سورة يوسف الآية 1-20

سورة يوسف مكّيّة.

و قال المعدل ، عن ابن عبّاس: غير أربع آيات نزلن بالمدينة، ثلاث من أوّلها، والرّابعة: لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ .

و هي مائة وإحدى عشرة آية بالإجماع.

بسم الله الرحمن الرحيم‏

في كتاب ثواب الأعمال ، بإسناده إلى أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: «من قرأ سورة يوسف في كلّ يوم، أو في كلّ ليلة، بعثه اللَّه يوم القيامة وجماله مثل جمال يوسف. ولا يصيبه فزع يوم القيامة. وكان من خيار عباد اللَّه الصّالحين.

و قال: إنّها كانت في التّوراة مكتوبة.

و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن أسباط، عن عمّه يعقوب بن سالم، رفعه قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: لا تعلّموا نساءكم سورة يوسف، ولا تقرئوهنّ إيّاها، فإنّ فيها الفتن. وعلّموهنّ سورة النور، فإن فيها المواعظ.

و في مجمع البيان : ابيّ بن كعب، عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- أنّه  قال:علّموا أرقّاءكم سورة يوسف. فإنّه أيّما مسلم قرأها ، وعلّمها أهله وما ملكت يمينه، هوّن اللَّه- تعالى- عليه سكرات الموت، وأعطاه القوّة أن لا يحسد مسلما .

و روى إسماعيل بن أبي زياد ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- عن أبيه، عن آبائه- عليهم السّلام- قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-:

لا تنزلوا نساءكم الغرف. ولا تعلّموهنّ الكتابة. ولا تعلّموهنّ سورة يوسف.

و علّموهنّ الغزل  وسورة النّور.

و في كتاب الخصال ، عن جابر بن يزيد الجعفيّ قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن عليّ الباقر- عليه السّلام- يقول: ليس على النّساء أذان- إلى أن قال:- ويكره لهنّ تعلّم سورة يوسف.

و في تفسير العيّاشيّ ، عن مسعدة بن صدقة قال: قال جعفر بن محمّد- عليه السّلام-: قال والدي- عليه السّلام-:

و اللَّه، إنّي لأصانع بعض ولدي، وأجلسه على فخذي، وأكثر له المحبة ، وأكثر له الشّكر، وإنّ الحقّ لغيره  من ولدي، ولكن محافظة  عليه منه، ومن غيره، [لئلّا]  يصنعوا به ما فعل بيوسف إخوته.

و ما أنزل اللَّه سورة يوسف، إلّا أمثالا، لكي لا يحسد بعضنا بعضا، كما حسد يوسف ، وبغوا عليه. فجعلها حجّة [و حجّة]  على من تولّانا، ودان بحبّنا ، وجحد أعداءنا، أعني  من نصب لنا الحرب والعداوة.الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ :

 «تلك» إشارة إلى آيات السّورة. وهي المراد ب «الكتاب». أي: تلك الآيات، آيات السّورة الظّاهر أمرها في الإعجاز. أو الواضحة معانيها والمبيّنة لمن تدبّرها أنّها من عند اللَّه، أو لليهود ما سألوا. إذ نقل أنّ علماءهم قالوا لكبراء المشركين: سلوا محمّدا لم انتقل آل  يعقوب من الشّام إلى مصر، وعن قصّة يوسف. فنزلت.

إِنَّا أَنْزَلْناهُ، أي: الكتاب.

قُرْآناً عَرَبِيًّا:

سمّي البعض قرآنا، لأنّه في الأصل اسم الجنس يقع على الكلّ والبعض، وصار علما للكلّ بالغلبة.

و نصبه على الحال، وهو في نفسه إمّا توطئة للحال الّتي هي «عربيّا»، أو حال لأنّه مصدر بمعنى مفعول. و«عربيّا» صفة له. أو حال من الضّمير فيه. أو حال بعد حال.

لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ :

علّة لإنزاله بهذه الصّفة. أي: أنزلناه مجموعا، أو مقروء بلغتكم، كي تفهموه، وتحيطوا بمعانيه، وتستعملوا فيه عقولكم، فتعلموا أنّ اقتصاصه كذلك- ممّن لم يتعلّم القصص- معجز لا يتصوّر إلّا بإيحاء.

و في كتاب الخصال ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: تعلّموا العربيّة. فإنّها كلام اللَّه الّذي تكلّم به خلقه.

نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ: أحسن الاقتصاص، لأنّه اقتصّ على أبدع الأساليب. أو: أحسن ما يقصّ، لاشتماله على العجائب والحكم والآيات والعبر.

القصّ  فعل بمعنى مفعول، كالنّقض والسّلب. واشتقاقه من: قصّ أثره: إذا تبعه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم  خطبة له- صلّى اللَّه عليه وآله-. وفيها: وأحسن القصص هذا القرآن.و في روضة الكافي  خطبة لأمير المؤمنين- عليه السّلام-. وفيها: ثمّ إنّ أحسن القصص وأبلغ الموعظة وأنفع التّذكر، كتاب اللَّه- عزّ ذكره-.

و في الكافي  خطبة مسندة إلى أبي جعفر- عليه السّلام-. وفيها: وانّ كتاب اللَّه أصدق الحديث، وأحسن القصص.

بِما أَوْحَيْنا بإيحائنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ، يعني: السّورة.

و يجوز أن يجعل «هذا» مفعول «نقصّ»، على أنّ «أحسن» نصب على المصدر.

وَ إِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ  عن هذه القصّة، لم تخطر ببالك، ولم تقرع سمعك قطّ.

و هو تعليل لكونه موحى.

 «و إن» هي المخفّفة من الثّقيلة. واللّام هي الفارقة.

إِذْ قالَ يُوسُفُ:

بدل من أَحْسَنَ الْقَصَصِ إن جعل مفعولا بدل الاشتمال. أو منصوب بإضمار اذكر.

و «يوسف» عبريّ. ولو كان عربيّا لصرف.

و قرئ  بفتح السّين وكسرها، على التّلعّب به، لا على أنّه مضارع بني للمفعول أو الفاعل من «آسف». لأنّ المشهورة شهدت بعجمته.

لِأَبِيهِ: يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، عن الباقر- عليه السّلام-: وكان يعقوب إسرائيل اللَّه- أي: خالص اللَّه- ابن إسحاق نبيّ اللَّه ابن إبراهيم خليل اللَّه.

و في الحديث النّبويّ : الكريم ابن الكريم، ابن الكريم، ابن الكريم، يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم.

يا أَبَتِ:

أصله: يا أبي. فعوض  عن الياء تاء التّأنيث، لتناسبهما في الزّيادة. ولذلك قلبها هاء في الوقف ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب. وكسرها لأنّها عوض حرف تناسبها. وفتحها  ابن عامر في كل القرآن، لأنّها حركة أصلها. أو لأنّه كان «يا أبتا» فحذف الألف وبقي الفتحة. وإنّما جاز «يا أبتا»، ولم يجز «يا أبتي»، لأنّه جمع بين العوض والمعوّض.

و قرئ  بالضّمّ، إجراء لها مجرى الأسماء المؤنّثة بالتّاء، من غير اعتبار التّعويض.

و إنّما لم تسكّن كأصلها، لأنّها حرف صحيح منزل منزلة الاسم، فيجب تحريكها، ككاف الخطاب.

إِنِّي رَأَيْتُ:

من الرّؤيا، لا من الرّؤية، لقوله: لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ وقوله هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ.

أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ:

في كتاب الخصال ، عن جابر بن عبد اللَّه الأنصاريّ في قوله- تعالى- حكاية عن يوسف: إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ فقال في تسمية النّجوم: وهو الطّارق، وحوبان ، والذّيّال، و ذو الكتفين ، وقابس، ووثّاب، وعمودان ، وفيلق، ومصبح، والصّدوح ، وذو القروع ، والضّياء، والنّور، يعني:

الشمس والقمر. وكلّ هذه الكواكب محيطة بالسّماء.

و عن جابر عن عبد اللَّه  قال: أتى النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- رجل من اليهود يقال له بشّان  اليهوديّ. فقال: يا محمّد، أخبرني عن الكواكب الّتي رآها يوسف أنّها ساجدة له، فما  أسماؤها؟ فلم يجبه نبيّ اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- يومئذ في شي‏ء.

قال: فنزل  جبرئيل- عليه السّلام- فأخبر النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله- بأسمائها.

قال: فبعث رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- إلى بشّان . فلمّا أن جاءه، قال النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله-: هل أنت تسلم  إن أخبرتك بأسمائها؟ قال: نعم.

فقال له النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله-: حوبان ، والطّارق، والذّيّال، وذو الكتفين ، وقابس، ووثّاب، وعمودان ، والفيلق، والمصبح ، والصّدوح، وذو القروع ، والضّياء، والنّور. رآها في أفق السّماء ساجدة له. فلمّا قصّها يوسف- عليه السّلام- على يعقوب- عليه السّلام- قال يعقوب: هذا أمر مشتّت  يجمعه اللَّه- عزّ وجلّ- من  بعد.

فقال بشّان : واللَّه إنّ هذه لأسماؤها. ثمّ أسلم .

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: تأويل هذه الرّؤيا أنّه سيملك مصر، ويدخل عليه أبواه وإخوته. أمّا الشمس، فأمّ يوسف «راحيل». والقمر يعقوب. وأمّا الأحد عشر كوكبا، فإخوته. فلمّا دخلوا عليه، سجدوا شكرا للّه وحده، حين نظروا إليه. وكان ذلك السّجود للّه- تعالى-.

و في رواية  أنّ الّتي سجدت له مع أبيه خالته لا أمّه.

رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ :

استئناف لبيان حالهم الّتي رآهم عليها. فلا تكرير. وإنّما أجريت مجرى العقلاء، لوصفها بصفاتهم.

قالَ يا بُنَيَّ: تصغير ابن، للشّفقة، أو لصغر السّنّ، لأنّه كان ابن تسع سنين .لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً: فيحتالوا لإهلاكك حيلة.

فهم يعقوب- عليه السّلام- من رؤياه أنّ اللَّه يصطفيه لرسالته، ويفوّقه على إخوته، فخاف عليه حسدهم وبغيهم.

قيل : الرّؤيا كالرّؤية، غير أنّها مختصّة بما يكون في النّوم. ففرّق بينهما بحرف التّأنيث، كالقربة والقربى. وهي: انطباع الصّورة المنحدرة من أفق المتخيلّة إلى الحسّ المشترك. والصّادقة منها يكون باتّصال النّفس بالملكوت، لما بينهما من التّناسب، عند فراغها من تدبير البدن أدنى فراغ، فتتصوّر بما فيها ممّا يليق بها من المعاني الحاصلة هناك.

ثمّ إنّ المتخيّلة تحاكيه بصورة تناسبه، فترسلها إلى الحسّ المشترك، فتصير مشاهدة. ثمّ إن كانت شديدة المناسبة، لذلك المعنى، بحيث لا يكون التّفاوت إلّا بالكلّيّة والجزئيّة، استغنت الرّؤيا عن التّعبير، وإلّا احتاجت إليه.

و إنّما عدّي كاد باللّام- وهو متعدّ بنفسه- لتضمينه معنى فعل يعدّى به، تأكيدا.

و لذلك أكّد بالمصدر، وعلّله بقوله:

إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ : ظاهر العداوة، لما فعل بآدم وحوّاء.

فلا يألوا جهدا في تسويلهم وإثارة الحسد فيهم، حتّى يحملهم على الكيد.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام-: [أنّه كان من خبر يوسف أنّه‏]  كان له أحد عشر أخا. وكان له من أمّه أخ واحد يسمّى «بنيامين». وكان يعقوب إسرائيل اللَّه- أي: خالص اللَّه- ابن إسحاق نبيّ اللَّه ابن إبراهيم خليل اللَّه. فرأى يوسف هذه الرّؤيا وله تسع سنين. فقصّها على أبيه. فقال يعقوب: يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ (الآية).

و اعلم أنّ  ما دلّ عليه هذا الحديث من كون يوسف وبنيامين من أمّ واحدة، هو المشهور رواه العيّاشيّ وغيره ، إلّا أنّ العيّاشيّ  روى رواية أخرى بأنّه ابن خالته. وفي‏بعض ما يرويه إطلاق «ابن ياميل» [عليه- بالّلام. وفي بعضه أنّ «ياميل»]  اسم خالة يوسف، وأنّها هي الّتي سارت مع أبيه إلى مصر. وربّما يوجد في بعض الأخبار «ابن يامين» منفصلا. وصاحب القاموس ضبطه «بنيامين». قال: ولا تقل «ابن يامين».

و في روضة الكافي : بعض أصحابنا، عن عليّ بن العبّاس، عن الحسن بن عبد الرّحمن، عن أبي الحسن- عليه السّلام- قال:

إنّ الأحلام لم تكن فيما مضى في أوّل الخلق، وإنّما حدثت.

فقلت: وما العلّة في ذلك؟ فقال: إنّ اللَّه- عزّ ذكره- بعث رسولا إلى أهل زمانه، فدعاهم إلى عبادة اللَّه وطاعته. فقالوا: إن فعلنا ذلك، فما لنا؟ فو اللَّه ما أنت بأكثرنا مالا ولا بأعزّنا عشيرة! فقال: إن أطعتموني، أدخلكم اللَّه الجنّة. وإن عصيتموني، أدخلكم اللَّه النّار. فقالوا: وما الجنّة والنّار؟ فوصف لهم ذلك. فقالوا: متى نصير إلى ذلك؟

فقال: إذا ما  متّم. فقالوا: لقد رأينا أمواتنا صاروا عظاما ورفاتا!؟ فازدادوا له تكذيبا، وبه استخفافا.

فأحدث اللَّه- عزّ وجلّ- فيهم الأحلام. فأتوه، فأخبروه بما رأوا، وما أنكروا [من‏]  ذلك. فقال: إنّ اللَّه- عزّ ذكره- [أراد أن‏]  يحتجّ عليكم بهذا. هكذا تكون أرواحكم. إذا متّم- وإن بليت أبدانكم- تصير الأرواح على عقاب، حتّى تبعث الأبدان.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: رئي المؤمن ورؤياه في آخر الزّمان على سبعين جزءا من أجزاء النّبوّة.

وَ كَذلِكَ، أي: وكما اجتبيناك لمثل هذه الرّؤيا الدّالّة على شرف وكمال نفس.

يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ للنّبوّة والملك. أو: لأمور عظام.و الاجتباء، من: جبيت الشّي‏ء: إذا حصّلته لنفسك.

وَ يُعَلِّمُكَ:

كلام مبتدأ خارج عن التّشبيه. كأنّه قيل: وهو يعلّمك.

مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ: من التّعبير للرّؤيا. لأنّها أحاديث الملك، إن كانت صادقة، وأحاديث النّفس والشّيطان، إن كانت كاذبة. أو: من تأويل غوامض كتاب اللَّه- تعالى- وسنن الأنبياء وكلمات الحكماء. وهو اسم جمع للحديث، كأباطيل اسم جمع للباطل.

وَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ بالنّبوّة، أو بإيصال نعمة الدّنيا بنعمة الآخرة.

وَ عَلى آلِ يَعْقُوبَ:

يريد به سائر بنيه، بأن يصل نعمة الدّنيا بنعمة الآخرة، بأن يجعلهم أنبياء وملوكا، ثمّ ينقلهم إلى نعيم الآخرة والدّرجات العلى.

قيل : ولعلّه استدلّ على نبوّتهم بضوء الكواكب. وسيأتي في الخبر أنّ سائر أبنائه لم يكونوا أنبياء، ولا بررة أتقياء، ولم يفارقوا الدّنيا إلّا سعداء. ثمّ تابوا، وتذكّروا ما صنعوا. فالمراد نسله.

كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ بالرّسالة.

و قيل : على إبراهيم، بالخلّة والإنجاء من النّار. وعلى إسحاق، بإنقاذه من الذّبح وفدائه بذبح عظيم.

مِنْ قَبْلُ: من قبلك. أو: من قبل هذا الوقت.

إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ:

عطف بيان ل «أبويك».

إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ بمن يستحقّ الاجتباء، حَكِيمٌ  بفعل الأشياء على ما ينبغي.

لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ، أي: في قصصهم.

آياتٌ: دلائل قدرة اللَّه وحكمته. أو: علامات نبوّتك.

لِلسَّائِلِينَ : لمن سأل عن قصّتهم.و أسماء الإخوة لم يوجد بتمامها في خبر معصوميّ.

و قيل : هم: يهوذا، وروبيل، وشمعون، ولاوي، وزبالون ، ويشخر، ودينة، من بنت خالته، تزوّجها يعقوب أوّلا. فلمّا توفّيت، تزوّج أختها راحيل. فولدت له بنيامين [و يوسف‏] .

و قيل : جمع بينهما، ولم يكن الجمع محرّما حينئذ.

و أربعة آخرون: دان، ونفتالي، وجاد، وآشر، من سريّتين زلفة وبلهة.

و في الجوامع : روي أنّ اليهود قالوا لكبراء المشركين: سلوا محمّدا لم انتقل آل يعقوب من الشّام إلى مصر، وعن قصّة يوسف. قال: فأخبرهم بالقصّة من غير سماع ولا قراءة كتاب.

إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ: بنيامين. وتخصيصه بالإضافة، لاختصاصه بالاخوّة من الطّرفين.

أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا:

وحّده، لأنّ أفعل من لا يفرق فيه بين الواحد وما  فوقه والمذكّر وما يقابله بخلاف أخويه. فإنّ الفرق في المحلّى واجب جائز في المضاف.

وَ نَحْنُ عُصْبَةٌ: والحال أنّا جماعة أقوياء، أحقّ بالمحبّة من صغيرين لا كفاية فيهما.

و العصبة والعصابة: العشرة فصاعدا.

إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ، لتفضيله المفضول. أو: لترك التّعديل في المحبّة.

نقل  أنّه كان أحبّ إليه، لما يرى فيه من المخايل. وكان إخوته يحسدونه. فلمّا رأى الرّؤيا، ضاعف له المحبّة، بحيث لم يصبر عنه. فتبالغ حسدهم حتّى حملهم  على التّعرض له.اقْتُلُوا يُوسُفَ:

من جملة المحكيّ بعد قوله: «إذ قالوا».

أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً: منكورة بعيدة من العمران. وهو معنى تنكيرها وإبهامها.

و لذلك نصب كالظّروف المبهمة.

يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ: محبّته .

جواب الأمر. والمعنى: يصف لكم وجهه، فيقبل بكلّيّته عليكم، ولا يلتفت عنكم إلى غيركم، ولا ينازعكم في محبّته أحد.

وَ تَكُونُوا:

جزم بالعطف على «يخل». أو نصب بإضمار «أن».

مِنْ بَعْدِهِ: بعد يوسف والفراغ من أمره، أو قتله، أو طرحه.

قَوْماً صالِحِينَ : تائبين إلى اللَّه- تعالى- عمّا جنيتم. أو: صالحين مع أبيكم، يصلح ما بينكم وبينه، بعذر تمهّدونه . أو: صالحين في أمر دنياكم. فإنّه ينتظم لكم بعده، بخلوّ وجه أبيكم.

قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ:

قيل : هو يهوذا، وكان أحسنهم فيه رأيا.

و قيل : روبيل.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : هو لاوي. [عن الهادي- عليه السّلام-] .

لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ، فإنّ القتل عظيم.

وَ أَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ: في قعره. سمّي بها، لغيبوبته عن عين  النّاظر.

و قرأ  نافع : «في غيابات» في الموضعين، على الجمع. كأنّه لتلك الجبّ غيابات.

و قرئ : «غيبة» و«غيابات» بالتّشديد.يَلْتَقِطْهُ: يأخذه.

بَعْضُ السَّيَّارَةِ: بعض الّذين يسيرون في الأرض.

إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ : بمشورتي. أو: إن كنتم على أن تفعلوا ما يفرق بينه وبين أبيه.

قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ: لم تخافنا عليه؟

وَ إِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ : ونحن نشفق عليه، ونريد له الخير.

أرادوا به استنزاله عن رأيه في حفظه، لمّا تنسّم من حسدهم. والمشهور: «تأمنا» بالإدغام بالإشمام .

و عن نافع  بترك الإشمام. ومن الشّواذّ ترك الإدغام، لأنّهما من كلمتين، و«تيمنّا» بكسر التّاء.

أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً إلى الصّحراء.

يَرْتَعْ: نتّسع في أكل الفواكه ونحوها- من الرّتعة، وهي: الخصب- وَنَلْعَبُ بالاستباق والانتضال.

و قرأ  ابن كثير: «نرتع»- بكسر العين- على أنّه من: ارتعى يرتعي.

و نافع  بالكسر والياء فيه وفي «يلعب».

و قرأ  الكوفيون ويعقوب بالياء والسّكون، على إسناد الفعل إلى يوسف.

و قرئ : «يرتع» من: أرتع ماشيته. و«يرتع»- بكسر العين- «و يلعب»- بالرّفع- على الابتداء.

وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ  من أن يناله مكروه.قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ، لشدّة مفارقته عليّ وقلّة صبري عنه.

وَ أَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ:

لأنّ الأرض كانت مذأبة.

و قيل : رأى في المنام أنّ الذّئب قد شدّ على يوسف، فكان يحذره عليه.

و قد همّزها  على الأصل ابن كثير ونافع [في رواية قالون‏] . وفي رواية التّرمذيّ  وأبو عمرو وقفا. [و قالون‏]  وعاصم وابن عامر وحمزة درجا [و وقفا] .

و اشتقاقه من: تذاءبت الرّيح: إذا هبّت من كلّ جهة.

وَ أَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ  لاشتغالكم بالرّتع واللّعب، أو قلّة اهتمامكم بحفظه.

قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ:

اللّام توطئة للقسم. وجوابه:

إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ : ضعفاء مغبونون. أو مستحقّون لأن يدعي عليهم بالخسار .

و الواو في «و نحن» للحال.

و في تفسير العيّاشيّ : عن أبي خديجة ، عن رجل، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: إنّما ابتلي يعقوب بيوسف أنّه  ذبح كبشا سمينا، ورجل من أصحابه [يدعى بقوم‏]  محتاج لم يجد ما يفطر عليه. فأغفله، ولم يطعمه. فابتلي بيوسف. وكان بعد ذلك كلّ صباح مناديه ينادي: من لم يكن صائما، فليشهد غداء يعقوب. فإذا كان المساء، نادى: من كان صائما، فليشهد عشاء يعقوب.

و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: إنّ بني يعقوب لمّا سألوا أباهم يعقوب أن يأذن ليوسف في الخروج معهم،قال لهم: إني أَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ. قال: فقال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: قرّب يعقوب لهم العلّة. فاعتلّوا  بها في يوسف.

و في مجمع البيان : وروي عن النّبي- صلّى اللَّه عليه وآله- أنّه قال: لا تلقّنوا الكذب، فتكذبوا . إنّ بني يعقوب لم يعلموا أنّ الذّئب يأكل الإنسان، حتّى لقّنهم أبوهم.

فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ: وعزموا على إلقائه فيها.

قيل : البئر بئر  بيت المقدّس، أو بئر بأرض الأردنّ، أو بين مصر ومدين، أو على ثلاثة فراسخ من مقام يعقوب.

و جواب «لمّا» محذوف، مثل: فعلوا به ما فعلوا من الأذى.

فقد نقل  أنّهم لمّا برزوا به إلى الصّحراء، أخذوا يؤذونه ويضربونه، حتّى كادوا يقتلونه. فجعل يصيح ويستغيث. فقال يهوذا: أما عاهدتموني أن لا تقتلوه!؟ فأتوا به إلى البئر، فدلّوه فيها. فتعلّق بشفيرها. فربطوا يديه، ونزعوا قميصه ليلطّخوه بالدّم، ويحتالوا به على أبيهم. وقال: يا إخوتاه! ردّوا عليّ قميصي، أتوارى به. فقالوا: ادع الأحد عشر كوكبا والشّمس والقمر يلبسوك ويؤنسوك. فلمّا بلغ نصفها، ألقوه. وكان فيها ماء، فسقط فيه. ثمّ آوى إلى صخرة كانت فيها، فقام عليها يبكي. فجاءه جبرئيل بالوحي.

و في علل الشّرائع : محمّد بن موسى بن المتوكّل- رضي اللَّه عنه- قال: حدّثنا عبد اللَّه بن جعفر الحميريّ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن  بن محبوب، عن مالك بن عطيّة، عن الثّماليّ قال:

صلّيت مع عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- الفجر بالمدينة يوم الجمعة. فلمّا فرغ من صلاته وسبحته، نهض إلى منزله وأنا معه. فدعا مولاة له تسمّى سكينة. فقال لها:لا يعبر على بابي اليوم  سائل، إلّا أطعمتموه. فإنّ اليوم يوم الجمعة.

قلت له: ليس كلّ من يسأل مستحقّا . فقال: يا ثابت، أخاف أن يكون بعض من يسألنا محقّا، فلا نطعمه ونردّه، فينزل بنا أهل البيت ما نزل بيعقوب وآله. أطعموهم! أطعموهم! إنّ يعقوب كان يذبح كلّ يوم كبشا فيتصدّق منه، ويأكل هو وعياله منه. وإنّ سائلا مؤمنا صوّاما محقّا، له عند اللَّه منزلة، وكان مجتازا غريبا، اعترّ  على باب يعقوب عشيّة جمعة، عند  أوان إفطاره. فهتف على بابه [و قال‏] : أطعموا السّائل المجتاز الغريب الجائع من فضل طعامكم! يهتف بذلك على بابه مرارا، وهم يسمعونه. وقد جهلوا حقّه، ولم يصدّقوا قوله.

فلمّا يئس أن يطعموه وغشيه اللّيل، استرجع واستعبر  وبكى ، وشكا جوعه إلى اللَّه- عزّ وجلّ-. وبات  طاويا . وأصبح صائما جائعا حامدا للّه. وبات يعقوب وآل يعقوب شباعا بطانا.

 [فلمّا جاء اللّيلة الثّانية، جاء ووقف يهتف على بابه: أطعموا السّائل المجتاز الغريب الجائع من فضل طعامكم. يهتف بذلك على بابه مرارا، وهم يسمعونه. وقد جهلوا حقّه، ولم يصدّقوا قوله. فلمّا يئس من أن يطعموه، وغشيه اللّيل، استرجع واستعبر وبكى، وشكا جوعه إلى اللَّه- عزّ وجلّ-. وبات طويّا. وأصبح صائما حامدا جائعا صابرا. وأصبح آل يعقوب شباعا بطانا] . وأصبحوا وعندهم فضلة من طعامهم.

قال: فأوحى اللَّه- عزّ وجلّ- إلى يعقوب في صبيحة تلك اللّيلة: لقد أذللت- يا يعقوب!- عبدي ذلّة استجررت  بها غضبي، واستوجبت بها أدبي ونزول عقوبتي وبلواي  عليك وعلى ولدك. يا يعقوب! إنّ أحبّ أنبيائي إليّ، وأكرمهم عليّ، من رحم‏

مساكين عبادي، وقرّبهم إليه، وأطعمهم، وكان لهم  مأوى وملجأ.

يا يعقوب! أما رحمت ذميال  عبدي المجتهد في عبادتي، القانع باليسير من ظاهر الدّنيا عشاء أمس لمّا اعترّ  ببابك أوان إفطاره، وهتف بكم: «أطعموا السّائل الغريب المجتاز القانع»!؟ فلم تطعموه شيئا، فاسترجع واستعبر، وشكا ما به إليّ. وبات  طاويا حامدا لي صابرا . فأصبح صائما، وأنت- يا يعقوب!- وولدك شباعا! وأصبحتم وعندكم فضلة من طعامكم! أو ما علمت- يا يعقوب!- أنّي بالعقوبة والبلوى إلى أوليائي أسرع منّي بها إلى أعدائي!؟ وذلك حسن النّظر منّي لأوليائي، واستدراج منّي لأعدائي.

أما- وعزّتي- لأنزلنّ بك بلائي، ولأجعلنّك وولدك به  غرضا لمصائبي، ولأؤدّبنّك بعقوبتي. فاستعدّوا لبلائي. وارضوا بقضائي. واصبروا للمصائب.

فقلت لعليّ بن الحسين- عليهما السّلام-: جعلت فداك، متى رأى يوسف الرّؤيا؟ فقال: في تلك اللّيلة التي بات فيها يعقوب شبعانا ، وبات فيها ذميال طاويا جائعا.

فلمّا رأى يوسف الرّؤيا، وأصبح فقصّها على أبيه يعقوب، فاغتمّ يعقوب لمّا سمع من يوسف الرّؤيا ، مع ما أوحى اللَّه- عزّ وجلّ- إليه، أن استعدّ  للبلاء. فقال يعقوب ليوسف: لا تقصص  رؤياك هذه على إخوتك فإنّي أخاف أن يكيدوا لك كيدا.

فلم يكتم يوسف رؤياه، وقصّها على إخوته.

قال عليّ بن الحسين- عليه السّلام-: وكانت أوّل بلوى نزلت بيعقوب وآل يعقوب الحسد ليوسف، لمّا سمعوا منه الرّؤيا.

قال: فاشتدّت رقّة يعقوب على يوسف، وخاف أن يكون ما أوحى اللَّه‏- عزّ وجلّ- إليه من الاستعداد للبلاء، إنّما  هو في يوسف خاصّة، فاشتدّت رقّته عليه من بين ولده.

فلمّا رأى إخوة يوسف ما يصنع يعقوب بيوسف، وتكرمته  إيّاه، وإيثاره إيّاه عليهم، اشتدّ ذلك عليهم، وبدأ البلاء فيهم. فتآمروا  فيما بينهم وقالوا: إنّ يوسف وأخاه أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ، أي: تتوبون. فعند ذلك قالوا:

يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ (الآية). فقال يعقوب: إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ.

فانتزعه حذرا عليه من أن تكون البلوى من اللَّه على يعقوب في يوسف خاصّة، لموقعه من قلبه وحبّه له.

قال: فغلبت قدرة اللَّه وقضاؤه ونافذ أمره في يعقوب ويوسف وإخوته، فلم يقدر يعقوب على دفع البلاء عن نفسه، ولا عن يوسف وولده. فدفعه إليهم، وهو لذلك كاره  متوقّع للبلوى من اللَّه في يوسف.

فلمّا خرجوا من منزلهم، لحقهم أبوهم  مسرعا. فانتزعه من أيديهم، فضمّه إليه، واعتنقه وبكى، ودفعه إليهم. فانطلقوا به مسرعين، مخافة أن يأخذه منهم، ولا يدفعه إليهم.

فلمّا مضوا  به، أتوا به غيضة أشجار فقالوا: نذبحه ونلقيه تحت هذه الشّجرة، فيأكله الذّئب اللّيلة. فقال كبيرهم يهوذا : لا تقتلوا يوسف ولكن أَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ.

فانطلقوا به إلى الجبّ. وألقوه فيه، وهم يظّنون أنّه يغرق فيه. فلمّا صار في قعر الجبّ، ناداهم: يا ولد رومين، اقرؤوا يعقوب منّي السّلام. فلمّا سمعوا كلامه، قال بعضهم لبعض: لا تزالوا من ها هنا، حتّى تعلموا أنّه قد مات. فلم يزالوا بحضرته، حتّى‏أيسوا  ورجعوا-

و سيأتي تمام الخبر-.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : فأدنوه  من رأس الجبّ، وقالوا: انزع قميصك.

فبكى وقال: يا إخوتي! لا تجرّدوني. فسلّ واحد منهم عليه السّكّين وقال: لئن لم تنزعه، لأقتلنّك! فنزعه. فدّلوه في البئر  وتنحّوا عنه.

فقال يوسف في الجبّ: يا إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب! ارحم ضعفي وقلّة حيلتي وصغري.

ثمّ قال عليّ بن إبراهيم- ونسب ابن طاوس قوله هذا إلى الصّادق عليه السّلام-:

و رجع إخوته فقالوا: نعمد إلى قميصه، فنلطّخه بالدّم ونقول لأبينا: إنّ الذّئب أكله. فقال لهم أخوهم  لاوي: يا قوم، ألسنا بني يعقوب إسرائيل اللَّه ابن إسحاق ذبيح اللَّه  ابن إبراهيم خليل اللَّه!؟ أ فتظنّون أن اللَّه يكتم هذا الخبر عن أنبيائه!؟

 [فقالوا: وما الحيلة؟ قال: نقوم ونغتسل ونصلّي جماعة، ونتضرّع إلى اللَّه- تعالى- أن يكتم ذلك الخبر عن نبيّه‏]  فإنّه جواد كريم. فقاموا واغتسلوا. وكانوا في سنّة إبراهيم وإسحاق ويعقوب أنّهم لا يصلّون جماعة حتّى يبلغوا أحد عشر [رجلا]  فيكون واحد منهم إماما، وعشرة يصلّون خلفه.

قالوا: وكيف نصنع، وليس لنا إمام؟ فقال لاوي: نجعل اللَّه إمامنا. فصلّوا وتضرّعوا  وبكوا. وقالوا: يا ربّ، أكتم علينا هذا.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن الحسن بن عمّار الدّهّان، عن مسمع، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال:

لمّا طرح إخوة يوسف [يوسف‏]  في الجبّ، أتاه جبرئيل- عليه السّلام-. فدخل‏عليه فقال: يا غلام! ما تصنع ها هنا!؟ فقال: إنّ إخوتي ألقوني في الجبّ. قال: أ فتحبّ أن تخرج منه؟ قال: ذاك إلى اللَّه- عزّ وجلّ-. إن شاء، أخرجني.

قال: فقال له: إنّ اللَّه يقول لك: ادعني بهذا الدّعاء، حتّى أخرجك من الجبّ.

فقال له: وما الدّعاء؟ قال: قل: «اللّهمّ، إنّي أسألك بأنّ لك الحمد، لا إله إلّا أنت المنّان بديع السّموات والأرض، ذو الجلال والإكرام، أن تصلّي على محمّد وآل محمّد، وأن تجعل لي ممّا أنا فيه فرجا ومخرجا».

قال: ثمّ كان من قصّته ما ذكر اللَّه في كتابه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم  نحوه سندا ومتنا. وزاد بعد قوله: «و مخرجا»:

 «و ارزقني من حيث أحتسب ومن حيث لا أحتسب». فدعا ربّه. فجعل له من الجبّ فرجا، ومن كيد المرأة مخرجا. وآتاه ملك مصر، من حيث لا يحتسب.

و في أمالي شيخ الطّائفة ، بإسناده إلى أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللَّه الصّادق- عليه السّلام-: ما كان دعاء يوسف- عليه السّلام- في الجبّ؟ فإنّا قد اختلفنا فيه.

فقال: إنّ يوسف- عليه السّلام- لمّا صار في الجبّ، وأيس من الحياة، قال:

 «اللّهمّ إن كانت الخطايا والذّنوب قد أخلقت وجهي عندك، فلن ترفع لي إليك صوتا، ولن تستجيب لي دعوة، فإنّي أسألك بحقّ الشّيخ يعقوب. فارحم ضعفه. واجمع بيني وبينه. فقد علمت رقّته عليّ، وشوقي إليه».

وَ أَوْحَيْنا إِلَيْهِ:

أوحي إليه في صغره، كما أوحي إلى يحيى وعيسى- عليهما السّلام-.

لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا: لتحدثنّهم بما فعلوا بك.

وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ : أنّك يوسف ، لعلوّ شأنك، وبعده عن أوهامهم، وطول العهد المغيّر للحلي والهيئات.

و ذلك إشارة إلى ما قال لهم بمصر، حين دخلوا عليه ممتارين، فعرفهم، وهم له منكرون. بشّره بما يؤول إليه أمره، إيناسا له، وتطييبا لقلبه.

و قيل : وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ متّصل ب «أوحينا». أي: آنسناه بالوحي، وهم لايشعرون ذلك.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ: يقول: لا يشعرون أنّك أنت يوسف. أتاه جبرئيل، فأخبره بذلك.

و في علل الشّرائع  وفي تفسير العيّاشيّ ، عن السّجّاد- عليه السّلام- أنّه سئل:

ابن كم كان يوسف يوم ألقوه في الجبّ؟ قال: كان ابن تسع  سنين.

و في تفسير العيّاشيّ : عن زيد الشّحّام، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قوله:

لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ قال: كان ابن سبع سنين.

وَ جاؤُ أَباهُمْ عِشاءً: آخر النّهار.

و قرئ : «عشيّا» وهو تصغير عشي. و«عشي»- بالضّمّ والقصر- جمع أعشى.

أي: عشوا من البكاء.

يَبْكُونَ : متباكين.

نقل أنّه لمّا سمع بكاءهم، فزع وقال: ما لكم يا بنيّ؟ وأين يوسف؟

قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ: نتسابق في العدو أو الرّمي.

و قد يشترك الافتعال والتّفاعل، كالانتضال والتّناضل.

وَ تَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا: بمصدّق لنا.

وَ لَوْ كُنَّا صادِقِينَ  لسوء ظنّك بنا وفرط محبّتك ليوسف.

وَ جاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ، أي: ذي كذب، بمعنى: مكذوب فيه.

و يجوز أن يكون وصفا بالمصدر للمبالغة.

و قرئ  بالنّصب، على الحال من الواو. أي: جاؤوا كاذبين. و«كدب»- بالدّال غير المعجمة- أي: كدر أو طريّ. وقيل: أصله البياض الخارج على أظفار الأحداث، فشبّه به الدّم اللّاصق على القميص.و عَلى قَمِيصِهِ في موضع النّصب، على الظّرف، أي: فوق قميصه. أو على الحال من الدّم، إن جوزّ تقديمها على المجرور.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ: قال: إنّهم ذبحوا جديا على قميصه.

و في تفسير العيّاشيّ : عن أبي جميل ، عن رجل، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: لمّا أوتي بقميص يوسف إلى يعقوب، فقال: اللّهمّ، لقد كان ذئبا رقيقا حين لم يشقّ القميص! قال: وكان به نضح من دم.

و فيه : قال: ما كان أشدّ غضب ذلك الذّئب على يوسف، وأشفقه  على قميصه، حيث أكل يوسف، ولم يمزّق قميصه!

و في مجمع البيان : وروي أنّه ألقى ثوبه على وجهه وقال: يا يوسف، لقد أكلك ذئب رحيم! أكل لحمك، ولم يشقّ قميصك!

و في كتاب الخصال ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: كان في قميص يوسف ثلاث آيات في قوله: جاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ، وقوله : إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ، وقوله - تعالى-: اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا.

قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً، أي: سهّلت لكم، وهوّنت في أعينكم أمرا عظيما. من السّول، وهو: الاسترخاء.

فَصَبْرٌ جَمِيلٌ، أي: فأمري صبر جميل. أو: فصبر جميل أجمل.

و في الحديث النّبويّ : الصّبر الجميل الّذي لا شكوى فيه إلى الخلق. ورواه ابن عقدة عن الصّادق- عليه السّلام- والعيّاشيّ عن الباقر- عليه السّلام-.

وَ اللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ : على احتمال ما تصفونه من هلاك‏يوسف.

في كتاب علل الشّرائع  وفي تفسير العيّاشيّ  عن السّجاد- عليه السّلام- أنّه لمّا سمع مقالتهم، استرجع واستعبر، وذكر ما أوحى اللَّه إليه من الاستعداد للبلاء. [فصبر]  وأذعن للبلاء . [يعني بسبب غفلته عن إطعامه الجار الجائع.]  فقال لهم: بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً. وما كان اللَّه ليطعم لحم يوسف الذّئب من قبل أن أرأى  تأويل رؤياه الصّادقة.

وَ جاءَتْ سَيَّارَةٌ: رفقة.

قيل : يسيرون من مدين إلى مصر. فنزلوا قريبا من الجبّ. وكان ذلك بعد ثلاث أيّام من إلقائه فيه.

فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ: الّذي يرد الماء ويستقي لهم.

قيل : وكان مالك بن ذعر الخزاعيّ.

فَأَدْلى دَلْوَهُ: فأرسلها في الجبّ ليملأها، فتدلّى  بها يوسف. فلمّا رآه قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ: نادى البشرى، بشارة لنفسه، أو لقومه، كأنّه قال: تعالي، فهذا أوانك.

و قيل . هو اسم صاحب له، ناداه ليعينه على إخراجه.

و قرأ  غير الكوفيّين: «يا بشراي» بالإضافة. وأمال فتحة الرّاء حمزة والكسائي.

و قرأ  ورش بين اللّفظين.

و قرئ : «يا بشرى» بالإدغام- وهو لغة- و«بشراي»- بالسّكون- على قصد الوقف.

وَ أَسَرُّوهُ:قيل : أي الوارد وأصحابه من سائر الرّفقة.

و قيل : أخفوا أمره وقالوا لهم: دفعه أهل الماء إلينا، لنبيعه لهم بمصر.

و الظّاهر أنّ الضّمير لإخوة يوسف. وذلك أنّ يهوذا كان يأتيه كلّ يوم بالطّعام.

فأتاه يومئذ، فلم يجده فيها. فأخبر إخوته. فأتوا الرّفقة، وقالوا: هذا غلامنا أبق  منّا.

فاشتروه. وسكت يوسف مخافة أن يقتلوه.

بِضاعَةً:

نصب على الحال. أي: أخفوه متاعا للتّجارة. واشتقاقه من البضع، فإنّه ما يبضع من المال للتّجارة.

وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ ، لم يخف عليه أسرارهم، أو صنيع إخوة يوسف بأبيهم وأخيهم.

وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍ: وباعوه. وفي مرجع الضّمير الوجهان. أو: اشتروه من إخوته.

بَخْسٍ: مبخوس، لزيفه أو نقصانه.

دَراهِمَ:

بدل من الثّمن.

مَعْدُودَةٍ: قليلة.

فإنّهم كانوا يزنون ما بلغ الأوقيّة، ويعدّون ما دونها. وكان عشرين درهما.

و في عيون الأخبار ، في باب ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- في خبر الشّاميّ، وما سأل عنه أمير المؤمنين- عليه السّلام- في جامع الكوفة، حديث طويل. وفيه: وسأله  عن أوّل من وضع سكتة الدّنانير والدّراهم. فقال: نمرود بن كنعان.

و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن محمّد، بإسناده رفعه قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام- لبعض أصحابه- وقد سأله عن مسائل-:

و إنّما سمّي الدّرهم درهما، لأنّه دار همّ. من جمعه، ولم ينفقه في طاعة اللَّه، أورثه النّار.

وَ كانُوا فِيهِ: في يوسف.

مِنَ الزَّاهِدِينَ  من الرّاغبين عنه.

و الضّمير في «و كانوا» إن كان للإخوة، فظاهر، وإن كان للرّفقة- وكانوا بائعين- فزهدهم فيه لأنّهم التقطوه، والملتقط للشّي‏ء متهاون به، خائف عن حال انتزاعه، مستعجل في بيعه. وإن كانوا مبتاعين، فلأنّهم اعتقدوا أنّه آبق.

و «فيه» متعلّق ب «الزّاهدين»، إن جعل اللّام للتّعريف. وإن جعل بمعنى «الّذي»، فهو متعلّق بمحذوف يبيّنه «الزّاهدين». لأنّ متعلّق الصّلة لا يتقدّم على الموصول.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : أخبرنا أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن الرّضا- عليه السّلام- في قول اللَّه- عزّ وجلّ-:

وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ قال:

كانت عشرين درهما. والبخس النّقص. وهي قيمة كلب الصّيد إذا قتل كان قيمته عشرين درهما.

و في مجمع البيان : وكانت الدّراهم عشرين درهما. وهو المرويّ عن عليّ بن الحسين- عليه السّلام-. قال: وكانوا عشرة اقتسموها درهمين درهمين.

و في كتاب الخصال ، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في سؤال بعض اليهود عليّا- عليه السّلام- عن الواحد إلى المائة: فما العشرون؟ قال: بيع يوسف بعشرين درهما.

و في تفسير العيّاشيّ : عن الحسن، عن رجل، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قوله: وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ قال: كانت عشرين درهما.

عن ابن حصين  عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللَّه: وَشَرَوْهُ- إلى قوله:- مَعْدُودَةٍ قال: كانت الدّراهم ثمانية عشر درهما.

و بهذا الإسناد ، عن الرّضا- عليه السّلام- قال: كانت الدّراهم عشرين درهما.و هي قيمة كلب الصّيد إذا قتل. والبخس النّقص.

و يمكن الجمع بين الأخبار بأنّ الثّمن الّذي باعوه به، هو العشرون، واستحطّوا درهمين منه، بعد العقد على عشرين.

و في كتاب علل الشّرائع» وفي الحديث السّابق عن عليّ بن الحسين- عليه السّلام-.

 

انّهم لمّا أصبحوا قالوا: انطلقوا بنا، حتّى ننظر ما حال يوسف، أمات، أم هو حيّ. فلمّا انتهوا إلى الجبّ، وجدوا بحضرة الجبّ سيّارة، وقد أرسلوا واردهم وأدلى دلوه. فلمّا جذب دلوه، فإذا هو بغلام متعلّق بدلوه. فقال لأصحابه: يا بشرى! هذا غلام! فلمّا أخرجوه، أقبل إليهم إخوة يوسف، فقالوا: هذا عبدنا سقط [منّا]  أمس في هذا الجبّ، وجئنا اليوم لنخرجه. فانتزعوه من أيديهم. وتنّحوا به ناحية فقالوا: إمّا أن تقرّ لنا أنّك عبدنا، فنبيعك [على‏]  بعض هذه السّيّارة، أو نقتلك! فقال لهم يوسف: لا تقتلوني، واصنعوا ما شئتم.

فأقبلوا به إلى السّيّارة، فقالوا: أمنكم من يشتري منّا هذا العبد؟ فاشتراه رجل منهم بعشرين درهما. وكان إخوته فيه من الزّاهدين.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : فحملوا يوسف إلى مصر، وباعوه من عزيز مصر.

و في علل الشّرائع ، عن عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- أنّه سئل: كم كان بين منزل يعقوب يومئذ وبين مصر؟ فقال: مسيرة اثني عشر يوما.

و في الكافي  وكمال الدّين ، عن الصّادق- عليه السّلام- في حديث يذكر فيه يوسف- عليه السّلام-: وكان بينه وبين والده ثمانية عشر يوما. قال: ولقد سار يعقوب وولده عند البشارة مسيرة  تسعة أيّام من بدوهم  إلى مصر.

و لعلّ الاختلاف في الخبرين باعتبار اختلاف سير السّيّارة. فإنّ بعضهم كان‏يسير اثني عشر يوما- كالرّاكبين على الفرس- وبعضهم ثمانية عشر، كالسّائرين على الإبل.