمونها، فيعتقدون فيها جهالات، مثل أنّها تنفعهم وتشفع لهم، على أنّ العائد إلى «ما» محذوف. أو لجهلهم ، على أنّ «ما» مصدريّة، والمجعول له محذوف للعلم به.

نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ: من الزّروع والأنعام.

تَاللَّهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ : من أنّها آلهة حقيقة بالتّقرّب إليها.

و هو وعيد لهم عليه.وَ يَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ قيل : كانت خزاعة وكنانة يقولون: الملائكة بنات اللّه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قالت قريش: الملائكة بنات اللّه.

سُبْحانَهُ: تنزيه له من قولهم، وتعجّب منه.

وَ لَهُمْ ما يَشْتَهُونَ : يعني: البنين.

و يجوز في «ما يشتهون» الرّفع على الابتداء، والنّصب على العطف على «البنات». على أنّ الجعل بمعنى: الاختيار.

و هو وإنّ أفضى إلى أن يكون ضمير الفاعل والمفعول لشي‏ء واحد، لكنّه لم يبعد تجويزه في المعطوف.

وَ إِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى: اخبر بولادتها.

ظَلَّ وَجْهُهُ: صار، أو دام النّهار كلّه.

مُسْوَدًّا: من الكآبة والحياء من النّاس. واسوداد الوجه كناية عن الاغتمام.

وَ هُوَ كَظِيمٌ : مملوء غيضا من المرأة.

يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ: يستخفي منهم.

مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ: المبشَّر به عرفا.

أَ يُمْسِكُهُ: محدّثا نفسه، متفكّرا في أن يتركه.

عَلى هُونٍ: ذلّ.

أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ: يخفيه فيه ويئده. وتذكير الضّمير للفظ «ما».

و قرئ ، بالتّأنيث، فيهما.

أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ : حيث يجعلون لمن تعالى عن الولد ما هذا محلّه عندهم.

في كتاب ثواب الأعمال : عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: البنات حسنات، والبنون نعمة. والحسنات يثاب عليها.

قال: إنّه بُشّر النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- بفاطمة- عليها السّلام-. فنظر في وجوه‏أصحابه، فرأى الكراهة  فيهم.

فقال: ما لكم، ريحانة أشمّها ورزقها على اللّه.

لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ: [صفة السّوء،]  وهو الحاجة إلى الولد المنادية بالموت واستبقاء الذّكور، استظهارا بهم. وكراهة الإناث ووأدهنّ، خشية الإملاق.

وَ لِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى: وهو الوجوب الذّاتيّ، والغنى المطلق، والجود الفائق، والنّزاهة عن صفات المخلوقين.

وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ : المتفرّد بكمال القدرة والحكمة.

وَ لَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ: بكفرهم ومعاصيهم.