سورة الرّوم الآية 1-20

سورة الرّوم مكّيّة، إلّا قوله: فَسُبْحانَ اللَّهِ. وهي ستّون، أو تسع وخمسون آيه.

بسم الله الرحمن الرحيم‏

في كتاب ثواب الأعمال ، بإسناده إلى أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: من قراء سورة العنكبوت والرّوم في شهر رمضان ليلة ثلاث وعشرين، فهو- واللَّه يا أبا محمّد- من أهل الجنّة. لا أستثني فيه أبدا. ولا أخاف أن يكتب اللَّه عليّ ما في يميني إثما. وإنّ لهاتين السّورتين من اللَّه مكانا.

و في مجمع البيان : أبيّ بن كعب، عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- قال: ومن قرأها، كان له من الأجر عشر حسنات بعدد كلّ ملك سبّح للَّه ما بين السّماء والأرض.

و أدرك ما ضيّع في يومه وليلته.

الم : مرّ تفسيره.

غُلِبَتِ الرُّومُ  فِي أَدْنَى الْأَرْضِ:

قيل : أَدْنَى الْأَرْضِ من أرض العرب.

و قيل : في أدنى الأرض، من أرض الشّام إلى أرض فارس. يريد الجزيرة. وهي أقرب أرض الرّوم إلى أرض فارس.

و قيل : يريد أذرعات وكسكر.

و في شرح الآيات الباهرة : محمّد بن العبّاس- رحمه اللَّه- عن أحمد بن محمّد بن سعيد، عن الحسن بن القاسم قراءة عن عليّ بن إبراهيم المعلّى، عن فضيل بن إسحاق، عن يعقوب بن شعيب، عن عمران بن ميثم ، عن عباية، عن عليّ- صلوات اللَّه عليه- قال: قوله- عزّ وجلّ-: الم غُلِبَتِ الرُّومُ. هي فينا وفي بني أميّة.

وَ هُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ: من إضافة المصدر إلى المفعول.

و قرئ «غلبهم» وهو لغة. كالجلب.

سَيَغْلِبُونَ :

و قرئ: «غلبت» بالفتح. و«سيغلبون» بالضّمّ.  ومعناه: أنّ الرّوم غلبوا على ريف الشّام، والمسلمون سيغلبونهم. وفي السّنة التّاسعة من نزوله، غزاهم المسلمون وفتحوا بعض بلادهم. وعلى هذا يكون إضافة الغلب إلى الفاعل.

و في كتاب الاستغاثة،  للشّيخ ميثم: ولقد روينا من طريق علماء أهل البيت- عليهم السّلام- في أسرارهم وعلومهم الّتي خرجت منهم إلى علماء شيعتهم: أنّ قوما ينسبون إلى قريش. وليسوا من قريش بحقيقة النّسب- وهذا ممّا لا يجوز أن يعرفه إلّا معدن النّبوّة وورثة علم الرّسالة- وذلك مثل بني أميّة. ذكروا: أنّهم  ليسوا من قريش.

و أنّ أصلهم من الرّوم. وفيهم تأويل هذه الآية الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ. معناه: أنّهم غلبوا على الملك. وسيغلبهم على ذلك بني العبّاس.

فِي بِضْعِ سِنِينَ:

في مجمع البيان : قال: كان المشركون [يجادلون المسلمون، وهم بمكّة. يقولون: إنّ الرّوم أهل الكتاب، وقد غلبهم الفرس. وأنتم تزعمون أنّكم ستغلبون‏]  بالكتاب الّذي نزل‏على نبيّكم فسنغلبكم كما غلب قوم فارس من الرّوم. فأنزل اللَّه- تعالى- الم غُلِبَتِ الرُّومُ. إلى قوله: فِي بِضْعِ سِنِينَ.

قال: فأخبرني عبد اللَّه بن عتبة بن مسعود، أنّ أبا بكر ناصب بعض المشركين قبل أن يحرّم القمار على شي‏ء إن لم تغلب فارس في سبع سنين.

فقال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: لم فعلت؟ فكلّ ما دون العشر بضع. فكان ظهور فارس على الرّوم في تسع سنين. ثمّ أظهر اللَّه الرّوم على فارس زمن الحديبية، ففرح المسلمون بظهور أهل الكتاب.

و روى أبو عبد اللَّه الحافظ»

 بالإسناد: عن ابن عبّاس في قوله: الم غُلِبَتِ الرُّومُ. قال: قد مضى. وكان ذلك في أهل فارس والرّوم. وكانت فارس قد غلبت عليهم، ثمّ غلبت الرّوم بعد ذلك. ولقي نبيّ اللَّه مشركي العرب، والتقت الرّوم وفارس. فنصر اللَّه النّبيّ ومن معه على مشركي العرب، ونصر أهل الكتاب على مشركي العجم ففرح المسلمون بنصر اللَّه إيّاهم، ونصر أهل الكتاب على العجم.

قال: عطيّة: وسألت أبا سعيد الخدريّ عن ذلك.

فقال: التقينا مع رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- ومشركو العرب، والتقت الرّوم وفارس فنصرنا اللَّه على مشركي العرب، ونصر أهل الكتاب على المجوس. ففرحنا بنصر اللَّه إيّانا على مشركي العرب، ونصر أهل الكتاب على المجوس. فذلك قوله: يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ.

و قيل : لما غلب فارس على الرّوم وبلغ الخبر مكّة، فرح المشركون وشمتوا بالمسلمين. وقالوا: أنتم والنّصارى أهل كتاب. ونحن وفارس أمّيّون. وقد ظهر إخواننا على إخوانكم. ولنظهرنّ عليكم فنزلت.

فقال لهم أبو بكر: لا يقرّنّ اللَّه أعينكم. فو اللَّه ليظهرنّ الرّوم على فارس بعد بضع سنين فقال له أبّي بن خلف: كذبت اجعل بيننا وبينك أجلا أناحبك عليه. فناحبه على عشر قلائص من كلّ واحد منهما. وجعلا الأجل ثلاث سنين. فأخبر أبو بكر رسول‏اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-.

فقال: البضع: ما بين الثّلاث إلى التّسع. فزايده في الخطر ومادة في الأجل، فجعلاه مائة قلوص إلى تسع سنين. ومات أبيّ بن خلف من جرح رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- بعد قفوله من أحد. وظهرت الرّوم على فارس يوم الحديبية. فأخذ أبو بكر الخطر من ورثة أبيّ، وجاء به إلى رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-.

فقال: تصدّق به.

لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ: من قبل كونهم غالبين، ومن بعد كونهم غالبين.

و هو وقت كونهم غالبين، أي: له الأمر حين غلبوا وحين يغلبون. ليس شي‏ء منهما إلّا بقضائه.

و قرئ: «من قبل ومن بعد» من غير تقدير مضاف إليه. كأنّه قيل: قبلا وبعدا، أي: أوّلا وآخرا.

و في الخرائج والجرائح،  في أعلام الحسن العسكريّ- عليه السّلام- ومنها ما قال أبوه: سأل محمّد بن صالح أبا محمّد- عليه السّلام- عن قول اللَّه- تعالى- لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ.

فقال: له الأمر من قبل أن يأمر به. وله الأمر من بعد أن يأمر به بما يشاء.

وَ يَوْمَئِذٍ: ويوم يغلب الرّوم.

يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ  بِنَصْرِ اللَّهِ قيل : من له كتاب على من لا كتاب له. لما فيه من انقلاب التّفاؤل، وظهور صدقهم فيما أخبروا به المشركين، وغلبتهم في رهانهم، وازدياد يقينهم، وثباتهم في دينهم.

و قيل : بنصر اللَّه المؤمنين، بإظهار صدقهم. أو بأن ولي بعض أعدائهم بعضا حتّى تفانوا.

يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ: فينصر هؤلاء تارة وهؤلاء أخرى.

و في روضة الكافي : ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن أبي عبيدة قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللَّه- عزّ وجلّ-: الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ.قال: فقال: يا أبا عبيدة إنّ لهذا تأويلا لا يعلمه إلّا اللَّه والرّاسخون في العلم من آل محمّد- عليهم السّلام- إنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- لمّا هاجر إلى المدينة وأظهر الإسلام، كتب إلى ملك الرّوم كتابا وبعث به مع رسول يدعوه إلى الإسلام. وكتب إلى ملك فارس كتابا يدعوه إلى الإسلام، وبعثه إليه مع رسوله. فأمّا ملك الرّوم، فعظّم كتاب رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- وأكرم رسوله. وأمّا ملك فارس، فإنّه استخفّ بكتاب رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- ومزّقه واستخفّ برسوله.

و كان ملك فارس يومئذ يقاتل ملك الرّوم. وكان المسلمون يهوون أن يغلب ملك الرّوم ملك فارس. وكانوا لناحيته أرجى منهم لملك فارس. فلمّا غلب ملك فارس ملك الرّوم، كره ذلك المسلمون فاغتمّوا به. فأنزل اللَّه- عزّ وجلّ- بذلك كتابا قرآنا: الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ، يعني: غلبتها فارس في أدنى الأرض. وهي الشّامات وما حولها. وَهُمْ، يعني: وفارس مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ الرّوم سَيَغْلِبُونَ، يعني: يغلبهم المسلمون. [فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ فلما غزا المسلمون‏]  فارس وافتتحوها فرح المسلمون بنصر اللَّه- عزّ وجلّ-.

قال: قلت: أليس اللَّه- عزّ وجلّ- يقول: فِي بِضْعِ سِنِينَ وقد مضى للمؤمنين سنون كثيرة مع رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- وفي إمارة أبي بكر، وإنّما غلب المؤمنون فارس في إمارة عمر؟

فقال: ألم أقل لك: إنّ لهذا تأويلا وتفسيرا؟ والقرآن- يا أبا عبيدة- ناسخ ومنسوخ. أما تسمع لقول اللَّه- عزّ وجلّ-: لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ، يعني: إليه المشيئة في القول. أن يؤخّر ما قدّم، ويقدّم ما أخّر في القول إلى يوم يحتم القضاء بنزول النّصر فيه على المؤمنين. وذلك قوله- عزّ وجلّ-: وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ، أي: يوم يحتم القضاء بالنّصر.

و في شرح الآيات الباهرة : قال محمّد بن العبّاس حدّثنا الحسن بن محمّد بن جمهور القمّيّ، عن أبيه، عن جعفر بن بشير، عن الوشّاء، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال: سألته عن تفسير الم غُلِبَتِ الرُّومُ قال: هم بنو أميّة. وإنّما أنزلها اللَّه- عزّ وجلّ- الم غلبت الروم بنو أمية في أدنى‏الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنين بنصر الله عند قيام القائم- عليه السّلام-.

وَ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ : ينتقم من عباده بالنّصر عليهم تارة، ويتفضّل عليهم بنصرهم أخرى.

وَعْدَ اللَّهِ: مصدر مؤكد لنفسه. لأنّ ما قبله في معنى الوعد.

لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ: لامتناع الكذب عليه.

وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ : وعده، ولا صحّة وعده. لجهلهم، وعدم تفكّرهم.

يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا: ما يشاهدونه منها والتّمتّع بزخارفها.

و في مجمع البيان : وسئل أبو عبد اللَّه- عليه السّلام- عن قوله- عزّ وجلّ- يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا.

فقال: الزّجر والنّجوم.

وَ هُمْ عَنِ الْآخِرَةِ: التّي هي غايتها والمقصود منها هُمْ غافِلُونَ : لا تخطر ببالهم.

و «هم» الثّانية تكرير للأولى. أو مبتدأ و«غافلون» خبره. والجملة خبر الأولى.

و هو على الوجهين مناد على تمكّن غفلتهم عن الآخرة، المحقّقة لمقتضى الجملة المتقدّمة المبدلة من قوله: «لا يعلمون»: تقريرا لجهالتهم، وتشبيها لهم بالحيوانات المقصور إدراكها من الدّنيا ببعض ظاهرها. فإنّ من العلم بظاهرها، معرفة حقائقها وصفاتها وخصائصها وأفعالها وأسبابها وكيفيّة التّصرّف فيها. فلذلك قال: «ظاهرا» وأمّا باطنها، فإنّها مجاز إلى الآخرة ووصلة إلى نيلها وأنموذج لأحوالها. وإشعارا بأنّه لا فرق بين عدم العلم والعلم الّذي يختصّ بظاهر الدّنيا.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم- رحمه اللَّه- : يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا، يعني:

ما يرونه حاضرا. وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ قال: يرون حاضر الدّنيا ويتغافلون عن الآخرة.

أَ وَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ: أ ولم يحدّثوا التّفكّر فيها. أو أو لم يتفكّروا في أمرأنفسهم، فإنّها أقرب إليهم من غيرها ومرآة يجتلي فيها للمستبصر ما يجتلي له في الممكنات بأسرها. ليتحقّق له قدرة مبدعها على إعادتها من قدرته على إبدائها.

ما خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ: متعلّق بقول. أو علم محذوف، يدلّ عليه الكلام.

وَ أَجَلٍ مُسَمًّى: تنتهي عنده. ولا تبقي بعده.

وَ إِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ: بلقاء جزائه. عند انقضاء قيام الأجل المسمّى، أو قيام السّاعة.

لَكافِرُونَ : جاحدون. يحسبون أنّ الدّنيا أبديّة، والآخرة لا تكون.

أَ وَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ:

تقرير لسيرهم في أقطار الأرض، ونظرهم إلى آثار المدمّرين قبلهم.

و في كتاب الخصال : سئل الصّادق- عليه السّلام- عن قول اللَّه- تعالى-:

أَ وَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ.

فقال: معناه: أ ولم ينظروا في القرآن.

كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً: كعاد وثمود.

وَ أَثارُوا الْأَرْضَ: قلبوا وجهها. لاستنباط المياه، واستخراج المعادن وزرع البذور وغيرها.

وَ عَمَرُوها: وعمروا الأرض.

أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها: من عمارة أهل مكّة إيّاها. فإنّهم أهل واد غير ذي زرع لا تبسّط لهم في غيرها. وفيه تهكّم بهم، من حيث أنّهم مغترّون بالدّنيا مفتخرون بها وهم أضعف حالا فيها. إذ مدار أمرها على التّبسّط في البلاد والتّسلّط على العباد والتّصرّف في أقطار الأرض بأنواع العمارة، وهم ضعفاء ملجئون الى دار لا نفع بها.

وَ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ: بالمعجزات. أو الآيات الواضحات.

فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ: ليفعل بهم ما يفعل الظّلمه. فيدمرهم من غير جرم ولا تذكير.

وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ : حيث عملوا ما أدّى إلى تدميرهم.ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى، أي: ثمّ كان عاقبتهم العاقبة السّوأى. أو الخصلة السّوأى. فوضع الظّاهر موضع الضّمير، للدّلالة على ما اقتضى أن تكون تلك عاقبتهم وأنّهم جاؤوا بمثل أفعالهم.

 «و السّوأى» تأنيث الأسوأ. كالحسنى. أو مصدر. كالبشرى. نعت بها.

أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ : علّة. أو بدل. أو عطف بيان «للسّوأى». أو خبر «كان».

و «السّوأى» مصدر «أساؤوا». أو مفعوله، بمعنى: ثمّ كان عاقبة الّذين اقترفوا الخطيئة، أن طبع اللَّه على قلوبهم حتّى كذّبوا الآيات واستهزؤوا بها.

و يجوز أن تكون «السّوأى» صلة الفعل. «و أن كذّبوا» تابعها. والخبر محذوف للإبهام والتهويل. وأن تكون «أن» مفسّرة. لأنّ الإساءة إذا كانت مفسّرة بالتّكذيب والاستهزاء، كانت متضمّنة معنى القول.

و قرأ ابن عامر والكوفيّون: «عاقبة» بالنّصب. على أنّ الاسم «السّوأى» و«أن كذّبوا» على الوجوه المذكورة .

اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ: ينشئهم.

ثُمَّ يُعِيدُهُ: يبعثهم.

ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ : للجزاء والعدول إلى الخطاب، للمبالغة في المقصود.

و قرأ أبو عمرو وأبو بكر وروح، بالياء على الأصل .

وَ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ : يسكتون، متحيّرين آيسين.

يقال: ناظره فأبلس: إذا سكت وأيس من أن يحتجّ. ومنه النّاقة المبلاس: الّتي لا ترغو.

و قرئ، بفتح اللّام. من أبلسه: إذا أسكته .

وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ: ممّن أشركوهم باللَّه.

شُفَعاءُ: يجيرونهم من عذاب اللَّه. ومجيئه بلفظ الماضي، لتحقّقه.

وَ كانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ : يكفرون بآلهتهم حين يئسوا منهم.و قيل : كانوا في الدّنيا كافرين بسببهم. وكتب في المصحف «شفعواء» و«علمؤا» بني إسرائيل بالواو. وكذا «السّوأى» بالألف. إثباتا للهمزة على صورة الحرف الّذي منه حركتها.

وَ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ : أي: المؤمنون والكافرون.

و في كتاب الخصال : عن عليّ- عليه السّلام- قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: تقوم السّاعة يوم الجمعة، بين صلاة الظّهر والعصر.

و عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام - قال: السّبت لنا والأحد لشيعتنا- إلى أن قال- عليه السّلام-: وتقوم القيامة يوم الجمعة .

عن أبي لبابة بن عبد المنذر  قال: قال رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: إنّ يوم الجمعة سيّد الأيّام- إلى قوله-: وما من ملك مقرّب ولا سماء ولا أرض ولا رياح ولا جبال ولا برّ ولا بحر، إلّا وهنّ يشفقن من يوم الجمعة أن تقوم فيه السّاعة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم : وقوله- عزّ وجلّ-: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ. قال: إلى الجنّة والنّار.

فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ: أرض ذات أزهار وأنهار.

يُحْبَرُونَ : يسرّون سرورا تهلّلت له وجوههم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم- رحمه اللَّه- : فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ. أي: يكرمون.

و في مجمع البيان : فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ. قيل: يلذّذون بالسّماع.عن يحيى بن أبي كثير الأوزاعيّ : أخبرنا أبو الحسن عبد اللَّه بن محمّد بن أحمد البيهقيّ قال: أخبرنا جدّى الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقيّ قال: حدّثنا أبو سعيد عبد الملك بن أبي عثمان الزّاهد قال: أخبرنا أبو الحسن عليّ بن بندار قال: أخبرنا جعفر بن محمّد بن الحسن القربانيّ قال: حدّثنا سليمان بن عبد الرّحمن الدّمشقيّ قال: حدّثنا خالد بن يزيد بن أبي مالك، عن أبيه، عن خالد بن معدان، عن أبي أمامة الباهليّ أنّ رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- قال: ما من عبد يدخل الجنّة، إلّا ويجلس عند رأسه وعند رجليه ثنتان من الحور العين تغنيانه بأحسن صوت سمعه الإنس والجنّ. وليس بمزمار الشّيطان، ولكن بتحميد اللَّه وتقديسه.

و عن أبي الدّرداء  قال: كان رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- يذكر النّاس. فذكر الجنّة وما فيها من الأزواج والنّعيم، وفي القوم أعرابيّ. فجثا لركبته، وقال: يا رسول اللَّه، هل في الجنّة من سماع؟

قال: نعم، يا أعرابيّ. إنّ في الجنّة نهرا حافّتاه الأبكار من كلّ بيضاء يتغنّين بأصوات لم تسمع الخلائق بمثلها قطّ. فذلك أفضل نعيم الجنّة.

قال الرّاوي: سألت أبا الدّرداء بم يتغنّين؟

قال: بالتّسبيح.

وَ أَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ : مدخلون لا يغيبون عنه.

فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ  وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ : إخبار في معنى الأمر، بتنزيه اللَّه- تعالى- والثّناء عليه في هذه الأوقات الّتي تظهر فيها قدرته وتتجدّد فيها نعمته. أو دلالة على ما يحدث فيها من الشّواهد النّاطقة، وتنزيهه، واستحقاقه الحمد ممّن له تمييز من أهل السّموات والأرض.

و تخصيص التّسبيح بالمساء والصّباح، لأنّ آثار القدرة والعظمة فيها أظهر.

و تخصيص الحمد بالعشيّ، الّذي هو آخر النّهار من عشى العين: إذا نقص نورها.

و الظّهيرة الّتي هي وسطه، تجدّد النّعم فيها أكثر.و يجوز أن يكون «عشيّا» معطوفا على «حين تمسون» وقوله: وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اعتراضا.

و عن ابن عبّاس- رضي اللَّه عنه - أنّ الآية جامعة للصّلوات [الخمس «]  تمسون» صلاتا المغرب والعشاء. و«تصبحون» صلاة الفجر. «و عشيّا» صلاة العصر و«تظهرون» صلاة الظّهر. ولذلك زعم الحسن أنّها مدنيّة. لأنّه كان يقول: كان الواجب بمكّة ركعتين في أي وقت اتّفقت، وإنّما فرضت الخمس بالمدينة. والأكثر على أنّها فرضت بمكّة. وقرئ: «و حينا تمسون وحينا تصبحون»، أي: تمسون فيه وتصبحون فيه .

و في من لا يحضره الفقيه : وروي عن الحسن بن عليّ أبي طالب- عليهما السّلام- أنه قال: جاء نفر من اليهود إلى النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- فسأله أعلمهم عن مسائل. فكان فيما سأله: أخبرني عن اللَّه- عزّ وجلّ- لأىّ شي‏ء فرض هذه الخمس الصّلوات في خمس مواقيت على أمّتك في ساعات اللّيل والنّهار؟

فقال النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: إنّ الشّمس عند الزّوال لها حلقة تدخل فيها إلى أن قال- عليه السّلام- وأمّا صلاة المغرب، فهي السّاعة الّتي تاب اللَّه- عزّ وجلّ- فيها على آدم- عليه السّلام- وكان ما بين ما أكل من الشّجرة وبين ما تاب اللَّه- عزّ وجلّ- عليه ثلاثمائة سنة من أيّام الدّنيا. وفي أيّام الآخرة يوم كألف سنة ما بين العصر إلى العشاء.

فصلّى آدم ثلاث ركعات ركعة لخطيئته وركعة لخطيئة حوّاء وركعة لتوبته. ففرض اللَّه- عزّ وجلّ- هذه الثّلاث ركعات على أمّتي. وهي الساعة الّتي يستجاب فيها الدّعاء.

فوعدني ربّي- عزّ وجلّ- أن يستجيب من دعاه فيها. وهي الصّلاة الّتي أمرني ربّي بها في قوله: فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في كتاب ثواب الأعمال : عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال: من قال حين يمسي ثلاث مرّات: فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ. لم يفته خير يكون في تلك اللّيلة  وصرف عنه جميع شرّها.

و من قال مثل ذلك حين يصبح، لم يفته خير يكون في ذلك اليوم وصرف عنه جميع شرّه.

يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ: كالإنسان من النّطفة. والطّائر من البيضة.

وَ يُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ: النّطفة والبيضة. أو يعقب الحياة بالموت وبالعكس.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم- رحمه اللَّه-  في قوله- عزّ وجلّ-: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ قال: يخرج المؤمن من الكافر. ويخرج الكافر من المؤمن.

وَ يُحْيِ الْأَرْضَ: بالنّبات.

بَعْدَ مَوْتِها: يبسها.

وَ كَذلِكَ: ومثل ذلك الإخراج. تُخْرَجُونَ : من قبوركم فإنّه- أيضا- تعقيب الحياة بالموت.

و قرأ حمزة والكسائيّ، بفتح التّاء .

و في تفسير عليّ بن إبراهيم- رحمه اللَّه- : وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ. ردّ على الدّهريّة .

و في جوامع الجامع : عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه وآله وسلم-: من سرّه أن يكال له بالقفيز الأوفى فليقل: فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ إلى قوله: تُخْرَجُونَ.

و في الكافي : أحمد بن مهران، عن محمّد بن عليّ، عن موسى بن سعدان، عن عبد الرّحمن بن الحجّاج، عن أبي إبراهيم- عليه السّلام- في قوله اللَّه- عزّ وجلّ-: يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قال: ليس يحييها بالقطر. ولكن يبعث اللَّه رجالا فيحيون العدل، فتحيا الأرض لإحياء العدل. ولإقامة العدل فيه ، أنفع في الأرض من القطر أربعين صباحا.

و في كتاب كمال الدّين وتمام النّعمة،  بإسناده إلى حكيمة بنت محمّد بن عليّ بن موسى الرّضا- عليه السّلام- عمّة أبي محمّد الحسن- عليهما السّلام- أنّها قالت: كنت عند أبي‏محمّد- عليه السّلام- فقال: بيتي اللّيل عندنا. فإنّه سيلد المولود الكريم على اللَّه- عزّ وجلّ- الّذي يحي اللَّه الأرض بعد موتها.

فقلت: ممّن يا سيّدي. ولست أرى بنرجس شيئا من أثر الحبل؟

فقال: من نرجس، لا من غيرها.

قالت: فوثبت إليها، فقلّبتها ظهرا البطن. فلم أر بها أثر الحبل. فعدت إليه- عليه السّلام- فأخبرته بما فعلت.

فتبسّم ثمّ قال لي: إذا كان وقت الفجر يظهر لك الحبل. كان  مثلها مثل أمّ موسى، لم يظهر بها الحبل، ولم يعلم بها أحد الى وقت ولادتها. لأنّ فرعون كان يشقّ بطون الحبالى في طلب موسى- عليه السّلام- وهذا نظير موسى- عليه السّلام‏

- والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ، أي: في أصل الإنشاء. لأنّه خلق أصلهم منه.

ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ : ثمّ فاجأتم وقت كونكم بشرا منتشرين في الأرض.