سورة النّحل الآية 61-80

ما تَرَكَ عَلَيْها: على الأرض. وإنّما أضمرها من غير ذكر، لدلالة النّاس والدّابّة عليها.

مِنْ دَابَّةٍ: قطّ، بشؤم ظلمهم.

و عن ابن مسعود  كاد الجعل بذلك يهلك في جحره بذنب ابن آدم، أو من دابّة ظالمة.

و قيل : لو أهلك الآباء بكفرهم، لم يكن الأبناء.

وَ لكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى: سمّاه لأعمارهم، أو لعذابهم، كي يتوالدوا.

فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ : بل هلكوا، أو عذّبوا حينئذ لا محالة. ولا يلزم من عموم النّاس، وإضافة الظّلم إليهم، أن يكون كلّهم ظالمين حتّى الأنبياء- عليهم السّلام- لجواز أن يضاف إليهم ما شاع فيهم وصدر عن أكثرهم.

وَ يَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ، أي: ما يكرهونه لأنفسهم من البنات والشّركاء في الرّئاسة، والاستخفاف بالرّسل وأراذل الأموال .

وَ تَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ: مع ذلك.و في تفسير عليّ بن إبراهيم : يقول: ألسنتهم الكاذبة.

أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى، أي: عند اللّه، كقوله: وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى .

و قرئ : «الكُذُب» جمع، كذوب. صفة للألسنة.

لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ: ردّ لكلامهم، وإثبات لضدّه .

وَ أَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ : مقدمون إلى النّار. من أفرطته في طلب الماء: إذا قدّمته.

و قرأ  نافع، بكسر الرّاء. على أنّه من الإفراط في المعاصي.

و قرئ ، بالتّشديد مفتوحا، من فرطته في طلب الماء. ومكسورا، من التّفريط في الطّاعات.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، أي: معذّبون.

تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ: فأصرّوا على قبائحها، وكفروا بالمرسلين.

فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ: في الدّنيا، وعبرّ باليوم عن زمانها. أو فهو وليّهم حين كان يزيّن لهم. أو يوم القيامة على أنّه حكاية حال ماضية، أو آتية.

و يجوز أن يكون الضّمير لقريش، أي: زيّن الشّيطان للكفرة المتقدّمين أعمالهم، وهو وليّ هؤلاء اليوم يغويهم. وإن يقدّر مضاف، أي: فهو ولي أمثالهم، و«الوليّ» القرين والنّاصر، فيكون نفيا للنّاصر لهم على أبلغ الوجوه.

وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ : في القيامة.

وَ ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ: للنّاس.

الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ: من المبدأ والمعاد، والحلال والحرام.

وَ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ : معطوفان على محلّ «لتبيّن»، فإنّهما فعلا المنزل بخلاف التّبيين.

وَ اللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها: أنبت فيها أنواع النّبات بعد يبسها.

إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ : سماع تدبّر وإنصاف.

وَ إِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً: دلالة يعبر بها من الجهل إلى العلم.

نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ: استئناف لبيان العبرة.

و إنّما ذكّر الضّمير ووحّده هاهنا للّفظ، وأنّثه في سورة المؤمنين للمعنى. فإنّ الأنعام اسم جمع. ولذلك عدّه سيبويه في المفردات المبنيّة على أفعال، كأخلاق وأكياش . ومن قال: إنّه جمع نعم، جعل الضّمير للبعض، فإنّ اللّبن لبعضها دون جميعها. أو لواحدة أوّله على المعنى، فإنّ المراد به الجنس.

و قرأ  نافع وابن عامر وأبو بكر ويعقوب: «نسقيكم» بالفتح، هاهنا وفي «المؤمنون».

مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً: فإنّه يخلق من بعض أجزاء الدّم المتولّد من الأجزاء اللّطيفة الّتي في الفرث، وهو الأشياء المأكولة المنهضمة بعض الانهضام في الكرش.

و عن ابن عباس : أنّ البهيمة إذا اعتلفت وانطبخ العلف في كرشها، كان أسفله فرثا وأوسطه لبنا وأعلاه دما.

قيل : ولعلّه إن صح، فالمراد: أنّ أوسطه [يكون‏]  مادة اللّبن، وأعلاه مادة الدّم الّذي يغذّي البدن. لأنّهما لا يتكوّنان في الكرش والكبد ، بل الكبد يجذب صفاوة الطّعام المنهضم في الكرش ويبقى ثفله، وهو الفرث، ثمّ يمسكها ريثما يهضمها هضما ثانيا. فيحدث أخلاطا أربعة معها مائيّة، فتميّز القوّة المميّز تلك المائيّة بما زاد على قدر الحاجة من المرّتين وتدفعها إلى الكلية والمرارة والطّحال. ثمّ يوزع الباقي على الأعضاء بحسبها ، فيجري إلى كلّ حقّه على ما يليق به بتقدير الحكيم العليم. ثمّ إن كان الحيوان أنثى زاد أخلاطها على قدر غذائها لأستيلاء [البرد والرطوبة على مزاجهافيندفع‏]  الزّائد أوّلا إلى الرّحم  لأجل الجنين. فإذا انفصل، انصبّ ذلك الزّائد أو بعضه إلى الضّروع. فيبيضّ بمجاورة لحومها الغدديّة البيض، فيصير لبنا. ومن تدبّر في  صنع اللّه- تعالى- في إحداث الأخلاط والألبان وإعداد مقارّها  ومجاريها والأسباب المولّدة لها والقوى المتصرّفة  فيها كلّ وقت على ما يليق به، اضطرّ إلى الإقرار بكمال حكمته وتناهي رحمته.

و «من» الأولى تبعيضيّة، لأنّ اللّبن بعض ما في بطونها. والثّانية ابتدائيّة، كقولك: سقيت من الحوض. لأنّ بين الفرث والدّم المحلّ الّذي يبتدأ منه الإسقاء.

و هي متعلّقة «بنسقيكم». أو حال من «لبنا» قدّمت عليه، لتنكيره وللتّنبيه على أنّه موضع العبرة.

خالِصاً: صافيا، لا يستصحب لون الدّم ولا رائحة الفرث. أو مصفّى عمّا يصحبه من الأجزاء الكثيفة، بتضييق مخرجه.

سائِغاً لِلشَّارِبِينَ : سهل المرور في حلقهم .

و قرئ : «سيغا» بالتّشديد والتّخفيف.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن النّوفليّ، عن السّكونيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: ليس أحد يغصّ بشرب اللبّن، لأنّ اللّه- عزّ وجلّ- جعله لبنا خالصا سائغا للشّاربين.

الحسين بن محمّد ، عن السياري ، عن عبيد اللّه  بن أبي عبد اللّه الفارسيّ، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال رجل: إني أكلت لبنا فضرّني.

قال: فقال أبو عبد اللّه [- عليه السّلام-: لا واللّه،]  ما يضرّ لبن قطّ. ولكنّك‏أكلته مع غيره فضرّك  الّذي أكلته، وظننت أنّ اللّبن الّذي ضرّك.

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن عثمان بن عيسى، عن خالد بن نجيح، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: اللّبن طعام المرسلين.

محمّد بن يحيى ، عن سلمة  بن خطّاب، عن عبّاد بن يعقوب، عن عبيد بن محمّد، عن محمّد بن قيس، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: لبن الشّاة السّوداء خير من لبن حمراء ، ولبن البقر الحمراء خير من لبن السّوداء .

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن النّوفليّ، عن السّكونيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام- ألبان البقر دواء.

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن يحيى بن إبراهيم بن أبي البلاد، عن أبيه، عن جدّه قال: شكوت إلى أبي جعفر- عليه السّلام- ذربا  وجدته.

فقال لي: ما يمنعك من شرب ألبان البقر؟

و قال لي: أشربتها قطّ؟

فقلت له: نعم مرارا.

فقال لي: كيف وجدتها؟

فقلت: وجدتها تدبغ المعدة وتكسو الكليتين الشّحم وتشهّي الطّعام.

فقال لي: لو كانت أيّامه، لخرجت أنا وأنت إلى ينبع  حتّى نشربه .

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن بكر بن صالح.

 

 [عن الجعفري قال: سمعت أبا الحسن، موسى- عليه السّلام- يقول: أبوال الإبل‏خير من ألبانها، ويجعل اللّه- عزّ وجلّ- الشّفاء في ألبانها.

و في كتاب الخصال :]  عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال: شرب  اللّبن شفاء من كلّ داء إلّا الموت.

وَ مِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ: متعلّق بمحذوف، أي: ونسقيكم من ثمرات النّخيل والأعناب، أي: من عصيرهما.

و قوله: تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً.

قيل : خمرا.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم  [: الخلّ.

و في تفسير العيّاشي :]  عن الصّادق- عليه السّلام-: أنّها نزلت قبل آية التّحريم، فنسخت بها.

و فيه دلالة على أنّ المراد به: الخمر. وقد جاء بالمعنيين جميعا. وعلى إرادة الخمر لا يستلزم حلّها في وقت، لجواز أن يكون عتابا ومنّة قبل بيان تحريمها. ومعنى النّسخ: نسخ السّكوت  عن التّحريم، فلا ينافي ما جاء في أنّها لم تكن حلالا قطّ. وفي مقابلتها بالرّزق الحسن تنبيه على قبحها.

وَ رِزْقاً حَسَناً، كالتّمر والزّبيب والدّبس.

و في تفسير العيّاشي : عن سعيد بن يسار، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال:

إنّ اللّه- عزّ وجلّ- أمر نوحا أن يحمل في السّفينة من كلّ زوجين اثنين. فحمل الفحل  والعجوة ، فكانا زوجا. فلما نضب الماء، أمر اللّه- عزّ وجلّ- نوحا أن يغرس الجبلة ، وهي الكرم. فأتاه إبليس، فمنعه من غرسها. فأبى إلّا أن يغرسها، وأبى إبليس أن يدعه يغرسها وقال: ليس لك ولا لأصحابك، إنّما هي لي ولأصحابي. فتنازعا ما شاء اللّه، ثمّ‏أنّهما اصطلحا على أن جعل نوح لإبليس ثلثيها  ولنوح ثلثها . وقد أنزل اللّه لنبيّه في كتابه ما قد قرأتموه وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً.

فكان المسلمون بذلك. ثمّ أنزل اللّه آية التّحريم إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ- إلى قوله-: مُنْتَهُونَ. يا سعيد، فهذه آية التّحريم وهي نسخت الآية الأخرى.

0 إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ : يستعملون عقولهم بالنّظر والتّأمّل في الآيات.

وَ أَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ: ألهمها. وقذف في قلوبها.

و قرئ : «إلى النّحل» بفتحتين .

و في تفسير العيّاشي : عن محمّد بن يوسف، عن أبيه قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ.

قال: إلهام.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله: وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ.

قال: وحي إلهام، يأخذ النّحل من جميع النّور  ثمّ تتّخذه عسلا.

و حدّثني أبي ، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن رجل، عن حريز بن عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله: وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ.

قال: نحن، واللّه ، النّحل الّذي  أوحى اللّه إليه.

أَنِ اتَّخِذِي: بأن اتّخذي.

و يجوز أن تكون «أن» مفسّرة، لأنّ في الإيحاء معنى القول. وتأنيث الضّمير على المعنى، فإنّ النّحل مذكّر.

مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ : ذكر بحرف التّبعيض، لأنّها لا تبني في كلّ جبل وكلّ شجر وكلّ ما يعرش من كرم أو سقف ولا في كلّ مكان.و إنّما سمّي ما تبنيه لتتعسّل فيه: بيتا، تشبيها ببناء الإنسان، لما فيه من حسن الصّنعة وصحّة القسمة الّتي لا يقوى عليها حذّاق المهندسين إلّا بآلات  وأنظار دقيقة: ولعلّ ذكره، للتّنبيه على ذلك.

و قرأ  عاصم: «بيوتا» بكسر الباء.

و قرأ أبو بكر وابن عامر: «يعرشون» بضمّ الرّاء.

ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ: تشتهينها، مرّها وحلوها.

فَاسْلُكِي: ما أكلت.

سُبُلَ رَبِّكِ: في مسالكه الّتي يحيل  فيها بقدرته النّور المرّ عسلا من أجوافك.

أو فاسلكي الطّرق الّتي ألهمك في عمل العسل.

أو فاسلكي راجعة إلى بيوتك  سبل ربّك، لا تتوعّر عليك ولا تلتبس.

ذُلُلًا: جمع، ذلول. وهي حال من السّبل، أي: مذلّلة، ذلّلها اللّه وسهّلها لك. أو من الضّمير في «فاسلكي»، أي: وأنت ذلل منقادة لما أمرت به.

يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها: عدل به عن خطاب النّحل إلى خطاب النّاس. لأنّه محلّ الإنعام عليهم، والمقصود من خلق النّحل وإلهامه لأجلهم.

شَرابٌ، يعني: العسل، لأنّه ممّا يشرب.

مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ: أبيض وأصفر وأحمر وأسود، لسبب اختلاف سنّ النّحل والفصل.

فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ: إمّا بنفسه، كما في الأمراض البلغميّة. أو مع غيره، كما في سائر الأمراض، إذ قلّما يكون معجون إلّا والعسل جزء منه، مع أنّ التّنكير فيه مشعر بالتّبعيض ويجوز وقيل : الضّمير للقرآن، أو لما بيّن اللّه من أحوال النّحل.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وحدّثني أبي، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن رجل، عن حريز بن عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله: وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ.قال: نحن، واللّه، النّحل الّذي أوحى اللّه إليه  أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً أمرنا أن نتّخذ من العرب شيعة. وَمِنَ الشَّجَرِ. يقول: من العجم. وَمِمَّا يَعْرِشُونَ.

يقول: من الموالي. والّذي يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ أعنى  العلم الّذي يخرج منّا إليكم.

و في شرح الآيات الباهرة : وروى الحسن بن أبي الحسن الدّيلميّ، بإسناده:

 

عن رجاله، عن أبي بصير في قوله- عزّ وجلّ-: وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ.

قال: ما بلغ بالنّحل أن يوحى إليها، بل فينا نزلت. فنحن النّحل، ونحن المقيمون له في أرضه بأمره، والجبال شيعتنا، والشّجر النّساء المؤمنات.

و في كتاب الخصّال : عن داود بن كثير الرّقّيّ قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: لقد اخبرني أبي، عن جدّي- عليهما السّلام-: أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- نهى عن قتل ستّة: النّحلة والنّملة والضّفدع والصّرد والهدهد والخطّاف. فأمّا النّحلة، فإنّها تأكل طيّبا وتضع طيّبا. وهي الّتي أوحى اللّه إليها ليست من الجنّ والإنس.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في عيون الأخبار ، في باب ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- من خبر الشّاميّ وما سئل أمير المؤمنين- عليه السّلام- في جامع الكوفة حديث طويل. وفيه: وسأله عن شي‏ء أوحى اللّه إليه ليس من الجنّ ولا من الإنس.

فقال: أوحى اللّه إلى النّحل.

و في أصول الكافي : أبو عليّ الأشعريّ، عن الحسن بن عليّ الكوفيّ، عن العبّاس بن عامر، عن جابر بن  المكفوف، عن عبد اللّه بن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: اتّقوا على دينكم واحجبوه بالتّقيّة، فإنّه لا إيمان لمن لا تقيّة له. إنّما أنتم في النّاس، كالنّحل في الطّير. لو أنّ الطّير تعلم ما في أجواف النّحل، ما بقي منهاشي‏ء إلّا أكلته. ولو أنّ النّاس علموا ما في أجوافكم أنّكم تحبّونا أهل البيت، لأكلوكم بألسنتهم ولنحلوكم  في السّرّ والعلانية. رحم اللّه عبدا منكم كان على ولايتنا.

و في تفسر العيّاشي : عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله: وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ إلى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ: فالنّحل الأئمّة، والجبال العرب، والشّجر الموالي عتاقه، وممّا يعرشون، يعني: الأولاد والعبيد ممّن لم  يعتق وهو يتولّى اللّه ورسوله والأئمّة، والثّمرات المختلفة  ألوانه فنون العلم الّذي قد يعلّم الأئمّة شيعتهم، وفِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ يقول: في العلم شفاء للنّاس، والشّيعة هم النّاس وغيرهم اللّه أعلم بهم ما هم . ولو كان، كما تزعم  أنّه العسل الّذي يأكله النّاس، إذا ما أكل منه وما شرب ذو عاهة إلّا شفي ، لقول اللّه- تعالى-: فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ. ولا خلف لقول اللّه، وإنّما الشّفاء في علم القرآن لقوله: نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ [لِلْمُؤْمِنِينَ فهو شفاء ورحمة]  لأهله لا شكّ فيه ولا مرية، وأهله أئمّة الهدى الّذين قال اللّه: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا.

و في رواية  أبي الرّبيع الشّاميّ، عنه في قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ.

فقال: رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-. أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً قال:

تزوّج من قريش. وَمِنَ الشَّجَرِ قال: في العرب. وَمِمَّا يَعْرِشُونَ قال: في الموالي.

يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ قال: أنواع العلم. فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ.

عن سيف بن عميرة ، عن شيخ من أصحابنا، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: كنّا عنده، فسأله شيخ فقال: بي وجع وأنا أشرب له النّبيذ، ووصفه له الشّيخ.

فقال له: ما ينفعك من الماء الّذي جعل اللّه منه كلّ شي‏ء حيّ؟قال: لا يوافقني.

قال: فما يمنعك من العسل؟

قال اللّه: فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ.

قال: لا أجده.

قال: فما يمنعك من اللّبن الّذي نبت لحمك واشتد عظمك؟

قال: لا يوافقني.

قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: أ تريد أن آمرك بشرب الخمر؟ لا [آمرك، لا]  واللّه لا آمرك .

و في كتاب الخصال ، فيما علّم أمير المؤمنين- عليه السّلام- أصحابه: لعق العسل شفاء من كلّ داء. قال اللّه- تعالى-: يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ.

و في عيون الأخبار : عن الرّضا- عليه السّلام- بإسناده قال: قال- صلّى اللّه عليه وآله-: إن يكن في شي‏ء شفاء، ففي شرط الحجام  أو في شربة عسل.

و بإسناده ، قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: لا تردّوا شربة العسل على من  آتاكم بها.

و بإسناده ، قال: قال عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-: ثلاثة يزدن في الحفظ ويذهبن بالبلغم: [قراءة]  القرآن والعسل واللبّان .

و في الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن القاسم بن يحيى، عن جدّه، الحسن بن راشد، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال‏

 أمير المؤمنين- عليه السّلام-: لعق العسل شفاء من كلّ داء. قال اللّه- عزّ وجلّ-: يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ. وهو مع قراءة القرآن ومضغ اللّبان يذيب البلغم.

و في محاسن البرقيّ : عنه، عن بعض أصحابنا، عن عبد الرّحمن بن شعيب، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: لعق العسل فيه شفاء. قال اللّه:

يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ.

و في تفسير العيّاشي : عن عبد اللّه بن قدّاح، عن أبي عبد اللّه، عن أبيه قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين- عليه السّلام-.

فقال: يا أمير المؤمنين، بي وجع في بطني.

فقال له أمير المؤمنين: أ لك زوجة؟

قال: نعم.

قال: استوهب منها [شيئا]  طيّبة به نفسها من مالها، ثمّ اشتر به عسلا، ثمّ اسكب عليه من ماء السّماء، ثمّ اشربه. فإنّي أسمع  اللّه يقول في كتابه: وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً. وقال: يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ.

و قال: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْ‏ءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً. [فإذا اجتمعت البركة والشّفاء والهني والمري‏]  شفيت إن شاء اللّه- تعالى-. ففعل ذلك، فشفي.

و في مجمع البيان : وفي النّحل والعسل وجوه من الاعتبار منها: اختصاصه بخروج العسل من فيه، ومنها جعل الشّفاء في موضع السّم فإنّ النّحل يلسع، ومنها ما ركّب اللّه من البدائع والعجائب فيه وفي طباعه. ومن أعجبها أن جعل- سبحانه- لكلّ فئة يعسوبا هو أميرها، يقدمها ويحامي عنها ويدبّر أمرها ويسوسها وهي تتبعه وتقتفي أثره. ومتى فقدته انحلّ نظامها وزال قوامها وتفرّقت شذر مذر. وإلى هذا المعنى‏

أشار عليّ أمير المؤمنين: أنا يعسوب المؤمنين.

إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ : فإنّ من تدبّر اختصاص النّحل بتلك‏

العلوم الدّقيقة والأفعال العجيبة حقّ التّدبّر، علم قطعا أنّه لا بدّ له من قادر حكيم يلهمها ذلك ويحملها عليه.

وَ اللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ: بآجال مختلفة.

وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ: يعاد.

إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ: أخسّه وأحقره، يعني: الهرم الّذي يشابه الطّفوليّة في نقصان القوّة والعقل.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : عن الصّادق، عن أبيه- عليهما السّلام-: إذا بلغ العبد مائة سنة، فذلك أرذل العمر.

و في مجمع البيان : وروي  عن عليّ- عليه السّلام-: أنت أرذل العمر خمسون وسبعون سنة. روي عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- مثل ذلك.

و في كتاب الخصال ، بعد أن ذكر حال الإنسان في بلوغ الأربعين والخمسين إلى التّسعين قال: وفي حديث آخر: فإذا بلغ إلى المائة، فذلك أرذل العمر.

و قد روي: أنّ أرذل العمر أن يكون عقله، مثل عقل ابن سبع سنين.

لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً: إلى حال شبيهة بحال الطّفوليّة في النّسيان وسوء الفهم.

و في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه رفعه، عن [محمد بن‏]  داود الغنويّ، عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل . ستقف عليه بتمامه في سورة الواقعة إن شاء اللّه- تعالى-. يقول فيه- عليه السّلام-: ثمّ ذكر أصحاب الميمنة، وهم المؤمنون حقّا بأعيانهم، جعل فيهم أربعة أرواح: روح الإيمان، وروح القوّة، وروح الشّهوة، وروح البدن. وقال قبل ذلك: وبروح الإيمان عبدوا اللّه، ولم يشركوا به. وبروح القوّة جاهدوا عدوّكم، وعالجوا معاشهم.و بروح الشّهوة أصابوا لذيذ الطّعام، ونكحوا الحلال من شباب النّساء. وبروح البدن دبّوا ودرجوا.

و قال- عليه السّلام- متّصلا بقوله: «و روح البدن»: فلا يزال العبد يستكمل الأرواح الأربعة حتّى تأتي عليه حالات.

فقال الرّجل: يا أمير المؤمنين، ما هذه الحالات؟

فقال: أمّا أوّلهنّ  فهو، كما قال اللّه- عزّ وجلّ-: وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً. فهذا ينتقض منه جميع الأرواح، وليس بالّذي يخرج من دين اللّه. لأنّ الفاعل به ردّه إلى أرذل عمره، فهو لا يعرف للصّلاة وقتا ولا يستطيع التّهجّد باللّيل ولا بالنّهار ولا القيام في الصّفّ مع النّاس. فهذا نقصان من روح الإيمان، وليس يضرّه شيئا.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: إذا كبر، لا يعلم ما علمه قبل ذلك.

إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ: بمقادير أعمارهم.

قَدِيرٌ : يميت الشّابّ النّشيط، ويبقى الهمّ  الفاني.

و فيه تنبيه على أنّ تفاوت آجال النّاس ليس إلّا بتقدير قادر حكيم رتّب أبنيتهم وعدّل أمزجتهم على قدر معلوم. ولو كان ذلك مقتضى الطّباع، لم يبلغ التّفاوت هذا المبلغ.

وَ اللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ: فمنكم غنيّ، ومنكم فقير، ومنكم موالي يتولّون رزقهم ورزق غيرهم، ومنكم مماليك حالهم على خلاف ذلك.

فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ: بمعطي رزقهم.

عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ: على مماليكهم. فإنّما يردّون عليهم رزقهم، الّذي جعله اللّه في أيديهم.

فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ: فالموالي والمماليك سواء في أنّ اللّه رزقهم.

فالجملة لازمة للجملة المنفيّة، أو مقررة لها. ويجوز أن يكون واقعة موقع الجواب، كأنّه قيل: فما الّذين فضّلوا برادّي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فيستووا في الرّزق. على‏أنّه ردّ وإنكار على مشركين، فإنّهم يشركون باللّه بعض مخلوقاته في الألوهيّة، ولا يرضون أن يشاركهم عبيدهم فيما أنعم اللّه عليهم فيساويهم فيه.

أَ فَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ : حيث يتّخذون له شركاء. فإنّه يقتضي أن يضاف إليهم بعض ما أنعم اللّه عليهم، ويجحدون أنّه من عند اللّه. أو حيث أنكروا أمثال هذه الحجج، بعد ما أنعم اللّه عليهم بإيضاحها.

و «الباء» لتضمّن الجحود معنى الكفر.

و قرأ  أبو بكر: «تجحدون» بالتّاء. لقوله: «خلقكم» و«فضّل بعضكم».

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: لا يجوز للرّجل أن يخصّ نفسه بشي‏ء من المأكول دون عياله.

و في جوامع الجامع : ويحكى عن أبي ذرّ- رضي اللّه عنه- أنّه سمع النّبي- صلّى اللّه عليه وآله- يقول: إنّما هم إخوانكم، فاكسوهم مما تكسون  وأطعموهم مما تطعمون.

فما رأي  عبده بعد ذلك، إلّا ورداءه رداءه وإزاره إزاره من غير تفاوت.

وَ اللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً، أي: من جنسكم. لتأنسوا بها، ولتكون أولادكم مثلكم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، يعني: حواء خلقت من آدم.

وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً: وأولاد أولاد، أو بنات. فإنّ الحافد، هو المسرع في الخدمة، والبنات يخدمن في البيوت.

و قيل : الرّبائب. ويجوز أن يراد بها البنون أنفسهم. والعطف لتغاير الوصفين.

و في تفسير العيّاشي : عن عبد الرّحمن الأشلّ قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: في  «الحفدة» بنو البنت. ونحن حفدة رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-.

عن جميل بن درّاج ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله:وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً.

قال: هم الحفدة، وهم العون منهم، يعني: البنين.

و في مجمع البيان : عنه- عليه السّلام-: وهم أختان الرّجل على بناته.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: الأختان.

وَ رَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ: من اللّذائذ. أو من الحلالات.

و «من» للتّبعيض. فإنّ المرزوق في الدّنيا أنموذج منها.

أَ فَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ.

قيل : هو أنّ الأصنام تنفعهم. أو أنّ من الطّيّبات ما يحرم عليهم، كالبحائر والسّوائب.

وَ بِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ : حيث أضافوا نعمه إلى الأصنام، أو حرّموا ما أحلّ اللّه لهم. وتقديم الصّلة على الفعل إمّا للاهتمام، أو لإيهام التّخصيص مبالغة، أو للمحافظة على الفواصل.

و قيل : يريد بِنِعْمَتِ اللَّهِ: رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- والقرآن والإسلام، أي: هم  كافرون بها منكرون لها.

وَ يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً:

من مطر ونبات. و«رزقا» إن جعلته مصدرا فشيئا منصوب به، وإلّا فبدل منه.

وَ لا يَسْتَطِيعُونَ : أن يتملّكوه، أو لا استطاعة لهم أصلا.

و جمع الضّمير فيه وتوحيده في «لا يملك»، لأنّ «ما» مفرد في معنى الآلهة. ويجوز أن يعود إلى الكفّار، أي: ولا يستطيع هؤلاء مع أنّهم أحياء متصرّفون شيئا من ذلك، فكيف بالجماد.

فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ: فلا تجعلوا له مثلا تشركون به، أو تقيسونه عليه.

فإنّ ضرب المثل تشبيه حال بحال.

قيل : كانوا يقولون: إنّ عبادة عبدة الملك أدخل في التّعظيم من عبادته.إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ: فساد ما تعوّلون عليه من القياس، على أنّ عبادة عبيد الملك أدخل في التّعظيم من عبادته وعظم جرمكم فيما تفعلون.

وَ أَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ : ذلك. ولو علمتموه، لما جرأتم عليه. فهو تعليل للنّهي. أو أنّه يعلم كنه الأشياء وأنتم لا تعلمونه، فدعوا رأيكم دون نصّه.

و يجوز أن يراد: فلا تضربوا للّه الأمثال، فإنّه يعلم كيف تضرب الأمثال وأنتم لا تعلمون. ثمّ علّمهم كيف يضرب، فضرب مثلا لنفسه ولمن دونه فقال: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‏ءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ: مثّل ما يشرك به المملوك العاجز عن التّصرّف رأسا، ومثّل نفسه بالحرّ المالك الّذي رزقه اللّه مالا كثيرا فهو يتصرّف فيه كيف يشاء. واحتجّ بامتناع الاشتراك والتّسوية بينهما، مع تشاركهما في الجنسيّة والمخلوقيّة، على امتناع التّسوية بين الأصنام الّتي هي أعجز المخلوقات وبين اللّه الغنيّ القادر على الإطلاق.

و قيل : هو تمثيل للكافر المخذول والمؤمن الموفّق. وتقييد العبد بالمملوكية للتّمييز عن الحرّ، فإنّه- أيضا- عبد اللّه. وبسلب القدرة للتّمييز عن المكاتب والمأذون وجعله قسيما للمالك المتصرّف. يدل على أنّ المملوك لا يملك.

قيل: والأظهر أنّ «من» نكرة موصوفة ليطابق «عبدا». وجمع الضّمير في «يستوون»، لأنّه للجنسين. فإنّ المعنى: هل يستوي الأحرار والعبيد.

الْحَمْدُ لِلَّهِ: كلّ الحمد للّه لا يستحقّه غيره فضلا عن العبادة، لأنّه مولى النّعم كلّها.

بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ : فيضيفون نعمه إلى غيره، ويعبدونه لأجلها.

و في الكافيّ : محمّد عن أحمد عن ابن فضّال ، عن مفضّل بن صالح، عن ليث المراديّ قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن العبد: هل يجوز طلاقه؟

فقال: إن كان أمتك، فلا. إنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول: عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‏ءٍ. وإن كانت أمة قوم آخرين أو حرّة، جاز طلاقه.و في من لا يحضره الفقيه : وروى ابن أذينة، عن زرارة، عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه- عليهما السّلام- قالا: المملوك لا يجوز طلاقه ولا نكاحه إلّا بإذن سيّده.

قلت: فان كان السّيّد زوّجه، بيد من الطّلاق؟ قال: لا  بيد السيّد، ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‏ءٍ. أ فشي‏ء الطّلاق؟

و في تهذيب الأحكام : الحسين بن سعيد، عن حمّاد بن عيسى، عن محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن رجل نكح أمته من رجل آخر ، أ يفرق بينهما إذا شاء؟

فقال: إن كان مملوكه، فليفرق بينهما إذا شاء. إنّ اللّه- تعالى- يقول: عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‏ءٍ. فليس للعبد شي‏ء من الأمر. وإن كان زوجها حرّا، فإنّ طلاقها صفقتها.

الحسين بن سعيد»، عن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن ابن بكير، عن الحسن العطّار قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن رجل أمر مملوكه أن يتمتع بالعمرة إلى الحجّ، أ عليه أن يذبح عنه؟

قال: لا. إنّ اللّه يقول: عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‏ءٍ.

و في تفسير العيّاشي : عن أبي بصير، في الرّجل ينكح أمته لرجل له، أن يفرق بينهما إذا شاء؟

قال: إن كان مملوكا، فليفرق بينهما إذا شاء. لأنّ اللّه يقول: عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‏ءٍ. فليس للعبد من الأمر شي‏ء. وإن [كان‏]  زوّجها حرّا، فرق بينهما إذا شاء المولى.

عن أحمد بن عبد اللّه العلويّ ، عن الحسن بن الحسين بن زيد بن عليّ، عن جعفر بن محمّد [عن أبيه‏] - عليهما السّلام- قال: كان عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-

 يقول: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‏ءٍ. ويقول: للعبد لا طلاق ولا نكاح، ذلك إلى سيّده. والنّاس يرون خلاف ذلك، إذا أذن السّيّد لعبده لا يرون له أن يفرّق بينهما.

وَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ: ولد أخرس، لا يفهم ولا يفهم.

لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‏ءٍ: من الصّنائع والتّدابير، لنقصان عقله.

وَ هُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ: عيال وثقل على من يلي أمره.

أَيْنَما يُوَجِّهْهُ: حيث ما يرسله مولاه في أمر.

و قرئ : «يوجّه» على البناء للمفعول. ويوجّه بمعنى: يتوجه. وتوجّه بلفظ الماضي.

لا يَأْتِ بِخَيْرٍ: بنجح  وكفاية مهم.

هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ: ومن هو فهم منطيق، ذو كفاية ورشد، ينفع النّاس بحثّهم على العدل الشّامل لجميع الفضائل.

وَ هُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ : وهو في نفسه على طريق مستقيم، لا يتوجّه إلى مطلب إلّا ويبلغه بأقرب سعي. وإنّما قابل تلك الصّفات بهذين الوصفين، لأنّهما كمال ما يقابلهما.

قيل : وهذا تمثيل ثان ضربه اللّه لنفسه وللأصنام، لإبطال المشاركة بينه وبينها. أو للمؤمن والكافر.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : الّذي يأمر بالعدل أمير المؤمنين والأئمّة- صلوات اللّه عليهم-.

و في شرح الآيات الباهرة : روى أبو عبد اللّه، الحسين بن جبير في كتاب (نخب المناقب) حديثا مسندا، عن حمزة بن عطا، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله- تعالى-:

هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ.

قال: هو أمير المؤمنين يأمر بالعدل، وهو على صراط مستقيم.و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن إبراهيم، عن يونس بن يعقوب قال: كان عند أبي عبد اللّه- عليه السّلام- جماعة من أصحابه، منهم حمران بن أعين [و محمّد بن أعين‏]  ومحمّد بن النّعمان وهشام بن سالم والطّيّار. وجماعة، فيهم  هشام بن الحكم، وهو شابّ.

فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: يا هشام، ألا تخبرني كيف صنعت بعمرو بن عبيد، وكيف سألته؟

فقال هشام: يا ابن رسول اللّه، إنّي اجلّك وأستحيك ولا يعمل لساني بين يديك.

فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: إن  أمرتكم بشي‏ء، فافعلوا.

قال هشام: بلغني ما كان فيه عمرو بن عبيد وجلوسه في مسجد البصرة، فعظم ذلك عليّ. فخرجت إليه، ودخلت البصرة يوم الجمعة. فأتيت مسجد البصرة، فإذا أنا بحلقة كبيرة فيها عمرو بن عبيد وعليه شملة سوداء مؤتزرا  بها من صوف وشملة مرتديا بها ، والنّاس يسألونه. فاستفرجت النّاس فأفرجوا  لي، ثمّ قعدت في آخر القوم على ركبتي.

ثمّ قلت: أيّها العالم، إني رجل غريب تأذن لي في مسألة؟

فقال لي: نعم.

فقلت: أ لك عين؟

قال: يا بنيّ، أيّ شي‏ء هذا من السّؤال، وشي‏ء تراه كيف تسأل عنه؟

فقلت: هكذا مسألتي.

فقال: يا بنيّ، سل وإن كانت مسألتك حمقاء.

قلت: أجبني فيها.

قال لي: سل.قلت: أ لك عين؟

قال: نعم.

قلت: فما تصنع بها؟

قال: أرى بها الألوان والأشخاص.

قلت: أ لك أنف؟

قال: نعم.

قلت: فما تصنع به؟

قال: أشم به الرّائحة.

قلت: أ لك فم؟

قال: نعم.

قلت: فما تصنع به؟

قال: أذوق به الطّعم.

قلت: أ لك أذن؟

قال: نعم.

قلت: فما تصنع بها؟

قال: أسمع بها الصّوت.

قلت: أ لك قلب؟

قال: نعم.

قلت: فما تصنع به؟

قال: أميّز به كلّما ورد على هذه الجوارح والحواسّ.

قلت: أو ليس في هذه الجوارح والحواسّ غنى عن القلب؟

قال: لا.

قلت: وكيف ذلك، وهي صحيحة سليمة؟

قال: يا بنيّ، إنّ الجوارح إذا شكت في شي‏ء شمّته أو رأته  أو ذاقته أو سمعته، ردّته إلى القلب، فيبيّن  اليقين ويبطل الشّكّ.قال هشام: فقلت له: فإنّما أقام اللّه القلب لشكّ الجوارح؟

قال: نعم.

قلت: لا بدّ من القلب، وإلّا لم تستيقن الجوارح؟

قال: نعم.

فقلت: يا أبا مروان، فإنّ اللّه- تبارك وتعالى- لم يترك جوارحك حتّى جعل لها إماما يصحّح لها الصّحيح ويتيقّن به ما شكلت فيه. ويترك هذا الخلق كلّهم في حيرتهم وشكّهم واختلافهم لا يقيم لهم إماما يردّون إليه شكّهم وحيرتهم، ويقيم ذلك إماما لجوارحك تردّ إليه حيرتك وشكّك؟

قال: فسكت ولم يقل شيئا.

ثمّ التفت إليّ، وقال لي: أنت هشام بن الحكم؟

فقلت: لا.

فقال: أمن جلسائه؟

قلت: لا.

قال: فمن أين أنت؟

قلت: من أهل الكوفة.

قال: فأنت إذا هو.

ثمّ ضمّني إليه وأقعدني في مجلسه، وزال عن مجلسه وما نطق حتّى قمت.

قال: فضحك أبو عبد اللّه- عليه السّلام- وقال: يا هشام، من علّمك هذا؟

قلت: شي‏ء أخذته منك وألّفته.

فقال: هذا [و اللّه‏]  مكتوب في صحف إبراهيم وموسى.

وَ لِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ: يختصّ به علمه لا يعلمه غيره، وهو ما غاب فيهما عن العباد، بأن لم يكن محسوسا ولم يدلّ عليه محسوس.

و قيل : يوم القيامة: فإنّ علمه غائب عن أهل السّماوات والأرض.

وَ ما أَمْرُ السَّاعَةِ: وما أمر قيام القيامة في سرعته وسهولته.

إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ، كرجع الطّرف من أعلى الحدقة إلى أسفلها.

أَوْ هُوَ أَقْرَبُ: أو أمرها أقرب منه، بأن يكون في زمان نصف تلك الحركة بل في الآن الّذي يبتدئ فيه. فإنّه- تعالى- يحيي الخلائق دفعة. وما يوجد دفعة، كان في آن.

و «أو» للتّخيير. أو بمعنى: بل.

و قيل : معناه: أنّ قيام السّاعة وإن تراخى، فهو عند اللّه، كالشّي‏ء الّذي تقولون فيه: كلمح البصر أو هو أقرب، مبالغة في استقرابه.

إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ : فيقدر أن يحيي الخلائق دفعة، كما قدر أن أحياهم متدرّجا. ثمّ دلّ على قدرته بقوله: وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ وقرأ  الكسائيّ، بكسر الهمزة، على أنّه لغة أو اتّباع لما قبلها. وحمزة، بكسرها وكسر الميم، والهاء مزيدة، مثلها في إهراق.

لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً: جهّالا، مستصحبين جهل الجماديّة.

وَ جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ: أداة تتعلّمون بها، فتحسّون بمشاعركم جزئيات الأشياء فتدركونها. ثمّ تتنّبهون بقلوبكم لمشاركات ومباينات بينها بتكرير الإحساس، حتّى تتحصّل لكم العلوم البديهيّة وتتمكّنوا من تحصيل المعالم الكسبيّة بالنّظر فيها.

لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ : كي تعرفوا ما أنعم عليكم طورا بعد طور، فتشكروه.

أَ لَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ قراءة  ابن عامر وحمزة ويعقوب، بالتّاء. على أنّه خطاب للعامّة.

مُسَخَّراتٍ: مذلّلات للطّيران، بما خلق لها من الأجنحة والأسباب المؤاتية له.

فِي جَوِّ السَّماءِ: في الهواء المتباعد من الأرض.

ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ: فإنّ ثقل جسدها يقتضي سقوطا، ولا علاقة فوقها ولا دعامة تحتها تمسكها.

إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ: تسخير الطّير  للطّيران. بأن خلقها خلقة يتمكّن معهاالطّيران، وخلق الجوّ بحيث يمكن الطّيران فيه، وإمساكها في الهواء على خلاف طبعها.

لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ : لأنّهم المنتفعون بها.

وَ اللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً: موضعا تسكنون فيه وقت إقامتكم، كالبيوت المتّخذة من الحجر والمدر. فعل، بمعنى المفعول.

وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً: هي القباب المتّخذة من الأدم. ويجوز أن يتناول المتّخذة من الوبر والصّوف والشّعر، فإنّها من حيث أنّها نابتة على جلودها يصدق عليها أنّها من جلودها.

تَسْتَخِفُّونَها: تجدونها خفيفة، يخفّ عليكم حملها ونقلها.

يَوْمَ ظَعْنِكُمْ: وقت ترحالكم.

وَ يَوْمَ إِقامَتِكُمْ: وقت الحضر، أو النّزول.

و قرأ  الحجازيّان والبصريّان: «يوم ظعنكم» بالفتح. وهو لغة فيه.

وَ مِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها: الصّوف للضّائنة، والوبر للإبل، والشعر للمعز. وإضافتها إلى ضمير الأنعام، لأنّها من جملتها.

أَثاثاً: ما يلبس ويفرش.

وَ مَتاعاً: [ما يتّجر به‏] .

إِلى حِينٍ : إلى مدّة من الزّمان، فإنّها لصلابتها تبقى مدّة مديدة. أو إلى حين مماتكم  أو إلى أن تقضوا منه أوطاركم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : في رواية أبي الجارود في قوله: أَثاثاً قال:

المال. وَمَتاعاً قال: المنافع. إِلى حِينٍ [أي: إلى حين‏]  بلاغها.