سورة هود الآية 41-60

وَ قالَ ارْكَبُوا فِيها، أي: صيروا فيها راكبين، كما يركب الدّوابّ في البرّ.

بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها: متّصل «باركبوا» حال من الواو، أي: اركبوا فيها مسمّين اللَّه- تعالى-. أو قائلين: بسم اللَّه وقت إجرائها وإرسائها. أو مكانهما، على أنّ المجرى والمرسى للوقت والمكان. أو للمصدر والمضاف محذوف، كقولهم: أتيك خفوق النّجم. وانتصابهما بما قدّرناه حالا.

و يجوز رفعهما «ببسم اللَّه» على أنّ المراد بهما المصدر. أو جملة من مبتدأ وخبر، أي:إجراؤها بسم اللَّه. على أنّ «بسم اللَّه» خبره، أو صلته والخبر محذوف. وهي إمّا جملة مقتضية لا تعلّق لها بما قبلها، أو حال مقدّرة من الواو أو الهاء.

و قرأ  حمزة والكسائيّ وعاصم برواية حفص: «مجراها» بالفتح، من جرى.

و قرئ: «مرساها» أيضا، من رسا. وكلاهما يحتمل الثّلاثة. و«مجريها ومرسيها» بلفظ الفاعل، صفتين للّه- تعالى-.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن صفوان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام-. وذكر حديثا طويلا. وفيه يقول- عليه السّلام-: فقال اللَّه- عزّ وجلّ-: ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها.

يقول: «مجريها»، أي: مسيرها. «و مرسيها»، أي: موقعها .

إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ، أي: لو لا مغفرته لفرطاتكم ورحمته إيّاكم، لما نجّاكم.

وَ هِيَ تَجْرِي بِهِمْ: متّصل بمحذوف دلّ عليه «اركبوا»، أي: فركبوا مسمّين، وهي تجري وهم فيها.

فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ: في موج من الطّوفان، وهي ما يرتفع من الماء عند اضطرابه. كلّ موجة فيها، كجبل في تراكمها وارتفاعها.

و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى أبان بن تغلب: عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- حديث طويل، يذكر فيه القائم- عليه السّلام-. وفيه: فإذا نشر راية رسول اللَّه، تنحطّ  إليه ثلاثة عشر ألف ملك ينصرون  القائم- عليه السّلام-. وهم الّذين كانوا مع نوح- عليه السّلام- في السّفينة.

و في الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أسباط. ومحمّد بن أحمد، عن موسى بن القاسم البجليّ ، عن عليّ بن أسباط قال: قلت لأبي الحسن- عليه السّلام-:جعلت فداك، ما ترى آخذ برّا أو بحرا، فإنّ طريقنا مخوف شديد الخطر؟

فقال: اخرج برّا، ولا عليك أن تأتي في  مسجد رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- وتصلّي ركعتين في غير وقت فريضة. ثمّ تستخير اللَّه مائة مرّة ومرّة. ثمّ تنظر، فإن عزم اللَّه عليك  على البحر، فقل الّذي قال اللَّه- عزّ وجلّ-: وَقالَ ارْكَبُوا- إلى قوله- لَغَفُورٌ رَحِيمٌ.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن عليّ بن أسباط، عن أبي الحسن، الرّضا- عليه السّلام- قال: إن ركبت البحر، فإذا صرت في السّفينة، فقل: بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن أبي يوسف، يعقوب بن عبد اللَّه من ولد أبي فاطمة، عن إسماعيل بن زيد، مولى عبد اللَّه بن يحيى الكاهليّ، عن أبي عبد اللَّه، عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل، يذكر فيه مسجد الكوفة. وفيه يقول- عليه السّلام-: ومنه سارت سفينة نوح.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن صفوان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: لمّا أراد اللَّه- عزّ وجلّ- هلاك قوم نوح- وذكر حديثا طويلا-.

و فيه يقول- عليه السّلام-: فبقي الماء يصبّ  من السّماء أربعين صباحا ومن الأرض العيون، حتّى ارتفعت السّفينة، فمسحت السّماء.

و في روضة الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن عليّ، عن داود بن يزيد، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: ارتفع الماء على كلّ جبل وعلى كلّ سهل خمسة عشر ذراعا.

و في عيون الأخبار ، بإسناده إلى الحسين بن خالد الصيرفيّ: عن أبي الحسن، الرّضا- عليه السّلام- قال: إنّ نوحا- عليه السّلام- لمّا ركب السّفينة، أوحى اللَّه- عزّ وجلّ- إليه: يا نوح، إن خفت الغرق، فهلّلني ألفا. ثمّ اسألني النّجاة أنجك من الغرق‏و من آمن معك.

قال: فلمّا استوى نوح ومن معه في السّفينة ورفع القلس و عصفت الرّيح عليهم فلم يأمن نوح- عليه السّلام- [الغرق‏]  وأعجلته الرّيح فلم يدرك له أن يهلّل اللَّه ألف مرّة. فقال بالسّريانيّة: هيلوليا، ألفا ألفا. يا ماريا يا ماريا، أتقن .

قال: فاستوى القلس واستقرّت  السّفينة.

فقال نوح- عليه السّلام-: إنّ كلاما نجّاني اللَّه به من الغرق، لحقيق أن لا يفارقني.

قال: فنقش في خاتمه: لا إله إلّا اللَّه، ألف مرّة. يا ربّ، أصلحني.

و في كتاب الخصال : عن الحسين بن خالد، عن أبي الحسن، موسى بن جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ نوحا- عليه السّلام- لمّا ركب في  السّفينة، أوحى اللَّه- عزّ وجلّ- إليه. وذكر، نحو ما في عيون الأخبار.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رحمه اللَّه-: وعن معمّر بن راشد قال: سمعت أبا عبد اللَّه- عليه السّلام- يقول: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: إنّ نوحا لمّا ركب السّفينة وخاف من الغرق، قال: اللّهمّ، إنّي أسألك بمحمّد وآل محمّد لمّا أنجيتني [من الغرق‏] . فنجّاه اللَّه- عزّ وجلّ-.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى سهل بن زياد الآدميّ قال: حدّثني عبد العظيم بن عبد اللَّه الحسنيّ قال: سمعت عليّ بن محمّد العسكريّ- عليه السّلام- يقول: عاش نوح- عليه السّلام- ألفين وخمسمائة سنة. وكان يوما في السّفينة نائما، فهبّت الرّيح فكشفت عن عورته. فضحك حام ويافث، فزجرهما سام- عليه السّلام- ونهاهما عن‏الضّحك. وكان كلّما غطى  سام شيئا تكشفه الرّيح، كشفه حام ويافث. فانتبه نوح فرآهم وهم يضحكون.

فقال: ما هذا؟

فأخبره سام بما كان.

فرفع نوح- عليه السّلام- يده إلى السّماء يدعو ويقول: اللّهمّ، غيّر ما في  صلب حام حتّى لا يولد له ولد  إلّا السّودان. اللّهم، غيّر ما في  صلب يافث.

فغير اللَّه ما في  صلبيهما. فجميع السّودان حيث كانوا من حام، وجميع التّرك والسّقالب  ويأجوج ومأجوج والصّين من يافث حيث كانوا، وجميع البيض سواهم من سام.

و قال نوح- عليه السّلام- لحام ويافث: جعل اللَّه ذرّيّتكما خولا  لذرّيّة سام إلى يوم القيامة، لأنّه برّني وعققتماني. فلا زالت سمة عقوقكما لي في ذرّيّتكما ظاهرة، وسمة البرّ بي في ذريّة سام ظاهرة ما بقيت الدّنيا.

وَ نادى نُوحٌ ابْنَهُ: كنعان.

و قرئ : «ابناه» على النّدبة، ولكونها حكاية سوّغ حذف الحرف.

و في تفسير العيّاشيّ : عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال:

وَ نادى نُوحٌ ابْنَهُ.

قال: إنّما في لغة طي‏ء ابنه‏1» بنصب الألف، يعني: ابن امرأته.

عن موسى ، عن العلاء بن سيابة، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قول اللَّه- عزّ وجلّ-: وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ.

قال: ليس بابنه، إنّما هو ابن امرأته. وهو لغة طيئ، يقولون لابن امرأته: ابنه.و في مجمع البيان : وروي عن عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- وأبي جعفر، محمّد بن عليّ، وأبي عبد اللَّه، جعفر بن محمّد- عليهم السّلام-: وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ. بفتح الهاء، على أنّ أصلها: ابنها، حذفت الألف.

و روي - أيضا-: ابنها.

و الضّمير على التّقديرين  لامرأته.

وَ كانَ فِي مَعْزِلٍ: عزل فيه نفسه عن أبيه، أو عن دينه. مفعل، للمكان. من عزله عنه: إذا أبعده.

يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا، أي: في السّفينة.

و الجمهور كسروا  الياء، ليدلّ على ياء الإضافة المحذوفة، في جميع القرآن. غير ابن كثير فإنّه وقف عليها في لقمان في الموضع الأوّل باتّفاق الرّواة، وفي الثّالث في رواية قنبل وعاصم، فإنّه فتح هاهنا اقتصارا على الفتح من الألف المبدلة من ياء الإضافة، واختلفت الرّواية عنه في سائر المواضع. وقد أدغم الباء في الميم أبو عمرو والكسائيّ وحفص، لتقاربهما.

و في تفسير العيّاشيّ : عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول نوح- عليه السّلام-: يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا.

قال: ليس بابنه.

قال: قلت: إنّ نوحا قال: يا بُنَيَّ.

قال: فإنّ نوحا قال ذلك، وهو لا يعلم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : عن الصّادق- عليه السّلام-: نظر نوح إلى ابنه يقع ويقوم، فقال له: يا بُنَيَّ ارْكَبْ (الآية).

وَ لا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ : في الدّين والانعزال.

قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ: أن يغرقني.

و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى عليّ بن أبي حمزة: عن أبي نعيم، عن أبي‏

 عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: إنّ النّجف كان جبلا. وهو الّذي قال ابن نوح: سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ. ولم يكن على وجه الأرض جبل أعظم منه. فأوحى اللَّه- عزّ وجلّ- إليه: يا جبل، أ يعتصم بك منّي. فتقطّع قطعا [قطعا]  إلى بلاد الشّام، وصار رملا رقيقا، وصار بعد ذلك بحرا. وكان يسمّى ذلك البحر: بحر «ني». ثمّ جفّ بعد ذلك، فقيل: ني جفّ  فسمّي بنيجفّ. ثمّ صار النّاس بعد ذلك يسمّونه بنجف، لأنّه كان أخفّ على ألسنتهم.

و في من لا يحضره الفقيه : روى صفوان بن مهران الجمّال، عن الصّادق، جعفر بن محمّد- عليه السّلام- قال: سار وأنا معه في القادسيّة، حتّى أشرف على النّجف.

فقال: هو الجبل الّذي اعتصم به ابن جدّي نوح، فقال: سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ. فأوحى اللَّه- عزّ وجلّ- إليه: يا جبل، أ يعتصم بك أحد منّي. فغار  في الأرض، وتقطّع إلى الشّام.

قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ: إلّا الرّاحم، وهو اللَّه- تعالى-. أو الإمكان من رحمهم اللَّه- تعالى- وهم المؤمنون. ردّ بذلك أن يكون اليوم معتصم  من جبل ونحوه يعصم اللّائذ به، إلّا معتصم المؤمنين، وهو السّفينة.

و قيل : «لا عاصم»، يعني: لا ذا عصمة، كقوله: فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ.

و قيل : الاستثناء  منقطع، أي: لكن من رحمه اللَّه يعصمه.

و قرئ: «إلّا من رحم»، على البناء للمفعول.

وَ حالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ: بين نوح وابنه. أو بين ابنه والجبل.

فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ : وصار من المهلكين بالماء.

وَ قِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي: نوديا بما ينادى به أولوا العلم وامرا بما يؤمرون به تمثيلا، لكمال قدرته وانقيادهما لما يشاء تكوينه فيهما، بالآمر المطاع‏

الّذي يأمر المنقاد لحكمه المبادر إلى امتثال أمره، مهابة من عظمته وخشية من أليم عقابه.

و «البلع» النّشف. و«الإقلاع» الإمساك.

و في تفسير العيّاشيّ : عن إبراهيم بن أبي العلاء، عن غير واحد، عن أحدهما قال: لمّا قال اللَّه: يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي، قال الأرض: إنّما أمرت أن أبلع مائي أنا فقط، ولم أؤمر أن أبلع ماء السّماء.

قال: فبلعت الأرض ماءها، وبقي ماء السّماء فصير بحرا [حول السّماء]  وحول الدّنيا.

عن عبد الرّحمن بن الحجّاج ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قوله: يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ.

قال: نزلت بلغة الهند، اشربي.

و في رواية عبّاد ، عنه- عليه السّلام-: يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ حبشيّة.

و في عيون الأخبار ، بإسناده إلى عبد اللَّه  قال: قلت له: يا ابن رسول اللَّه، لأيّ علّة أغرق اللَّه- تعالى- الدّنيا كلّها في زمن نوح، وفيهم الأطفال وفيهم من لا ذنب له؟

فقال: ما كان فيهم الأطفال، لأنّ اللَّه أعقم أصلاب قومه  وأرحام نسائهم أربعين عاما فانقطع نسلهم فغرقوا ولا طفل فيهم. وما كان اللَّه- تعالى- ليهلك بعذابه من لا ذنب له. وأمّا الباقون من قوم نوح- عليه السّلام- فاغرقوا لتكذيبهم لنبيّ اللَّه نوح- عليه السّلام-. وسائرهم أغرق برضاهم بتكذيب المكذّبين. ومن غاب عن  أمر فرضي به، كان كمن شهده وأتاه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن صفوان، [عن أبي بصير]  عن أبي‏

 عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: لمّا أراد اللَّه- عزّ وجلّ- إهلاك قوم نوح، أعقم أرحام النّساء أربعين سنة فلم يولد  فيهم مولود.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وَ غِيضَ الْماءُ: نقص.

وَ قُضِيَ الْأَمْرُ: وأنجز ما وعد من إهلاك الكافرين وإنجاء المؤمنين.

وَ اسْتَوَتْ: واستقرّت السّفينة.

عَلَى الْجُودِيِّ: جبل بالموصل.

و قيل : بالشّام.

و قيل : بآمد .

وَ قِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ : هلاكا لهم.

يقال: بعد، بعدا وبعدا: إذا بعد بعدا بعيدا بحيث لا يرجى عودة. ثمّ استعير للهلاك، وخصّ بدعاء السّوء.

و الآية في غاية الفصاحة، لفخامة لفظها وحسن نظمها، والدّلالة على كنه الحال مع الإيجاز الخالي عن الإخلال.

و في إيراد الأخبار على البناء للمفعول دلالة على تعظيم الفاعل، وأنّه متعيّن في نفسه مستغن عن ذكره إذ لا يذهب الوهم إلى غيره. للعلم بإنّ مثل هذه الأفعال لا يقدر عليه سوى الواحد القهّار.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : عن الصّادق- عليه السّلام- في حديث: ودارت السّفينة، وضربتها الأمواج حتّى وافت مكّة وطافت بالبيت. وغرق جميع الدّنيا، إلّا موضع البيت. وإنّما سمّي البيت العتيق، لأنّه أعتق من الغرق. فبقي الماء ينصبّ من السّماء أربعين صباحا ومن الأرض العيون، حتّى ارتفعت السّفينة فمسحت السّماء.

قال: فرفع نوح يده، فقال: يا رهمان اتقن. وفي  تفسيرها: يا ربّ أحسن. فأمر اللَّه- عزّ وجلّ- الأرض أن تبلع ماءها، [و هو قوله- عزّ وجلّ-: وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي، أي: أمسكي. وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِ‏

 فبلعت الأرض ماءها]» فأراد ماء السّماء أن يدخل في الأرض، فامتنعت الأرض [من‏]  قبولها، وقالت: إنّما أمرني اللَّه أن أبلع مائي، فبقي ماء السماء على وجه الأرض، واستوت السفينة على جبل الجودي وهو بالموصل، جبل عظيم، فبعث اللَّه- عزّ وجلّ- جبريل، فساق الماء إلى البحار حول الدنيا.

و في تفسير العيّاشي  عن أبي بصير، عن أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- قال:

قال: يا [أبا]  محمّد، إنّ اللَّه أوحى الى الجبال أنّي مهرق سفينة نوح على جبل منكنّ في الطوفان. فتطاولت، وشمخت، وتواضع جبل عندكم بالموصل يقال له: الجوديّ.

فمرّت السفينة تدور في الطوفان على الجبال كلّها حتّى أشرفت  الى الجوديّ، فوقفت . فقال نوح: بارات قني، بارات قني .

قال: قلت: جعلت فداك أيّ شي‏ء هذا الكلام.

فقال: اللّهمّ أصلح، اللّهم أصلح.

عن أبي بصير  عن أبي الحسن موسى- عليه السّلام- قال: كان نوح في السّفينة، فلبث فيها ما شاء اللَّه. وكانت مأمورة، فخلّى سبيلها نوح. فأوحى اللَّه إلى الجبال: إنّي واضع سفينة عبدي نوح على جبل منكنّ. فتطاولت الجبال وشمخت غير الجوديّ، وهو جبل بالموصل. فضرب جؤجؤ  السّفينة الجبل، فقال نوح عند ذلك: ربّ اتقن. وهو بالعربيّة: ربّ أصلح.

و روى كثير  النّوا ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- يقول: سمع نوح صرير السّفينة على الجوديّ، فخاف عليها. فأخرج رأسه من كوّة كانت فيها، فرفع يده وأشار بإصبعه ويقول: رهمان  اتقن. تأويلها: ربّ أحسن.و في تهذيب الأحكام ، بإسناده إلى المفضّل بن عمر: عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: أنّ اللَّه- عزّ وجلّ- أوحى إلى نوح- عليه السّلام- وهو في السّفينة أن يطوف بالبيت أسبوعا. فطاف بالبيت، كما أوحى اللَّه إليه. ثمّ نزل في الماء إلى ركبتيه، فاستخرج تابوتا فيه عظام آدم- عليه السّلام-. فحمله في جوف السّفينة حتّى طاف ما شاء اللَّه أن يطوف. ثمّ ورد إلى باب الكوفة في وسط مسجدها، ففيها قال اللَّه- تعالى- للأرض: ابْلَعِي ماءَكِ. فبلعت ماءها من مسجد الكوفة، كما بدأ الماء منه، وتفرّق الجمع الّذي كان مع نوح- عليه السّلام- في السّفينة.

و في مجمع البيان : وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ. قيل: إنّها لم تبتلع ماء السّماء لقوله: ابْلَعِي ماءَكِ. وأنّ ماء السّماء صار بحارا وأنهارا. وهو المرويّ عن أئمّتنا- عليهم السّلام-.

و في أصول الكافي : أحمد بن أبي عبد اللَّه، عن أبيه، عن عليّ بن الحكم رفعه، إلى  أبي بصير قال: دخلت على أبي الحسن، موسى- عليه السّلام- في السّنة الّتي قبض فيها أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-.

فقلت: جعلت فداك، ما لك ذبحت كبشا ونحر فلان بدنة؟

فقال: يا [أبا]  محمّد، إنّ نوحا- عليه السّلام- كان في السّفينة، وكان فيها ما شاء اللَّه، وكانت السّفينة مأمورة فطافت بالبيت وهو طواف النّساء، وخلّى سبيلها نوح- عليه السّلام-. فأوحى اللَّه- عزّ وجلّ- إلى الجبال: إنّي واضع سفينة نوح [عبدي‏]  على جبل منكنّ. فتطاولت وشمخت وتواضع الجودي، وهو جبل عندكم. فضربت السّفينة بجؤجؤها الجبل.

قال: فقال نوح عند ذلك: يا بار  اتقن. وهو بالسّريانيّة: ربّ أصلح.

قال: فظننت أنّ أبا الحسن- عليه السّلام- عرّض بنفسه.

و في روضة الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن هشام‏

 الخراسانيّ، عن المفضّل بن عمر قال: قلت له: كم لبث نوح في السّفينة حتّى نضب [الماء]  وخرجوا منها؟

فقال: لبثوا فيها سبعة أيّام ولياليها. فطافت بالبيت أسبوعا، ثمّ استوت على الجوديّ، وهو فرات الكوفة.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن الحسن بن صالح الثّوريّ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: إنّ سفينة نوح سعت بين الصّفا والمروة، وطافت بالبيت سبعة أشواط، ثمّ استوت على الجوديّ.

و في الكافي : محمّد بن يحيى، عن بعض أصحابه، عن الوشّاء، عن عليّ بن أبي حمزة قال: قال لي أبو الحسن- عليه السّلام-: إنّ سفينة نوح كانت مأمورة وطافت بالبيت [أسبوعا، ثمّ استوت على الجوديّ‏]  حيث غرقت الأرض، ثمّ أتت منى في أيّامها، ثمّ رجعت السّفينة وكانت مأمورة وطافت بالبيت طواف النّساء.

و في تهذيب الأحكام : عليّ بن الحسن، عن محمّد بن عبد اللَّه بن زرارة، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبان بن عثمان الأحمر، عن كثير النّوا ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: لزقت السّفينة يوم عاشوراء على الجوديّ، فأمر نوح- عليه السّلام- من معه من الجنّ والإنس أن يصوموا ذلك اليوم.

و في تفسير العيّاشيّ : عن عبد الحميد بن أبي الدّيلم [عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام-]  قال: لمّا ركب نوح- عليه السّلام- في السّفينة، قِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ.

و في مجمع البيان : ويروى أنّ كفّار قريش أرادوا أن يتعاطوا معارضة القرآن، فعكفوا [على لباب البرّ ولحوم الضّأن وسلاف  الخمر أربعين يوما لتصفوا أذهانهم. فلمّاأخذوا فيما أرادوا، سمعوا]  هذه الآية. فقال بعضهم لبعض: هذا كلام لا يشبه كلام المخلوقين . وتركوا ما أخذوا فيه، وافترقوا.

و في كتاب الخصال : عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: إنّ نوحا لمّا كان أيّام الطّوفان، دعا مياه الأرض فأجابته 2 إلّا الماء المرّ و[ماء]  الكبريت.

وَ نادى نُوحٌ رَبَّهُ: وأراد نداءه، بدليل عطف قوله: فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي: فإنّه النّداء.

وَ إِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ، أي: كلّ وعد تعده حقّ، لا يتطرّق إليه الخلف. وقد وعدت أن تنجّي أهلي، فما حاله أو فما له لم ينج؟

و يجوز أن يكون هذا النّداء قبل غرقه.

وَ أَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ : لأنّك أعلمهم وأعدلهم، أو لأنّك أكثر حكمة من ذوي الحكم. على أنّ الحاكم من الحكمة، كالدّارع من الدّرع.

قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ: لقطع الولاية بين المؤمن والكافر. وأشار إليه بقوله: إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ: فإنّه تعليل لنفي كونه من أهله. وأصله: أنّه ذو عمل فاسد. فجعل ذاته ذات العمل، للمبالغة، كقول الخنساء تصف ناقة:

         ترتاع ما رتعت  حتّى إذا ادّكرت             فإنّما هي إقبال وإدبار

 ثمّ بدّل الفاسد بغير الصّالح، تصريحا بالمناقضة بين وصفيهما، وانتفاء ما أوجب النّجاة لمن نجا من أهله.

و قرأ  الكسائيّ ويعقوب: «إنّه عمل»، أي: عمل عملا غير صالح.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ: روي عن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه عن الحسين بن عليّ- عليهم السّلام- قال: إنّ يهوديّا من يهود الشّام وأحبارهم قال‏لأمير المؤمنين فهذا نوح- عليه السّلام- صبر في ذات اللَّه- عزّ وجلّ- وأعذر قومه إذ كذّب.

قال له عليّ- عليه السّلام-: لقد كان كذلك ومحمّد- صلّى اللَّه عليه وآله- صبر في ذات اللَّه، فأعذر  قومه إذ كذّب وشرّد وحصب بالحصا، وعلاه أبو لهب بسلا  ناقة [و شاة] . فأوحى اللَّه- تبارك وتعالى- إلى جابيل ملك الجبال: أن شقّ الجبال وانته إلى أمر محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله-.

فأتاه فقال له: إنّي أمرت لك بالطّاعة، فإن أمرت أن أطبقت عليهم الجبال فأهلكتهم بها.

قال- صلّى اللَّه عليه وآله-: إنّما بعثت رحمة، ربّ اهد  أمّتي فإنّهم لا يعلمون.

ويحك يا يهوديّ، إنّ نوحا لمّا شاهد غرق قومه رقّ عليهم رقّة القرابة  وأظهر عليهم شفقة، فقال إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي.

فقال اللَّه- تبارك وتعالى اسمه-: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ.

أراد- جلّ ذكره- أن يسلّيه بذلك. ومحمّد- صلّى اللَّه عليه وآله- لمّا غلبت عليه  من قومه المعاندة، شهر عليهم سيف النّقمة ولم تدركه فيهم رقّة القرابة ولم ينظر إليهم بعين رحمة .

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و عن أمير المؤمنين - عليه السّلام- حديث طويل. وفيه يقول- عليه السّلام- مجيبا لبعض الزّنادقة- وقد قال: وأجده قد شهر هفوات أنبيائه بتكذيبه نوحا لمّا قال: إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي بقوله: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ-: وأمّا هفوات الأنبياء- عليهم السّلام- وما بيّنه اللَّه في كتابه [و وقوع الكناية من أسماء من اجترم أعظم مما اجترمه الأنبياء، ممن شهد الكتاب بظلمهم‏] ، فإنّ ذلك من أدلّ الدّلائل على حكمة اللَّه الباهرة وقدرته القاهرة

 و عزته الظّاهرة. لأنّه علم أنّ براهين الأنبياء- عليهم السّلام- تكبر في صدور أممهم  وأنّ منهم من يتّخذ بعضهم إلها، كالّذي كان من النّصارى في ابن مريم، فذكرها دلالة على تخلّفهم عن الكمال الّذي تفرّد به- عزّ وجلّ-.

و في مجمع البيان : وروى عليّ بن مهزيار، عن الحسن  بن عليّ الوشّاء، عن الرّضا- عليه السّلام- قال: قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: إنّ اللَّه- تعالى- قال لنوح- عليه السّلام-: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ. لأنّه كان مخالفا له، وجعل من اتّبعه من أهله.

و في كتاب الغيبة  لشيخ الطّائفة، بإسناده إلى إسحاق بن يعقوب قال: سألت محمّد بن عثمان العمريّ- رحمه اللَّه- أن يوصل لي كتابا، قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليّ.

فورد التّوقيع بخطّ مولانا صاحب الدّار- عليه السّلام-: أمّا ما سألت عنه، أرشدك اللَّه وثبّتك اللَّه  من أمر المنكرين لي من أهل بيتنا وبني عمّنا، فاعلم أنّه ليس بين اللَّه- عزّ وجلّ- وبين أحد قرابة. ومن أنكرني، فليس منّي وسبيله سبيل ابن نوح.

و في عيون الأخبار : حدّثنا أبي- رضي اللَّه عنه- قال: حدّثنا سعد بن عبد اللَّه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن الرّضا- عليه السّلام- قال:

 

سمعته يقول: قال أبي- عليه السّلام- [قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-] : إنّ اللَّه- عزّ وجلّ- قال [لنوح‏] : «يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ. لأنّه كان مخالفا له. وجعل من اتّبعه من أهله. [قال‏] .

و سألني: كيف يقرءون  هذه الآية في ابن نوح؟

فقلت: يقرأها  النّاس على وجهين: إنّه عمل غير صالح. وإنّه عمل غير صالح.

فقال: كذبوا، هو ابنه- ولكن اللَّه- عزّ وجلّ- نفاه عنه حين خالفه في دينه.و في باب  ذكر مجلس الرّضا- عليه السّلام- مع المأمون، في الفرق بين العترة والأمّة حديث طويل. يقول فيه الرّضا- عليه السّلام-: أما علمتم أنّه وقعت الوراثة والطّهارة على المصطفين المهتدين دون سائرهم؟

قالوا: من أين، يا أبا الحسن؟

فقال: من قول اللَّه- عزّ وجلّ-: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ، فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ . فصارت وراثة النّبوّة والكتاب للمهتدين دون الفاسقين. أما علمتم أنّ نوحا حين سأل ربّه- عزّ وجلّ-: فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ. وذلك أنّ اللَّه- عزّ وجلّ- وعده أن ينجّيه وأهله فقال ربّه- عزّ وجلّ-: يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ، إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ، فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ، إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ.

و في باب  قول الرّضا- عليه السّلام- لأخيه، زيد بن موسى حين افتخر على من في مجلسه، بإسناده إلى الحسن بن موسى [بن علي‏]  الوشّاء البغداديّ قال: كنت بخراسان مع عليّ بن موسى الرّضا- عليه السّلام- في مجلسه وزيد بن موسى حاضر قد أقبل على جماعة في المجلس يفتخر عليهم، ويقول: نحن [و نحن‏] . وأبو الحسن- عليه السّلام- مقبل على قوم يحدّثهم. فسمع مقالة زيد، فالتفت إليه.

فقال: يا زيد، أغرّك [قول‏]  ناقلي الكوفة: إنّ فاطمة أحصنت فرجها، فحرّم اللَّه- تعالى- ذرّيّتها على النّار؟ فو اللَّه، ما ذاك إلّا للحسن والحسين وولد بطنها خاصّة.

فأمّا أن يكون موسى بن جعفر- عليهما السّلام- يطيع اللَّه ويصوم نهاره ويقوم ليله وتعصيه أنت، ثمّ تجيئان يوم القيامة سواء، لأنت أعزّ على اللَّه- عزّ وجلّ- منه. إنّ عليّ بن- عليهما السّلام- كان يقول: كان  لمحسننا كفلان من الأجر، ولمسيئنا ضعفان من العذاب.

قال الحسن الوشّاء: ثمّ التفت إليّ فقال لي: يا حسن، كيف تقرءون هذه الآية قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ؟

فقلت: من النّاس من يقرأ: إنّه عمل غير صالح. ومنهم من يقرأ: إنّه عمل غيرصالح. فمن قرأ إنّه عمل غير صالح، فقد نفاه عن أبيه.

فقال- عليه السّلام-: كلّا، لقد كان ابنه. ولكن لمّا عصى اللَّه- عزّ وجلّ- نفاه عن أبيه، كذا من كان منّا لم يطع اللَّه- عزّ وجلّ- فليس منّا. وأنت إذا أطعت اللَّه، فأنت منّا من  أهل البيت.

حدّثنا  محمّد بن عليّ ماجيلويه- رحمه اللَّه- ومحمّد بن موسى المتوكّل وأحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيّ- رضي اللَّه عنه - قالوا: حدّثنا عليّ بن إبراهيم قال: حدّثني ياسر، أنّه خرج زيد بن موسى، أخو أبي الحسن- عليه السّلام- بالمدينة وأحرق وقتل.

و كان يسمّى: زيد النّار. فبعث إليه المأمون، فأسر وحمل إلى المأمون.

فقال المأمون: اذهبوا به إلى أبي الحسن.

قال ياسر: فلمّا دخل إليه، قال له أبو الحسن الرّضا: يا زيد، أغرّك قول سفلة أهل الكوفة: إنّ فاطمة أحصنت فرجها فحرّم اللَّه- تعالى- ذرّيّتها على النّار؟ ذلك للحسن والحسين- عليهما السّلام- خاصّة. إن كنت ترى أنّك تعصي اللَّه- تعالى- وتدخل الجنّة، وموسى بن جعفر أطاع اللَّه ودخل الجنّة، فأنت إذا أكرم على اللَّه من موسى بن جعفر.

و اللَّه، ما ينال أحد ما عند اللَّه إلّا بطاعته وزعمت أنّك تناله بمعصيته، فبئس ما زعمت.

فقال له زيد: أنا أخوك وابن أبيك.

فقال له أبو الحسن: أنت أخي ما أطعت اللَّه- عزّ وجلّ-. إنّ نوحا- عليه السّلام- قال: إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ. فقال اللَّه- عزّ وجلّ-: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ. فأخرجه اللَّه- عزّ وجلّ- من أن يكون من أهله بمعصيته.

فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ: ما لا تعلم أصواب هو أم ليس كذلك.

و إنّما سمّي نداءه: سؤالا، لتضمّن ذكر الوعد بنجاة أهله استنجازه في شأن ولده، أو استفسار المانع للإنجاز في حقّه.

و إنّما سمّاه: جهلا وزجر عنه بقوله: إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ . لأنّ استثناء من سبق عليه القول من أهله قد دلّه على الحال وأغناه‏

عن السّؤال، لكن أشغله حبّ الولد عنه حتّى اشتبه الأمر عليه.

و قرأ  ابن كثير، بفتح اللّام والنّون الشّديدة. وكذا نافع وابن عامر، غير أنّهما كسرا النّون، على أنّ أصله: تسألني. بحذف نون الوقاية، لاجتماع النّونات. وكسرت الشّديدة للياء ثمّ حذفت، اكتفاء بالكسرة.

و عن نافع ، إثباتها، برواية ورش  في الوصل.

قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ: فيما يستقبل.

ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ: ما لا علم لي بصحّته.

وَ إِلَّا تَغْفِرْ لِي: وإن لم تغفر لي ما فرط منّي من السّؤال.

وَ تَرْحَمْنِي: بالتّوبة والتّفضّل عليّ.

أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ : أعمالا. قاله على سبيل الخضوع للّه والتّذلّل له والاستكانة.

قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا: انزل من السّفينة مسلّما من المكاره محفوظا من جهتنا. أو مسلّما عليك.

وَ بَرَكاتٍ عَلَيْكَ: ومباركا عليك. أو زيادات في نسلك حتّى تصير آدما ثانيا.

و قرئ : «اهبط» بالضّمّ. «و بركة» على التّوحيد: وهي الخير النّامي.

وَ عَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ: وعلى أمم هم الّذين معك. سمّوا: أمما، لتحزّبهم.

أو تشعّب الأمم منهم. أو على أمم ناشئة ممّن معك، والمراد بهم: المؤمنون. لقوله:

وَ أُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ: أي: وممّن معك أمم سنمتّعهم في الدّنيا.

ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ : في الآخرة. والمراد بهم: الكفّار من ذرّيّة من معه.

و قيل : هم قوم هود وصالح ولوط وشعيب. والعذاب، ما نزل بهم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن صفوان، عن أبي بصير، عن أبي‏

 عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: لمّا أراد اللَّه- عزّ وجلّ- هلاك قوم نوح- عليه السّلام-. وذكر حديثا طويلا.

و في آخره: وأنزل اللَّه على نوح- عليه السّلام- يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ. فنزل نوح بالموصل من السّفينة، وبنوا مدينة الثّمانين. وكانت لنوح ابنة ركبت معه السّفينة، فتناسل النّاس منها. وذلك قول النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله-: نوح أحد الأبوين.

و في كتاب الخصال : عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: لمّا هبط نوح- عليه السّلام- من السّفينة، أتاه إبليس عليه اللّعنة فقال: ما في الأرض [رجل‏]  أعظم منّة عليّ منك، دعوت [اللَّه‏]  على هؤلاء الفسّاق فأرحتني منهم. ألا أعلّمك خصلتين: إيّاك والحسد، فهو الّذي عمل بي ما عمل. وإيّاك والحرص، فهو الّذي عمل بآدم ما عمل.

و في الكافي : عنه، عن القاسم بن  الرّيّان، عن أبان بن عثمان، عن موسى بن العلاء، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: لمّا حسر الماء عن عظام الموتى فرأى ذلك نوح- عليه السّلام-، جزع جزعا شديدا واغتمّ لذلك.

فأوحى اللَّه- عزّ وجلّ-: هذا عملك بنفسك، أنت دعوت عليهم.

فقال: يا ربّ، إنّي أستغفرك وأتوب إليك.

فأوحى اللَّه- عزّ وجلّ- إليه: أن كل العنب الأسود، ليذهب غمّك.

تِلْكَ: إشارة إلى قصّة نوح. ومحلّها الرّفع بالابتداء، وخبرها مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ، أي: بعضها.

نُوحِيها إِلَيْكَ: خبر ثان. والضّمير لها، أي: موحاة إليك. أو حال من الأنباء. أو هو الخبر «و من أنباء» متعلّق به. أو حال من «الهاء» في «نوحيها».

ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا: خبر آخر، أي: مجهولة عندك وعند قومك من قبل إيحائنا إليك. أو حال من «الهاء» في «نوحيها»، أو «الكاف» في «إليك»، أي: جاهلا أنت وقومك بها.و في ذكرهم تنبيه على أنّه لم يتعلّمها إذ لم يخالط  غيرهم، وأنّهم مع كثرتهم لمّا لم يسمعوها فكيف بواحد منهم.

فَاصْبِرْ: على مشاقّ الرّسالة وأذيّة القوم، كما صبر نوح- عليه السّلام-.

إِنَّ الْعاقِبَةَ: في الدّنيا بالظّفر، وفي الآخرة بالفوز.

لِلْمُتَّقِينَ : عن الشّرك والمعاصي.

و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى عبد الحميد بن أبي الدّيلم:

 

عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: بقي نوح بعد النّزول من السّفينة خمسين سنة. ثمّ أتاه جبرئيل، فقال له: يا نوح، قد انقضت  نبوّتك واستكملت أيّامك، فانظر الاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النّبوّة الّتي معك فادفعها إلى ابنك سام.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في روضة الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: عاش نوح- عليه السّلام- ألفي سنة وثلاثمائة سنّة. منها ثمانمائة سنة وخمسون سنة قبل أن يبعث، وألف سنة إلّا خمسين عاما وهو في قومه يدعوهم، وهو  خمسمائة عام بعد ما نزل من السّفينة ونضب الماء.

فمصّر الأمصار واسكن ولده البلدان، ثمّ أنّ ملك الموت جاءه وهو في الشّمس.

فقال: السّلام عليك.

فردّ عليه نوح- عليه السّلام- فقال: ما جاء بك، يا ملك الموت.

فقال: جئتك لأقبض روحك.

قال: دعني أدخل من الشّمس إلى الظّل.

فقال له: نعم.

فتحوّل، ثمّ قال: يا ملك الموت، كلّ ما مرّ بي من الدّنيا، مثل تحويلي من الشّمس إلى الظّل، فامض لما أمرت به.

فقبض روحه.و عنه - عليه السّلام-: عاش نوح بعد الطّوفان خمسمائة عام. ثمّ أتاه جبرئيل- عليه السّلام-.

فقال: يا نوح، إنّه قد انقضت نبوّتك واستكملت أيّامك. فانظر إلى الاسم الأكبر [و ميراث العلم‏]  وآثار علم النّبوّة الّتي معك، فادفعها إلى ابنك سام. فإنّي لا أترك الأرض إلّا وفيها عالم تعرف به طاعتي، ويعرف به هداي، وتكون النجاة فيما بين مقبض النّبيّ ومبعث النّبيّ الآخر. ولم أكن أترك النّاس بغير حجّة لي، وداع إليّ، وهاد إلى سبيلي، وعارف بأمري. فإنّي قد قضيت أن أجعل لكلّ قوم هاديا أهدي به السّعداء، ويكون حجّة لي على الأشقياء.

قال: فدفع نوح- عليه السّلام- الاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النّبوّة إلى سام. وأمّا حام ويافث، فلم يكن عندهما علم ينتفعان به.

قال: وبشّرهم نوح بهود، وأمرهم باتّباعه، وأمرهم أن يفتحوا الوصيّة في كلّ عام وينظروا فيها ويكون عيدا لهم.

وَ إِلى عادٍ أَخاهُمْ، أي: أحدهم.

هُوداً: عطف على قوله: نُوحاً إِلى قَوْمِهِ.

 «و هودا» عطف بيان.

قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ: وحده.

ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ.

و قرئ ، بالجرّ، حملا على المجرور وحده.

إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ : على اللَّه، باتّخاذ الأوثان شركاء وجعلها شفعاء.

يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي: خاطب كلّ رسول به قومه، إزاحة للتّهمة وتمحيضا للنّصيحة. فإنّها لا تنجع ما دامت مشوبة بالمطامع.

أَ فَلا تَعْقِلُونَ : أفلا تستعملون عقولكم، فتعرفوا المحقّ من المبطل‏و الصّواب من الخطأ.

و في عيون الأخبار ، في باب ذكر مجلس الرّضا- عليه السّلام- مع المأمون، في الفرق بين العترة والأمّة حديث طويل. وفيه قالت العلماء له : فأخبرنا، هل فسّر اللَّه- تعالى- الاصطفاء في الكتاب؟

فقال الرّضا- عليه السّلام-: فسّر الاصطفاء في الظّاهر سوى الباطن في اثني عشر موطنا وموضعا. فأوّل ذلك- إلى قوله-: والآية السّادسة قول اللَّه- عزّ وجلّ-: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى . وهذه خصوصيّة للنّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- إلى يوم القيامة، وخصوصيّة للآل دون غيرهم. وذلك أنّ اللَّه- تعالى- حكى ذكر نوح- عليه السّلام- في كتابه: يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالًا، إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ، وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا، إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ . وحكى- عزّ وجلّ- عن هود- عليه السّلام- أنّه قال: لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً، إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي، أَ فَلا تَعْقِلُونَ. وقال- عزّ وجلّ- لنبيّه محمّد- صلّى اللَّه عليه وآله-: قل يا محمّد: لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى. ولم يفرض اللَّه- تعالى- مودّتهم إلّا وقد علم أنّهم لا يرتدّون عن الدّين أبدا، ولا يرجعون إلى الضّلال بعد الإيمان .

وَ يا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ: اطلبوا مغفرة اللَّه بالإيمان، ثمّ توسّلوا إليها بالتّوبة، وأيضا التّبرّي من الغير إنّما يكون بعد الإيمان والرّغبة فيما عنده.

يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً: كثير الدّرّ.

وَ يَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ: يضاعف قوّتكم.

قيل : إنّما رغّبهم بكثرة المطر وزيادة القوّة، لأنّهم كانوا أصحاب زروع وعمارات.

و قيل : حبس اللَّه عنهم القطر وأعقم أرحام نسائهم ثلاث  سنين. فوعدهم هود- عليه السّلام- على الإيمان والتّوبة بكثرة الأمطار، وتضاعف القوّة بالتّناسل.وَ لا تَتَوَلَّوْا: ولا تعرضوا عمّا أدعوكم إليه.

مُجْرِمِينَ : مصرّين على إجرامكم.

قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ: بحجّة تدلّ على صحّة دعواك. وهو كذب وجحود، لفرط عنادهم وعدم اعتدادهم بما جاءهم من المعجزات.

وَ ما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا: بتاركي عبادتهم.

عَنْ قَوْلِكَ: صادرين عن قولك. حال من الضّمير في «تاركي».

وَ ما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ : إقناط له من الإجابة والتّصديق.

إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ: ما نقول إلّا قولنا: اعتراك، أي: أصابك. من عراه يعروه: إذا أصابه.

بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ: بجنون، لسبّك إيّاها وصدّك عنها. ومن ذلك تهذي وتتكلّم بالخرافات.

و الجملة مفعول القول، وإلّا لا عمل لها لأنّ الاستثناء مفرغ.

قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِي‏ءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ  مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ : أجاب به عن مقالتهم الحمقاء، بأن أشهد اللَّه- تعالى- على براءته من آلهتهم وفراغه عن إضرارهم، تأكيدا لذلك وتثبيتا له. وأمرهم بأن يشهدوا عليه، استهانة بهم، وأن يجتمعوا على الكيد في إهلاكه من غير إنظار. حتّى إذا اجتهدوا فيه، ورأوا أنّهم عجزوا عن آخرهم وهم الأقوياء الأشدّاء أن يضرّوه، لم يبق شبهة أنّ آلهتهم الّتي هي جماد لا تضرّ ولا تتمكن من إضراره.

و هذا من جملة معجزاته، فإنّ مواجهة الواحد الجمّ الغفير من الجبابرة العتاة العطاش إلى إراقة دمه بهذا الكلام ليس إلّا لثقته باللّه، وتثبّطهم عن إضراره ليس إلّا بعصمته إيّاه. ولذلك عقّبه بقوله: إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ: تقريرا له.

و المعنى: أنّكم وإن بذلتم غاية وسعكم لم تضرّوني. فإنّي متوكّل على اللَّه واثق بكلاءته، وهو مالكي ومالككم، لا يحيق بي ما لم يرده، ولا تقدرون على ما لم يقدّره.

ثمّ برهن عليه بقوله: ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها، أي: إلّا هو مالك لها قادر عليها، يصرّفها على ما يريد بها.

و «الأخذ بالنّواصي» تمثيل لذلك.

إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ، أي: إنّه على الحقّ والعدل، فلا يضيع

 عنده معتصم ولا يفوته ظالم.

و في تفسير العيّاشيّ : عن أمير المؤمنين- عليه السّلام-، يعني: أنّه على حقّ، يجزي بالإحسان إحسانا وبالسّي‏ء سيّئا، ويعفو عمّن يشاء ويغفر- سبحانه وتعالى-.

فَإِنْ تَوَلَّوْا: فإن تتولّوا.

فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ: فقد أدّيت ما عليّ من الإبلاغ وإلزام الحجّة، فلا تفريط منّي ولا عذر لكم فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم.

وَ يَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ: استئناف بالوعيد لهم، بأنّ اللَّه يهلكهم ويستخلف قوما آخرين في ديارهم وأموالهم. أو عطف على الجواب بالفاء، ويؤيّده القراءة بالجزم على الموضع، وكأنّه قيل: فإن تتولّوا يعذرني ويستخلف.

وَ لا تَضُرُّونَهُ: بتولّيكم.

شَيْئاً: من الضّرر. ومن جزم «يستخلف»، أسقط النّون منه.

إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ حَفِيظٌ : رقيب، فلا تخفى عليه أعمالكم ولا يغفل عن مجازاتكم. أو حافظ مستول عليه، فلا يمكن أن يضرّه شي‏ء.

وَ لَمَّا جاءَ أَمْرُنا: عذابنا، أو أمرنا بالعذاب.

نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا.

قيل : كانوا أربعة آلاف.

وَ نَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ : تكرير نجّاهم منه.

قيل: هو السّموم، كانت تدخل من أنوف الكفرة وتخرج من أدبارهم، فتقطّع أعضاءهم.

أو المراد به: تنجيتهم من عذاب الآخرة- أيضا-. ولتعريض بأنّ المهلكين، كما عذّبوا في الدّنيا بالسّموم فهم معذّبون في الآخرة بالعذاب الغليظ.

وَ تِلْكَ عادٌ أنّث اسم الإشارة باعتبار القبيلة. أو لأنّ الإشارة إلى قبورهم وآثارهم.

جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ: كفروا بها.

وَ عَصَوْا رُسُلَهُ: لأنّهم عصوا رسولهم. ومن عصى رسولا، فكأنّما عصى الكلّ.لأنّهم أمروا بطاعة كلّ رسول.

وَ اتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ، يعني: كبراءهم الطّاغين.

و «عنيد» من عند، عندا، وعندا، وعنودا: إذا طغى.

و المعنى: عصوا من دعاهم إلى الإيمان وما ينجيهم، وأطاعوا من دعاهم إلى الكفر وما يرديهم.

وَ أُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ، أي: جعلت اللّعنة تابعة لهم في الدّارين، تكبّهم في العذاب.

أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ: جحدوه. أو كفروا نعمه. أو كفروا به، فحذف الجارّ.

أَلا بُعْداً لِعادٍ: دعاء عليهم بالهلاك. والمراد به: الدّلالة على أنّهم كانوا مستوجبين لما نزل عليهم بسبب ما حكى عنهم. وإنما كرّر «ألا» وأعاد ذكرهم، تفظيعا لأمرهم وحثّا على الاعتبار بحالهم.

قَوْمِ هُودٍ : عطف بيان «لعاد». وفائدته تمييزهم عن عاد الثّانية، عاد إرم. والإيماء إلى استحقاقهم للبعد بما جرى بينهم وبين هود.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: إنّ عادا كانت بلادهم في البادية من الشقيق  إلى الأجفر أربعة منازل. وكان لهم زرع ونخيل كثير، ولهم أعمار طويلة وأجسام طويلة، فعبدوا الأصنام. وبعث اللَّه إليهم هودا يدعوهم إلى الإسلام وخلع الأنداد، فأبوا ولم يؤمنوا بهود وآذوه، فكفّت السّماء عنهم سبع سنين حتّى قحطوا. وكان هود زرّاعا. وكان يسقي الزّرع، فجاء قوم إلى بابه يريدونه، فخرجت عليهم امرأة شمطاء عوراء.

فقالت: من أنتم؟

فقالوا: نحن من بلاد كذا وكذا، أجدبت بلادنا، فجئنا إلى هود نسأله أن يدعو اللَّه حتّى نمطر  وتخصب بلادنا.

فقالت: لو استجيب  لهود لدعا لنفسه، فقد احترق زرعه لقلّة الماء.قالوا: فأين هود؟

قالت: هو في موضع كذا وكذا.

فجاءوا إليه، فقالوا: يا نبيّ اللَّه، قد أجدبت بلادنا ولم نمطر ، فاسأل اللَّه أن يخصب بلادنا ونمطر .

فتهيّأ للصّلاة، وصلّى ودعا لهم.

فقال لهم: ارجعوا، فقد أمطرتم  وأخصبت بلادكم.

فقالوا: يا نبيّ اللَّه، إنّا رأينا عجبا.

قال: وما رأيتم؟

قالوا: رأينا في منزلك امرأة شمطاء عوراء، قالت لنا: من أنتم، وما تريدون؟

فقلنا: جئنا إلى هود، ليدعو اللَّه لنا فنمطر. فقالت: لو كان هود داعيا لدعا لنفسه، فإنّ زرعه قد احترق.

فقال هود: تلك  أهلي، وأنا أدعو اللَّه لها بطول البقاء.

فقالوا: وكيف ذلك؟

قال: لأنّه ما خلق اللَّه مؤمنا إلّا وله عدوّ يؤذيه، وهي عدوّتي. فلئن يكون عدوّي ممّن أملكه خير من أن يكون عدوّي ممّن يملكني.

فبقى هود في قومه يدعوهم إلى اللَّه، وينهاهم عن عبادة الأصنام حتّى تخصب  بلادهم. وأنزل اللَّه عليهم المطر، وهو قوله- عزّ وجلّ-: يا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ (الآيات). فلمّا لم يؤمنوا، أرسل اللَّه عليهم الرّيح الصّرصر [يعني: الباردة] . وهو قوله في سورة القمر : كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ، إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ . وحكى في سورة الحاقّة، فقال: وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ، سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً .قال: كان القمر منحوسا بزحل سبع ليال وثمانية أيّام.

قال: فحدّثني  أبي، عن ابن أبي عمير، عن عبد اللَّه بن سنان، عن معروف بن خربوذ ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: الرّيح العقيم تخرج من تحت الأرضين السّبع.

و ما خرج منها شي‏ء قطّ إلّا على قوم عاد، حين غضب اللَّه عليهم. فأمر الخزّان أن يخرجوا منها، مثل سعة الخاتم. فعصت على الخزنة، فخرج منها، مثل مقدار منخر الثّور تغيّظا منها على قوم عاد. فضجّ الخزنة إلى اللَّه من ذلك.

فقالوا: يا ربّنا، إنّها قد عصت  علينا، ونحن نخاف أن يهلك من لم يعصك من خلقك وعمّار بلادك.

فبعث اللَّه جبرئيل فردّها بجناحه، وقال لها: اخرجي على ما أمرت به.

فخرجت  على ما أمرت به، فأهلكت  قوم عاد ومن كان بحضرتهم.