سورة الفرقان الآية 61-77

تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً، يعنى: البروج الاثنا عشر.

سمّيت به- وهي القصور العالية- لأنّها للكواكب السّيّارة كالمنازل لسكّانها.

و اشتقاقه من التّبرّج لظهوره.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً: فالبروج، الكواكب. والبروج الّتي للرّبيع والصّيف، الحمل والثّور والجوزاء والسّرطان والأسد والسّنبلة. والبروج الّتي للخريف  والشّتاء، الميزان والعقرب والقوس والجدي والدّلو والحوت، وهي اثنا عشر برجا.

 [و الكواكب السّيارة، هي: زحل والمشتري والمرّيخ والشّمس والزّهرة وعطارد والقمر] .

وَ جَعَلَ فِيها سِراجاً، يعني: الشّمس، كقوله : وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً.

و قرئ : «سرجا» وهي الشّمس والكواكب الكبار.

وَ قَمَراً مُنِيراً : مضيئا باللّيل.

و قرئ : «و قمرا»، أي: ذا قمر. وهو جمع قمراء. ويحتمل أن يكون بمعنى القمر، كالرّشد والرّشد، والعرب والعرب.

و في كتاب الإهليلجة : قال الصّادق- عليه السّلام- في كلام طويل: وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً يسبحان في فلك، يدور بهما دائبين، يطلعهما تارة  ويؤفلهما أخرى،حتّى تعرف عدّة الأيّام  والشّهور والسّنين. وما يستأنف من الصيف والرّبيع والشّتاء والخريف، أزمنة مختلفة باختلاف اللّيل والنّهار.

 

وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً، أي: ذوي خلفة، يخلف كلّ منهما الآخر، بأن يقوم مقامه فيما ينبغي أن يعمل فيه. فمن فاته عمل اللّيل، استدركه بالنّهار. ومن فاته عمل النّهار، استدركه باللّيل. أو بأن يعتقبا، كقوله : وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ.

و هي للحالة من خلف، كالرّكبة والجلسة.

لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ: أن يتذكّر آلاء اللّه ويتفكّر في صنعه، فيعلم أن لا بدّ له من صانع حكيم واجب الذّات رحيم على العباد.

أَوْ أَرادَ شُكُوراً : أن يشكر اللّه على ما فيه من النّعم.

و قرأ  حمزة: «أن يذكر»، من ذكر بمعنى تذكّر.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي عن صالح بن عقبة، عن جميل، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال له رجل: جعلت فداك، يا ابن رسول اللّه، ربّما فاتتني صلاة اللّيل، الشّهر والشّهرين والثّلاثة، فأقضيها بالنّهار. أ يجوز ذلك؟

قال: قرّة عين لك! واللّه قرّة عين لك! قالها ثلاثا. إنّ اللّه يقول: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً (الآية) فهو قضاء صلاة النّهار باللّيل، وقضاء صلاة اللّيل بالنّهار. وهو من سرّ آل محمّد المكنون.

و في من لا يحضره الفقيه : قال الصّادق- عليه السّلام-: كلّما فاتك باللّيل، فاقضه بالنّهار. قال اللّه- تبارك وتعالى-: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً، يعني: أن يقضي الرّجل ما فاته باللّيل بالنّهار . وما فاته بالنّهار، باللّيل .

وَ عِبادُ الرَّحْمنِ: مبتدأ خبره: أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ  أو:

الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ‏و إضافتهم إلى «الرّحمن» للتّخصيص والتّفضيل، أو لأنّهم الرّاسخون في عبادته، على أنّ «عباد» جمع عابد، كتاجر وتجار.

هَوْناً: هيّنين. أو: مشيا هيّنا. مصدر وصف به. والمعنى أنّهم يمشون بسكينة وتواضع.

و في أصول الكافي : محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، [عن ابن محبوب‏] ، عن محمّد بن النّعمان، عن سلام، قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قوله- تعالى-: الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً. قال: هم الأوصياء مخافة من عدوّهم.

 

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا الحسين بن أحمد، محمّد بن عيسى، عن يونس بن الفضيل  بن صالح، عن محمّد الحلبيّ، عن زرارة وحمران ومحمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-: وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً. قال: هذه الآيات للأوصياء، إلى أن يبلغوا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً

 

 .

و في مجمع البيان : الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً. و

قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: هو الرّجل يمشي بسجيّته الّتي جبل عليها، لا يتكلّف ولا يتبختر.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : أخبرنا أحمد بن إدريس قال: حدّثنا أحمد بن [محمّد بن‏]  عيسى، عن ابن أبي نجران، عن حمّاد، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في، قوله: وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً. قال: الأئمّة- عليهم السّلام- يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً خوفا من عدوّهم.

وَ إِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً : تسلّما منكم ومتاركة لكم، لا خير بيننا ولا شرّ. أو سدادا من القول، يسلمون  فيه من الإيذاء والإثم.

و لا ينافيه آية القتال لتنسخه، فإنّ المراد هو الإغضاء عن السّفهاء، وترك مقابلتهم‏في الكلام.

و في مصباح الشّريعة : قال الصّادق- عليه السّلام- في كلام طويل: ولا يعرف ما في معنى حقيقة التّواضع إلّا المقرّبون من عباده، المتّصلون بوحدانيّته. قال اللّه- تعالى-:

وَ عِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً.

و في كتاب المناقب  لابن شهر آشوب: كان إبراهيم بن المهديّ شديد الانحراف عن أمير المؤمنين- عليه السّلام-. فحدّث المأمون يوما فقال: رأيت عليّا- عليه السّلام- في النّوم، فمشيت معه حتّى جئنا قنطرة. فذهب يتقدّمني لعبورها. فأمسكته وقلت له: إنّما أنت رجل تدّعي هذا الأمر بامرأة ، ونحن أحقّ به منك. فما رأيته بليغا في الجواب. قال: وأيّ شي‏ء قال لك؟ قال: ما زادني على أن قال: «سلاما سلاما». فقال المأمون: قد واللّه أجابك أبلغ جواب. قال: كيف؟ قال: عرفك أنّك جاهل لا تجاب. قال اللّه- تعالى-: وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً.

وَ الَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً: في الصّلاة.

و تخصيص البيتوتة، لأنّ العباد باللّيل أحمز  وأبعد من الرّياء. وتأخير القيام، للرّويّ . وهو جمع قائم، أو مصدر أجري مجراه.

و في كتاب الخصال  عن جعفر بن محمّد، عن أبيه- عليهما السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله وسلم-: كلّ عين باكية يوم القيامة، إلا ثلاث أعين، عين بكت من خشية اللّه، وعين غضّت عن محارم اللّه، وعين باتت ساهرة في سبيل اللّه.

و فيه أيضا ، عن السّكونيّ، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه- عليهما السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله وسلم-: لا سهر إلّا في ثلاث: متهجّد بالقرآن، أو في طلب العلم، أو عروس تهدى إلى زوجها.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : عنه، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم،

 عن سليمان بن جعفر قال: سألت أبا الحسن- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً. قال: هم الأئمّة، يتّقون في مشيهم.

وَ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً : لازما. ومنه: الغريم، لملازمته.

و هو إيذان بأنّهم مع حسن مخالطتهم مع الخلق واجتهادهم في عبادة الحق، وجلون من العذاب، مبتهلون إلى اللّه في صرفه عنهم، لعدم اعتدادهم بأعمالهم، ووثوقهم على استمرار أحوالهم.

إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً : أي: بئست مستقرّا. وفيها ضمير مبهم، يفسّره المميّز. والمخصوص بالذّمّ ضمير محذوف به ترتبط الجملة باسم «إنّ». أو: أحزنت، وفيها ضمير اسم «إنّ». و«مستقرّا» حال أو تمييز.

و الجملة تعليل للعلّة الأولى، أو تعليل ثان وكلاهما يحتملان الحكاية والابتداء من اللّه.

وَ الَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا: لم يجاوزوا حدّ الكرم.

وَ لَمْ يَقْتُرُوا: ولم يضيّقوا تضييق الشّحيح.

و قيل : الإسراف، هو الإنفاق في المحارم. والتّقتير منع الواجب.

و قرأ  نافع  وابن عامر: «و لم يقتروا» بضمّ الياء، من أقتر.

و قرئ  بالتّشديد. والكلّ واحد.

وَ كانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً : وسطا وعدلا. سمّي به لاستقامة الطّرفين، كما سمّي سواء لاستوائهما.

و قرئ  بالكسر. وهو ما يقام به الحاجة، لا يفضل عنها ولا ينقص. وهو خبر ثان ل «كان»، أو حال مؤكّدة. ويجوز أن يكون الخبر و«بين ذلك» ظرفا  لغوا.

و قيل : إنّه اسم «كان»، لكنّه مبنيّ لإضافته إلى غير متمكّن. وهو ضعيف، لأنّه‏بمعنى القوام. فيكون كالإخبار بالشّي‏ء عن نفسه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله- تعالى-: إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً يقول: ملازما لا يفارق. وقوله- عزّ وجلّ-:

وَ الَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا: والإسراف، الإنفاق في المعصية في غير حقّ. وَلَمْ يَقْتُرُوا: لم يبخلوا عن حقّ اللّه- عزّ وجلّ-: وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً. القوام: العدل والإنفاق فيما أمر اللّه به.

و في تفسير العيّاشيّ : عن الحلبيّ، عن بعض أصحابنا، عنه قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام- لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: يا بنيّ عليك بالحسنة بين السّيّئتين تمحوهما . قال: وكيف ذلك يا أبة؟ قال: مثل قوله: وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا. فأسرفوا سيّئة وأقتروا سيّئة. وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً: حسنة فعليك بالحسنة بين السّيّئتين. والحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

عن عبد الرّحمن ، قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قوله : يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ. قال: الَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً.

نزلت هذه بعد هذه. [هي الوسط]

 

و في كتاب الخصال : عن محمّد بن عمرو  بن سعيد، عن بعض أصحابه، قال:

 

سمعت العيّاشيّ وهو يقول: استأذنت الرّضا- عليه السّلام- في النّفقة على العيال. فقال:

بين المكروهين. قال: فقلت: جعلت فداك، لا واللّه ما أعرف  المكروهين. فقال: بلى، يرحمك اللّه. أما تعرف أنّ اللّه- تعالى- كره الإسراف وكره الإقتار، فقال: وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً.

و في أصول الكافي : أبو عليّ الأشعريّ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن ابن فضّال،

 

عن عبد اللّه بن إبراهيم، عن جعفر بن إبراهيم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: أربعة لا يستجاب لهم : رجل كان له مال فأفسده، فيقول: اللّهمّ ارزقني. فيقال له: ألم آمرك بالاقتصاد!؟ ألم آمرك بالإصلاح!؟ ثمّ قال: وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في الكافي : عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه عن الحسن بن محبوب، عن مالك بن عطيّة، عن عامر بن خزاعة قال: جاء رجل إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: اتّق اللّه، ولا تسرف ولا تقتر، ولكن بين ذلك قواما. إنّ التّبذير من الإسراف. قال اللّه - تعالى-: وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، وعدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، جميعا عن عثمان بن عيسى، عن إسحاق بن عبد العزيز، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال: إنّا نكون في طريق مكّة، فنريد الإحرام، فنطلي ولا يكون معنا نخالة نتدلّك بها من النّورة، فنتدلّك بالدّقيق. وقد دخلني من ذلك ما اللّه أعلم به. فقال: أ مخافة الإسراف؟

قلت: نعم.

فقال: ليس فيما أصلح البدن إسراف. إنّي ربّما أمرت بالنّقيّ  فيلتّ  بالزّيت، فأتدلّك به إنّما الإسراف فيما أفسد المال، وأضرّ بالبدن.

قلت: فما الإقتار؟ قال: أكل الخبز والملح، وأنت تقدر على غيره.

قلت: فما القصد؟ قال:

الخبز واللحم واللّبن والخلّ والسّمن، مرّة هذا ومرّة هذا.

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن أبيه، عن القاسم بن محمّد الجوهريّ، عن جميل بن صالح، عن عبد الملك بن عمرو الأحوال قال: تلاأبو عبد اللّه- عليه السّلام- هذه الآية: وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً. قال: فأخذ قبضة من حصى وقبضها بيده، فقال: هذه الإقتار الّذي ذكره اللّه في كتابه. ثمّ قبض قبضة أخرى، فأرخى كفّه كلّها، ثمّ قال: هذا الإسراف. ثمّ أخذ قبضة أخرى، فأرخى بعضها وأمسك بعضها، وقال: هذا القوام.

عنه ، عن أبيه، عن محمّد بن عمرو، عن عبد اللّه بن أبان، قال: سألت أبا الحسن الأوّل- عليه السّلام- عن النّفقة على العيال. فقال: ما بين المكروهين: الإسراف والإقتار.

أحمد بن محمّد  [عن محمّد]  بن عليّ، عن محمّد بن سنان، عن أبي الحسن- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً، قال: القوام، هو المعروف: «على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقّا على المحسنين»  على قدر عياله ومئونتهم الّتي هي صلاح له ولهم. لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها

 

  عدّة من أصحابنا»

، عن سهل بن زياد، وأحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن عبد اللّه بن سنان، في قوله- تبارك وتعالى-: وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً. فبسط كفّه، وفرّق أصابعه، وحناها شيئا.

و عن قوله - تعالى-: وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ. فبسط راحته وقال: هكذا.

و قال: القوام ما يخرج من بين الأصابع، ويبقى في الرّاحة منه شي‏ء.

عليّ بن إبراهيم ، [عن أبيه‏] ، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة قال: دخل سفيان الثّوريّ على أبي عبد اللّه- عليه السّلام- فرأى عليه ثيابا بيضا، كأنّها غرقئ البيض .

فقال له: إنّ هذا اللّباس ليس من ثيابك.

فقال له: اسمع منّي، وع ما أقول لك، فإنّه خير لك عاجلا وآجلا، إن أنت متّ‏على السّنّة والحقّ، ولم تمت على بدعة. أخبرك أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- كان في زمان مقفر جدب. فأمّا إذا أقبلت الدّنيا، فأحقّ أهلها بها أبرارها لا فجّارها، ومؤمنوها لا منافقوها، ومسلموها لا كفّارها.

فما أنكرت يا ثوريّ!؟ فو اللّه إنّني لمع ما ترى، ما أتي عليّ منذ  عقلت صباح ولا مساء، وللّه في مالي حقّ أمرني أن أضعه موضعا إلّا وضعته.

قال: وأتاه  قوم ممّن يظهر الزّهد ويدعو النّاس أن يكونوا معهم، على مثل الّذي هم عليه من التّقشّف. فقالوا له: إنّ صاحبنا حصر عن كلامك، ولم تحضره حجّة .

فقال لهم: فهاتوا حججكم. فقالوا له: إنّ حججنا من كتاب اللّه.

فقال لهم: فأدلوا بها، فإنّها أحقّ ما اتّبع وعمل به. فقالوا: يقول اللّه- تبارك وتعالى- مخبرا عن قوم من أصحاب النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله-: وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ  فمدح فعلهم. وقال في موضع آخر: وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً  فنحن نكتفي بهذا.

فقال رجل من الجلساء: إنّا رأيناكم تزهدون في الأطعمة الطّيّبة، ومع ذلك تأمرون النّاس بالخروج من أموالهم، حتّى تمتعوا أنتم منها.

فقال له أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: دعوا عنكم مالا ينتفّع  به. أخبروني أيّها النّفر! أ لكم علم بناسخ القرآن من منسوخه، ومحكمه من متشابهه، الّذي في مثله ضلّ من ضلّ وهلك من هلك من هذه الأمّة؟ فقالوا له: أو بعضه، فأمّا كلّه فلا.

فقال لهم: فمن هاهنا أتيتم؟ وكذلك أحاديث رسول اللّه. فأمّا ما ذكرتم من إخبار اللّه- عزّ وجلّ- إيّانا في كتابه، عن القوم الّذين أخبر عنهم بحسن فعالهم، فقد كان مباحا جائزا، ولم يكونوا نهوا عنه، وثوابهم منه على اللّه- عزّ وجلّ-. وذلك أنّ اللّه- جلّ وتقدّس- أمر بخلاف ما عملوا به، فصار أمره ناسخا لفعلهم. وكان نهي اللّه- تبارك وتعالى- رحمة منه للمؤمنين، ونظرا لكي لا يضرّوا بأنفسهم وعيالاتهم، منهم الضّعفة الصّغار والولدان والشّيخ الفاني والعجوز الكبيرة، الّذين لا يصبرون على الجوع. فإن تصدّقت برغيفي ولا رغيف لي‏غيره، ضاعوا وهلكوا جوعا.

ثمّ هذا ما نطق به الكتاب، ردّا لقولكم ونهيا عنه مفروضا من اللّه العزيز الحكيم.

قال: وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً. أفلا ترون أنّ اللّه- تبارك وتعالى- قال غير ما أراكم تدعون النّاس إليه من الأثرة على أنفسهم!؟ وسمّى من فعل ما تدعون [النّاس‏]  إليه مسرفا، وفي غير آية من كتاب اللّه يقول : إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ.

فنهاهم عن الإسراف، ونهاهم عن التّقتير، ولكن أمر بين أمرين. لا يعطي جميع ما عنده، ثمّ يدعو اللّه أن يرزقه.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في مجمع البيان : روي عن معاذ أنّه قال: سألت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- عن ذلك. فقال: من أعطى في غير حقّ، فقد أسرف. ومن منع عن حقّ، فقد قتر.

و روي  عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- أنّه قال: ليس في المأكول والمشروب سرف، وإن كثر .وَ الَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ، أي: حرّمها بمعنى حرّم قتلها.

إِلَّا بِالْحَقِّ:

متعلّق بالقتل المحذوف، أو ب «لا يقتلون».

وَ لا يَزْنُونَ:

و في مجمع البيان : وروى البخاريّ ومسلم في صحيحيهما، بالإسناد عن عبد اللّه بن‏

 مسعود قال: سألت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: أيّ الذّنوب أعظم؟ قال: أن تجعل للّه ندّا، وهو خلقك.

قال: قلت: ثمّ أيّ: أن تقتل ولدك، مخافة أن يطعم معك.

قال: قلت: ثمّ أيّ؟ قال: أن تزني  حليلة جارك. فأنزل اللّه تصديقا : وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ (الآية).

و اعلم أنّه- تعالى- نفي عنهم أمّهات المعاصي، بعد ما أثبت لهم أصول الطّاعات، إظهارا لكمال إيمانهم، وإشعارا بأنّ الأجر المذكور موعود للجامع بين ذلك، وتعريضا للكفرة بإضداده. ولذلك عقّبه بالوعيد تهديدا لهم، فقال:

وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً : جزاء إثم. أو: إثما، بإضمار الجزاء.

و قرئ : «أيّاما»، أي: شدائد. يقال: يوم ذو أيّام، أي: صعب.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : «أثام» واد من أودية جهنّم من صفر مذاب، قدّامها حرّة  في جهنّم يكون فيه من عبد غير اللّه- تعالى- ومن قتل النّفس الّتي حرّم اللّه، ويكون فيه الزّناة، ويضاعف لهم فيه العذاب.

يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ: بدل من «يلق»، لأنّه في معناه، كقوله:

         متى تأتنا تلمم بنافي ديارنا             تجد حطبا جزلا ونارا تأجّجا

 وقرأ  أبو بكر بالرّفع، على الاستئناف أو الحال. وكذلك: وَيَخْلُدْ [فِيهِ مُهاناً :

و ابن كثير ويعقوب  يضعف بالجزم وابن عامر بالرّفع فيهما مع التشديد وحذف الألف في يضعف. وأبو عمرو: و«يخلد» على البناء للمفعول، مخفّفا.

و قرئ  مثقّلا. وتضعيف العذاب مضاعفته‏]  لانضمام المعصية إلى الكفر.و في تفسير عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي، عن المحموديّ ومحمّد بن عيسى بن عبيد، عن محمّد بن إسماعيل [الرّازيّ، عن محمّد  بن سعيد]

 أنّ يحيى بن أكثم سأل موسى بن محمّد عن مسائل، وفيها. أخبرنا عن قول اللّه - عزّ وجلّ- أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً. فهل يزوّج اللّه عباده الذّكران، وقد عاقب قوما فعلوا ذلك؟ فسأل موسى أخاه أبا الحسن العسكريّ- صلوات اللّه عليه-. وكان من جواب أبي الحسن- عليه السّلام-:

أمّا قوله أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً، فإنّ اللّه- تبارك وتعالى- يزوّج ذكران المطيعين إناثا من الحور، وإناث المطيعات من الإنس من ذكران المطيعين. ومعاذ اللّه أن يكون الجليل عنى ما لبست على نفسك، تطلب الرّخصة  لارتكاب المآثم قال: وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً، أي: إن لم يتب.

إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ، بأن يمحو  سوابق معاصيهم بالتّوبة، ويثبت مكانها لواحق طاعاتهم، أو يبدّل ملكة المعصية في النّفس بملكة الطّاعة.

و قيل : بأن يوفّقه لإضداد ما سلف منه، أو بأن يثبت له بدل كلّ عقاب ثوابا.

و في محاسن البرقي : عنه، عن ابن فضّال، عن عليّ بن عقبة، عن أبيه، عن سليمان بن خالد قال: كنت في محملي  أقرأ، إذ ناداني أبو عبد اللّه- عليه السّلام-:

اقرأ يا سليمان، فإنّا في هذه الآيات الّتي في آخر تبارك : وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ.

فقال: هذه فينا. أما واللّه لقد وعظنا، وهو يعلم أنّا لا نزني. اقرأ يا سليمان.

فقرأت، حتّى انتهيت إلى قوله: إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ. قال: قف. هذه فيكم. إنّه يؤتى بالمؤمن المذنب يوم القيامة حتّى يوقف‏بين يدي اللّه- عزّ وجلّ- فيكون هو الّذي يلي حسابه، فيوقفه على سيّئاته شيئا شيئا.

فيقول: عملت كذا في يوم كذا في ساعة كذا. فيقول: أعرف  يا ربّ ، حتّى يوقفه على سيّئاته كلّها. كلّ ذلك، يقول: أعرف. فيقول: سترتها عليك في الدّنيا، وأغفرها لك اليوم.

أبدلوها لعبدي حسنات. قال: فترفع صحيفته للنّاس. فيقولون: سبحان اللّه! أما كانت لهذا العبد سيّئة واحدة؟ فهو قول اللّه- عزّ وجلّ-: فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ.

و في كتاب سعد السّعود  لابن طاوس- رحمه اللّه- نقلا عن تفسير الكلبيّ، قال: لمّا جعل مطعم بن عيسى  بن نوفل لغلامه وحشيّ إن هو قتل حمزة، أن يعتقه. فلمّا قتله وقدموا مكّة، لم يعتقه.

فبعث وحشي وجماعة إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- أنّه ما يمنعنا من دينك، إلّا أننا سمعناك تقرأ في كتابك أنّ من يدعو مع اللّه إلها آخر ويقتل النّفس ويزني، يلق أثاما ويخلد في العذاب. ونحن قد فعلنا هذا كلّه. فبعث إليهم بقوله: إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً.

فقالوا: نخاف أن لا نعمل صالحا! فبعث إليهم: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ .

فقالوا: نخاف أن لا ندخل في المشيئة. فبعث إليهم: يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً  فجاءوا وأسلموا. فقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وآله- لوحشيّ قاتل حمزة- رضوان اللّه عليه-: غيّب وجهك عنّي، فانّني لا أستطيع النّظر إليك. قال: فلحق بالشّام، فمات في الخبر . هكذا ذكر الكلبيّ.و في عوالي اللّالي  عن أبي ذرّ- رحمه اللّه- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: يؤتى بالرّجل يوم القيامة، فيقال: اعرضوا عليه صغار ذنوبه، ونحّوا كبارها . فيقال:

عملت يوم كذا وكذا، وهو يقرّ  ليس ينكر. وهو مشفق من الكبائر أن تجي‏ء. فإذا أراد اللّه به خيرا. قال: أعطوه مكان كلّ سيّئة حسنة. فيقول: يا ربّ، لي ذنوب ما رأيتها هاهنا! قال:

و رأيت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- ضحك، حتّى بدت نواجذه. ثمّ تلا: فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ.

و في روضة الواعظين  للمفيد- رحمه اللّه-: وقال- صلّى اللّه عليه وآله-: ما جلس قوم يذكرون اللّه إلّا نادى بهم مناد من السّماء: قوموا فقد بدّل اللّه  سيّئاتكم حسنات، وغفر لكم جميعا.

و في بصائر الدّرجات : أحمد بن محمّد ويعقوب بن يزيد عن الحسن بن عليّ بن فضّال عن أبي جميلة عن محمّد الحلبيّ  عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- قال: إنّ ربّي وعدني في شيعة عليّ خصلة. قيل: يا رسول اللّه، وما هي؟ قال:

المغفرة منهم لمن آمن واتّقى، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة، ولهم تبدّل السّيّئات حسنات.

و في عيون الأخبار  في باب ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- من الأخبار المجموعة:

 

و بهذا الإسناد قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: إذا كان يوم القيامة، تجلّى اللّه- عزّ وجلّ- لعبده المؤمن، فيقفه  على ذنوبه ذنبا ذنبا. ثمّ يغفر [اللّه‏]  له، لا يطلع اللّه على ذلك ملكا مقرّبا ولا نبيّا مرسلا. ويستر عليه ما يكره أن يقف عليه أحد . ثمّ يقول لسيّئاته: كوني حسنات.

و في باب استسقاء المأمون بالرّضا- عليه السّلام- عنه - عليه السّلام-: قيل: يارسول اللّه، هلك فلان، يعمل من الذّنوب كيت وكيت.

فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: بل قد نجا، ولا يختم اللّه- تعالى- عمله إلّا بالحسنى. وسيمحو اللّه عنه السّيّئات، ويبدّلها حسنات. إنّه كان مرّة يمرّ  في طريق، عرض له مؤمن قد انكشفت عورته، وهو لا يشعر. فسترها عليه، ولم يخبره بها، مخافة أن يخجل. ثمّ إنّ ذلك المؤمن عرفه في مهواه، فقال له: أجزل اللّه لك الثّواب وأكرم لك المآب ولا ناقشك في الحساب. فاستجاب اللّه له فيه. فهذا العبد لا يختم اللّه له إلّا بخير، بدعاء ذلك المؤمن.

فاتّصل قول رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- بهذا الرّجل. فتاب وأناب وأقبل على طاعة اللّه- عزّ وجلّ-. فلم يأت عليه سبعة أيّام، حتّى أغير على سرح  المدينة. فوجّه رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- في آثارهم»

 جماعة، ذلك الرّجل أحدهم، فاستشهد فيهم.

و في أمالي شيخ الطّائفة - رحمه اللّه- بإسناده إلى الرّضا- عليه السّلام- عن أبيه، عن جدّه، عن آبائه- عليهم السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله وسلم- حبّنا أهل البيت يكفّر الذّنوب ويضاعف الحسنات. وإنّ اللّه ليتحمّل من محبّينا  أهل البيت- عليهم السّلام- ما عليهم من مظالم العباد، إلّا ما كان منهم فيها على إضرار وظلم للمؤمنين. فيقول للسّيّئات: كوني حسنات.

وَ كانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ، فلذلك يعفو عن السّيّئات ويثيب على الحسنات.

و في أمالي شيخ الطّائفة - قدّس سرّه- بإسناده إلى محمّد بن مسلم الثّقفيّ قال: سألت أبا جعفر محمّد بن عليّ- عليهما السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً. فقال- عليه السّلام-:

يؤتى بالمؤمن المذنب يوم القيامة، حتّى يوقف  بموقف الحساب. فيكون اللّه- تعالى- هو الّذي يتولّى حسابه، لا يطلع على حسابه أحدا من النّاس. فيعرّفه بذنوبه

 

حتّى إذا أقرّ بسيّئاته، قال اللّه- عزّ وجلّ- للكتبة : بدّلوها حسنات وأظهروها للنّاس، فيقول النّاس حينئذ: ما كان لهذا العبد سيّئة واحدة! ثمّ يأمر اللّه به إلى الجنّة. فهذا تأويل الآية، وهي في المذنبين من شيعتنا خاصّة.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا رفعه قال: إنّ اللّه- عزّ وجلّ- أعطى التّائبين ثلاث خصال، لو أعطي خصلة منها جميع أهل السّموات والأرض، لنجوا بها. قوله- عزّ وجلّ-: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً.

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد، عن بكر بن صالح، عن الحسن بن عليّ، عن عبد اللّه بن إبراهيم، عن عليّ بن [أبي‏]  علي اللّهبيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال:

 

قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- أربع من كنّ فيه، وكان من قرنه إلى قدمه ذنوبا، بدّلها اللّه عزّ وجلّ حسنات: الصّدق، والحياء وحسن الخلق، والشّكر.

و في كتاب علل الشّرائع  بإسناده إلى إسحاق القّميّ، قال: دخلت على أبي جعفر الباقر عليه السّلام، فقلت له: جعلت فداك، قد أرى المؤمن الموحّد الّذي يقول بقولي، ويدين بولايتكم ، وليس بيني وبينه خلاف، يشرب المسكر ويزني ويلوط. وآتيه في حاجة واحدة، فأصيبه معبّس الوجه، كالح اللّون، ثقيلا [في حاجتي ] بطيئا فيها. وقد أرى النّاصب المخالف لما أنا عليه ويعرفني بذلك، فآتيه في حاجة. فأصيبه طلق الوجه، حسن البشر، مسرعا  في حاجتي، فرحا بها، يحبّ قضاءها كثير الصّلاة، كثير الصّوم، كثير الصّدقة يؤدّي الزّكاة، ويستودع فيؤدّي الأمانة. قال: يا إسحاق، ليس تدرون من أين أوتيتم؟

قلت: لا واللّه- جعلت فداك- إلّا أن تخبرني. فقال:يا إسحاق، إنّ اللّه عزّ وجلّ لمّا كان متفرّدا بالواحدانيّة، ابتدأ الأشياء لا من شي‏ء.

فأجرى الماء العذب على أرض طيّبة طاهرة، سبعة أيّام مع لياليها . ثمّ نضب الماء عنها، فقبض قبضة من صفاء  ذلك الطّين، وهي طينتا أهل البيت. ثمّ قبض قبضة من أسفل ذلك الطين، وهي طينة شيعتنا. ثمّ اصطفانا لنفسه.

فلو أنّ طينة شيعتنا تركت كما تركت طينتنا، لما زنا أحد منهم، ولا سرق ولا لاط، ولا شرب الخمر، ولا ارتكب شيئا  ممّا ذكرت. ولكن اللّه- عزّ وجلّ- أجرى الماء المالح على أرض ملعونة، سبعة أيّام ولياليها. ثمّ نضب الماء عنها. ثمّ قبض قبضة وهي طينة ملعونة من حمأ مسنون، وحي طينة خبال، وهي طينة  أعدائنا. فلو أنّ اللّه- عزّ وجلّ- ترك طينتهم كما أخذها، لم تروهم في خلق الآدميّين، ولم يقرّوا بالشّهادتين، ولم يصوموا، ولم يصّلوا، ولم يزكوا، ولم يحجّوا البيت، ولم تروا أحدا منهم بحسن خلق. ولكنّ اللّه- تبارك وتعالى- جمع الطينتين: طينتكم وطينتهم، فخلطهما وعركهما عرك الأديم ومزجهما بالمائين.

فما رأيت من أخيك المؤمن من شرّ لفظ ، أو زنا، أو شي‏ء ممّا ذكرت من شرب مسكر أو غيره، فليس من جوهريّته ولا من إيمانه. إنّما هو بمسحة النّاصب، اجترح هذه السّيّئات الّتي ذكرت.

و ما رأيت من النّاصب من حسن وجهه، وحسن خلق، أو صوم، أو صلاة، أو حجّ بيت، أو صدقة، أو معروف، فليس من جوهريّته. إنّما تلك الأفاعيل من مسحة الإيمان، اكتسبها وهو اكتساب مسحة الإيمان.

قلت: جعلت فداك، فإذا كان يوم القيامة، فم؟ قال لي: يا إسحاق، لا يجمع اللّه الخير والشّرّ في موضع واحد. إذا كان يوم القيامة، نزع اللّه- عزّ وجلّ- مسحة الإيمان منهم، فردّها إلى شيعتنا. ونزع مسحة النّاصب. بجميع ما اكتسبوا من السّيئات، فردّها على أعدائنا. وعاد كلّ شي‏ء إلى عنصره الأوّل الّذي منه كان ابتداء.

أما رأيت الشّمس إذا هي بدت؟ ألا ترى لها شعاعا زاجرا متّصلا بها أو بائنا منها؟

قلت: جعلت فداك، الشّمس إذا هي غربت، بدا إليها الشّعاع كما بدا منها. ولو كان بائنامنها، لما بدا إليها. قال: نعم يا إسحاق، كلّ شي‏ء يعود إلى جوهره الّذي منه بدا.

قلت: جعلت فداك، تؤخذ حسناتهم فتردّ إلينا، وتؤخذ سيّئاتنا فتردّ إليهم؟ قال:

إي، واللّه الّذى لا إله إلّا هو.

قلت: جعلت فداك، أخذتها من كتاب اللّه- عزّ وجلّ-؟ قال: نعم يا إسحاق! قلت: أى مكان؟ قال لي: يا إسحاق، ما تتلو هذه الآية: فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً؟ فلم يبدّل اللّه سيّئاتهم حسنات لهم. واللّه يبدّل لكم.

أبي - رحمة اللّه- قال حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن محمّد بن أحمد، [عن أحمد بن محمّد]  السّيّاريّ قال: حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن مهران الكوفيّ قال حدّثني حنان بن سدير عن أبيه عن أبي إسحاق اللّيثيّ، قال: قلت لأبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر- عليهما السّلام-: يا ابن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- إنّي أجد من شيعتكم من يشرب الخمر، ويقطع الطّريق، ويخيف السّبل، ويزني ويلوط ويأكل الرّبا، ويرتكب الفواحش، ويتهاون بالصّلاة والصّيام والزّكاة،  ويقطع الرّحم، ويأتي الكبائر. فكيف هذا ولم ذلك؟

فقال: يا إبراهيم، هل يختلج في صدرك شي‏ء غير هذا؟ قلت: نعم، يا ابن رسول اللّه، أخرى أعظم من ذلك. فقال: ما هو يا أبا إسحاق؟

قال: قلت: يا ابن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- وأجد من أعدائكم ومن ناصبيكم  من يكثر من [الصّلاة ومن‏]  الصّيام، ويخرج الزّكاة، ويتابع بين الحّج والعمرة، ويحضّ  على الجهاد، ويأثر على البرّ وعلى صلة الرّحم ، ويقضي حقوق إخوانه ويواسيهم من ماله، ويجتنب  شرب الخمر والزّنا واللّواط وسائر الفواحش. فممّ ذلك  ولم ذاك؟ فسّره لي يا ابن رسول اللّه، وبرهنه وبيّنه. فقد واللّه كثر فكري، وأسهر ليلي وضاق‏ذرعي.

قال: فتبسّم الباقر- صلوات اللّه عليه- ثمّ قال: يا إبراهيم، خذ إليك بيانا شافيا فيما سألت وعلما مكنونا من خزائن علم اللّه وسرّه. أخبرني يا إبراهيم كيف تجد اعتقادهما؟

قلت: يا ابن رسول اللّه، أجد محبّيكم وشيعتكم- على ما هم فيه ممّا وصفته من أفعالهم- لو أعطي أحدهم ما بين المشرق والمغرب ذهبا وفضّة أن يزول عن ولايتكم ومحبّتكم  إلى موالاة غيركم وإلى محبّتهم، ما زال. ولو ضربت خياشيمه بالسّيوف فيكم، ولو قتل فيكم، ما ارتدع ولا رجع من محبّتكم وولايتكم. وأرى النّاصب- على ما هو عليه ممّا وصفته من أفعالهم- لو أعطي أحدهم ما بين المشرق والمرغب ذهبا وفضّة أن يزول عن محبّة الطّواغيت وموالاتهم إلى موالاتكم، ما فعل ولا زال. ولو ضربت خياشيمه بالسّيوف فيهم، ولو قتل فيهم، ما ارتدع ولا رجع. وإذا سمع أحدهم منقبة لكم وفضلا، اشمأزّ من ذلك، وتغيّر لونه، ورؤي كراهة  ذلك في وجهه، بغضا لكم ومحبّة لهم.

قال: فتبسّم الباقر- عليه السّلام-. ثمّ قال: يا إبراهيم، هاهنا هلكت العاملة النّاصبة تَصْلى ناراً حامِيَةً تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ.  ومن ذلك قال - عزّ وجلّ-: وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً. ويحك يا إبراهيم! أ تدري ما السّبب والقصّة في ذلك، وما الّذي قد خفي على النّاس منه؟

قلت: يا ابن رسول اللّه، فبيّنه لي واشرحه وبرهنه.

قال: يا إبراهيم، إنّ اللّه- تبارك وتعالى- لم يزل عالما قديما، خلق الأشياء لا من شي‏ء ومن زعم أنّ اللّه- عزّ وجلّ- خلق الأشياء من شي‏ء، فقد كفر، لأنّه كان ذلك الشي‏ء [الّذي خلق منه الأشياء، قديما معه في أزليّته وهويّته، كان ذلك الشي‏ء]» أزلّيا.

بل خلق- عزّ وجلّ- الأشياء كلّها لا من شي‏ء فكان ممّا خلق اللّه- عزّ وجلّ- أرضا طيّبة.

ثمّ فجّر منها ماء عذبا زلالا، فعرض عليها ولايتنا أهل البيت، فقبلها، فأجرى ذلك الماء عليها سبعة أيّام، حتّى  طبقها وعمّها. ثمّ نضب ذلك الماء عنها، فأخذ من صفوة ذلك‏الطّين طينا، فجعله طين الأئمّة- عليهم السّلام-. ثمّ أخذ ثفل  ذلك الطّين، فخلق منه شيعتنا. ولو ترك طينتكم يا إبراهيم- على حالها، كما ترك طينتنا، لكنتم ونحن شيئا واحدا.

قلت: يا ابن رسول اللّه، فما فعل بطينتنا؟ قال: أخبرك يا إبراهيم. خلق اللّه- عزّ وجلّ- بعد ذلك أرضا سبخة خبيثة منتنة. ثمّ فجر منها ماء أجاجا آسنا  مالحا.

فعرضا عليها ولايتنا أهل البيت، فلم تقبلها. فأجرى ذلك الماء عليها سبعة أيّام، حتّى طبقها وعمّها. ثمّ نضب ذلك الماء عنها. ثم أخذ من ذلك الطّين، فخلق منه الطّغاة وأئمّتهم، ثمّ مزجه بثفل طينتكم ، ولو ترك طينتهم على حالها ولم تمزج بطينتكم، لم يشهدوا الشّهادتين، ولا صلّوا، ولا صاموا، ولا زكوا، ولا حجّوا، ولا أدّوا أمانة، ولا أشبهوكم في الصّور. وليس شي‏ء أكبر على المؤمن من أن يرى صورة عدوّه مثل صورته.

قلت: يا ابن رسول اللّه، فما صنع بالطّينتين؟ قال: مزج بينهما بالماء الأوّل والماء الثّاني. ثمّ عركها عرك الأديم. ثمّ أخذ من ذلك قبضة فقال: هذه إلى الجنّة ولا أبالي! وأخذ قبضة أخرى، وقال: هذه إلى النّار ولا أبالي. ثمّ خلط بينهما، فوقع من سنخ  المؤمن وطينته، على سنخ الكافر وطينته. ووقع من سنخ الكافر وطينته، على سنخ المؤمن وطينته.

فما رأيته من شيعتنا من زنا أو لواط، أو ترك صلاة أو صيام أو حجّ أو جهاد، أو خيانة، أو كبيرة من هذه الكبائر، فهو من طينة النّاصب وعنصره الّذي قد مزج فيه. لأنّ من سنخ النّاصب وعنصره وطينته، اكتساب المآثم والفواحش والكبائر.

و ما رأيت من النّاصب من مواظبته على الصّلاة والصّيام والحجّ والزّكاة  والجهاد وأبواب البرّ، فهو من طينة المؤمن وسنخه الّذي قد مزج فيه. لأنّ من سنخ المؤمن وعنصره وطينته، اكتساب الحسنات واستعمال الخير واجتناب المآثم.

فإذا عرضت هذه الأعمال كلّها على اللّه- عزّ وجلّ- قال: أنا اللّه  عدل لا أجور، ومنصف لا أظلم، وحكم لا أحيف. ولا أميل ولا أشطط. الحقوا الأعمال السّيّئة الّتي اجترحها المؤمن بسنخ النّاصب وطينته، والحقوا الأعمال الحسنة الّتي اكتسبها النّاصب بسنخ المؤمن وطينته. ردّوها كلّها إلى أصلها. فإنّي أنا اللّه، لا إله إلّا أنا، عالم السّرّ وأخفى.و أنا المطّلع على قلوب عبادي. لا أحيف ولا أظلم، ولا ألزم أحدا إلّا ما عرفته منه قبل أن أخلقه.

ثمّ قال الباقر- عليه السّلام-: يا إبراهيم، اقرأ  هذه الآية. قلت: يا ابن رسول اللّه، أيّه آية؟ قال: قوله تعالى: قالَ مَعاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ  هو في الظّاهر ما تفهمونه. هو- واللّه- في الباطن هذا بعينه. يا إبراهيم، إنّ للقرآن ظاهرا وباطنا ومحكما ومتشابها وناسخا ومنسوخا.

ثمّ قال: اخبرني يا إبراهيم عن الشّمس، إذا طلعت وبدا شعاعها في البلدان، أهو بائن من القرص؟ قلت: في حال طلوعه بائن. قال: أليس إذا غابت الشّمس اتّصل ذلك الشّعاع بالقرص حتّى يعود إليه؟ قلت: نعم قال: كذلك يعود كلّ شي‏ء إلى سنخه وجوهره وأصله. فإذا كان يوم القيامة، نزع اللّه- عزّ وجلّ- سنخ النّاصب وطينته، مع أثقاله وأوزاره من المؤمن، فيلحقها كلّها [بالنّاصب وينزع سنخ المؤمن وطينته، مع حسناته وأبواب برّه واجتهاده من النّاصب، فيلحقها كلّها]  بالمؤمن. أفترى هاهنا ظلما أو عدوانا؟ قلت: لا، يا ابن رسول اللّه.

قال: هذا- واللّه- القضاء الفاصل والحكم القاطع والعدل البيّن. لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ.  هذا يا إبراهيم الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ  هذا من حكم الملكوت.

قلت: يا ابن رسول اللّه، وما حكم الملكوت؟ قال: حكم اللّه وحكم أنبيائه، وقصّة الخضر وموسى- عليهما السّلام- حين استصحبه. فقال: إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً. وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً  افهم يا إبراهيم واعقل. أنكر موسى على الخضر، واستفظع أفعاله، حتّى قال له الخضر: يا موسى، ما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي  إنّما فعلته عن أمر اللّه- عزّ وجلّ-. من هذا- ويحك يا إبراهيم!- قرآن يتلى وأخبار تؤثر عن اللّه- عزّ وجلّ-.

و من ردّ منها حرفا، فقد كفر وأشرك وردّ على اللّه- عزّ وجلّ-.قال اللّيثي: فكأنّي لم أعقل الآيات- وأنا أقرأها أربعين سنة- إلّا ذلك اليوم.

فقلت: يا ابن رسول اللّه، ما أعجب هذا! تؤخذ حسنات أعدائكم، فتردّ على شيعتكم، وتؤخذ سيّئات محبّيكم، فتردّ على مبغضيكم!؟

قال: إي، واللّه الّذي لا إله إلّا هو، فالق الحبّة وبارئ النّسمة، وفاطر الأرض والسّماء، ما أخبرتك إلّا بالحقّ، ولا أنبأتك إلّا بالصّدق . وما ظلمهم اللّه وما اللّه بظّلام للعبيد. وإنّ ما أخبرتك موجود في القرآن كلّه.

قلت: هذا بعينه يوجد في القرآن؟ قال: نعم، يوجد في أكثر من ثلاثين موضعا في القرآن. أ تحبّ أن أقرأ ذلك عليك؟ قلت: بلى، يا ابن رسول اللّه.

فقال: قال اللّه - عزّ وجلّ-: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ (الآية) أزيدك يا إبراهيم؟ قلت: بلى يا ابن رسول اللّه.

قال: لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ  أ تحبّ أن أزيدك؟ قلت: بلى، يا ابن رسول اللّه.

قال: فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً يبدّل اللّه سيّئات شيعتنا حسنات، ويبدّل اللّه حسنات أعدائنا سيّئات. وجلال اللّه [و وجه اللّه‏]  إنّ هذا لمن عدله وإنصافه. لا رادّ لقضائه ولا معقّب لحكمه. وهو السّميع العليم.

و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.

و في شرح الآيات الباهرة : روى الشّيخ محمّد بن يعقوب- رحمه اللّه- [عن عدّة من أصحابنا] ، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن أبي جميلة، عن محمّد الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال:

 

قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: إنّ اللّه- سبحانه- مثّل لي أمّتي في الطّين، وعلّمني أسماءهم كما علّم آدم الأسماء كلّها. فمرّبي أصحاب الرّايات، فاستغفرت لعليّ وشيعته. وإن ربّي وعدني في شيعة عليّ خصلة.قيل: يا رسول اللّه، وما هي؟ قال: المغفرة لمن آمن منهم، ولم يغادر لهم صغيرة ولا كبيرة، إلّا غفرها لهم، ويبدّل السّيّئات حسنات.

و روى الشّيخ أبو القاسم  جعفر بن [محمّد بن‏]  قولويه- رحمه اللّه- بإسناده إلى رجاله، عن منيع، عن صفوان بن يحيى، عن صفوان بن مهران، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: أهون ما يكسب زائر الحسين- عليه السّلام- في كلّ حسنة، ألف ألف حسنة والسّيّئة واحدة. وأين الواحدة من ألف ألف؟ ثمّ قال: يا صفوان، أبشر.

إنّ للّه ملائكة معها قضبان من نور. فإذا أراد الحفظة أن تكتب على زائر الحسين سيّئة، قالت الملائكة للحفظة: كفّي. فتكفّ. فإذا عمل حسنة، قالت: لها اكتبي. أولئك الّذين يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ، وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً.

 

وَ مَنْ تابَ عن المعاصي، بتركها والنّدم عليها.

وَ عَمِلَ صالِحاً يتلافى به ما فرط. أو: خرج عن المعاصي، ودخل في الطّاعة.

فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ يرجع إلى اللّه بذلك مَتاباً : مرضيّا عند اللّه، ماحيا للعقاب، محصّلا للثّواب. أو: يتوب متابا إلى اللّه الّذي يجبّ النّائبين ويصطنع بهم. أو:

فإنّه يرجع إلى وإلى ثوابه، مرجعا حسنا.

و هذا تعميم بعد تخصيص.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وحدّثني أبي، عن جعفر وإبراهيم، عن أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- قال: إذا كان يوم القيامة، أوقف اللّه- عزّ وجلّ- المؤمن بين يديه، وعرض عليه عمله. فينظر في صحيفته. فأوّل ما يرى سيّئاته.

فيتغيّر بذلك لونه، وترتعد فرائصه. ثمّ تعرض عليه حسناته، فتفرح لذلك نفسه.

فيقول اللّه- عزّ وجلّ-: «بدّلوا سيّئاتهم‏]  حسنات وأظهروها للنّاس»، فيبدّل اللّه لهم.

فيقول النّاس: أما كان لهؤلاء سيّئة واحدة!؟ وهو قوله- تعالى-: يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ- إلى قوله- فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتاباً. يقول: لا يعود إلى شي‏ء من ذلك، بإخلاص  ونيّة صادقة.وَ الَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ: لا يقيمون الشّهادة الباطلة. أو: لا يحضرون محاضر الكذب. فإنّ مشاهدة الباطل شركة فيه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قوله- عزّ وجلّ-: وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ، قال:

الغناء، أو مجالسة أهل اللّهو.

و في الكافي : أبو عليّ الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان، عن أبي أيّوب الخزّاز، عن محمّد بن مسلم، عن أبي الصّباح، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-: وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ، قال: الغناء.

عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيّوب، عن محمّد بن مسلم، عن أبي الصّباح الكنانيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله اللّه- عزّ وجلّ-:

وَ الَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ، قال: هو الغناء.

و في جوامع الجامع : لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ، أي: مجالس الفسّاق، ولا يحضرون الباطل.

و قيل :

هو الغناء. وروي ذلك عن السّيّدين الباقر والصّادق- عليهما السّلام-.

و في مواعظ عيسى بن مريم - عليه السّلام-: إيّاكم ومجالسة الخطّائين!

و في مجمع البيان : وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ. قيل: هو الغناء. وهو المرويّ عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه- عليهما السّلام-.

وَ إِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ: ما يجب أن يلقى ويطرح، مَرُّوا كِراماً : معرضين عنه، مكرمين أنفسهم عن الوقوف عليه والخوض فيه. ومن ذلك: الإغضاء عن الفواحش والصّفح عن الذّنوب، والكناية عمّا يستهجن التّصريح به.

و في محاسن البرقيّ:  عنه، عن ابن فضّال، عن عليّ بن عقبة، عن أبيه، عن سليمان بن خالد قال: كنت في محملي  أقرأ، إذ ناداني أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: اقرأبا سليمان، فإنّا في هذه الآيات الّتي في آخر تبارك - إلى قوله:- قال: ثمّ قرأت، حتّى انتهيت إلى قوله: وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً. فقال: هذه فينا.

و في مجمع البيان : وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً. وقيل: هم الذين إذا أرادوا ذكر الفرج،- كنّوا عنه. عن أبي جعفر- عليه السّلام-.

و في الكافي : سهل بن زياد، عن سعيد بن جناح، عن حمّاد، عن أبي أيّوب الخزّاز قال: نزلنا المدينة، فأتينا أبا عبد اللّه- عليه السّلام-. فقال لنا: أين نزلتم؟ قلنا: على فلان صاحب القيان . فقال: «كونوا كراما» فو اللّه ما علمنا ما أراد به، وظننّا أنّه يقول: تفضّلوا عليه. فعدنا إليه، فقلنا: إنّا لا ندري ما أردت بقولك. «كونوا كراما». فقال: أما سمعتم قول اللّه- عزّ وجلّ- في كتابه: وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً.

و في عيون الأخبار  بإسناده إلى محمّد بن أبي عبّاد- وكان مشتهرا بالسّماع وبشرب النّبيذ- قال: سألت الرّضا- عليه السّلام- عن السّماع. فقال: لأهل الحجاز رأي فيه، وهو في حيّز الباطل واللّهو. أما سمعت اللّه- عزّ وجلّ- يقول: وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً.

و في أصول الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن بريد، قال: حدّثنا أبو عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- وذكر حديثا طويلا يقول فيه- عليه السّلام-: وفرض اللّه على السّمع أن يتنزّه عن الاستماع إلى ما حرّم اللّه، وأن يعرض عمّالا يحلّ له ممّا نهى اللّه- عزّ وجلّ- عنه والإصغاء إلى ما أسخط اللّه. فقال  في ذلك: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ- إلى أن قال- عليه السّلام-:

و قال: وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً. فهذا ما فرض اللّه على السّمع من الإيمان، أن لا يصغي إلى مالا يحلّ له. وهو عمله وهو من الإيمان.

وَ الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ: بالوعظ أو القراءة، لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها

صُمًّا وَعُمْياناً : لم يقيموا عليها غير واعين لها ولا متبصّرين بما فيها كمن لا يسمع ولا يبصر، بل أكبّوا عليها سامعين بآذان واعية، مبصرين بعيون راعية. فالمراد من النّفي، نفي الحال دون الفعل، كقولك: لا يلقاني زيد مسلما.

و قيل : الهاء للمعاصي المدلول عليها باللّغو.

و في روضة الكافي : عليّ بن محمّد، عن عليّ بن العبّاس، عن محمّد بن زياد، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً قال: مستبصرين، ليسوا بشكّاك.

و في محاسن البرقيّ : عنه، عن ابن فضّال، عن عليّ بن عقبة، عن أبيه، عن سليمان بن خالد، قال: كنت في محملي  أقرأ، إذ ناداني أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: أقرأ يا سليمان، فإنّا في هذه الآيات الّتي في آخر تبارك- إلى قوله-: ثمّ قرأت: وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً، فقال: هذه فيكم. إذا ذكرتم فضلنا، لم تشكّوا.

وَ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ: بتوفيقهم للطّاعة وحيازة الفضائل. فإنّ المؤمن إذا شاركه أهله في طاعة اللّه، سرّ بهم قلبه وقرّت. بهم عينه، لما يرى من مساعدتهم له في الدّين وتوقّع لحوقهم به في الجنّة.

و «من» ابتدائيّة أو بيانيّة، كقولك: رأيت منك أسدا.

و قرأ  أبو عمرو وحمزة والكسائي وأبو بكر: «و ذرّيّنا».

و قرأ ابن عامر والحرميّان وحفص ويعقوب: «ذريّاتنا» بالألف.

و تنكير الأعين، لإرادة تنكير القرّة تعظيما. وتقليلها لأنّ المراد، أعين المتّقين. وهي قليلة بالإضافة إلى عيون غيرهم.

و في محاسن البرقيّ

 متّصل بقوله فضلنا لم تشكّوا: ثمّ قرأت وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ إلى آخر السّورة. فقال: هذه فينا.

وَ اجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً : يقتدون بنا في أمر الدّين، بإضافة العلم‏و التّوفيق للعمل.

و توحيده إمّا لدلالته على الجنس وعدم اللّبس، كقوله : ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا. أو لأنّه مصدر في أصله، أو لأنّ المراد: واجعل كلّ واحد منّا. أو لأنّهم كنفس واحدة لاتّحاد طريقتهم واتّفاق كلمتهم.

و قيل : جمع آمّ، كصائم وصيام، في معنى قاصدين لهم مقتدين بهم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : قال: وقرئ عند أبي عبد اللّه- عليه السّلام-: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً. فقال: قد سألوا اللّه عظيما أن يجعلهم للمتّقين أئمّة. فقيل له: كيف هذا يا ابن رسول اللّه؟ قال: إنّما أنزل اللّه: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً».

حدّثنا محمّد بن أحمد ، قال: حدّثنا الحسن  بن محمّد، عن حمّاد، عن أبان بن تغلب قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ وجلّ-: الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً. قال: نحن هم أهل البيت.

و روي غيره

 أنّ أَزْواجِنا خديجة. وذُرِّيَّاتِنا فاطمة- عليها السّلام-. وقُرَّةَ أَعْيُنٍ الحسن والحسين- عليهما السلام-. وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً عليّ بن أبي طالب والأئمّة - صلوات اللّه عليهم. انتهى.

و في جوامع الجامع  عن الصّادق- عليه السّلام- في قوله: وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً. فقال- عليه السّلام-: إيّانا عنى.

و روي  عنه- عليه السّلام- أنّه قال: هذه فينا.

و عن أبي بصير  قال: قلت: وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً، فقال- عليه السّلام-:

سألت ربّك عظيما! إنّما هي: «و اجعل لنا من المتّقين إماما».و في روضة الواعظين  للمفيد- رحمه اللّه-: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله-: حفّت الجنّة بالمكاره. وحفّت النّار بالشّهوات. قال اللّه- تعالى- لداود- عليه السّلام-:

حرام على كلّ قلب عالم محبّ للشّهوات، أن أجعله إماما للمتّقين.

و في كتاب المناقب  لابن شهر آشوب: أبو الفضل بن دكين ، عن سفيان، عن الأعمش، عن مسلم بن البطين، عن سعيد بن جبير، في قوله- تعالى-: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا [وَ ذُرِّيَّاتِنا (الآية). قال: هذه الآية- واللّه- خاصّة في أمير المؤمنين عليّ- عليه السّلام-. كان أكثر دعائه يقول: رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا] ، يعني: فاطمة- عليها السّلام- وَذُرِّيَّاتِنا الحسن والحسين- عليهما السّلام- قُرَّةَ أَعْيُنٍ.

قال أمير المؤمنين: واللّه، ما سألت ربّي ولدا [نضير الوجه، ولا سألته ولدا حسن القامة، ولكن سألت ربّي ولدا]  مطيعين للّه، خائفين وجلين منه، حتّى إذا نظرت إليه، وهو مطيع للّه، قرّت به عيني. قال: وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً، قال: نقتدي بمن قبلنا من المتّقين، فيقتدي المتّقون بنا من بعدنا.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس- رحمه اللّه-: حدّثنا أحمد بن محمّد بن سعيد، عن حريث بن عمر  الحارثيّ، عن إبراهيم بن الحكم، عن  ظهير، عن أبيه، عن السّدّي، عن أبي مالك، عن ابن عبّاس قال: قوله وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا (الآية) نزلت في عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.

و قال : حدّثنا محمّد بن الحسين، عن جعفر بن عبد اللّه المحمّدي، عن كثير بن عيّاش ، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً، أي: هداة يهتدي بنا. وهذه لآل محمّد- صلوات اللّه عليهم- خاصّة.

و قال أيضا محمّد بن العبّاس - رحمه اللّه-: حدّثنا محمّد بن القاسم بن سلام، عن‏

 عبيد بن كثير، عن الحسين بن [نصر بن‏] مزاحم ، عن عليّ بن زيد الخراسانيّ، عن عبد اللّه بن وهب الكوفيّ، عن أبي هارون العبديّ، عن أبي سعيد الخدريّ، في قول اللّه- عزّ وجلّ-:

رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً:

قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وآله- لجبرئيل- عليه السّلام-: مِنْ أَزْواجِنا؟

قال: خديجة. قال: وَذُرِّيَّاتِنا؟ قال: فاطمة- صلوات اللّه عليها. قال: قُرَّةَ أَعْيُنٍ؟ قال:

الحسن والحسين- عليهما السّلام-.

قال: وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً؟ قال: عليّ بن أبي طالب- صلّى اللّه عليهم أجمعين، صلاة-» باقية إلى يوم الدّين.

أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ: أعلى مواضع الجنّة. وهي اسم جنس، أريد به الجمع- كقوله:  وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ- وللقراءة بها.

و قيل : هي من أسماء الجنّة.

بِما صَبَرُوا: بصبرهم على المشاقّ، من مضض الطّاعات ورفض الشّهوات وتحمّل المجاهدات.

وَ يُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً :

دعاء بالتّعمير  والسّلامة، أي يحيّيهم الملائكة، ويسلّمون عليهم.

أو: يحيّي بعضهم بعضا، ويسلّم عليه. أو: تبقية دائمة وسلامة من كلّ آفة.

و قرأ  حمزة والكسائي وأبو بكر: «و يلقون» من لقي.

خالِدِينَ فِيها: لا يموتون ولا يخرجون.

حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً : مقابل ساءَتْ مُسْتَقَرًّا  معنى، ومثله إعرابا.

و في كتاب المناقب  لابن شهر آشوب- رحمه اللّه- متّصلا بقوله: «فيقتدي المتّقون بنامن بعدنا». وقال اللّه: أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا، يعني عليّ بن أبي طالب والحسن والحسين وفاطمة- عليهم السّلام-. وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً.

قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي: ما يصنع بكم. من عبّأت الجيش: إذا هيّأته. أو:

لا يعتدّ بكم، لَوْ لا دُعاؤُكُمْ: لو لا عبادتكم.

فإنّ شرف الإنسان وكرامته بالمعرفة والطّاعة، وإلّا فهو وسائر الحيوانات سواء.

و قيل : معناه ما يصنع بعذابكم، لو لا دعاؤكم معه آلهة.

و «ما» إن جعلت استفهاميّة، فمحلّها النّصب على المصدرية. كأنّه قيل: أيّ عب‏ء يعبأ بكم.

و في أمالي شيخ الطّائفة - قدّس سرّه- بإسناده إلى جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- عن آبائه، عن عليّ بن أبي طالب- عليهم السّلام- أنّه قال: أربع للمرء لا عليه- إلى قوله:- والدّعاء. فإنّه قال- تعالى-: قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ.

و في مجمع البيان : روى العيّاشيّ بإسناده عن بريد  بن معاوية العجليّ، قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام-: كثرة القراءة أفضل أو كثرة الدّعاء ؟ قال: كثرة الدّعاء أفضل. وقرأ هذه الآية.

فَقَدْ كَذَّبْتُمْ: بما أخبرتكم به، حيث خالفتموه.

و قيل : فقد قصّرتم في العبادة، من قولهم: كذّب القتال: إذا لم يبالغ فيه.

و قرى : «فقد كذّب الكافرون»، أي: الكافرون منكم. لأنّ توجّه الخطاب إلى النّاس عامّة، بما وجد في جنسهم من العبادة والتّكذيب.

فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً : يكون جزاء التّكذيب لازما يحيق بكم لا محال. أو أثره لازما بكم حتّى يكبّكم في النّار.

و إنّما أضمر من غير ذكر، للتّهويل والتّنبيه على أنّه ممّا لا يكتنهه الوصف.و قيل : المراد قتل يوم بدر، وأنّه لوزم بين القتلى لزاما.

و قرئ : «لزاما» بمعنى اللّزوم، كالثّبات والثّبوت.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله- عزّ وجلّ-: قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ يقول: ما يفعل ربّي بكم. فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً.