سورة طه الآية 61-80

قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً بأن تدعوا آياته سحرا.

فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ: فيهلككم ويستأصلكم به.

و قرأ  حمزة والكسائيّ وحفص ويعقوب  بالضّمّ من الإسحات، وهو لغة نجد وتميم. والسّحت لغة الحجاز وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى :

كما خاب فرعون.

فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ:

أي: تنازعت السّحرة في أمر موسى، حين سمعوا كلامه، فقال بعضهم: ليس هذا من كلام السّحرة! وَأَسَرُّوا النَّجْوى  بأنّ موسى إن غلبنا اتّبعناه. أو: تنازعوا واختلفوا فيما يعارضون به موسى، وتشاوروا في السّرّ.

و قيل : الضّمير لفرعون وقومه. وقوله:

قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ:

تفسير ل أَسَرُّوا النَّجْوى. كأنّهم تشاوروا في تلفيقه حذرا أن يغلبا فيتّبعهما النّاس.

و «هذان» اسم «إنّ» على لغة بلحارث بن كعب. فإنّهم جعلوا الألف للتّثنية، وأعربوا المثنّى تقديرا.

و قيل : اسمها ضمير الشّأن المحذوف وهذانِ لَساحِرانِ خبرها.

و قيل : «إنّ» بمعنى نعم، وما بعدها مبتدأ وخبر.

و فيهما أنّ اللّام لا تدخل خبر المبتدأ.

و قيل : أصله: إنّه هذان لهما ساحران. وفيه أنّ المؤكّد باللّام لا يليق به الحذف.و قرأ  أبو عمرو: «إنّ هذين» وهو ظاهر. وابن كثير وحفص: «إن هذان» على أنّها هي المخفّفة، واللّام هي الفارقة أو النّافية واللّام بمعنى إلّا.

يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بالاستيلاء عليها بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى : بمذهبكم الّذي هو أفضل المذاهب، بإظهار مذهبه وإعلاء دينه. لقوله: إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ .

و قيل : أرادوا: أهل طريقتكم. وهم بنو إسرائيل، فإنّهم كانوا أرباب علم فيما بينهم لقول موسى: فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ.

و قيل : الطّريقة اسم لوجوه القوم وأشرافهم، من حيث إنّهم قدوة لغيرهم.

فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ: فأزمعوه  [و اجعلوه‏]  مجمعا عليه لا يتخلّف عنه واحد منكم.

و قرأ  أبو عمرو : «فاجمعوا». ويؤيّده قوله : «فجمع كيده». والضّمير في «قالوا» إن كان للسّحرة، فهو قول بعضهم لبعض .

ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا: مصطفّين.

لأنّه أهيب في صدور الرّائين. كما قيل : كانوا سبعين ألفا مع كلّ [واحد]  منهم حبل وعصا، وأقبلوا عليه إقبالة واحدة.

وَ قَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى : فاز بالمطلوب من غلب. وهو اعتراض.

قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى :

أي بعد ما أتوا، مراعاة للأدب. و«أن» بما بعده منصوب بفعل مضمر، أو مرفوع بخبرمحذوف. أي: اختر إلقاءك أوّلا، أو إلقاءنا. [أو: الأمر إلقاؤك أو إلقاؤنا.]

قالَ بَلْ أَلْقُوا:

مقابلة أدب بأدب وعدم مبالاة بسحرهم، وإسعافا إلى ما أوهموه من الميل إلى البدء بذكر الأوّل في شقّهم. ولأن يأتوا بأقصى وسعهم، ثمّ يظهر اللّه سلطانه، فيقذف بالحقّ على الباطل فيدمغه.

فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى ، أي: ألقوا، فإذا حبالهم.

و «إذا» للمفاجأة. وهي أيضا ظرفيّة على التّحقيق تستدعي متعلّقا ينصبها وجملة تضاف إليها، لكنّها خصّت بأن يكون المتعلّق فعل المفاجأة والجملة ابتدائيّة. والمعنى:

فألقوا، ففاجأ موسى تخيّله وقت تخييل سعي حبالهم وعصيّهم من سحرهم.

قيل : وذلك بأن لطّخوها بالزّئبق. فلمّا ضربت عليها الشّمس ، اضطرب فتخيّل إليه أنّها تتحرّك.

و قرئ : «تخيّل»- بالتّاء- بإسناده إلى ضمير الحبال والعصيّ، وإبدال أنّها تسعى» منه بدل الاشتمال. و«يخيّل» على إسناده إلى اللّه. و«تخيّل» بمعنى تتخيّل.

فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى : فأضمر فيها خوفا من مفاجأته على ما هو مقتضى الجبلّة البشريّة، أو من أن يخالج الناس  شك فلا يتبعوه.

و في نهج البلاغة : قال- عليه السّلام-: لم يوجس موسى خيفة على نفسه، [بل‏] ، أشفق من غلبة الجهّال ودول الضّلال.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رحمه اللّه- عن معمّر بن راشد قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: إنّ موسى لمّا ألقى عصاه وأوجس في نفسه خيفة قال: اللّهمّ إنّي أسألك بحقّ محمّد وآل محمّد لمّا آمنتني. قال اللّه- عزّ وجلّ-: لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى.و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

قُلْنا لا تَخَفْ ما توهّمت.

إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى :

تعليل للنّهي، وتقرير لغلبته، مؤكّدا بالاستئناف وحرف التّحقيق، وتكرير الضّمير وتعريف الخبر، ولفظ العلوّ الدّالّ على الغلبة الظّاهرة، وصيغة التّفضيل.

وَ أَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ:

أبهم ولم يقل «عصاك» تحقيرا لها. أي: لا تبال بكثرة حبالهم وعصيّهم، وألق العويدة  الّتي في يدك. أو تعظيما لها. أي: لا تحتفل بكثرة هذه الأجرام وعظمها، فإنّ ما في يمينك أعظم منها أثرا، فألقه.

تَلْقَفْ ما صَنَعُوا: تبتلعه بقدرة اللّه- تعالى.

و أصله: تتلقّف. فحذفت إحدى التّاءين. وتاء المضارعة تحتمل التّأنيث والخطاب على إسناد الفعل إلى المسبّب.

و قرئ  بالرّفع، على الحال أو الاستئناف. وبالجزم والتّخفيف، على أنّه من لقفته.

إِنَّما صَنَعُوا، أي: إنّ الّذي زوّروه وافتعلوا كَيْدُ ساحِرٍ:

و قرئ  بالنّصب، على أنّ «ما» كافّة، وهو مفعول «صنعوا».

و قرئ : «سحر» بمعنى ذي سحر، أو بتسمية السّاحر سحرا على المبالغة، أو بإضافة الكيد إلى السّحر للبيان، كقولهم: علم فقه.

و إنّما وحّد السّاحر، لأنّ المراد به الجنس المطلق. ولذلك قال:

وَ لا يُفْلِحُ السَّاحِرُ، أي: هذا الجنس.

و تنكير الأوّل لتنكير المضاف. كأنّه قيل: إنّما صنعوا كيد سحريّ.

حَيْثُ أَتى : حيث كان وأين أقبل.

فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً:

أي: فألقى، فتلقّفت. فتحقّق عند السّحرة أنّه ليس بسحر، وإنّما هو من آيات اللّه ومعجزاته. فألقاهم ذلك على وجوههم سجّدا للّه، توبة للّه عمّا صنعوا، وتعظيما لما رأوه.قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى :

قدّم هارون لكبر سنّه أو لرؤوس الآي.

قيل : أو: لأنّ فرعون ربّى موسى في صغره. فلو اقتصر على موسى، أو قدّم ذكره، فربّما توهّم أنّ المراد فرعون وذكر هارون على الاستتباع.

قالَ آمَنْتُمْ لَهُ: لموسى.

و اللّام لتضمّن الفعل معنى الإتباع.

قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ في الإيمان له!؟

إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ: لعظيمكم في فنّكم، وأعلمكم به. أو: لأستاذكم الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ. وأنتم تواطأتم على ما فعلتم.

فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ: اليد اليمنى والرّجل اليسرى.

و «من» ابتدائيّة. كأنّ القطع ابتداء من مخالفة العضو [العضو]  وهي مع المجرور بها في حيّز النّصب على الحال. أي: لأقطّعنّها مختلفات.

و قرئ : «و لأقطعنّ» و«لأصلبنّ» بالتّخفيف.

وَ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ:

شبّه تمكّن المصلوب بالجذع، بتمكّن المظروف بالظّرف.

قيل : وهو أوّل من صلب.

وَ لَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا:

قيل : يريد نفسه وموسى لقوله: آمَنْتُمْ لَهُ. واللّام مع الإيمان في كتاب اللّه لغير اللّه. أراد به توضيع موسى  والهزء به، فإنّه لم يكن من التّعذيب في شي‏ء.

و قيل : ربّ موسى الّذي آمنوا به.

أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى : وأدوم عقابا.

قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ: لن نختارك عَلى ما جاءَنا موسى به.

و يجوز أن يكون الضّمير فيه ل «ما».مِنَ الْبَيِّناتِ: المعجزات الواضحات.

وَ الَّذِي فَطَرَنا:

عطف على «ما جاءنا»، أو قسم.

فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ: ما أنت قاضيه، أي: صانعه. أو: حاكم به.

إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا : إنّما تصنع ما تهواه، أو تحكم بما تراه، في هذه الدّنيا، والآخرة خير وأبقى.

فهو كالتّعليل لما قبله، والتّمهيد لما بعده.

و قرئ  بالإسناد إلى ما بعده، كقولك: صيم يوم الجمعة.

إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا من الكفر والمعاصي وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ في معارضة المعجزة.

في الجوامع : روي أنّهم قالوا لفرعون: أرنا موسى نائما. [ففعل‏] . فوجدوه تحرسه العصا. فقالوا: ما هذا بسحر. فإنّ السّاحر إذا نام بطل سحره. فأبى [فرعون‏]  إلّا أن يعارضوه.

 

وَ اللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقى  جزاء. أو: خير ثوابا، وأبقى عقابا.

إِنَّهُ، أي: الشّأن مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً بأن يموت على الكفر والعصيان، فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها فيستريح، وَلا يَحْيى  حياة مهنّأة.

وَ مَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ في الدّنيا، فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى : المنازل الرّفيعة.

في أصول الكافي : عن عمّار السّاباطيّ قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قوله- تعالى -: أَ فَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ. فقال:

الّذين اتّبعوا رضوان اللّه، هم الأئمّة- عليهم السّلام- وهم- واللّه يا عمّار!-

درجات للمؤمنين. وبولائهم ومعرفتهم إيّانا، يضاعف [اللّه‏]  لهم أعمالهم ويرفع اللّه لهم الدّرجات العلى.

و في تفسير العيّاشيّ  عن عمّار بن مروان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- مثله.

 

جَنَّاتُ عَدْنٍ:

بدل من «الدّرجات».

تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ:

قد سبق معنى جري الأنهار تحت الجنّات.

خالِدِينَ فِيها:

حال، والعامل فيها معنى الإشارة أو الاستقرار.

وَ ذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى : تطهّر من أدناس الكفر والمعاصي.

و الآيات الثّلاث يحتمل أن تكون من كلام السّحرة، وأن تكون ابتداء كلام من اللّه- تعالى.

وَ لَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي أي من مصر فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً: فاجعل. من قوله: ضرب له في ماله سهما. أو: فاتّخذ. من: ضرب اللّبن: إذا عمله.

فِي الْبَحْرِ يَبَساً، أي: يابسا. مصدر وصف به.

و قرئ : «يبسا». وهو إمّا مخفّف منه، أو وصف على فعل- كصعب- أو جمع يابس- كصحب- وصف به الواحد مبالغة، أو لتعدّده معنى، فإنّه جعل لكلّ سبط منهم طريقا.

في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رحمه اللّه-: روي عن موسى بن جعفر- عليهم السّلام- عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن عليّ- عليهم السّلام- قال: إنّ يهوديّا من يهود الشّام وأحبارهم قال لأمير المؤمنين- عليه السّلام- في أثناءكلام طويل: فإنّ موسى- عليه السّلام- قد ضرب له طريق في البحر  فهل لمحمّد فعل  شي‏ء من هذا؟

فقال له عليّ- عليه السّلام-: لقد كان كذلك، ومحمّد- صلّى اللّه عليه وآله- أعطي ما هو أفضل من هذا.

خرجنا معه إلى خيبر . فإذا نحن بواديشخب .

فقدّرناه، فإذا هو أربع عشرة  قامة. فقال أصحابه : يا رسول اللّه! العدوّ من ورائنا، والوادي أمامنا. كما قال أصحاب موسى- عليه السّلام-: إِنَّا لَمُدْرَكُونَ .

فنزل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله. ثمّ قال: اللهمّ ، إنّك جعلت لكلّ مرسل دلالة. فأرني قدرتك. وركب- صلّى اللّه عليه وآله- فعبرت الخيل لا تندى حوافرها، والإبل لا تندى أخفافها. فرجعنا، فكان فتحنا.

لا تَخافُ دَرَكاً:

حال من المأمور. أي: آمنا من أن يدرككم العدوّ. أو صفة ثانية، والعائد محذوف.

و قرئ : «لا تخف» على أنّه جواب الأمر.

وَ لا تَخْشى :

استئناف. أي: وأنت لا تخشى الغرق. أو عطف. أو حال بالواو.

و في كتاب طبّ الأئمّة - عليهم السّلام-: عليّ بن عروة الأهوازيّ قال: حدّثنا الدّيلميّ، عن داود الرقي، عن موسى بن جعفر- عليهما السّلام- قال: من كان في سفر، فخاف اللّصوص والسّبع، فليكتب على عرف دابّته: لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى، فإنّه يأمن بإذن اللّه- تعالى.

قال داود الرقي: فحججت. فلمّا كنّا بالبادية، جاء قوم من الأعراب، فقطعوا على‏القافلة، وأنا فيهم. فكتبت على عرف جملي: لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى. فو الّذي بعث محمّدا- صلّى اللّه عليه وآله- بالنّبوّة، وخصّه بالرّسالة، وشرّف أمير المؤمنين- عليه السّلام- بالإمامة، ما نازعني أحد منهم! أعماهم اللّه عنّي.

فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ:

و ذلك أنّ موسى خرج بهم أوّل اللّيل. فأخبر فرعون بذلك، فقصّ أثرهم. والمعنى:

فأتبعهم فرعون نفسه ومعه جنوده. فحذف المفعول الثّاني.

و قيل : «فأتبعهم» بمعنى فاتّبعهم. [و يؤيّده القراءة به. والباء للتّعدية.

و قيل : الباء مزيدة. والمعنى: فأتبعهم‏]  جنوده وزرادهم خلفهم.

فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ :

الضّمير لجنوده، أو له ولهم. وفيه مبالغة ووجازة. أي: غشيهم ما سمعت قصّته، ولا يعرف كنهه إلّا اللّه.

و قرئ : «فغشّاهم ما غشّاهم»، [أي: غطّاهم ما غطّاهم‏].  والفاعل هو اللّه، أو «ما غشيهم»، أو فرعون، لأنّه الّذي ورّطهم للهلاك.

وَ أَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى ، أي: أضلّهم في الدّين، وما هداهم- وهو تهكّم به في قوله: وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ - أو: أضلّهم في البحر وما نجا.

في كتاب سعد السّعود  لابن طاوس- رحمه اللّه- عن تفسير الكلبيّ، عن ابن عبّاس انّ جبرئيل- عليه السّلام- قال لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- في حديث في حال فرعون وقومه: وإنّما قال لقومه: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى  حين انتهى إلى البحر فرآه قد يبست فيه الطّريق فقال لقومه: ترون البحر قد يبس من فرقى!؟ فصدّقوه لمّا رأوا ذلك. فذلك قوله تعالى: وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى.

و يأتي تمام القصّة في سورة الشّعراء- إن شاء اللّه تعالى.يا بَنِي إِسْرائِيلَ:

خطاب لهم بعد إنجائهم من البحر وإهلاك فرعون، على إضمار قلنا، أو للّذين منهم في عهد النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- بما فعل بآبائهم.

قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ: فرعون وقومه.

وَ واعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ لمناجاة موسى- عليه السّلام- وإنزال التّوراة عليه.

و إنّما عدّت المواعدة إليهم، وهي لموسى- أو له وللسّبعين المختارين- للملابسة.

وَ نَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى :يعني: في التّيه.