سورة هود الآية 21-40

أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ‏: باشتراء عبادة الآلهة بعبادة اللَّه.

وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ‏

 : من الآلهة وشفاعتها. أو خسروا بما بدّلوا وضاع عنهم ما حصلوا، فلم يبق لهم سوى الحسرة والنّدامة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : بطل الّذين دعوا غير أمير المؤمنين.

لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ : لا أحد أبين وأكثر خسرانا منهم.

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ: اطمأنّوا إليه وخشعوا له. من الخبت: وهي الأرض المطمئنّة.

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد بن عيسى، عن الحسين بن المختار، عن زيد الشّحّام، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: قلت له: إنّ عندنا رجلا يقال له: كليب، فلا يجي‏ء عنكم شي‏ء إلّا قال:

أنا أسلّم. فسمّيناه: كليب تسليم.

قال: فترحّم عليه.ثمّ قال: أ تدرون ما التّسليم؟

فسكتنا.

فقال: هو، واللَّه، الإخبات. قال اللَّه- عزّ وجلّ-: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ.

أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ : دائمون.

مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ: الكافر والمؤمن.

كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ.

يجوز أن يراد به: تشبيه الكافر بالأعمى، لتعاميه عن آيات اللَّه. وبالأصمّ، لتصامّه عن استماع كلام اللَّه وتأبّيه عن تدبّر معانيه. وتشبيه المؤمن بالسّميع والبصير، لأنّ أمره بالضّدّ. فيكون كلّ واحد منهما مشبّها باثنين باعتبار وصفين. أو تشبيه الكافر بالجامع بين العمى والصّمم، والمؤمن بالجامع بين ضدّيهما. والعاطف لعطف الصّفة على الصّفة، كقوله:

         الصّابح فالغانم فالآيب‏

 

 وهذا من باب اللّفّ والطّباق.

هَلْ يَسْتَوِيانِ: هل يستوي الفريقان.

مَثَلًا: تمثيلا، أو صفة، أو حالا.

أَ فَلا تَذَكَّرُونَ : بضرب الأمثال والتّأمّل فيها.

وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ: بأنّي لكم.

و قرأ  عاصم وابن عامر وحمزة، بالكسر، على إرادة القول.

نَذِيرٌ مُبِينٌ : أبيّن لكم موجبات العذاب ووجه الخلاص.

و في روضة الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ اللَّه- تبارك وتعالى- عهد إلى آدم- وذكر حديثا طويلا-، يذكر فيه وصيّة آدم إلى هبة اللَّه وأشياء كثيرة. وفيه: وبشّر آدم بنوح- عليه السّلام-. فقال: إنّ اللَّه- تبارك وتعالى- باعث‏نبيّا، اسمه نوح. وإنّه يدعو إلى اللَّه- عزّ وجلّ- ويكذّبه قومه، فيهلكهم اللَّه بالطّوفان.

و كان بين آدم وبين نوح- عليه السّلام- عشرة آباء، أنبياء وأوصياء كلّهم. وأوصى آدم إلى هبة اللَّه: أنّ من أدركه منكم فليؤمن به وليتّبعه وليصدّق به، فإنّه ينجو من الغرق.

إلى أن قال: فلبث هبة اللَّه والعقب منه مستخفين  بما عندهم من العلم والإيمان والاسم الأكبر وميراث النّبوّة وآثار علم النّبوّة، حتّى بعث اللَّه نوحا- عليه السّلام-.

و ظهرت وصيّة هبة اللَّه حين نظروا في وصيّة، آدم، فوجدوا نوحا نبيّا قد بشّر به آدم- عليه السّلام-. فآمنوا به واتّبعوه وصدّقوه. وقد كان آدم- عليه السّلام- وصّى هبة اللَّه أن يتعاهد هذه الوصيّة عند رأس كلّ سنة، فيكون يوم عيدهم، ويتعاهدون نوحا وزمانه الّذي يخرج فيه. وكذلك جاء في وصيّة كلّ نبيّ، حتّى بعث اللَّه محمّدا- صلّى اللَّه عليه وآله-.

و إنّما عرفوا نوحا بالعلم الّذي عندهم، وهو قول اللَّه- عزّ وجلّ-: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ (إلى آخر الآية).

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وروي في الخبر، أنّ اسم نوح- عليه السّلام- عبد الغفّار. وإنّما سمّي نوحا، لأنّه كان ينوح على نفسه.

أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ: بدل من «إنّي لكم». أو مفعول «مبين».

و يجوز أن يكون «أن» مفسّرة متعلّقة «بأرسلنا»، أو «بنذير».

و في تفسير العيّاشيّ : عن إسماعيل الجعفيّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال:

كانت شريعة نوح- عليه السّلام- أن يعبد اللَّه بالتّوحيد والإخلاص وخلع الأنداد، وهي الفطرة الّتي فطر النّاس عليها. وأخذ ميثاقه على نوح والنّبيّين أن يعبدوا  اللَّه، ولا يشركوا  به شيئا. وأمره بالصّلاة والأمر والنّهي والحرام والحلال، ولم يفرض عليه أحكام حدود ولا فرض مواريث. فهذه شريعته.

و في روضة الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبان بن عثمان، عن إسماعيل الجعفيّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام-، نحوه. إلّا أنّ فيها: والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صريحا.إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ : مؤلم. وهو في الحقيقة صفا المعذّب، لكن يوصف به العذاب وزمانه على طريقة: جدّ جدّه، ونهاره صائم للمبالغة.

فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا: لا مزيّة لك علينا تخصّك بالنّبوّة ووجوب الطّاعة.

وَ ما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا: أخسّاؤنا.

جمع، أرذل، كأنّه بالغلبة صار مثل الاسم، كالأكبر. أو أرذل، جمع، رذل.

بادِيَ الرَّأْيِ: ظاهر الرّأي من غير تعمّق، من البدوّ. أو أوّل الرّأي، من البدء. والياء مبدّلة من الهمزة، لانكسار ما قبلها.

و قرأ  أبو عمرو، بالهمزة. وانتصابه بالظّرف على حذف المضاف، أي: وقت حدوث بادي الرّأي. والعامل فيه «اتّبعك». وإنّما استرذلوهم لذلك، أو لفقرهم. فإنّهم لمّا لم يعلموا إلّا ظاهرا من الحياة الدّنيا، كأنّ الأحظّ بها أشرف عندهم، والمحروم منها أرذل.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم ، يعني: الفقراء والمساكين.

وَ ما نَرى لَكُمْ: لك ولمتّبعيك.

عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ: يؤهّلكم للنّبوّة، واستحقاق المتابعة.

بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ : إيّاك في دعوى النّبوّة، وإيّاهم في دعوى العلم بصدقك. فغلّب المخاطب على الغائبين.

قالَ يا قَوْمِ أَ رَأَيْتُمْ: أخبروني.

إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي: حجّة شاهدة بصحّة دعواي.

وَ آتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ: بإيتاء البيّنة، أو النّبوّة.

فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ: فخفيت عليكم، فلم تهدكم.

و توحيد الضّمير، لأنّ البيّنة في نفسها هي الرّحمة. أو لأنّ خفاءها يوجب خفاء النّبوّة. أو على تقدير: فعمّيت بعد البيّنة، وحذفها للاختصار. أو لأنّه لكلّ واحدة منهما.و قرأ  حمزة والكسائيّ وحفص: «فعميت»، أي: أخفيت.

و قرئ : «فعماها». على أنّ الفعل للّه.

أَ نُلْزِمُكُمُوها: أ نكرهكم على الاهتداء بها.

وَ أَنْتُمْ لَها كارِهُونَ : لا تختارونها ولا تتأمّلون فيها. وحيث اجتمع ضميران، وليس أحدهما مرفوعا وقدّم الأعرف منهما، جاز في الثّاني الفصل والوصل.

وَ يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ: على التّبليغ. وهو وإن لم يذكر، فمعلوم من ما ذكر.

مالًا: جعلا.

إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ: فإنّه المأمول منه.

وَ ما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا: جواب لهم حين سألوا طردهم.

إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ: فيخاصمون طاردهم عنده. أو إنّهم يلاقونه ويفوزون بقربه، فكيف أطردهم.

وَ لكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ : بلقاء ربّكم. أو بأقداركم. أو في التماس طردهم. أو تتسفّهون عليهم، بأن تدعوهم أراذل.

وَ يا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ: بدفع انتقامه.

إِنْ طَرَدْتُهُمْ: وهم بتلك الصّفة والمثابة.

أَ فَلا تَذَكَّرُونَ : لتعرفوا أنّ التماس طردهم وتوقيف الإيمان عليه ليس بصواب.

وَ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ: خزائن رزقه وأمواله حتّى جحدتم فضلي.

وَ لا أَعْلَمُ الْغَيْبَ: عطف على عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ، أي: ولا أقول أنا أعلم الغيب حتّى تكذّبوني، استبعادا. أو حتّى أعلم أنّ هؤلاء اتّبعوني بادي الرّأي من غير بصيرة وعقد قلب.

و على الثّاني يجوز عطفه على «أقول».

وَ لا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ: حتّى تقولوا: ما أنت إلّا بشر مثلنا.

وَ لا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ: ولا أقول في شأن من استرذلتموهم لفقرهم.

لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً: فإنّ ما أعدّه اللَّه لهم في الآخرة خير ممّا آتاكم في الدّنيا.

اللَّهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ : إن قلت شيئا من ذلك.

و «الازدراء» افتعال. من زري عليه: إذا عابه. قلبت تاؤه دالا، لتجانس الرّاء في الجهر.

و إسناده إلى الأعين للمبالغة، والتّنبيه على أنّهم استرذلوهم بادي الرّؤية من غير رؤية، وبما عاينوه من رثاثة حالهم وقلّة منالهم دون تأمّل في معانيهم وكمالاتهم.

قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا: خاصمتنا.

فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا: فأطلته، أو أتيت بأنواعه.

فَأْتِنا بِما تَعِدُنا: من العذاب.

إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ : في الدّعوى والوعيد. فإنّ مناظرتك لا تؤثّر فينا.

قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شاءَ: عاجلا أو آجلا.

وَ ما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ : بدفع العذاب، أو الهرب منه.

وَ لا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ: شرط ودليل جواب قوله:

إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ.

و تقدير الكلام: إن كان اللَّه يريد أن يغويكم، فإن أردت أن أنصح لكم لا ينفعكم نصحي.

و قيل : «أن يغويكم» أن يهلككم. من غوي الفصيل: إذا [بشم  ف‏]  هلك.

و في قرب الاسناد  للحميريّ: أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- قال: وقال نوح: وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي- إلى قوله- يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ.قال: الأمر إلى اللَّه، يهدي ويضلّ .

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليمانيّ، عن أبي الطّفيل، عن أبي جعفر، عن أبيه، عليّ بن الحسين- عليهم السّلام- أنّه قال، وقد ذكر عبد اللَّه بن عبّاس: وأمّا قوله: وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي (الآية) نزلت في أبيه.

و في تفسير العيّاشيّ ، نحوه. إلّا أنّ فيه بدل «أبيه» «العبّاس» صريحا.

 

هُوَ رَبُّكُمْ: خالقكم، والمتصرّف فيكم وفق إرادته.

وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ : فيجازيكم على أعمالكم.

أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي: وباله.

و قرئ : «أجرامي» على الجمع.

وَ أَنَا بَرِي‏ءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ : من إجرامكم في إسناد الافتراء إليّ.

وَ أُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ:

فلا تحزن حزن بائس مستكين.

بِما كانُوا يَفْعَلُونَ : أقنطه اللَّه من إيمانهم، ونهاه أن يغتمّ بما فعلوه من التّكذيب والإيذاء.

و في روضة الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبان بن عثمان، عن إسماعيل الجعفيّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام-: إنّ نوحا لبث في قومه ألف سنة إلّا خمسين عاما يدعوهم سرّا وعلانية. فلمّا أبوا وعتوا، قال: يا ربّ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ  فأوحى اللَّه- عزّ وجلّ- إليه: أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ- إلى قوله- بِما كانُوا يَفْعَلُونَ. فلذلك قال نوح- على نبيّنا وآله وعليه السّلام-: وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً . فأوحى اللَّه- عزّ وجلّ- إليه: أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ

 

و الحديث طويل أخذت منه‏موضع الحاجة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثنا أحمد بن محمّد بن موسى قال: حدّثنا محمد بن حمّاد، عن عليّ بن إسماعيل التّيميّ، عن فضل رسان ، عن صالح بن ميثم قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام-: ما كان علم نوح حين دعا إلى  قومه أنّهم لا يَلِدُوا  إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً.

فقال: أما سمعت قول اللَّه لنوح: أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ.

و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى حنان بن سدير: عن أبيه قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام-: أ رأيت نوحا حين دعا على قومه فقال: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً، إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً.

قال- عليه السّلام-: علم أنّه لا ينجب من بينهم أحد.

قال: قلت: وكيف علم ذلك؟

قال: أوحى اللَّه إليه: أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ  مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ. فعند ذلك دعا عليهم بهذا الدّعاء.

وَ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا: ملتبسا بأعيننا. عبّر بكثرة العين، الّذي يحفظ به الشّي‏ء ويراعى عن الاختلال والزّيغ، عن المبالغة في الحفظ والرّعاية على طريقة التّمثيل.

وَ وَحْيِنا: إليك كيف تصنعها.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن ابن سنان، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: بقي نوح في قومه ثلاثمائة سنة يدعوهم إلى اللَّه- عزّ وجلّ- فلم يجيبوه. فهمّ أن يدعو عليهم، فوافاه عند طلوع الشّمس اثنا عشر ألف قبيل من قبائل ملائكة السّماء الدّنيا، وهم العظماء من الملائكة.

فقال لهم نوح: ما أنتم؟فقالوا: نحن اثنا عشر ألف قبيل من قبائل ملائكة السّماء الدّنيا. وأنّ غلظ مسيرة سماء الدّنيا خمسمائة عام، ومن سماء الدّنيا إلى الدّنيا مسيرة خمسمائة عام. وخرجنا عند طلوع الشّمس، ووافيناك في هذا الوقت، فنسألك أن لا تدعو على قومك.

فقال نوح- عليه السّلام-: قد أجّلتهم ثلاثمائة سنة.

فلمّا أتى عليهم ستّمائة سنة ولم يؤمنوا، هم أن يدعو عليهم. فوافاه اثنا عشر ألف قبيلة من قبائل ملائكة السّماء الثّانية.

 [فقال نوح: من أنتم؟

قالوا: نحن اثنا عشر ألف قبيل من قبائل ملائكة السماء الثانية]  وأنّ غلظ السماء الثّانية مسيرة خمسمائة عام، ومن السّماء الثّانية إلى السّماء الدّنيا مسيرة خمسمائة عام، وغلظ السّماء الدّنيا مسيرة خمسمائة عام، ومن السّماء الدّنيا إلى الدّنيا مسيرة خمسمائة عام. خرجنا عند طلوع الشّمس ووافيناك ضحوة، نسألك أن لا تدعو على قومك.

فقال نوح- عليه السّلام-: قد أجّلتهم ثلاثمائة سنة.

فلمّا أتى عليهم تسعمائة سنة ولم يؤمنوا ، هم أن يدعو عليهم. فأنزل اللَّه- عزّ وجلّ-: أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ.

فقال نوح: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً، إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً.

فأمره اللَّه- تعالى- أن يغرس النّخل، [فأقبل يغرس النّخل‏] . فكان قومه يمرّون به ويسخرون منه ويستهزئون به، ويقولون: شيخ قد أتى له تسعمائة سنة يغرس النّخل.

و كانوا يرمونه بالحجارة. فلمّا أتى لذلك خمسون سنة وبلغ النّخل واستحكم، أمر بقطعه.

فسخروا منه، وقالوا: بلغ النّخل مبلغه. وهو قوله- عزّ وجلّ-: وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ، فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ.

فأمره اللَّه أن يتّخذ  السّفينة، وأمر جبرئيل- عليه السّلام- أن ينزل عليه ويعلمه كيف يتّخذها. فقدّر طولها في الأرض ألفا ومائتي ذراع، وعرضها ثمانمائة ذراع، وطولها في السّماء ثمانون ذراعا.فقال: يا ربّ، من يعينني على اتّخاذها؟

فأوحى اللَّه- عزّ وجلّ- إليه: ناد في قومك: من أعانني عليها وينجر منها شيئا، فصار ما ينجره ذهبا وفضّة.

فنادى نوح- عليه السّلام- فيهم بذلك، فأعانوه عليها. وكانوا يسخرون منه، ويقولون: يتّخذ  سفينة في البرّ.

و في روضة الكافي : عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في تقدير السّفينة، مثله.

 

و أمّا

ما روي في عيون الأخبار ، في باب ما جاء من خبر الشّاميّ: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل. وفيه: سأله عن سفينة نوح: ما كان عرضها وطولها؟

فقال: «كان طولها ثمانمائة ذراع، وعرضها خمسمائة ذراع، وارتفاعها في السّماء ثمانين ذراعا».

فمخالف لما مضى من وجهين: أحدهما، أنّ فيما سبق أنّ عرضها كان ثمانمائة، وفي هذا الخبر طولها. والثّاني، أنّ فيما مضى أنّ طولها ألف ومائتي ذراع، وفي هذا الخبر ثمانمائة. فلعلّه وهم الرّاوي وأبدل العرض بالطّول، وألفا ومائتي ذراع بخمسمائة ذراع.

و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة ، بإسناده إلى أيّوب بن راشد: عن رجل، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: كان أعمار قوم نوح- عليه السّلام- ثلاثمائة سنة، [ثلاثمائة سنة] .

و بإسناده إلى سدير الصّيرفيّ : عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- حديث طويل.

 

و فيه يقول- عليه السّلام-: وأمّا إبطاء نوح- عليه السّلام- فإنّه لمّا استنزل العقوبة على قومه من السّماء، بعث اللَّه- تبارك وتعالى- جبرئيل، الرّوح الأمين معه سبع  نوايات.

فقال: يا نبيّ اللَّه، إنّ اللَّه- تبارك وتعالى- يقول لك: إنّ هؤلاء خلائقي وعبادي، لست أبيدهم بصاعقة من صواعقي إلّا بعد تأكيد الدّعوة وإلزام الحجّة. فعاود اجتهادك في‏الدّعوة لقومك، فإنّي مثيبك عليه. واغرس هذه النّوى، فإنّ لك في نباتها وبلوغها وإدراكها إذا أثمرت الفرج والخلاص. فبشّر بذلك من اتّبعك من المؤمنين.

فلمّا نبتت الأشجار وتأزّرت  وتسوّقت وأغصنت  وأثمرت وزها التّمر عليها  بعد زمان طويل، أستنجز من اللَّه العدة. فأمره اللَّه- تبارك وتعالى- أن يغرس من نوى تلك الأشجار، ويعاود الصّبر والاجتهاد ويؤكّد الحجّة على قومه. فأخبر بذلك الطّوائف الّتي آمنت به، فارتدّ منهم ثلاثمائة رجل وقالوا: لو كان ما يدّعيه نوح حقّا لما وقع في وعد ربّه خلف.

ثمّ أنّ اللَّه- تبارك وتعالى- لم يزل يأمره عند كلّ مرّة بأن يغرسها مرّة بعد أخرى، إلى أن غرسها سبع مرّات، فما زالت تلك الطّوائف من المؤمنين ترتدّ منهم طائفة بعد طائفة، إلى أن عاد إلى نيف وسبعين رجلا.

فأوحى اللَّه- تبارك وتعالى- إليه عند ذلك، وقال: يا نوح، الآن أسفر الصّبح عن اللّيل لعينك، حين صرح الحقّ عن محضه وصفا [الامر والايمان‏]  من الكدر بارتداد كلّ من كانت طينته خبيثة. فلو أنّي أهلكت الكفّار وأبقيت من قد ارتد من الطّوائف الّتي كانت آمنت بك، لما كنت صدّقت وعدي السّابق للمؤمنين الّذين أخلصوا التّوحيد من قومك واعتصموا بحبل نبوّتك، بأن أستخلفهم في الأرض وأمكّن لهم دينهم وأبدّل  خوفهم بالأمن، لكي تخلص العبادة لي بذهاب الشّرك  من قلوبهم. وكيف يكون الاستخلاف والتّمكين وبدل [الخوف ب‏]  الأمن منّي لهم، مع ما كنت أعلم من ضعف يقين الّذين ارتدّوا وخبث طينتهم وسوء سرائرهم الّتي كانت نتائج النّفاق وسنوخ  الضّلالة.

فلو أنّهم تنسّموا من الملك الّذي أوتي المؤمنين وقت الاستخلاف إذا أهلكت أعداءهم،لنشقوا  روائح صفاته ولاستحكمت  سرائر نفاقهم وثارت خبال  ضلالة قلوبهم ولكاشفوا إخوانهم بالعداوة وحار بوهم على طلب الرّئاسة والتّفرّد بالأمر والنّهي. وكيف يكون التّمكين في الدّين وانتشار الأمر في المؤمنين مع إثارة الفتن وإيقاع الحروب، كلّا ف اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا.

و في مجمع البيان : عن المفضّل بن عمر، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- حديث طويل. يقول فيه- عليه السّلام-: فإنّ نوحا لبث في قومه ألف سنة إلّا خمسين عاما يدعوهم إلى الهدى، فيمرّون به ويسخرون منه. فلمّا رأى ذلك منهم، دعا عليهم.

فقال: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً- إلى قوله- إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً.

قال: فأوحى اللَّه إليه: يا نوح، أن اصْنَعِ الْفُلْكَ وأوسعها وعجّل عملها بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا. فعمل نوح سفينته  في مسجد الكوفة بيده، يأتي بالخشب من بعد حتّى فرغ منها.

و في روضة الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن هشام الخراسانيّ، عن المفضّل بن عمر قال: قلت لأبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: جعلت فداك، في كم عمل نوح- عليه السّلام- سفينته حتّى فرغ منها؟

قال: في دورين.

قلت: وكم الدّور؟

قال: ثمانين سنة.

قلت: إنّ العامّة يقولون: عملها في خمسمائة عام.

فقال: كلا، كيف كان  واللَّه يقول: وَوَحْيِنا.

و في الكافي  والعيّاشيّ : عن الصّادق- عليه السّلام-: وكان منزل  نوح وقومه‏في قرية على منزل من الفرات، ممّا يلي غربي الكوفة. وكان نوح رجلا نجّارا، فجعله اللَّه نبيّا وانتجبه. ونوح أوّل من عمل سفينة تجري على ظهر الماء.

قال: ولبث نوح في قومه ألف سنة إلّا خمسين عاما يدعوهم إلى الهدى، فيمرّون  به ويسخرون منه. فلمّا رأى ذلك منهم، دعا عليهم.

فقال: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً.

فأوحى اللَّه إليه: يا نوح اصْنَعِ الْفُلْكَ  وأوسعها وعجّل عملها بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا .

فعمل نوح سفينة في مسجد الكوفة بيده، فأتي بالخشب من بعد حتّى فرغ منها.

سئل: في كم عمل نوح سفينته حتّى فرغ منها؟

قال: في دورين.

قيل: وكم الدّور؟

قال: ثمانون سنة.

قيل: فإنّ العامّة يقولون: عملها في خمسمائة عام.

فقال: كلا، كيف واللَّه يقول: وَوَحْيِنا.

قيل : آخر الحديث يحتمل معنيين: أحدهما، أنّ ما يكون بأمر اللَّه وتعليمه كيف يطول زمانه إلى هذه المدّة!؟ والثّاني، أن يكون- عليه السّلام- قد فسّر الوحي هنا بالسّرعة والعجلة، فإنّه جاء بهذا المعنى. يقال: الوحا الوحا ممدودا ومقصورا، يعني: البدار البدار .

وَ لا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا: ولا تراجعني فيهم، ولا تدعني باستدفاع العذاب عنهم.

إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ : محكوم عليه بالإغراق، فلا سبيل إلى كفّه.وَ يَصْنَعُ الْفُلْكَ: حكاية حال ماضية.

وَ كُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ: استهزؤوا به لعمله السّفينة.

قيل : كان يعملها في بريّة بعيدة من الماء أوان عزّته، وكانوا يضحكون منه ويقولون له: صرت نجّارا بعد ما كنت نبيّا.

و في روضة الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه. ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد جميعا، عن الحسن بن عليّ، عن عمر بن أبان، عن إسماعيل الجعفيّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: إنّ نوحا- عليه السّلام- لمّا غرس النّوى، مرّ عليه قومه فجعلوا يضحكون ويسخرون ويقولون: قد قعد غرّاسا. حتّى إذا طال  النّخل، وكان جبّارا طوّالا، قطعه ثم نحته، فقالوا قد قعد نجّارا. ثمّ ألّفه فجعله سفينة، فمرّوا عليه يضحكون ويسخرون ويقولون: قد قعد ملّاحا في فلاة من الأرض حتّى فرغ منها.

قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ : منّا.

فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ: إذا أخذكم الغرق في الدّنيا، والحرق في الآخرة.

و قيل»

: المراد بالسّخرية: الاستجهال .

مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ، يعني به: إيّاهم. وبالعذاب: الغرق.

وَ يَحِلُّ عَلَيْهِ: وينزل عليه. أو يحلّ حلول الدّين لا انفكاك عنه.

عَذابٌ مُقِيمٌ : دائم. وهو عذاب النّار.

حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا: هو غاية لقوله: وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ، وما بينهما حال من الضّمير فيه. أو حتّى، هي الّتي يبتدأ بعدها الكلام.

وَ فارَ التَّنُّورُ: نبع الماء منه وارتفع، كالقدر تفور.

و «التّنّور» تنّور الخبز. ابتدأ منه النّبوع على خرق العادة. وكان في الكوفة في موضع مسجدها، أو في الهند، أو بعين وردة من أرض الجزيرة.

و قيل : «التّنّور» وجه الأرض، أو أشرف موضع فيها.

و في روضة الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن هشام‏

 الخراسانيّ، عن المفضّل بن عمر قال: قلت لأبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: جعلت فداك، أخبرني عن قول اللَّه- عزّ وجلّ-: حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ. فأين كان موضعه، وكيف كان؟

قال: كان التّنّور في بيت عجوز مؤمنة، في دبر قبلة ميمنة المسجد. فقلت له: فإنّ ذلك موضع زاوية باب الفيل اليوم.

ثمّ قلت له: وكان بدو خروج الماء من ذلك التّنّور؟

فقال: نعم. إنّ اللَّه- عزّ وجلّ- أحبّ أن يري قوم نوح آية. ثمّ أنّ اللَّه- تعالى- أرسل عليهم  المطر يفيض فيضا، وفاض الفرات فيضا، والعيون كلّهن فيضا. فغرّقهم اللَّه، وأنجى نوحا ومن معه في السّفينة.

و في الكافي : محمّد بن يحيى، عن بعض أصحابنا، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: نعم المسجد مسجد الكوفة، صلّى فيه ألف نبيّ وألف وصيّ. ومنه فار التّنّور، وفيه نجرت السّفينة.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في مجمع البيان : وروى أبو عبيدة الحذّاء، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال:

مسجد كوفان روضة من رياض الجنّة، الصّلاة فيه بسبعين  صلاة، صلّى فيه ألف نبيّ وسبعون نبيّا، وفيه فار التّنّور ونجرت  السّفينة. وهو سرّة بابل ، ومجمع الأنبياء.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : عن الأعمش يرفعه إلى عليّ- عليه السّلام- في قوله:

حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ.

فقال: أما، واللَّه، ما هو تنور الخبز- ثمّ أومأ بيده إلى الشّمس فقال-: طلوعها.

عن الحسن بن عليّ ، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال:

جاءت امرأة نوح إليه، وهو يعمل السّفينة. فقالت له: إنّ التّنّور قد خرج منه ماء. فقام إليه مسرعا حتّى جعل الطّبق عليه، فختمه بخاتمه، فقام الماء. فلمّا فرغ نوح من السّفينة، جاء إلى خاتمه ففضّه وكشف الطّبق، ففار الماء.

و في تفسير العيّاشيّ : عنه- عليه السّلام- [جاءت امرأة نوح إليه، وهو يعمل السّفينة. فقالت له: إنّ التّنّور قد خرج منه ماء. فقام إليه مسرعا حتّى جعل الطّبق عليه، فختمه بخاتمه، فقام الماء. ف‏]  لمّا فرغ من السّفينة، وكان ميعاده فيما بينه وبين ربّه في إهلاك قومه أن يفور التّنور، ففار. فقالت امرأته: إنّ التّنور قد فار. فقام إليه فختمه، فقام الماء وأدخل من أراد أن يدخل وأخرج من أراد أن يخرج. ثمّ جاء إلى خاتمه فنزعه. يقول اللَّه: فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ .

قال: وكان نجرها في وسط مسجدكم [و لقد نقص عن ذرعه سبعمائة ذراع‏] .

قُلْنَا احْمِلْ فِيها: في السّفينة.

مِنْ كُلٍّ: نوع من الحيوانات المنتفع بها.

و في كتاب علل الشّرائع ، بإسناده إلى أبان بن عثمان: عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام-، عن أبيه، عن جدّه- عليهم السّلام- حديث طويل. يقول فيه- عليه السّلام-: إنّ النّبيّ لما حضرته الوفاة، دفع إلى عليّ- عليه السّلام- ميراثه من الدّواب وغيره.

و في آخره قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: إنّ أوّل شي‏ء [مات‏]  من الدّواب الحمار  اليعفور، توفّي ساعة قبض رسول اللَّه. قطع خطامه، ثمّ مرّ يركض حتّى أتى  بئر بني حطمة بقبا  فرمى بنفسه فيها، فكانت قبره.ثمّ قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: إنّ يعفور كلّم رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله- [فقال:]  بأبي أنت وأمّي، إنّ أبي حدّثني عن أبيه عن جدّه، أنّه كان مع نوح في السّفينة. فنظر إليه يوما نوح- عليه السّلام- ومسح يده على وجهه، ثمّ قال: يخرج من صلب هذا الحمار حمار يركبه سيّد النّبيّين وخاتمهم. والحمد للّه الّذي جعلني ذلك الحمار.

و في أصول الكافي : وروي أنّ أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال: إنّ ذلك الحمار كلّم رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله-. وذكر نحوه.

زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ: ذكرا وأنثى. هذا على قراءة حفص. والباقون أضافوا على معنى: احمل اثنين من كلّ زوجين، أي: من كلّ صنف ذكر، وكلّ صنف أنثى.

و في روضة الكافي : محمّد بن أبي عبد اللَّه، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن سنان، عن إسماعيل الجعفيّ وعبد الكريم بن عمر وعبد الحميد بن أبي الدّيلم، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: لمّا حمل نوح في السّفينة الأزواج الثّمانية الّتي قال اللَّه- عزّ وجلّ-: ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ [مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ ... وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ ] ، فكان من الضّأن اثنين، زوج داجنة يربيّها النّاس والزّوج الآخر الضّأن الّتي تكون في الجبال الوحشيّة، أحلّ لهم صيدها. ومن المعز اثنين، زوج داجنة يربّيها النّاس والزّوج الآخر الظّباء  الّتي تكون في المفاوز. ومن الإبل اثنين، البخاتيّ والعراب.

و من البقر اثنين، زوج داجنة للنّاس والزّوج الآخر البقر الوحشيّة. وكلّ طير طيّب وحشي [أ]  وانسي، ثمّ غرقت الأرض.

و في مجمع البيان : وروى عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن صفوان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: لمّا أراد اللَّه هلاك قوم نوح، عقّم أرحام النّساء أربعين سنة فلم يلد لهم مولود. فلمّا فرغ نوح من اتّخاذ السّفينة. أمره اللَّه أن ينادي بالسّريانيّة أن يجتمع إليه جميع الحيوانات، فلم يبق حيوان إلّا حضر. فأدخل من‏كلّ جنس من أجناس الحيوان زوجين، ما خلا الفأر والسّنّور. وأنّهم لمّا شكوا من سرقين الدّوابّ والقذر، دعا بالخنزير، فمسح جبينه فعطس فسقط من أنفه زوج فأر فتناسل. فلمّا كثروا شكوا إليه منها، فدعا بالأسد، فمسح جبينه فعطس  فسقط من أنفه زوج سنّور.

و في حديث آخر : أنّهم شكوا العذرة، فأمر اللَّه الفيل، فعطس فسقط الخنزير.

و في تفسير العيّاشيّ : عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام-: أنّ نوحا حمل الكلب في السّفينة، ولم يحمل ولد الزّنا.

عن عبيد اللَّه  الحلبيّ ، عنه- عليه السّلام- قال: ينبغي لولد الزّنا أن لا تجوز له شهادة، ولا يؤمّ بالنّاس. لم يحمله نوح في السّفينة، وقد حمل فيها الكلب والخنزير.

و في كتاب علل الشّرائع : عن الرّضا، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين- عليهم السّلام- أنّه سئل: ما بال الماعز معرقبة  الذّنب باذلة  الحياء والعورة؟

فقال: لأنّ الماعز عصت نوحا لمّا أدخلها السّفينة، فدفعها فكسر ذنبها. والنّعجة مستورة الحياء والعورة، لأنّ النّعجة بادرت بالدّخول إلى السّفينة، فمسح نوح يده على حيائها  وذنبها فاستوت الألية.

و في عيون الأخبار ، في باب ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- من خبر الشّاميّ وما سأل عنه أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل. وفيه: وما  سأله: ما بال المعز  معرقبة  الذّنب بادية الحياء والعورة؟

فقال: لأنّ المعز  عصت نوحا- عليه السّلام- لمّا أدخلها السّفينة ، فدفعها فكسرذنبها. والنّعجة مستورة الحياء والعورة، لأنّ النّعجة بادرت بالدّخول إلى السّفينة، فمسح يده على حيائها  وذنبها فاستوت الألية .

و في كتاب الخصال : عن الرّضا - عليه السّلام-: اتّخذ نوح في الفلك تسعين بيتا للبهائم.

و في تفسير العيّاشيّ : عنه- عليه السّلام-: إنّ اللَّه أمر نوحا أن حمل في السّفينة من كلّ زوجين اثنين، فحمل الفحل والعجوة  فكانا زوجا.

وَ أَهْلَكَ: عطف على «زوجين»، أو «اثنين». والمراد: امرأته وبنوه ونساؤهم.

إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ: بأنّه من المغرقين. يريد: ابنه كنعان وأمّه واعلة، فإنّهما كانا كافرين.

وَ مَنْ آمَنَ: والمؤمنين من غيرهم.

وَ ما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ .

قيل : كانوا تسعة وسبعين، زوجته المسلمة وبنوه الثّلاثة: سام وحام ويافث [و نساؤهم‏] . واثنان وسبعون رجلا وامرأة من غيرهم.

و روى الشّيخ أبو جعفر في كتاب النّبوّة ، بإسناده: عن حنان بن سدير، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: من  آمن مع نوح من قومه ثمانية نفر.

و في كتاب معاني الأخبار : أبي- رحمه اللَّه- قال: حدّثني محمّد بن يحيى العطّار، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن موسى بن عمر، عن جعفر بن محمّد بن يحيى، عن‏

 غالب، عن أبي خالد، عن حمران، عن أبي جعفر- عليه السّلام- مثله.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن صفوان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللَّه، وذكر حديثا طويلا. يقول فيه- عليه السّلام-: فلمّا فرغ نوح من اتّخاذ السّفينة، أمره اللَّه- تعالى- أن ينادي بالسّريانيّة: لا يبقى بهيمة ولا حيوان إلّا حضر. فأدخل من كلّ جنس من أجناس الحيوان زوجين في السّفينة. وكان الّذين آمنوا به من جميع الدّنيا ثمانون رجلا. فقال اللَّه- عزّ وجلّ-: احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ (الآية). وكان نجر السّفينة في مسجد الكوفة. فلمّا كان اليوم الّذي أراد اللَّه إهلاكهم، كانت امرأة نوح تخبز في الموضع الّذي يعرف: بفار التّنّور، في مسجد الكوفة. وكان نوح اتّخذ لكلّ ضرب من أجناس الحيوانات  موضعا في السّفينة، وجمع لهم فيها ما يحتاجون إليه من الغذاء. فصاحت امرأته لمّا فار التّنّور، فجاء نوح إلى التّنّور فوضع عليها طينا وختمه حتّى أدخل جميع الحيوان السّفينة. ثمّ جاء إلى التّنور، ففضّ الخاتم ورفع الطّين. وانكسفت الشّمس، وجاء من السّماء ماء منهمر [صبّ بلا قطر، وتفجرت الأرض عيونا. وهو قوله- عزّ وجلّ- فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ]  وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ.

و في رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر- عليه السّلام-: ليس كلّ من في الأرض من بني آدم  من ولد نوح. قال اللَّه في كتابه: احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ- إلى قوله- وَمَنْ آمَنَ. وقال: ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ .