سورة هود الآية 81-100

نقل : أنّه أغلق بابه دون أضيافه وأخذ يجادلهم من وراء الباب، فتسوّروا  الجدار. فلمّا رأت الملائكة ما على لوط من الكرب قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ: إلى إضرارك بإضرارنا، فهوّن عليك ودعنا وإيّاهم. فخلّاهم أن يدخلوا. فضرب جبرئيل بجناحه وجوههم، فطمس أعينهم وأعماهم. فخرجوا يقولون:النّجا النّجا، فإنّ في بيت لوط سحرة.

فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ: بالقطع من الإسراء.

و قرأ  ابن كثير ونافع، بالوصل، حيث وقع في القرآن، من السّري.

بقطع من اللّيل: بطائفة.

و في تفسير العيّاشيّ : عن الصّادق- عليه السّلام-: «بقطع من اللّيل مظلما».

قال: هكذا قرأه أمير المؤمنين.

وَ لا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ: ولا يتخلّف، أو لا ينظر إلى ورائه. والنّهي في اللّفظ ل «أحد»، والمعنى للوط.

إِلَّا امْرَأَتَكَ.

قيل : استثناء من قوله: فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ. ويدلّ عليه أنّه قرئ: «فأسر بأهلك بقطع من اللّيل إلّا امرأتك». وهذا إنّما يصحّ على تأويل الالتفات بالتّخلّف، فإنّه إن فسّر بالنّظر إلى الوراء في الذّهاب، ناقض ذلك قراءة ابن كثير وأبي عمرو بالرّفع على البدل من «أحد». ولا يجوز حمل القراءتين على الرّوايتين في أنّه خلّفها مع قومها أو أخرجها. فلمّا سمعت صوت العذاب التفتت، وقالت: يا قوماه. فأدركها حجر فقتلها.

لأنّ القواطع لا يصح حملها على المعاني المتناقضة. والأولى جعل الاستثناء في القراءتين من قوله: وَلا يَلْتَفِتْ، مثله في قوله: ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ. ولا يبعد أن يكون أكثر القرّاء على غير الأفصح. ولا يلزم من ذلك أمرها بالالتفات، بل عدم نفيها عنه استصلاحا. ولذلك علّله على طريقة الاستئناف بقوله: إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ. ولا يحسن جعل الاستثناء منقطعا على قراءة الرّفع.

إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ، كأنّه علّة الأمر بالإسراء.

أَ لَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ : جواب لاستعجال لوط واستبطائه العذاب.

و في الجوامع : روي أنّه قال: متى موعد إهلاكهم؟

قالوا: الصّبح.

فقال: أريد أسرع من ذلك. لضيق صدره بهم.فقالوا: أَ لَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ.

و في كتاب علل الشّرائع : عن الباقر- عليه السّلام-: فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ يا لوط، إذا مضى لك من يومك هذا سبعة أيّام ولياليها. بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ إذا مضى نصف اللّيل.

قال: فلمّا كان اليوم الثّامن من طلوع الفجر، قدّم اللَّه رسلا إلى إبراهيم يبّشرونه بإسحاق ويعزونه بهلاك قوم لوط. وذلك قوله- تعالى-: وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى.

و سيأتي تمام الحديث.

فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا: عذابنا، أو أمرنا به. ويؤيّده الأصل، وجعل التّعذيب مسبّبا عنه بقوله: جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها. فإنّه جواب «لمّا». وكان حقّه: جعلوا عاليها، أي: الملائكة المأمورون به. فأسند إلى نفسه من حيث أنّه المسبّب، تعظيما للأمر. فإنّه‏

روي: أنّ جبرئيل- عليه السّلام- أدخل جناحه تحت مدائنهم ورفعها إلى السّماء، ثمّ قلبها عليهم.

وَ أَمْطَرْنا عَلَيْها: على المدن، أو على شذّاذها.

حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ: من طين متحجّر، لقوله: حِجارَةً مِنْ طِينٍ. وأصله سنكيل، فعرّب.

و قيل : إنّه من أسجله: إذا أرسله، أو أدرّ عطيّته. والمعنى: من مثل الشّي‏ء المرسل. أو من مثل العطيّة في الإدرار. أو من السّجل، أي: ممّا كتب اللَّه أن يعذّبهم به.

و قيل : أصله من سجين، أي: من جهنّم. فأبدلت لاما بنونه .

و في كتاب علل الشّرائع : أبي- رحمه اللَّه- قال: حدّثنا سعد بن عبد اللَّه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبان، عن أبي بصير [و غيره‏]  عن أحدهما- عليهما السّلام- قال: إنّ الملائكة لمّا جاءت في هلاك قوم لوط قالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ .قالت سارة: عجبت من قلّتهم وكثرة أهل القرية.

فقالت: ومن يطيق قوم لوط؟ وَبَشَّرُوهُ- إلى قوله- عَجُوزٌ عَقِيمٌ. وهي يومئذ ابنة تسعين سنة، وإبراهيم ابن عشرين ومائة سنة.

فجادل إبراهيم عنهم، وقال: إِنَّ فِيها لُوطاً.

قال جبرئيل: نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها.

فزاده إبراهيم.

فقال جبرئيل: يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا. [إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ.

قال: وأنّ جبرئيل لمّا أتى لوطا في هلاك قومه فدخلوا عليه وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ، قام فوضع يده على الباب، ثمّ ناشدهم. فقال: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي.

قالوا: او لم ننهك عن العالمين؟

ثمّ عرض عليهم بناته نكاحا.

قالوا: ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ. وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ.

قال: فما منكم رجل رشيد؟

قال: فأبوا.

فقال: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ.] .

قال: وجبرئيل ينظر إليهم، فقال: لو يعلم أيّ قوّة له. ثمّ دعاه، فأتاه. ففتحوا الباب ودخلوا. فأشار إليهم جبرئيل بيده، فرجعوا عميانا يلتمسون الجدار بأيديهم، يعاهدون اللَّه: لئن أصبحنا لا نستبقي أحدا من آل لوط.

قال: فلمّا قال جبرئيل: إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ.

قال له لوط: يا جبرئيل، عجّل.

قال: نعم.

قال: يا جبرئيل، [عجّل.

قال:]  إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَ لَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ.ثمّ قال جبرئيل: يا لوط، اخرج منها أنت وولدك حتّى تبلغ موضع كذا.

قال: يا جبرئيل، إنّ حمري ضعاف.

قال: ارتحل، فاخرج منها.

قال: فارتحل. حتّى إذا كان السّحر، نزل إليها [جبرئيل‏]  فأدخل جناحه تحتها حتّى إذا استعلت، قلبها عليهم ورمى جدران المدينة بحجارة من سجيل. وسمعت امرأة لوط الهزّة ، فهلكت منها.

مَنْضُودٍ : نضد معدّا لعذابهم. أو نضد في الإرسال بتتابع بعضه بعضا، كقطار الأمطار. أو نضد بعضه على بعض، وألصق به.

مُسَوَّمَةً: معلّمة للعذاب.

و قيل : معلّمة ببياض وحمرة. أو بسيماء تتميّز به عن حجارة الأرض. أو باسم من يرمي بها.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، أي: منقوطة.

و في عيون الأخبار ، في باب ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- من خبر الشّاميّ وما سأل عنه أمير المؤمنين- عليه السّلام- في جامع الكوفة حديث طويل. وفيه: ثمّ قام إليه آخر، فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن يوم الأربعاء وتطيّرنا منه وثقله، وأيّ أربعاء هو؟

قال: آخر أربعاء في الشّهر.، وهو المحاق، وفيه قتل قابيل هابيل أخاه.

إلى أن قال- عليه السّلام-: ويوم الأربعاء جعل اللَّه- عزّ وجلّ- قرية» قوم لوط عاليها سافلها. ويوم الأربعاء أمطرت عليهم حجارة من سجيل.

في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن سليمان الدّيلمي، عن أبي بصير عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قوله: وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ مُسَوَّمَةً.

قال: ما من عبد يخرج من الدّنيا يستحلّ عمل قوم لوط إلّا رمى اللَّه كبده من تلك الحجارة، تكون منيّته فيها ولكن الخلق لا يرونه.عِنْدَ رَبِّكَ: في خزائنه.

وَ ما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ : فإنّهم بظلمهم حقيق بأن تمطر عليهم.

و فيه وعيد لكلّ ظالم.

و قيل : الضّمير للقرى، أي: هي قريبة من ظالمي مكّة يمرّون بها في أسفارهم إلى الشّام. وتذكير «البعيد» على تأويل الحجر، أو المكان.

و في الكافي : عليّ بن أبي  إبراهيم، عن أبيه، عن عثمان بن سعيد، عن محمّد بن سليمان، عن ميمون البان قال: كنت عند أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- فقرئ عنده آيات من هود . فلمّا بلغ وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ، مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ.

قال: من مات مصرّا على اللّواط، لم يمت حتّى يرميه اللَّه بحجر من تلك الأحجار فيكون منيّته  ولا يراه أحد.

و فيه : عنه- عليه السّلام-، عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله-: لمّا عمل قوم لوط ما عملوا، بكت الأرض إلى ربّها حتّى بلغ دموعها [إلى السّماء. وبكت السّماء حتّى بلغ دموعها]  العرش. فأوحى اللَّه- عزّ وجلّ- إلى السّماء أن أحصهم، وأوحى إلى الأرض أن اخسفي بهم.

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن محمّد بن سعيد قال:

 

أخبرني زكرياء بن محمّد، عن أبيه، عن عمرو، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: كان قوم لوط من أفضل قوم خلقهم اللَّه، فطلبهم إبليس الطّلب الشّديد. وكان من فضلهم وخيرتهم أنّهم إذا خرجوا إلى العمل، خرجوا بأجمعهم وتبقى النّساء خلفهم. فلم يزل إبليس يعتادهم، فكانوا إذا رجعوا خرّب إبليس ما كانوا  يعملون.فقال بعضهم لبعض: تعالوا نرصد هذا الّذي يخرّب متاعنا.

فرصدوه، فإذا هو غلام أحسن ما يكون من الغلمان.

فقالوا له: أنت الّذي تخرّب متاعنا مرّة بعد مرّة.

فاجتمع رأيهم على أن يقتلوه، فبيّتوه عند رجل. فلمّا كان اللّيل، صاح.

فقال له: ما لك؟

فقال: كان أبي ينوّمني على بطنه.

فقال له: تعال، فنم على بطني.

قال: فلم يزل يدلّك الرّجل حتّى علّمه أن يفعل بنفسه. فأوّلا علّمه إبليس، والثّانية علّمه هو. ثمّ انسلّ، ففرّ منهم وأصبحوا. فجعل الرّجل يخبر بما فعل بالغلام ويعجبهم منه، وهم لا يعرفونه. فوضعوا أيديهم فيه، حتّى اكتفى الرّجال بالرّجال بعضهم ببعض. ثمّ جعلوا يرصدون مارّة الطّريق، فيفعلون بهم حتّى تنكّب مدينتهم النّاس. ثمّ تركوا نساءهم وأقبلوا على الغلمان. فلمّا رأى أنّه قد أحكم أمره في الرّجال، جاء إلى النّساء فصيّر نفسه امرأة.

فقال: إنّ رجالكنّ يفعل بعضهم ببعض.

قلن: نعم، قد رأينا ذلك.

و كلّ ذلك يعظهم لوط ويوصيهم ، وإبليس يغويهم حتّى استغنى النّساء بالنّساء. فلمّا كملت عليهم الحجّة، بعث اللَّه جبرئيل وميكائيل وإسرافيل في زيّ غلمان، عليهم أقبية، فمرّوا بلوط وهو يحرث.

قال: أين تريدون، ما رأيت أجمل منكم قطّ؟

قالوا: إنّا أرسلنا سيّدنا إلى ربّ هذه المدينة.

قال: أو لم يبلغ سيّدكم ما يفعل أهل هذه المدينة؟ قال  يا بنيّ، إنّهم واللَّه يأخذون الرّجال فيفعلون بهم حتّى يخرج الدّم.

فقالوا: أمرنا سيّدنا أن نمرّ في وسطها.

قال: فلي إليكم حاجة.

قالوا: وما هي؟

قال: تصبرون ها هنا إلى اختلاط الظّلام.

قال: فجلسوا.

قال: فبعث ابنته، فقال: جيئي لهم بخبز، جيئي لهم بماء في القرعة ، وجيئي لهم عباء يتغطّون بها من البرد.

فلمّا أن ذهبت الابنة، أقبل المطر والوادي.

فقال لوط: السّاعة يذهب بالصّبيان الوادي، قالوا  قوموا حتّى نمضي.

و جعل لوط يمشي في أصل الحائط، وجعل جبرئيل وميكائيل وإسرافيل يمشون وسط الطّريق.

فقال: يا بنيّ، امشوا ها هنا.

فقالوا: أمرنا سيّدنا أن نمرّ في وسطها.

و كان لوط يستغنم الظّلام. ومرّ إبليس، فأخذ من حجر امرأة صبيّا، فطرحه في البئر، فتصايح أهل المدينة كلّهم على باب لوط.

فلمّا أن نظروا إلى الغلمان في منزل لوط، قالوا: يا لوط، قد دخلت في عملنا؟

فقال: هؤلاء ضيفي، فلا تفضحون في ضيفي.

قالوا هم ثلاثة، خذ واحدا وأعطنا اثنين.

قال: فأدخلهم الحجرة، وقال لوط : لو أنّ لي أهل بيت يمنعوني منكم.

 [قال:]  وتدافعوا على الباب وكسروا باب لوط، وطرحوا لوطا.

فقال له جبرئيل: إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ. فأخذ كفّا من بطحاء ، فضرب بها وجوههم وقال: شاهت الوجوه. فعمي أهل المدينة كلّهم.

و قال لهم لوط: يا رسل ربّي، فما أمركم ربّي فيهم؟

قالوا: أمرنا أن نأخذهم بالسّحر.

قال: فلي إليكم حاجة.قالوا: وما حاجتك؟

قال: تأخذونهم السّاعة، فإنّي أخاف أن يبدو لربّي فيهم.

 [فقالوا: يا لوط]  فقال إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَ لَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ لمن يريد أن يأخذ . فخذ أنت بناتك وامض ودع امرأتك.

فقال أبو جعفر- عليه السّلام-: رحم اللَّه لوطا، لو يدري من معه في الحجرة لعلم أنّه منصور حيث يقول: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ. أيّ ركن أشد من جبرئيل معه في الحجرة. فقال اللَّه- عزّ وجلّ- لمحمّد- صلّى اللَّه عليه وآله-: وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ من ظالمي أمّتك إن عملوا ما عمل قوم لوط.

قال: وقال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: من ألحّ في وطء الرّجال، لم يمت حتّى يدعو الرّجال إلى نفسه.

عليّ بن إبراهيم ، [عن أبيه‏]  عن ابن فضّال، عن داود بن فرقد، عن أبي يزيد الحمّار، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: إنّ اللَّه- عزّ وجلّ- بعث أربعة أملاك في إهلاك قوم لوط: جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وكروبيل. فمرّوا بإبراهيم- عليه السّلام- وهم معتمّون. فسلّموا عليه، فلم يعرفهم ورأى هيئة حسنة. فقال لا يخدم هؤلاء أحد  إلّا أنا بنفسي. وكان صاحب ضيافة. فشوى لهم عجلا سمينا حتّى أنضجه، ثمّ قرّبه إليهم. فلما وضعه بين أيديهم رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً. فلمّا رأى ذلك جبرئيل، حسر العمامة عن وجهه فعرفه إبراهيم.

فقال: أنت هو؟

قال: نعم.

و مرّت سارة، امرأته، فبشّرها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب. فقالت ما قال اللَّه- عزّ وجلّ-. وأجابوها بما في الكتاب العزيز.

فقال لهم إبراهيم: لما ذا جئتم؟

قالوا: في إهلاك قوم لوط.فقال لهم: إن كان فيها مائة من المؤمنين أ تهلكونهم؟

فقال جبرئيل: لا.

قال: فإن كان فيها خمسون؟

قال: لا.

قال: فإن كان فيها ثلاثون؟

قال: لا.

 [قال: فإن كان فيها عشرون؟

قال: لا] .

قال: فإن كان فيها عشرة؟

قال: لا.

قال: فإن كان فيها خمسة؟

قال: لا.

قال: فإن كان فيها واحد؟

قال: لا.

قالَ إِنَّ فِيها لُوطاً، قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها، لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ .

قال الرّاوي : لا أعلم هذا القول إلّا وهو يستبقيهم، وهو قول اللَّه: يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ.

فأتوا لوطا، وهو في زراعة قرب القرية، فسلّموا عليه وهم معتمّون.

فلمّا رأى هيئة حسنة عليهم ثياب بيض وعمائم بيض، فقال لهم: المنزل.

فقالوا: نعم.

فتقدّمهم ومشوا خلفه. فتندّم على عرضه المنزل عليهم، فقال: أيّ شي‏ء صنعت، آتي بهم قومي وأنا أعرفهم؟

فالتفت إليهم، فقال: إنّكم لتأتون شرارا من خلق اللَّه.قال: [فقال‏]  جبرئيل: لا تعجّل عليهم حتّى يشهد عليهم ثلاث مرّات.

فقال جبرئيل: هذه واحدة.

ثمّ مشى ساعة، ثمّ التفت إليهم فقال: إنّكم لتأتون شرارا من خلق اللَّه.

قال جبرئيل: هذه ثنتان.

ثمّ مشى. فلمّا بلغ باب المدينة، التفت إليهم فقال: إنّكم لتأتون شرارا من خلق اللَّه.

قال جبرئيل: هذه الثّالثة.

ثمّ دخل ودخلوا معه، حتّى دخل منزله. فلمّا رأتهم امرأته، رأت هيئة حسنة.

فصعدت فوق السّطح، فصفقت، فلم يسمعوا. فدخّنت فلمّا رأوا الدّخان، أقبلوا [إلى الباب‏]  يهرعون حتّى جاءوا إلى الباب. فنزلت إليهم، فقالت: عنده قوم ما رأيت قوما قطّ أحسن منهم هيئة. فجاءوا إلى الباب، ليدخلوا. فلمّا رآهم لوط، قام إليهم.

فقال لهم: يا قوم فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَ لَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ.

و قال: هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فدعاهم إلى الحلال.

فقالوا: لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ.

فقال لهم: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ.

فقال جبرئيل: لو يعلم أيّ قوّة له.

قال: فكاثروه، حتّى دخلوا البيت.

فصاح به جبرئيل، وقال: يا لوط، دعهم يدخلوا .

فلمّا دخلوا، أهوى جبرئيل بإصبعه نحوهم، فذهبت أعينهم. وهو قوله:

فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ.

ثمّ ناداه جبرئيل، فقال له: إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ.

و قال له جبرئيل: إنّا بعثنا في إهلاكهم.

فقال: يا جبرئيل، عجّل.فقال: إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَ لَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ.

فأمره بمحمل  هو ومن معه إلّا امرأته. ثمّ اقتلعها،- يعني: المدينة- جبرئيل بجناحه  من سبعة أرضين. ثمّ رفعها، حتّى سمع أهل السّماء الدّنيا نباح الكلاب وصراخ الدّيوك. ثمّ قلبها، وأمطر عليها وعلى من حول المدينة حجارة من سجّيل.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن يحيى ، عن طلحة بن زيد، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: من أمكن من نفسه، طائعا يلعب به، ألقى اللَّه عليه شهوة النّساء.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن عليّ بن معبد، عن عبيد اللَّه  الدّهقان، عن درست بن أبي منصور، عن عطيّة، أخي أبي العرام قال: ذكرت لأبي عبد اللَّه- عليه السّلام- المنكوح من الرّجال.

فقال: ليس يبلى اللَّه بهذا البلاء أحدا وله فيه حاجة. إنّ في أدبارهم أرحاما منكوسة، وحياء أدبارهم، كحياء المرأة. قد شرك فيهم ابن لإبليس يقال له: زوال. فمن شرك فيه من الرّجال، كان منكوحا. ومن شارك  من النّساء، كانت من الموارد.

و العامل  على هذا من الرّجال إذا بلغ أربعين سنة، لم يتركه. وهم بقيّة سدوم. أما إنّي لست أعني بهم: بقيّتهم أنّه ولدهم ولكنّهم  من طينتهم.

قال: قلت: سدوم الّتي قلبت؟

قال: هي أربع مدائن: سدوم وصريم ولدماء وعميراء.

قال أتاهن  جبرئيل- عليه السّلام- وهنّ مقلوبات  إلى تخوم الأرض السّابعة،فوضع جناحه تحت السّفلى منهنّ ورفعهنّ جميعا حتّى سمع أهل السّماء الدّنيا نباح كلابهم، ثمّ قلبها.

محمّد ، عن أحمد بن محمّد عن  عليّ بن الحكم، عن عبد الرّحمن العزرميّ ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: قال أمير المؤمنين: إنّ للّه عبادا لهم في أصلابهم أرحام، كأرحام النّساء.

قال: فسئل: فما بالهم لا يحملون؟

فقال: إنّها منكوسة. ولهم في أدبارهم غدّة، كغدّة [الجمل أو]  البعير. فإذا هاجت، هاجوا. وإذا سكنت، سكنوا.

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد ومحمّد بن يحيى، عن موسى بن  الحسن، عن عمر بن عليّ بن عمر بن يزيد [عن محمّد بن عمر، عن أخيه، الحسين، عن أبيه عمر بن يزيد]  قال: كنت عند أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- وعنده رجل.

فقال له: جعلت فداك، إنّي أحبّ الصّبيان.

فقال له أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: فتصنع ما ذا؟

قال: أحملهم على ظهري.

فوضع أبو عبد اللَّه- عليه السّلام- يده على جبهته وولّى وجهه عنه. فبكى الرّجل، فنظر إليه أبو عبد اللَّه- عليه السّلام- كأنّه رحمه.

فقال: إذا أتيت بلدك، فاشتر جزورا سمينا، واعقله عقالا شديدا. وخذ السّيف، واضرب السّنام ضربة تقشر عنه الجلد، واجلس عليه بحرارته.

قال عمر: قال الرّجل: فأتيت بلدي واشتريت جزورا، فعقلته عقالا شديدا.

و أخذت السّيف، فضربت السّنام ضربة وقشرت عنه الجلد، وجلست عليه بحرارته.

فسقط منّي على ظهر البعير شبه الوزغ، أصغر من الوزغ وسكن ما بي.محمّد بن يحيى ، عن موسى بن الحسن، عن الهيثم النهديّ  رفعه قال: شكا رجل إلى أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- الابنة. فمسح أبو عبد اللَّه- عليه السّلام- على ظهره، فسقطت منه دودة حمراء، فبرئ.

الحسين بن محمّد ، عن محمّد بن عمران، عن عبد اللَّه بن جبلة ، عن إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: هؤلاء المخنّثون مبتلون بهذا البلاء، فيكون المؤمن مبتلى، والنّاس يزعمون أنّه لا يبتلي به أحد للّه فيه حاجة.

فقال: نعم، قد يكون مبتلى به، فلا تكلّموهم فإنّهم يجدون لكلامكم راحة.

قلت: جعلت فداك، فإنّهم ليسوا يصبرون.

قال: هم يصبرون، ولكن يطلبون بذلك اللّذّة.

و في كتاب علل الشّرائع : حدّثنا محمّد بن موسى بن متوكّل - رضي اللَّه عنه- قال: حدّثنا عبد اللَّه بن جعفر الحميريّ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبي بصير قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام-: كان رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- يتعوّذ من البخل.

فقال: نعم، يا [أبا]  محمّد، في كلّ صباح ومساء. ونحن نتعوّذ باللّه من البخل لقول اللَّه: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ . وسأخبرك عن عاقبة البخل، أنّ قوم لوط كانوا أهل قرية أشحّاء على الطّعام، فأعقبهم البخل داء لا دواء له  في فروجهم.

فقلت: وما أعقبهم؟

فقال: إنّ قرية قوم لوط كانت على طريق السّيّارة إلى الشّام ومصر، فكانت السّيّارة تنزل بهم فيضيفونهم. فلمّا كثر ذلك عليهم، ضاقوا بذلك ذرعا بخلا ولؤما.فدعاهم البخل إلى أن كانوا إذا نزل بهم الضّيف، فضحوه من غير شهوة بهم إلى ذلك [و إنّما كانوا يفعلون ذلك‏]  بالضّيف، حتّى ينكل النّاس عنهم. فشاع أمرهم في القرية، وحذرهم النّازلة. فأورثهم البخل بلاء لا يستطيعون دفعه عن أنفسهم من غير شهوة بهم إلى ذلك، حتّى صاروا يطلبونه من الرّجال في البلاد ويعطونهم عليه الجعل. ثمّ ما من داء أدأى من البخل، ولا أضرّ عاقبة، ولا أفحش عند اللَّه- عزّ وجلّ-.

قال أبو بصير: فقلت له: جعلت فداك، فهل كان أهل قرية لوط كلّهم هكذا يعملون؟

فقال: نعم، إلّا أهل بيت منهم من المسلمين. أما تسمع لقوله- تعالى-:

فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.

ثمّ قال أبو جعفر- عليه السّلام-: إنّ لوطا لبث في قومه ثلاثين سنة يدعوهم إلى اللَّه- عزّ وجلّ- ويحذّرهم عذابه. وكانوا قوما لا يتنظّفون من الغائط، ولا يتطهّرون من الجنابة. وكان لوط ابن خالة إبراهيم، وكانت امرأة إبراهيم سارة أخت لوط. وكان لوط وإبراهيم نبيّين مرسلين منذرين. وكان لوط رجلا سخيّا كريما، يقري الضّيف إذا نزل به ويحذّرهم قومه.

قال: فلمّا رأى قوم لوط ذلك منه، قالوا له: إنّا ننهاك عن العالمين، لا تقر ضيفا ينزل بك، إن فعلت فضحنا ضيفك الّذي ينزل بك وأخزيناك. فكان لوط إذا نزل به الضّيف، يكتم أمره مخافة أن يفضحه قومه. وذلك، أنّه لم يكن للوط عشيرة.

قال: ولم يزل لوط وإبراهيم يتوقّعان نزول العذاب على قومهم . فكانت لإبراهيم وللوط منزلة من اللَّه- عزّ وجلّ- شريفة. وأنّ اللَّه- عزّ وجلّ- كان إذا أراد عذاب قوم لوط، أدركته مودّة إبراهيم وخلّته ومحبّة لوط، فيراقبهم فيؤخّر عذابهم.

قال أبو جعفر- عليه السّلام-: فلمّا اشتدّ أسف اللَّه  على قوم لوط وقدّر عذابهم، وقضى أن يعوّض إبراهيم من عذاب قوم لوط بغلام عليم فيسلّي به مصابه بهلاك قوم لوط، فبعث اللَّه رسلا إلى إبراهيم يبشّرونه بإسماعيل. فدخلوا عليه ليلا، ففزع منهم وخاف أن‏يكونوا سرّاقا. فلمّا رأته  الرّسل فزعا مذعورا فَقالُوا سَلاماً قالَ سلام إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ، قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا رسل ربك نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ.

قال أبو جعفر- عليه السّلام-: والغلام العليم، هو إسماعيل بن هاجر. فقال إبراهيم للرّسل: أَ بَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ، قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ. فقال إبراهيم- عليه السّلام-: فَما خَطْبُكُمْ بعد البشارة قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ. قوم لوط أنّهم كانوا قوما فاسقين، لننذرهم عذاب ربّ العالمين.

قال أبو جعفر- عليه السّلام-: فقال إبراهيم للرّسل: إِنَّ فِيها لُوطاً، قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها، لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ أجمعين إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ .

قال: فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ، قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ. قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ قومك من عذاب اللَّه يَمْتَرُونَ، وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِّ لتنذر قومك العذاب وَإِنَّا لَصادِقُونَ، فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ يا لوط إذا مضى لك من يومك هذا سبعة أيّام ولياليها بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ إذا مضى نصف اللّيل وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إلّا امرأتك إنّه مصيبها ما أصابهم وَامْضُوا في تلك اللّيلة حَيْثُ تُؤْمَرُونَ [قال أبو جعفر- عليه السّلام-: فقضوا ذلك الأمر إلى لوط ان دابر هؤلاء مقطوع مصبحين‏] .

قال أبو جعفر- عليه السّلام-: فلمّا كان اليوم الثّامن مع طلوع الفجر، قدّم اللَّه- عزّ وجلّ- رسلا إلى إبراهيم يبشّرونه بإسحاق ويعزّونه بهلاك قوم لوط. وذلك قوله:

وَ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا (الآيات) .

قال أبو جعفر- عليه السّلام-: فلمّا جاءت إبراهيم البشارة بإسحاق وذهب عنه الرّوع، أقبل» يناجي ربّه في قوم لوط ويسأله كفّ  البلاء عنهم.

فقال اللَّه- عزّ وجلّ-: يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا، إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ، وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ [عذابي‏]  بعد طلوع الفجر من ربّك «عذاب»  محتوم غَيْرُ مَرْدُودٍ.و بهذا الإسناد : عن الحسن بن محبوب، عن مالك بن عطيّة، عن أبي حمزة الثّماليّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام-: أنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- سأل جبرئيل- عليه السّلام-: كيف كان مهلك  قوم لوط؟

فقال: إنّ قوم لوط كانوا أهل قرية لا يتنظّفون من الغائط ولا يتطهّرون من الجنابة، بخلاء أشحاء على الطّعام. وأنّ لوطا لبث فيهم ثلاثين سنة. وإنّما كان نازلا عليهم، ولم يكن منهم ولا عشيرة له فيهم  ولا قوم. وأنّه دعاهم إلى اللَّه- عزّ وجلّ- وإلى الإيمان به واتّباعه، ونهاهم عن الفواحش، وحثّهم على طاعة اللَّه، فلم يجيبوه ولم يطيعوه.

و أنّ اللَّه- عزّ وجلّ- لمّا أراد عذابهم، بعث إليهم رسلا منذرين عذرا ونذرا. فلمّا عتوا عن أمره، بعث إليهم ملائكة ليخرجوا من كان في قريتهم من المؤمنين، فما وجدوا فيها غير بيت من المسلمين. فأخرجوهم  منها، وقالوا: يا لوط فَأَسْرِ  بِأَهْلِكَ من هذه القرية اللّيلة بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ ووَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ.

فلمّا انتصف اللّيل، سار لوط ببناته. وتولّت امرأته مدبرة، فانقطعت إلى قومها تسعى بلوط وتخبرهم، أنّ لوطا قد سار ببناته. وأنّي نوديت من تلقاء العرش لمّا طلع الفجر: يا جبرئيل، حقّ القول من اللَّه تحتّم  عذاب قوم لوط. [فأهبط إلى قرية قوم لوط]  وما حوت، فاقلعها من تحت سبع أرضين ثمّ اعرج بها إلى السّماء، فأوقفها  حتّى يأتيك أمر الجبّار في قلبها، ودع منها آية بيّنة من منزل لوط عبرة للسّيارة.

فهبطت على أهل القرية الظّالمين، فضربت بجناحي الأيمن على ما حوى عليه شرقها ، وضربت بجناحي الأيسر على ما حوى عليه غربها . فاقتلعتها، يا محمّد، من تحت سبع أرضين إلّا منزل لوط آية للسّيارة. ثمّ عرجت بها في خوافي جناحي، حتّى أوقفتها  حيث يسمع أهل السّماء زقاء ديوكها ونباح كلابها.فلمّا طلعت الشّمس، نوديت من تلقاء العرش: يا جبرئيل، اقلب القرية على القوم. فقلبتها عليهم، حتّى صار أسفلها أعلاها. وأمطر اللَّه عليها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ «مسوّمة عند ربّك وما هي [يا محمّد]  من الظّالمين» من أمّتك «ببعيد».

قال: فقال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: يا جبرئيل، وأين كانت قريتهم من البلاد؟

فقال جبرئيل: كان موضع قريتهم في موضع بحيرة طبرية اليوم، وهي في نواحي الشّام.

قال: فقال رسول اللَّه: أ رأيتك حين قلبتها عليهم خرّ  في أي موضع من الأرضين وقعت القرية وأهلها؟

فقال: يا محمّد، وقعت فيما بين بحر الشّام إلى مصر، فصارت تلولا في البحر.

و بإسناده  إلى الحسن بن محبوب: عن سالم، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: قيل له: كيف كان يعلم قوم لوط أنّه قد جاء لوطا رجل؟

قال: كانت امرأته تخرج، فتصفر. فإذا سمعوا التّصفير، جاءوا. فلذلك كره التّصفير.

وَ إِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً، أراد: أولاد مدين بن إبراهيم، أو أهل مدين.

و هو بلد بناه، فسمّي باسمه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : ثمّ ذكر- عزّ وجلّ- هلاك أهل مدين، فقال:

وَ إِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ- إلى قوله- مُفْسِدِينَ.

قال: بعث اللَّه شعيبا إلى مدين، وهي قرية على طريق الشّام، فلم يؤمنوا به.

قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ: أمرهم بالتّوحيد أوّلا، فإنّه ملاك الأمر، ثمّ نهاهم عمّا اعتادوه من البخس المنافي للعدل المخلّ بحكمة التّعاوض.

إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ: بسعة تغنيكم عن البخس، أو بنعمة حقها أن تتفضّلوا

على النّاس شكرا عليها لا أن تنقصوا حقوقهم. أو بسعة، فلا تزيلوها بما أنتم عليه. وهو في الجملة علّة النّهي.

و قال- عليه  السّلام- وقوله : إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ.

قال: كان سعرهم رخيصا.

وَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ : لا يشذّ منه أحد منكم.

و قيل : عذاب مهلك، من قوله: وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ. والمراد: عذاب يوم القيامة، أو عذاب الاستئصال.

و توصيف اليوم بالإحاطة، وهي صفة العذاب، لاشتماله عليه.

وَ يا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ: صرح بالأمر بالإيفاء بعد النّهي عن ضدّه، مبالغة، وتنبيها على أنّه لا يكفيهم الكفّ عن تعمّدهم التّطفيف، بل يلزمهم السّعي في الإيفاء ولو بزيادة لا يتأتّى دونها.

بِالْقِسْطِ: بالعدل والسّويّة.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه وعدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد جميعا، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبان، عن رجل، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: خمس إن أدركتموهنّ فتعوّذوا باللّه منهنّ.

إلى أن قال: ولم ينقصوا المكيال والميزان، إلّا أخذوا بالسّنين وشدّة المؤنة وجور السّلطان.

عليّ بن إبراهيم ، [عن أبيه‏]  وعدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد جميعا، عن ابن محبوب، عن مالك بن عطيّة، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال:

وجدنا في كتاب رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: فإذا طفّف المكيال والميزان، أخذ [هم‏]  اللَّه بالسّنين والنّقص.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.وَ لا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ: تعميم بعد تخصيص. فإنّه أعمّ من أن يكون في المقدار أو في غيره. وكذا قوله: وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ : فإنّ العثوّ يعمّ تنقيص الحقوق، وغيره من أنواع الفساد.

و قيل : المراد بالبخس: المكس، كأخذ العشور في المعاملات. و«العثوّ» السّرقة وقطع الطريق والغارة. وفائدة الحال إخراج ما يقصد به الإصلاح، كما فعله الخضر- عليه السّلام-.

و قيل : معناه وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ: أمر دينكم ومصالح آخرتكم.

و في الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد [عن محمّد]  بن خالد البرقيّ، عن سعد بن سعد، عن أبي الحسن- عليه السّلام- قال: سألته عن قوم يصغّرون القفيزان يبيعون بها.

قال: أولئك الّذين يبخسون النّاس أشياءهم.

بَقِيَّتُ اللَّهِ: ما أبقاه لكم من الحلال بعد التّنزّه عمّا حرّم عليكم.

خَيْرٌ لَكُمْ: ممّا تجمعون بالتّطفيف.

إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ: بشرط أن تؤمنوا. فإنّ خيريّتها باستتباع الثّواب مع النّجاة، وذلك مشروط بالإيمان. أو إن كنتم مصدّقين لي في قولي لكم.

و قيل : «البقيّة» الطّاعة، كقوله: وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ.

و قرئ : «تقيّة اللَّه» بالتّاء. وهي تقواه الّتي تكفّ عن المعاصي.

وَ ما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ : أحفظكم عن القبائح. أو أحفظ عليكم أعمالكم، فأجازيكم عليها، وإنّما أنا ناصح مبلّغ وقد أعذرت حين أنذرت. أو لست بحافظ عليكم نعم اللَّه لو لم تتركوا سوء صنيعكم.

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن حفص  بن محمّد قال: حدّثني إسحاق بن إبراهيم الدّينوريّ، عن عمر بن زاهر، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: سأله رجل عن القائم، يسلّم عليه بإمرة المؤمنين؟قال: لا، ذاك اسم سمّى اللَّه به أمير المؤمنين- عليه السّلام-. لم يسمّ به أحدا قبله، ولا يتسمّى» به بعده إلّا كافر.

قلت: جعلت فداك، كيف يسلّم عليه ؟ قال:

يقولون: السّلام عليك، يا بقيّة اللَّه. ثمّ قرأ: بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.

الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد، عن عليّ بن أسباط، عن صالح بن حمزة، عن أبيه، عن أبي بكر الحضرميّ قال: لمّا حمل أبو جعفر- عليه السّلام- إلى الشّام إلى هشام بن عبد الملك وصار ببابه، قال لأصحابه ومن كان بحضرته من بني أميّة: إذا رأيتموني [قد وبّخت محمّد بن عليّ ثم رأيتموني‏]  قد سكتّ، فليقبل عليه كلّ رجل منكم فليوبّخه. ثمّ أمر أن يؤذن له.

فلمّا دخل عليه أبو جعفر قال- عليه السّلام- بيده: السّلام عليكم. فعمّهم جميعا بالسّلام، ثمّ جلس.

فازداد هشام عليه حنقا بتركه السّلام عليه بالخلافة، وجلوسه بغير إذن. فأقبل يوبّخه، ويقول فيما يقول له: يا محمّد بن عليّ، لا يزال الرّجل منكم قد شقّ عصى المسلمين ودعا إلى نفسه، وزعم أنّه الإمام سفها وقلّة علم. ووبّخه بما أراد أن يوبّخه.

فلمّا سكت، أقبل عليه القوم رجل بعد رجل يوبّخه حتّى انقضى آخرهم.

فلمّا سكت القوم، نهض- عليه السّلام- قائما. ثمّ قال: أيّها النّاس، أين تذهبون، وأين يراد بكم؟ بنا هدى اللَّه أوّلكم، وبنا يختم آخركم. فإن يكن لكم ملك معجّل، فإنّ لنا ملكا مؤجّلا. وليس بعد ملكنا ملك، لأنّا أهل العاقبة. يقول اللَّه- عزّ وجلّ-: وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ .

فأمر به الى الحبس. فلمّا صار إلى الحبس، تكلّم فلم يبق في الحبس رجل إلّا ترشّفه وحنّ إليه . فجاء صاحب الحبس إلى هشام فقال له: يا أمير المؤمنين، إنّي خائف‏عليك من أهل الشّام أن يحولوا بينك وبين مجلسك هذا. ثمّ أخبره بخبره.

فأمر به فحمل على البريد هو وأصحابه، ليردّوا إلى المدينة. وأمر أن لا يخرج لهم الأسواق، وحال بينهم وبين الطّعام والشّراب. فساروا  ثلاثا لا يجدون طعاما ولا شرابا، حتّى انتهوا إلى مدين فأغلق باب المدينة دونهم، فشكا أصحابه الجوع والعطش.

قال: فصعد جبلا يشرف عليهم، فقال بأعلى صوته: يا أهل المدينة الظّالم أهلها، أنا بقيّة اللَّه. يقول اللَّه: بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ.

قال: وكان فيهم شيخ كبير فأتاهم، فقال لهم: يا قوم، هذه واللَّه دعوة شعيب النّبيّ- عليه السّلام-. واللَّه، لئن لم تخرجوا إلى هذا الرّجل بالأسواق، لتؤخذنّ من فوقكم ومن تحت أرجلكم. فصدّقوني في هذه المرّة وأطيعوني، وكذّبوني فيما تستأنفون  فإنّي ناصح لكم.

 [قال:]  فبادروا فأخرجوا إلى محمّد بن عليّ وأصحابه بالأسواق. فبلغ هشام بن عبد الملك خبر الشّيخ، فبعث إليه فحمله فلم يدر ما صنع به.

و في عيون الأخبار ، في باب ذكر مولد الرّضا- عليه السّلام-: حدّثنا تميم بن عبد اللَّه بن تميم القرشيّ- رضي اللَّه عنه- قال: حدّثني أبي، عن أحمد بن عليّ الأنصاريّ، عن عليّ بن ميثم، عن أبيه قال: سمعت أمّي تقول: سمعت نجمة، أمّ الرّضا- عليه السّلام- تقول: لمّا حملت بابني، عليّ، لم أشعر بثقل الحمل. وكنت أسمع في منامي تسبيحا وتهليلا وتمجيدا من بطني، فيفزعني ذلك ويهولني. فإذا انتبهت، لم أسمع شيئا.

فلمّا وضعته، وقع إلى الأرض واضعا يديه على الأرض رافعا رأسه إلى السّماء يحرّك شفتيه، كأنّه يتكلّم. فدخل إليّ  أبوه، موسى بن جعفر- عليهما السّلام-.

فقال لي: هنيئا لك، يا نجمة، كرامة ربّك.

فناولته إيّاه في خرقة بيضاء. فأذّن في أذنه الأيمن، وأقام في الأيسر. ودعا بماء الفرات، فحنّكه به ثمّ ردّه إليّ.

و قال: خذيه، فإنّه بقيّة اللَّه- عزّ وجلّ- في أرضه.و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة : حدّثنا عليّ بن عبد اللَّه الورّاق قال:

 

حدّثنا سعد بن عبد اللَّه، عن أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعريّ قال: خرج أبو محمّد، الحسن بن عليّ- عليه السّلام- علينا، وعلى عاتقه غلام، كأنّ وجهه القمر ليلة البدر، من أبناء ثلاث سنين.

فقال: يا أحمد بن إسحاق، لو لا كرامتك على اللَّه- عزّ وجلّ- وعلى حججه ما عرضت عليك ابني هذا. إنّه سميّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-.

إلى أن قال: فنطق الغلام- عليه السّلام- بلسان عربيّ فصيح.

فقال: أنا بقيّة اللَّه في أرضه، والمنتقم من أعدائه. فلا تطلب أثرا بعد عين.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و بإسناده  إلى محمّد بن مسلم الثّقفيّ: عن أبي جعفر، محمّد بن عليّ الباقر- عليه السّلام- حديث طويل، يذكر فيه القائم- عليه السّلام-: فإذا خرج، أسند ظهره إلى الكعبة، واجتمع إليه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا. فأوّل ما ينطق به هذه الآية: بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.

ثمّ يقول: أنا بقيّة اللَّه [في أرضه‏]  وحجّته وخليفته عليكم. فلا يسلّم عليه مسلم، إلّا قال: السّلام عليك، يا بقيّة اللَّه في أرضه.

و في كتاب الاحتجاج  للطّبرسيّ- رحمه اللَّه-: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل. يقول فيه- عليه السّلام- وقد ذكر الحجّج: هم بقيّة اللَّه، يعني: المهديّ- عليه السّلام-. الّذي يأتي بعد انقضاء هذه النّظرة، فيملأ الأرض قسطا وعدلا، كما ملئت جورا وظلما.

قالُوا يا شُعَيْبُ أَ صَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا: من الأصنام.

أجابوا به بعد أمرهم بالتّوحيد، على الاستهزاء به والتّهكّم بصلاته، والإشعار بأنّ مثله لا يدعو إليه داع عقلي، وإنّما دعاك إليه خطرات ووساوس من جنس ما تواظب عليه.

و كان كثير الصّلاة، ولذلك جمعوا وخصّوا الصّلاة بالذّكر.و قرأ  حمزة والكسائيّ وحفص، على الإفراد. والمعنى: أ صلواتك تأمرك بتكليف أن نترك. فحذف المضاف، لأنّ الرّجل لا يؤمر بفعل غيره.

أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا: عطف على «ما»، أي: وأن نترك فعلنا ما نشاء في أموالنا.

و قرئ ، بالتّاء، فيهما. على أنّ العطف على «أن نترك». وهو جواب النّهي عن التّطفيف، والأمر بالإيفاء.

و قيل : كان ينهاهم عن تقطيع الدّراهم والدّنانير، فأرادوا به ذلك.

إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ :

قيل : تهكّموا به، وقصدوا وصفه بضدّ ذلك. أو علّلوا إنكار ما سمعوا منه واستبعاده بأنّه موسوم بالحلم والرّشد المانعين من المبادرة إلى أمثال ذلك.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قالوا: إنّك لأنت السّفيه الجاهل. فحكى  اللَّه- عزّ وجلّ- قولهم [فقال‏] : إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ.

قالَ يا قَوْمِ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي:

إشارة إلى ما آتاه اللَّه من العلم والنّبوّة.

وَ رَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً:

إشارة إلى ما آتاه اللَّه من المال الحلال. وجواب الشّرط محذوف، تقديره: فهل يسع لي مع هذا الإنعام الجامع للسّعادات الرّوحانيّة والجسمانيّة أن أخون في وحيه، وأخالفه في أمره ونهيه. وهو اعتذار عمّا أنكروا عليه من تغيير المألوف والنّهي عن دين الآباء.

و الضّمير في «منه» للّه، أي: من عنده وبإعانته، بلا كدّ منّي في تحصيله.

وَ ما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ: أي: وما أريد أن آتي ما أنهاكم عنه من شهواتكم، لأستبدّ به دونكم.يقال: خالفت زيدا إلى كذا: إذا قصدته، وهو مولّ عنه. وخالفته عنه: إذا كان الأمر بالعكس، أي: قصده وأنت مولّ عنه.

إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ: ما أريد إلّا أن أصلحكم بأمري بالمعروف ونهيي عن المنكر، ما دمت أستطيع الإصلاح. فلو وجدت الصّلاح فيما أنتم عليه، لما نهيتكم عنه.

و لهذه الأجوبة الثّلاثة عن هذا النّسق شأن، وهو التّنبيه على أنّ العاقل يجب أن يراعي في كلّ ما يليه ويذره أحد حقوق ثلاثة أهمّها وأعلاها حقّ اللَّه، وثانيها حقّ النّفس، وثالثها حقّ النّاس. وكلّ ذلك يقتضي أن آمركم بما أمرتكم به، وأنهاكم عمّا نهيتكم عنه. و«ما» مصدريّة واقعة موقع الظّرف.

و قيل : خبريّة بدل من الإصلاح إلى المقدار الّذي استطعته، أو إصلاح ما استطعته، فحذف المضاف.

وَ ما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ: وما توفيقي لإصابة الحقّ والصّواب، إلّا بهدايته ومعونته.

عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ، فإنّه القادر المتمكّن من كلّ شي‏ء، وما عداه عاجز في حدّ ذاته.

و فيه إشارة إلى محض التّوحيد الّذي هو أقصى مراتب العلم بالمبدأ.

في نهج البلاغة : من كتاب له- عليه السّلام- إلى معاوية جوابا، قال فيه- عليه السّلام- بعد أن ذكر عثمان وقتله: وما كنت لأعتذر من أنّي كنت أنقم  عليه أحداثا.

فإن كان الذّنب إليه  إرشادي وهدايتي له، فربّ ملوم لا ذنب له.

         وقد يستفيد الظنّة المتنصح

 

 وما أردت إلّا الإصلاح ما استطعت. «و ما توفيقي إلّا باللّه عليه توكّلت [و إليه أنيب‏] ».وَ إِلَيْهِ أُنِيبُ :

إشارة إلى معرفة المعاد. وهو أيضا يفيد الحصر بتقديم الصّلة على «أنيب».

و في هذه الكلمات طلب التّوفيق لإصابة الحقّ فيما يأتي ويذره من اللَّه، والاستعانة في مجامع أمره، والإقبال عليه بشراشره، وحسم أطماع الكفّار، وإظهار الفراغ عنهم، وعدم المبالاة بمعاداتهم وتهديدهم، بالرّجوع إلى اللَّه للجزاء.

و في كتاب التّوحيد  بإسناده إلى عبد اللَّه بن الفضل الهاشميّ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- حديث طويل. وفيه: فقلت: قوله- عزّ وجلّ-: وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ وقوله - عزّ وجلّ-: إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ. فقال:

إذا فعل العبد ما أمره اللَّه- عزّ وجلّ- به من الطّاعة، كان فعله وفقا لأمر اللَّه- عزّ وجلّ- وسمّي العبد به موفّقا. وإذا أراد العبد أن يدخل في شي‏ء من معاصي اللَّه، فحال اللَّه- تبارك وتعالى- بينه وبين تلك المعصية، فتركها، كان تركه لها بتوفيق اللَّه- تعالى ذكره-. ومتى خلّى بينه وبين المعصية، فلم يخلّ بينه وبينها  حتّى يرتكبها، فقد خذله ولم ينصره ولم يوفّقه.

وَ يا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ: لا يكسبنّكم شِقاقِي: خلافي ومعاداتي.

أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ: من الغرق، أَوْ قَوْمَ هُودٍ من الرّيح ، أَوْ قَوْمَ صالِحٍ من الرّجفة.

و «أن» بصلتها ثاني مفعولي «جرم» فإنّه يعدّى إلى واحد وإلى اثنين، ككسب.

و عن ابن كثير : «يجرمنّكم» بالضّمّ. وهو منقول من المتعدّي إلى مفعول واحد.

و الأوّل أفصح. فإنّ «أجرم» أقلّ دورانا على ألسنة الفصحاء.

و قرئ : «مثل»- بالفتح- لإضافته إلى المبنيّ، كقوله:         لم يمنع الشّرب منها غير أن نطقت             حمامة في غصون ذات أو قال‏

 وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ  زمانا ومكانا. فإن لم تعتبروا ممّن قبلهم، فاعتبروا بهم. أو: ليسوا ببعيد منكم في الكفر والمساوئ، فلا يبعد عنكم ما أصابهم.

و إفراد البعيد، لأنّ المراد: وما إهلاكهم- أو وما هم- بشي‏ء بعيد. ولا يبعد أن يسوّي في أمثاله بين المذكّر والمؤنّث لأنّها على زنة المصادر كالصّهيل والشّهيق.

وَ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ عمّا أنتم عليه.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن [أبيه، و]  عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، جميعا عن ابن محبوب، عن محمّد بن نعمان الأحول، عن سلام بن المستنير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- عن رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: حديث طويل، يقول فيه لأصحابه: ولو لا أنّكم تذنبون فتستغفرون اللَّه، لخلق اللَّه خلقا حتّى يذنبوا ثمّ يستغفروا اللَّه فيغفر  لهم. إنّ المؤمن مفتّن توّاب. أما تسمع  قول اللَّه - عزّ وجلّ-: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ وقال : اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ.

و في كتاب الخصال : عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام-، عن أبيه، قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-: أربع خصال من كنّ فيه، كان في نور اللَّه الأعظم- إلى أن قال-: ومن إذا أصاب خطيئة، قال: أستغفر اللَّه، وأتوب إليه.

إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ عظيم الرّحمة للتّائبين وَدُودٌ  فاعل بهم من اللّطف والإحسان ما يفعل البليغ المودّة بمن يودّه.

و هو وعد على التّوبة، بعد الوعيد على الإصرار.

قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ: ما نفهم كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ، كوجوب التّوحيد وحرمة البخس. وما ذكرت دليلا عليهما.و ذلك لقصور عقلهم، وعدم تفكّرهم.

و قيل : قالوا، ذلك استهانة بكلامه. أو لأنّهم لم يلقوا إليه أذهانهم لشدّة نفرتهم عنه.

وَ إِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً لا قوّة لك فتمتنع منّا، إن أردنا بك سوء أو مهينا لا عزّة لك.

و قيل : أعمى، بلغة حمير.

قيل : وهو مع عدم مناسبته يرده التّقييد بالظّرف.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقد كان ضعف بصره.

و منع بعض النّاس  المعتزلة استنباء الأعمى، قياسا على القضاء والشّهادة.

و الفرق بيّن.

وَ لَوْ لا رَهْطُكَ: قومك وعزّتهم عندنا، لكونهم على ملّتنا، لا لخوف من شوكتهم. فإنّ الرّهط من الثّلاثة إلى العشرة.

و قيل : إلى السّبعة.

لَرَجَمْناكَ: لقتلناك برمي الحجارة، أو بأصعب وجه.

وَ ما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ  فتمنعنا عزّتك عن الرّجم.

قيل : وهذا ديدن السّفيه المحجوج يقابل الحجج والآيات بالسّبّ والتّهديد.

و في إيلاء الضّمير حرف النّفي، تنبيه على أنّ الكلام فيه، لا في ثبوت العزّة، وأنّ المانع لهم من إيذائه عزّة قومه.

و لذلك قالَ يا قَوْمِ أَ رَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا:

و جعلتموه كالمنسيّ المنبوذ وراء الظّهر بإشراككم به، والإهانة برسوله، فلا تبقون عليّ للّه وتبقون عليّ لرهطي.

و هو يحتمل الإنكار والتّوبيخ والرّدّ والتّكذيب. و«ظهريّ» منسوب إلى الظّهر،

و الكسر من تغييرات النّسب.

إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ  فلا يخفى عليه شي‏ء منها، فيجازي عليها.

وَ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ:

سبق مثله في سورة الأنعام . والفاء في «فسوف تعلمون»، ثمّة  للتّصريح بأنّ الإصرار والتّمكّن فيما هم عليه سبب لذلك. وحذفها ها هنا، لأنّه جواب سائل قال: فما ذا يكون بعد ذلك؟ فهو أبلغ في التهويل.

وَ مَنْ هُوَ كاذِبٌ:

عطف على «من يأتيه»، لا لأنّه قسيم  له- كقولهم: ستعلم الكاذب والصّادق- بل لأنّهم لمّا أوعدوه وكذّبوه، قال: سوف تعلمون من المعذّب والكاذب منّي ومنكم.

و قيل : كان قياسه: «و من هو صادق» لينصرف الأوّل إليهم، والثّاني إليه، لكنّهم لمّا كانوا يدعونه كاذبا، قال: «و من هو كاذب» على زعمهم.

وَ ارْتَقِبُوا: وانتظروا ما أقول لكم.

إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ : فعيل بمعنى الرّاقب، كالصّريم. أو: المراقب، كالعشير. أو: المرتقب، كالرّفيع.

و في تفسير العيّاشيّ : محمّد بن الفضيل، عن الرّضا- عليه السّلام- قال: سألته عن انتظار الفرج، [فقال: أو ليس تعلم أنّ انتظار الفرج‏]  من الفرج؟ ثمّ قال: إنّ اللَّه- تبارك وتعالى- يقول: وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ.

و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: قال الرّضا: ما أحسن الصّبر وانتظار الفرج! أما سمعت قول اللَّه- عزّ وجلّ-:

وَ ارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ [و قوله‏] : فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ . فعليكم‏بالصّبر! فإنّه إنّما يجي‏ء الفرج على اليأس . فقد كان الّذين من قبلكم أصبر منكم.

و في مجمع البيان : وروي عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- أنّه قال: شعيب- عليه السّلام- خطيب الأنبياء.

وَ لَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا:

إنّما ذكره بالواو- كما في قصّة عاد- إذ لم يسبقه ذكر وعد يجري مجرى السّبب له، بخلاف قصّتي صالح ولوط، فإنّه ذكر بعد الوعد. وذلك قوله: وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ .

و قوله: إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ . فلذلك جاء بفاء السّببيّة.

وَ أَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ:

قيل : صاح بهم جبرئيل، فهلكوا.

و في عيون الأخبار ، في باب ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- [من خبر الشّاميّ وما سأل عن أمير المؤمنين- عليه السّلام-]  في جامع الكوفة حديث طويل. وفيه: ثمّ قام إليه [رجل‏]  آخر فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن يوم الأربعاء وتطيّرنا منه وثقله. وأيّ أربعاء هو. قال: آخر أربعاء في الشّهر . وهو المحاق. وفيه قتل قابيل أخاه- إلى أن قال عليه السّلام-: يوم الأربعاء أخذتهم الصّيحة.

و في الجوامع : روي أنّ جبرئيل- عليه السّلام- صاح بهم صيحة، فزهق روح كلّ واحد منهم حيث هو.

فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ : ميّتين.

و أصل الجثوم: اللّزوم في المكان.

كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها: كأن لم يقيموا فيها أحياء.

أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ :قيل : شبّههم بهم، لأنّ عذابهم كان أيضا بالصّيحة، غير أنّ صيحتهم كانت من تحتهم، وصيحة مدين كانت من فوقهم.

و قرئ : «بعدت»- بالضّمّ- على الأصل. فإنّ الكسر تغيير لتخصيص معنى البعد بما يكون بسبب الهلاك، والبعد مصدر لهما، والبعد مصدر المكسور.

وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا: بالتّوراة، أو المعجزات.

وَ سُلْطانٍ مُبِينٍ :

قيل : هو المعجزات القاهرة أو العصا واليد  وإفرادها لأنّها أبهرها.

و يجوز أن يراد بهما واحد. أي: ولقد أرسلناه بالجامع بين كونه آياتنا وسلطانا له على نبوّته، واضحا في نفسه، أو موضّحا إيّاها. فإنّ «أبان» جاء لازما ومتعدّيا. والفرق بينهما أنّ الآية تعمّ الأمارة والدّليل القاطع، والسّلطان يخصّ بالقاطع، والمبين يخصّ بما فيه جلاء.

إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ: فاتّبعوا أمره بالكفر بموسى. أو: فما اتّبعوا موسى الهادي إلى الحقّ المؤيّد بالمعجزات القاهرة الباهرة، واتّبعوا طريقة فرعون المنهمك في الضّلال والطّغيان، الدّاعي إلى ما لا يخفى فساده على من له أدنى مسكة من العقل، لفرط جهالتهم وعدم استبصارهم.

وَ ما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ : مرشد، أو ذي رشد، وإنّما هو غيّ محض وضلال صريح.

يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ إلى النّار، كما كان يقدمهم في الدّنيا إلى الضّلال.

يقال: قدم، بمعنى: تقدّم.

فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ:

ذكره بلفظ الماضي، مبالغة في تحقيقه. ونزّل النّار لهم منزلة الماء، فسمّى إتيانها موردا. ثمّ قال:

وَ بِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ ، أي: بئس المورد الّذي وردوه ، فإنّه يرادلتبريد الأكباد وتسكين العطش، والنّار بالضّدّ.

و الآية كالدّليل على قوله: وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ. فإنّ من هذا عاقبته، لم يكن في أمره رشد. أو تفسير له، على أنّ المراد بالرّشيد ما يكون مأمون العاقبة وحميدها.

وَ أُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ، أي: يلعنون في الدّنيا والآخرة.

بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ : بئس العون المعان، أو العطاء المعطى.

و أصل الرّفد: ما يضاف إلى غيره ليعمده. والمخصوص بالذّم محذوف. أي:

رفدهم، وهو اللّعنة في الدّارين.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : فِي هذِهِ لَعْنَةً، يعني: الهلاك والغرق. وَيَوْمَ الْقِيامَةِ [بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ، أي:]  يرفدهم اللَّه بالعذاب.

ذلِكَ، أي: ذلك النّبأ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى المهلكة.

نَقُصُّهُ عَلَيْكَ: مقصوص عليك.

مِنْها قائِمٌ: من تلك القرى باق، كالزّرع القائم وَحَصِيدٌ :

 [و منها]  عافي الأثر، كالزّرع المحصود.

و الجملة مستأنفة.

و قيل : حال من الهاء في «نقصّه» وليس بصحيح، إذ لا واو ولا ضمير.

و في تفسير العيّاشيّ  عن أبي بصير، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قرأ: «فمنها قائما وحصيدا»- بالنّصب- ثمّ قال: يا أبا محمّد، لا يكون حصيدا  إلّا بالحديد.

و في رواية أخرى : «فمنها قائما وحصيدا»- بالنّصب- ثمّ قال: يا أبا محمّد، لا يكون  الحصيد إلّا بالحديد.