سورة براءة الآية 101-129

وَ مِمَّنْ حَوْلَكُمْ، أي: ممّن حول بلدتكم، يعني: المدينة.

مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ.

قيل : وهم جهينة، ومزينة، وأسلم، وأشجع، وغفار. كانوا نازلين حولهم.

وَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: عطف على «ممّن حولكم». أو خبر لمحذوف، صفته قوله: مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ.

و نظيره في حذف الموصوف وإقامة الصّفة مقامه قوله:

         أنا ابن جلا وطلاع الثّنايا             متى أضع العمامة تعرفوني‏

 و على الأوّل صفة «للمنافقين»، فصل بينها وبينه بالمعطوف على الخبر. أو كلام مبتدأ لبيان تمرّنهم وتمهرهم في النّفاق.

لا تَعْلَمُهُمْ: لا تعرفهم بأعيانهم. وهو تقرير لمهارتهم فيه وتنوّقهم في تحامي مواقع التّهم، إلى حد اخفي عليك حالهم مع كمال فطنتك وصدق فراستك.

نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ: نطلع على أسرارهم. إن قدروا أن يلبسوا عليك، لم يقدروا أن يلبسوا علينا.

سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ.

قيل : بالفضيحة والقتل. أو بأحدهما وعذاب القبر. أو بأخذ الزّكاة ونهك الأبدان.

و في الجوامع : ضرب الملائكة وجوههم وأدبارهم عند قبض أرواحهم، وعذاب القبر.

ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ : إلى عذاب النّار.

وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ: ولم يعتذروا من تخلّفهم بالمعاذير الكاذبة.

قيل : وهم طائفة من المتخلّفين، أوثقوا أنفسهم على سواري المسجد لمّا بلغهم ما نزل في المتخلّفين.

و قدم رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- فدخل المسجد على عادته، فصلّى ركعتين، فرآهم، وسأل عنهم. وذكر له، أنهم أقسموا، أن لا يحلّوا أنفسهم حتّى تحلّهم. فقال: وأنا أقسم ألّا أحلّهم حتّى اؤمر فيهم. فنزلت، فأطلقهم.

خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً: خلطوا العمل الصالح الذي هو اظهار النّدم والاعتراف بالذّنب، باخر سي‏ء هو التخلّف وموافقة أهل النّفاق.

و «الواو» إمّا بمعنى: الباء، كما في قولهم: بعت الشّاء شاة ودرهما. أو للدّلالة على أنّ كلّ واحد منهما مخلوط بالآخر.

عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ: أن يقبل توبتهم. وهي مدلول عليها بقوله:

 «اعترفوا بذنوبهم».

إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ : يتجاوز عن التّائب، ويتفضّل عليه.

و في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن حسّان، عن موسى بن بكر، عن رجل قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام-: الّذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيّئا، فأولئك قوم مؤمنون يحدثون في إيمانهم من الذّنوب الّتي يعيبها المؤمنون ويكرهونها. فأولئك عسى اللَّه أن يتوب عليهم.

و في تفسير العيّاشيّ : عن محمّد بن خالد بن الحجّاج الكرخيّ، عن بعض أصحابه، رفعه إلى خيثمة قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام- في قول اللَّه: [خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ والعسى من اللَّه واجب. وإنّما نزلت في شيعتنا المذنبين.

عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، رفعه إلى الشيخ في قوله- تعالى-:]  «خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا».

قال: قال اجترحوا ذنوبا، مثل قتل حمزة وجعفر الطّيار ثمّ تابوا.

ثمّ قال: ومن قتل مؤمنا، لم يوفق للتوبة، إلّا أنّ اللَّه لم يقطع طمع العباد ورجاءهم منه.

قال: وقال: هو أو غيره: إنّ «عسى» من اللَّه واجب.

عن زرارة ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللَّه: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً.

قال: أولئك قوم مذنبون، يحدثون في إيمانهم من الذّنوب التي يعينها المؤمنون ويكرهونها. فأولئك عسى اللَّه أن يتوب عليهم.

عن زرارة ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قلت له: من وافقنا من علويّ أو غيره، توليناه. ومن خالفنا، برئنا منه من علويّ أو غيره.

يا زرارة، قول اللَّه أصدق من قولك. إنّ الّذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا؟

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله- عزّ وجلّ-: وَآخَرُونَ- إلى قوله- إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏

 نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر. وكان رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- لما حاصر بني قريضة، قالوا له: ابعث إلينا أبا لبابة نستشره في أمرنا.

فقال له رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: [يا أبا لبابة]  ائت حلفاءك ومواليك.

فأتاهم، فقالوا له: يا أبا لبابة، ما ترى، أ ننزل على ما حكم به محمّد؟

فقال: انزلوا، واعلموا أن حكمه فيكم هو الذبح- وأشار إلى حلقه- ثمّ ندم على ذلك.

فقال: خنت اللَّه ورسوله.

و نزل من حصنهم، ولم يرجع إلى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-. ومرّ إلى المسجد وشدّ في عنقه حبلا، ثم شده إلى الأسطوانة التي تسمى: أسطوانة التّوبة. وقال:

لا أحلّة حتّى أموت أو يتوب اللَّه عليّ.

فبلغ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- ذلك، فقال: أما لو أتانا، لاستغفرنا اللَّه له.

فأما إذا قصد إلى ربّه، فاللَّه أولى به.

و كان أبو لبابة يصوم النّهار، ويأكل بالليل ما يمسك به نفسه . فكانت بنته تأتيه بعشائه وتحله عند قضاء الحاجة. فلمّا كان بعد ذلك ورسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- في بيت أمّ سلمة، نزلت توبته.

فقال: يا أمّ سلمة، قد تاب اللَّه على أبي لبابة.

فقالت: يا رسول اللَّه، أ فأؤذنه بذلك؟

فقال: لتفعلنّ.

فأخرجت رأسها من الحجرة، فقالت: يا أبا لبابة، أبشر فقد تاب اللَّه عليك.

فقال: الحمد للَّه.

فوثب المسلمون ليحلّوه، فقال: لا واللَّه، حتّى يحلني رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-.

فجاء رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- فقال: يا أبا لبابة، قد تاب اللَّه عليك توبة لو ولدت من أمّك [يومك‏]  هذا لكفاك.فقال: يا رسول اللَّه، أ فأتصدّق بمالي كلّه؟

قال: لا.

قال: فبثلثيه؟

قال: لا.

قال: فبنصفه؟

قال: لا.

قال: فبثلثه؟

قال: نعم.

فأنزل اللَّه وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً- إلى قوله- هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ.

خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً في تفسير عليّ بن إبراهيم : نزلت حين أطلق أبو لبابة وضمن ماله للتصديق.

تُطَهِّرُهُمْ: عن الذّنوب. أو حبّ المال المؤذي بهم إلى مثله.

و قرى : «تطهرهم». من أطهره، بمعنى: طهره. و«تطهّرهم» بالجزم، جوابا للأمر.

وَ تُزَكِّيهِمْ بِها: وتنمي بها حسناتهم، وترفعهم إلى منازل المخلصين.

وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ: واعطف عليه بالدّعاء والاستغفار لهم.

إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ: تسكن إليها نفوسهم وتطمئنّ بها قلوبهم. وجمعها، لتعدد المدعوّ لهم.

و قرأ  حمزة والكسائي وحفص، بالتّوحيد.

وَ اللَّهُ سَمِيعٌ: باعترافهم.

عَلِيمٌ : بندامتهم.

و في مجمع البيان : عن النبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- أنه كان إذا أتاه قوم‏بصدقتهم، قال: اللّهم، صلّ عليهم.

و في تفسير العيّاشيّ : عن الصادق- عليه السّلام- أنه سئل عن هذه الآية:

أ جارية هي في الإمام بعد رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-؟

قال: نعم.

و في عوالي اللّئالي : وروي أن الثّلاثة الذين تخلفوا في غزوة تبوك لمّا نزل في حقهم وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا (الآية) وتاب اللَّه عليهم، قالوا: خذ من  أموالنا صدقة، يا رسول اللَّه، وتصدق بها وطهّرنا من الذّنوب.

فقال- صلّى اللَّه عليه وآله-: ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئا.

فنزل خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً. [فأخذ]  منهم الزّكاة المقررة [شرعا] .

و في تفسير العيّاشي : [عن زرارة]  عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللَّه: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها: أ هو قوله: وَآتُوا الزَّكاةَ؟

قال: قال: الصّدقات في النّبات والحيوان. والزكاة في الذهب والفضّة، وزكاة الصّوم.

و في أصول الكافي : حسين بن محمّد بن عامر، بإسناده رفعه قال: قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: من زعم أنّ الإمام يحتاج إلى ما في أيدي النّاس، فهو كافر. إنّما النّاس يحتاجون أن يقبل منهم الإمام، قال اللَّه- عزّ وجلّ-: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها.

محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن ابن بكير قال:

 

سمعت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- يقول: إنّي لآخذ من أحدكم الدّرهم، وإني لأكثر أهل المدينة مالا. ما أريد بذلك، إلّا أن تطهروا.و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد وأحمد بن محمّد جميعا، عن ابن محبوب، عن عبد اللَّه بن سنان قال: قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: لمّا نزلت آية الزكاة خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها، وأنزلت في شهر رمضان، فأمر رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- مناديه فنادى في النّاس: إن اللَّه فرض عليكم الزكاة، كما فرض عليكم الصلاة. ففرض اللَّه- عزّ وجلّ- عليهم من الذّهب والفضّة، وفرض عليهم الصّدقة من الإبل والبقر والغنم ومن الحنطة والشّعير والتمر والزّبيب. فنادى بهم  بذلك في شهر رمضان، وعفا لهم عمّا سوى ذلك.

قال: ثمّ لم يفرض بشي‏ء من أموالهم حتّى حال عليهم الحول من قابل، فصاموا وأفطروا. فأمر مناديه فنادى في المسلمين: أيها المسلمون، زكّوا أموالكم تقبل صلاتكم.

ثمّ  قال: ثمّ وجه عمّال الصدقة وعمّال الطّسوق .

أَ لَمْ يَعْلَمُوا:

الضمير إمّا للمتوب عليهم، والمراد: إن يمكّن في قلوبهم قبول توبتهم والاعتداد بصدقاتهم. أو لغيرهم، والمراد: بالتخصيص عليهما.

أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ: إذا صحت. وتعديته «بعن»، لتضمنه معنى التّجاوز.

وَ يَأْخُذُ الصَّدَقاتِ: يقبلها قبول من يأخذ شيئا، ليؤدي بدله.

و في كتاب الخصال : عن حفص  بن غياث النخعي قال: قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: لا خير في الدنيا إلّا لأحد رجلين: رجل يزداد في كلّ يوم إحسانا، ورجل يتدارك ذنبه بالتوبة. وأنى به بالتّوبة، واللَّه، لو سجد حتّى ينقطع عنقه ما قبل اللَّه منه إلا بولايتنا أهل البيت.

عن أمير المؤمنين - عليه السّلام- حديث طويل. وفيه: إذا ناولتم السّائل شيئا، فاسألوه أن يدعو لكم. فانه يجاب له فيكم ولا يجاب في نفسه، لأنّهم يكذبون. وليردالّذي ناوله يده إلى فيه فيقبلها، فإنّ اللَّه- عزّ وجلّ- يأخذها قبل أن تقع في يده، كما قال- عزّ وجلّ-: أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ- إلى قوله- وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ.

و في كتاب التوحيد ، بإسناده إلى سليمان بن مروان

: عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- حديث طويل. وفيه يقول- عليه السّلام-: والقبض منه- عزّ وجلّ- في وجه آخر الأخذ. والأخذ في وجه القبول منه، كما قال: «و يأخذ الصّدقات»، أي: يقبلها من أهلها، ويثيب عليها.

و في كتاب ثواب الأعمال : عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قال عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-: تصدّقت يوما بدينار.

فقال لي رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: أما علمت، يا عليّ، أنّ الصّدقة  لا تخرج من يده حتّى تفك عنها من لحيي

 سبعين شيطانا كلّهم يأمره بإن لا يفعل. وما تقع في يد السّائل، حتّى تقع في يد الرّبّ- جلّ جلاله-. ثمّ تلا هذه الآية: أَ لَمْ يَعْلَمُوا- إلى قوله- هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ.

و في تهذيب الأحكام : محمّد بن يعقوب، عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن سعدان بن مسلم، عن معلى بن خنيس، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: إنّ اللَّه لم يخلق شيئا إلا وله خازن يخزنه، إلّا الصدقة فإنّ الرّب يليها بنفسه. وكان أبي إذا تصدق بشي‏ء، وضعه في يد السّائل، ثمّ ارتدّه منه فقبّله وشمّه، ثمّ ردّه في يد السائل.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في تفسير العيّاشيّ : عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام-، [، قال: ما من شي‏ء الّا وكل به ملك الّا الصدقة فانّها تقع في يد اللَّه.

عن أبي بكر  عن السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه‏]

 عن آبائه قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: خصلتان لا أحبّ أن يشاركني فيهما أحد: وضوئي، فانّه‏من صلاتي. وصدقتي من يدي إلى يد السّائل، فإنها تقع في يد الرّب.

عن محمّد بن مسلم ، عن أحدهما- عليهما السّلام- قال: كان عليّ بن الحسين- صلوات اللَّه عليهما- إذا أعطى السّائل، قبل يد السائل.

فقيل له: لم تفعل ذلك؟

قال: لأنّها تقع في يد اللَّه قبل يد العبد.

و قال: ليس من شي‏ء إلّا وكل به ملك، إلّا الصدقة فإنها تقع في يد اللَّه.

قال الفضل: أظنّه يقبّل الخبز، أو الدرهم.

عن مالك بن عطيّة ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: قال عليّ بن الحسين- صلوات اللَّه عليهما-: ضمنت على ربي أن الصدقة لا تقع في يد العبد، حتّى تقع في يد الرّب. وهو قوله: هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ.

و في الكافي : عن الصادق- عليه السّلام-: إنّ اللَّه يقول: ما من شي‏ء إلّا وقد وكّل

 به من يقبضه غيري، إلّا الصّدقة فإنّي أتلقّفها بيدي تلقّفا. حتّى أنّ الرّجل ليتصدّق بالتّمرة أو بشقّ التّمرة، فأربيها له

، كما يربي الرّجل فلوه

 وفصيله

. فيأتي يوم القيامة وهو، مثل احد وأعظم من احد.

وَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ : فإن من شأنه قبول توبة التّائبين والتّفضل عليهم.

وَ قُلِ اعْمَلُوا: ما شئتم.

فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ: فإنّه لا يخفى عليه، خيرا كان أو شرا.

وَ رَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ.

و في تفسير العيّاشيّ : عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما- عليهما السّلام- قال: سئل‏عن الأعمال: هل تعرض على رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-؟

فقال: ما فيه شكّ.

قيل: أ رأيت قول اللَّه- عزّ وجلّ-: «و قل اعملوا» ما شئتم - إلى قوله- «و المؤمنون».

قال: للَّه شهداء في أرضه .

عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: أن أبا الخطّاب كان يقول: إنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- تعرض عليه أعمال أمّته كلّ خميس.

فقال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: هو هكذا. ولكنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- تعرض عليه أعمال أمّته كلّ صباح ومساء  أبرارها وفجارها، فاحذروا. وهو قول اللَّه- تبارك وتعالى-: فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ.

عن زرارة ، عن بريد العجليّ قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللَّه:

اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ.

فقال: ما من مؤمن يموت ولا كافر يوضع في قبره، حتّى يعرض عمله على رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- وعليّ- عليه السّلام- فهلم إلى آخر من فرض اللَّه طاعته على العباد.

و قال أبو عبد اللَّه - عليه السّلام-: «و المؤمنون» هم الأئمة- عليهم السلام-.

عن محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ.

قال: إنّ للَّه شاهد في أرضه، وأنّ أعمال العباد تعرض على رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-.

عن محمّد بن حسّان الكوفيّ ، عن محمّد بن جعفر، عن أبي عبد اللَّه- عليه‏

 السّلام- قال: إذا كان يوم القيامة، نصب منبر عن يمين العرش له أربع وعشرون مرقاة.

و يجي‏ء عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- وبيده لواء الحمد، فيرتقيه ويركبه وتعرض  الخلائق عليه. فمن عرفه، دخل الجنّة. ومن أنكره، دخل النّار. وتفسير ذلك في كتاب قُلِ اعْمَلُوا- إلى قوله- وَالْمُؤْمِنُونَ.

 [قال: هو، واللَّه، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب- صلوات اللَّه عليه-.] .

و في أمالي شيخ الطائفة - قدس سره- بإسناده إلى عمر بن أذينة قال: كنت عند أبي عبد اللَّه- عليه السّلام-.

فقلت له: جعلت فداك، قوله- عزّ وجلّ-: قُلِ اعْمَلُوا- إلى قوله- وَالْمُؤْمِنُونَ.

قال: إيّانا عنى.

و في أصول الكافي : أحمد، عن عبد العظيم، عن الحسين بن صباح

، عمّن أخبره قال: قرأ رجل عند أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- هذه الآية.

فقال: ليس هكذا هي. إنّما هي «و المأمونون». فنحن المأمونون.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمّد، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: تعرض الأعمال على رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-، أعمال العباد كلّ صباح، أبرارها وفجارها فاحذروه. وهو قول اللَّه- عزّ وجلّ-: اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وسكت.

عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبيّ، عن عبد الحميد الطّائيّ، عن يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- عن قول اللَّه- عزّ وجلّ-: اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ.

قال: هم الأئمّة.عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: ما لكم تسوءون رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-.

فقال له رجل: فكيف نسوؤه؟

فقال: أمّا تعلمون أنّ أعمالكم تعرض عليه؟ فإذا رأى فيها معصية، ساءه ذلك.

فلا تسوءوا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- وسرّوه.

عليّ ، عن أبيه، عن القاسم بن محمّد الزّيات، عن عبد اللَّه بن أبان الزّيات ، وكان مكينا عند الرّضا- عليه السّلام- قال: قلت للرّضا- عليه السّلام-: ادع اللَّه لي ولأهل بيتي.

فقال: أو لست أفعل؟ واللَّه، إنّ أعمالكم لتعرض عليّ في كلّ يوم وليلة.

قال: فاستعظمت ذلك.

فقال: أما تقرأ كتاب اللَّه- عزّ وجلّ-: وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ؟ قال: هو، واللَّه، عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- .

أحمد بن مهران ، عن محمّد بن عليّ، عن أبي عبد اللَّه الصّامت، عن يحيى بن مساور، عن أبي جعفر- عليه السّلام- أنّه ذكر هذه الآية فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ.

قال هو، واللَّه، عليّ بن أبي طالب.

عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن الوشّاء قال: سمعت الرضا- عليه السّلام- يقول: انّ الأعمال تعرض على رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- أبرارها وفجّارها.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدثني أبي، عن حنان بن سدير، عن أبيه، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: مقامي بين أظهركم‏

خير لكم، فإنّ اللَّه يقول: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ . ومفارقتي إياكم خير لكم.

فقالوا: يا رسول اللَّه، مقامك بين أظهرنا خير لنا. فكيف يكون مفارقتك خير لنا؟

فقال: أمّا مفارقتي إيّاكم خير لكم، فلأنّه يعرض عليّ كلّ خميس واثنين أعمالكم. فما كان من حسنة، حمدت اللَّه عليها. وما كان من سيّئة، استغفرت [اللَّه‏]  لكم.

عن أبي عبد اللَّه - عليه السّلام-: إنّ أعمال العباد تعرض على رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- كلّ صباح، أبرارها وفجّارها. فاحذروا، فليستحي  أحدكم أن يعرض على نبيّه العمل القبيح.

و في كتاب جعفر بن محمّد الدوريستي ، بإسناده إلى أبي ذر- رضي اللَّه عنه-:

 

عن النبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- أنه قال: تعرض أعمال أهل الدنيا على اللَّه من الجمعة إلى الجمعة، في يوم الاثنين والخميس، فيغفر لكلّ عبد مؤمن، إلّا عبدا كانت بينه وبين أخيه شحناء.

وَ سَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ: بالموت.

فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ : بالمجازاة عليه.

وَ آخَرُونَ: من المتخلّفين.

مُرْجَوْنَ: مؤخّرون، أي: موقوف أمرهم. من أرجأته: إذا أخرته.

و قرأ  نافع وحمزة والكسائي وحفص: «مرجون» بالواو. وهما لغتان.

لِأَمْرِ اللَّهِ: في شأنهم.

إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ: إن أصروا على النّفاق.

وَ إِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ: إن تابوا.

وَ اللَّهُ عَلِيمٌ: بأحوالهم.

حَكِيمٌ : فيما يفعل بهم.و قرئ : «و اللَّه غفور رحيم».

و في كتاب معاني الأخبار : حدثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد- رضي اللَّه عنه- قال: حدثنا الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن صفوان بن يحيى، عن حجر بن زائدة، عن حمران قال: سألت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- عن قول اللَّه- عزّ وجلّ-: «إلّا المستضعفين» .

قال: هم أهل الولاية.

قلت: وأيّ ولاية؟

قال: إنّها ليست بولاية في الدين، لكنّها الولاية في المناكحة والموارثة والمخالطة.

و هم ليسوا بالمؤمنين، ولا بالكفّار. وهم المرجون لأمر اللَّه.

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب، عن عمر بن أبان قال: سألت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- عن المستضعفين.

فقال: هم أهل الولاية.

فقلت: أي ولاية؟

فقال: أما إنها ليست بالولاية في الدين، ولكنها الولاية في المناكحة والمخالطة والموارثة. وهم ليسوا بالمؤمنين، ولا بالكفّار. ومنهم المرجون لأمر اللَّه- عزّ وجلّ-.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد، عن عليّ بن الحكم، عن موسى بن بكر، عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللَّه- تعالى-: وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ.

قال: قوم كانوا مشركين، فقتلوا، مثل حمزة وجعفر وأشباههما من المؤمنين. ثمّ أنهم دخلوا في الإسلام، فوحّدوا اللَّه وتركوا الشّرك. ولم يعرفوا الإيمان بقلوبهم، فيكونوا من المؤمنين فتجب لهم الجنّة. ولم يكونوا على جحودهم، فيكفروا فتجب لهم النّار. فهم على تلك الحال إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ.و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن يحيى بن [أبي‏]  عمران، عن يونس، عن أبي الطّيّار قال: قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: المرجون لأمر اللَّه قوم كانوا مشركين، قتلوا حمزة. وذكر، كما قلنا عن زرارة عن أبي جعفر- عليه السّلام- سواء.

و في أصول الكافي : عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن حسّان، عن موسى بن بكر الواسطيّ، عن رجل قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام-: المرجون قوم مشركون، فقتلوا، مثل حمزة وجعفر وأشباههما من المؤمنين. ثمّ أنّهم بعد [ذلك‏]  دخلوا في الإسلام، فوحدوا [اللَّه‏]  وتركوا الشّرك. ولم يكونوا يؤمنون، فيكونوا من المؤمنين. ثمّ أنهم لم يؤمنوا، فتجب لهم الجنّة. ولم يكفروا، فتجب لهم النّار. فهم في ذلك الحال مرجون لأمر اللَّه.

و في تفسير العيّاشي : عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قول اللَّه: [و آخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا]  وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ.

قال: هم قوم من المشركين أصابوا دماء من المسلمين، ثمّ أسلموا. فهم المرجون لأمر اللَّه.

عن زرارة  وحمران ومحمد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- وأبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قالا: المرجون، هم قوم قاتلوا يوم بدر وأحد ويوم حنين وسلموا من  المشركين، ثم أسلموا بعد تأخّره . فإمّا يعذّبهم، وإمّا يتوب عليهم.

قال حمران : سألت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- عن المستضعفين.

قال: هم ليسوا بالمؤمن ولا بالكافر ، وهم المرجون لأمر اللَّه.

و عن ابن الطيّار  قال: قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: النّاس على ستّ فرق،يؤولون إلى ثلاث فرق: الإيمان والكفر والضّلال. وهم أهل الوعد. الّذين وعدوا الجنّة والنّار. وهم المؤمنون، والكافرون، والمستضعفون، والمرجون لأمر اللَّه إمّا يعذبهم وإمّا يتوب عليهم، والمعترفون بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا، وأهل الأعراف.

عن الحارث ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: قال: سألته: بين الإيمان والكفر منزلة؟

فقال: نعم. ومنازل لو يجحد شيئا منها، أكبه اللَّه في النّار. بينهما آخرون مرجون لأمر اللَّه. [و بينهما المستضعفون‏]  وبينهما آخرون خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا. وبينهما قوله: وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ .

عن زرارة ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: المرجون لأمر اللَّه قوم كانوا مشركين، فقتلوا، مثل حمزة وجعفر وأشباههما . ثمّ دخلوا بعد في الإسلام، فوحدوا اللَّه وتركوا الشّرك. ولم يعرفوا الإيمان بقلوبهم، فيكونوا من المؤمنين فتجب لهم الجنة. ولم يكونوا على جحودهم، فيكفروا فتجب لهم النّار. فهم على تلك الحال، إمّا يعذبهم وإمّا يتوب عليهم.

قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام- يرى فيهم رأيه .

قال: قلت: جعلت فداك، من أين يرزقون؟

قال: من حيث شاء اللَّه.

و قال أبو إبراهيم- عليه السّلام-: هؤلاء يوقفهم حتّى يتبيّن  فيهم [رأيه‏] .

وَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً: عطف على وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ. أو مبتدأ خبره محذوف، أي: وفيمن وصفنا «الذين اتخذوا». أو منصوب على الاختصاص.

و قرأ  نافع وابن عامر، بغير واو.

في الجوامع : روي إنّ بني عمرو بن عوف لمّا بنوا مسجد قباء وصلّى فيه‏رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-، حسدتهم إخوتهم بنو غنم بن عوف، وقالوا: نبني مسجدا نصلي فيه ولا نحضر جماعة محمّد. فبنوا مسجدا إلى جنب مسجد قباء، وقالوا لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وهو يتجهز إلى تبوك: إنا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه.

فقال: إني على جناح سفر.

و لمّا انصرف من تبوك، نزلت. فأرسل من هدم المسجد وأحرقه، وأمر أن يتّخذ مكانه كناسة تلقى فيها الجيف والقمامة.

ضِراراً: مضارة للمؤمنين: أصحاب مسجد قباء.

وَ كُفْراً: وتقوية للكفر الّذي يضمرونه.

وَ تَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ: يريد الّذين كانوا يجتمعون للصّلاة في مسجد قباء، وأرادوا أن يتفرّقوا عنه وتختلف كلمتهم.

وَ إِرْصاداً: وإعدادا وترقّبا.

لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ، يعني: أبا عامر الرّاهب.

قيل : بنوه على قصد أن يؤمهم فيه أبو عامر، إذا قدم من الشّام «من قبل» متعلّق «بحارب». أو «باتّخذوا»، أي: اتخذوا مسجدا من قبل أن ينافق هؤلاء بالتّخلّف.

و في الجوامع : إنّه كان قد ترهب في الجاهلية، وليس المسوح. فلما قدم النبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- المدينة، حسده وحزب عليه الأحزاب. ثمّ هرب بعد فتح مكّة، وخرج إلى الرّوم وتنصر. وكان هؤلاء يتوقعون رجوعه إليهم، وأعدّوا هذا المسجد له ليصلي فيه ويظهر على رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-.

و إنّه كان يقاتل رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- في غزواته. إلى أن هرب إلى الشّام، ليأتي من قيصر بجنود. يحارب بهم رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- ومات بقنسرين  وحيدا.

وَ لَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى: ما أردنا بنيانه إلّا الخصلة الحسنى، أو الإرادة الحسنى. وهي الصّلاة والذّكر، والتّوسعة على المصلين.وَ اللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ : في حلفهم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : كان سبب نزولها، أنّه جاء قوم من المنافقين إلى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- فقالوا: يا رسول اللَّه، أ تأذن لنا أن نبي مسجدا في بني سالم للعليل والليلة المطيرة والشّيخ الفاني. فأذن لهم رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- وهو على الخروج إلى تبوك. فقالوا: يا رسول اللَّه، لو أتيتنا فصلّيت فيه.

قال: أنا على جناح السفر. فإذا وافيت ان شاء اللَّه، أتيته فصليت فيه.

فلما أقبل رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- من تبوك، نزلت عليه هذه الآية في شأن المسجد وأبي عامر الرّاهب. وقد كانوا حلفوا لرسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- إنّهم يبنون ذلك للصّلاح والحسنى. فأنزل اللَّه على رسوله وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً (الآية). قال: وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ، يعني: أبا عامر الرّاهب.

كان يأتيهم، فيذكر رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- وأصحابه.

و في تفسير الإمام - عليه السّلام- عند قوله: لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا  من سورة البقرة: أن رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- كان تأتيه الأخبار عن صاحب دومة الجندل :

و كانت تلك النّواحي له مملكة عظيمة  مما يلي الشّام. وكان يهدّد رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- بقصده وبقتل  أصحابه. وكان أصحاب رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- خائفين وجلين من قبله.

قال: ثمّ أنّ المنافقين اتفقوا وبايعوا لأبي عامر الرّاهب، الذي سماه رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: الفاسق. وجعلوه أميرا ونجعلوا  له بالطاعة.فقال لهم: الرأي أن أغيب من المدينة، لئلّا اتّهم إلى أن يتمّ تدبيركم.

و كانوا أكيدر صاحب دومة الجندل، ليقصد المدينة.

فأوحى اللَّه- تعالى- إلى محمّد، وعرّفه ما أجمعوا عليه من أمره، وأمره بالمسير إلى تبوك.

و كان رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- كلّما أراد غزوا، ورّى بغيره. إلا غزاة تبوك، فإنّه أظهر ما كان يريده وأمرهم أن يتزودوا لها. وهي الغزاة الّتي افتضح فيها المنافقون، وذمّهم اللَّه في تثبّطهم عنها. وأظهر رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- ما أوحى اللَّه- تعالى- إليه، أنّ اللَّه سيظهره بأكيدر حتّى يأخذه ويصالحه على ألف أوقيّة ذهب في رجب، ومائتي حلّة وألف أوقية في صفر، [و مائتي حلّة]  وينصرف سالما إلى ثمانين يوما.

فقال لهم رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: إنّ موسى وعد قومه أربعين ليلة، وإني أعدكم ثمانين، أرجع سالما غانما ظافرا بلا حرب يكون ولا يشتاك أحد من المؤمنين.

فقال المنافقون: لا واللَّه، ولكنها آخر كرّاته التي لا ينجبر بعدها. إنّ أصحابه ليموت بعضهم في هذه الحرب ورياح البوادي ومياه المواضع المؤذية الفاسدة، ومن سلم من ذلك فبين أسير في يد أكيدر وقتيل وجريح.

و استأذنه المنافقون بعلل ذكروها، بعضهم يعتل  بالحرّ وبعضهم بمرض بجسده وبعضهم بمرض عياله. وكان يأذن لهم.

فلمّا أصبح وضحّ عزم رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- على الرّحلة إلى تبوك، عمد هؤلاء المنافقون فبنوا خارج المدينة مسجدا وهو مسجد الضّرار. يريدون الاجتماع فيه، ويوهمون أنه للصّلاة. وإنما كان يجتمعون فيه لعلّة الصلاة فيتمّ تدبيرهم ويقع هناك ما يسهل به لهم ما يريدون.

ثمّ جاء جماعة منهم إلى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- وقالوا: يا رسول اللَّه، إنّ بيوتنا قاصية عن مسجدك، فإنّا نكره الصلاة في غير جماعة ويصعب علينا الحضور، وقد بنينا مسجدا. فإن رأيت أن تقصده وتصلي فيه، لنتيمن ونتبرك بالصلاة في موضع‏مصلاك.

فلم يعرفهم رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- ما عرفه اللَّه- تعالى- من أمرهم ونفاقهم. وقال: ائتوني بحماري. فاتي باليعفور، فركبه يريد نحو مسجدهم. فكلّما بعثه هو وأصحابه، لم ينبعث ولم يمش. فإذا صرف رأسه عنه إلى غيره، سار أحسن سيرة وأطيبه.

قالوا: لعلّ هذا الحمار قد رأى من الطريق شيئا كرهه، ولذلك لا ينبعث نحوه.

فقال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: ائتوني بفرس. فركبه، فلمّا بعثه نحو مسجدهم لم ينبعث، وكلما حرّكوه نحوه، لم يتحرّك. حتى إذا فتلوا رأسه إلى غيره، سار أحسن سيره.

فقالوا: ولعلّ هذا الفرس قد كره شيئا في هذا الطريق.

فقال: تعالوا نمش إليه. فلمّا تعاطى هو ومن معه المشي نحو المسجد، جفوا في مواضعهم ولم يقدروا على الحركة. وإذا همّوا بغيره من المواضع، خفّت حركاتهم ونقيت أبدانهم وبسطت قلوبهم. فقال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: هذا أمر قد كرهه اللَّه، وليس يريده الآن. وأنا على جناح سفر، فأمهلوني حتّى أرجع- إن شاء اللَّه-. ثمّ أنظر في هذا نظرا يرضاه اللَّه.

و جدّ في العزم على الخروج إلى تبوك، وعزم المنافقون على اصطلام مخلّفيهم إذا خرجوا. فأوحى اللَّه- تعالى- إليه: يا محمّد، إنّ العليّ الأعلى يقرئك السّلام، ويقول:

إمّا أن تخرج أنت ويقيم عليّ، وإمّا أن يخرج عليّ وتقيم أنت.

فقال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- ذلك لعليّ- عليه السّلام-.

فقال عليّ- عليه السّلام-: السّمع والطاعة لأمر اللَّه وأمر رسوله. وإن كنت أحبّ أن لا أتخلّف عن رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- في حال من الأحوال.

فقال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنه لا نبيّ بعدي؟

قال: رضيت، يا رسول اللَّه.

فقال له رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: يا أبا الحسن، إنّ أجر خروجك معي في مقامك بالمدينة. وإنّ اللَّه قد جعلك أمّة وحدك، كما جعل إبراهيم- عليه السّلام- أمّة، تمنع جماعة المنافقين والكفار هيبتك عن الحركة على المسلمين.

فلمّا خرج رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- وشيّعه عليّ- عليه السّلام-، خاض

 المنافقون وقالوا: إنّما خلّفه محمّد بالمدينة، لبغضه له وملاله منه، وما أراد بذلك إلّا أن يتنبّه المنافقون فيقتلوه.

فاتصل ذلك برسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-. فقال عليّ- عليه السّلام-: أ تسمع ما يقولون، يا رسول اللَّه؟

فقال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: ما يكفيك أنّك جلدة ما بين عينيّ، ونور بصري، وكالرّوح في بدني؟

ثمّ سار رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- بأصحابه، وأقام عليّ- عليه السّلام- بالمدينة. فكان كلّما دبر المنافقون أن يوقعوا بالمسلمين، فزعوا من عليّ- عليه السّلام- وخافوا أن يقوم معه عليهم من يدفعهم عن ذلك. وجعلوا يقولون فيما بينهم: هي كرّة محمّد التي لا يؤوب منها.

ثمّ ذكر- عليه السّلام- قصّة رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- مع أكيدر، وأخذه له، وصلحه معه- على ما مرّ ذكره-.

ثمّ قال: وعاد رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- غانما ظافرا، وأبطل اللَّه كيد المنافقين. وأمر رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- بإحراق مسجد الضرار. فأنزل اللَّه- تعالى- وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً (الآيات). أبا عامر الراهب كان عجل هذه الأمّة، كعجل قوم موسى. وأنه دمّر اللَّه عليه، وأصابه بقولنج وبرص وفالج ولقوة. وبقي أربعين صباحا في أشدّ العذاب، ثمّ صار إلى عذاب اللَّه.

لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً، أي: لا تصلّ فيه أبدا. يقال: فلان يقوم باللّيل، أي:

يصلي.

لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ: من أيام وجوده.

و «من» يعمّ الزّمان والمكان، كقوله:

         لمن الدّيار بقنّة  الحجر             أقوين من حجج ومن دهر

 

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد بن عيسى، عن الحلبيّ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: سألته عن المسجد الّذي أسّس‏على التقوى.

قال: مسجد قباء.

و في تفسير العياشيّ : عن زرارة وحمران ومحمّد بن مسلم، عن أبي جعفر وأبي عبد اللَّه- عليهما السلام-. عن قوله: لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ.

قال: مسجد قباء.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، يعني: مسجد قباء.

أسسه رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- وصلّى فيه أيّام مقامه بقباء.

قيل : من الاثنين إلى الجمعة.

و فسره  بعضهم بمسجد رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-.

لقول أبي سعيد : سألت رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-. فقال: هو مسجدكم هذا، مسجد المدينة. ولم يثبت رواية أبي سعيد.

أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ: أولى أن تصلّي فيه.

و في تفسير العيّاشيّ : قال: يعني: من مسجد النّفاق. وكان على طريقه رجل، إذا أتى مسجد قباء فيأمر  فينضح بالماء والسّدر، ويرفع ثيابه عن ساقيه ويمشي على حجر في ناحية الطّريق ويسرع المشي، ويكره أن يصيب ثيابه منه شي‏ء.

فسألته: هل كان النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- يصلّي في مسجد قباء؟

قال: نعم.

فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ .

في تفسير العيّاشيّ : عن الصّادق- عليه السّلام-: هو الاستنجاء بالماء.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : كانوا يتطّهرون بالماء.و في مجمع البيان : قيل: يحبّون أن يتطهّروا بالماء من الغائط والبول. وهو المرويّ عن السّيدين الباقر والصّادق- عليهما السّلام-.

و روي  عن النبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- أنه قال لأهل قباء: ما ذا تفعلون في طهركم؟ فإن اللَّه- عزّ وجلّ- قد أحسن عليكم الثناء.

قالوا: نغسل أثر الغائط.

فقال: أنزل اللَّه فيكم وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ.

أَ فَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ: بنيان دينه.

عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٍ: على قاعدة محكمة، هي التقوى من اللَّه وطلب مرضاته بالطّاعة.

خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ: على قاعدة هي أضعف القواعد وأقلّها بقاء. وهو الباطل والنّفاق، الّذي مثله، مثل شفا جرف هار في قلّة.

الثّبات.

و «الشّفا» الشّفير. و«جرف الوادي» جانبه، الّذي ينحفر أصله بالماء وتجرفه السّيول. و«الهار» الهائر، الّذي أشفى على السّقوط والهدم.

فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ: لمّا جعل الجرف الهار مجازا عن الباطل، قيل :

 «فانهار به في نار جهنّم».

و المعنى: فهوى به الباطل في نار جهنّم، فكأنّ المبطل أسّس بنيانا على شفير جهنّم، فطاح به إلى قعرها.

و قرأ  نافع وابن عامر: «اسّس» على البناء للمفعول.

و قرئ : «أساس بنيانه»، و«أسّ بنيانه» على الإضافة. و«أسس»، و«آساس»، و«إساس» بالكسر، وثلاثتها جمع، أسّ. و«تقوى» بالتّنوين، على أنّ الألف للإلحاق لا للتّأنيث، كتترى.

و قرأ  ابن عامر وحمزة وأبو بكر: «جرف»: بالتّخفيف.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: مسجد الضّرار، الّذي أسّس على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنّم‏

و في مصباح الشّريعة : قال الصّادق- عليه السّلام-: وكلّ عبادة مؤسّسة على غير التّقوى  فهي هباء منثورا. قال اللَّه- عزّ وجلّ-: أَ فَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٍ من اللَّه  خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ (الآية).

و تفسير التقوى: ترك ما ليس بأخذه بأس ، حذرا عمّا به بأس.

وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ : إلى ما فيه صلاح ونجاة.

و في أمالي شيخ الطائفة ، بإسناده إلى خنيس بن معمّر  قال: دخلت على أمير المؤمنين، عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-. فقلت: السّلام عليك، يا أمير المؤمنين، ورحمة اللَّه. كيف أمسيت؟

قال: أمسيت محبّا لمحبّنا ومبغضا لمبغضنا، [أمسى محبّنا مغتبطا]  برحمة من اللَّه كان منتظرها . وأمسى عدوّنا يؤسّس بنيانه على شفا جرف هار، فكأنّ ذلك الشّفا قد انهار به في نار جهنّم.

و بإسناده  إلى أمير المؤمنين- عليه السّلام- أنّه قال: ليس عبد من عباد اللَّه ممّن امتحن اللَّه قلبه بالإيمان، إلّا وهو يجد مودّتنا على قلبه، فهو محبّنا. وليس عبد من عباد اللَّه ممّن سخط اللَّه عليه، إلّا وهو يجد بغضنا على قلبه، فهو مبغضنا. فأصبح محبّنا ينتظر الرّحمة، وكأنّ أبواب الرّحمة قد فتحت له، وأصبح مبغضنا على شفا جرف هار، فانهار به في نار جهنّم فهنيّئا لأهل الرّحمة رحمتهم، وهنيئا  لأهل النّار مثواهم.

و بإسناده  إلى صالح بن ميثم التمّار- رحمه اللَّه- قال: وجدت في كتاب ميثم‏

 - رضي اللَّه عنه- قال: تمسّينا ليلة عند أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.

فقال لنا: ليس من عبد امتحن اللَّه قلبه بالإيمان، إلّا أصبح يجد مودّتنا على قلبه. ولا أصبح عبد ممّن سخط اللَّه عليه، إلّا يجد بغضنا على قلبه. فأصبحنا نفرح بحبّ المحبّ لنا، ونعرف بغض المبغض لنا. وأصبح محبنا مغتبطا بحبنا، برحمة من اللَّه ينتظرها كلّ يوم. وأصبح مبغضنا يؤسّس بنيانه على شفا جرف هار، فكأنّ ذلك الشّفا قد انهار به في نار جهنّم، وكأنّ أبواب الرّحمة قد فتحت لأصحاب الرّحمة . فهنيئا لأصحاب الرّحمة رحمتهم، وتعسا لأصحاب النّار مثواهم.

لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا: بناؤهم الّذي بنوه. مصدر، أريد به المفعول، وليس بجمع، ولذلك قد تدخله التّاء. ووصف بالمفرد، واخبر عنه بقوله: رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ، أي: شكّا ونفاقا.

و المعنى: أنّ بناءهم هذا لا يزال سبب شكّهم وتزايد نفاقهم، فإنّه حملهم على ذلك. ثمّ لما هدمه الرّسول- صلّى اللَّه عليه وآله- رسخ ذلك في قلوبهم وازداد، بحيث لا يزول وسمه عن قلوبهم.

إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ: قطعا، بحيث لا يبقى لها قابليّة الإدراك والإضمار.

و هو في غاية المبالغة والاستثناء من أعمّ الأزمنة.

و قيل : المراد بالتقطع: ما هو كائن بالقتل، أو في القبر، أو في النّار.

و قيل : التّقطع بالتّوبة، ندما وأسفا.

و قرأ  يعقوب: «إلى» بحرف الانتهاء. «و تقطّع»، بمعنى: تتقطّع. وهو قراءة ابن عامر وحمزة وحفص.

و قرئ : «يقطع» بالياء. و«تقطع» بالتّخفيف. و«تقطع قلوبهم» على خطاب الرّسول، أو كلّ مخاطب. و«لو تقطعت» على البناء للفاعل أو المفعول.

و في الجوامع : عن الصّادق- عليه السّلام- أنه قرأ: «إلى أن تقطّع».و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، يعني: حتّى ينقطع قلوبهم.

وَ اللَّهُ عَلِيمٌ: بنيّاتهم.

حَكِيمٌ : فيما أمر بهدم بنائهم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : فبعث رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- مالك بن جشم  الخزاعيّ وعامر بن عديّ، أخا بني عمرو بن عوف، على أن يهدموه ويحرقوه. فجاء مالك فقال لعامر: انتظرني حتّى اخرج نارا من منزلي. فدخل وجاء بنار وأشعل في سعف النّخل، ثمّ أشعله في المسجد فتفرّقوا. وقعد زيد بن حارثة حتّى احترقت البنية، ثمّ أمر بهدم حائطه.

و في مجمع البيان : وروي أنّه أرسل عمّار بن ياسر ووحشيا، فحرقاه. وأمر بأن يتخذ كناسة يلقى فيه الزّبل و والجيف.

إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ: تمثيل لإثبات اللَّه إيّاهم الجنة على بذل أنفسهم وأموالهم في سبيله.

يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ: استئناف ببيان ما لأجله الشّري.

و قيل : «يقاتلون» في معنى الأمر.

و قرأ  حمزة والكسائي، بتقديم المبنيّ للمفعول. وقد عرفت أن الواو لا توجب التّرتيب، وأنّ فعل البعض قد يسند إلى الكلّ.

وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا: مصدر مؤكّد لما دلّ عليه الشّري، فإنّه في معنى: الوعد. أو فعله محذوف، أي: وعد ذلك على نفسه وعدا ثابتا.

فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ: مذكورا فيهما، كما اثبت في القرآن.

وَ مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ: مبالغة في الإنجاز، وتقرير لكونه حقّا.

فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ: فافرحوا به غاية الفرح. فإنّه أوجب لكم عظائم المطالب، كما قال: وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ  التَّائِبُونَ: رفع‏على المدح، أي: هم التّائبون، والمراد بهم: المؤمنون المذكورون.

و يجوز أن يكون مبتدأ خبره محذوف، تقديره: التّائبون من أهل الجنة وإن لم يجاهدوا، لقوله: وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى. أو خبره ما بعده، أي: التّائبون عن الكفر على الحقيقة، هم الجامعون لهذه الخصال.

و قرئ ، بالياء، نصبا على المدح. أو جرّا، صفة للمؤمنين.

و في قراءة الباقر والصّادق- عليهما السلام-: «التائبين- إلى قوله- والحافظين».

رواها في مجمع البيان  عنهما- عليهما السّلام-.

 

و في روضة الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد [بن عليّ‏] ، عن عليّ بن الحكم، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: تلوت «التائبون العابدون».

فقال: لا، اقرأ: «التّائبين العابدين» (إلى آخرها).

فسئل عن العلّة في ذلك.

فقال: اشترى من المؤمنين التّائبين العابدين.

الْعابِدُونَ: الّذين عبدوا اللَّه مخلصين له.

الْحامِدُونَ: بنعمائه.

السَّائِحُونَ: الصّائمون،

لقوله- عليه السّلام-: سياحة أمّتي، الصّوم.

شبه بها، من حيث أنّه يعوق عن الشّهوات. أو لأنّه رياضة نفسانية، يتوصّل بها إلى الاطّلاع على خفايا الملك والملكوت. أو السائحون للجهاد، أو لطلب العلم.

الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ: في الصلاة.

الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ: بالإيمان والطّاعة.

وَ النَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ: عن الشرك والمعاصي.

قيل : العاطف فيه للدّلالة على أنّه بما عطف عليه في حكم خصلة واحدة، كأنّه قال: الجامعون بين الوصفين.و في قوله: وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ، أي: فيما بيّنه وعيّنه من الحقائق والشّرائع. للتّنبيه على أنّ ما قبله مفصّل الفضائل، وهذا مجملها.

و قيل : إنّه للإيذان بأنّ التعداد قد تمّ بالسّابع، من حيث أنّ السّبعة هو العدد التّام. والثّامن ابتداء تعداد آخر معطوف عليه، ولذلك سمي: واو الثّمانية.

و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة بن مهران، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: من أخذ سارقا فعفا عنه، فذاك له. فإن رفعه إلى الإمام، قطعه. فإن قال الّذي سرق منه: أنا أهب له، لم يدعه الإمام حتّى يقطعه إذا رفعه إليه، وإنما الهبة قبل أن يرفع إلى الإمام، وذلك قول اللَّه- عزّ وجلّ-: وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ. فإنّ انتهى الحد إلى الإمام، فليس لأحد أن يتركه.

وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ، يعني به: هؤلاء الموصوفين بتلك الفضائل. ووضع المؤمنين موضع ضميرهم، للتّنبيه على أنّ إيمانهم دعاهم إلى ذلك، وأنّ المؤمن الكامل من كان كذلك. وحذف المبشّر به، للتعظيم، كأنّه قيل: وبشّرهم بما يجلّ عن إحاطة الإفهام وتعبير الكلام.

و في الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن بعض أصحابه قال: كتب أبو جعفر- عليه السّلام- في رسالة إلى بعض خلفاء بني أميّة: ومن ذلك من ضيّع الجهاد الذي فضله اللَّه- تعالى- على الأعمال وفضّل عامله على العمّال، تفضيلا في الدرجات والمغفرة والرّحمة. لأنّه ظهر به الدين، وبه يدفع عن الدّين، وبه اشترى اللَّه من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بالجنّة بيعا مفلحا منجحا، أشترط عليهم فيه حفظ الحدود. وأوّل ذلك الدّعاء إلى طاعة اللَّه- عزّ وجلّ- من طاعة العباد، وإلى عبادة اللَّه من عبادة العباد، وإلى ولاية اللَّه من ولاية العباد. والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن يزيد، عن أبي عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: قلت له: أخبرني عن الدّعاء إلى‏اللَّه والجهاد في سبيل اللَّه، أهو لقوم لا يحل إلّا لهم ولا يقوم به إلّا من كان منهم، أم هو مباح لكلّ من وحّد اللَّه- عزّ وجلّ- وآمن برسوله- صلّى اللَّه عليه وآله-. ومن كان كذا، فله أن يدعو إلى اللَّه- عزّ وجلّ- وإلى طاعته وأن يجاهد في سبيله؟

فقال: ذلك لقوم لا يحلّ إلّا لهم، ولا يقوم بذلك إلّا من كان منهم.

قلت: من أولئك؟

قال: من قام بشرائط اللَّه- تعالى- في القتال والجهاد على المجاهدين، فهو المأذون له في الدّعاء إلى اللَّه. ومن لم يكن قائما بشرائط اللَّه في الجهاد على المجاهدين، فليس بمأذون له في الجهاد ولا إلى  ولا الدّعاء إلى اللَّه حتّى يحكّم في نفسه ما أخذ اللَّه عليه من شرائط الجهاد.

قلت: فبيّن لي، يرحمك اللَّه.

قال: اللَّه- تبارك وتعالى- أخبر [نبيّه‏]  في كتابه الدّعاء إليه، ووصف الدّعاة إليه. فجعل ذلك لهم درجات يعرف بعضها بعضا، ويستدلّ ببعضها على بعض. فأخبر أنّه- تبارك وتعالى- أوّل من دعا إلى نفسه ودعا إلى طاعته واتّباع أمره.

إلى قوله: ثمّ ذكر من أذن له في الدّعاء إليه بعده وبعد رسوله في كتابه، فقال:

وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.

ثمّ أخبر عن هذه الأمة وممّن هي، وأنها من ذرّيّة إبراهيم ومن ذرّيّة إسماعيل، من سكّان الحرم، ممّن لم يعبدوا غير اللَّه قطّ، الّذين وجبت لهم دعوة إبراهيم وإسماعيل، من أهل المسجد الّذين أخبر عنهم في كتابه أنّه أذهب عنهم الرّجس وطهرهم تطهيرا، الّذين وصفناهم قبل هذا في صفة أمّة محمّد ، الّذين عناهم اللَّه- تبارك وتعالى- في قوله: أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي، يعني: أوّل من اتّبعه على الإيمان به والتصديق له بما جاء من عند اللَّه- عزّ وجلّ- من أمّته التي بعث فيها ومنها وإليها قبل الخلق، ممّن لم يشرك باللَّه قطّ ولم يلبس إيمانه  بظلم وهو الشّرك.ثمّ ذكر أتباع نبيّه- صلّى اللَّه عليه وآله- وأتباع هذه الأمة، الّتي وصفها بكتابه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجعلها داعية إليه وأذن لها في الدّعاء إليه، فقال:

يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ .

ثمّ وصف أتباع نبيّه- صلّى اللَّه عليه وآله- من المؤمنين فقال: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ، تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً، سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ، ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ . وقال: يوم لا يخزي اللَّه النّبيّ والّذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم»  يعني: أولئك المؤمنين. وقال: أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ .

ثمّ حلاهم ووصفهم كيلا يطمع في اللّحاق بهم إلّا من كان منهم، فقال فيما حلالهم به ووصفهم: الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ- إلى قوله- أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ، الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ . وقال في صفتهم وحليتهم أيضا: الَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ، وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً، يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً .

ثمّ أخبر أنّه اشترى من هؤلاء المؤمنين ومن كان على مثل صفتهم أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ، يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ، وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ.

ثمّ ذكر وفاءهم له بعهده ومبايعته ، فقال: وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ، فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ، وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ .

فلما نزلت هذه الآية إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ

 قام رجل إلى النبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- فقال: يا نبيّ اللَّه، أ رأيتك الرّجل يأخذ سيفه فيقاتل حتّى يقتل إلا أنّه يقترف من هذه المحارم، أ شهيد هو؟

فأنزل اللَّه- عزّ وجلّ- على رسوله التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ  (الآية). فبشر  النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- المجاهدين من المؤمنين الّذين هذه صفتهم وحليتهم بالشّهادة والجنّة، وقال: «التّائبون» من الذنوب. [ «العابدون»]  الّذين لا يعبدون إلّا اللَّه ولا يشركون به شيئا. «الحامدون» الّذين يحمدون اللَّه على كلّ حال في الشدّة والرّخاء.

و «السّائحون» الصّائمون. الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الذين يواظبون على الصلوات الخمس، الحافظون لها والمحافظون عليها بركوعها وسجودها والخشوع فيها وفي أوقاتها.

الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ بعد ذلك، والعاملون به. وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ والمنتهون عنه.

قال: فبشّر من قتل وهو قائم بهذه الشّروط بالشّهادة والجنة.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: لقي عبّاد البصريّ عليّ بن الحسين- عليهما السلام- في طريق مكّة.

فقال له: يا عليّ بن الحسين، تركت الجهاد وصعوبته وأقبلت على الحجّ ولينته. إنّ اللَّه- تعالى- يقول: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ- إلى قوله- هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. فقال له عليّ بن الحسين- صلوات اللَّه عليهما-: أتمّ الآية.

فقال: التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ- إلى قوله- وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ.

فقال عليّ بن الحسين- عليهما السلام-: إذا رأينا هؤلاء الّذين هذه صفتهم، فالجهاد معهم أفضل من الحجّ.

عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد، عن ابن القداح، عن أبيه الميمون، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: أنّ أمير المؤمنين- عليه السّلام- كان إذا أراد القتال، قال هذه الدعوات: اللّهم، إنّك أعلمت  سبيلا من سبلك، جعلت فيه‏رضاك وندبت إليه أولياءك، وجعلته أشرف سبلك  عندك ثوابا وأكرمها لديك مآبا وأحبّها إليك مسلكا. ثمّ اشتريت فيه مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ، يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ، وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا. فاجعلني ممّن اشترى فيه منك نفسه، ثمّ وفى لك ببيعه الّذي بايعك عليه، غير ناكث ولا ناقض عهدا ولا مبدّلا تبديلا.

و الدّعاء طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: نزلت في الأئمة- صلوات اللَّه عليهم-.

حدثني أبي ، عن بعض رجاله قال: لقي الزّهريّ عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- في طريق الحجّ.

فقال له: يا عليّ بن الحسين، تركت الجهاد وصعوبته وأقبلت على الحجّ ولينته. إن اللَّه- تبارك وتعالى- يقول: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ، يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ، وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ، وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ، وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ.

فقال عليّ بن الحسين- عليه السّلام-: إنّما هم الأئمة- صلوات اللَّه عليهم-.

فقال: التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ- إلى قوله- وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ.

فقال له عليّ بن الحسين- صلوات اللَّه عليهما-: إذا رأينا هؤلاء الّذين هذه صفتهم، فالجهاد معهم أفضل من الحجّ.

و فيه - أيضا-: أنزلت في الأئمّة، لأنّه وصفهم بصفة لا تجوز في غيرهم.

فالآمرون بالمعروف هم الّذين يعرفون المعروف كلّه، صغيره وكبيره ودقيقه وجليله  والنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ هم الّذين يعرفون المنكر كلّه، صغيره وكبيره. والْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ هم الّذين يعرفون حدود اللَّه، صغيرها وكبيرها ودقيقها وجليلها . ولا يجوز أن يكون بهذه الصّفة غير الأئمّة.

و في نهج البلاغة : إنّه ليس لأنفسكم ثمن إلّا الجنّة، فلا تبيعوها إلّا بها.و فيه : فلا أموال بذلتموها للّذي رزقها، ولا أنفس خاطرتم بها للّذي خلقها.

و في تفسير العيّاشيّ : عن أبي بصير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سألته  أنّه سئل عن قول اللّه- تعالى-: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى (الآية).

فقال: يعني: في الميثاق.

ثمّ قرأت عليه: التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ.

فقال: لا، ولكن اقرأها: التائبين العابدين (إلى آخر الآية).

و قال: إذا رأيت هؤلاء، فعند ذلك هؤلاء اشترى منهم أنفسهم وأموالهم، يعني:

في الرّجعة.

ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ‏

في مجمع البيان ، وفي تفسير الحسن: أنّ المسلمين قالوا للنّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله-: ألا تستغفر لآبائنا الّذين ماتوا في الجاهلية؟

فأنزل اللَّه هذه الآية.

وَ لَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ :

بأن ماتوا على الكفر، أو بوحي من اللَّه: أنّهم لن يؤمنوا.

و فيه دليل على جواز الاستغفار لأحيائهم ما لم يعلم موتهم على الكفر، فإنّه طلب توفيقهم للإيمان.

و به دفع النّقض باستغفار إبراهيم لأبيه الكافر، سواء كان أباه الّذي ولده أو جده لأمّه أو عمّه، على ما رواه  أصحابنا.

فقال: وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ: وعدها إبراهيم أباه بقوله: «لأستغفرنّ لك»، أي: لأطلبنّ مغفرتك بالتّوفيق للإيمان، فإنّه يجب ما قبله. ويدل عليه قراءة من قرأها: «أباه». أو «وعدها إبراهيم أبوه» وهي الوعد بالإيمان.

فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ: بأن مات على الكفر. [فإنّه يجب ما قبله ويدلّ على الكفر]  أو أوحى إليه اللَّه، بأنّه لن يؤمن.

تَبَرَّأَ مِنْهُ: قطع استغفاره.

و في تفسير العيّاشي : عن إبراهيم بن أبي البلاد، عن بعض أصحابه قال: قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: ما يقول النّاس في قول اللَّه- عزّ وجلّ- وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ؟

قلت: يقولون: إنّ إبراهيم وعد أباه أن يستغفر  له.

قال: ليس هو هكذا. إنّ إبراهيم وعده أن يسلم، فاستغفر له. فلمّا تبين له أنّه عدوّ للَّه، تبرأ منه.

أبو إسحاق الهمدانيّ ، عن الخليل ، عن أبي عبد اللَّه قال: صلّى رجل إلى جنبي فاستغفر لأبويه، وكانا ماتا في الجاهلية.

فقلت: تستغفر لأبويك، وقد ماتا في الجاهليّة؟

قال: فقد استغفر إبراهيم لأبيه.

فلم أدر ما أردّها عليه، فذكرت ذلك للنبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله-. فأنزل اللَّه وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ- إلى قوله - وَعَدَها إِيَّاهُ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ.

قال: لمّا مات  تبيّن أنّه عدوّ للَّه، فلم يستغفر له.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله: وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ.

قال: قال إبراهيم لأبيه: إن لم تعبد الأصنام، استغفرت لك. فلمّا لم يدع الأصنام، تبرأ منه.

إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ، أي: يكثر التأوّه. وهو كناية عن فرط ترحّمه ورقّة قلبه.حَلِيمٌ : صبور على الأذى.

و الجملة لبيان ما حمله على الاستغفار له، مع شكايته عليه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: «الأوّاه» المتضرّع إلى اللَّه في صلاته، وإذا خلا في قفرة  من الأرض وفي الخلوات.

و في مجمع البيان  روى أصحابنا: «إنّ إبراهيم لأوّاه»، أي: دعّاء، كثير الدّعاء [و البكاء] . وهو المروي عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام-.

و قيل : هو الخاشع المتذلل. رواه ابن شدّاد، عن النبي- صلّى اللَّه عليه وآله-.

و قيل : هو المتأوّه شفقا وفرقا، المتضرّع  يقينا بالإجابة ولزوما للطّاعة. عن أبي عبيدة.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد الرّحمن بن الحجّاج قال: قلت لأبي الحسن موسى- عليه السّلام-: أ رأيت إن احتجت إلى متطبّب  وهو نصرانيّ، أن أسلم عليه وأن أدعو له؟

قال: نعم، لا ينفعه دعاؤك.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن عبد الرّحمن بن الحجّاج قال: قلت لأبي الحسن- عليه السّلام-: أ رأيت إن احتجت إلى الطّبيب وهو نصراني، أن أسلم عليه وأدعو له؟

قال: نعم، إنّه لا ينفعه دعاؤك.

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن محمّد بن عيسى، بن

 

 عبيد، عن محمّد بن عرفة، عن أبي الحسن الرضا- عليه السّلام- قال: قيل لأبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: كيف أدعو لليهوديّ والنصرانيّ؟

قال: تقول: بارك اللَّه لك في دنياك.

وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً: ليحملهم على الضّلالة. أو ليسمّيهم:

ضلالا. أو يؤاخذهم مؤاخذتهم.

بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ: للإسلام.

حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ: حتّى يبيّن لهم خطر ما يجب اتقاؤه. وهو دليل على أنّ الغافل غير مكلّف.

و في أصول الكافي : عليّ بن محمّد، عن إسحاق بن محمّد، عن شاهويه  بن عبد اللَّه الجلّاب قال: كتب إليّ أبو الحسن في كتاب: أردت أن تسأل عن الخلف بعد أبي جعفر، وقلقت  لذلك. فلا تغتم، فإن اللَّه- عزّ وجلّ- لا يضل قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ. وصاحبكم بعدي أبو محمّد، ابني. وعنده  ما تحتاجون إليه، يقدّم ما يشاء اللَّه ويؤخر ما يشاء. ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها . قد كتبت بما فيه بيان وقناع لذي عقل يقظان.

و في قرب الإسناد  للحميريّ- رحمه اللَّه-: أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: سمعت الرّضا- عليه السّلام- يقول- إلى أن قال-: وعنه، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: دخلت عليه بالقادسيّة.

فقلت له: جعلت فداك، إنّي أريد أن أسألك عن شي‏ء وأنا أجلّك والخطب فيه جليل. وإنّما أريد فكاك رقبتي من النّار، فرآني وقد زمعت .

فقال: لا تدع شيئا تريد أن تسألني عنه ، إلّا سألتني عنه.قلت: جعلت فداك، إني سألت أباك وهو نازل في هذا الموضع عن خليفته من بعده، فدلّني عليك. وقد سألتك منذ سنين، وليس لك ولد، على  الإمامة فيمن تكون من بعدك؟ فقلت: في ولدي. وقد وهب لك ابنين، فأيّهما عندك بمنزلتك التي كانت عند أبيك؟

فقال لي: هذا الّذي سألت عنه ليس هذا وقته .

فقلت: جعلت فداك، قد رأيت ما ابتلينا به في أبيك ولست آمن الأحداث.

فقال: كلّا إن شاء اللَّه، لو كان الّذي يخاف  كان منّي في ذلك حجّة أحتجّ بها عليك وعلى غيرك. أما علمت أن الإمام، الفرض عليه والواجب من اللَّه إذا خاف الفوت على نفسه أن يحتجّ في الإمام من بعده وبحجّة معروفة مثبتة ؟ إنّ اللَّه- تبارك وتعالى- يقول في كتابه: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ. فطب نفسا وطيّب نفس أصحابك، فان الأمر يجي‏ء على غير ما تحذرون .

و في تفسير العيّاشيّ : عليّ بن أبي حمزة قال: قلت لأبي الحسن- عليه السّلام-: إنّ أباك أخبرنا بالخلف من بعده، فلو خبّرتنا به.

قال: فأخذ بيدي، فهزّها.

ثمّ قال: ما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ.

و في كتاب التوحيد : حدثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه، عن عمّه، محمّد بن أبي القاسم، عن أحمد بن أبي عبد اللَّه، عن ابن فضّال، عن ثعلبة بن ميمون، عن حمزة بن الطّيار، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ.

قال: حتّى يعرفهم ما يرضيه وما يسخطه.

حدّثنا  [محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رض)، قال: حدثنا]  محمّد بن‏

 الحسن الصفّار، عن إبراهيم بن هاشم، عن إسماعيل بن مرار ، عن يونس بن عبد الرّحمن، عن حمّاد عن عبد الأعلى ، مثله.

 

و في أصول الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن فضّال ، عن ثعلبة بن ميمون، عن حمزة بن محمّد الطّيار، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- مثله سواء.

 

إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيمٌ : فيعلم أمرهم في الحالين.

إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ : لمّا منعهم عن الاستغفار للمشركين ولو كانوا أولي قربى، ويتضمّن ذلك وجوب التبرؤ عنهم رأسا، بيّن لهم أنّ اللَّه مالك كل موجود ومتولي أمره والغالب عليه، ولا يتأتّى لهم ولاية ولا نصرة إلّا منه ليتوجّهوا بشراشرهم»

 إليه ويتبرءوا عمّا عداه، حتّى لا يبقى لهم مقصود فيما يأتون، ويذرون سواه.

لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ قيل : من إذن المنافقين في التّخلف. أو برّأهم  عن علقة الذّنوب، كقوله:

لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ.

و قيل : هو بعث على التّوبة. والمعنى: ما من أحد إلّا وهو محتاج إلى التّوبة، حتّى النبي والمهاجرين والأنصار لقوله: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً إذ ما من أحد إلّا وله مقام يستنقص دونه ما هو فيه، والترقيّ إليه توبة من تلك النّقيصة، وإظهار لفضلها بأنّها مقام الأنبياء والصّالحين من عباده.

و في الاحتجاج : عن الصّادق- عليه السّلام- وفي مجمع البيان: عن الرّضا

 - عليه السّلام- أنّهما قرءا: «لقد تاب اللَّه بالنّبيّ على المهاجرين».

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : عن الصّادق- عليه السّلام-: هكذا نزلت.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رحمه اللَّه-: عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- أنّه قرأ: «لقد تاب اللَّه بالنّبيّ على  المهاجرين والأنصار».

قال أبان: فقلت له: يا ابن رسول اللَّه، إنّ العامّة لا تقرأ، كما عندك.

قال: وكيف تقرأ، يا أبان.

قال: قلت: إنّها تقرأ: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ.

قال: ويلهم، وأي ذنب كان لرسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- حتّى تاب اللَّه عليه منه؟ إنّما تاب اللَّه به على أمّته. والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ: في وقتها. وهي حالهم في غزوة تبوك. كانوا في عسرة من الظّهر يعتقب العشرة على بعير واحد، والزّاد. حتّى قيل: إنّ الرّجلين كانا يقتسمان تمرة، والماء حتّى شربوا الفظّ .

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال الصّادق- عليه السّلام-: وهم أبو ذرّ وأبو خيثمة وعميرة بن وهب، الّذين تخلفوا ثمّ لحقوا برسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-.

و تخلّف  عن رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- قوم من أهل نيات بصائر، لم يكن يلحقهم شكّ ولا ارتياب. ولكنّهم قالوا: فلحق  برسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-. منهم أبو خيثمة. وكان قويا، وكان له زوجتان وعريشتان . فكانت زوجتاه قد رشتا  عريشتيه، وبرّدتا له الماء، وهيّأتا له طعاما. فأشرف على عريشته.فلمّا نظر إليهما، قال: لا واللَّه، ما هذا بإنصاف رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-.

فقد غفر اللَّه له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر قد خرج في الضّحّ  والرّيح، وقد حمل السّلاح يجاهد في سبيل اللَّه، وأبو خيثمة قويّ قاعد في عريشته وامرأتين حسناوين. لا واللَّه، ما هذا بإنصاف.

ثمّ أخذ ناقته فشدّ عليها رحله، فلحق برسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-. فنظر النّاس إلى راكب على الطريق، فأخبروا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- بذلك فقال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: كن أبا خيثمة. فكان أبا خيثمة .

فأقبل، وأخبر النبي بما كان منه. فجزاه خيرا ودعا له.

و كان أبو ذرّ- رحمه اللَّه- تخلّف عن رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- ثلاثة أيّام، وذلك أنّ جمله كان أعجف ، فلحق بعد ثلاثة أيّام. ووقف عليه جملة في بعض الطريق، فتركه وحمل ثيابه على ظهره. فلمّا ارتفع النّهار، نظر المسلمون إلى شخص مقبل. فقال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: كن أبا ذرّ.

فقالوا: هو أبو ذرّ.

فقال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: أدركوه بالماء، فإنّه عطشان. فأدركوه بالماء. ووافى أبو ذرّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- ومعه أداوة فيها ماء.

فقال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: يا أبا ذرّ، معك ماء وعطشت؟

فقال: نعم، يا رسول اللَّه. بأبي أنت وأمي، انتهيت إلى صخرة وعليها ماء السّماء، فذقته فإذا هو عذب بارد. فقلت: لا أشربه حتّى يشربه حبيبي رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-.

فقال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: يا أبا ذرّ، رحمك اللَّه، تعيش وحدك وتموت وحدك وتبعث وحدك وتدخل الجنّة وحدك. يسعد بك قوم من أهل العراق يتولّون غسلك وتجهيزك والصّلاة عليك ودفنك.

و في الجوامع . والعسرة حالهم في غزوة تبوك. كان يعتقب العشرة على بعيرواحد، وكان زادهم الشعير السوّس والتمر المدود والإهالة  السّنخة . وبلغت الشدّة بهم أن اقتسم التّمرة اثنان، وربّما مصها الجماعة يشربوا الماء عليها. وكانوا في حمازة القيظ ، وفي الضيقة الشديدة من القحط وقلّة الماء.

مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ: عن الثبات على الإيمان واتّباع الرّسول. وفي «كاد» ضمير الشّأن، أو ضمير القوم. والعائد عليه الضمير في «منهم». وقرأ  حمزة وحفص: «يزيغ» بالياء، لأنّ تأنيث القلوب غير حقيقيّ.

و قرئ : «من بعد ما زاغت قلوب فريق منهم»، يعني: المتخلفين.

و

في تفسير عليّ بن إبراهيم : وكان مع رسول اللَّه- صلى اللَّه عليه وآله- بتبوك رجل يقال له: المضرب، لكثرة ضرباته التي أصابته ببدر وأحد.

فقال له رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: عدّ لي أهل العسكر.

فعدّدهم، فقال: هم خمسة وعشرون ألف رجل سوى العبيد  والتّبّاع.

فقال: عدّ لي المؤمنين. [فعدّدهم‏] .

فقال: هم خمسة وعشرون رجل.

ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ: تكرير للتأكيد، وتنبيه على أنّه تاب عليهم من أجل ما كابدوا من العسرة. أو المراد، أنه تاب عليهم لكيدودتهم.

إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ : تداركهم برأفته ورحمته.

وَ عَلَى الثَّلاثَةِ:

و تاب على الثّلاثة، كعب بن مالك، وهلال  بن أميّة، ومرارة بن ربيع. على ما رواه العياشي . عن الصّادق- عليه السّلام-.

 

الَّذِينَ خُلِّفُوا: تخلّفوا عن الغزو. أو خلف أمرهم، فإنّهم المرجون.

و في مجمع البيان : وقراءة عليّ بن الحسين بن زين العابدين، وأبي جعفر، محمد بن‏عليّ الباقر، وجعفر بن محمّد الصّادق: «خالفوا» .

و في تفسير العيّاشيّ : عن فيض بن المختار قال: أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: كيف تقرأ هذه الآية في التّوبة وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ؟

قال: قلت: «خلّفوا».

قال: لو خلّفوا، لكانوا في حالة طاعة .

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال العالم- عليه السّلام-: إنّما نزل وعلى الثلاثة الذين خالفوا. ولو خلّفوا، لم يكن عليهم عيب.

حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ، أي: برحبها، لإعراض النّاس عنهم بالكليّة. وهو مثل لشدة الحيرة.

وَ ضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ: قلوبهم، من فرط الوحشة والغمّ، بحيث لا يسعها انس ولا سرور.

وَ ظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ: من سخطه.

إِلَّا إِلَيْهِ، أي: استغفاره.

ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ: بالتّوفيق للتّوبة.

و في معاني الأخبار : عن الصّادق- عليه السّلام-: هي الإقالة.

لِيَتُوبُوا: وأنزل قبول توبتهم، ليعدّوا في جملة التّوابين. أو رجع عليهم بالقبول والرّحمة مرّة بعد أخرى، ليستقيموا على توبتهم.

و في تفسير العياشيّ : عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا.

قال: أقالهم، فو اللَّه، ما تابوا.

إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ: لمن تاب، ولو عاد في اليوم مائة مرّة.

الرَّحِيمُ : المتفضّل عليهم بالنّعم.و في تفسير علي بن إبراهيم

، في قصة غزوة تبوك: وقد كان تخلّف عن رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- قوم من المنافقين، وقوم من المؤمنين مستبصرين لم يعثر عليهم في نفاق، منهم كعب بن مالك الشّاعر، ومرارة  بن  الرّبيع، وهلال بن أميّة الواقفيّ.

فلمّا تاب اللَّه عليهم، قال كعب: ما كنت قطّ أقوى مني من ذلك الوقت الّذي خرج رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- إلى تبوك. وما اجتمعت لي راحلتان قط، إلّا في ذلك اليوم. فكنت أقول: أخرج غدا، أخرج بعد غد فاني قويّ . وتوانيت، وبقيت بعد خروج رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- أياما أدخل السوق ولا أقضي حاجة.

فلقيت هلال بن أميّة ومرارة بن الرّبيع، وقد كانا تخلّفا- أيضا-. فتوافقنا أن نبّكر إلى السّوق ولم نقض حاجة. فما زلنا نقول: نخرج غدا وبعد غد، حتّى بلغنا إقبال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- فندمنا.

فلمّا وافى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- استقبلناه نهنّئه  بالسّلامة. فسلّمنا عليه، فلم يردّ علينا السّلام، وأعرض عنا. وسلّمنا على إخواننا، فلم يردّوا علينا السلام. فبلغ ذلك أهلينا، فقطعوا كلامنا. وكنّا نحضر المسجد، فلا يسلّم علينا أحد ولا يكلّمنا.

فجاءت  نساؤنا إلى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- فقلن: قد بلغنا سخطك على أزواجنا، أ فنعتزلهم؟

فقال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: لا تعتزلنّهم ، ولكن لا يقربوكنّ.

فلمّا رأى كعب بن مالك وصاحباه ما قد حلّ بهم، [قالوا]  ما يقعدنا بالمدينة ولا يكلّمنا رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- ولا إخواننا ولا أهلونا. فهلموا [نخرج‏]  إلى هذا الجبل، فلا نزال فيه حتّى يتوب اللَّه علينا أو نموت.

فخرجوا إلى ذناب جبل بالمدينة. فكانوا يصومون، وكان أهلوهم يأتونهم بالطّعام فيضعونه ناحية ثمّ يولّون عنهم فلا يكلّمونهم. فبقوا على هذه الحالة أيّاما كثيرة، يبكون‏

باللّيل والنّهار، ويدعون اللَّه أن يغفر لهم.

فلمّا طال عليهم الأمر، قال لهم كعب: يا قوم، قد سخط اللَّه علينا، ورسوله قد سخط علينا، وإخواننا سخطوا علينا، [و أهلونا سخطوا علينا] ، فلا يكلّمنا أحد. فلم لا يسخط بعضنا على بعض؟

فتفرّقوا في اللّيل، وحلفوا أن لا يكلّم أحد منهم صاحبه حتّى يموت أو يتوب اللَّه عليهم. فبقوا على هذه ثلاثة أيّام، كلّ واحد منهم في ناحية من الجبل لا يرى أحد منهم صاحبه ولا يكلّمه. فلمّا كان في الليلة الثّالثة ورسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- في بيت أمّ سلمة، نزلت توبتهم على رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-.

قال: حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ حيث لم يكلّمهم رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- ولا إخوانهم ولا أهلوهم. فضاقت المدينة عليهم حتّى خرجوا منها، وضاقت عليهم أنفسهم حيث حلفوا أن لا يكلّم بعضهم بعضا، فتفرّقوا وتاب اللَّه عليهم لمّا عرف صدق نيّاتهم.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ: فيما لا يرضاه.

وَ كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ : في إيمانهم وعهودهم. أو في دين اللَّه، نيّة وقولا وعملا.

و قرئ : «من الصّادقين»، أي: في توبتهم وإنابتهم، فيكون المراد: هؤلاء الثّلاثة وأضرابهم.

و في مجمع البيان : في مصحف عبد اللَّه وقراءة ابن عبّاس: «من الصّادقين».

و روي ذلك- أيضا- عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام-.

و في أصول الكافي : الحسين بن محمّد، عن معليّ بن محمّد، عن الوشاء، عن أحمد بن عائذ، عن ابن أذينة، عن بريد بن معاوية العجليّ قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللَّه- عزّ وجلّ-: اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ.

قال: إيّانا عنى.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن أبي بصير، عن أبي الحسن الرّضا

 - عليه السّلام- قال: سألته عن قول اللَّه- عزّ وجلّ-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ.

قال: «الصّادقون» هم الأئمة. و«الصّديقون» بطاعتهم.

و في كتاب الاحتجاج  للطبرسيّ- رحمه اللَّه- عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل. وفيه: وقد جعل اللَّه للعلم أهلا وفرض طاعتهم بقوله: «و اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ».

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: هم الأئمة- عليهم السّلام-.

و في كتاب كمال الدين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى سليم بن قيس الهلاليّ:

 

عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- أنّه قال في أثناء كلام له في جمع من المهاجرين والأنصار في المسجد أيّام خلافة عثمان: أسألكم باللَّه، أ تعلمون أنّ اللَّه- عزّ وجلّ- لمّا أنزل يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا- إلى قوله- مَعَ الصَّادِقِينَ فقال سلمان: يا رسول اللَّه، عامة هذه الآية أم خاصّة؟ فقال- صلّى اللَّه عليه وآله-: أمّا المأمورون، فعامّة المؤمنين أمروا بذلك. وأمّا الصّادقون، فخاصة لأخي عليّ وأوصيائي من بعده إلى يوم القيامة؟

قالوا: اللّهم، نعم.

و في كتاب معاني الأخبار ، خطبة لعليّ- عليه السّلام- يذكر فيها نعم اللَّه- عزّ وجلّ-. وفيها يقول- عليه السّلام-: ألا وإني مخصوص في القرآن بأسماء احذروا أن تغلبوا عليها، فتضلّوا في دينكم. يقول اللَّه- عزّ وجلّ-: إنّ اللَّه مع الصادقين. أنا ذلك مع الصّادق

 

و في أمالي شيخ الطائفة - قدس سرّه-، بإسناده إلى جابر: عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ.

قال: مع عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.

و في تهذيب الأحكام ، في الدّعاء بعد صلاة الغدير المسند إلى الصّادق- عليه‏

 السّلام-: ربنّا، إنّك أمرتنا بطاعة ولاة أمرك وأمرتنا أن نكون مع الصادقين، فقلت:

أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ  وقلت: اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ. فسمعنا وأطعنا. ربّنا، فثبّت أقدامنا وتوفّنا مسلمين مصدّقين لأوليائك ولا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا، وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ.

و في تفسير العيّاشيّ : عن أبي حمزة الثّماليّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قلت: أصلحك اللَّه، أيّ شي‏ء إذا عملته استكملت حقيقة الإيمان؟

قال: توالي [أولياء اللَّه وتعادي أعداء اللَّه وتكون مع الصادقين كما أمرك اللَّه.

قال: قلت: ومن أولياء اللَّه ومن أعداء اللَّه.

فقال:]  أولياء اللَّه، محمّد رسول اللَّه، وعليّ والحسن والحسين وعليّ بن الحسين. ثمّ انتهى الأمر إلينا. ثمّ ابني جعفر، وأومأ إلى جعفر وهو جالس. فمن والى هؤلاء، فقد والى أولياء اللَّه  وكان مع الصادقين، كما أمره اللَّه.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ: نهي عبّر عنه بصيغة النفي، للمبالغة.

وَ لا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ: لا يصونوا أنفسهم، بل عليهم أن يصحبوه على البأساء والضّرّاء ويكابدوا معه الشّدائد برغبة ونشاط، كما فعله أبو ذرّ وأبو خيثمة.

و في «لا يرغبوا» يجوز النّصب والجزم.

ذلِكَ: إشارة إلى ما دلّ عليه قوله: «ما كان» من النهي عن التّخلف، أو وجوب المشايعة.

بِأَنَّهُمْ: بسبب أنّهم.

لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ: شي‏ء من العطش.

وَ لا نَصَبٌ: تعب.

وَ لا مَخْمَصَةٌ: مجاعة.فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً: ولا يدوسون مكانا.

يَغِيظُ الْكُفَّارَ: يغضبهم وطؤه.

وَ لا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا، كالقتل والأسر والنّهب.

إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ: استوجبوا به الثّواب، وذلك ممّا يوجب المشايعة.

إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ : على إحسانهم. وهو تعليل «لكتب». وتنبيه على أنّ الجهاد إحسان، أمّا في حقّ الكفّار فلأنّه سعي في تكميلهم بأقصى ما يمكن، كضرب المداوي للمجنون. وأما في حقّ المؤمنين، فلأنّه صيانة لهم عن سطوة الكفّار واستيلائهم.

وَ لا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً: ولو علاقة.

وَ لا يَقْطَعُونَ وادِياً: في مسيرهم. وهو كلّ منعرج ينفذ فيه السّيل. اسم فاعل، من ودي: إذا سال. فشاع بمعنى: الأرض.

إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ: أثبت لهم ذلك.

لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ: بذلك.

أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ : جزاء أحسن أعمالهم، أو أحسن جزاء أعمالهم.

وَ ما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً: وما استقام لهم أن ينفروا جميعا لنحو غزو أو طلب علم، كما لا يستقيم لهم أن يثبطوا جميعا، فإنّه يخلّ بأمر المعاش.

فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ: فهلّا نفر من كلّ جماعة كثيرة، كقبيلة وأهل بلدة، جماعة قليلة.

لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ: ليتكلّفوا الفقاهة فيه، ويتجشّموا مشاقّ تحصيلها.

وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ: وليجعلوا غاية سعيهم ومعظم غرضهم من الفقاهة إرشاد القوم وإنذارهم. وتخصيصه بالذكر، لأنّه أهم. وفيه دليل على أنّ التّفقّه والتّذكير من فروض الكفاية، فإنه ينبغي أن يكون غرض المتعلّم فيه أن يستقيم ويقيم لا التّرفع على النّاس والتّبسط في البلاد.

لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ : إرادة أن يحذروا عمّا ينذرون منه.

 

و في أصول الكافي : عليّ بن محمّد بن عبد اللَّه، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن عليّ بن أبي حمزة قال: سمعت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- يقول: تفقّهوا في الدين. فانّه من لم يتفقّه منكم في الدّين، فهو أعرابيّ. إنّ اللَّه يقول في كتابه:

لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ- إلى قوله- لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ.

محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين، عن صفوان، عن يعقوب بن شعيب قال: [قلت‏]  لأبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: إذا حدث على الإمام حدث، كيف يصنع النّاس؟

قال: أين قول اللَّه- عزّ وجلّ-، فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ- إلى قوله- لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ؟ قال: هم في عذر ما داموا في الطلب، وهؤلاء الّذين ينتظرونهم في عذر حتّى يرجع إليهم أصحابهم.

عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرّحمن قال: حدثنا حمّاد، عن عبد الأعلى قال: سألت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- عن قول العامة: أنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- قال: من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية.

قال: الحق، واللَّه.

قلت: فإن إماما هلك ورجل بخراسان لا يعلم من وصيّه، لم يسعه ذلك؟

قال: لا يسعه. إنّ الإمام إذا هلك وقعت حجّة وصيّه [على‏]  من هو معه في البلدة، وحقّ النفر على من ليس بحضرته إذا بلغهم أنّ اللَّه- عزّ وجلّ- يقول: فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن خالد، عن النّضر بن سويد، عن يحيى الحلبيّ، عن بريد بن معاوية، عن محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: أصلحك اللَّه، بلغنا شكواك وأشفقنا، فلو أعلمتنا [أو علّمتنا]

 من؟

فقال: إنّ عليّا كان عالما، والعلم يتوارث. فلم يهلك أحد  عالم إلّا بقي من بعده من يعلم، مثل علمه أو ما شاء اللّه.

قلت: أ فيسع النّاس إذا مات العالم أن لا يعرفوا الّذي بعده؟

فقال: أمّا أهل هذه البلدة فلا، يعني: المدينة. وأمّا غيرها من البلدان، فبقدر مسيرهم. إنّ اللّه- عزّ وجلّ- يقول: وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً- إلى قوله- لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ‏

 

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في عيون الأخبار ، في باب العلل التي ذكر الفضل بن شاذان أنه سمعها عن الرّضا- عليه السّلام-: فإن قال: فلم أمر بالحجّ؟

قيل: لعلّة الوفادة.

إلى أن قال: مع ما فيه من التّفقه، ونقل أخبار الأئمة- عليهم السّلام- إلى كلّ صقع وناحية، كما قال اللّه- عزّ وجلّ-: فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ إلى قوله: لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ .

و في كتاب علل الشّرائع ، عليّ بن أحمد- رحمه اللّه- قال: حدثنا محمّد بن أبي عبد اللّه الكوفيّ، عن أبي الخير، صالح بن أبي حمّاد ، عن أحمد بن هلال، عن محمّد بن أبي عمير، عن عبد الله بن المؤمن  الأنصاريّ قال: قلت لأبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: إنّ قوما يروون أنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- قال: اختلاف أمّتي رحمة.

فقال: صدقوا.

فقلت: إن كان اختلافهم رحمة، فاجتماعهم عذاب.

قال: ليس حيث تذهب  وذهبوا، إنّما أراد قول اللَّه- عزّ وجلّ-: فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ- إلى قوله- لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ. فأمرهم أن ينفروا إلى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه‏و آله- ويختلفوا إليه فيتعلّموا، ثمّ يرجعوا إلى قومهم فيعلّموهم. إنّما أراد اختلافهم  من البلدان، لا اختلافا في دين اللَّه. إنّما الدّين واحد [إنّما الدين واحد] .

و بإسناده إلى [محمّد بن‏]  عبد الجبّار : عمّن ذكره، عن يونس بن يعقوب، عن عبد الأعلى قال: قلت لأبي الحسن - عليه السّلام-: إن بلغنا وفاة الإمام كيف نصنع؟

قال: عليكم النّفير .

قلت: [النّفير]  جميعا.

قال: إنّ اللَّه يقول: فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ (الآية).

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في تفسير العيّاشيّ : عن يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: قلت له: إذا حدث للإمام حدث، كيف يصنع النّاس؟

قال: يكونون، كما قال اللَّه: فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ- إلى قوله- لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ.

قال: قلت: فما أحالهم؟

قال: هم في عذر.

و عنه - أيضا- في رواية أخرى: ما تقول في قوم هلك إمامهم، كيف يصنعون؟

قال: فقال لي: أما تقرأ كتاب اللَّه فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ- إلى قوله- لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ؟

قلت: جعلت فداك، ما حال المنتظرين حتّى يرجع المتفقّهون؟

قال: فقال لي: رحمك اللَّه، أما علمت أنّه كان بين محمّد وعيسى- صلّى اللَّه عليه وآله- خمسون ومائتا سنة، فمات  قوم على دين عيسى انتظار الدين محمّد- صلّى اللَّه عليه‏و آله-، فآتاهم اللَّه أجرهم مرّتين؟

عن أحمد بن محمّد ، عن أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- قال: كتب إليّ: انّما شيعتنا من تابعنا ولم يخالفنا. فإذا خفنا، خاف. وإذا أمنا، أمن. قال اللَّه: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ. فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ (الآية). فقد فرضت عليكم المسألة والرّدّ إلينا، ولم يفرض علينا الجواب.

عن عبد الأعلى  قال: قلت لأبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: بلغنا وفاة الإمام؟

قال: عليكم النّفر.

قلت: جميعا؟

قال: إنّ اللَّه يقول: فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ (الآية).

قال: نفرنا، فمات بعضنا في الطّريق؟

قال: فقال: وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ- إلى قوله-: أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ .

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

عن أبي بصير  قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول: تفقّهوا. فإنه من لم يتفقّه منكم، فإنّه أعرابي. إنّ اللَّه يقول في كتابه: لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ- إلى قوله- يَحْذَرُونَ.

و في أصول الكافي : الحسين بن محمّد، عن جعفر بن محمّد، عن القاسم بن الرّبيع، عن المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- يقول: عليكم بالتّفقه في دين اللَّه، ولا تكونوا أعرابا. فإنّ من لم يتفقّه في دين اللَّه، لم ينظر اللَّه إليه يوم القيامة ولم يزك له عملا.

محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان، عن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: لوددت أنّ أصحابي ضربت رؤوسهم بالسّياط، حتّى يتفقّهوا.عليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن عيسى، عمّن رواه، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: قال له رجل: جعلت فداك، رجل عرف هذا الأمر لزم بيته ولم يتعرّف إلى أحد من إخوانه.

قال: وكيف يتفقّه هذا في دينه؟

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان النيشابوريّ جميعا، عن صفوان بن يحيى، عن أبي الحسن الرضا- عليه السّلام- قال: إنّ من علامات الفقه، الحلم والصّمت.

و في كتاب الخصال : عن موسى بن أكيل النميري  قال: سمعت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- يقول: لا يكون الرّجل فقيها، حتّى لا يبالي أي ثوبيه أبتذله  وبما سدّ فورة  الجوع.

عن الحارث الأعور  قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: ثلاث بهنّ يكمل المسلم: التّفقه في الدّين، والتّقدير في المعيشة، والصّبر على النّوائب.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ: أمروا بقتال الأقرب منهم فالأقرب، كما أمر رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- أوّلا بإنذار عشيرته. فإنّ الأقرب أحقّ بالشّفقة والاستصلاح.

و قيل : هم يهود حوالي المدينة، كقريظة والنّضير وخيبر.

و قيل : الرّوم. فإنّهم كانوا يسكنون الشّام، وهو قريب من المدينة.

و في الكافي ، وفي تفسير العيّاشي : قال: الدّيلم.و في تفسير عليّ بن إبراهيم : يجب على كلّ قوم أن يقاتلوا من يليهم ممّن يقرب من الإمام ، ولا يجوزوا ذلك الموضع.

وَ لْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً: شدّة وصبرا على القتال.

و قرئ ، بفتح الغين وضمّها. وهما لغتان فيها.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، اي، غلّظوا لهم القول والقتل.

وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ : بالحراسة والإعانة.

وَ إِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ: فمن المنافقين.

مَنْ يَقُولُ: إنكارا واستهزاء.

أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ: السّورة.

إِيماناً.

و قرئ : «أيّكم» بالنّصب، على إضمار فعل يفسّره «زادته».

فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً: بزيادة العلم الحاصل من تدبّر السّورة، وانضمام الإيمان بها وبما فيها إلى إيمانهم.

وَ هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ : بنزولها، لأنه سبب لزيادة كمالهم وارتفاع درجاتهم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وهو ردّ على من يزعم، أنّ الإيمان لا يزيد ولا ينقص.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن بريد  قال: حدثنا أبو عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- وذكر حديثا طويلا. وفيه بعد أن قال- عليه السّلام-: انّ اللَّه- تبارك وتعالى- فرض الايمان على جوارح ابن آدم وقسّمه عليها وفرقه فيها وبيّن- عليه السّلام- ذلك.

قيل: قد فهمت نقصان الإيمان وتمامه، فمن أين جاءت زيادته؟

قال: قول اللَّه- عزّ وجلّ-: وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ (الآية). قال:

وَ زِدْناهُمْ هُدىً . ولو كان كلّه واحدا لا زيادة فيه ولا نقصان، لم يكن لأحد منهم فضل على الآخر ولاستوت النّعم فيه ولاستوى  النّاس وبطل التّفضيل. ولكن بتمام الإيمان دخل المؤمنون الجنّة، وبالزّيادة في الإيمان تفاضل المؤمنون بالدّرجات عند اللَّه، وبالنّقصان دخل المفرطون النّار.

و في نهج البلاغة ، ومن حديثه- عليه السّلام-: انّ الإيمان يبدو لمظة  في القلب.

كلما ازداد الإيمان، ازدادت اللمظة.

وَ أَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ: كفر.

فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ: كفرا بها مضموما إلى الكفر بغيرها.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، وفي تفسير العياشيّ : عن زرارة بن أعين، عن الباقر- عليه السّلام- يقول: شكّا إلى شكّهم.

وَ ماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ : واستحكم ذلك فيهم حتّى ماتوا عليه.

أَ وَلا يَرَوْنَ، يعني: المنافقين.

و قرأ  حمزة ويعقوب، بالتّاء.

أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ.

قيل : يبتلون بأصناف البليّات، أو بالجهاد مع رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-. فيعاينون ما يظهر عليه من الآيات.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : يمرضون.

فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ: لا ينتهون ولا يتوبون من نفاقهم.

وَ لا هُمْ يَذَّكَّرُونَ : ولا يعتبرون.وَ إِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ: تغامزوا بالعيون إنكارا لها وسخرية، أو غيظا لما فيها من عيوبهم.

هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ، أي: يقولون: هل يراكم أحد إن قمتم من حضرة الرّسول- صلّى اللَّه عليه وآله-؟ فإن لم يرهم أحد، قاموا. وإن يرهم أحد، أقاموا.

ثُمَّ انْصَرَفُوا: تفرقوا عن حضرته، مخافة الفضيحة.

صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ: عن الإيمان، والانشراح به بالخذلان.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : عن الحقّ إلى الباطل، باختيارهم الباطل على الحقّ.

قيل : ويحتمل [الاخبار و]  الدّعاء.

بِأَنَّهُمْ: بسبب أنّهم.

قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ : لسوء فهمهم وعدم تدبّرهم.

لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ: من جنسكم، عربيّ، مثلكم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، مثلكم في الخلقة.

قال: ويقرأ «من أنفسكم»، أي: من أشرفكم.

و في الجوامع : قيل: هو قراءة رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- وفاطمة- عليها السّلام-.

و في مجمع البيان : قيل: معناه: أنّه من نكاح لم يصبه شي‏ء من ولادة الجاهليّة.

عن الصادق- عليه السّلام-.

عَزِيزٌ عَلَيْهِ: شديد شاقّ.

ما عَنِتُّمْ: محنتكم ولقاؤكم المكروه.

حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ، أي: على إيمانكم وصلاح شأنكم.

بِالْمُؤْمِنِينَ: منكم ومن غيركم.

رَؤُفٌ رَحِيمٌ : قدّم الأبلغ منهما، وهو الرّؤوف. لأنّ الرّأفة شدّةالرّحمة، محافظة على الفواصل.

فَإِنْ تَوَلَّوْا: عن الإيمان بك.

فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ، فإنّه يكفيك معرّتهم، ويعينك عليهم.

لا إِلهَ إِلَّا هُوَ، كالدّليل عليه.

عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ: فلا أرجو ولا أخاف إلّا منه.

وَ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ : الملك العظيم. أو الجسم الأعظم المحيط، الّذي تنزل منه الأحكام والمقادير.

و قرئ : «العظيم» بالرّفع.

و في تفسير العيّاشيّ : عن ثعلبة، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: قال اللَّه- تبارك وتعالى-: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ قال: فينا. عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ [قال: فينا]  حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ قال: فينا. بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ قال: شركنا المؤمنون في هذه الرّابعة، وثلاثة لنا.

عن عبد اللَّه بن سليمان ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: تلا هذه الآية لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ قال: [من‏]  أنفسنا. قال: عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ قال: ما عنتنا . قال: حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ قال علينا. بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ [قال: بشيعتنا رؤوف رحيم‏]  فلنا ثلاثة أرباعها، ولشيعتنا ربعها.

في روضة الكافي : عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن يحيى المبارك، عن عبد اللَّه بن جبلة، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: هكذا أنزل اللَّه- عزّ وجلّ-: لقد جاءنا رسول من أنفسنا عزيز عليه ما عنتنا حريص علينا بالمؤمنين رؤوف رحيم.و في كتاب التّوحيد : حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن عمران الدّقاق - رحمه اللَّه- قال:

 

حدثنا محمّد بن أبي عبد اللَّه الكوفيّ قال: حدثنا محمّد بن إسماعيل البرمكيّ قال: حدّثنا الحسين بن الحسن قال: حدّثنا أبي، عن حنان بن سدير قال: سألت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- عن العرش والكرسيّ.

فقال: إنّ للعرش صفات كثير مختلفة، له في كلّ سبب وضع في القرآن صفة على حدة. فقوله: رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ يقول: الملك العظيم. وقوله: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى  يقول: على الملك احتوى، وهذا ملك الكيفوفيّة في الأشياء. ثمّ العرش في الوصل متفرد  من الكرسيّ، لأنّهما بابان من أكبر أبواب الغيوب. وهما جميعا غيبان.

و هما في الغيب مقرونان، لأنّ الكرسيّ هو الباب الظاهر من الغيب الّذي منه مطلع البدع ومنه الأشياء كلّها، والعرش هو الباب الباطن الّذي يوجد فيه علم الكيف والكون والحدّ والقدر والأين والمشيئة وصفة الإرادة وعلم الألفاظ والحركات والتّرك وعلم العود والبدء. فهما في العلم بابان مقرونان، لأنّ ملك العرش سوى ملك الكرسي، وعلمه أغيب من علم الكرسيّ. فمن ذلك قال: رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، اي: صفته أعظم من صفة الكرسي، وهما في ذلك مقرونان.

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن عبد اللَّه بن جعفر، عن السّياريّ، عن محمّد بن بكر، عن أبي الجارود، عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال: قام إليه رجل.

فقال: يا أمير المؤمنين، إنّ أرضي [أرض‏]  مسبعة، وأنّ السّباع تغشى منزلي، ولا تجوز حتّى تأخذ فريستها.

فقال: اقرأ لَقَدْ جاءَكُمْ- إلى- وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ.

فقرأها الرّجل فاجتنبته السّباع.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في من لا يحضره الفقيه ، في وصيّة النبي- صلّى اللَّه عليه وآله- لعليّ- عليه‏

 السّلام-: يا عليّ، من خاف من السّباع فليقرأ: «لقد جاءكم» (إلى آخر السّورة).

و في تفاسير العامّة : عن أبي، أنّ آخر ما نزلت هاتان الآيتان.

و عن النبي- صلّى اللَّه عليه وآله-: ما نزل القرآن عليّ إلا آية وحرفا [و حرفا] . ما خلا سورة براءة وقل هو اللَّه أحد، فإنّهما نزلتا عليّ ومعهما سبعون ألف صفّ من الملائكة.

و في كتاب التّوحيد : حدثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد- رحمه اللَّه- قال:

 

حدّثنا محمّد بن الحسن الصّفار، عن عليّ بن إسماعيل، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليمانيّ، عن أبي الطّفيل، عن أبي جعفر، عن عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- قال: إنّ اللَّه- عزّ وجلّ- خلق العرش أرباعا، لم يخلق قبله إلّا ثلاثة أشياء:

الهواء  والقلم والنّور. ثمّ خلقه من أنوار مختلفة، فمن ذلك النّور نور أخضر اخضرّت منه الخضرة، ونور أصفر اصفرت منه الصفرة، ونور احمر احمرت منه الحمرة، ونور أبيض وهو نور الأنوار ومنه ضوء النّهار.

ثمّ جعله سبعين ألف طبق غلظ، كلّ طبق، كأوّل العرش إلى أسفل السّافلين. ليس من ذلك طبق، الّا يسبّح بحمده  ويقدسه بأصوات مختلفة وألسنة غير مشتبهة، ولو أذن للسان منهما فأسمع شيئا ممّا تحته، لهدّم الجبال، والمدائن والحصون ولخسف البحار ولأهلك ما دونه. له ثمانية أركان، على كلّ ركن منها من الملائكة ما لا يحصى عددهم إلّا اللَّه- عزّ وجلّ- يسبّحون اللّيل والنّهار لا يفترون. ولو حس  شي‏ء مما فوقه، ما قام لذلك طرفة عين. بينه وبين الإحساس، الجبروت والكبرياء والعظمة والقدس والرّحمة والعلم وليس وراء هذا مقال.